بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إنّه من الرائع والعذب والجميل جدًّا بالنسبة لي أن نرى هذا الاجتماع الذي ينعقد هنا اليوم ببركة الاسم المقدّس للنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله). كنّا فيما مضى نجتمع بإخواننا من علماء أهل السنّة - خصوصًا علماء البلوش، فلي تاريخ طويل مع هؤلاء السادة -، ولكن مرّت مدّة دون أن نلتقي بهم، وها أنتم اليوم هنا مجدّدًا بحمد الله. بعض هؤلاء السادة مثل السيّد مولوي عبد الرحمن، مولوي ساداتي، السيّد الملّا قادر – وهو ليس حاضرًا بيننا اليوم -، والسيّد مولوي عبد الصمد، تربطنا بهم علاقات وصداقات قديمة؛ بعضها يعود إلى فترة نفيي إلى إيرانشهر، وبعضها إلى بدايات الثورة. الحمد لله، الجمع الحاضر اليوم يشكّل باقة زاهية من أطياف أهل السنّة في بلادنا. وإنّ كلماتكم[1] التي ألقيتموها كانت موفّقة وصائبة جدًّا، أسأل الله أن يوفّقنا جميعًا للسير على طريق أهداف الإسلام السامية، إن شاء الله.
القضية الأساسيّة بالنسبة لهذا لي هي قضيّة «الأمّة الإسلاميّة». إنّني، ومنذ سنوات، أتعمّد التأكيد على مصطلح «الأمّة الإسلاميّة» بنحو خاصّ، لكيلا ننسى أنّنا أمّة واحدة. صحيح أنّ بعضنا إيرانيّون، وبعضنا عراقيّون، وبعضنا شاميّون، وغير ذلك، لكنّ هذه الحدود لا تغيّر من حقيقة «الأمّة الإسلاميّة». لقد كان كلّ سعي الأعداء أن يجعلونا غير مبالين بهذه الهويّة الموحَّدة التي تسمّى «الأمّة الإسلاميّة». لا يمكنني أن أعدّ نفسي مسلمًا وأنا أتجاهل معاناة مسلم في ميانمار، أو في غزّة، أو في الهند، أو في أيّ مكان آخر. لا يمكن ذلك، فهذا يتعارض مع التعاليم والمبادئ الإسلاميّة. قد لا تتمكّن شخصيًّا من تقديم المساعدة المباشرة، لكن من المسلّم والبديهيّ أن يكون هناك تعاطف ومواساة، لا بدّ من ذلك.
إنّ جلّ سعيي وما أصبو إليه في المسائل المرتبطة بالشيعة والسنّة وهذه القضايا الموجودة في البلد، هو ألّا ننسى عنوان «الأمّة الإسلاميّة». أرجو من السادة أن يكرّروا ذكر عنوان «الأمّة الإسلاميّة» في خطب الجمعة، وفي الاجتماعات الكبرى التي تُعقد مع الشخصيّات البارزة والنخب من أهل السنّة في مختلف المناطق. افعلوا ما من شأنه أن يوقظنا، ويجعلنا ندرك أنّنا بالإضافة إلى كوننا إيرانيّين، لدينا صفة أعلى وأهمّ، وهي أنّنا مسلمون وجزء من الأمّة الإسلاميّة؛ هذه نقطة أساسيّة.
النقطة الثانية هي أنّ هذا الجمع الحاضر هنا، الذي يضمّ بضع عشرات من الأشخاص، لا شكّ أنّه يدفع أعداء في العالم إلى القيام بفعل مقابل؛ فبمجرّد جلوسنا معًا يمكن أن يثير ردود أفعال بعض الأطراف. إنّهم لا يريدون لهذا أن يحدث، لا يريدون للخلاف المذهبيّ أن ينتهي. بالطبع، البريطانيّون هم أصحاب الخبرة الأكبر في هذا الصدد، وقد تعلّم الأمريكيّون ذلك منهم مؤخّرًا أيضًا. يجب أن ندرك أنّ هناك أطرافًا تستخدم أساليب فكريّة ودعائيّة وإعلاميّة واقتصاديّة مؤثّرة للتفريق بين الشيعة والسنّة، سواء في بلدنا أو في أيّ مكان آخر. في بلدنا، وبعد انتصار الثورة الإسلاميّة، تزايدت هذه الممارسات وتضاعفت مرّات عديدة مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة. كان نشاط الأعداء داخل البلاد قبل الثورة أقلّ في هذا المجال، ولكن بعد الثورة، بات لديهم حافز لتأجيج الخلافات وافتعالها، ورأوا أنّ النزاع الطائفيّ هو الوسيلة الأنسب من بين الوسائل الأخرى. إنّهم يحرّضون مجموعة من هذا الطرف على استفزاز الطرف الآخر، وإهانته والإساءة إليه، كما يحرّضون مجموعة من الطرف الآخر للقيام بالمثل. هذه الخلافات موجودة، وعلاجها يكمن في إصرارنا على الوحدة.
الوحدة - كما أشار جنابه – ليست تكتيكًا، بل هي مبدأ أساسيّ من مبادئ الإسلام، وهي أمرٌ قرآنيّ. قول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران، 103) أمرٌ بالغ الأهمّيّة؛ أي حتّى في الاعتصام بحبل الله، الذي هو أهمّ الأعمال، «اجتمعوا»؛ [أي لزوم] الاتحاد حتّى في الاعتصام بحبل الله، والذي يتجلّى في الحجّ مثلًا، أو في الصلاة؛ أي إنّ الاجتماع مطلوب في القرآن والشريعة الإسلاميّة حتّى في الاعتصام بحبل الله. باعتقادي هذا أمر بالغ الأهمّيّة. كذلك هذه الآيات من سورة الحجرات: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}، (الحجرات، 9) أي إنّ مسألة الوفاق والوحدة مهمّة جدًّا لدرجة أنّه إذا بغى أحد، يجب قتاله، يجب قتال ذلك المسلم لإعادته إلى الوحدة؛ الوحدة مهمّة إلى هذا الحدّ! ولا يمكن تجاهل هذا الأمر. كذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (الحجرات، 10) أي إنّ مسألة الوحدة مبدأ قرآنيّ، وينبغي لنا ألّا نغفل عنه.
هناك فئة تعمل على تشويه الوحدة، بعضهم عن قصد، وبعضهم عن غير قصد. عامّة الناس من كِلا الطرفين يفعلون ذلك عن جهل، أما الخواصّ فالكثير منهم يفعل ذلك عن قصد، وينبغي مواجهتهم. إنّهم لا يدركون الضرر الذي يسبّبه الخلاف المذهبيّ على العالم الإسلاميّ، وعلى الإسلام نفسه، وعلى الأمّة الإسلاميّة، وعلى كلّ الشعوب المسلمة. إنّ الإنسان ليعجب من عدم تنبّههم لهذا الأمر. إنّهم يحرّضون التيّار المعارض، فيظهر تيّار تكفيريّ يستهدف عالمًا شيعيًّا، ويستهدف شيخ الإسلام[2] في سنندج، ويستهدف مولوي حسين بُر[3] في بلوشستان؛ لا فرق عنده، فهو لا يميّز بين سنّيّ وشيعيّ؛ هو يعادي أيّ شخص يدعو للوحدة. هكذا هو العدوّ، ولا ينبغي إغفال هذا الأمر.
وأنا أشكر الله حقًّا، أنّ مجتمع أهل السنّة على امتداد البلاد، قد تصدّى، بحمد الله، لكلّ هذه المؤامرات والدوافع العدائية وحاربها، رغم كثرتها. لقد ذكر جنابه أنّ أهل السنّة – سواء أثناء الدفاع المقدّس أو في مواطن أخرى – قدّ قدّموا خمسة عشر ألف شهيد، ولدينا علماء اسشهدوا في أماكن مختلفة، كم من علماء أهل السنّة استشهدوا في سبيل الحقّ وفي سبيل الثورة! إنّ هدفنا هو عزّة الأمّة الإسلاميّة؛ ولن تتحقّق عزّة الأمّة الإسلاميّة إلّا من خلال الائتلاف والوحدة، وعلينا جميعًا أن نعمل في هذا الاتجاه.
باعتقادي، إنّ نصرة المظلومين في غزّة وفلسطين اليوم من الواجبات القطعيّة، وهي حتمًا من الواجبات التي سيسألنا الله عنها يوم القيامة إن لم نقم بها، كلٌّ على النحو الذي يستطيعه؛ هناك من يمكنه تقديم الأموال، ومن يمكنه تقديم السلاح، ومن يمكنه تقديم الدعم السياسيّ، ومن يمكنه التبليغ؛ من خلال الحديث على المنبر، أو في خطبة الجمعة، وإذا تخلّفنا عن أداء هذا الواجب، فسوف نُسأل عنه حتّمًا. نسأل الله المتعالي أن يعزّ الأمّة الإسلاميّة.
أشكركم جزيل الشكر، أيّها الإخوة الأعزّاء، على حضوركم هنا اليوم، وكذلك أشكر السيّد محمّديان[4] وأصدقاءه الذين نظّموا هذا اللقاء وأتاحوا لي فرصة الاجتماع بكم هنا.
نسأل الله أن يعزّ الأمّة الإسلاميّة؛ وأن يؤلّف بين قلوب الإخوة المسلمين من مختلف الطوائف والمذاهب يومًا بعد يوم إن شاء الله، وأن يعظّم في عيونهم القواسم المشتركة، فلدينا الكثير من القواسم المشتركة، لكنّنا نغفل عنها، وغالبًا ما نركّز على نقاط الخلاف. نسأل الله المتعالي أن يعيننا على القيام بهذه الأمور.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[1] في بداية هذا اللقاء، كانت كلمات لكلٍّ من المولويّ عبد الرحمن تشابهاري (من علماء أهل السنّة في محافظة سيستان وبلوشستان وإمام جمعة تشابهار)، والمولويّ عبد الرحيم خطيبي (من علماء أهل السنّة في هرمزكان وإمام جمعة قشم)، والماموستا عبد السلام إمامي (من علماء أهل السنّة في محافظة أذربيجان الغربيّة وإمام جمعة مهاباد).
[2] ماموستا محمد شيخ الإسلام استُهدف بالرصاص أمام مسجد «سيد قطب» في سنندج بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2009 واستشهد.
[3] مولوي فيض محمّد حسين بور، فقد تعرّض لمحاولة اغتيال في 12 أيّار/مايو 1981، واستشهد إثر إصابته.
[4] حجّة الإسلام محمّد محمّديان (معاون العلاقات الحوزويّة في مكتب قائد الثورة الإسلاميّة).