جاء النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي على الشكل التالي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

مرحباً بكم كثيراً أيها السادة الأعزاء والأخوة من همدان. لقد أحييتم معلوماتنا وذكرياتنا عن مدينة همدان وشخصياتها بهذه الكلمات التي ألقيتموها، فنشكركم كثيراً.

ثمة فائدتان تحصلان من تكريم ذكرى شخصياتِ مدينةٍ أو محافَظة، إحدى هاتين الفائدتين هي تعريف تلك الشخصية، والثانية تعريف تلك المدينة أو المحافظة أو المنطقة. إنكم عندما تُكرّمون وتحيون ذكرى المرحوم آقا نجفي همداني، فإن مما يستتبع هذا التكريم استذكار ذكرى همدان وتاريخ همدان وشخصيات همدان ومميزات همدان الكثيرة واستعراضها أمام كل المستمعين والمشاهدين، فأنتم في الواقع تُعرّفون همدان بذلك. وهذه من بركات ذكرى هؤلاء العظماء.

حسنٌ، في همدان خلال الفترة الأخيرة، كان هناك المرحوم الآخوند ملا حسين قلي همداني والمرحوم الحاج الشيخ محمد بهاري، والمرحوم السيد علي عرب ـ والده ـ وآخرون كانوا جميعهم شخصيات بارزة من الناحية العلمية وممتازة أيضاً من النواحي المعنوية والعرفانية والسلوكية. هذه من مميزات هذه الشخصيات. والواقع أنَّ من امتيازات هذه المدينة أنها جمعت كل هذا العدد من الشخصيات البارزة فيها ممن جمعوا بين المراتب العلمية ـ العلمية الشائعة في الحوزات مثل الفقه والأصول والحكمة وما إلى ذلك ـ وبين المنهج السلوكي والحركة السلوكية وتربية النفس والحركة الأخلاقية. جمعوا بين هذين، وقد كان مصداقهم الأتم في الفترات الأخيرة المرحوم الآخوند الملا حسين قلي، ثمَّ تلامذته إلى أن تصل إلى هؤلاء. لذلك فهمدان تفتخر بإنجابها لهذه الشخصيات.

وحول المرحوم السيد آقا نجفي (رضوان الله عليه) لم أوفَّق للأسف أن تكون لي أية جلسة معه وأن ألتقه وأزوره عن قرب. لم يحصل هذا الشيء لي لكنني كنت أعرفه عن بعد على كل حال. وهذان الكتابان الذان ذكروا اسميهما، وأحدهما تفسير اسمه «الأنوار المتألقة»، والثاني «شعاع متألق من أصول الكافي» وهو في الواقع كتاب أحاديث. لقد أرسلوا لنا هذين الكتابين، وكنت أراجعها بعض الأحيان، وقد كان المؤلف رجلاً عالماً وصاحب رأي وصاحب قلمٍ في الفارسية، وهذا شيء مهم. لقد قلتُ مراراً إن المرحوم المجلسي بما له من مقام سام كان يرى من واجبه أن يكتب كتباً بالفارسية. إلى جانب بحرٍ عظيمٍ مثل كتاب «البحار» الذي كان بحق محيطاً كانت هناك كتبٌ مثل «حق اليقين» و«حياة القلوب» بالفارسية لكي ينتفع منها الناس. حسنٌ، أما كم استطاع المرحوم السيد آقا نجفي أن يأخذ بعين الاعتبار الأدبيات المعاصرة في هذه الكتب التي كتبها باللغة الفارسية فهذا بحثٌ آخر ـ وإذا كان هناك نقصٌ في هذا المجال كما تفضلتم بالقول (2) فحلُّ هذه المشكلة يتلخُّص في أن يقوم عددٌ من فضلاء قم ومن طلبة العلوم الدينية في قم باستخراج الملاحظات الدقيقة والمهمة وتبديل أدبيات هذه النصوص ـ لكن المهم هو هذا الحافز؛ حافز أن يكون الإنسان مع الناس، ومشاركة هذا الذهن الفعَّال النشط الزاخر بالمضامين مع الناس، وهذا ما أثبته المرحوم السيد آقا نجفي. أعلى الله تعالى من درجاته ومقاماته إن شاء الله.

كان المرحوم السيد آقا نجفي همداني من حيث السلوك الروحي والعرفاني رجلاً ورعاً مؤمناً. ولكن الشيء الذي يلفت نظر الإنسان كثيراً ويتألق أمامه بشدة إلى جانب كل هذا هو سلوكه الثوري.

لقد كان سماحته من حيث السلوك والجوانب المعنوية تلميذ والده وأساتذة آخرين في النجف ـ المرحوم السيد القاضي (3) وربما آخرين ـ وكان علمياً تلميذ المرحوم النائيني (4) والمرحوم الحاج الشيخ محمد حسين (5) وآخرين . والحق يُقال إنَّه بذل كثيراً من الجهود وسمعتُ أنَّ له دورة تقريرات. في ذلك الحوار (6) نفسه الذي أشار له السيد صالحي وقد قرأتُ ذلك الحوار ورأيته، يظهر أنَّه يقول هناك إنني حضرت دورة من دروس الأصول عند الشيخ النائيني، وعرضت كتاباتي عليه، وهذا شيء قيّم. أي إذا كان مثل هذا الشيء موجوداً الآن وجاهزاً وفي متناول الحوزات العلمية فهو شيء قيمٌ من الناحية العلمية وهو جزءٌ من ثروتنا العلمية والأصولية. حسنٌ، هذه هي مرتبته من الناحية العلمية.

ومن حيث السلوك الروحي والعرفاني كان ـ والحق يُقال ـ رجلاً ورعاً مؤمناً. ولكن الشيء الذي يلفت نظر الإنسان كثيراً ويتألق أمامه بشدة إلى جانب كل هذا هو سلوكه الثوري. خلال فترة الجبهات والحرب قدِمتُ إلى همدان مرة أو مرتين، وقد كان هو والمرحوم السيد تألهي (7) هذان الشيخان العالمان كانا على علاقةٍ وطيدةٍ وطيبةٍ بالشباب المتوجهين إلى جبهات القتال وكأنهما كانا جزءاً منهم. وكانوا يقولون لنا دوماً، وقد سمعنا هنا من الأصدقاء ذوي الصلة بهمدان ونقلوا لنا، وأظن أنهم نقلوا لنا هناك أيضاً بأن هذين الرجلين الجليلين كانا بمثابة مرجعين لشباب الجبهات، سواء مسجداهما أو صلاتاهما أو منزلاهما، أو في لحظات الذهاب إلى الجبهات. هذا شيء مهمٌ جداً أن يكون الشخص وهو في هذه السن وبهذه الدرجات والمراتب العلمية غير غافلٍ عن قضايا الساعة المهمة. البعض كانوا غافلين عن قضية عصرهم المهمة؛ ألا وهي هجوم العدو وتهديده للبلاد وتهديده للشعب والثورة والنظام وكل شيء. البعض كانوا غافلين عن هذه القضية. وانتباه هذا الرجل لهذا المعنى وتكريمه لهؤلاء الشباب أعتقد أنَّه محطة بارزة جداً في مسيرته.

على كل حال، نشكركم جزيل الشكر أيها السَّادة على إحيائكم الاسم المبارك لهذا الإنسان الجليل وتكريمكم ذكراه. ومن المناسب أن يُصار إلى الشيء نفسه بالنسبة للمرحوم السيد تألهي والآخرين من محافظة همدان. وقد ذكر سماحة السيد محمدي بعض الأسماء لكنهم أكثر من هذا، ومنهم مثلاً المرحوم الآخوند الملا علي نهاوندي صاحب «تشريح الأصول»، وهو فقيه وأصولي وعالم بارز من الطراز الأول من محافظة همدان من منطقة نهاوند. وثمة من هذا القبيل شخصيات بارزة من همدان، لو أريد أن تُقام مراسم تكريم بالترتيب، فكما قلنا هذا التكريم ليس لأولئك الأجلاء وليس إحياء لأسمائهم فقط بل هو تكريمٌ لهمدان هذه المنطقة المُنجبة للعلم والعلماء. أعلى الله من درجاتهم إن شاء الله، ورفع من درجاتكم الدنيوية والأخروية. وأخال أنَّ أحد أبنائه (8)، وهو حاضرٌ هنا، كان يتعاون مع مؤسساتنا عندما كنَّا في رئاسة الجمهورية، هكذا يبدو لي. والسيد أنصاري (9) حفيده. حفظكم الله إن شاء الله.

الإخوة الهمدانيون الذين يريدون تكريم ذكرى المرحوم السيد آقا نجفي ليتنبهوا إلى حسن الذوق وإنجاز العمل بطريقة فنية وعقلانية. أحياناً نبذل الجهود لكن النتائج لا تكون مؤثرة كما ينبغي. (اعملوا على أن) لا يكون الأمر هكذا. فكِّروا ما استطعتم وأنجزوا الأعمال بذكاء ودقة وعقلانية وبطريقة فنية حتى تكون مؤثرة إن شاء الله.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء الذي أقيم في إطار اللقاءات الجماعية، تحدَّث حجة الإسلام والمسلمين غياث الدين طه محمدي ممثل الولي الفقيه في محافظة همدان ورئيس مجلس إقامة المؤتمر، وتحدَّث أيضاً السيد عباس صالحي وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي ورئيس مجلس التخطيط للمؤتمر، والسيد محمد ناصر نيكبخت محافظ همدان وقائم مقام رئيس مجلس إقامة المؤتمر، والسيد محمد كاظم حجازي الأمين العام للمؤتمر.

2 ـ الأمين العام للمؤتمر.

3 ـ آية الله السيد علي القاضي الطباطبائي.

4 ـ آية الله محمد حسين الغروي النائيني المشهور بالميرزا النائيني.

5 ـ آية الله الشيخ محمد حسين الغروي الإصفهاني.

6 ـ إشارة وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي إلى أن مجلة «حوزة» أجرت مع السيد آقا نجفي همداني حواراً في عقد الثمانينيات من القرن العشرين ونُشر في أحد أعدادها.

7 ـ آية الله الشيخ محمد هادي تألهي.

8 ـ السيد محسن عرب زاده المعاون الإداري المالي لمؤسسة رئاسة الجمهورية خلال فترة رئاسة جمهورية الإمام الخامنئي.

9 ـ حجة الإسلام الشيخ مهدي أنصاري حفيد المرحوم آقا نجفي همداني لابنته.