بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً نبارك هذا اليوم العظيم و هذا العيد السعيد ، و نرحب بكم أيها الإخوة الأعزاء ذاكرو أهل البيت (عليهم السلام) و مدّاحوهم ، و قرّاء و منشدو مدائحهم و مناقبهم و مصائبهم . أتمنى أن تكون جهودكم هذه و أنفاسكم الدافئة و مشاعركم الطاهرة مقبولة و محظية عند سيدة الدنيا و الآخرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) .
لهذا التوسل قيمة كبيرة . لجوهرة محبة أهل البيت ، و خصوصاً فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) العزيزة لدى كل هذه الدوحة العظيمة ، قيمة كبيرة . الحق أن يوم ولادة هذه العظيمة ـ و هي لؤلؤة صدف النبوة و الولاية ـ عيد كبير للشيعة و محبـي تلك الإنسانة الجليلة و أبنائها المعنويين و الجسمانيين .
كان على حق هذا السيد الذي أشار إلى أن أعداء الإسلام و المسلمين جعلوا هذا اليوم الحلو مراً بأحداث العراق و النجف . لعنة الله على هذه القوى المستكبرة الظالمة المنافقة ، و الكاذبة و المخادعة و الطمّاعة التـي لا تكترث أبداً لا لسمعة الناس ، و لا لعقائدهم ، و لا لحقوقهم ، و لا لاستقلال البلدان و لا لعزة الشعوب . إذا ظن أحد أنه يستطيع معالجة شىء بالتملق لهم و الاقتراب منهم و التسليم أمامهم فهو مخطئ . ليس لهؤلاء علاج سوى الثبات و الضرب بسيفٍ قاطع من منطق الحق و العزم الثاقب . علاجهم ليس إلاّ بالإرادة الصلبة ، و المنطق القوي ، و القبضة القوية . إنهم اليوم عاجزون أمام هذه الأمور فـي العالم . الشىء الذي جعل هذه اللقمة الدسمة الناعمة غصّة عليهم فـي العراق و تكاد تخنقهم هو هذا الإيمان و الإرادة لدى مجموعة من الناس المستضعفين المشردين . ليس للعراقيين مال ، و لا سلاح ، و لا دعم دولـي ، إلاّ أنهم بالعزيمة و الإيمان و الصمود لم يسمحوا لأولئك أن يبتلعوا هذه اللقمة الدسمة الناعمة كما توهموا و كما راودتهم أحلامهم الوردية . لقد قلت مراراً و أقول مرة أخرى : الأمريكيون فـي طريق مسدود . إذا تقدموا إلى الأمام خسروا ، و إذا تراجعوا إلى الوراء خسروا . كلما استمروا أكثر زادت خسارتهم أكثر . و إذا تراجعوا و انسحبوا خسروا أيضاً . لقد وقعوا فـي الفخ . الذئب الذي يقع فـي الفخ قد يخيف صراخه و عواؤه البعض ، و قد تجرح مخالبه من يقترب منه ، بيد أنه واقع فـي الفخ . أتمنى أن يكفي الله شر هؤلاء عن العالم الإسلامى، و أن يمن على الشعب المسلم فـي العراق و الشيعة فـي كل أنحاء العالم ، و على كل الشعوب المسلمة و المؤمنة بتوفيقه لاستخدام تلك الإرادة الشريفة التـي طالبنا بها القرآن .
حول مقام الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) لا تعيننا ألسنتنا و أقوالنا على البيان . شىء لا يمكن أن يوصف . وصفه أرقى من حدود قوالبنا البيانية العادية . ولكن بلغة الفن يتسنى تقريب الأذهان إلى حد ما . لذلك أؤكد دائماً على المدح و الشعر و الأناشيد الإسلامية . بأجنحة الفن يمكن تقريب الذهن بدرجة معينة ، غير أنه من المتعذر بلوغ حقيقة هؤلاء فـي مقام الوصف . طبعاً ، الذين يطهرون قلوبهم و أعمالهم ، و ينزهون أجسامهم و أرواحهم ، و ينهجون نهج التقوى و الورع و الطهارة و يربون أنفسهم ، و ينأون بها بعض الشىء عن الأدران التـي نعانـي منها أنا و أمثالـي ، ستستطيع أعينهم أن ترى ، إلاّ أنهم لن يتمكنوا أيضاً من الوصف ، لكن قلوبهم الطاهرة و أعين أفئدتهم البصيرة تستطيع ضمن حدود معينة أن ترى الأنوار القدسية لأهل البيت و منهم الصديقة الكبرى (سلام الله عليها) ، و يمكنهم أن يدركوا مقامهم . لدينا شواهد على ذلك . من هذه الشواهد القول المروي عن الرسول الأكرم : «فداها أبوها» . ومن الشواهد ما روي أن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حين كانت تدخل بيت النبـي ، أو حين كانت تدخل على الرسول حيث يجلس « قام إليها » ، كان الرسول يقوم أمامها و يسير إليها . هذه عظمة . أنْ ينظر العالم الإسلامي كافةً منذ ذلك اليوم و إلى اليوم ـ شيعة و سنة دون استثناء ـ لتلك السيدة الكبيرة بعين العظمة و الجلالة ، فهذا أيضاً من تلك الشواهد و العلامات . من غير الممكن أن يتفق جميع العقلاء ، و العلماء ، و المفكرون من شتى النحل و العقائد المختلفة طوال تاريخ أمة أو شعب من الشعوب على مدح و إجلال شخصية معينة . ما هذا الاّ بسبب عظمةٍ لا توصف تتمتع بها تلك الشخصية ، و هذا بحد ذاته مؤشر و دليل . كل هذه العظمة خاصة بسيدة فـي الثامنة عشرة ، فتاة شابة ! أكبر سن ذكر لفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) فـي مختلف التواريخ هو ما بين الثامنة عشرة إلى الثانية و العشرين . التكريم الذي كان يخصها به أميرالمؤمنين و التكريم الوارد فـي روايات و أحاديث جميع الأئمة (عليهم السلام) بحق فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ، يشير للإنسان أية عظمة و انبهار يتموّج فـي كلمات الأئمة حول فاطمة الزهراء . كل واحد من الأئمة شطّ صخّاب يروي و ينمّي مناخات المعرفة و المواهب الإنسانية ، و كل هذه الجداول تنبع من تلك العين ، عين فاطمة الزهراء الدفّاقة (سلام الله عليها) . روايات الصادقين (عليهما السلام) و عظمة الإمام الرضا و موسى بن جعفر و الأئمة التالين ، و المقام الشامخ لسيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) كلها جداول ذلك الكوثر ، ذلك الكوثر الخالد ، ذلك الينبوع المتدفق . هذه هي بركات فاطمة الزهراء .
نريد أن نقدم هذه السيدة الجليلة كنموذج يعيش بيننا . إمرأة شابة ، فتاة شابة كانت حياتها حياةً عادية، و ثيابها ثياب الفقراء ، و عملها فـي المنزل رعاية الأطفال و إدارة البيت و أن تكون ربة هذا البيت الصغير و تطحن بالرحي، بينما يشمخ فـي داخلها جبل من المعرفة و بحر من العلم عظيم .
ذكر القرآن أربع نساء كن نموذجيات : اثنتان نموذج الصلاح فـي العالم ، و اثنتان نموذج السوء فـي العالم ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ ﴾ زوجة نوح و زوجة لوط ﴿ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾ . هذان نموذجان نسويان للكافرين على مر التاريخ . حين يروم الله تعالى تعريف الكفار فـي القرآن و الإشارة إلى نموذج لوجود حالة الكفر و إنكار النعمة الإلهية ، يذكر بدل فرعون و نمرود و غيرهما من الناس امرأتين : امرأة نوح و امرأة لوط ، كانت أبواب الرحمة الإلهية مفتّحةً بوجهيهما ، و جميع أسباب العروج و الرفعة مُعَدَّةً لهما ، و زوجاهما نبيان من طراز النبـي نوح و لوط ، كانتا تعيشان فـي بيتيهما ، و الحجة تامة عليهما . بيد أن هاتين المرأتين لم تعرفا قدر هذه الأنعم ﴿... فَخَانَتَاهُمَا... ﴾ ، خانتا زوجيهما . ليست هذه الخيانة خيانة جنسية بالضرورة ، إنها خيانة عقيدية ، خيانة فـي المسلك ، أي أنهما سارتا فـي الطريق المنحرف . الزوجان مع أنهما نبيّان لهما مقام شامخ لكنهما لم ينفعا مع هاتين المرأتين ﴿ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ ليس لله تعالى مجاملة و صداقة و قرابة مع أحد . حين يسبغ محبته و لطفه و رحمته على أحد فإنما يفعل ذلك عن حساب و كتاب ، لا عن مجاملات . ليس لله أقارب أو عشيرة . و هاتان أيضاً مع أن زوجيهما كانا نبيين إلاّ أن هذين النبيين لم يتمكنا من إنقاذ هاتين المرأتين من الغضب الإلهي . فكانتا نموذج الكافرين فـي كل التاريخ .
و فـي المقابل يذكر الله تعالى امرأتين نموذجاً للمؤمنين : ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ﴾ إحداهما زوجة فرعون و الثانية السيدة مريم ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ ﴾ . المرأة الأولى لم يفتنها قصر فرعون . إمرأة متربية فـي بلاط فرعون ، إنها زوجة فرعون ، ولابد أن أباها و أمها و عائلتها كانوا من نفس هؤلاء الطواغيت ، فكانت تعيش إذن فـي منتهى الراحة و النعمة و الرفاه و العز الظاهري ، بيد أن إيمان موسى فتن قلبها و احتله ، فآمنت بموسى . و حين آمنت و عرفت السبيل تركت جانباً كل تلك الراحة و الرفاه و لم يعد لذلك القصر العظيم أي جاذبية فـي نفسها ، قالت ﴿ ...رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ... ﴾ ، أنا أفضِّل بيتاً فـي الجنة ، إذ ليس للحياة الدنيا قيمة . و السيدة مريم أيضاً ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا... ﴾ ، صانت شرفها و عرضها ، هذه هي القيم الإنسانية .
هاته النساء الأربع لسن نماذج و أمثلة للنساء وحسب ، بل لكل النساء و الرجال . تلكم المرأتان مع أن باب الرحمة كانت مفتوحة أمامهما لكنهما لم تسلكا ذلك الصراط و لم تنتفعا منه . تنكرتا للمعنوية من أجل أشياء تافهة و حقيرة ـ لم يذكر القرآن الأسباب ، ولابد أنها أمور من قبيل الأخلاق السيئة أو الخصال الذميمة ـ شىء صغير يجتذب إليه هذه القلوب الضعيفة فينحرف بها عن سبيل الحق ، فتغدو مثال الكفّار و الإنسان غير الشاكر لربه . أما المرأتان الأخريان فكانتا مثال القيم . جاذبية الروح المعنوية و جاذبية كلام الحق كانت شديدة بالنسبة لها إلى درجة جعلتها تضرب عرض الجدار كل البلاط و البهرجة الفرعونية ، و الأخرى أيضاً تحلّت بالطُهر و العفاف و التقوى .
فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) جمعت كل هذه الفضائل مع بعض . فثمة فـي القرآن حول مريم ﴿ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ﴾ و هناك فـي الروايات أنها سيدة نساء العالم فـي زمانها ، بينما فاطمة الزهراء سيدة نساء العالم فـي كافة عصور التاريخ . هذه هي النموذج . إخوتـي الأعزاء ، نحن اليوم بحاجة لهذا النموذج .
الأجهزة الدعائية فـي العالم تنصب اليوم النماذج باستمرار أمام أعين الأجيال الإنسانية فـي كل العالم من أجل تضليل البشر . و هي طبعاً نماذج فاشلة و قليلة الجاذبية ، إلاّ أنهم لا يقلعون عن ذلك ، يطرحون الممثلات ، و الكاتبات ، و الشخصيات الصاخبة ذات الظاهر الحسن و الفارغة فـي جوهرها . يأتون بأجساد عبثية لا معنى لها و يعرضونها باستمرار حتى يستطيعوا عن هذا الطريق توجيه الناس باتجاه و طريق معين . إنهم ينفقون الأموال لأجل ذلك ، و الأفلام الهوليودية و الأشياء المماثلة التـي ترونها و تسمعونها و تعلمون بها معظمها موجَّهة . مع أنهم يقولون إن الفن يجب أن يستقل عن السياسة و الاتجاهات السياسية ، إلاّ أن سلوكهم معاكس و ليس كما يزعمون . يستعمل المستكبرون عالم الفن ، و السينما ، و الأفلام ، و الشعر ، و الكتابة ، و الأدمغة ، و البراهين ، و الفلسفة فـي سبيل مصالحهم الاستكبارية و مشاريع نهبهم . هذا الشىء يعد اليوم مظهر الرأسمالية فـي العالم ، و أمريكا هي قوته العسكرية ، و قدراته الاقتصادية هي الشركات التـي تقف خلف الحكومة الأمريكية . هؤلاء يوظفون جميع الإمكانيات لنحت النماذج ، و الشعوب ليس فـي يدها شىء و لا تمتلك النموذج و المثال الذي تستطيع عرضه مقابل ما يعرض أولئك . أما نحن فنمتلك الكثير ، لدينا نساء عظيمات لو اردنا الدخول إلى ميدان قضايا المرأة . ثمة نساء عظيمات فـي تاريخ الإسلام ، و قمة كل هذه العظمة و أوجها هي الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) . و السيدة زينب و السيدة سكينة أيضاً قصتهما قصة مذهلة للناس المفكرين الأذكياء و العقلاء و المتدبرين . قيل عن الإمام الحسن و الإمام الحسين : «سيدي شباب أهل الجنة» مع أنهما لم يكونا شابين دائماً ، وقد بلغا سنـي الشيخوخة و الكهولة ، ولكن قيل عنهما «سيدي شباب» ، أي أن شبابهما يجب أن يكون دائماً النموذج الذي يوضع نصب أعين شباب الدنيا . و كذا الحال بالنسبة لفترة شباب الرسول و شباب أمير المؤمنين .
كلامي لكم أيها الإخوة الأعزاء المداحون و الذاكرون هو أن واجبكم فـي هذا المجال كبير . أحياناً أذكر بعض التوصيات . لسنا حائرين فـي عظمة فاطمة الزهراء كيف نبيّن هذه العظمة فنتوسل بالشعر ، و النثر ، و الكلام ، كلا ، إنما نحن بحاجة إلى تلك العظمة . هذه الشمس المتلألئة الساطعة تعمُّ بفائدتها جميع الموجودات فـي العالم ، و يسقط شعاعٌ منها فـي بيوتنا ، علينا أن ننظر كيف نستطيع الاستفادة من هذا الشعاع . تلك الشمس أرفع و أعلى بكثير من أنْ نقضي ساعات طوالاً نصف فيها هذه الشمس ـ التـي لا نعلم ما هي تحديداً و لا تنالها أذهاننا ـ كلاماً ، و شعراً ، و قراءةً ، لكننا لا نجلس تحتها لتدفأ أجسامنا و تنمو و تتعزز و تُضمن حياتنا . هذا ليس بالشىء العقلانـي . شأن هذه العظيمة و هؤلاء العظماء أسمى من هذا بكثير .
رحم الله الذين جاءوا بتيار التشيع إلى بلادنا و عرّفونا هذه الحقائق . لولا ذلك لكان الأمر صعباً جداً . رحمة الله على سيوف الألسنة و سيوف الأقلام و سيوف الساحات المختلفة التـي استطاعت اجلاء هذه الحقائق لنا ، و جعلتنا نسير فـي هذا الطريق فنرى و نفهم ، و إلاّ فهذه الأدلة الواضحة قائمة إزاء الكثيرين ، لكنهم لا يفهمونها و لا يدركونها ، لأن العصبيات لا تسمح لهم . لقد كنا محظوظين و علينا أن نشكر الله ليل نهار على حسن طالع التعرف على ولاية أهل البيت (عليهم السلام) و هو نعمة عجيبة .
أنظروا إلى جيلكم الشاب اليوم ـ سواء من الفتيات أو الفتيان ـ و مجتمعكم ، مِن أي فراغ معرفـي يعانـي و يتضرر ، و ما هي العناصر الأخلاقية البناءة التـي يعانـي نقصانها ؟ شخّصوا هذه العناصر الأخلاقية فـي وجود فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) و فـي فضائل تلك الإنسانة العظيمة و فـي هذه الوجودات المقدسة ، و عبّروا عنها بلغة الشعر أي لغة الفن . تدبروا ما هي دروس أهل البيت التـي نحتاجها فـي حياتنا السياسية و الاجتماعية ، استخرجوها من سير هؤلاء الأجلاّء ، و هذه السيدة الجليلة خصوصاً ، و عبّروا عنها بلغة الشعر . هذه أمور ضرورية و مهمة ، و إلاّ فإن مجرد المدح لا يكفي ، و ألفاظ هذا المدح تبدو غامضةً بعض الأحيان بحيث لا يفهم المستمع بدقة ما هي حصيلة هذه المدح ، و لا حتى المدّاح يفهم فـي بعض الأحيان ! علينا أن نبدي خضوعنا ، و ابداء الخضوع هذا هو كمالنا « مادحُ الشمس مادحٌ لنفسه » غير أنّا يجب أن لا نكتفي بهذا . علينا النظر ما هي الدروس التـي يمكننا استلهامها من هؤلاء العظماء . هذا واجب المبلِّغ،و واجب الفنان ، و واجب مخرج الأفلام ، و واجب مدراء السينما فـي البلاد ، و واجب مدراء التلفزيون فـي البلاد، و واجب خطباء المنبر ، و واجب المداحين . أريد أن أقول عليكم استعادة واجبكم إلى جانب هذه الواجبات الجسيمة التـي على عواتقنا جميعاً . هذه هي وصيتـي لإخوتي الأعزاء التـي أطلبها منهم و أطرحها عليهم باستمرار .
إننا اليوم بلدٌ استطاع شعبنا ببركة دماء و ثورة الإمام الحسين و بفضل الروح الحسينية أن يثور و يُركِع نظاماً استبدادياً فاسداً خبيثاً قبيح الأفعال و الخصال ، و تأسيس حكومة شعبية ذات صبغة إسلامية و روح إسلامية و أعمال إسلامية نسبياً . روحنا روح إسلامية ، لكننا لا نستطيع القول إن أعمالنا إسلامية تماماً ، إنها إسلامية نسبياً و ستغدو أكثر إسلاميةً يوماً بعد يوم إن شاء الله . إنَّ هذا النظام الإسلامي هو بحد ذاته شتمية لكل القوى فـي العالم . وجود نظام الجمهورية الإسلامية بحد ذاته شتمية لأمريكا . حتى لو لم تلهجوا بكلمة «الموت لأمريكا» فإن مجرد وجود هذا يعد ضرباً من السخرية من كافة القوى المعارضة للمعنوية و الفضيلة و استقلال الشعوب و شرفها . من واجب الجميع اليوم أن يخلّصوا هذا النظام من نواقصه و نقاط ضعفه ، و يعززوا عناصر القدرة و القوة المعنوية و المادية فيه ، و يزيدوا منها . إذا كنا بحاجة للوحدة ، إذا كنا بحاجة للعلم ، إذا كنا بحاجة للتعاون ، إذا كنا بحاجة للسعي الاقتصادي أو السياسي ، إذا كنا بحاجة لروح الاستشهاد و البطولة ، و إذا كنا بحاجة للكثير من الأشياء ، فعلى كل واحد منا أن يوجد هذه الأشياء فـي المجتمع بمقدار استطاعته .
جبهة الإعلام جبهة واسعة يعمل فيها الفن و التعليم و العلم و الدين و الجامعة و الحوزة و وزارة الإرشاد و الإذاعة و التلفزيون ، و قد عُهد بجانب من هذه الجبهة الواسعة لفئة المداحين ـ الإخوة الذين كانوا فـي الجبهة خلال فترة الحرب و الدفاع المقدس يتصورون كلامي فـي أذهانهم جيداً ـ و هذا نظير أن يتولى مقر من المقرات مسؤولية هذا القطاع الهائل ، ويعهدون إلينا بجزء منه . علينا هنا النهوض بواجباتنا على أحسن وجه ، حتى إذا أستطاع الآخرون أيضاً النهوض بواجباتهم فـي أجزائهم الخاصة بشكل جيد ، كانت النتيجة الإجمالية هي النصر . على الإخوة المداحين التفطن إلى هذا الموضوع . و إلاّ إذا أبدينا بعض الهمة و الذوق فـي قراءة النوحات ، و قراءة التعازي و المراثي ، سنستطيع إدراج كل تلك المفاهيم السامية ، و طبعاً يمكن جعل كل هذه الأعمال عبثية فارغة و جوفاء ليس فيها إلاّ القشور . يمكن لهذه الحالة أن تتوفر فـي التعزية ، و النواح ، و اللطم ، و فـي المدح و ذكر المصيبة ، بحيث تتحرق القلوب فقط و تنهمر قطرات الدموع ، من دون أن تحصل أية فائدة . و كذا الحال فـي أيام الاحتفال . الوظيفة و المسؤولية الكبرى لفئة المداحين هي أن تكون أفكارها غنية و ذات مغزى ، و أن تدير هذه الأمور بشكل صائب ، سواء فـي المصيبة أو فـي المدائح ، فـي العزاء و فـي الاحتفال يجب أن تطرح الأفكار بأشكال مختلفة و قوالب شتى .
أرجوا أن يوفقنا الله تعالى جميعاً لأن نعرف واجباتنا جيداً و نعمل بها . مبروك عليكم جميعاً هذا العيد السعيد إن شاء الله .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .