*تُقرّ وسائل الإعلام الدولية بقوة الصواريخ الإيرانية وقدرتها على اختراق طبقات الدفاع الجوي المتعددة للكيان الصهيوني، كما أشارت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية صراحةً إلى هذه الحقيقة، وذلك رغم سنواتٍ من الترويج الواسع لكون تلك المنظومات محصّنة وغير قابلة للاختراق. كيف حدث هذا التحوّل؟
بالنسبة إلى اختراق الطبقات الصاروخية، يجب القول إنه لم يكن جديدًا، يعني في عمليتي "الوعد الصادق" الأولى والثانية حدث هذا الاختراق أيضًا، ولكنه حدث الآن بصورة أوسع والأهداف التي أصيبت أكثر أهمية وعددًا. أسباب ذلك طبعًا أنه في هذه العملية حدث توسيع وزيادة كبيرة في عدد الدفاعات، خاصة الدفاعات الأمريكية التي كانت موجودة، ولكن أضيفت أعداد كبيرة إليها، خاصة في المدة الماضية ولكن لم تستطع حماية الأهداف الحساسة المقرات الرئيسية التابعة للمنظومة الأمنية للدولة. المنظومات الأمنية الرئيسية في الدولة كلها تقريبًا ضُربت في كيان العدو، وهذا يعود إلى طرق العمل التي عملت عليها القوات المسلحة الإيرانية، وهي متعددة وليست واحدة. أحيانًا كان الكم، وأحيانًا كان نوع الصاروخ وأحيانًا مناورته وأحيانًا التشويش عبر الحرب الإلكترونية وأحيانًا عبر سرعة الصاروخ، فهناك مستويات وأنماط متعددة للعمل اتُّبعت لاختراق هذا الدفاع.
*في اثني عشر يوماً من الحرب مع الجمهورية الإسلامية، استخدم الكيان الصهيوني منظوماته الدفاعية متعددة الطبقات، مثل مقلاع داوود، أرو ٣، القبة الحديدية، ومنظومة "ثاد" الأمريكية، ولكنه فشل في صدّ ضربات إيران. يعزو الخبراء هذا الخلل في طبقات الدفاع إلى اتساع رقعة الهجمات والتكنولوجيا المتطورة المستخدمة في الصواريخ. ما رأيكم في هذا التقييم؟
من الواضح أن القوات المسلحة الإيرانية درست تجربة "الوعد الصادق" الأولى والثانية ودرست أيضًا التجربة اليمنية والتجربة اللبنانية، وهناك تطوير في التكتيكات وفي التكنولوجيا الصاروخية بناء على هذه التجارب، وفهمت كيفية العمل التي تعتمدها قوات الاحتلال، بالتالي استطاعت اختراق طبقات الدفاع الجوي للاحتلال. أهمية ذلك يتعلق بفشل أمريكي أن فكرة الدفاع الجوي مقابل صاروخ باليستي سقطت كليًا، ليس فقط في "إسرائيل"، بل سقطت عمومًا في أي مكان يكون هناك قدرة صاروخية مشابهة للقدرة الإيرانية وإدارة قتالية مشابهة للإدارة القتالية الصاروخية الإيرانية، يعني أن الدفاع الصاروخي سيكون فاشلًا ولن يصمد.
*وصفت وسائل الإعلام العملية الصاروخية الإيرانية بأنها من أوسع وأدقّ العمليات العسكرية في عمق الأراضي المحتلة، إذ استهدفت فيها مواقع حساسة وحيوية مثل مركز استخبارات "أمان"، مبنى الموساد، معهد وايزمان، قاعدة نڤاتيم، قاعدة حتسريم، مصفاة حيفا وغيرها. هل يمكن القول إن هذه العملية التي استمرت اثني عشر يوماً قد قوّضت نظرية الأمن التي يتبناها الكيان الصهيوني؟
بالنسبة إلى نظرية الأمن الصهيوني، كان هناك ذريعة نقل المعركة إلى أرض العدو، وهذا قبل "طوفان الأقصى". نحن الآن نشهد منذ "طوفان الأقصى" تحولات في المفهوم الأمني، ففشل الردع وفشل الإنذار المبكر في "طوفان الأقصى" دفعا العدو إلى التفكير في طرق جديدة منها التعامل مع قدرات العدو وليس مع نواياه، يعني تدمير القدرات المحيطة بـ"إسرائيل" كافة والتوسع الجغرافي لتوسيع العمق الدفاعي لكيان الاحتلال. هناك تحولات تحدث، نعم، ما حدث في إيران وما حدث في الحرب ضد الجمهورية الإسلامية هما أن شعور المستوطنين بالحماية والأمن تقوّض وضعف كثيرًا إلى أقصى درجة منذ تأسيس الكيان. أعتقد أن هذه من أقصى الضربات أو ربما أقصى ضربة تعرّض لها الكيان، وحتى ترامب قال إن "إسرائيل" تأذت بصورة كبيرة جدًا، فهناك معركة كانت قاسية جدًا على الكيان ولن ينتج من هذه المعركة تغيير لدرجة التهديد الإيراني، لأنه على المستوى الصاروخي التهديد ما يزال فعالًا. هذا يجعل المستوطنين يشعرون باستمرارية التهديد، خصوصًا أن القادة والنخب يتحدثون عن أن الجمهورية الإسلامية لن تسكت عن الاعتداء الذي سيحدث.
*في اليوم الحادي عشر من المعركة، ورداً على التدخل العسكري المباشر للولايات المتحدة ضد طهران، استهدفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، وهي قاعدة "العديد" الجوية في قطر. ما مدى تأثير هذه العملية الصاروخية في تغيير معادلات الاشتباك والردع، وهل كانت سبباً مباشراً في دفع العدو إلى طلب وقف إطلاق النار؟
استهداف "قاعدة العديد" في قطر كان إشارة مهمة من الجمهورية الإسلامية رغم التهديدات بالتدخل الأمريكي المباشر والحشد الأمريكي الكبير، لأنها استهدفت قيادة تلك القوات الموجودة في المنطقة كلها في "قاعدة العديد"، وهي قاعدة إدارة المنطقة الوسطى كما تسمى في الجيش الأمريكي (CENTCOM). أهمية هذه الضربة أولًا أنها إشارة للأمريكيين إلى الاستعداد للدخول في الحرب معهم واختبار للجرأة والاستمرارية الأمريكية للمواجهات عبر التحدي، أنتم ضربتم، نحن استهدفنا قياداتكم. إذا كنتم مستعدين للدخول في مغامرة كبيرة، فنحن جاهزون. هذه رسالة مهمة جدًا لأنها أظهرت للعالم ولـ"إسرائيل" خصوصًا أن أمريكا غير مستعدة للحرب أو غير قادرة أو غير راغبة في التورط في الحروب الكبيرة، وهذا أمر مهم بالنسبة إلى المستقبل. بالتأكيد إن ما حدث أثار توتر الأمريكيين وقلقهم، فاتجهوا إلى وقف الحرب، وقبلهم كان الإسرائيليون أيضًا هم الذين يطالبون بصورة حثيثة ومتواصلة في اليومين الأخيرين بوقف الحرب. بالتالي عناصر متزامنة ومتكافئة في القيمة تسببت في وقف الحرب، سواء أكان طلب الإسرائيليين أو الإحساس الأمريكي بخطر الانجرار إلى المواجهة.