الخطابات

كلمته في ذكرى رحيل الإمام الخميني

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيّما بقية الله في الأرضين.نعيش اليوم الذكرى الأليمة لرحيل إمامنا العظيم. إنّ الشعب الإيراني لا ينسى هذه الذكرى المريرة. وإنّ حضورنا في هذا المكان يهدف إلى تجديد العهد.نريد أن نقف أمام هذا الرفات ونخاطب روحه الملكوتية الطاهرة ونقول لها: ((إنّا على العهد الذي فارقناك عليه))، ويتلخّص هذا العهد في مواصلة طريقه ونهجه وبلوغ أهدافه. ونحن لا نرفع اسم الإمام ونهجه لنفخر به، أو لنزين به اسم للجمهورية الإسلامية فحسب، بل الأسمى والأهم من ذلك أنّ الإمام هدانا إلى طريق، وحدّد لنا أهدافاً وبيّن لنا علامات نهتدي بها كي لا نضلّ السبيل. وإنّنا سوف لا نَنْعَمْ بالحياة الطيّبة إلا بسلوك هذا الطريق، الذي يُمكننا من خلاله القضاء على كابوس الفقر والتخلّف وإزاحتهما عن كاهل مجتمعنا وشعبنا. ويمكننا تحقيق العدالة الّتي تُمثل أقدم الآمال البشرية. ويمكننا وضع حدِّ للإذلال الذي تتعرّض له الشعوب المسلمة. ويمكننا قطع دابر الأطماع الإستكبارية بقوّة بدل التملّق والتذلّل لها. ويمكننا إشاعة الأخلاق والإيمان والتقوى في سلوكنا الفردي وفي البرنامج العام لبلادنا.ويمكننا تحقيق الحرّية الّتي تُعَدّ من أكبر نِعم الله تعالى بكل بركاتها. وهذه هي أهداف الإمام الراح(قدس)، فقد قامت حركة الإمام وثورته والنظام الذي أسّسه، على تحقيق هذه الأهداف، وعليه فإنّ نهج الإمام هو نهج الإيمان والعدالة والرَخاء المادّي ونهج العزّة.وقد قطعنا العهد على مواصلة هذا الطريق وسنواصله بعون الله. وقد فتح الإمام هذا الطريق أمامنا، وحدّد لنا هذه الأهداف. وعَمَد بإرادته القاطعة وبمساعدة هذا الشعب على تجاوز أهم مرحلة في هذا الطريق الطويل، وأحدثَ نقلة نوعية في العالم الإسلامي. وهذا هو شأن عِباد الله الصالحين الذين يُغيّرون الدنيا رغم زهدهم بزخارفها، إذ يمثل هذا الزهد أهمّ عاملٍ في قوّتهم. فهم ينظرون إلى كل شيء وكل شخص من خلال نَظَرهم إلى الله.إن عباد الله الصالحين وهبوا التاريخ نفحات روحية. وإن التاريخ المعنوي الإنساني الحقيقي هو الذي خطّه عباد الله الصالحون.وكما ترون فإنّ المفاهيم الّتي قدّمها أنبياء الله إبراهيم وموسى وعيسى )(عليهما السلام) هدية للإنسانية، لا تزال رُغم مُضي آلاف السنين عليها تُعتبر من أسمى المفاهيم الإنسانية السائدة. فإذا كان الحديث عن الحرية والكرامة الإنسانية وإذا كانت حقوق الإنسان في المجتمعات مطروحة، وإذا كان العَدل ورَفع الحيف لا يزال شعاراً خَلاّباً في الدنيا، وإذا كانت مُكافحة الفساد والمفسدين والظلم والظالمين، وإذا كان الإيثار والتضحية في سبيل الحق موضع اهتمام الإنسان، فإنّما يعود الفضل في ذلك إلى الأنبياء وعباد الله الصالحين الذين قدّموا هذه المفاهيم للتاريخ ووضعوها في متناول البشرية. وعليه فإنّ عباد الله الصالحين يُغيّرون وجه التاريخ، ويُحوّلون المستحيل إلى ممكن من خلال تَوكّلهم على الله وخشيته. إذ لا يمكن تغيير الإنسان والإنسانية عن طريق الرجاء المادّي والخوف البهيمي. إنّ خَشية عباد الله ورجاءهم ليست كخَشية عبيد الدنيا ورجائهم إذ أنّهم يتمسكون بالله ويتوكّلون عليه، وتتلخص خَشيتهم من معصيته، ويَرون جميع القوانين الطبيعية ـ الّتي تمسك يدَ القدرة الإلهية بأطرافها ـ في خدمة أهدافهم، ويتحرّكون بالتوكّل على الله، ولذلك يستطيعون تغيير العالم.وقد كان إمامنا العظيم في زُمرة هؤلاء العِظام. إنّ عباد الله الصالحين يُهيمنون على القلوب وذلك عن طريق اتصالهم بالله تعالى. إنّ ولاية عباد الله الصالحين ولاية معنوية وباطنية، وإنّ ولايتهم الظاهرية إذا تحقّقت فهي استمرار طبيعي لولايتهم المعنوية والباطنية. إنّ الله سبحانه وتعالى يُلهم عباده الصالحين وأنبياءه وأوصياءهم قدرته وإبداعه فيُسلّطهم على القلوب. إنّ السلطة الحكومية وإن كان فيها شيء من الجمال إذا لم تكن متفرّعة عن الولاية المعنوية، لا تَعدو أن تكون لَوناً من التمويه والكذب. ومن هنا كانت حكومة عباد الله الصالحين والربّانيين مختلفة عن غيرها من الحكومات. وقد عَرض علينا الإمام نموذج ذلك، وشاهدناه عن كَثب. إنّنا حينما ننظر إلى أنفسنا، نجد أنّ المسافة بيننا وبين الأنبياء وأولياء الله وعباده العِظام عميقة وبعيدة المنال، إلا أنّ الإمام العظيم أرانا ـ في فترة غِياب الأنبياء وانقطاع الوحي ـ من خلال تواجده وفكره وسلوكه نموذجاً حيّاً للولاية الروحية. وحالياً يُمثل سلوك الإمام وفكره وهدفه وسيلة نجاة الشعب الإيراني والأمة الإسلامية.سأتعرض هنا إلى ثلاث نُبذ مُستوحاة من منطق الإمام الثوري والإسلامي:الأولى: حول مذهب الإمام السياسي الذي يشكل أساس نظام الجمهورية الإسلامية.الثانية: حول الأوضاع العالمية الراهنة، والمنعطفات الدولية فيما يتعلّق بالإسلام والمسلمين.الثالثة والأخيرة: حول الانتخابات الراهنة في بلادنا.أمّا المسألة الأولى: فإن المحور الأساسي في مذهب إمامنا العظيم يكمن في عَلاقة الدين بالدنيا، وهو ما يُعبّر عنه أيضاً بالدين والسياسة، والدين والحياة. لقد اتّخذ الإمام رأي الإسلام مُنطلقاً له في بيان علاقة الدين بالدنيا. يَرى الإسلام أنّ الدنيا قَنطرةَ الإنسان لبُلوغ الكمال، وأنّها مزرعة الآخِرة. ومن هذه الزاوية وهذه الرؤية تكون الدنيا عبارة عن الإنسان والعاَلم وأنّ حياة الإنسانية وجهودها وعلمها وحقوقها وواجباتها وتكاليفها ومواطنها السياسية واقتصاد المجتمعات والمَشاهد التربوية، ومَشاهد العدالة، تُشكل بأجمعها ميادين الحياة. وعليه تكون الدنيا هي المضمار الأساسي للتكليف والمسؤولية والرسالة الدينية. لقد جاء الدين كي يُنظّم الجهود الإنسانية ويعمل على هِدايتها في هذه الرقعة الواسعة والمساحة المتنوّعة وعلى هذا التفسير لا يمكن الفصل بين الدين والدنيا فالدين لا يمكنه العثور على غير الدنيا كمضمار لأداء رسالته كما أنّ الدنيا بَمعزل عن الهندسة الدينية وبرنامجها، حياة خالية من الروح والحقيقة والمحبّة.إنّ الدنيا والوسط الإنساني لو اُفرغ من الدين فإنّه سيتحوّل إلى غابة وما يسود الغابة من القوانين والنُظم. إنّ من حق الإنسان في هذا الميدان العظيم أن يَسَتشعر الأمن والطمأنينة ويمضي قُدماً نحو التكامل المعنوي والسمو الروحي. ولا ينبغي في ميدان الحياة أن تؤخذ القدرة المادية مقياساً للحق. ولا يمكن لغير الدين حَمل أعباء الحاكمية الصحيحة في هذا المضمار. إن الفصل بين الدين والدنيا يعني تفريغ الحياة والسياسة والاقتصاد من المعنوية والعدالة وتَسديد ضربة قاضية لهما.إنّ الدنيا بما تعنيه من إعداد فُرص الحياة للإنسان، والنِعم المنتشرة في بِقاع العالم وما تحتويه من الجمال والحلاوة والمصائب والمَرارة، وسيلة للنمو الإنساني وتكامله. وإنّ الدين ينظر إلى هذه الأُمور بوَصفها وسائل تمكّن الإنسان من مُواصلة طريقه نحو التعالي والتكامل وتفُجّر الطاقات الّتي أودعها الله في وجوده. إنّ الدنيا التي تَحمل هذا المعنى لا يمكن انفكاكها عن الدين، وأنّ السياسة والاقتصاد والدولة والحقوق والأخلاق والعَلاقات الفردية والاجتماعية الّتي تنطوي على هذا المفهوم لا يمكن فصلها عن الدين. ومن هنا كان الدين والدنيا في منطق إمامنا العظيم مترابطين وممتزجين مع بعضهما ارتباطاً وامتزاجاً وثيقاً لا يمكن معه الفصل بينهما. وهذه هي المسألة الّتي تَعرّضت منذ بداية ثورة الإمام وحتّى يومنا هذا لأكثر أنواع المواجهة والخصومة والعِناد من قِبَل أرباب الدنيا والمستكبرين الذين بَنوا حياتهم وأقاموا حكوماتهم وصَبّوا جهودهم، ووظّفوا أموالهم على فصل الدين والأخلاق والمعنويات عن المجتمع.إلا أن للدنيا مفهوماً آخر. فقد جاء في النصوص الإسلامية تفسير الدنيا بالأنانية وحبّ الذات وعبادة الهوى والشهوات وجَرّ الآخِرين إلى الوقوع في أسر الهوى. وقد امتلأ القرآن والسنّة وأقوال علماء الدين، بذمّ هذا النوع من الدنيا ونبذها، وهي الدنيا الّتي يُجسّدها فرعون ونمرود وقارون والشاه وبوش وصدام، وجميع المستكبرين والظلمة عبر التاريخ والى يومنا هذا.وطبعاً إنّ هذه النماذج الّتي ذكرناها تمثل أكبر الرذائل الأخلاقية المذمومة في هذه الدنيا.وبإمكان الإنسان البسيط أن يُربّي فرعوناً في نفسه ويمارس الدور الإمبراطوري الفرعوني والقاروني والقيصري في حدود إمكاناته.ولو توسّعت إمكاناته أضحى نسخة طبق الأصل لفرعون وقارون وسائر طغاة العالم ومستكبريه، وهذه هي الدنيا الّتي لا يمكن ربط الدين بها، والّتي جاء في الروايات تسميتها بـ(ضرّة الدين) فلا يمكن إعمار الدين بمثل هذه الدنيا، وأنّ استخدام مثل هذه الدنيا خيانة للدين.وقد كان الإمام يُحذّرنا من الوقوع في حبائل هذه الدنيا رغم نظرته في جعل الدين عين السياسة والاقتصاد والدنيا. فعلينا أن نُفرق بين هذين النوعين من الدنيا، كما أن الإمام نفسه قد رأى الدنيا بمعناها الثاني جانباً فلم يكن من ذوي الهوى والأنا وحب الذات. وأما الدنيا بالمعنى الأول والّتي تمثل رقعة الحياة الواسعة والتي تعلّمناها من النصوص الإسلامية فقد كان الإمام يراها منسجمة مع الدين ومساوقةً له، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (الدنيا متجر أولياء الله). إذ يمكنهم من خلالها بلوغ التسامي والرُقي المعنوي. إنّ الطريق الذي اتّخذه الشعب الإيراني هو طريق إعمار الدنيا، فلابدّ من إعمار العلم والمعرفة والاقتصاد والسياسة والحياة الفردية والعلاقات الاجتماعية والمناهج الاجتماعية العامة مما يعد من القطاعات المتنوعة في الدنيا، ودفعها إلى الأمام، ولا يتحقّق شيءٌ من ذلك إلا من خلال الدين. لقد عَلّمنا الإمام ذلك، وكان هذا هو السبب وراء عداوة القوى العظمى وخصومتهم العمياء ضد نظام الجمهورية الإسلامية، ولا تزال هذه العداوة قائمة، حيث نواجه على مستوى الإعلام العالمي هجمة شاملة حول هذه المسألة ويقولون: لماذا تجعلون من الدين منهجاً للحياة. وذلك لأنهم يشعرون بالخطر على دنياهم الّتي بَنوها على أساسٍ من الظلم والجَور وغياب الأخلاق. هذا هو النظام الذي يريده الاستكبار العالمي للإنسانية قديماً وحاضراً. وقد عَمد نظام الجمهورية الإسلامية على دفع هذا النظام الباطل والدور الخاطئ وجاء بنموذج يُبرهن على أنّ بإمكان الدين أن يؤدي دوراً عملياً في حياة الناس.الأمر الثاني: فيما يتعلّق بالأحداث العالمية والإقليمية بشأن الإسلام والمسلمين. منذ أيام الإمام وحتّى وقتنا الحاضر حصلت تَغَيرات كثيرة فيما يتعلّق بالمسائل السياسية، والجغرافيا السياسية فقد انهار المعسكر الشرقي، وقام الشعب الفلسطيني بانتفاضته، وازداد حَنَق العالم الإسلامي على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى مستوى المنطقة انهار عرش طاغية قبيح سيء الصيت مثل صدام حسين ولم يَعد له تأثير على الصعيد السياسي، وقد احتدم تنافس شديد في المعسكر الغربي بين أوروبا وأمريكا، وحدث بينهم صَدع يحاولون إخفاءه، إلا أنّ آثاره بادية للعَيان، وهذه الحوادث بأجمعها في غاية الأهمية.هناك فيما يتعلّق بالأوضاع الراهنة رؤيتان:الأولى سطحية: وهي تقول: إنّ هذه التَغَيرات قد أكسبت الولايات المتحدة قوة أكبر، وحاصَرت الثورة الإسلامية والعالم الإسلامي، وإنّ الولايات المتحدة متواجدة في العراق (غرب إيران)، وأفغانستان (شرق إيران)، وفي منطقة الخليج الفارسي، ومناطق جنوب غرب آسيا، وبذلك تكون قد حاصرت الجمهورية الإسلامية وثورتها، وعليه تكون أمريكا قد اكتسبت قوة أكبر.وفي قِبال ذلك هناك رأي آخَر يقول: إنّ هذه التَغَيرات تَدلّ على حركة انفعالية تقوم بها الولايات المتحدة تجاه الصحوة الإسلامية في العالم بُعيد قيام الجمهورية الإسلامية. فحيث كانت القدرة الإستكبارية الأمريكية تبلغ مآربها في منطقة الشرق الأوسط برغم وجود منافس لها كالاتحاد السوفيتي السابق، جاءت الثورة الإسلامية وزعزعت استقرارها وعَرّضت وجودها للخطر في المنطقة الإسلامية، فقد كانت أمريكا ذات يوم تشعر باقتدار مطلق في منطقة الشرق الأوسط لا يشوبه أي قلق حتّى مع وجود الحكومات ذات الطابع اليساري ظاهرياً كنظام البعث في العراق حيث كان يسارياً وعلى صلة وثيقة بالإتحاد السوفيتي، بِيَد أنّه لم يكن يشكل خطراً على أمريكا، لأنّها تعلم أنّ بإمكانها توجيه هذا النظام وفقاً لإرادتها ما دام أنّه نظام لَقيط لا يتمتّع بدعم الشعب، وهكذا بالنسبة إلى الأنظمة اليسارية الأُخرى في المنطقة. ولكن قيام نظام الجمهورية الإسلامية شَكل ظاهرة مستعصية على أمريكا إذ لم يكن نظاماً يسارياً تابعاً للمعسكر الشرقي حتّى إذا شكّل عقبة لها عَمدت إلى حله من خلال مفاوضة ساسة الإتحاد السوفيتي. بل كان نظاماً معتمداً على إرادة شعبه وإيمانه، غير مرتبط بأي قدرة خارج حدودها وبلادها، هذا أولاً.وثانياً: إنّ الدافع لهذا النظام وقائده العظيم هو العناية الإلهية والدين ومخافة الله ورجاؤه، ولذلك لم يكن للعالَم تأثير في إرادته. استقامة هذا النظام، وخلفيته المعنوية التي أدت إلى ظهور الصحوة الإسلامية في كافة إنحاء العالم الإسلامي.إنّ ما قامت به الولايات المتحدة طوال هذه السنوات في الشرق الأوسط والمنطقة الإسلامية، ليس سوى حركة انفعالية تجاه الحركة القوية لنظام الجمهورية الإسلامية. وإنّ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يَصرّ الأمريكيون على مواصلته ولم يُحالفه النجاح حتّى اليوم، ولن يحالفه النجاح فيما بعد بحول الله وقوته، إنّما هو مشروع انفعالي بإزاء قيام الثورة والصحوة الإسلامية. يَعلم الأمريكيون أنْ لا مستقبل لهم في العالم الإسلامي ولذلك يحاولون الأخذ بزمام المبادرة للحيلولة دون تطّور هذه الصحوة الإسلامية إلى حركات ثورية، ويحاولون من خلال ذلك إعاقة المصير المحتوم للشعوب. لقد صرّح الأمريكيون في الآونة الأخيرة بأنهم لو لم يهاجموا العراق لتمكن الشعب العراقي المسلم والمؤمن من الإطاحة بصدام في مدّة قصيرة، ولفَوّتوا عليهم الإمساك بزمام المبادرة، وهذا ما كانوا يَخشونه، ومن هنا كانت سياستهم انفعالية ناتجة عن مَخاوفهم من عواقب الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي. إنّ ما تقوم به الولايات المتحدة حالياً في هذه المنطقة ليس ناشئاً عن قدرتها، بل إنّه ناشيء من إحساسها بقدرة المعسكر الإسلامي ونهضته وصحوته.طبعاً لابدّ للشعوب الإسلامية من الحفاظ على يقظتها وصحوتها وعدم السماح للأعداء بالاستهانة بهذه الصحوة. فاليوم هو يوم اتحاد الشعوب والحكومات الإسلامية وتلاحمها. ومن هنا أُوجه تحذيراً لأبناء شعبنا وأبناء الشعب العراقي والشعب الباكستاني وسائر الشعوب المسلمة الأخرى، وأُناشدهم أنْ يَكبحوا الخِلافات المذهبية والطائفية، فإني أرى أنّ هناك أصابع تعمل في الخَفاء لإثارة الحروب بين المسلمين. لا ريب في أنّ الجرائم والتفجيرات الّتي تحصل في المساجد والحسينيات وصلاة الجماعة والجمعة لا يمكن أنْ تكون من فعل المسلمين أنفسهم، بل هي من صُنع الأيادي الصهيونية والاستكبارية الأثيمة سواء في العراق وإيران وأفغانستان وباكستان وجميع البلدان الأخرى. على المسلمين في الوقت الراهن التأكيد على مَواطن وحدتهم، فإن توحيدنا وإلهنا ونبينا ومَعادنا وقرآننا واحد، كما أنّنا متّفقون على أغلب الأحكام الشرعية في الإسلام، وبرغم ذلك يأتي العدو ويُراهن على موارد الخِلاف وَيشحن صدورنا بالضغينة على بعضنا بغية الوصول إلى أهدافه. وإنّ السبب الذي كان يَدعو إمامنا العظيم إلى التأكيد على الوحدة بين المسلمين هو أنّه كان يدرك هذا الخطر ويَراه جيداً. فقد عَمل الإنجليز وجهاز استخباراتهم في بلدنا وسائر البلدان الإسلامية على بثّ الفرقة بين الشيعة والسنّة. واكتسبوا تجربة كبيرة في هذا المجال، فعلينا جميعاً التزام الحذر. وحالياً يُمارس الصهاينة هذا المشروع، فإنّ معلوماتنا تؤكّد على وجود دور للصهاينة مباشرٍ أو غير مباشر في جميع الأحداث الّتي نُشاهدها في بلدان العالم الإسلامي.إن على العالم الإسلامي أن يُباهي بقوته وصحوته الّتي سبّبت إرباكاً واستفزازاً للاستكبار العالمي. وعلى الشعب الإيراني أن يقدّر ثورته العظيمة الّتي أحيت الأمل في قلوب المسلمين، كما يمكنه ـ إن شاء الله ـ أن يُلهم العالم الإسلامي بإمكانية التقدّم والخلاص من التخلف المزمن واحتقار الأعداء له.والأمر الأخير الذي سأتعرّض له يتعلّق بالانتخابات. لقد ذكرنا في الآونة الأخيرة أُموراً كثيرة حول الانتخابات الّتي نقترب منها يوماً بعد يوم. إن الانتخابات مسألة مهّمة، يُعطي فيها أبناء الشعب زمام أمور البلد لشخص في مدّة تستغرق أربع سنوات، يُمكنه خلالها توظيف ميزانية البلاد ومؤسساتها وثرواتها وطاقاتها الإنسانية بشكل صحيح وتام مقرون بالعمل السليم والاهتمام بحاجة أبناء الشعب ورفع مشاكلهم الكثيرة، أو لا قَدّر الله بشكل خاطئ وناقص مشوب بسوء العمل غير حافلٍ بمشاكل الناس.إذاً تكمن أهمية الانتخابات في أنّ الشعب الإيراني يُعطي زمام إدارة البلد لشخص يُخوّله القانون صلاحيات واسعة جداً ويزوّده بإمكانات استثنائية تمكّنه من التقدّم بالشعب والبلد أربع سنوات أو أكثر، كما يُمكنه تعطيلها أو الرجوع إلى الوراء والعياذ بالله.كما تحظى الانتخابات بأهمية أُخرى وهي أنّها تمثل نموذج الحركة الإسلامية في بلادنا، فإن الانتخابات هبة الإسلام لأبناء شعبنا.وقد علّمنا الإمام إقامة الجمهورية الإسلامية على أساس الاستفتاء. فقد ارتكزت فكرة الحكومة الإسلامية في الأذهان بوصفها خِلافة وراثية كما كان هذا هو شأن الدولة الأموية والعباسية أو الدولة العثمانية، حيث يتولّى شخص منصب الخليفة ظاهرياً، ويسلك في باطنه وواقعه سلوك الملوك الفراعنة، وبعد أنْ يُدركه الموت يستخلف غيره مكانه. هذه كانت الصورة الّتي يَحملها الناس عن الحكومة الإسلامية، وكانت هذه أكبر إهانة توجّه إلى الإسلام وحكومته حتّى جاء الإمام، وشرح للناس أنّ الحكومة الإسلامية تقوم على انتخاب الشعب وتعيين منُتخبهم الذي هو لُبّ الإسلام، وعمل على تجسيد ذلك في مجتمعنا. وها هم المسؤولون في بلادنا يتبوأون مختلف المناصب عن طريق الانتخابات المباشرة أو غيرها ولا توجد للمسؤوليات التنصيبية أو الوراثية أو المادية والدنيوية في نظام الجمهورية الإسلامية محل من الإعراب.إنّ انتخابات رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء وتعيين القيادة وشورى المدن من مفاخر الشعب الإيراني والإسلام ومفاخر الإمام الخاصة.لقد عَمل القانون الأساسي من خلال تحديد موارد هذه الاستفتاءات الحسّاسة والمصيرية على اجتذاب الأذهان والأفكار المؤمنة والمتحرّرة في العالم الإسلامي.إنّ الديمقراطية الدينية تختلف عن الديمقراطية الغربية، فإن الديمقراطية الدينية ـ الّتي تقوم على الانتخابات المشروعة وتكليف الإنسان من قَبِل الله ـ ليست مجرّد عقد اتفاق. فكل الناس لهم حق في الانتخابات وتحديد المصير، وهذا هو الذي يفسّر الانتخابات في بلادنا ونظامنا، وهو أعمق من الديمقراطية الليبرالية السائدة حالياً في البلدان الغربية، وهذا من جملة مفاخرنا الّتي يتعيّن علينا الاحتفاظ بها. وقد قطع إعلام الأعداء على نفسه وآلى عليها أن يعمل على التقليل من شأن هذه الانتخابات.وذلك لأنّها تسوؤهم، ويَرون أنّها تؤثر إيجابياً على العالم الإسلامي والأفكار العامة في العالم، وهذا ما يقض مضاجعهم ولذلك يخالفونها. ولو استمعتم لإعلام العدو لوجدتّم أنّه يُخالف الانتخابات؛ وقد يَبدو أحياناً أنّهم يَدعمون أحد المرشحين صُورياً ـ بالمعنى الذي يَخصّهم ـ إلا أنّ الحقيقة هي أنّهم متألمون من أصل إقامة الانتخابات ولا يريدون إجراءها على نطاق واسع في هذا البلد.وطبعاً إنّني مُتفائل، ومتوكّل على الله تعالى، وأعلم أنّ شعبنا العزيز سيخرج من هذا الاختبار مرفوع الرأس. أُوصي جميع الإخوة والأخوات وجميع أبناء الشعب الإيراني العزيز أن يحافظ على حرارة الانتخابات ونزاهتها. وعلى الذين يحبّون أحد المرشحين أنْ لا يقودهم حبّهم له إلى تشويه سمعة المرشح الآخَر فإنّ هذا يؤدي إلى الشِقاق والنَفرة والتنازع بين الناس، مُضافاً إلى أن تشويه السمعة في حدّ ذاته ليس صحيحاً وليس فيه نفع.إنّ الذي يحاول من خلال ذلك إلى التقليل من حجم أصوات هذا المرشح، لا يصل إلى مبتغاه، مضافاً أن هذا مخالف للمنطق، بل وللشرع في كثيرٍ من الموارد، فاكتفوا بالدفاع عن مرشحكم، واتركوا الآخَرين يدافعوا عن مرشحهم، ودققوا في اختيار مرشحكم، وليكن من الذين يهتم لدين الناس وثروتهم ودنياهم وحياتهم ومستقبلهم وعزتهم وإن مجال الاختبار والرؤية والمعرفة مفتوحة، وأن شعبنا واع والحمد لله.اللهم نسألك بمحمد وآل محمدٍ إلا ما هديت الناس لانتخاب الأفضل.. اللهم أرضِ الروح الطاهرة لإمامنا عن هذا الشعب والمسؤولين فيه.. اللهم ثبتنا على العهد الذي قطعناه لهذا الرجل التاريخي العظيم..اللهم أرضِ عنا إمام زمامننا( أرواحنا فداه) واشملنا بأدعيته المباركة...اللهم أنزل رحمتك وفضلك ونعمتك على هذا الشعب.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  

100 يوم من الطوفان