كان سيد المقاومة، الشهيد العلّامة السيد حسن نصر الله، يتمتع بعدد من السمات والفضائل الأخلاقية، وسأشير إلى بعضها. وأولى هذه السمات: الجانب العلمي والفضيلة الحوزوية لهذا الشهيد، لأنّ أبعاد هذه الشخصية العظيمة في المقاومة والجهاد قد طغت على هذا الجانب.
بدأ الشهيد العزيز دراسته في النجف الأشرف، حيث التقى بشخصيات بارزة في مجالات الفقه والأصول والمعرفة والعرفان. كما درس لسنوات في حوزة قم المقدّسة، ولهذا أطلق عليه سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني لقب «العلّامة». فالحقيقة هي أنه قبل أن يدخل مجال المقاومة والجهاد، كان قد التحق بحوزات النجف وقم، وهذه الخاصيّة لم تحظَ بالاهتمام الكافي.
كان الشهيد السيد حسن نصر الله يتمتع بروح المقاومة والثبات، وكان - بلا مبالغة - يعدّ من مصاديق الآية الشريفة {فَاستَقِم كَمَا أُمِرْتَ}، أي الأمر الإلهي. لقد قضى 30 عامًا في مسيرة النضال والجهاد ضد المستكبرين والمحتلين والطغاة والمجرمين - وكلّ هذا يتلخّص في الصهيونية -، وكان مثالًا حيًّا للآية {فَاستَقِم كَما أُمِرْتَ}؛ يناضل ويجاهد ولا يفقد الأمل. يروي بنفسه أنه أحيانًا كانت تمّر أشهر عدة من دون أن يرى الشمس، ولكن لم يكن هناك أيّ أثر لليأس أو الإحباط أو التعب في شخصيته، بل كان دائمًا يتمتع بالنشاط والحيوية مثلما كان في مرحلة شبابه، وهذا مما يدل على إيمانه واعتقاده بالنهج المقدس الذي اختاره.
حيثما يكون الإيمان، فلا مكان للهوان. كان لدى هذا الشهيد العظيم ذكاء فائق، وقدرة على إقناع الجمهور، وتحليل قوي ومقتدر في القضايا العالمية، بنحوٍ كان الناس، بمختلف فئاتهم، يقبلونه، وكان السياسيون يعتمدون على كلامه. ومن المعروف أنه خلال حرب الـ33 يومًا، كان سكّان فلسطين والمحتلّون الصهاينة يثقون بكلام السيد حسن نصر الله أكثر من ثقتهم بكلمات قادة كيان الاحتلال، لأن الشهيد نصر الله كان يتحلّى بالمنطق، والتحليل الصحيح والعميق. في الواقع، كانت هذه القدرة على التحليل وإقناع الجمهور نابعة من الذكاء الفائق لهذا الشهيد العظيم. وكان أسلوب خطابه بنّاءً ومُقنِعًا جدًّا.
كما كانت قضية التوسّل بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) من السمات الأخرى لهذا الشهيد، كان يَعِدُّ أنّ رمز التوفيقات، بجانب الشجاعة والبسالة والجهاد، هو عناية الأئمة المعصومين (عليهم السلام). في حرب الـ33 يومًا، التي تعدّ بحق من افتخارات العالم الإسلامي، تمكّنت مجموعة من المقاومين من الصمود لمدة 33 يومًا أمام كيان مُسلّح حتى النخاع، وإجباره على التراجع. لم ننسَ حرب الـ6 أيام في السبعينيات، عندما تراجعت الدول الأربع، ولم تستمر الحرب أكثر من ستة أيام، وكلّ واحدة منها فقدت جزءاً من أراضيها: سوريا فقدت مرتفعات الجولان، ومصر فقدت صحراء سيناء، والأردن فقدت سيطرتها على الضفة الغربية و... لكن في الحرب الـ33 يومًا، وفي معركة غير متكافئة تمامًا، انتصرت مجموعة عسكرية على كيان مُسلّح حتى النخاع.
بعد هذه الحرب، نلتُ توفيق اللقاء بهذا الشهيد، وسُئلَ فيه سماحته حول حرب الـ33 يومًا، بشأن ما سمعناه من قصص فيها عن عناية الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وحكايات عدّة حول هذا الأمر، وكنّا نرغب في سماعها من لسانه. فقال السيد حسن نصر الله إن انتصارهم في تلك الحرب كان بفضل عناية السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، إذْ قال: «لقد أخذت السيّدة بِيَدنا، وصار النصر حليفنا».
كان لديه اعتقاد راسخ بعناية الأئمة المعصومين (عليهم السلام). خلال السنوات التي حظيت فيها بتوفيق خدمة هذا الخط، تشرّفت بلقائه مرّتين في مدينة مشهد. المرة الأولى كانت برفقة الشهيد قاسم سليماني، والمرة الثانية كانت برفقة العميد قاآني.
في إحدى هذه الزيارات، كان الأصدقاء قد أعدّوا سجادة لتُهدى لسماحته، لكنني اقترحتُ أن نهدي له غطاء المضجع الشريف للإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام). عندما تمّ تقديم هذه الهدية له، وتمنّينا أن يكون هذا الغطاء المتبارك مبعثًا للقوة والبرَكة لتيار المقاومة وحزب الله، أخذه سماحته والشهيد سليماني بعشق وشغف شديدين، ومَسَحَا به وجهيهما لنيل البرَكة، وقال سماحته إنها أفضل هدية تلقّاها في حياته، وكان مسرورًا للغاية.
قبل عامين، خلال زيارة له إلى مشهد، طلب منّا أن نمنحه حكم خدمية الإمام الرضا (عليه السلام)، فقلت له: سماحتكم الخادم الحقيقي، لأنكم تصونون مدرسة أهل البيت عليهم السلام وأهدافها، والجهاد في هذا الطريق هو خدمة عظيمة بحد ذاته. لكنّ الشهيد السيد حسن نصر الله قال إنه يودّ أن يُدرج اسمه ضمن خدّام الإمام الرضا (عليه السلام)، وتمّ منحه حكم الخدمية. وهذا إنما يعكس حبّه لأهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، واعتقاده العميق بهم. وعندما كان يتشرّف بزيارة الإمام الرضا (عليه السلام)، رغم قِصر إقامته هناك، كان يستمدّ المعنوية من هذه الزيارة، وتتجدد فيه روح الحياة.
رغم كونه قائدًا قويًّا وذكيًّا وحكيمًا، ويتمتع بقدرة تحليل سياسية وعسكرية، إلّا أنه كان يعدّ نفسه جنديًّا عند قائد الثورة الإسلامية المعظّم. لم يكن ذلك مجرّد تعبّد من ناحية أنّ القائد هو نائب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والولي الفقيه، بل لأنه كان يثق في توجيهاته واستراتيجياته وتدابيره، وكان لديه اعتقاد بالقائد، ويسلّم لأمره. إذا كان لديه رأي، يطرحه أمام القائد، فإذا قبله القائد فبها ونعمة، لكن إذا كان للقائد رأي آخر، كان يؤمن بأن رأي القائد هو الأكثر دقة، وقد اختبرَ ذلك، لأن تشخيصات القائد كانت دائمًا صحيحة.
كانت علاقة السيد حسن نصر الله مع قائد الثورة الإسلامية علاقة المريد والمراد، وكان سماحة الإمام الخامنئي يستمتع برؤية السيد نصر الله، ويشعر بالنشاط خلال لقائه، كانت العلاقة علاقة عشق من طرفين. تمثّل شخصية هذا الجليل درسًا لنا؛ مهما تكن الآراء والسلائق لدينا، لا يجب أن نتلكأ أمام تدابير القائد المعظّم. ثمة أشخاص على مرّ التاريخ، وقفوا ضد ولي الأمر فتاهوا. وليس فقط في التاريخ، بل في الثورة أيضًا، إذْ ضاع أولئك الذين وقفوا في وجه الإمام الخميني (قدس سره)، وهلكوا.