في البداية، نهنئكم ونهنئ الشعب الفلسطيني العظيم ومقاومته الباسلة بهذا النصر الإلهي الذي حققوه في مواجهة العدو الصهيوني المحتل.
دار اللقاء بينكم ووفد الحركة مع الإمام الخامنئي. ما الذي تم بحثه في هذا اللقاء؟ وكيف تقيّمون أهمية هذا اللقاء في هذا التوقيت، بعد تحقيق هذا النصر الإلهي الكبير؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين.
كان هذا اللقاء فرصة كبيرة للتباحث مع سماحة القائد في شؤون القضية الفلسطينية عمومًا، ولاسيّما بعد هذا النصر الكبير الذي حققته المقاومة في فلسطين، إذ كسرت فيه شوكة العدو وأوقفته عند حدّه. لم يتمكن العدو في هذه المعركة من تحقيق أيٍّ من أهدافه؛ فلم يستطع القضاء على حماس، ولا استعادة أسراه، ولا حتى البقاء في غزة، بل انسحب منها مقهورًا، وعاد النازحون إلى ديارهم، وبقيت غزة شامخة عزيزة، كما بقيت فلسطين شامخة عزيزة.
كان هذا اللقاء مع سماحة القائد فرصة لتعزيز فرص المقاومة في المنطقة، فسماحته كان دائمًا يقف مع القضية الفلسطينية ومع قضايا المظلومين. وقد أكّد لنا في هذا اللقاء دعمه الكبير للشعب الفلسطيني، ولقضيته العادلة، وللمقاومة في فلسطين وفي المنطقة. نحن مستبشرون جدًا بهذا اللقاء، فقد عوّدنا سماحة القائد، في كل المناسبات، على أنه الداعم الأكبر لهذه المقاومة، ومعًا، إن شاء الله، سننتصر بإذن الله.
مرّ عام ونصف العام على ملحمة طوفان الأقصى، وخلال هذه الفترة واجهت المقاومة تحديات وضغوطًا كبيرة، وقدّم الشعب الفلسطيني نحو 50 ألف شهيد ومئات الآلاف من الجرحى في سبيل الإسلام، بينما قام العدو بتدمير منازل الفلسطينيين واغتيال قادة المقاومة وأبطالها. بعد إعلان وقف إطلاق النار، كيف تقيّمون معنويات أبناء غزة؟ وما هي رسالتهم للعالم وللأمة بعد هذا النصر؟
أولًا، أترحّم على القادة الشهداء وعلى جميع شهداء شعبنا، كما أسأل الله الشفاء للجرحى.
لقد تعوّد شعبنا العظيم على تقديم التضحيات في سبيل قضيته، وفي سبيل تحرير أرضه ووطنه، وهو مستعد دائمًا لذلك. أما معنويات الشعب الفلسطيني في غزة، فهي عالية جدًا، إذ يشعر بأنه حقق انتصارًا كبيرًا على العدو وعلى المنظومة الغربية التي كانت تدعمه في هجمته علينا.
لقد حققنا الانتصار منذ اليوم الأول، في 7 أكتوبر، وصمدنا 15 شهرًا، ويُحسب للشعب الفلسطيني العظيم أنه صاحب النصيب الأكبر في هذا الانتصار. فالشعب هو الركيزة الأولى في تحقيق النصر، ثم المقاومة، وقد اتّحدا معًا في هذه المعركة لكسر شوكة العدو، وهو ما تحقق بفضل الله سبحانه وتعالى.
أما رسالة الشعب الفلسطيني للعالم، فهي أن المقاومة ستنتصر، وأن الفلسطينيين سيحررون القدس والمسجد الأقصى بإذن الله.
ما هو السبب الأهم الذي أدى إلى انتصار المقاومة في غزة؟ لقد رأينا أن المقاومة منعت العدو من تحقيق أهدافه التي أعلنها في بداية العدوان، وفي النهاية فرضت شروطها عليه. كذلك، شهدنا هزيمة للعدو لا يمكن تعويضها أبدًا. كيف تنظرون إلى أهمية هذا الأمر؟ وما هو برأيكم السبب الرئيسي لهذا الانتصار؟
إن السبب الرئيسي للانتصار هو إيمان الشعب الفلسطيني وعقيدته الصلبة، التي منحته الثقة بالله وبالنصر، إلى جانب الإعداد والاستعداد العسكري الذي قامت به المقاومة. كما كان لصمود كتائب المقاومة البطلة، التي استطاعت قهر العدو على أرضه وفي غزة، دور كبير في تحقيق هذا النصر.
أما صمود الشعب الفلسطيني طوال 15 شهرًا، رغم الإبادة والتدمير، فهو معجزة بحد ذاته منحها الله سبحانه وتعالى لهذا الشعب المقاوم.
مؤخرًا، رأينا تصريحات للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن مستقبل غزة، حيث تحدث عن تهجير أبناء القطاع. هل هذه التصريحات جديدة؟ وكيف تنظرون إليها في ظل ما نشهده اليوم، خصوصًا بعد فشل العدو في الضفة الغربية، وإقدامه على عمليات جديدة هناك؟
الرد على ترامب وإدارته جاء من الشعب الفلسطيني نفسه، وفي يوم واحد فقط. ففي حين كان ترامب يتحدث عن تهجير الفلسطينيين، عاد خلال 24 إلى 48 ساعة فقط نصف مليون فلسطيني إلى أرضهم، رغم عدم وجود بيوت أو خيام أو مأوى، بل جلسوا على الأرض، لا يملكون شيئًا، ثابتين كأشجار الزيتون في أرضهم. هذا هو أكبر رد على ترامب ومخططاته، فكل هذه المشاريع ستذهب أدراج الرياح بفضل صمود الشعب والمقاومة، بإذن الله.
عمّا يبحث الصهاينة في الضفة الغربية برأيكم؟
حاليًا، هناك هجمة كبيرة على الضفة، وهدفها هو التخلص من المقاومة هناك، لكن هيهات هيهات لهم ذلك! فالمقاومة متجذّرة في الضفة تمامًا كما هي في غزة، ولم ينجح الاحتلال عبر الزمن في إخماد جذوتها. المقاومة ستستمر وستتصاعد، وستنكسر شوكة العدو في مخيمات الضفة ومدنها بإذن الله.
أشار قائد الثورة في كلمته إلى أن مجاهدين كبارًا، مثل الشهيد يحيى السنوار، غيّروا مصير المنطقة، التي كانت تتجه نحو تطبيع واسع مع الصهاينة، لكن بعد وقف إطلاق النار بدأت تعود مثل هذه الأصوات من جديد. برأيكم، ما الذي يجب أن تفعله شعوب المنطقة وحكوماتها لمواجهة حركة التطبيع مع العدو؟
لقد كان طوفان الأقصى شوكة في حلق مشروع التطبيع، وعندما وقعت عملية 7 أكتوبر، توقف قطار التطبيع تمامًا، ولا يزال متوقفًا حتى الآن. الأمة، بإذن الله، ستنجح في مقاومة التطبيع كما نجحت سابقًا، وستنجح مستقبلاً أيضًا. إن استمرار المقاومة في الضفة الغربية، وصمود غزة، هما أكبر العوامل التي تساهم في عرقلة مسار التطبيع، ولن يتمكن ترامب أو غيره من تمرير مشاريعه بإذن الله.
كيف ترون موضوع استشهاد قادة المقاومة؟ فقد قدمت المقاومة شهداء عظامًا، مثل الشهيد إسماعيل هنية، والشهيد يحيى السنوار، وقبلهما الشيخ أحمد ياسين، والشهيد يحيى عياش، وكذلك الشهيد السيد حسن نصر الله، رحمهم الله جميعًا. كيف تنظرون إلى هذا الأمر، وكيف تستمر المقاومة على نهج هؤلاء القادة الشهداء؟
لا شك أن أحد أهم عوامل النصر هو بركة تضحيات القادة والشهداء، فبركات دمائهم تحلّ علينا اليوم. لقد قدمت المقاومة قادة كبارًا، مثل الشهيد أبو العبد هنية، ويحيى السنوار، والشهيد السيد حسن نصر الله، والشهيد صفي الدين، والشهيد صالح العاروري، وأبو خالد الضيف، ومروان عيسى. هذه سلسلة من القادة الذين تتوالى تضحياتهم حتى تحقيق النصر بإذن الله.
بركات دمائهم هي التي حققت النصر، ونحن عندما يستشهد قادتنا نزداد عنفوانًا وإصرارًا على البقاء في خط المقاومة إلى حين نصر التحرير الأرض. وقد استشهد أبو إبراهيم السنوار وهو يردد بيت الشعر:
"وللحرية الحمراء بابٌ ** بكل يدٍ مضرجة يُدَقُّ
ولا يبني الممالك كالضحايا ** ولا يدني الحقوق ولا يحق".
فالضحايا هم الذين يبنون الممالك، وهم الذين يحررون الأوطان.
الشهيد محمد الضيف كان المخطط الكبير لعملية طوفان الأقصى، وهو مجاهد قلّ نظيره بين القادة. هل لديكم ذكرى خاصة عنه؟ وكيف تصفون شخصيته التي جعلته يصبح قائدًا أسطوريًا في المقاومة؟
لا شك أن الأخ الشهيد الكبير، أبو خالد الضيف، كان علامة فارقة في قيادة المقاومة. لقد ظلّ ثلاثين عامًا مطاردًا، ولم ينجح العدو في اغتياله رغم محاولاته العديدة. لقد تعرّض لسبع محاولات اغتيال كبرى، لكنه نجا منها جميعًا، حتى استشهد في حرب ضروس، ليكون سيد شهداء الطوفان، والقائد الذي حقق للأمة هذا النصر، ثم ختم حياته بالشهادة. في آخر لقاء جمعني به، كان أبو خالد الضيف في قمة عنفوانه، وكان يخطط لهذا اليوم قبل سنوات، وكان يتحدث عن ما يعادل 7 أكتوبر الذي تحقق بعد سنوات من ذلك اللقاء. هذه العزيمة والإصرار عند أبو خالد الضيف، وعند قادة المقاومة، هي التي صنعت هذا النصر، وسنمضي بعدهم نحو التحرير، وسنصلّي في القدس معًا، إن شاء الله، برفقة كل من دعمونا، من الجمهورية الإسلامية، ومن كل أذرع المقاومة في لبنان واليمن والعراق. نمضي معاً إلى التحرير والنصر بإذن الله.
أشرتم إلى جبهات دول المقاومة، وإلى "وحدة الساحات" التي تجلّت خلال عملية طوفان الأقصى في مواجهة الكيان الصهيوني. ما تأثير هذه الوحدة على النصر الإلهي الذي حققته المقاومة في غزة؟
لا شك أن معركة طوفان الأقصى أوجدت وحدة قتالية حقيقية بين جميع أذرع المقاومة، كما عززت الوحدة المعنوية والشعورية في العالمين العربي والإسلامي، وحتى بين أحرار العالم. إن شاء الله، في الكرّات القادمة، ستكون هذه الوحدة أكبر، وسيكون النصر أقرب إلى التحقق، بإذن الله، بفضل جهود كل إخواننا المقاومين في المنطقة، وعلى رأسهم مساندة الجمهورية الإسلامية، بقيادة سماحة السيد القائد علي الخامنئي.