تخيل أنك أحد عناصر قوات الأمم المتحدة، تقف خلف حدود رفح بجوار الشاحنات المبردة المخصصة لنقل الأدوية، وتذهب محبطًا إلى الجانب الآخر من الحدود، حيث قُتل أكثر من 16 ألف طفل في القصف خلال الأشهر الأحد عشر من الحرب، وترى الناس هناك قد حُرِموا من المياه والكهرباء والوقود والغذاء والدواء. ثم تنتظر الحصول على إذن لدخول هذه المدينة، ومساعدة الناس هناك، ولكن ممن؟ من ذاك الذي جلب كل هذه المصائب على هؤلاء، ومن جهةٍ ترى نفسها أعلى من القوانين الدولية، وتُصدر الأوامر للجميع، وتُحدد ما يجب فعله وما لا يجب. عنصرٌ في الأمم المتحدة، وصلتَ طوعًا إلى حدود غزة، وربما عانيت مشقات كثيرة للوصول إلى هناك، ولكن ينتابك شعور لا تجد له وصفًا أفضل من «الشلل». أنت إنسان يريد أن يفعل شيئًا ما، وظاهر الأمر يدل على أنك تملك المعدات اللازمة لفعل ذلك، لكنك عاجز.

هذا العنصر الافتراضي للأمم المتحدة هو كناية عن هذه المنظمة، وأمثالها من المنظمات الدولية المسؤولة عن تطبيق القوانين الدولية، ولكنه لا يملك إمكانية «فرض إرادته». إنّ هذا العجز ليس نتيجة ضربة مفاجئة أو حادث مفجع، بل هو نتيجة مباشرة للشلل السياسي لمنظمةٍ أُصيبت بفيروس الصهيونية منذ طفولتها، ثم في1947، عندما كان عمرها عامين فقط، بعد إصابتها بمرض فرض سلطة اللوبيات الأمريكية والصهيونية عليها، قسمت دولة فلسطين إلى قسمين، ثم بعد عامين اعترفت بعضوية "إسرائيل" بوصفها دولة.

مثل فيروس شلل الأطفال؛ حوّل الصهاينة طفل الأمم المتحدة الصغير إلى خشبة يابسة مسلوبة الإرادة، لا تتحرك إلّا عندما يريد مَن يوجّهونها، وبدون إرادتهم لا يمكنها حماية نفسها، ولا الدفاع عن القيم التي أسستها الأمم من أجلها.

والآن، ينظر هذا المريض الهرِم إلى الطرف الآخر من الحدود، إلى غزة، حيث تم الإبلاغ عن أولى حالات شلل الأطفال بعد أحد عشر شهرًا من الحصار، ومنع دخول الأدوية، وتدمير البنية التحتية الصحية والطبية. وفي حين تم القضاء على هذا النوع من الفيروسات منذ نحو 25 عامًا عبر التطعيم العالمي، لكنه عاد من جديد، يدًا بيد مع «فيروس الصهيونية»، ليصيب الأطفال الفلسطينيين بالشلل. والآن، وبعد سنوات من تغلغل المرض في أعماق كيانها، ليس لدى الأمم المتحدة سوى القدرة على إطلاق النداء وطلب المساعدة؛ تحدّث الأمين العام للأمم المتحدة عن «ضرورة وقف الصراعات من أجل البدء بالتطعيم الجماعي لأطفال غزة»، وقال: «إن هذا العمل يتطلب جهدًا منسقًا وعاجلًا». لكن فيروس الصهيونية أصبح مستحكمًا لدرجة أنه بات لا يكترث لهذه النداءات. وحتى بعد الإبلاغ عن تسجيل ظهور هذا الفيروس، «أَمَرَ الكيان الصهيوني بإخلاء أكثر من 89% من مساحة غزة، وحاصر أكثر من مليوني لاجئ في 11% من مساحة هذا القطاع، وبعد قصفه مناطق في دير البلح؛ جرى تدمير 10 آبار لمياه الشرب». وفي خبر آخر؛ أعلن «مستشفى العودة» في جباليا شمالي غزة، أنه سيتوقف عن العمل بسبب انعدام الوقود.

خلال هذه الأشهر الأحد عشر، سجّل الكيان الصهيوني مستوى جديدًا من جرائم الحرب وانتهاك القوانين الدولية، فقد ارتكب ما يقارب 3500 مجزرة، وهو أمر صادم بذاته، لكنه ارتكب ذلك إلى جانب التدمير المنظّم للمراكز الصحية والعلاجية والبنية التحتية للطاقة. منذ بداية العدوان على غزة، عطّل الكيان أكثر من 30 مستشفى عن العمل، وألحق أضرارًا جسيمة بأكثر من 240 مركزًا طبيًّا، 80 منها تعطّل كليًّا. كما دمّرَ 3000 كيلومتر من البنية التحتية لتوزيع الكهرباء و700 بئر مياه، مما مهّد الأرضية لانتشار الأمراض، وهو اليوم يشاهد نتائج دماره مسروراً! وقد حدث ذلك بينما لم تتمكن المنظمات الدولية إلّا من إرسال عدد قليل من الأطباء المتطوعين إلى غزة، في حين لم يُسمح بدخول المساعدات الإنسانية إليها دون موافقة الصهاينة.

لكن، أليس هنالك حل؟ لقد أثبت التاريخ أنه مثلما نجحت الجهود الجماعية التي بذلتها البشرية للقضاء على فيروس شلل الأطفال في عام 1999، ومثلما شهد شعب جنوب أفريقيا المناضل نهاية نظام الفصل العنصري، فإنه يمكن استئصال فيروس الصهيونية المُشِلّ من على وجه الأرض، مرة واحدة وإلى الأبد. وهكذا، من المؤكد أنه مع القضاء على فيروس الصهيونية؛ ستختفي آثاره على الشعب الفلسطيني خاصة، وشعوب العالم عامة. إن الإرادة القادرة على إزالة هذا الفيروس من جسد المنظمات والمؤسسات الدولية يمكن أن تتحوّل – حتمًا - إلى يدٍ قوية من أجل إحقاق حقوق الشعوب المُضطهَدة في العالم، وسيستفيد الشعب الفلسطيني من هذا الإنجاز أولًا، وقبل الجميع. وبطبيعة الحال، فإن الذكريات المريرة لجرائم هذا الفيروس ستظل محفورة في ذاكرة شعوب العالم لسنوات قادمة، بينما كانت القوى العالمية تتقاعس وتتفرج. ولعل من أدق الأوصاف لطبيعة فيروس الكيان الصهيوني هو ما تطرق إليه الإمام الخامنئي في خطاب «يوم القدس العالمي» عام 2020، خلال «جائحة كورونا»، حين قال: «العالم اليوم يحصي عدد المصابين بكورونا، واحدًا بعد آخر في أرجاء العالم، ولكن لم يسأل أحد - ولا يسأل - مَن هو الفاعل المسؤول عن مئات الآلاف من الشهداء والأسرى والمفقودين في البلدان التي أشعلت فيها أمريكا وأوروبا نيران الحروب؟ مَن المسؤول عن كل هذه الدماء التي أُريقت بدون حق في أفغانستان واليمن وليبيا والعراق وسوريا والبلدان الأخرى! لماذا لم يحصِ أحدٌ هذه الملايين من الأطفال والنساء والرجال المظلومين في العالم الإسلامي؟ لماذا لم يرفع أحدٌ صوت التعزية بما ينزل بالمسلمين من مجازر؟ ... جائحة كورونا اليوم واقعٌ لا شكّ فيه، وكل إنسان ذي فهم وإدراك يدرك أن من الواجب مكافحتها. وجائحة الصهيونية القديمة لن تبقى – من دون شكّ - بعد الآن، وستُجتثّ من هذه المنطقة بهمّة الشباب وإيمانهم وغيرتهم».