إنّ مسألةَ الوجودِ العسكريّ الأمريكي في منطقةِ غربي آسيا ليست وليدةَ اليوم، بل تمتدّ جذورُها إلى سنوات طويلة. وقد تعزّز هذا الوجودُ على نحوٍ كبيرٍ بعد حربِ الخليجِ الثانية عام 1991، وهي الحربُ التي قادت فيها أمريكا تحالفًا دوليًّا لمواجهةِ هجومِ نظامِ صدّام على الكويت. وبعد تلك الحرب، أنشأت أمريكا عددًا من القواعدِ العسكريّة في منطقةِ الخليجِ الفارسي، لتكونَ أدواتٍ أساسيّةً في توسيعِ نطاقِ حضورها العسكريّ في الخليج، بل وفي عمومِ المنطقة أيضًا.[1] بحسب تقرير «مجلس العلاقات الخارجية» الأمريكي، أنشأت أمريكا شبكةً واسعة من القواعد العسكرية المنتشرة في أرجاء المنطقة. وفقًا للتقارير المنشورة، تمتلك أمريكا قواعد في كلٍّ من البحرين ومصر والعراق والأردن والكويت وقطر والسعودية والإمارات.[2] يُقدَّر عدد الجنود الأمريكيين المتمركزين في هذه القواعد بما يراوح بين 40 و50 ألف عسكري. من بين الدول التي تضمّ أكبر عددٍ من القوات الأمريكية يمكن الإشارة إلى قطر والبحرين والكويت والإمارات والسعودية. يستفيد الأمريكيون من هذه القواعد بوصفها مراكزَ حيويّةً للعمليات الجوية والبحرية، والخدمات اللوجستية الإقليمية، وجمع المعلومات الاستخباراتية.[3]

 

ما أبرز القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة؟

تُعَدّ قاعدة «العديد» الجوية في قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، وقد أُنشئت سنة 1996 على مساحة تُقدَّر بنحو 24 هكتارًا، وتستوعب ما يقارب 100 طائرة، بينها طائرات من دون طيار. يتمركز في هذه القاعدة نحو 10 آلاف عسكري، وتُعدّ مقر القيادة المركزية المتقدّمة للقوات الأمريكية «سنتكوم» (CENTCOM). أما القاعدة الأخرى، فهي «قاعدة الدعم البحريّ» (NSA) في البحرين، التي تحوي قرابة 9 آلاف عنصر من وزارة الدفاع الأمريكية. عمومًا، تُعَدّ هذه القاعدة مقرّ الأسطول الخامس للقوّات البحريّة الأمريكية.[4] تُعَدّ قاعدة «الظفرة» الجوية في الإمارات قاعدةً عسكرية أمريكية إستراتيجيةً تتركّز مهمّتها على الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية ودعم العمليات الجوية. تحوي هذه القاعدة طائراتٍ متقدّمة مثل المقاتلات (F-22 Raptor) وأنواعًا مختلفة من الطائرات، منها الطائرات من دون طيّار وطائرات الإنذار والسيطرة الجويّة «أواكس» (AWACS).[5] أمّا القاعدة الأمريكية الأخرى، فهي «عين الأسد» الواقعة في العراق، ويُقدَّر عدد الجنود الأمريكيين المتمركزين فيها بنحو 2500 عسكري.[6] تُعَدّ قاعدة «عريفجان» في الكويت واحدةً من القواعد الرئيسية للجيش الأمريكي، من بين أبرز القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة توجد هذه القاعدة على بُعد نحو 55 كيلومترًا جنوب شرق مدينة الكويت، وقد أُنشئت عام 1999 وتُعدّ مركزًا رئيسيًا للشؤون اللوجستية والدعم وقيادة العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.[7] كما تُعَدّ قاعدة «الأمير سلطان» الجوية واحدة من أهمّ القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، وتوجد في السعودية. أُسِّست هذه القاعدة عام 1951، واستخدمها الجيش الأمريكي لاحقًا أثناء حرب أفغانستان لتنسيق الهجمات الجوية التي كانت تُنفَّذ عبر دولٍ أخرى[8]. الجدير بالملاحظة أنّ أمريكا لم تُنشئ هذه القواعد من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، بل بهدف تأمين مصالحها ومنافعها في غربي آسيا، إضافةً إلى دعم الكيان الصهيوني.[9]

 

الإرهاب الدّولي الأمريكيّ في العراق وأفغانستان

قبل اثنين وعشرين عامًا، أي في عام 2003، أصدر جورج بوش، الرئيسُ الأمريكيّ آنذاك، أمرَه ببدءِ العدوان العسكريّ على الأراضي العراقية بذريعة امتلاك العراق أسلحة دمارٍ شامل. أطلق الأمريكيون على هذه العملية اسمَ «حرية العراق». بحسب هذا الادعاء، كان من المفترض أن يجلبوا «الحرية» للشعب العراقي، ولكنّ ما قدّموه فعليًّا لم يكن سوى «الدمار». لقد أورثَ الغزاةُ العراقَ خرابًا واسعًا في مختلف المجالات، وشهد البلدُ إثر هذه الحرب كارثةً حقيقية تجلّت في أوسع أشكال الدمار والخراب.[10] علاوةً على ذلك، عمد الأمريكيّون في السجون الخاضعة لسيطرتهم في العراق إلى تربية الإرهاب عمليًّا هناك، وتهيئة الظروف لتأسيس تنظيم «داعش» في هذا البلد. على سبيل المثال، كان سجن «بوكا» يُعَدّ أكبر سجنٍ أمريكيّ في العراق، وقد تحوّل إلى بؤرةٍ لتربية الإرهاب. أمضى أبو بكر البغدادي، الزعيم السابق التنظيم الإرهابيّ التكفيريّ «داعش»، أشهرًا عدّة في هذا السجن تحت إشراف الأمريكيّين أنفسهم.[11] قبل ذلك بعامين، أي في عام 2001، كان الأمريكيّون قد أقدموا أيضًا على عدوان آخر، ولكن هذه المرّة في أفغانستان. حينها شنّت القوّات الأمريكيّة هجومًا على البلاد تحت شعار «مكافحة الإرهاب»، ولكنّ نتيجة تلك العمليّات كانت مقتلَ آلاف المدنيّين الأفغان في تلك الحرب.[12]

 

الدعمُ الأمريكيّ للإرهاب في سوريا

بعد عام 2011، تصاعدت التدخّلات الأمريكية في سوريا، إذ أقدمت هذه الدولة تحت شعار «دعم الديمقراطية» على تأييد الجماعات المسلّحة الإرهابية هناك. في المدة الممتدّة بين عامي 2014 و2017، أدّت الجرائم التي ارتكبها تنظيم «داعش» الإرهابيّ، بدعمٍ من الأمريكيّين، إلى إغراق سوريا في حالةٍ من الفوضى وانعدام الأمن، وأسهمت في تأجيج الحرب الداخليّة داخل البلاد.[13] اعترف السياسيّ الأمريكيّ روبرت إف. كينيدي، في عام 2024، بالإستراتيجية الحربية التي انتهجتها أمريكا في سوريا بعد عام 2011، قائلًا: «نحن مَن تسبّبنا، عبر إشعال الحرب في سوريا، في إجبارِ مليونَي سوريّ على النزوح القسريّ واللجوء إلى أوروبا»[14]. إنّ زعزعة الأمن في سوريا عبر دعم الإرهاب كان دائمًا من الإستراتيجيات الثابتة لواشنطن، وقد اعترف الأمريكيّون أنفسهم بصناعتهم لهذا التنظيم الإرهابي. على سبيل المثال، صرّح روبرت إف. كينيدي العام الماضي، في مقابلةٍ مع قناة «العربية»، قائلًا: «نحن [أمريكا] مَن صنع داعش».[15] قبل هذا السياسيّ الأمريكيّ، كان الرئيس الأمريكي الحاليّ، دونالد ترامب، قد أقرّ في آب/أغسطس عام 2016، أثناء حملته الانتخابية للرئاسة، بأنّ الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، هو المسؤول عن صناعة تنظيم «داعش» الإرهابيّ في سوريا والعراق، وأنّ شخصياتٍ مثل هيلاري كلينتون ساعدته في ذلك.[16] تُظهر هذه التصريحات الواضحة من السياسيّين الأمريكيّين مدى الجهود التي بذلتها واشنطن على مدى السنوات الماضية لإشعال الحرب في سوريا عبر الجماعات الإرهابية الوكيلة عنها.

 

اليمن؛ الوجهة التالية لأمريكا لممارسة «الإرهاب الدّولي»

في 15 آذار/مارس 2025، أصدر الرئيسُ الأمريكي، دونالد ترامب، أمرًا بشنّ هجومٍ عسكريٍّ واسعٍ جوّيٍّ وبحريٍّ على مناطق عدة من اليمن، ليُعيد تشغيل «آلة الإرهاب الدّولي» لواشنطن مرّةً أخرى. استمرّت هذه الهجمات المكثّفة 53 يومًا، وتوقّفت في 6 أيّار/مايو 2025، وأودت بحياة مئات المدنيّين اليمنيّين ودمّرت أجزاءً واسعةً من البُنى التحتيّة للبلاد.[17] بحسب إعلان الجيش الأمريكي، فإنّ القوّات الجويّة والبحريّة الأمريكية استهدفت طوال 53 يومًا من الهجوم العسكريّ أكثر من 1000 موقعٍ في اليمن، كما اغتالت عددًا من أعضاء حركة «أنصار الله»[18]، وتعدّ هذه الأفعال جميعها نموذجًا بارزًا على ما يُعرف بـ«الإرهاب الدّولي».

 

الدعمُ الكاملُ للإرهابِ الصهيونيّ في لبنان

اتبعت أمريكا في لبنان النهجَ ذاته الذي اعتمدته في سائر دول المنطقة المذكورة سابقًا، فجعلت الإرهابَ جزءًا من سياستها الممنهجة هناك. بعد أن شارك «حزبُ الله» في دعم الشعب والمقاومة الفلسطينية في غزّة، انطلق الكيانُ الصهيونيّ في شنّ هجماته الإرهابية والعدوانية على جنوب لبنان، مصحوبًا بدعمٍ أمريكيٍّ كاملٍ وصريح. في هذا السياق، أعلنت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، دعمَ واشنطن الرسميّ والعلنيّ لهجمات الكيان الصهيونيّ على لبنان، بل طالبت أيضًا بنزع سلاح «حزب الله».[19] هذا في حين خلّفت هذه الاعتداءات الوحشية الصهيونية التي حدثت بين 23 أيلول/سبتمبر و27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أكثر من عشرين ألف شهيدٍ وجريح في لبنان.[20] في أوائل شهر شباط/فبراير من العام الماضي، تجلّى مثالٌ آخر على دعم واشنطن للإرهاب في المنطقة، وذلك حين التقى رئيسُ وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، الرئيسَ الأمريكي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض. أثناء هذا اللقاء، وبهدف الإشارة إلى العمل الإرهابيّ المتمثّل في تفجير أجهزة النداء (البيجر) في لبنان الذي أوقع عشرات الشهداء وآلاف الجرحى، قدّم نتنياهو لترامب جهازَ نداءٍ ذهبيَّ اللون هديّةً رمزيةً. ردّ الرئيس الأمريكي على هذه الهدية بعبارةٍ تعبّر عن الإعجاب بذلك العمل الإرهابيّ، قائلًا له: «كانت عمليةً استثنائية!».[21]

 

غزة؛ ذروة دعم واشنطن للإرهاب

يُعدّ تقديم المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني من أجل الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين من أبرز أشكال دعم واشنطن لتل أبيب في حرب غزة. واصلت أمريكا، في سياق مساعداتها العسكرية لهذا الكيان أثناء إبادة غزة، تزويدَ تل أبيب، عبر طائرات شحن، بقنابل سرية من طراز GBU وبخاصة GBU-31. هذه القنابل هي من نوع القنابل الموجهة التي تصنعها شركة «بوينغ» الأمريكية، وتُعدّ أخطر نوع ذخائر استُخدمت حتى الآن لتدمير المناطق السكنية والبنى التحتية في غزة. تحتوي القنبلة GBU-31 على مواد متفجرة يزيد وزنها على 400 كيلوجرام، وهي قادرة على استهداف أهداف من مسافة 24 إلى 28 كيلومترًا.[22] تصاعدَ دعم واشنطن لتل أبيب في ارتكاب أعمال إرهابية ضد الفلسطينيين في غزة منذ تولّي ترامب سدة الرئاسة في 20 كانون الثاني/يناير 2025. في هذا الإطار، في أوائل شهر شباط/فبراير من العام الحالي، أعلنت الإدارة الأمريكية، في خضم هجمات الصهاينة الوحشية على مناطق مختلفة من قطاع غزة، موافقتها على تقديم حزمة تسليح بقيمة 7.4 مليارات دولار للكيان الصهيوني، لتكون حافزًا لتل أبيب على مواصلة الإبادة الجماعية في هذا القطاع.[23] من جهة أخرى، قدّمت الإدارة الأمريكية الحالية خدمةً أخرى لحليفها القديم في المنطقة، الكيان الصهيوني، بتسليم 1800 قنبلة من طراز MK-84.[24] بناءً على ما ذُكر، ليس من العبث أن يُعلَن أن أحد أهم أهداف إقامة القواعد الأمريكية العسكرية في المنطقة هو دعم "إسرائيل" وذلك من أجل «إحلال الاستقرار» للدول في المنطقة.