بسم الله الرحمن الرحيم،
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمدٍ وآل بيته الطيبين الطاهرين.
أولاً أهلاً وسهلاً بكم.
ثانياً هي مناسبة غالية وجليلة وعزيزة، مناسبة مضي أربعين عاماً على انتصار الثورة الإسلامية المباركة، فأبارك لكم ولسماحة القائد وللشعب الإيراني عموماً، وللعالم الإسلامي كله.
ثالثاً يجب أن نشكر الله سبحانه وتعالى ونحمده على مضي ثلاثين عاماً على تولي سماحة القائد الإمام الخامنئي دام ظلّه هذه المسؤولية الكبيرية، وهذا التصدي الذي أثبت فيه جدارة فائقة، وهو وجوده وقيادته وتوجيهاته وحضوره كلها فيها بركات إلهية، ويجب أن نشكر الله تعالى على هذه النعم أن وفق الشعب الإيراني وأن وفقنا جميعاً وأن وفق العالم الإسلامي بوجود قيادة إلهية كقيادة سماحة الإمام الخامنئي دام ظلّه.
على مستوى التعرف إلى شخصية سماحة الإمام القائد، على المستوى الشخصي يعني المعرفة الشخصية أنا كنت في بداية تشكيل «حزب الله» في قم المقدسة، ما أزال أدرس في الجمهورية الإسلامية طلبه، أتعلم العلوم الدينية على يد الأساتذة والعلماء، لكن بحسبان أن مرحلة تشكيل «حزب الله» كانت في تلك الظروف الصعبة والقاسية التي واجهها لبنان، كنت أواكب وأتابع، من موقع انتمائي إلى «حزب الله» منذ البداية ومعرفتي بالإخوة كلهم الذين عملوا في مرحلة التأسيس من قم المقدسة، كنا نتابع التفاصيل والقضايا كلها المرتبطة بتشكيل «حزب الله» وانطلاقة عمل المقاومة.
لم تكن المعرفة شخصية، بمعنى الحضور الشخصي، لكن بحسبان وجودي في قم واهتمامي بـ«حزب الله» وبشأن الجمهورية الإسلامية كله وافتخاري للانتماء إلى هذا الخط المبارك، خط ولاية الفقيه والإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه كنت أواكب شخصية سماحة القائد منذ وجودي في الجمهورية الإسلامية، وتعرفنا إليه كما أي إنسان موجود في قم، وواكبت الجمهورية الإسلامية طوال السنوات الصعبة كلها.
من اللطائف كان وجودي في إيران قبل انتخابه رئيساً للجمهورية بحوالى عشرين يوماً، يعني وصلت إلى الجمهورية الإسلامية، وحينما انتُخب رئيساً للجمهورية وأنا لبناني لست إيرانياً ذهبت إلى صندوق الانتخابات وانتخبت رئيس الجمهورية السيد علي الخامنئي، فقبل مني، الآن هذه قد تكون مخالفة قانونية لكن أنا قلت أحب أن أعطي رأيي، فقالوا تفضلوا، وأعطيت رأيي في ذلك وأنا مستأنس جداً.
ثم واكبت، بما أني تعلمت اللغة الفارسية بعد إذن، هذه المرحلة كلها بقيادته الشجاعة والحكيمة على مستوى رئاسة الجمهورية في ظل الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه وكنت معجباً جداً أولاً بخطبه في صلاة الجمعة، وثانياً بوصفه جريحاً وعالماً وسيداً، وثالثاً بوصف اللغة التي كان يتحدث بها لغة تدل على ثقافة واسعة جداً وعلى عمق في الوقت نفسه، وبدأنا نتلمس ونسمع يعني من هنا وهناك المحور الذي يمثله سماحة السيد علي الخامنئي آنذاك رئيس الجمهورية في قيادة الجمهورية الإسلامية المباركة أو في إدارتها، والحضور السياسي الذي حدث على مستوى العالم كله، فضلاً عن الحضور القوي والفعال في الجبهة، وكان لسماحته حضور كبير.
مضافاً إلى هذا عبر مواكبته ومتابعتي الدائمة مع لبنان ومع بداية تشكيل «حزب الله» والموقع الذي أعطاه الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه لسماحة القائد السيد الخامنئي، وقتها كان رئيساً للجمهورية، في اهتمامه بشؤون «حزب الله» وعنايته ولطفه وعطفه، كنت من باب المتابع ولست من باب المباشر، لأني كنت ما أزال في قم أدرس في هذه المرحلة إلى أن أتيت إلى لبنان بعد أن تولى سماحة القائد القيادة، بعد وفاة الإمام رضوان الله تعالى عليه وبعدئذٍ أصبحت المتابعة مباشرة وأصبحنا نلتقي من باب انتمائي إلى «حزب الله» بوصفي عضواً في شورى «حزب الله»، طبعاً في مرحلة التسعينيات وليس في مرحلة الثمانينيات.
من الأمور التي أطلقها الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه في بداية انتصار الثورة الإسلامية هو مواجهة المشاريع الأمريكية في المنطقة وقطع يد أمريكا من إيران، بل عن العالم الإسلامي عموماً، وكانت المواجهة شرسة وقاسية وأخذت أنحاء مختلفة، الحرب ثماني سنوات على الجمهورية الإسلامية هي بالحقيقة في عمقها وفي بعدها الأداة الأمريكية التي نفذها صدام حسين ونفذتها بعض دول الخليج، للأسف بعض الدول العربية. هي في الحقيقة كانت المشروع الأمريكي لإنهاء هذه الجمهورية لتطويقها للتضييق عليها.
كما نعلم أن السعي الأمريكي كان أن لا تنتصر هذه الجماهير، ولكنها انتصرت. بعد أن انتصرت، هم يعملون في سياسة الاحتواء وسياسة التطويق، في المُدد كلها والسنوات الثماني للحرب مع بناء الجمهورية الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإسلامية، وجدوا أن الإمام الخميني هو السبت والصلب والمانع الذي يختزن عمقاً فقهياً وفكرياً وعرفانياً وشجاعة وقوة وإدارة وبناء دولة وبناء جيش واستحداث الحرس الثوري وقوة ثورية، بسيج التعبئة هذه القوى كلها التي أوجدها الإمام الخميني هي أوجدت حيوية فائقة في الشعب الإيراني واستخرجت منه الطاقات الكامنة على مستوى الفعالية والفكر والعقل والانتماء، وعلى مستوى القدرة والإبداع والعلم وإلى ما هنالك.
أعتقد أن الأمريكيين في مواجهتهم الطويلة مع الجمهورية الإسلامية الناشئة آنذاك أصيبوا باليأس مع الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه وما حدث في الحرب ثماني سنوات، إذ الإمام لم يحضر بنفسه فقط في المعركة، بل أحضر الشعب الإيراني كله إليها، وهي معركة الشعب الإيراني كله رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، وتمكّن الإمام أن يحشد هذه القوة الهائلة كلها في الشعب الإيراني لمواجهة صدام حسين، المشروع الأمريكي الخائن مع الدول العربية الخليجية للأسف.
بعد وفاة الإمام، ربما يتخيل الأمريكيون أن إيران ستصاب بشيء من الاهتزاز، أن الإمام هو العمود الفقري لهذه الجمهورية الإسلامية، فإذا توقف هذا العمود الفقري أو أصيب بالخلل، معنى ذلك أن الجمهورية أصبحت قابلة للتفكك وأصبحت المطامع الأمريكية قادرة أكثر على الدخول والتوغل إلى داخل النظام الإيراني في الجمهورية الإسلامية.
طبعاً محاولاتهم السابقة باءت بالفشل، وهي كثيرة طبعاً، لا أريد أن أذكرها وأنتم تعرفونها أكثر مني حتماً على مستوى التفاصيل بدءاً من تضييق الحصار على الجمهورية الإسلامية ومنع محركات الطائرات ثم ماكفيلا وصولاً إلى الأحداث كلها التي حدثت وقتها.
في الخلاصة الأمريكيون يئسوا مع الإمام. بعده، عاد إليهم الأمل أنه يمكن أن يراهنوا على زعزعة وعلى انقسامات داخلية وعلى أن إيران الآن بعد توقف الحرب ووفاة الإمام ستكون مشغولة بوضعها الداخلي والاقتصادي والاجتماعي، وهذه نقاط تُعدّ أميركا فيها متقدمة في العالم وهي تسيطر على الاقتصاد العالمي وفي إمكانها أن تحاصر إيران من الداخل وأن تحاصرها من الخارج اقتصادياً وصولاً إلى الحصار الاجتماعي والثقافي والفكري إلى إسقاطها من الداخل.
من النقاط الأساسية هي موضوع القيادة. سماحة القائد الإمام الخامنئي دام ظلّه، أنا ما أزال أذكر تماماً أن في إطلالته على التلفزيون الإيراني بعد وفاة الإمام، وحينها كانت إيران تعيش حالة حزن كبيرة لفقدان شخص كالإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، أذكر أنه حينما أطل في التلفاز على الشعب الإيراني عبر التلفزيون الإيراني واستعمل هذه الآية «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم»، ثم قال: «الشعب الإيراني قوي لا ينقلب على عقبيه وثابت، الإمام أودع فينا قوة».
أنا شخصياً لم يكن يخطر في بالي أن مجلس الخبراء سوف يختار سماحة القائد وإن كنت سمعت عن بعض العلماء والعرفاء كلاماً من هنا وهناك، ولكن في نهاية المطاف على مستوى الوقائع التي كانت تحدث، أعطاني طمأنينة عالية جداً، وشعرت أن هذه الطمأنينة من كلامه سرت إلى الشعب الإيراني كله. هذا قبل الانتخابات.
ثم بعد الانتخاب، سرت حالة من الهدوء والسكون والتسليم، وطبعاً العلماء المراجع الكبار ومجلس الخبراء واجتماع الشعب الإيراني وسياسيون وقادته ومجالسه المنتخبة، فاكتشف الأمريكيون أنهم أمام مشكلة جديدة، وأن الإمام الخميني لم يربِّ فقط أبناء كالإمام الخامنئي دام ظلّه جديرين بالقيادة وبالإدارة، هو ربّى أيضاً مع هؤلاء شعباً كبيراً مؤمناً بالولاية ومطيعاً لولي الأمر ومؤمناً بمؤسساته. بنى الإمام مؤسسات.
أعتقد هنا أن الأمريكيين أصبحوا أمام مرحلة جديدة. اعتقدوا أن إيران هزيلة وضعيفة وبناء جديد، وبعد ثماني سنوات حرب لم تتمكن من بناء نفسها، فاكتشفوا أن مجلس الخبراء مؤسسة والمجلس النيابي مؤسسة، والقرارات كلها التي أخذها الإمام قبل وفاته بنى فيها هذه المؤسسة المتينة والقوية، وحتى المعالجة الفقهية المعروفة التي تصدى لها آية الله مشكيني رضوان الله تعالى عليه في ذلك الوقت، هذا كله كان من مفردات الإجراءات التي أنجزها الإمام لتهيئة الجمهورية الإسلامية لتحمل هذا العبء.
في الحقيقة، وجد الأمريكيون أنهم أمام خيبة جديدة، فعادوا إلى الخيار الآخر وهو التوغل الاقتصادي والثقافي، وحدثت نقاشات كثيرة في الجمهورية الإسلامية عن المنحى الاقتصادي الذي يجب أن تسلكه الجمهورية الإسلامية، والمنحى الاجتماعي، وقدرة سماحة القائد على الثبات وإدارة هذا الأمر.
إن هناك مراجع وعلماء وأشخاصاً بعمر سماحة القائد، بعضهم أكبر منه سناً، ربما يثيرون هذه الأمور من أجل إيجاد الانقسامات الداخلية، وحاولوا أن يستفيدوا من الحرية الموجودة في الجمهورية الإسلامية، أن هناك أفكاراً سياسية واختلافات وآراء وخطوطَ يمين وإصلاحاً ويساراً ويميناً ومحافظين وإصلاحيين.
حاولوا أن يغذوا هذه الخلافات وهم يتخيلون أنهم يتصرفون في دولة عادية من دول العالم العربي أو الإسلامية.
عادة الأمريكيين أنهم عبر عملائهم وسفارتهم وضباطهم ومساعداتهم المزعومة، وعبر القنوات الدولية، وعبر التسلط على الاقتصاد العالمي والتسلط على مجلس الأمن في إمكانهم أن ينفذوا إلى أي دولة إسلامية أو عربية بل أي دولة في العالم.
في المرحلة الثالثة، اكتشف الأمريكيون أن هذه الأيادي وهذه الأدوات ليست موجودة في إيران، ليس عندهم سفارة، وهذه من نعم الله تعالى على إيران، أنها بلا سفارة أمريكية، يعني النفوذ الأمريكي الفيزيائي المباشر ليس موجوداً في إيران، التي لا تحتاج إلى ضباط أمريكيين، ولا إلى خبراء اقتصاديين أمريكيين، وليست بحاجة إلى الإدارة الاقتصادية الأمريكية، ولا بحاجة إلى الثقافة الأمريكية.
اكتشف الأمريكيون أيضاً أنهم إذا أرادوا أن يتحركوا لإيجاد القسمة والخلاف في داخل الشعب وداخل المجتمع الإيراني هم أيضاً ضعفاء وعاجزون.
حاولوا أن يبتكروا أساليب جديدة عبر المنظومات الدولية والمنظومات السياسية، وكلنا يذكر منظمة التجارة العالمية والوعود التي قدمت إلى إيران أنه في إمكان أميركا أن تدخل المجتمع الدولي، بين هلالين، يعني فعلاً أن تُدخل أميركا إيران إلى السوق العالمي الاقتصادي، وبالتالي عبر هذا الجذب والاستقطاب تدخل إيران إلى هذه المنظومة فتنسى أولوياتها وتنسى خياراتها وتنسى أصولها وتنسى مبانيها، وبالتالي ليس هناك قدرة للولي الفقيه أن يتحكم في قراراتها لأن الواقع الاقتصادي والاجتماعي أصبح ضاغطاً في المجتمع الإيراني.
اكتشفوا أنهم أمام خيبة ثالثة أن حضور سماحة القائد الفكري العميق والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبنيوي وفي التأثير على قرارات الجمهورية الإسلامية كلها وفي قدرته على إدارة الخلاف داخل الجمهورية الإسلامية وفي قدرته على استيعاب الصدمات كلها التي يمكن أن تحدث نتيجة الضغط الاقتصادي أو الاجتماعي، والأهم من هذا كله في حضوره الذهني الحاد جداً وتنبهه للمشاريع الأمريكي.
كان الأمريكي كلما يريد أن يدخل من باب يجد أمامه سماحة القائد، ويريد أن يدخل من الشباك يجد أنه أقفل أمامه الشباك.
حتى وصل إلى مرحلة في التجربة الثالثة الفاشلة أنه أمام سدٍّ خميني جديد. تجلى هذا الخميني الجديد في تجربة رائعة جداً، تجربة قيادة وتجربة فكر قوي عميق وتجربة فقه أصيل وتجربة شجاعة وتجربة وعي وحضور ذهني وتجربة تأثير كبير جداً في المجتمع الإيراني، بل في المجتمع العربي والإسلامي كله.
هذا ما جعل قيادة سماحة القائد تنحو منحى جديداً لم تكن الفرصة مؤاتية له أيام الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، هو منحى التوسعة ومنحى التأثير الواسع سواء داخل إيران بعد انتهاء الحرب وقيادة الإمام الخامنئي أو خارجها.
إذ بنا نجد أن الجمهورية الإسلامية التي صمدت لثماني سنوات، وجاءت بقائد جديد بعد وفاة الإمام، أن هذه الجموع الإسلامية توسعت اقتصادياً وعلمياً ومعرفياً وازدادت تجذراً في الشباب الإيرانيين على مستوى القناعة والثقافة والإدراك، وبنت أجيالاً جديدة، وأن هذه الجمهورية الإسلامية توسعت على مستوى تأثيرها في العالم العربي من فلسطين إلى «حزب الله» إلى شباب المنطقة كلهم، وصولاً إلى الصحوة الإسلامية، وإلى تأثر هؤلاء الشباب المؤمنين كلهم بدينهم وبربهم وبإسلامهم وبقضاياهم المحقة والعادلة ويزدادون اقتراباً من الجمهورية الإسلامية.
هنا أصبحت أمريكا أمام مرحلة جديدة من المواجهة وهي مرحلة الفتنة المباشرة، يعني المرحلة الرابعة في الفتنة المباشرة. أنتم تعرفون، أنا لا أريد أن أتحدث عن شيء أنتم أعرف مني به، في الفتنة المباشرة في المرحلة الرابعة وجدوا أن السد المنيع هو سماحة القائد في عقله وفكره وإدارته ووعيه وروحيته.
كلنا يعرف تماماً الخطاب الشهير لسماحة القائد في صلاة الجمعة، الذي بفهمنا نحن استخدم الطاقة المعنوية عبر التواصل بصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وقال له: هذه دولتك، ووجه كلاماً واضحاً وصريحاً إلى الشعب الإيراني، وتمكّن من إحباط مشروع الفتنة الجديد أيضاً.
أنا أذكر تماماً بعد هذه المعارك المتتالية التي كانت تخوضها أمريكا بأشكال مختلفة، كان يتصدى لها سماحة القائد. هناك دراسة أمريكية صدرت من مؤسسة عمد الأمريكية المتخصصة في العالمية هي موجودة بحدود التسعين صفحة تقريباً، بعد الفتنة الأخيرة التي حدثت في التعبير الإيراني في سنة هشتاد هشت، فتنة ثمانية وثمانين، أنجز الأمريكي هذه الدراسة، وقال: إنه يجب أن نفتش عما بعد الإمام الخامنئي ما الذي يمكن أن نفعله في إيران؟ لأنه مع وجود شخص الإمام الخامنئي في إيران، أصبحت أمريكا يائسة من إمكانية أن تعود إلى إيران، أو أن تؤثر في سياستها.
في هذه الدراسة تحدثوا عن شخصية القائد، وعن عائلته، كم يعيشون؟ كم يعمّرون؟ كم سنة؟ وهم طبعاً أصيبوا باليأس أيضاً، فوجدوا أن عائلة سماحة القائد هم من المعمرين يعيشون تسعين سنة أو أكثر من ذلك، وأصيبوا بالذهول وبدأوا يفكرون جدياً أنه بعد القائد ما الذي يمكن أن يحدث؟
طبعاً نحن نقول هذه كلها أمانيهم وأحلامهم وهذا يدل على فشلهم الذريع، إذاً هم عرفوا تماماً، ووصلوا إلى هذه النتيجة أنه مع وجود شخص كالإمام الخامنئي دام ظلّه لا يمكن لأمريكا أن تنتصر على الجمهورية الإسلامية.
كما تعلمون، نحن في «حزب الله» ثقافتنا قائمة على نهج الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، ومن ثقافتنا عشق الإمام. ربما نحن من الجيل الذي فكر أنه يستحيل أن تبقى الحياة بلا الإمام - على المستويين العاطفي والمعنوي أتحدث - وهذا أمر طبيعي، وأنا أذكر على المستوى الشخصي أنه من أكثر الأيام حزناً في حياتي هو يوم وفاة الإمام، ولا أعتقد أن هناك يوماً شعرت فيه بالألم والأسى والحزن والفقدان، يعني نحن كلنا من الذين يفقدون أحباءهم وعائلاتهم وشهداءهم وأصدقاءهم، هذه الأمور كلها هي في مكان، ولحظة فقد الإمام في مكان آخر.
علماً أننا كنّا مهيّئين من لحظة مرض الإمام، وكانت الجمهورية الإسلامية تعلن عبر التلفاز عن الأوضاع الخاصة للإمام خاصة في الأيام الأخيرة. كان هناك تهيؤ، ولكن في لحظة الإعلان عن وفاة الإمام، شعرنا كأن الدنيا انتهت وتوقفت.
أنا وقتها كنت في الجمهورية الإسلامية. أذكر ثلاثة أيام تقريباً، كنا ننزل إلى الشوارع، الناس كلهم باكون، وليس هناك أحد يبتسم لأحد كلهم يعزّون بعضهم بعضاً، ومن الأمور العجيبة يعني كانت أنه حينما ننتقل من مكان إلى مكان، سائق التاكسي كان حزيناً، صاحب المحل كان حزيناً، الناس كلهم كانوا كذلك، وشاركنا في تشييع الإمام.
لكن في اللحظة التي أعلنوا فيها عن اختيار سماحة القائد، شعرنا أن الروح عادت إلينا وشعرنا بالطمأنينة. طبعاً هذا أمر وجداني فكري، وجداني تجريبي، هذا ليس وجدانياً محضاً لأن هذا الوجدان وهذه العاطفة مقرونَان بشخص تعرف مواصفاته وبركاته وخيراته. شعرنا أن يد الله عزّ وجل هي التي امتدت، وحقيقةً من دون أي مبالغة أو مجاملة في هذا الموضوع، شعرنا بأن القوة نفسها التي كانت أيام الإمام موجودة.
أذكر تماماً أننا من الذين فضلاً عن قناعتهم وتبنّيهم واعتقادهم بقيادة سماحة الإمام الخامنئي منذ اليوم الأول، بل منذ اللحظة الأولى، كنا واضحين جداً في «حزب الله» أن هذا الخيار هو خيار إلهي قبل أي شيء آخر، وأنه خيار موفق بحمد الله عزّ وجل، وأن ألطاف صاحب الزمان تدخلت في هذا الموضوع بصورة حتمية.
هذه قناعة موجودة لدينا في «حزب الله»، وتركت هذه القناعة أثراً كبيراً في تشكيلات «حزب الله» كلها من قيادته إلى تشكيلاته كلها كان هناك حالة من الطمأنينة ومن الاعتقاد، وإذا كنتم تلاحظون منذ أيام قيادة الشهيد القائد السيد عباس الموسوي (رضوان الله تعالى عليه) وإدارته كيف كان يتحدث بشغف وبحب وتعلق عن هذا القائد العظيم بأنه يعرفه جيداً، وقيادة «حزب الله» تعرفه جيداً، وبركاته بالنسبة إلينا كانت معروفة طوال سنوات وجود المقاومة وتحدياتها الصعبة كلها، كان سماحة القائد أطال الله عمره الشريف حاضراً بقوة وحاضراً معنا، بركاته وتوجيهاته وإدارته وأولوياته ونباهته والتفاتاته، «حزب الله» يسجل في هذا الموضوع كثيراً من التجاوب في الثمانينيات قبل أن يصبح القائد قائداً، حينما كان رئيساً للجمهورية. حينما تولى القيادة في الأشهر الأولى وفي السنوات الأولى هناك مخاضات عسيرة، وجاء «حزب الله» على مستوى المقاومة في لبنان، وكان القائد دائماً يحدد طريق الخلاص ويفتح لنا الأبواب المقفلة أمامنا، فيرشدنا ويدلنا ويهدينا، فيقول: اسلكوا هذا الطريق تصلون، فنصل.
لم نجد في تجربتنا كلها مع سماحة القائد قبل قيادته بالمعنى الرسمي والفعلي وبعدها وتسلّمه موقع الولي الفقيه، في هذه المراحل كلها، لا يمكن أن نسجل أي موقف اتخذه بحق «حزب الله» لمصلحة الحزب ولهدايته إلا وكان موفقاً ومسدداً، ونحن نقرأ تسديداً خاصاً.
لذا اليوم عندما نتحدث، بعض الناس قد يتخيلون أننا نبالغ أو نجامل لأنه قائدنا. لا، ليس الأمر كذلك، نحن نفخر بقائدنا ونحبه ونعشقه ونذوب في كلماته وتوجيهاته، ولكن الأمر ليس مبالغة ولا مجاملة، الأمر له أدلة واقعية لا يمكن أن تعد من كثرتها، من الثمانينيات من بداية الحزب إلى يومنا هذا، ليس هناك موقف صعب وشديد، وتعلمون جداً على مستوى المواجهات العسكرية الصعبة وعلى مستوى المواجهات الأمنية الصعبة وعلى مستوى الضغوطات السياسية الصعبة التي تواجهها منطقتنا ومقاومتنا في لبنان وفلسطين، تعرفون أننا نواجه اليوم ضغوطات عالمية كبيرة، أصلاً المقاومة منذ بدايتها إلى اليوم وهي تواجه هذه الضغوطات العالمية.
في كل مرحلة وفي كل سنة وفي كل مدة نواجه مثل هذه الضغوطات، كان سماحة القائد يتدخل ويرشدنا، ويقول لنا: أعتقد أن هذا هو الطريق. ثم نسلكه، فنصل إلى النتيجة الأحسن والأفضل. إذا أردنا أن نلخّص بكلمة واحدة مفتاح العزة ومفتاح الانتصار ومفتاح التوفيق ومفتاح التسديد بكل تجربة في المقاومة في لبنان هو بيد سماحة القائد.
أنا كما قلت في التفاصيل هناك كثير من الشواهد، لكن أنا سأتحدث عن بعض المحطات الرئيسية، يعني هي مفصلية.
مثلاً في بنية «حزب الله»، بمعنى روحه، حينما كان هناك نقاش أن «حزب الله» يعمل في السياسة وأنه مقاومة، أصل وجوده هو مقاومة، لكن نتيجة التغيرات التي حدثت في لبنان أصبح المطلوب أن نخوض غمار بعض الأمور السياسية، وكان هناك نقاش تتعرض له عادة المقاومات كلها في الدنيا وفي العالم حينما تحصل بعض الإنجازات التقدم والتوسعة والانتشار على المستوى الشعبي والاجتماعي والسياسي تبدأ المزاحمة بين العمل السياسي وبين العمل المقاومي.
طبعاً هذا أخذ نقاشاً طويلاً وكبيراً في «حزب الله»، وقد تكون هناك آراء مختلفة، بالنتيجة هناك سماحة القائد كان يقول إن هذا الموضوع واضح جداً، «حزب الله» ماهيته مقاومة، هذا التوجه الكلي من سماحة القائد حدد مساراً هو الذي حصد النتائج كلها إلى يومنا هذا، وإن «حزب الله» بنيته وهويته وماليته وتركيبته وأولوياته هي المقاومة، العمل السياسي يأتي في خدمة عمل المقاومة. هذا كله من توجيهاته، وهذا فتح لنا مسارات طويلة على مستوى العمل المقاومي، ودفع العمل المقاومي إلى الأمام بخطوات كبيرة.
لو أننا لا سمح الله غرقنا في العمل السياسي أكثر من المطلوب في تلك المرحلة، لكننا ربما على مستوى المقاومة إما أضعنا المقاومة وإما ضعفت المقاومة، فلو ضعفت المقاومة في الثمانينيات وفي أوائل التسعينيات أو أضعنا بوصلة المقاومة، هذه النتائج كلها التي نراها اليوم لما كانت تحققت هذه المسألة.
مسألة ثانية أو مفصل آخر، حينما دخلت المنطقة في عالم التسوية السياسية أيام كلينتون، والاتفاقات السياسية التي انعقدت مع الفلسطينيين، طبعاً يعني أيام أوسلو، وصولاً إلى وادي عربة والأردن، وقالوا إن الأمور انتهت.
العالم العربي والإسلامي، بل العالم كله اعتقد أن مسار التسوية هو مصير نهائي ومآل نهائي. حينما كنا نذهب إلى سماحة القائد في مراحل عدة، يعني أوائل التسعينيات ومنتصفها، في مراحل التفاوض الطويلة كلها التي حدثت بين العرب والإسرائيليين برعاية وإدارة أمريكية، في كل مرة كنا نصل إلى سماحة القائد ونكون في خدمته ونتحدث عن مجريات المنطقة، كان القائد يبتسم، ويقول: يجب أن نستمر في العمل المقاوم، وهذا إن شاء الله لا يتحقق ولا يحدث.
في ذلك الوقت من يقول إن التسوية لا تحدث كان يخالف توجهات الدنيا كلها. بوصفه قائداً كان يقول: هذا لا يحدث فلا تخافوا ولا تقلقوا، أنتم استمروا في عملكم المقاوم ولا تقلقوا، وهذا ينتهي.
في مرحلة حساسة جداً قبل وفاة الرئيس حافظ الأسد بمدة بسيطة، وآخر أيام كلينتون على مستوى رئاسة الجمهورية الأمريكية، عقدت جلسات سريعة ومتتالية، حينها كان الانطباع أن الرئيس الأسد قد وافق على إنهاء المشكل في الجولان وتوافق مع الأمريكيين على حدوده، يعني بحيرة طبرية والخلاف الذي كان دائراً، وأن الأمور أصبحت منتهية، ووقتها حدث اللقاء الشهير كلينتون - حافظ الأسد في جنيف على قاعدة أن الأمور سوف تُبتّ، قبل هذا، سماحة القائد قال: لا تقلقوا ولن يحدث شيء.
ثم جاءت مباحثات جنيف. كان العالم كله يتوقع أنها ستنتج شيئاً، فإذا بها تفشل لأن حافظ الأسد لم يتنازل ولم يتراجع أبداً. كانت رؤية سماحة القائد أن التسوية لن تسري في المنطقة.
طبعاً إلى اليوم لبنان وفلسطين والمنطقة كلها تعيش نتائج تلك المرحلة وانعكاساتها، لأن الحكام العرب، ومنهم للأسف بعض الحكام في لبنان وقتها، كانوا يراهنون على أن التسوية السياسية هي المصير النهائي للمنطقة، يعني قضية فلسطين ستسوّى، والمقاومات في المنطقة ستنتهي، و«حزب الله» انتهى دوره، ولا مقاومة في فلسطين، والشعوب العربية ليس لها أي أمل في الوصول إلى حل عادل، والعالم قد اتخذ القرار الأمريكي.
كان الشخص الأول في العالم الذي يدير الجبهة المقابلة هو سماحة القائد، في هذا التوجه العالمي كله كان يقف سماحة القائد بوجه هذا التوجه العالمي كله في السياسة، مضافاً طبعاً إلى الموقف الشجاع والمقاوم. في تلك اللحظات سماحة القائد كان يأمر الدفاع عن القضية الفلسطينية وبأن تستمر هذه المقاومة تسليحاً وقدرة وإمكانات وصولاً إلى فلسطين. وقف سماحة القائد في السياسة وحده ليقود محوراً وجبهة مقابلة لهذه الجبهة العالمية كلها، وأثبتت التجربة أن التسوية السياسية ليست إلا كذباً وادعاءً ووهماً، ولن يتحقق شيء.
ثم جاء بعض السياسيين الكبار، لا أريد أن أذكر الأسماء، في لبنان وفي فلسطين وفي المنطقة يقولوا لنا في نهاية المطاف إن ما ذهبتم إليه كان صحيحاً، نحن كنا مخطئين، وكنا نظن أن أمريكا ستأتي لنا بحل سياسي ولكنها لم تفعل، هذا كله قبل عشرين عاماً.
لذا حينما نتحدث عن مشكلات ما يسمى «صفقة القرن»، نعرف أن ما لم يحدث قبل عشرين عاماً، لن يحدث الآن. هذا مثل آخر.
المثل الثالث ما أزال أذكره تماماً، بعد انسحاب إسرائيل من لبنان في سنة ألفين، والانتصار الكبير الذي حدث وهو الانتصار الأضخم على مستوى العالم العربي في تاريخ المقاومة مع الكيان الصهيوني، ذهبنا إلى الجمهورية الإسلامية، واستقبلنا سماحة القائد.
طبعاً بعد كلام ونقاش وتقديم بعض الأمور كما هي العادة، اسمعنا إلى توجيهات سماحة القائد، كان يتحدث وأنا أكتب ولا أزال أحفظ هذه الكلمات جيداً، قال - وقتها كنا عنده في صيف سنة ألفين، يعني بعد الانسحاب بحوالى شهرين تقريباً -: ما حدث على مستوى انتصار «حزب الله» في لبنان سوف تجدون نتائجه وامتداداته وانعكاساته في المنطقة، وتحديداً داخل فلسطين، ولا تستهينوا بنتائج ما حدث في لبنان على مستوى الفلسطينيين، بل إن الشعب الفلسطيني ـ هنا النقطة المهمة ـ سيخرج إلى الشوارع بانتفاضة جديدة، ولن يقبل لا من قيادييه ولا من سياسييه بعد الآن إلا الحل المقاوم القائم على الانتفاضة بأبعادها ومعانيها كافة.
جئنا من الجمهورية الإسلامية، وبعد هذا الكلام بشهر أو أقل أو أكثر بقليل، اشتعلت الانتفاضة في فلسطين. واقعاً حينما كنت أشاهد مشاهد الضفة أو الانتفاضة في فلسطين كلها، كنت أرى أن القائد كان يتحدث عن شاشة يراها بعينيه، كأن الشاشة موضوعة أمامه وفي بعض التفاصيل كأنه يراها بعينيه، وهذا كله فيه رؤية.
الآن يمكن أن نفسره بتفسير غيبي توفيق مددي إلهي، ويمكن أن نفسره بتفسير رؤيوي على المستوى السياسي، وكلا الأمرين عظيم سواء أقلنا مدداً إلهياً أم قلنا رؤية سياسية، وليسا منفصلين على أي حال، يعني حتى عقل أولياء الله عزّ وجل يصبح فيضاً، أي العقل السياسي هو فيض في الحقيقة إذا كان عقل أولياء الله سبحانه وتعالى.
هكذا سنة بعد سنة كنا نرى أن الرؤية التي يتحدث عنها القائد هي رؤية عميقة وعميقة وعميقة جداً، وتفاصيل معركة سنة ألفين وستة، أي حرب الثلاثة وثلاثين يوماً، كانت تفاصيل مهولة جداً على مستوى توقع القائد وعلى مستوى روحه والمعنويات التي أعطانا إياها سماحة القائد في الميدان في بداية المعركة.
أنت تعرف حينما تكون هناك حرب كحرب الثلاثة وثلاثين يوماً، حرب ضروس قاسية جداً، تخيل أنت أن مليون شخص من مؤيدي المقاومة، مليون شخص حينما أقول من أصل أربعة ملايين في لبنان، الآن في إيران مليون قد يكون رقماً ليس كبيراً، لكن مليون شخص من جمهور المقاومة هم خارج بيوتهم، يعني جمهور المقاومة كله، دعنا نقول ثمانين بالمئة من جمهور المقاومة هم خارج بيوتهم، ودمرت بيوتهم وقصفت مناطقهم، شهداء وجرحى ودمار في لبنان كله، على مرأى من العالم كله، و«حزب الله» يواجه لوحده هذا المصير، كانت تأتي إلينا كلمات سماحة القائد كالبلسم.
رسالته الشهيرة الأولى التي وصلت إلى سماحة الأمين العام، أذكر تماماً أن سماحة السيد حسن نصر الله اتصل بي هاتفياً وقال: «هناك بشرى».
سألته: ما هي البشرى؟
قال: سماحة القائد أرسل إلينا رسالة، وتحدث فيها عما حدث معنا، وهي مليئة بالبشرى، فيها تحدث عن أيام صعبة ستواجهنا، وشبّه معركتنا بمعركة الخندق، وهي معركة قاسية حتماً. كان سماحة السيد يضحك على الهاتف، وقال: هو ينبِّئنا عن معركة قاسية. طبعاً هذا في الأسبوع الأول تقريباً من المعركة، ولكن في نهاية المطاف يقول: إن ما حدث معكم، إن شاء الله، فيه خير كبير لكم، لو لم يحدث ما حدث معكم، لكان يمكن للإسرائيلي أن يباغتكم، ويمكنه أن يهجم عليكم في لحظة مفاجئة.
نحن لم يكن عندنا أي معطى أن الإسرائيلي كان يجهّز لمعركة مفاجئة. بعد انتهاء المعركة، اعترف الإسرائيلي وتحدّث الأمريكي والمطّلعون كلهم أن الإسرائيلي كان يجهّز لمعركة مفاجئة.
هذه التفاصيل أنا أذكر وقتها حينما تحدثت مع سماحة السيد على الهاتف، وأنا أقول بكل صراحة وواقعية حتى كلام السيد بالنسبة إلينا، سماحة السيد حسن يعطينا المعنويات ويدفع بنا إلى الأمام وإلى الشجاعة، حتى هو اختلف، فلحن كلامه وطريقته أصبحا مختلفين بعد رسالة القائد.
كانت هناك حالة من الارتياح الشديد بدت في كلامه. إن القائد بعد أن أرسل رسالة، شعرت بالارتياح الكبير والمهم جداً.
من الإشارات المهمة في رسالة سماحة القائد لسماحة السيد أنه من المفيد أن يشرح للناس أن الإسرائيلي كان سيباغتكم لو لم تحدث المعركة في هذا التوقيت، ثم بعدها سماحة السيد بيّن وشرح للناس.
السؤال هنا أن القائد يعيش في إيران ويقود جمهورية فيها كثير من التحديات والمصائب، كيف اكتشف وكيف عرف أن الإسرائيلي كان يجهز لمعركة مفاجئة؟ لم نكن نعرف ولا على اطّلاع ولا على علم ودراية بمثل هذا الأمر، كيف عرف سماحة القائد؟ كيف وصل إلى هذه القناعة؟ ثم إن هذه القناعة لا نستهين بأهميتها على المستوى المعنوي، فبالنسبة إلينا في إدارة المعركة، أعطتنا دفعاً قوياً إلى الأمام.
هكذا في الرسالة الثانية حينما قال لسماحة السيد: «أيها القائد العربي». رسالة أخرى بعد الانتصار بارك فيها لـ«حزب الله» ولسماحة السيد الانتصار، وخاطبه بعبارة ملفتة جداً قال له: «أيها القائد العربي». نحن عرفنا عبر تجربتنا مع القائد أن سماحة السيد حسن نصر الله هو أمام مستقبل كبير على مستوى العالم العربي.
الآن نحن نعيش مرحلة السيد حسن نصر الله، القائد العربي الذي تحدّث عنه سماحة الإمام الخامنئي قبل أحد عشر عاماً أو ثلاثة عشر عاماً، هذا أمر ملفت جداً بأبعاده ومعانيه كلها.
إذاً سماحة القائد دائماً حضوره معنوي وتوجيهاته وأولوياته وخطاباته العجيبة، هذه الخطابات العجيبة واقعاً - لا أدري كيف أعبّر - هي كرامة ومعجزة. خطابات سماحة القائد هي خطابات ترى فيها الإلهام أكثر مما ترى فيها الوقائع العادية، لأنها هي تشرف على الوقائع كلها وتتحدث عنها ودائماً هي تلهم وتحرّك وتبيّن وتوضح، وحتى أنا كان عندي سؤال كبير دائماً أن سماحة القائد كيف يصل إلى مثل هذه الخطابات؟ من أين يصل إلى مثل هذه الخطابات العجيبة المليئة والعمق بالأبعاد كلها؟ العمق المعنوي والسياسي وعلى مستوى الرؤيا.
هذه الأمور كلها، طبعاً كما قلت تحدثت عن مفاصل أساسية في مسار عمل المقاومة فقط، في إمكاني أن أقول لك بقناعة كاملة وثابتة أن هذا المسار التصاعدي للمقاومة في لبنان، الشخص الوحيد في العالم - طبعاً بعد الإمام بحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف - الذي كان يرى هذا المسار بهذا الجلاء والوضوح هو سماحة الإمام الخامنئي دام ظلّه.
هذا أمر مثلي لا يمكن أن يصفه، إذ هو اعتداء على ساحة مقدسة ليس لنا فيها باع، ولكن كما هو مستوى إدراكنا العقلي والمعرفي البسيط المتواضع، الإمام خميني هو مؤسس هذه الجمهورية الإسلامية، وهو الفاتح الحقيقي عبر مبنى ولاية الفقيه وعبر رؤيته لدور الولي الفقيه، الفقيه الجامع للشرائط.
الإمام الخميني هو فاتح الباب نحو الخيرات والبركات لبطون المعرفة في الفقه الشيعي وفي المعرفة الشيعية وفي التاريخ الشيعي، وهو فاتح القلوب للتمهيد للإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وفاتح العقول لهذه المعرفة الأشمل بالإسلام المحمدي الأصيل والارتباط برسول الله وأهل البيت سلام الله علينا أجمعين.
الإمام الخميني هو ـ بتعبير واحد وواضح ـ باني هذه الجمهورية ومؤسسها وفاتح بركاتها وخيراتها إلى ما شاء الله، فكلما حصلت الجمهورية الإسلامية وحصل المسلمون ومنهم نحن في لبنان وفي المقاومة الإسلامية وفي العالم الإسلامي كله على خير وبركة، فمنشأهما الإمام الخميني رضي الله تعالى عنه.
سماحة القائد الإمام الخامنئي دام ظلّه هو بين المؤسسات ويجذّر هذه الأصول في البناء الشامخ للجمهورية الإسلامية، بل للحركة الإسلامية العالمية.
الإمام الخميني فتح الباب والإمام الخامنئي يجذّر ويعمّق ويبني مدماكاً بعد مدماك، ما نطق به الإمام الخامنئي وما أنجزه في ثلاثين عاماً يكفي لأن يكون دستوراً كاملاً لبناء الإسلامية كما تحدّث هو أدام الله ظله الشريف للحضارة الإسلامية لبعد خمسين عاماً.
طبعاً نحن نسأل الله تعالى أن يعجل في فرج إمامنا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد إن شاء الله لا نحتاج إلى هذه الحضارة الإسلامية خمسين عاماً إلا تحت بركة الإمام، وهي إن شاء الله تحت بركة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، ما عندنا أي شك إطلاقاً.
الإمام الخامنئي هو باني المشروع الإسلامي الحديث الواسع، وهو الذي يعمل على تجذيره فكرياً وعقائدياً وثقافياً ومؤسساتياً وإدارياً، وهو من يبني الاستمرار ويحافظ عليه. كما نعلم نحن في الحديث عن المروي عن نبي الله عيسى سلام الله عليه أن الاستمرار في العمل لا يقل أهمية عن البدء فيه، فإذا كان البادئ والفاتح هو الإمام الخميني، فإن المستمر والباني لقدرات الاستمرار والثبات كلها هو الإمام الخامنئي دام ظلّه الشريف.
أنا سأعطيك شاهداً حقيقياً على أن الشعب الفلسطيني هو شعب مقاوم ولا يتخلى لا عن المقاومة ولا عن السلاح، ولكن يجب أن نأخذ في الحسبان أن حجم الضغوط التي واجهها الشعب الفلسطيني كبير جداً لا نستهين بها. يعني التهجير وإخراج الفلسطينيين من أرضهم وتآمر العالم عليهم، من الأمريكيين والأوروبيين والغربيين عموماً، وتخلي الدول العربية في معظمها – حكاماً - للأسف عنهم، والمال العربي يصرف لخدمة "إسرائيل" وليس لخدمة المقاومة.
المقاومة الفلسطينية في سبعين عاماً لم تتوقف، أبداً لم تتوقف، كانت تُحاصر ويُضيّق عليها ويُقضى على رموزها، ولكنها لم تتوقف. أما الآن، فالمقاومة الفلسطينية هي أقوى بكثير مما كانت عليه قبل ثلاثين أو أربعين أو خمسين عاماً.
المقاومة الفلسطينية الآن في مرحلتها الجديدة هي مقاومة أوسع وأقوى مما كانت عليه، فهي الآن تمتلك صواريخ تهدد فيها "تل أبيب"، وهذا لم يكن موجوداً. للأسف مع الدول العربية هذا لم يكن موجوداً، ولكن مع دعم الجمهورية الإسلامية هناك صواريخ تستهدف "تل أبيب".
اليوم المقاومة الفلسطينية إلى جانبها ومعها مقاومة «حزب الله» الذي يهدد ليس "تل أبيب" فقط، بل يهدد كل نقطة في الكيان الإسرائيلي، والإسرائيلي يخاف ويرتعد من مقاومة «حزب الله»، التي هي داعمة للمقاومة الفلسطينية.
استمرار الشعب الفلسطيني في إنتاج مقاومته وتطويرها دائماً هو دليل ساطع على أن الشعب الفلسطيني هو شعب مقاوم، لم يستسلم ولن يستسلم، لم يرضخ ولن يرضخ.
نعم، بعض السياسيين الضعفاء عادة، هؤلاء كانوا أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنافقين في المدينة المنورة، كان دورهم أن يثبطوا الناس ويحبطوهم وأنه لماذا الحرب، ولماذا نستمر؟ وهؤلاء قريش اجتمعوا مع اليهود ومع الأعداء كلهم، وقبائل العرب كلها جاءت لتطوق المدينة المنورة، فتعالوا إلى الاستسلام.
بعض الضعفاء والجبناء والمنافقين، منهم فلسطينيون وعرب وفي العالم العربي وحكام وموجودون، هم يروجون لثقافة الاستسلام والتعب والإنهاك. أبداً، الشعب الفلسطيني لم يتعب ولم ينهك ولم تسقط البندقية من يده.
هذا أحد أهم إنجازات نهج المقاومة ومحور المقاومة الذي يقوده فعلاً في هذا العالم كله الإمام الخامنئي دام ظلّه فكراً ونهجاً وخياراً.
الشعب الفلسطيني اليوم قوي وليس ضعيفاً كما يتخيل بعض الضعفاء. هم ضعفاء. بعض السياسيين من عاشوا على مائدة الوعود الأمريكية، ثم سُحبت هذه المائدة من أمامهم، فأحسوا أنهم أصبحوا خالي اليدين. هم خالو اليدين، ونحن لسنا خالي اليدين أبداً، بل أقوياء وبيدنا السلاح والصاروخ والمقاومة والإسلام والتدين والمستقبل والأمل، وستكون فلسطين بيدنا بإذن الله تعالى، والقدس ستكون بيدنا، بيد المقاومين في لبنان وفي فلسطين.
إن شاء الله، القدس ستتحرر وسيكون القائد الأول لتحريرها ولتحرير فلسطين هو الولي الفقيه الإمام الخامنئي دام ظلّه الشريف. هذا هو المستقبل الذي نراه أمام أعيننا واضحاً جلياً، فالتجربة والواقع علمانا.
الحمد لله نحن اليوم أقوياء. الشعب الفلسطيني قوي والمقاومة في المنطقة قوية. إذا كان البعض يتخيل أن هذا التهويل والصراخ الأمريكيين سيوصلان إلى نتيجة، فلن يوصلا إلى نتيجة. هذا ليس جديداً، هم وصراخهم يذهبون. قبل ترامب، جاء عشرات الرؤساء الأمريكيين وذهبوا وبقيت المقاومة، وإن شاء الله، المقاومة اليوم في المنطقة من «حزب الله» إلى فلسطين إلى شعوب هذه المنطقة كلها لأنها تستند إلى قوة عظيمة وإلى إيمان أولاً، وإلى قوة ساندة وداعمة وفكر أصيل في التاريخ وفي الواقع وفي الصدق وفي التجربة هي قوة الجمهورية الإسلامية.
البعض يقارن للأسف مع الأخطاء الكبيرة حينما كانت المقاومة الفلسطينية في حضن الحكام العرب أو تستند إلى قوة العرب، للأسف وصلت نتائج مخيبة، ولكنها اليوم ليست كذلك.
أنا سأجيب عن سؤالكم بكلمة لسماحة الإمام الخامنئي دام ظلّه. بعد انتصار سنة ألفين، كان سماحة الأمين العام حفظه الله سماحة السيد حسن نصر الله، يشرح في إيران لسماحة القائد ما الذي حدث في جنوب لبنان حيث كان الإسرائيلي وشرح له الوضعية الجغرافية.
سماحة القائد ابتسم، قال: أنا أفهم من كلامك أنه أصبح الصهاينة تحت أقدام شباب المقاومة الإسلامية. واقعاً هذا هو الواقع الفعلي، اليوم الصهاينة تحت أقدام مجاهدي المقاومة الإسلامية في لبنان، لا يمكنهم أن يفعلوا شيئاً، ولن يتمكنوا أن يفعلوا شيئاً، كما نقول نحن في الاصطلاح اللبناني والعربي: عقارب الساعة لا تعود إلى الخلف، عقارب الساعة تسير إلى الأمام، لا عودة إلى الخلف.
الآن الإسرائيلي كان على مدى خمسين عاماً يُوجِد قلقاً إستراتيجياً عند الدول العربية وشعوب العالم العربي، ومنهم جنوب لبنان. أنا من جنوب لبنان، نحن من جيل تربينا وعلِمنا دائماً أن جنوب لبنان مهدد من "إسرائيل"، وعائلاتنا وأهلنا ومجتمعنا عندهم حالة قلق واضطراب دوماً.
اليوم انقلب الأمر. اذهب الآن إلى جنوب لبنان، إنه مرتاح ساكن هادئ قوي شجاع، القلق والاضطراب أين؟ الجليل الأعلى، ما يسمونهم الجليل الأعلى، كريات شمونا وحيفا ومجمع "البيت" الكيميائي الذي يخاف من أي صاروخ يصيبه قد يصيب الإسرائيليين، و"تل أبيب" ويافا، هذه الأماكن كلها قلقة ومضطربة.
العسكر الإسرائيلي والضباط والقادة الإسرائيليون والعسكريون والسياسيون، كلهم يتحدثون عن خطط دفاعية. هدف هذه الخطط شيء واحد، هو إيجاد الأمان في قلوب الصهاينة، ومن نعم الله تعالى علينا آخر مناورة أنجزوها في سنة 2018 قالوا: إنها لم تؤتِ أُكُلها وما يزال الشعب اليهودي بتعبيرهم يعيش حالة قلق.
نحن في هذه الحالة اليوم. القلق الإستراتيجي انتقل إلى الثقافة الإسرائيلية وإلى العسكر الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي. اليوم خطابات سماحة الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، يسمعها معظم شعب الكيان الصهيوني المحتل ويتأثر بها. انعكس هذا المشهد، كان العرب يسمعون خطابات الإسرائيليين لتحدد لهم المستقبل، اليوم الذي يحدد المستقبل خطابات السيد حسن نصر الله وتوجهات مجلس الأمن القومي في الجمهورية الإسلامية وتوجهات سماحة القائد وتوجهات «الحرس الثوري».
الآن "إسرائيل" تتحدث عن خطابات القائد وعن «الحرس الثوري» وإيران وأولوياتها اليوم. الأمور منقلبة رأساً على عقب. نحن اليوم بحالة انتصارات كبيرة إستراتيجية، ولذا مستقبل المقاومة هو مستقبل زاهر آمن مليء بالانتصارات. نعم، هذا كله لا يحدث دون تضحيات.
ما دمنا مصممين على السير في طريق سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه ولأن مجتمعنا أصبح كربلائياً، المقاومة اليوم هي ليست شباباً كربلائيين فقط، في الطريق قد تجد تجارب أن هناك شباباً، ولكنْ اليوم هناك شباب ومجتمع كربلائي وهناك الحسين - سلام الله عليك سيد الشهداء - ونهج للرجال والنساء والشباب. الآن أطفالنا في لبنان يتربون على عشق المقاومة وحبها، فتياننا وفتياتنا ورجالنا ونساؤنا وثقافتنا ومدارسنا وحوزاتنا عولماؤنا وإعلامنا، كلهم اليوم الحمد لله مقاومة، وكلهم مستعدون للتضحية في أي معركة.
ما شاهدناه في سوريا كان واضحاً. تجربة كبيرة تكشف عظمة محور المقاومة وعظمة هذه المقاومة، ولأنها في هذا المستوى من الاعتماد الفكري والعقلي والديني والفقهي والأخلاقي، هذه كلها منظومة قيم. في الحقيقة نحن يجب أن نعترف ونقر ونسلّم أن هذه القيم، الذي زرعها فينا هو فكر الإمام الخميني رضوان الله تعالىعليه والتوجيهات الدائمة والمباشرة والمؤكدة لسماحة الإمام الخامنئي دام ظلّه.
إذاً نحن لسنا أمام مقاومة عشوائية، ولا أمام مقاومة عسكرية فقط، ولسنا أمام مقاومة عادية، نحن أمام تجربة مقاومة كربلائية ولائية مهدوية تؤمن بهذا التاريخ والفكر كلهما، وتؤمن أن هذا الفكر هو الحاكم، وتؤمن أن العمل المقاوم سواء أكان يريد أن يدفع الخطر عن لبنان أو يريد أن يستعيد القدس، وإن شاء الله تستعاد، أو يريد أن تتحرر الشعوب العربية والإسلامية، وإن شاء الله هذه الشعوب العربية كلها تتحرر من نير وطغيان حكام الظلمة هؤلاء ومن هذا الجبروت الأمريكي الجاثم على صدورهم.
نؤمن أن هذه المقاومة وهذه الحركة الممتدة في عالمنا الإسلامي والعربي كله وفي منطقتنا كلها بقيادة الإمام الخامنئي دام ظلّه الشريف إن شاء الله تكون هي الخطوات الممهدة التي تقدم بعضاً من فعلها وإنجازاتها وعطائها ودمائها بكل تواضع بين يدي صاحب العصر والزمان.
هل هذا كافٍ يا مولانا يا صاحب الزمان؟ نحن نطلب منه أن يقبل منا، إن كان هناك شيء قابل لأن نقدمه بين يديه على مستوى العمل المقاومي في هذه المنطقة، فإن الذي يقود هذا العمل المقاوم هو نائبك يا إمام الزمان، هو الولي الفقيه، فهل هذا كافٍ؟ أم المطلوب أن نقدم أكثر؟ نحن جاهزون لأن نقدم أكثر في طريق التمهيد، تمهيد الأرض والمنطقة والعالم لقدومه المبارك عجل الله تعالى فرجه الشريف ولكن هذا الأمر بيد الله سبحانه وتعالى وعلمه عند الله، فنسأله تعالى أن يكون قريباً وأن يعجّل في فرجه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.