بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بجميع الحضور المحترمين.. الإخوة و الأخوات الأعزاء، خصوصاً المقرئين الأعزاء المحترمين.. مقرئي كلام الله المجيد، و الضيوف المحترمين الذين تفضلوا بالمجيء إلى هنا من البلدان الإسلامية. كانت لنا اليوم جلسة طيبة جداً. أنا أيضاً استمتعت بلقائكم مقرئي و عشاق القرآن الكريم، و انتفعت من التلاوة الجيدة جداً التي قدمها المقرئين المحترمين هنا.
لنحاول أن يكون انتفاعنا غير مقصور على الانتفاع في المجلس و انتفاع الأذن و العين، بل يمتد الى انتفاع القلب أيضاً. القرآن للعمل بالقرآن، و هو للفهم و التفكير و التدبر. لماذا كل هذه المشاكل في العالم الإسلامي؟ لماذا الأمة الإسلامية ضعيفة رغم عظمتها؟ لماذا؟ لماذا قلوب الإخوة المسلمين في أنحاء العالم و أياديهم غير متعاضدة؟ لماذا؟ ألم يقل هذا القرآن: »و اعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا«؟(1) ألم يقل هذا القرآن: »و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين«؟(2) لماذا لا تتمتع الأمة الإسلامية اليوم بالعزة التي تجدر بها في العالم؟ لماذا؟ لماذا نحن متأخرون في العلوم؟ و لماذا الأمة الإسلامية متأخرة في مضمار السياسة و تدبير الشؤون العالمية؟ السبب هو لأنها لا تعمل بالقرآن. السبب هو أن القرآن - و خلافاً لادعاءاتنا - ليس معياراً و محوراً لمعرفتنا و عملنا. بمقدار ما نعمل بالقرآن الكريم سنجد آثاره و بركاته.
نحن في الجمهورية الإسلامية حاولنا العمل بتعاليم القرآن، و قد نجحنا بمقدار معين و بنفس هذا المقدار أرانا الله تعالى آثار عملنا عياناً. الله تعالى لا يخلف وعده: »و من أصدق من الله قيلاً«.(3) إذا وعد الله تعالى المؤمنين بالنصر و باستخلافهم في الأرض و بالعزة فهي وعود صادقة. السبب في أننا لا نجد هذه الوعود في ميدان حياتنا هو أننا لا نعمل بالشروط الإلهية، »و أوفوا بعهدي أوف بعهكم«.(4) اعملوا بعهدي حسب أوامري و سوف أعمل بذلك العهد.. هكذا قال الله تعالى. هذا درس كبير لنا.
هدفنا من هذه الجلسات القرآنية و من هذه الاجتماعات القرآنية و المسابقات القرآنية و دعوة حملة القرآن من جميع أنحاء البلاد هو الاقتراب من هذه المقاصد. نروم الاقتراب من القرآن. اقتراب المعرفة و اقتراب العمل. ينبغي أن تنصب هممنا على هذا. العالم الإسلامي اليوم بحاجة للعمل بالقرآن، و أعداء الإسلام لا يريدون ذلك. و من البديهي أن أعداء الإسلام لا يقولون صراحة إننا أعداء القرآن أو أعداء الإسلام. »يخادعون الله و الذين آمنوا«.(5) إنهم يخادعون حتى الله و يخادعون عباد الله أيضاً.. يقولون إننا أنصار الإسلام لكنهم يستهدفون في الوقت نفسه النقطة التي يريدها منا الإسلام تحديداً.
تلاحظون أن طرح قضية الجهاد في بعض البلدان الإسلامية تعد اليوم جريمة.. يجب عدم طرح قضية الجهاد في الكتب المدرسية، و ينبغي عدم ذكر الجهاد و الشهادة في حوارات المرتبطين بنحو من الأنحاء بالأجهزة الحكومية. يهاجمون هذه الأمور علناً. يوجهون ضرباتهم للاتحاد الإسلامي و يكدرون القلوب تجاه بعضها.. قضية السنة و الشيعة و قضية الفرق المختلفة داخل التشيع و الفرق المتعددة داخل التسنن هذه المواضيع التي يهتم بها أعداء الإسلام. لا يقولون إننا نعارض القرآن لكنهم يعارضون محور التربية و التعليم القرآني، و نموذج الوحدة الوحدة الإسلامية. كم يبذل الخيّرون من الجهود لتكريس الاتحاد بين الإخوة في العالم الإسلامي، و إذا بنا نرى فجأة قنبلةً - قنبلة معادية للوحدة - تنفجر هنا أو هناك.. لا يختلف الأمر.
لهذا ينبغي أن نتحلى باليقظة و الوعي. و كذا الحال بالنسبة لنا نحن الشعب الإيراني. ما نقوله ليس للآخرين إنما هو لأنفسنا بالدرجة الأولى. نحن أيضاً يجب أن نحافظ على الوحدة. لاحظوا هذه الآيات التي قرئت الآن: »و اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّفَ بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، و كنتم على شفى حفرة من النار فأنقذكم منها«،(6) الإسلام أنقذكم من نار التفرقة، فهل نسيتم هذا؟ لا يكفُّ هذا عن توجيه اللوم و المؤاخذات لذاك، و لا يكفُّ ذاك عن تسقّط عثرات هذا، و لا نقلع عن تحويل الفروع إلى أصول و ننسى الأصول و يتصاعد الخلاف بيننا. حين يقول القرآن الكريم: »و اعتصموا بحبل الله جميعاً« فمعناه اعتصموا كلكم سويةً بحبل الله. حسناً.. هؤلاء »الجميع« ليسوا كلهم في مستوى واحد. بعضهم إيمانهم أقوى من بعض، و البعض إيمانهم أضعف. البعض عملهم أفضل، و البعض عملهم متوسط، و مع ذلك يخاطب الله »الجميع« و يقول اعتصموا بحبل الله جميعاً. مارسوا هذا الاعتصام سويةً. فلا يمكن أن تقول إنني اعتصم بحبل الله لوحدي و لا يعتصم الآخر، و يقول الآخر إنني اعتصم بحبل الله على حدة و لا يعتصم الآخر. تحمّلوا بعضكم.. ثمة أصول و محاور. المهم أن تتعاطف و تتحد قلوبنا على هذه الأصول. قد يختلف الأفراد على مائة من الفروع.. هذا لا يناقض الاجتماع و الوحدة و التكاتف. هذا ما يجب أن يكون ملاكاً. علينا توخي الحذر في أقوالنا. ليس من المصلحة إقصاء الآخرين و رفضهم بنحو مطلق بسبب قضايا من الدرجة الثانية. الشعب الإيراني اليوم شعب واحد متلاحم.. شعب متحد. يجب معرفة قدر هذا الاتحاد. ينبغي عدم بث الخلافات.
أرى فيما يتعلق بقضايا الأيام الأخيرة أن البعض لا يفتأون يحاولون تكريس الخلافات و الشروخ، كلا، يجب عدم إيجاد خلافات. الكل إخوة مع بعضهم. و على الجميع التعاون فيما بينهم. على الجميع مساعدة بعضهم لبناء البلد. يجب عدم توجيه التهم لأحد اعتباطاً. و يجب عدم تجريد أحد لأمر معين من كل ما يعتبر أهليةً و كفاءة. يتوجب مراعاة الإنصاف، و لا بد من الإنصاف في العمل و من الإنصاف في الكلام أيضاً. يقول الله تعالى حول الأعداء: »و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى«،(7) إذا كنتم أعداء شخص معين فلا يحضكم عداؤكم هذا على عدم الإنصاف تجاهه و العمل معه بخلاف العدالة. هذا ما يوصينا به حتى فيما يخص العدو، فكيف و الطرف ليس عدونا. على الجميع نبذ الإجحاف جانباً.. على الجميع نبذ عدم الإنصاف جانباً. ليجتمع الكل تحت راية النظام الإسلامي و الجمهورية الإسلامية.. هناك أصول و ليعلن الجميع التزامهم بتلك الأصول. و ليكونوا إلى جانب بعضهم رغم اختلاف أذواقهم. ما الضير في ذلك؟ تفاوت الأذواق كان موجوداً على الدوام. في العصور المختلفة، متى ما امتزج اختلاف الأذواق و التصورات هذا بأهواء النفس الإنسانية فسدت الأمور. ينبغي مراقبة هوى النفس بشدة. لنكن سيئي الظن بأنفسنا بخصوص انخداعنا بهوى النفس. لننظر و ندقق أين هوى النفس من المسألة و أين منها ما لا يعد هوى نفس و إنما شعور بالواجب حقاً. و في الشعور بالواجب أيضاً يجب التدقيق لكي لا تخرج خطواتنا عن دائرة الواجب من الجهة الثانية. ينبغي عدم المبالغة و التمادي. و عندئذ سيكون لطف الله معنا. كما كان لطف الله مع شعب ايران لحد الآن و بفضل من الله و حوله و قوته، ستكون الألطاف الإلهية حليفة شعب ايران بعد الآن أيضاً.
ليعمل الكل بواجباتهم و ليحاولوا ذلك ما استطاعوا. حين نقول ليعمل الجميع بواجباتهم فلا نعني إننا عملنا لحد الآن بكل واجباتنا، لا، »و ما أبرّئ نفسي«،(8) علينا السعي و بذل الجهد في هذا السبيل. هذه هي التقوى. التقوى معناها السعي و المراقبة لأداء الواجب. هذا معنى التقوى. لنبذل هذا الجهد، و إذا حصلت زلّة فإن الله تعالى سيعفو و سيتجاوز عن زلاتنا إذا كنا نراقب أنفسنا حقاً.
نتمنى أن يبارك الله تعالى في هذه الجلسات و الاجتماعات و التلاوات و الاستماع و الكلام، و أن يوقظنا جميعاً و يوفقنا لنستطيع العمل بواجباتنا إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1- سورة آل عمران، الآية 103.
2- سورة المنافقون، الآية 8.
3- سورة النساء، الآية 122.
4- سورة البقرة، الآية 40.
5- سورة البقرة، الآية 9.
6- سورة آل عمران، الآية 103.
7- سورة المائدة، الآية 8.
8- سورة يوسف، الآية 53.