هل هناك إمكانية لتحقيق العدالة ضمن الأطر الدولية التي تم تصميمها لمراجعة جرائم الحرب التي يتعرّض لها الناس، أم إن الأمر مجرد شعارات وخطوة صورية لغايات أخرى؟
لقد طرحتم نقطة جيدة. في الواقع، السؤال الأساسي هو ما إذا كان من الممكن تحقيق العدالة الدولية باستخدام الأدوات المتاحة اليوم لدى المجتمع الدولي أم لا؟ لقد بُذلت جهود مختلفة على الصعيد الدولي. إذا عدنا إلى الحروب العالمية غير البعيدة، نرى أنه تم تشكيل محاكم لطوكيو ونورنبرغ، واتُّخذت بعض الإجراءات. كما تم تشكيل محاكم للنظر في الأحداث في بعض البلدان، مثل رواندا وسيراليون، وتم إجراء بعض التحقيقات. ومع ذلك، لم تتمكن أي من هذه المحاكم من تحقيق العدالة الجنائية أو العدالة المطلقة.
في جميع هذه الساحات، قُتل عدد هائل من الأبرياء، ووقعت جرائم متنوعة. منذ نحو عشرين عامًا، تمّ طرح فكرة المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، واليوم هناك حوالي 124 دولة عضوًا فيها. صلاحيات المحكمة محدودة، ومبدؤها الرئيسي هو: توقيع الدول والانضمام إلى نظامها الأساسي. بالطبع، يمكن لمجلس الأمن التدخل في حالات خاصة. وحتى الدول التي ليست عضوًا في المحكمة قد تخضع لإجراءات المحاكمة من قبل الـ ICC.
افترضوا، على سبيل المثال، أنه في الأحداث المؤلمة التي وقعت في غزة ولبنان، حيث جرت إبادة أكثر من 44 ألف شخص في غزة؛ ما نوع المحاسبة التي يمكن أن تُجرى لتحقيق العدالة؟ طبعًا، ربما تكون هناك إجراءات غير حقوقية من شأنها أن تمنع هذه الجريمة، وسأذكر ذلك لاحقًا. في هذه الجريمة، دعمت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، الكيانَ الصهيوني رسميًّا؛ سواء من حيث الأسلحة أو المسائل المالية وغيرها. مَن الذي يجب أن يتحمل المسؤولية؟ وكيف يمكننا تنفيذ العدالة في حق هؤلاء؟ هذه مسألة مهمة، وإن شاء الله سأوضح المزيد تباعًا.
وفق تعبيركم، لا توجد حتى الحد الأدنى من الإمكانات لإحقاق حقوق الدول المستضعفة، أليس كذلك؟
نعم، الحقيقة هي أنه حتى الحد الأدنى من القدرة على تحقيق العدالة غير متوفّر. عندما ننظر إلى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، ونتفحّص النماذج، نرى أن العديد من الناس الأبرياء - نساء وأطفالًا و... - قد تمّت إبادتهم في لبنان وغزة. الآن يوجد مذكّرة اعتقال أولية، ولكن ما هي الخطوة التالية؟ هل كان من الممكن منع هذه الجرائم؟ بعض الدول الأوروبية دعمت الكيان الصهيوني بنحو صريح وزوّدته بالأسلحة.
وهم أيضًا أعضاء في المحكمة؟
نعم، وهم أيضًا أعضاء في المحكمة. قبل أن نصل إلى المرحلة القضائية التي قد تتدخل فيها المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، كان قائد الثورة الإسلامية قد ذكر هذا الموضوع مرات عدة. حتى التجارة البسيطة، ألم يكن من الممكن منعها؟ كان من الممكن قطع العلاقات التجارية. الدول التي تدّعي العدالة وحقوق الإنسان، لو كانت قد خفضت علاقاتها منذ البداية، لكان لذلك على الأقل تأثير في منع استمرار الجرائم. لكن هذا لم يحدث، بل كانوا يدعمونها جميعًا. الآن، بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة الاعتقال، بعض هذه الدول - رغم أنها أعضاء في المحكمة - أبدت مواقف حذرة بشأن هذا الموضوع! وبعضها قال إن المذكرة واجبة التنفيذ. لكن ما هي الأدوات الدولية المتاحة لتنفيذ هذه المذكرة؟
تقصدون: ضمانات التنفيذ؟
على أي حال، يجب أن تُنفّذ هذه المذكرة. يقع تنفيذ هذه الأحكام في المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، على عاتق الدولة المعنية. الكيان الصهيوني، بالطبع، لن ينفّذ هذه الأحكام. فما هي الإجراءات التي ستتخذها الدول الأخرى؟!
هل الولايات المتحدة عضو في هذه المحكمة؟
لا، الولايات المتحدة ليست عضوًا في هذه المحكمة.
حسنًا، السؤال هنا هو: كيف يمكن لبعض الدول الأوروبية أن تتعاون مع الكيان الصهيوني على صعيد «الجبهة السياسية» وكذلك «الدعم المالي والتسليح»، وفي الوقت نفسه تكون عضوًا في هذه المحكمة؟
نعم، هذه هي نفس القضية التي كنا نحتجّ عليها منذ سنوات في إطار ازدواج المعايير. من جهة، لديكم التزامات بموجب النظام الأساسي الذي أنتم عضو فيه، ويجب عليكم متابعة القضايا، ومن جهة أخرى، تشاهدون الجرائم بوضوح. على أي حال، فإنّ مذكرة الاعتقال التي صدرت تُظهر قمة الاشمئزاز والاستياء على المستوى الدولي. إذْ لا يمكن للمجتمعات الأخرى أن تتحمل هذا الحجم من الجرائم. هل كانت الدول لا ترى هذه الجرائم؟ أليسوا على دراية بما كان يحدث؟ من غير المقبول أن يستخدم نظام مسلّح بكل هذه القوة الغذاءَ والدواءَ كأدوات حرب، ويمنع وصول المساعدات إلى الناس. حتى في بعض الهجمات، لم يسمحوا للمسعفين بالتحرك لمساعدة الجرحى. ومع ذلك، لم يصدر أيّ صوت من هذه الدول، ولم يتم اتخاذ أي إجراء فعال. الآن، ومع طرح موضوع وقف إطلاق النار والقضايا الأخرى، هناك مذكرة اعتقال أولية، ويجب أن نرى ماذا سيحدث في المستقبل.
قال قائد الثورة الإسلامية: الاعتقال لا يكفي، يجب أن يصدر حكم إعدام نتنياهو والقادة الصهاينة المجرمين.
بل حتى الإعدام قليل على هؤلاء، حقًّا. الجرائم التي حدثت كبيرة للغاية. هذه الجرائم ارتُكِبَت علنًا، وأمام وسائل الإعلام والحكومات في مختلف الدول، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء صغير في هذا الصدد. في بعض الأحيان، يُقال فقط: إنّ الكيان الصهيوني يجب ألّا يواصل هذه الممارسات أكثر من ذلك، لكن كان من الممكن أن تتخذوا خطوات مؤثرة أكثر! كان يكفي ألّا تزودوه بالأسلحة! أو أن تسدّوا طرق تمويل هذا الكيان! عندما يتعلّق الأمر بدولة أو مجموعة تقف على قدميها، يبدأ الحظر والتهديدات فورًا، لكن في مواجهة كيان يرتكب الجرائم يومًا بعد يوم، لا يتم اتخاذ أيّ إجراء! هل تنتظرون أن تصدر الـ ICC مذكرة، ثم تعلنوا أنكم مع هذه المذكرة؟ ما هو مصير هذه المذكرة في المستقبل؟ هل سينال قادة الصهاينة العقاب فعلًا؟ هل يمكنهم تعويض الخسائر البشرية والمالية التي ألحقوها بغزة ولبنان؟ كل هذه الخسائر هي بسبب السعي وراء حق تقرير المصير!
إنّ الرأي الاستشاري في المحكمة بشأن احتلال الأراضي الفلسطينية من قبل الكيان الصهيوني يصرخ بعدم شرعية هذا الكيان. أنتم لستم شرعيين منذ البداية، وحتى أنكم لم تلتزموا بقرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن في الأربعينيات أو الستينيات. كيف يمكن القول إنكم تريدون الدفاع عن أنفسكم؟ دفاع عن ماذا؟ دفاع عن أرض مغتصبة؟! أنتم احتللتم الأرض بالقوة، وتحت ذريعة الدفاع، تبيدون عددًا هائلًا من الناس! استخدام الأسلحة غير التقليدية، مثل القنابل التي تزن ألفي رطل، على رؤوس رجال ونساء لا مأوى لهم، هو جريمة. هذه ليست أسلحة تقليدية؛ أنتم تستخدمونها ضد الناس الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة. الاعتداءات على المدارس والمستشفيات كانت أيضًا جرائم حدثت أمام مرأى المجتمع الدولي. في رأيي، كان بإمكان المجتمع الدولي أن يوقف هذه الجرائم منذ الأيام الأولى، وليس بعد أسابيع أو شهور، ولكن للأسف لم تُتخذ هذه الإجراءات.
أرغب في طرح بعض الأسئلة حول ICC. خلال هذين العقدين الأخيرين، هل حدث أن استطاعوا خوض قضيّة معيّنة؛ وتمكّنوا من إحقاق الحدّ الأدنى من الحق؟
نعم، جرى إصدار مذكّرات اعتقال أخرى، وبعض هذه المذكّرات لم يُنفّذ بسبب بعض الظروف الخاصّة، ونُفّذ بعض هذه المذكّرات أيضًا. على سبيل المثال، تشير الإحصائيّات التي اطّلعت عليها – طبعًا أنا لم أتحقّق من صحّتها – تشير إلى أنّ قرابة العشرين شخصًا يقبعون في السّجن بناءً على مذكّرات ICC، وأعلى حكم عقابي لدينا هو السّجن المؤبّد، فبسبب الأسس الأوروبيّة والغربيّة، لا يوجد حكم بالإعدام لديهم. كما إنّ معظم هؤلاء الأفراد من دول العالم الثالث والدول النامية.
هذا يعني أنّه لا يوجد أحدٌ من دول العالم الأوّل – البلدان المتقدّمة -؟
لا، لا يوجد أحدٌ من دول العالم الأوّل.
بعيدًا عن المحكمة الجنائيّة الدوليّة (ICC)، أرغب في معرفة ما إذا كان هناك اتفاق على مفهومٍ مثل جريمة الحرب بين الدول والمجتمعات أم لا؟
أنتم مطّلعون على أنّه قبل إقرار نظام المحكمة الجنائيّة الدوليّة، كانت مفاهيم من قبيل «جريمة الحرب»، «الجرائم ضدّ الإنسانيّة»، و«العدوان في الساحة الدوليّة»، مفاهيم غامضة إلى حدّ ما، وكانت هناك اختلافات واسعة في الآراء بشأن تعريفها. بُذلت جهودٌ من أجل إقرار وثائق دوليّة تحدّد هذه المفاهيم بشكل دقيق. من خلال النظام الأساسي لمحكمة العدل الدوليّة، تمّ تحديد هذه المفاهيم كجرائم دون أن يتمّ التطرّق إلى الاختلافات حول معانيها أو نطاقاتها. وإنّ تحديد مصاديق هذه العناوين الجنائيّة هو - بشكل أكبر - بعهدة محكمة العدل الدوليّة وقضاة المحكمة. قد يشخّص القضاة في حالة معيّنة أنّ الجريمة لم تكن ضدّ البشريّة، بل كانت مجرّد جريمة حرب.
هذا كلّه وفق فلسفتهم؟
نعم، بناء على النظام الأساسيّ للمحكمة، والمسارات التي كانت سائدة، أي إجراء الدراسات التخصصية ودراسة الملفّات وأمثال هذه الأمور.
بعيدًا عن هذه الهيكليّات الدوليّة؛ لو رغبت جمهوريّة إيران الإسلاميّة وسائر الدول التي لا تأمل في إحقاق حقوقها، أن تتابع مثل هذه الجرائم والاتهامات، وأن يتمّ فتحها كملفّات في المحافل الدوليّة على الأقل، فما هي السّبل التي تقترحها بوصفك خبيرًا قانونيًّا؟
قد يكون جزءٌ من إجابتي غير قانوني. في إطار المبادئ والقواعد القانونيّة والقانون الدولي، نحن بحاجة إلى إرادة الحكومات ورضا الدول. في الأمم المتحدة، بمقدور دولة من الدول الخمس الدائمة العضويّة أن تستخدم حقّ الفيتو. على سبيل المثال، في الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، صدر قرار ضدّنا، حيث توجد الدول الكبرى وشورى الحكام. الأجهزة الدوليّة تخضع لنفوذ القوى العظمى، هي لا تملك صلاحيّات عامّة. فحتّى في محكمة العدل الدوليّة (ICJ)، تجري متابعة الأمور وتتمّ ضمن إطار الحدّ الأدنى، وليس بمقدورنا أن نتوقّع أن يكون المجتمع الدولي قد بلغ مرحلة من النّضج الذي يخوّله التعامل بعدل وإنصاف في هذه القضايا.
يجب على الدول النامية أن تتماسك، وتستعيد نفسها، وترفع هذه المطالب في الساحة الدوليّة. وإنّ إنشاء مؤسّسات دوليّة، والتعاون على المستوى الفكري، قد يكون لهما تأثير كبير. عندما يشارك أكبر عدد من الدول في هذا المجال، ويطالب الرأي العام الدولي بذلك، فإنّ المجتمع الدولي سيتّجه حتمًا نحو تلبية هذه المطالب. طبعًا، لا يمكن تحديد وقت معيّن لذلك، لكن علينا أن نسير في هذا الاتجاه.
على سبيل المثال، انظروا إلى الـ FATF نفسه، فهو عبارة عن مجموعة من المعايير التي وضعتها الدول الكبرى لتنظيم العلاقات الماليّة والمصرفيّة، ولكن هذه المعايير تُفرض فعليًّا على جميع الدول. بمعنى أنّ الحكومات قد توقّع عليها، لكن هذه التوقيعات لا تكون دائمًا عن رضا كامل.
يجب أن نكون قادرين على تغيير هذا الوضع. حسنًا، سأقدّم لكم مثالًا آخر في هذا السّياق. حتّى الدول الكُبرى عندما تشعر بالإحباط من هذه الأجهزة، تبادر إلى إنشاء نوع آخر من المؤسسات. على سبيل المثال، مجموعة G7، أو «مجموعة الدّول السّبع»، مثل الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائيّة الدوليّة، بل هي مجرّد اجتماع غير رسمي، ومع ذلك أصبحت هذه المجموعات هي التي تحدّد مصير الاقتصاد العالمي.
إذًا، ما الذي يجعل هذا لا يحدث في مجالات أخرى بجهود الدول النامية؟ طبعًا، نحن شهدنا بعض الإجراءات، مثل «منظّمة شانغهاي» و«البريكس»، التي خاضت في مجالات اقتصاديّة. لكن هذه الخطوات لا تزال نادرة جدًّا، وبأدنى المستويات. يجب أن تتعزّز هذه الجهود، وأن يجري تنظيمها. لا يمكن تحقيق هذا الهدف الذي ذكرته من خلال عقد الاجتماعات السياسيّة فقط. يجب على هذه الدول أن تكون أكثر تأثيرًا في الساحة الدوليّة، وأن يكون لها حضور فعّال لضمان التأثير اللازم على العلاقات الدوليّة. وفي النهاية، يجب أن تتحقّق مطالب الدول النامية أيضًا.
لدينا مجموعة من الدول الإسلاميّة، على سبيل المثال، هناك منظّمة التعاون الإسلامي. إلى أيّ مدى يمكن لهذه الدول أن تؤثّر على بعضها لكي تكون متوافقة في هذا المسار؟
للأسف، بسبب بعض القضايا السياسيّة وغياب الإرادة الموحّدة، لم تتمكّن «منظّمة التعاون الإسلامي» من تحقيق نجاحات بارزة. وحتّى في المجالات الاقتصاديّة التي تمّ النصّ عليها في ميثاقها، هل تتبع الدول الأعضاء هذه الشروط؟ بخلاف البيانات السياسيّة التي تصدر بين الحين والآخر، لا توجد أنشطة ملموسة. وغالبًا ما تتصرّف الدول الأعضاء وفقًا لإمكاناتها الفرديّة.
لدينا أيضًا منظمات مثل «إيكو»، وأهمها «منظمة شنغهاي» و«بريكس». يجب أن يكون لهذه المنظمات دور أكبر في مجالات متعددة. في المجتمع الغربي، منذ الأربعينيات من القرن الماضي، تم تشكيل منظمات تهيمن عليها الدول الكبرى، مثل «الأمم المتحدة»، «صندوق النقد الدولي»، و«البنك الدولي». لكن من ناحية أخرى، لا نرى منظمات مؤثرة من تجمّعات الدول النامية التي يمكنها أن تكون ذات تأثير. تأسس الاتحاد الأوروبي في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وأصبح لاعبًا رئيسيًّا في العالم. يجب على الدول النامية الاستفادة من هذه التجارب والسعي لتحقيق مطالب شعوبها بصوت واحد.
لنفترض أننا سنستخدم نفس المعايير والحدود التي تم تطبيقها في تحليل أحداث الحرب العالمية الثانية، ونريد أن ندرس الأحداث الأخيرة. ما هي النتيجة التي سنحصل عليها؟
السجن المؤبّد بطبيعة الحال.
هل تعنون أنّ الكيان الصهيوني مُدان؟
نعم، إنّه مُدانٌ حتمًا. فالجرائم كانت شنيعة وكبيرة لدرجة أنّ المنظّمات لم تتمكّن من تجاهلها.
هذا ليس حكمًا قضائيًّا بالضرورة؟
لا، هذا الحكم ليس بالضرورة حكمًا قضائيًّا. فهو في الأساس نتيجة لمشاعر الاستياء والاستنكار من قبل المجتمع الدولي. كانت الجرائم هائلة وفظيعة لدرجة أن المجتمع الدولي لم يستطع التزام الصمت. بالطبع، ستكون الإجراءات التي يتم اتخاذها محدودة في البداية، لكنها تعكس جرحًا عميقًا في ضمير المجتمع الدولي. ربما هناك أمل في أن يتم التوصّل إلى نضج دولي في العقود القادمة يُمكّن من متابعة هذه الجرائم، لكن في الظروف الحالية، علينا أن نتعامل مع الحد الأدنى من الإجراءات.
من وجهة نظركم، هل أمرُ التوقيف هذا بمنزلة صمّام أمان للرأي العام العالمي؟
إلى حد ما، نعم. لا يستطيع المجتمع الدولي أن يبقى صامتًا بهذا الشكل. أعلى ردّ فعل ممكن هو هذا. إذا سألتني: ماذا يمكننا أن نفعل أكثر؟ يجب أن أقول: في الوقت الحالي، لا يمكننا أن نفعل شيئًا من خلال الجهات الدولية، لكن الدول هي التي يمكنها اتخاذ إجراءات عملية أكبر. عندما يتم الحديث عن حقوق الإنسان، يمكن للدول الغربية المدّعية لهذه القضية أن تعمل بشكل أفضل. المعايير المزدوجة لا يمكن تحمّلها. في بعض الأماكن تحدث جرائم، ولا يتم اتخاذ أي إجراء، بينما في أماكن أخرى تُصدر قرارات واهية بذريعة واهية. هذه هي سمة المجتمع الدولي اليوم، هذا المجتمع الذي يتحرك في فضاء مزدوج، حيث لا تتحقق العدالة والإنصاف.
إذا أراد نتنياهو السفر إلى فرنسا، وقررت فرنسا تجاهل هذا الحكم، ما الذي يمكن فعله؟
إذا لم تتصرف فرنسا أيضًا، فلا أحد قادر على اتخاذ أي إجراء. إن ضمان تنفيذ هذه الأحكام يقع على عاتق الدول الأعضاء نفسها. إذا أعلنت فرنسا أنها تشكّك في هذا الحكم، فلا أحد يمكنه إجبارها على تنفيذه. كما إن أحد البلدان الأوروبية، على ما يبدو هنغاريا، أعلنت أنها لا تقبل هذا الحكم - على الرغم من كونها عضوًا في النظام الأساسي - بل إنها دعت نتنياهو إليها أيضًا. وهذا يوضح أن أدوات القانون الدولي ليست حاسمة وفعّالة. فهي في الغالب مرنة، وتعتمد على مصالح الدول.