بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.
أشكر الله تعالى على أن وفقني لزيارة هذه المدينة التاريخية العريقة و اللقاء بكم أيها الأهالي المتدينون الثوريون الصميميون. وجدنا أهالي قزوين جماعةً من الناس الأوفياء المؤمنين سواء في أحداث الثورة أو في جميع الوقائع التي تلت الثورة.. أناساً متدينين، ذوي عزة نفس و كرامة، مضحين، أسخياء، من ذوي المساهمة في الأعمال الكبيرة و أعمال الخير.. هذه أخلاق أهالي قزوين و طبائعهم منذ القدم، و هي لا تختص بزمن معين دون آخر. حينما نراجع التاريخ نجد مناقب قزوين، و منطقة قزوين ، و أهالي قزوين بارزين فاعلين.. هذا شيء مهم. ثمة فارق بين شعب له ماضٍ تاريخي و ثقافي و ذي جذور تاريخية و شعب ليست له أية جذور في التاريخ، و لا أية سابقة أو سلسلة نسب ثقافية. استطاع شعب إيران الكبير بهذه السوابق التي نلاحظ نماذجها في مدينتكم العريقة العميقة أن يظهر بين شعوب العالم كشعب أصيل عريق.
حينما أنظر لماضي قزوين أرى أن عالم جغرافيا مسلم » المقدسي « (1) زار مدينة قزوين قبل ألف سنة فقال عنها إنها قطب للفقه و الفلسفة. و قبل تسعمائة عام ظهرت في هذه المدينة شخصية عالم معروف مثل » عبد الجليل القزويني «. » النقض « لعبد الجليل القزويني الرازي هو اليوم من الكتب القيمة المعتبرة اللافتة عند علماء الكلام و أصحاب الفكر و المعروفة. و قبل ثمانمائة عام وضع أحد العلماء كتاباً حول قزوين عنوانه » التدوين « في ثلاثة مجلدات.. ثلاثة مجلدات حول سير و أعمال الشخصيات العلمية و الثقافية و الدينية و السياسية في قزوين في ذلك العهد.. هذه السوابق على جانب كبير من الأهمية. في تلك الحقبة حينما لم تكن الكثير من مدن إيران سوى قرى صغيرة أو لم تكن موجودة أصلاً، كان في قزوين كل هؤلاء العلماء و الشخصيات و الوجوه المعروفة تُخصص ثلاثة مجلدات من كتاب » التدوين « لاستعراض أحوالهم. قبل سبعمائة عام أنجبت هذه المدينة شخصية بارزة و مؤرخاً كبيراً مثل » حمد الله المستوفي «. و قبل سبعمائة سنة ظهر في هذه المدينة شاعر كبير نظير » عبيد زاكاني «. و قبل أربعمائة و خمسين سنة كانت قزوين العاصمة السياسية لهذه البلد الكبير. قرأت في مكانٍ ما أن ما يستخلص كنتيجة من الدراسات الخاصة بقزوين و محافظة قزوين هو أنها أنجبت من الشخصيات البارزة، و الفقهاء، و الحكماء، و الأطباء، و علماء الرياضيات، و المؤرخين، و الفنانين من لو أراد المرء أن يذكر أسماءهم جميعاً للزمه من الوقت ما لا يقل عن ساعتين أو ثلاث ساعات! أنتم شباب قزوين من بنات و بنين تعيشون و تكبرون في هذا المناخ الإقليمي و الثقافي ارتكزوا على هذا الماضي العريق.
أنا شخصياً تعرفت على اسم قزوين و القزويني في فترة شبابي و طلبي العلوم الدينية بفضل وجود أستاذين كبيرين في الحوزة العلمية بمدينة مشهد: شخصية المرحوم الحاج الشيخ هاشم قزويني البارزة، و شخصية المرحوم الحاج الشيخ مجتبى قزويني الممتازة، و هما نجمان لامعان في حوزة مشهد العلمية تركّزت أبصارنا عليهما منذ فترة الشباب و الحداثة. أصبح اسم قزويني في أذهان الطلبة من مدينة مشهد اسماً متألقاً محفوفاً بالمفاخر بفضل وجود هاتين الشخصيتين الجليلتين. هاذان الشخصان، و لا سيما المرحوم الحاج الشيخ مجتبى، كانا من تلامذة و ملازمي شخصية قزوينية بارزة أخرى هو المرحوم السيد موسى زرآبادي الشخصية العظيمة التي كانت في هذه المدينة مركز إشعاع معنوي و سلوكي و عرفاني واسع على الطلبة و المتعطشين للمعرفة.
و قبل حقبتنا أيضاً خرّجت هذه المدينة الكثير من العلماء الكبار: » الشهيد الثالث « و مقبرته هنا، و المرحوم الملا محمد تقي برغاني، و أخيه الملا محمد صالح برغاني، كانوا فقهاءً بارزين، و ليسوا فقهاءً معتزلين أو شخصيات منطوية على نفسها، بل كانوا رجال دين يفكرون في مصير الناس، و يكافحون من أجلهم و يضحون بأنفسهم في هذا السبيل.
حينما ننظر لفترة الثورة نرى أن البلد كله قدم شهداءً عظاماً، لكن وجوه شهداء قزوين و مبرّزوها و مضحّوها ممتازة، كالشهيد رجائي. لدينا القليل كالشهيد رجائي في الثورة. و الشهيد بابائي كان إنساناً كبيراً و رمزاً خالداً لا ينسى بين جنودنا من الجيش و الحرس. ومن بين الأسرى الأحرار يعد أستاذهم المعنوي المرحوم » أبو ترابي « من هذه النماذج أيضاً. كنت أعرف هذه الشخصيات الثلاثة المميزة عن كثب.. عرفت سماتهم و أدري كم هم مميزون .. هؤلاء شهداء قزوين. قدمت مدينة قزوين ألفي شهيد و محافظة قزوين نحو ثلاثة آلاف شهيد. هؤلاء مفاخر أهالي قزوين. قال البعض قبل قرون من الزمان عن أهالي قزوين أنهم أناس متدينون ذوو همم عالية، و عزة نفس، و سخاء، وقناعة.
و بعد الثورة كانت النظرة لكل أنحاء البلاد - و منها قزوين - نظرة خاصة تختلف عن العهود السابقة.. إنها نظرة تقديم الخدمة. لقد منَّ الله تعالى على أهالي هذه المنطقة بالكثير من الإمكانات و الخيرات الطبيعية. و كما أشار إمام الجمعة المحترم فإن في هذه المحافظة تربة و قابلية زراعية و تعتبر سهلاً خصباً و مباركاً. و ينبغي احتواء المياه طبعاً.. عملوا بهذا الاتجاه بعض الشيء و ينبغي العمل و الجد بمقدار آخر. لأهالي قزوين و كسائر أنحاء البلاد توقعاتهم من الحكومة و المسؤولين. و توقعاتهم في محلها و ينبغي العمل بها.
إنني و قبل الدخول لأية مدينة خلال أسفاري و زياراتي أطلع على آراء أهاليها عن طريق الاستبيانات و البحوث و الحوارات سواء مع المسؤولين أو مع أبناء الشعب. حينما يسألون أهالي قزوين عن توقعاتهم من الحكومة يجيبون بما تجيب به الجماهير في الكثير من مناطق البلاد الأخرى. توقعات الجماهير هي التغلب على المشكلات الاقتصادية، و مشكلات الشباب - قضايا الدراسة، و السكن، و الزواج، و البطالة - ، و معالجة الصعوبات ذات الصلة بالغلاء، و رفع العقبات المتعلقة بالعمران المدني و القروي. المتوقع من المسؤولين هو أن يلبّوا احتياجات الناس بمقدار قدراتهم و حسب إمكانات البلاد. إنه توقع في محله و أنا أؤيّده. و هذا هو أحد أسباب زياراتنا للمناطق و المدن المختلفة. القصد هو أن تطرح في كل زيارة لمدينة أو محافظة مشكلات تلك المدينة أو المحافظة مرة أخرى بتفاصيلها و دقائقها على مسؤولي البلاد. المسؤولون يجدّون في تقديم الخدمة و قصدهم هو الخدمة. ينبغي مساعدتهم كي يستطيعوا توسيع و تسريع هذه الخدمات.
طبعاً كان بين الإجابات التي قدمها الأهالي لمن سألوهم عن آرائهم قبل زيارتنا، مطالبتنا بأن نذكّر المسؤولين - خصوصاً الذين ترتبط مسؤولياتهم بهذه المنطقة - بمتابعة الأمور و المشاريع، و هذا ما نقوم به طبعاً. إنني في هذه الأيام المعدودات التي أزور فيها محافظة قزوين و مدينة قزوين سأتصل دوماً بالمسؤولين و الجهات المخلتفة، وأتمنى أن تُُقال للمسؤولين الكثير من التنبيهات و النصائح و الكلمات التي يجب أن تقال لهم.
ما أريد أن أطرحه عليكم جميعاً أعزائي و إخواني و أخواتي و أبنائي هو جملة نقاط:
النقطة الأولى هو أن النيّة في بلادنا - لا سيما في المستويات العليا من المسؤولية - هي خدمة الشعب. طبعاً ليست طاقات جميع المسؤولين متساوية، فقد يكون لبعضهم طاقات و قدرات أكبر و لبعضهم طاقات و إمكانيات أقل. لكن الجميع يريد أن يخدم. المهم أن نظام الجمهورية الإسلامية شُيّد على أركان إرادة الجماهير و رغباتهم و ميولهم و محبتهم. الجماهير انتخبوا مسؤولي البلاد بإرادتهم. و هم ينظرون لأداء المسؤولين في ساحات الاختبار و يصدرون أحكامهم و يرتّبون الآثار على ذلك.
النقطة الثانية هي أن نظام الجمهورية الإسلامية و بلدنا العزيز الكبير الغني طبيعياً يواجه فرصاً، و أيضاً تهديدات على مسرح التحولات العالمية. أمامنا حالياً الكثير من الفرص المستقبلية. القضية الأهم لدى المسؤولين هي استثمار كافة الفرص التي تتوفر مع حفظ العزة الوطنية، و من أجل تقدم البلاد على الصعيد المادي و على المستوى المعنوي. ليس هدف الجمهورية الإسلامية مجرد أن تعرض في الأرقام و الإحصاءات عدداً كبيراً للناتج الوطني الإجمالي. هذا غير كافٍ. نحن نؤمن أنه لا بد أن تتوفر العدالة في البلاد، و أن توزع الثروة الوطنية بين جميع أبناء الشعب. هذا هو طموحنا الكبير الذي نسعى و نكافح من أجله.
فلسفة وجود نظام الجمهورية الإسلامية هي أن يستطيع و كما أراد الإسلام من المسؤولين و الأفراد و الشعوب تحقيق العدالة، و الأخلاق، و المعنوية، و الرفاه المادي بين الناس. هذه عملية مقدسة و عظيمة جداً، و صعبة بالطبع. كافة مساعي الجمهورية الإسلامية طوال الأعوام الخمسة و العشرين الماضية أنصبت على بلوغ هذه الغاية.
الذين يخطئون الطريق و يتجاهلون العدالة ليسوا على صواب. و الذين يتناسون المعنوية مخطئون. و من يغضون الطرف عن تسويد الكفوئين مخطئون. و الذين ينسون الطابع الشعبي للمسؤولين هم أيضاً على خطأ. الطريق صعب و المسير في هذا الطريق يواجه عقبات كبرى لأنه يجب أن تراعى فيه كافة هذه المعايير و الملاكات.
لا نستطيع الاغتباط بأن نقول بعض الأشياء و نتولى مواقع المسؤولية - أو مواقع السلطة بالتعبير الدارج - و نبقى فيها بعض الأيام، و لا نفكر في حاضر البلاد و مستقبلها و في التنمية المادية و المعنوية للشعب.. هذا غير ممكن. يريد النظام الإسلامي من المسؤول أن يرى نفسه أمام الله. أما أن يدرك الناس خدماته أو لا يدركوها، و يشكروه أو لا يشكروه فهذا شيء يأتي في المرتبة الثانية. بالدرجة الأولى يجب أن يشعر المسؤول أنه مسؤول أمام الله تعالى عن خدمة الجماهير و إفشاء العدالة بينهم. تدل حساباتنا على أن نظام الجمهورية الإسلامية حقق تقدماً كبيراً في هذا الطريق طوال الأعوام الخمسة و العشرين الماضية. لا نقول إننا وصلنا لجميع أهدافنا، لا، يجب أن نواصل السير و العمل. بل نقول و ندّعي أن نظام الجمهورية الإسلامية تقدم في هذا الدرب.
ثقة الشعب الإيراني بنفسه و أمله و تفاؤله و وعيه اليوم أكبر من جميع العهود السابقة. الأمل و الحيوية بين شعب إيران الكبير من إنجازات الإسلام و الثورة. هذا ما نثمّنه و نقدِّره و نبذل جهودنا من أجله.
من الأمور المهمة جداً بالنسبة لشعبنا، و هي من الأمور الخاصة بعامنا الجاري و لا بد لي من التشديد عليها هي قضية الانتخابات القادمة. الانتخابات القادمة شأنها شأن كل الانتخابات التي أقيمت خلال فترة الأعوام الخمسة و العشرين الماضية تعد أهم قضايا البلاد في وقتها. إذا تمّت الانتخابات بشكلها المنشود فسوف تؤمِّن المستقبل و تضمن الأمن الحالي. ما هي الانتخابات المنشودة؟ إنها الانتخابات النـزيهة، الحرة، المطابقة للقانون.. الانتخابات التي تشارك فيها الجماهير بحماس و تحفّز.. الانتخابات التي يجد الشعب كله واجبه الديني في إقامتها إقامة حافلة حاشدة. هذه الانتخابات يمكن ان تتمخض عن مجلس جيد للبلاد بالمعنى الحقيقي للكلمة.
المجلس موقع على جانب كبير جداً من الأهمية.. إنه بيت الشعب.. مظهر تجلي العزة الوطنية.. بوسعه عرض عزتنا الإسلامية وعزتنا الوطنية على العالم.. إنه ضمانة مصالحنا العامة. بقوانين المجلس يستطيع المسؤولون التحرك و التقدم للأمام. بمقدور المجلس أن يكون حارس الأمن الوطني، و سداً منيعاً أمام تطاول الأعداء و الطامعين الأجانب. هذه هي صفات المجلس المنشود. حينما يشارك الشعب في الانتخابات و يختارون بعيون مفتّحة و بصيرة نافذة شخصاً يرون أنه يتوفر على الشروط اللازمة، و يوفدونه للمجلس، فسوف يستطيع المجلس ممارسة مثل هذا الدور الكبير. المجلس كما قال الإمام عُصارة فضائل الشعب. حينما تشارك الجماهير في الانتخابات أكثر يرتفع اعتبار المجلس طبعاً و تتضاعف قدراته على تقديم الخدمة.
الكلام حول الانتخابات و المجلس كثير. اكتفي اليوم بهذا المقدار، و أشير فقط إلى هذه النقطة: النائب الذي تنتخبونه للمجلس يجب أن يتوفر على صفات القدرة على تحقيق مطاليبكم، و أن يكون نائباً متديناً. الأشخاص المتدينون يمكن أن يكونوا موضع ثقة. النائب يجب أن يكون ثورياً تتوفر فيه الروح و النشاط و الأمل و القوة الثورية كي يستطيع فتح الطرق التي يلوح أنها مسدودة و التقدم إلى الأمام. على النائب أن يكون خدوماً، ذا سابقة جيدة، كفوءاً، له برامجه و خططه، طيب السمعة، ذا روح شبابية، و مؤمناً بالشباب. مثل هؤلاء الأشخاص أينما كانوا من البلاد يجب أن يشعروا بالواجب و يرشحوا أنفسهم. في هذه الأيام القلائل المتبقية من مهلة تسجيل الترشيحات للانتخابات، يملي الواجب الوجداني و الإسلامي و الوطني على كل شخص يرى في نفسه هذه الخصوصيات أن يرشح نفسه و يشارك في ساحة الانتخابات. و إذا لاحظوا لاحقاً أن هناك من هم أكثر صلاحية منهم فبوسعهم الانسحاب. أما الآن فعليهم الدخول إلى الساحة. و على الشعب أينما وجد أمثال هؤلاء الأشخاص أن يطلب منهم ترشيح أنفسهم. صلاح البلد و مستقبله في أن تقام الانتخابات بشكل ملحمي و باندفاع و مشاركة قاطبة الشعب.
طبعاً رؤيتي و شعوري هو أن الشعب سيقيم هذه الانتخابات أيضاً و بتوفيق من الله كأعظم و أضخم ما تكون الانتخابات على الرغم من رغبات الأعداء. و من الطبيعي أن لا يرغب أعداء البلاد و الشعب في إقامة انتخابات جيدة في البلاد.. و قد كان الأمر كذلك دوماً.. في معظم الانتخابات كان أعداؤنا يبذلون قصارى جهدهم عسى أن لا تقام الانتخابات بحرارة و حماس. و بعض المرتبطين بالأعداء في الداخل كانوا يحاولون بأساليب شتى صرف الجماهير عن المشاركة و التواجد عند صناديق الاقتراع. طبعاً هم لا يجرأون على ذلك الآن لأن مناخ البلاد العام يميل للانتخابات و جميع مسؤولي البلد متفقون على دعوة الجماهير للمشاركة في الانتخابات. يخشون من الأجواء العامة و الرأي العام أن يوصوا صراحةً بعدم المشاركة في الانتخابات. و لكن اعلموا أن معارضي هذا البلد، و أعداء هذا الشعب، و أعداء تقدّم إيران، و خصوم تطور الشعب الإيراني و رقيّه، وأعداء نظام الجمهورية الإسلامية سيفعلون كل ما يستطيعون من أجل صدّ الشعب عن المساهمة في ساحة انتخابات مجلس الشورى الإسلامي و كل ساحة أخرى. لم يستطيعوا ذلك لحد الآن، و لن يستطيعوا في المستقبل أيضاً بحول الله و قوته.
من المهم جداً لشعبنا و شبابنا خصوصاً أن ينظروا لشعارات الثورة، و يدرسوا مواقف نظام الجمهورية الإسلامية بدقة، ثم يلقوا نظرة للواقع العالمي العام. لو نظرتم لوجدتم أن كلمة الجمهورية الإسلامية و نداء الثورة الإسلامية يحظى تدريجياً و أمام أعين الأعداء المبهوتة المنذهلة بقبول الشعوب في العالم و استحسانها. الكثير من الكلام كنا نقوله قبل عشرين سنة و يرفع هذا الشعب شعاره، لكن العالم يراه اليوم رأي العين. منذ خمسة و عشرين عاماً و هذا الشعب يعلن بصوتٍ عالٍ أن أمريكا ناهبة معتدية تروم التطاول على الشعوب، و كان الإعلام القوي للأجهزة الاستكبارية التابعة لأمريكا يتشدق بالديمقراطية و الحرية و حقوق الإنسان، لكن الكثيرين في البلدان الإسلامية لم يكن بمقدورهم إدراك ما هو معنى كلام الثورة و الجمهورية الإسلامية هذا، أما اليوم و بمشاهدتهم للمواقف التي تتخذها أمريكا حول قضايا العالم بدأ الجميع يقبلون هذه الرؤية و يصدِّقونها. الناس في العالم اليوم يشاهدون تجاهل حقوق الشعوب، و الاستهانة بالحدود الجغرافية للأمم، و الاحتفاظ للذات بحق الزحف إلى أية بقعة في العالم و التطاول عليها بذريعة المصالح غير المشروعة.. في الخليج الفارسي، و المحيط الهندي، و بلدان الشرق الأوسط، و البلدان الآسيوية، و في أوربا ذاتها. هذا هو نفسه رأي الثورة الإسلامية وتصورات الشعب الإيراني.
هذا الوجه العنيف المزوّق بالإعلام يعبر عن حقيقته اليوم في شوارع بغداد و سائر المدن العراقية، و في مناطق أفغانستان المختلفة، و في العديد من أنحاء العالم الأخرى، و شعوب العالم ترى ذلك. منذ خمسة و عشرين عاماً و الشعب الإيراني يرفع شعاراته ضد إسرائيل. قال شعب إيران في شعاراته مراراً: لا تثقوا بنداء السلام الكاذب الذي يطلقه الصهاينة.. و اليوم يشاهد العالم العربي و العالم الإسلامي كله الساحة المفجعة في فلسطين أمام عينيه. اليوم حيث يسحق ساسة الدولة الصهيونية الغاصبة بأقدامهم كل المعاهدات و المواثيق التي أبرموها مع البلدان العربية و الأطراف الفلسطينية، ويتجاهلون الجميع و لا يلتزمون بأيٍّ من القرارات و المعاهدات الدولية، تصل باقي الشعوب إلى ما وصل له الشعب الإيراني من نتائج. خلال فترة الحرب المفروضة - التي شغلت الشعب الإيراني ثماني سنوات - و بعد الحرب المفروضة، هتف شعب إيران و رفع شعارات أن صدام البعثي وجود مفسد و حيوان وحشي في ثياب إنسان، لكن هؤلاء الأمريكان نفسهم الذين يسبّونه اليوم و يفرحون لإلقاء القبض عليه، كانوا يصافحونه و يقيمون معه علاقات صداقة و يساعدونه! وزير الدفاع الأمريكي الحالي(2) التقى صداماً في بغداد و وعده بالمساعدة. ساعدوا صداماً كي يستطيع الضغط على إيران الإسلامية. الكثير من البلدان العربية و من بلدان المنطقة لم تكن تعرف باطن هذا الكائن الشيطاني، إلا أن الشعب الإيراني كان قد اختبر هذا الذئب المفترس و أعوانه السفاحين في ميادين الحرب، و في القصف الظالم، و في حلبجة، و آبادان، و دزفول، و عرض صورته على العالم. و اليوم يفهم العالم هذه الحقائق. إنه الكلام الحق للشعب الإيراني الذي يتجلى اليوم واضحاً للعالم.
أعزائي! العالم و التاريخ زاخر بالعبر. وصل وضع صدام حسين الظالم الفتّاك المستكبر المتكبر إلى حيث يعيش في طامورة و يبدي استعداده لتحمّل كل صنوف العار من أجل إنقاذ روحه القذرة المخزية. اليوم حيث يتم إلقاء القبض عليه يشعر العالم الإسلامي و الذين يعلمون ما كانه هذا الحيوان المفترس يشعرون بالفرحة و الارتياح. فرح الشعب الإيراني و لا سيما عوائل الشهداء كثيراً لخبر إلقاء القبض على صدام. الشعب العراقي طبعاً تجرّع آلاماً كبيرة من هذا الذئب السفّاح، و قد تخلّص الآن منه حسب الظاهر، سمعت أن رئيس جمهورية أمريكا قال عن صدام إن العالم بدون صدام سيكون أفضل كثيراً. و أريد أن أقول لرئيس جمهورية أمريكا إن العالم بدون بوش و شارون أيضاً سيكون أفضل بكثير.
الذين يتوهمون أن سلطتهم دائمية أبدية لينظروا لصدام حسين، و محمد رضا بهلوي، وحكومة الاتحاد السوفيتي السابق، و ليروا كيف أن السلطات الورقية محض وهم، و كيف أن الله تعالى يقضي بيد قدرته على هذه السلطات و القوى الورقية و يبديها و كأنها لم تكن على الأرض يوماً.
الذين يحكمون العالم الإنساني اليوم بدكتاتورية و استبداد تحت عناوين الديمقراطية و حقوق الإنسان - كرئيس جمهورية أمريكا - و الذين يعرّضون أهالي الأرض الشرعيين لأكثر الضغوط وحشية من دون أن يكون لهم أدنى حق في تلك الأرض، كالساسة الصهاينة الذين يعرّضون أصحاب البيت أي الشعب الفلسطيني لكل هذه الويلات، و التعذيب، والقتل، و المذابح، و القمع، ليعلموا أن عاقبتهم أيضاً لن تكون بأفضل من عاقبة صدام.
لقد استيقظت الشعوب.. الأمة الإسلامية تستيقظ أكثر يوماً بعد يوم. آمال الأمة الإسلامية آمال جيدة.. الأفق وضاء، و الشعب الإيراني بفضل من الله رائد هذه المسيرة و سيستطيع بحول الله و قوته، و عبر سلوكه و تحركه تقديم نموذج حي ممكن الاحتذاء للشعوب الأخرى.
إنني أشكركم جميعاً جزيل الشكر أيها الإخوة و الأخوات و الأهالي الصميميون المؤمنون العطوفون في قزوين لاستقبالكم هذا اليوم، و محبتكم الحماسية المخلصة الذي لا يعرف أحد لها مثلاً لدى الشعوب الأخرى. هذا شيء خاص بالجمهورية الإسلامية فقط أن تكون بين مسؤوليها و شعبها أواصر محبّة بهذه القوة و الإخلاص. أسأل الله العظيم أن يجعلنا جديرين بكل هذه المحبة.
أدعو الله العظيم أن يوفقني و كافة مسؤولي البلاد لخدمة هذا الشعب باضطراد. أطلب من الله العظيم أن يمنّ على هذا الشعب بالعزة و الشموخ في كل الميادين. أسأل الله العظيم أن يمنَّ عليكم شباب قزوين و أهاليها المؤمنين المعروفين بماضيكم بفضله و رحمته و نعمته كما أنتم أهله. ربنا أنزل النكبة و اليأس بأعداء هذا الشعب و انصره في كل الميادين.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش
1 - أبو عبد الله المقدسي (336 - 391هـ) صاحب كتاب »أحسن التقاسيم« .
2 - دونالد رامسفيلد.