بسم الله الرحمن الرحيم
لا أمتلك في الوهلة الأولى إلا أن أرحب بجميع الشباب الأعزاء، الطلبة الجامعيين الأحباء، أبنائي الذين تفضلوا بالمجئ إلى هنا، و أتقدم بالشكر لحضرتكَ على تقديم البرامج. و قد استمتعت كثيراً بتعبير »الضباط الشباب« الذي كررتموه، و الذي أؤمن به من أعمق الأعماق. و ستكون كلمات هؤلاء الشباب الأعزاء اليوم سبباً إن شاء الله في بروز و ظهور هؤلاء الضباط الشباب أمام عيني و أعين سائر المتلقّين...
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الله تعالى أن وفقنا و أعطانا من العمر ما جعلنا نجرِّب مرة أخرى هذه الجلسة الحيوية الحلوة الزاخرة بالمحفزات في شهر رمضان. لدينا في شهر رمضان من كل سنة مثل هذه الجلسة، و أقول لكم إنها من أطيب و أحبّ الجلسات إلى نفسي.
أولاً استفيد من الآراء و الأفكار التي يطرحها الإخوة و الأخوات. تطرح نقاط و آراء جديدة فانتفع منها. أضف إلى ذلك أنه توجد أحياناً اقتراحات تنقل إلى المؤسسات و الأجهزة المختصة، و اعلموا و اطمئنوا أنها تتابع ضمن حدود الإمكانيات و السعة المتوفرة. لا تتصوروا أنه مجرد كلام يطلق هنا و ينتهي كل شيء، لا، الحقيقة أن كل واحد من هذه الآراء التي تطرح - أو القدر التي نوافقه و نؤيده و نقتنع به، و معظمها من هذا القبيل - يتابع و لا يهمل.
حسناً، جلسة اليوم كانت حيوية جداً، و قد تحدث الشباب الأعزاء في كافة المجالات. أولاً كان هناك اختلاف في وجهات النظر بين هؤلاء الإخوة و الأخوات، و اعتقد أن هذا الاختلاف في وجهات النظر مثير للشوق و الحماس جداً. و هذا هو الجيد. أثيرت آراء متنوعة حول قضايا واحدة، و لكل رأي كان هناك استدلال و أنصار. إنه مجال للتفكير و التعمق و البحث و الوصول إلى الحقيقة. و لا تتوقعوا مني أن أدلي برأي حاسم حول مواطن الاختلاف أو بشأن الأمور التي سألوها مني، لكي يكون كلامي هذا فصل الخطاب، لا، ثمة مواطن بحاجة طبعاً إلى فصل الخطاب، و على القيادة أو المسؤول الذي يجب أن يحسم الأمر أن يقول كلمته التي تمثل فصل الخطاب. لكن هذه الحالة ليست من تلك الحالات. معظم هذه الحالات لا تحتاج إلى أي فصل خطاب. يوجد اختلاف في وجهات النظر، فليكن، و ما الضير في ذلك؟ قلت لمسؤولي البلاد قبل فترة و قد حضروا هنا إنه يوجد اختلاف حول قضية معينة، لكن اختلاف وجهات النظر ليس فاجعة. ما الضير و العيب في اختلاف وجهات النظر هذا؟ تارة يكون النقاش حول هل نطلق النار على العدو أم لا؟ نعم هنا يسبب اختلاف وجهات النظر مشكلة. و لكن في أحيان أخرى لا تكون القضية على هذه الشاكلة، إنما الاختلاف حول قضايا نظرية و شؤون اجتماعية واسعة. اعتقد أن هذا الاختلاف في وجهات النظر مثير للشوق. و هو كذلك بالنسبة لي. و أنتم الشباب يجب أن يثير هذا الاختلاف و التنوع في الآراء و الاستدلالات الشوق فيكم أكثر من أمثالي و أنا في هذا السن.
لقد دققت في الكلمات اليوم و وجدت أنها عميقة للحق والإنصاف. في بعض السنين حينما كان الشباب يأتون و يتحدثون، تنتابني حالة عتاب في نفسي لأنني لا أجد عمقاً في الكلام. لكن الأمر ليس كذلك اليوم. لقد وجدت الكلام اليوم عميقاً. ما عدا المجاملات و إبداء الحبّ تجاهي - و لهذه الأمور حسابها المختلف - فإن ما طرح هنا كآراء و تصورات وجدت أنها عميقة من أولها إلى آخرها، و تمثل كلاماً تم التفكير له و فيه، و ليس كل ما قيل صحيحاً بالضرورة، لا، فيه الصحيح و فيه الضعيف، و لكنه كلام يسبقه تفكير و دراسة. هذا هو المهم. خصوصاً في الحالات التي تحدث فيها المتحدث بالنيابة عن جماعة معينة - أي بالنيابة عن التنظيمات - كان الحديث دالاً على وجود تلاقح و تعاون فكري في ذلك التنظيم، و هذا بدوره شيء إيجابي يثير الارتياح بالنسبة لي. تارة تكون أنت إنساناً صاحب فكر فتطرح بعض الآراء و الأفكار. حسناً، هذا شيء جيد و أفكار جيدة. لكن الأفضل من ذلك أن تتعاون مع جماعة معينة في التفكير و تكون هناك آراء متخالفة متضاربة إلى أن تخرج النتيجة و الحصيلة من كل تلك الآراء المتضاربة و تُطرح هنا. لقد لاحظت مؤشرات هذا المعنى. خصوصاً في الآراء التي طرحت باسم أحد التنظيمات.
حسناً، اعتقد أن جلسة اليوم كانت جيدة جداً، و أشكر الله على ذلك. كما أشكر الذين جاءوا و تحدثوا هنا من بنين و بنات.. كلماتهم كانت جيدة جداً. و لدي بعض النقاط و الملاحظات سأذكرها حسب ما يسمح به الوقت، بيد أن الأهم من كل الملاحظات هو أنكم شباب و قلوبكم طاهرة نقية و غير ملوثة. و لا يمكنكم الآن إدراك أعماق هذا الكلام و ما معنى عدم التلوث، و أين تكمن مشكلة القلوب الملوثة. أنتم الشباب لن تدركوا الآن أو في المستقبل القريب هذا المعنى، لكنكم حين تصلون إلى أعمارنا ستدركون المشاكل و القيود و تعلمون كم هو قيّم و ثمين نقاء الفؤاد في عهد الشباب، و هو شيء لا يعود و لا يستردّ.
هذه رصيد متوفر لكم الآن. أريد أن أقول إربطوا هذا القلب الطاهر الزلال ما استطعتم بينبوع العظمة و مصدر الحقيقة و معدن الجمال، أي الذات المقدسة للباري تعالى، و قرّبوه منها. فإذا توفقتم في هذا عشتم حياةً سعيدة إلى آخر أعماركم. و إذا لم توفقوا الآن كان الأمر أصعب عليكم بعد عشرين سنة. و بعد عشرين سنة حينما تكون أعماركم في الأربعين أو الخامسة و الأربعين، إذا لم توفقوا في هذا الشأن سيكون الأمر أصعب كثيراً كثيراً بعد عشرين سنة أي في عمرٍ هو أقل من عمري الآن. سيكون الأمر عسيراً و صعباً جداً. لا أنه مستحيل لكنه صعب. اربطوا القلوب بالله الآن. و السبيل إلى ذلك مُشرع في الشرع المقدس و ليس بالعملية الغامضة المعقدة. تنظرون إلى قمة الجبل من أسفله فترون البعض يقفون هناك، و هم طبعاً لم يفتحوا أجنحة و يحلقوا بها إلى تلك الأعالي، لا، إنما ساروا في الطريق المفتوح الآن أمامكم أيضاً و وصلوا إلى هناك. يجب أن لا نقع في الأوهام و لا نتصور أن بالإمكان الوصول إلى القمم بحركات غير عادية و غير مألوفة، لا، الذين تشاهدونهم على تلك القمم إنما ساروا في هذه الطريق. فما هي هذه الطرق؟ بالدرجة الأولى ترك المعاصي. التحدث بهذا المعنى سهل، لكن العمل به صعب. و لكن لا مفرّ منه. عدم الكذب، عدم الخيانة، تحاشي أنواع الزلل الجنسي و الشهواني، تجنّب الذنوب. هذه هي المخاطر الأهم. و من بعد ترك المعاصي يأتي الدور لأداء الواجبات، و الأهم من كل الواجبات الصلاة. »و أعلم أنّ كل شيء من عملك تبعٌ لصلاتك«.(1) كل أعمال الإنسان تابعة للصلاة. أدوا الصلاة في أوقاتها. أدوها بتوجّه إلى الله و حضور قلب. حضور القلب أن تعلموا أنكم تتحدثون مع أحد، تعلمون أن لكم مخاطباً و مستمعاً تتحدثون معه. إذا مرّنتم أنفسكم على هذه الحالة، و إذا استطعتم إيجاد هذا التركيز فستبقى هذه الحالة لكم إلى آخر أعماركم. و إذا لم تستطيعوا ذلك الآن - كما سبق أن قلت - سيكون الأمر أصعب بعد عشرين سنة، و أصعب أيضاً بعد عشرين سنة، و من بعد ذلك سيكون الأمر أصعب بكثير كثير إذا لم يسبق للمرء أن فعله. عوِّدوا أنفسكم من الآن على إيجاد حالة التركيز هذه عند أداء الصلاة. و عندها ستكون صلاتكم تلك الصلاة التي »... تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَ الْمُنكَرِ... «.(2) إنها تنهاكم و ليس معنى ذلك أنها تضع حاجزاً أمامكم يحول بينكم و بين الذنب، لا، إنما تقول لكم دوماً: لا تذنب. حسناً، عندما يُقال للمرء عدة مرات في اليوم من أعماق قلبه: لا تذنب.. فعندها سوف لن يذنب. هذه هي الصلاة.
و صيام شهر رمضان مغتنم جداً. مقارعة الجوع و العطش و الحر و الصعوبات التي يواجهها الإنسان. الأنس بقراءة القرآن، و بنهج البلاغة، و بالصحيفة السجادية، و بالأدعية، و النوافل، و صلاة الليل، و كل ما تستطيعون فعله بعد ذلك.
اعرفوا قدر هذه القلوب النورانية الطاهرة التي تمتلكونها. لا أريد أن أقول هذا لأرضيكم، لا، لستم وحدكم الشباب في العالم.. هذه سمة الشباب عموماً.. قلوبكم طاهرة. و لأن الأمر غير ممكن المقارنة بالنسبة لكم لذلك تعجزون عن الشعور به. القيود و المشاكل و الأغبرة و الوحول و الصدأ تغطي القلب بمرور الزمن. في الرواية أن الإنسان حينما يرتكب ذنباً تظهر نقطة سوداء في قلبه - و اللغة هنا لغة رمزية طبعاً - و إذا ارتكب ذنباً آخر أضيفت إلى قلبه نقطة سوداء ثانية.. و كلما زاد من الذنوب زادت هذه النقاط السوداء إلى أن يستغرق السوادُ القلبَ كله. و ما ذكرته هو ترجمة المفهوم العرفي لهذا المعنى. أي إن لكم الآن قلوباً و أرواحاً مستعدة، و بمرور الزمن تتكالب الذنوب و المشكلات و التعقيدات التي يمرّ بها الإنسان في مسيرة حياته - في السياسة، و الاقتصاد، و لقمة العيش، و الحصول على إمكانيات الحياة و متطلباتها - و إذا لم يكن الإنسان قد تدرّب في شبابه غلبته تلك التعقيدات و جعلت قلبه حالكاً. إذن، هذا هو كلامنا الأول و الرئيس. أنتم مثل أبنائي. إذا أردت تقديم خير الوصايا لأبنائي الصلبيين النسبيين لقلت لهم ما أقوله لكم الآن.
لاحظوا و دققوا أن معظم الزلات - و لا أقول كلها - التي تعترض المرء في ميادين الحياة المختلفة ناجمة عن عدم مراعاة هذه النقطة الرئيسية المهمة. حتى في ساحة الجهاد.. في معركة أحد - و أنتم على علم بما حدث - قصّر البعض و خلقوا فاجعة. إن لم تقرأوا أحداث معركة أحد فهي موجودة في كتب التاريخ، و لكم أن تقرأوها حتى لا أشرحها هنا. يقول القرآن عن هؤلاء: »إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ...«.(3) و معنى الآية هو أن الذين رأيتم كيف ولّوا الأعداء ظهورهم يوم معركة أحد و خلقوا تلك الفاجعة و تسببوا في استشهاد حمزة سيد الشهداء و بعض كبار الصحابة - إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا - إنما كانت زلتهم بسبب الشيطان، و ما فعلوه من قبل، أي إن ذنوبهم السابقة هي التي تسببت و مهّدت لفعلتهم هذه. و لدينا العديد من قبيل هذه الآية في القرآن الكريم. عدم تجنبنا للذنب يترك تأثيره في إدارة البلد. إذا كنا مسؤولين عن إدارة قطاع معين، و إذا سرنا إلى ساحة الحرب، و إذا دخلنا في اختبار مالي أو اقتصادي، فإن الذنوب ستترك تأثيرها في كل هذه الميادين. هذا هو إذن كلامنا الأصلي. خلاصته أن اعرفوا قدر الشباب. و معنى ذلك أن تعرفوا قدر القلوب الطاهرة و تتقربوا إلى الله أكثر. و السبيل إلى ذلك ترك المعاصي و الاهتمام بالصلاة، و من بعد الصلاة الواجبة يأتي الدور للتوجّه إلى الله الذي ذكرته ثم كل ما تستطيعون من المستحبات و الأدعية و سائر الأعمال. و سوف يفتح الله تعالى السبل إن شاء الله.
ثمة نقاط سجلتها هنا لأذكرها لكم، لكن الأسئلة التي طرحتموها و الموضوعات التي ذكرتموها كانت موضوعات مهمة. و لا بأس أن أذكر بعض النقاط حولها.
كان من الأسئلة: هل بوسع الحركة الطلابية الجامعية أن تطرح الأسئلة في المواطن التي تجد أن فيها بعض الإشكالات و المؤاخذات؟ و الجواب: نعم يجب أن تطرحوا الأسئلة. ليس ثمة مشكلة في طرحكم الأسئلة شريطة أن لا تصدروا الأحكام كما قال أخونا هذا، و لكن اطرحوا الأسئلة. و أفضل أسلوب للأسئلة و الأجوبة هو أن يأتي المسؤولون و يحضروا في المجاميع الطلابية و الجامعية. إنني أطلب من المسؤولين هنا أن يكثروا من لقاءاتهم الجامعية مع الطلبة. هؤلاء هم خيرة شرائح البلد اليوم.. شباب، و متعلمون، و مثقفون، و فاهمون، و متحفزون.. ليذهب المسؤولون و يشاركوا في هذه اللقاءات. لتطرح هذه الأسئلة و احتمل أن يسمعوا إجابات مقنعة لأسئلتهم، كما أنني أحمل أحياناً بعض هذه الأسئلة أو ما شاكلها حين ألتقي بالمسؤولين. إنهم سيجيبون على كل حال، و قد يقنع الإنسان أحياناً و قد لا يكون لديهم إجابات مقنعة في بعض الأحيان. مهما يكن فطرح الأسئلة شيء جيد. و دققوا في أن لا تخلطوا بين طرح الأسئلة و المعارضة. الشيء الذي سبق أن قلته مراراً و أقوله الآن هو أن التيارات الطلابية الجامعية أو الحركة الطلابية أو أي اسم آخر تحمله يجب أن لا تتصور أن واجبها معارضة الأجهزة التي تتولى الأمور و تتصدى لإدارة البلاد، لا، هذا خطأ. و ما الضرورة لذلك؟ ليست المعارضة ممارسة صحيحة دوماً. قد تكون صحيحة في موضع و غير صحيحة في موضع آخر. المهم أن تطرحوا كلامكم و آراءكم و أدلتكم و تطالبوا بإجابات مقنعة، و على المسؤولين و المدراء تقديم الإجابات.
السؤال الآخر هو أن البعض يقولون الوحدة و البعض يقولون الخلوص و النقاء، فماذا تقول أنت؟ أنا أقول كلاهما. الخلوص الذي طرحتموه - إننا يجب أن نستثمر الفرصة و نغربل و نخرج عن الدائرة غيرَ المخلصين - ليس شيئاً ممكن التحقيق بالشجار و التوتر و الإمساك بتلابيب هذا و ذاك و بالحركات العنيفة و الضغوط.. الخلوص و النقاء في المنظومة لا يتحقق بهذه الطريقة، و لسنا مكلفين بمثل هذا. في صدر الإسلام كان البعض مع الرسول الأكرم (ص)، كان سلمان، و أبوذر، و أبىّ من كعب، و عمار، و فلان، و فلان، كان هؤلاء من الدرجة الأولى و الأكثر إخلاصاً و نقاءً. و كان هناك جماعة أخرى أدنى منهم درجة. و كان هناك جماعة قد ينهرهم الرسول أحياناً. لو افترضنا أن الرسول أراد تحقيق النقاد في ذلك المجتمع المكوّن من الآلاف - و عملية النقية في ذلك المجتمع أسهل بكثير منها في مجتمع من سبعين مليوناً - فماذا كان سيفعل؟ و مَن كان سيبقى له؟ الذي يرتكب ذنباً واحداً عليه أن يغادر، و الذي يسمع زجراً يجب أن يغادر، و الذي يستجيز الرسول في غير الوقت المناسب يجب أن يغادر، و الذي يؤخر زكاته قليلاً يجب أن يغادر، إذن، لن يبقى أحد. و كذا الحال اليوم أيضاً. لا يمكن أن تخرجوا الأشخاص ذوي الإيمان الضعيف من الدائرة بذريعة أننا نريد التنقية و طرد عدم الخلّص، لا، حاولوا ما استطعتم توسيع دائرة الخلّص من خلال تكثير عدد الخلّص في المجتمع.. هذا هو الجيد. و أبدأوا من أنفسكم. الأجواء المحيطة بكم، و عوائلكم، و أصدقائكم، و تنظيماتكم، و خارج تنظيماتكم. حاولوا ما استطعتم رفع مستوى الخلوص و النقاء الفردي و الجمعي داخل إطار تنظيماتكم، و ستكون النتيجة ارتفاع درجة الخلوص في مجتمعكم. هذا هو طريق الخلوص و النقاء.
و حين قلتُ الوحدة - ثم طرحت أسئلة أخرى في هذا المجال - قصدتُ الوحدة على أساس الأصول و المبادئ. إذن، الوحدة مع مَن؟ مع الشخص الذي يوافق هذه الأصول. بمقدار ما يوافق هذه الأصول و يتبناها سوف نرتبط و نتصل به، و ستكون هذه هي الولاية بين المؤمنين. الشخص الذي يرفض الأصول و يظهر عليه أنه لا يقبل هذه الأصول أو يصرِّح بأنه لا يقبل هذه الأصول سيكون خارج هذه الدائرة بشكل طبيعي. إذن، على أساس هذا التفصيل و الإيضاح الذي عرضناه، نحن أنصارٌ للوحدة و أنصار للخلوص و النقاء في نفس الوقت.
و كان ثمة سؤال في ثنايا الكلام. و قد سمعت هذا السؤال في مواطن أخرى. يقولون هل يجب علينا نحن أيضاً اتخاذ مواقفنا كالقائد أم لا؟ للقائد تكليفه و واجبه و نحن لنا تكاليف و واجبات أخرى. لاحظوا.. لا يظننّ أحد أن للقائد رأي بخلاف ما يطرحه من آراء رسمية، و يذكره في الخفاء لبعض الخواص و الخلّص حتى ينفذوه؛ ليس ثمة مثل هذا الشيء على الإطلاق. إذا تصوّر أحد مثل هذا الشيء فهو مخطئ، و إذا نَسَبَ أحدٌ مثل هذه الآراء و المواقف للقيادة يكون قد ارتكب ذنباً كبيراً. آراء القيادة و مواقفها هي نفسها هذه التي تُعلن صراحة.. نفس هذه الآراء و المواقف التي أعلنها أنا صراحة.
قبل سنوات حينما وقع حادث قتل و أثار الأعداء الضجيج و راحوا يطبّلون و يقولون لقد كان لديهم فتوى و أوامر، و أرادوا جرَّ القيادة بشكل من الأشكال، قلتُ في صلاة الجمعة: إنني إذا اعتقدتُ يوماً ما بشيء و بأن شخصاً من الأشخاص يجب قتله فسوف أقول ذلك علانية في صلاة الجمعة. ليس من الجائز و لا من المناسب وجود مواقف أخرى غير تلك التي يعلنها القائد بصورة علنية و صريحة باعتبارها مواقفه، لا، إنما المواقف هذه التي أعلنها و أقولها.
طبعاً، قد تكون طريقة صيامكم تختلف بعض الشيء عن صيامي، و صلاتكم عن صلاتي.. أنتم شباب و طلبة جامعات، و أنشطتكم الدينية و الاجتماعية شبابية، و تختلف بطبيعة الحال عن سلوك المسنّين. لا يمكن تجاهل هذه الفروق الطبيعية القاهرة.
أثيرت أيضاً قضية صيانة النظام و الحفاظ عليه. اعتقد - كما قلت - أن الحفاظ على النظام واجب و أوجب من كل الأمور. و للنظام حدوده المشخصة و أحد هذه الحدود هو الحد الأخلاقي و الثقافي، و لا شك في أنه يجب الحفاظ على هذا الحد.
و ذكرت عدة نقاط حول المرجعية العلمية و لوازمها، و هي نقاط صحيحة. أرجو من المسؤولين أن يتنبهوا و يسجلوا هذه النقاط و الأفكار.
و أثير إشكال فحواه لماذا لا توزع البضائع الثقافة المناسبة بعدالة. و هذا إشكالنا نحن أيضاً، و هو صحيح تماماً. البضائع الثقافية التي ننتجها ليست جيدة. مع أن لدينا فنانين جيدين، و كتاباً جيدين، و ممثلين جيدين، بيد أن النتاجات الملائمة لمطامحنا الثقافية قليلة. من الضروري للمدراء الثقافيين العمل في هذا المجال أكثر. طبعاً تعلمون أن مثل هذه الأعمال لا تنجز بين ليلة و ضحاها. أي إننا لا نستطيع أن نقول: لننتج بضائع ثقافية و يذهبون الآن و يأتون بعد ستة أشهر أو سنة و معهم عشرة أفلام ثورية ثقافية إسلامية، أو عشرون فيلماً أو أكثر أو أقل. هذه أمور تحتاج إلى بنى تحتية كالبنى التحتية الطبيعية، و ما لم تتوفر هذه البنى التحتية لن تنجز الأعمال. و بعض هذه البنى التحتية غير متوفرة بشكل كامل و يجب توفيرها بمرور الوقت من قبل الحكومات المتتالية و على يد المسؤولين في قطاعات شتى. بل إن بعض هذه البنى التحتية جرى تخريبها في بعض الفترات! في بعض الفترات لم يجر تشييد هذه البنى التحتية العقيدية و الثقافية، و ليس هذا و حسب، بل و جرى تخريبها! و ينبغي الآن العمل و الترميم. لكن الإشكال وارد. و أنا أيضاً أحمل هذا الإشكال على الإذاعة و التلفزيون، و على وزارة الإرشاد، و على منظمة الإعلام و القسم الفني. لدينا اجتماعات مع هؤلاء، و أجلس أنا و أناقش و أدلي بأدلتي، أي إنني مضطر للأسف للقيام ببعض الأعمال التي تقع على عاتق المسؤولين التنفيذيين. قبل فترة كانت لي اجتماعات عديدة مع المسؤولين الثقافيين حول القضايا الفنية و السينمائية و الفنون المسرحية و ما إلى ذلك. جلسنا و تناقشنا و تكلمنا، و نتمنى أن تصل الأمور إلى نتائج جيدة إن شاء الله. على كل حال مطلبكم هذا مطلب صحيح.
ذكر أحد السادة نقطة حول خصخصة الثقافة و الصحة و اعتقد أنها أيضاً نقطة صحيحة. الخصخصة قضية تتعلق بالشركات التابعة للمادة 44، و لها طبعاً تعريفها المحدد. و نعتقد أن القضايا الثقافية و الصحية و ما إلى ذلك غير مشمولة بالخصخصة. و قد ذكر لي المسؤولون المعنيون بعض الحالات. نعتقد أن هذا الإشكال وارد، و ينبغي التنبّه له و أخذه بعين الاعتبار. السياسات الخارجية و تصدير الثورة عن طريق الطلبة الجامعيين أمر جيد بدوره. لا نقول إنه عمل لا فائدة منه، لا، له فوائده دون شك، و لكن تنبهوا إلى أن هناك أعمالاً كثيرة تجري الآن في هذا الإطار. على صعيد التواصل مع المسلمين و مع الشعوب في آسيا، و أفريقيا، و أمريكا اللاتينية كالبرازيل و بلدان أخرى، في لبنان، و العرب، و الشيعة، و المسلمين، تجري الكثير من الأعمال. و الأعمال التي تجري غير معروفة إلى حد ما بالنسبة لكم أيها الشباب الأعزاء، و لكن نعتقد أنه لا ضير في ذلك، و هو عمل جيد إذا تم تنفيذه بشكل مدروس و مبرمج.
ذكروا ملاحظات أيضاً حول التمييز، و كتبت بين قوسين هنا أن الإشكال وارد. بعض الإشكالات واردة حقاً.
و طرحت أحاديث حول أسباب هروب الأدمغة. قالت إحدى السيدات إننا حين نتصل بالنخبة يقولون هذه هي أسباب خروجنا: مثلاً لا تحصل في الداخل الأعمال التي يجب أن تحصل، و تحصل أمور يجب أن لا تحصل. إنني لا أرفض هذا الكلام.. قد تكون هذه الإشكالات واردة فعلاً، بيد أن النخبة الذي يخرج من البلاد خلال فترة دراسته الجامعية أو بعد تخرجه ليست هذه هي أسباب خروجه في معظم الحالات. هذه ذرائع. يوجد هناك من يغرون و يجتذبون و يزينون للطلبة الجامعيين الظروف المواتية التي تنتظرهم هناك، فيتصور الطالب الجامعي أنه إذا ذهب إلى هناك فسيصبح كذا و كذا. و قد تكون هناك فعلاً أجهزة حكومية في الخارج لها أهدافها في محاربة الجمهورية الإسلامية علاوة على أهدافها الخاصة في ما يتعلق بالعلوم و المواهب الشابة، لذلك يستثمرون في هذا المجال و يأخذون النخب إليهم. و الذين يذهبون إلى هناك يتوفق بعضهم و لا يتوفق البعض الآخر، بل تصيبهم خيبة أمل و يندمون.. ثمة من هذا القبيل أيضاً. و من جانب آخر لدينا شباب توجهوا إلى الخارج للدراسة بعيداً عن قضية هروب الأدمغة، و ارتقوا إلى مدارج علمية جيدة جداً، لكن إيمانهم و محفزاتهم الدينية و الإسلامية و دوافعهم السليمة أعادتهم إلى داخل البلد. لا يتلخص الأمر بحركة الأدمغة من هنا إلى هناك، بل يوجد شباب توجهوا إلى الخارج للدراسة و هم آخذون في العودة. نعرف بعض الأشخاص و منهم نوابغ و ممتازون و نخبة يعودون إلى الوطن و يعملون و يخدمون. ليست القضية كلها أن البعض يتركون البلاد و يذهبون، لا، بل هناك من الذين غادروا إلى الخارج يعودون و تتوفر لهم الإمكانيات و العمل.
ذكر أحد الأصدقاء قضية الهجوم على الحي الجامعي. لقد تابعت هذه القضية و أتابعها. نعم، كانت القضية تسير ببطء و لم تتقدم كثيراً، و يجب أن تتقدم و سوف تتقدم إن شاء الله، و لكن لا تتصوروا أنها قضية قد نسيت، لا، لم تنس هذه القضية. المشكلات كثيرة و الأعمال كثيرة. و قد لا تكون لبعض الأجهزة حوافز قوية على التعاون في هذا المجال، لذلك تسير الأمور ببطء، لكنها سوف تتقدم إن شاء الله.
يقال إن هناك تعاملاً أمنياً و انضباطياً في الجامعات. أنا لا أدري أية تصرفات أمنية و انضباطية شديدة حصلت في الجامعات، لكنني أدري أن الانضباط بالتالي ضروري في الجامعات. و لا أدري هل حصل في حين من الأحيان تشدد بمقدار ما في باب تكريس الأنضباط - ربما حصل - لكن الانضباط ضروري على كل حال، و الأمن ضروري. لا يمكن ترك البيئة الجامعية لحالها. البيئة الجامعية مستهدفة بالكثير من مؤامرات الأعداء. اعلموا ايها الطلبة الجامعيون أنكم تقعون داخل تلك الدائرة الحمراء المستهدفة. في بعض الصور أو الأفلام حينما يريدون تشخيص منطقة أو نقطة معينة يضعون حولها دائرة حمراء. و قد وضعكم العدو داخل الدائرة الحمراء أيها الطلبة الجامعيون. بل إن الكثير من خططه مُعدّة لكم، لأجل إيقاعكم في الزلل و الانحراف و اللاأبالية و عدم الاكتراث لمصير البلاد و مصالح الثورة. كيف يمكن غض الطرف عن الجامعات و عدم التفكير فيها؟ ينبغي الاهتمام بها على كل حال. نعم، نعتقد أن التطرف و الإسراف في أي شيء حالة غير جيدة، و من ذلك التطرف و الإسراف في هذا المجال.
قال أحد الأعزاء يجب أن لا تكون الأفكار و العلوم شيئاً تكليفياً رسمياً مفروضاً. و أنا لا عهد لي بمثل هذا الشيء. ليست الأفكار و لا العلوم رسمية في مجتمعنا. يجب أن يشخصوا أين و متى كانت الأفكار أو العلوم رسمية مقننة. أنا أحد الذين يكافحون هذه الحالة. إننا نناصر التفكير الحر. و أقول لكم طبعاً، التفكير الحر ليس مكانه في التلفاز، إنما في الجلسات التخصصية. تعقدون مثلاً جلسة تخصصية طلابية حول القضية السياسية الفلانية و يجتمع شخصان أو خمسة أشخاص أو عشرة أشخاص هناك و يتناقشون. هذا هو التفكير الحر. كذلك الحال بالنسبة للنقاش حول المعارف الإسلامية، و كذلك بالنسبة للنقاش حول المدارس العالمية المختلفة. و كذلك بالنسبة للنقاش حول قضية علمية معينة. إذن، الجلسة يجب أن تكون جلسة تخصصية. و إلا إذا تناقش شخصان في الجلسات العامة و في الإذاعة و التلفزيون فلن يتفوّق الذي معه الحق بالضرورة، إنما يتفوّق الذي يمتلك أدوات القضية أكثر و يستطيع أن يمثّل أحسن، و القضية هنا كقضية صورة الأفعى و اسم الأفعى. قال: أي هذين أفعى؟ فأشار الناس إلى صورة الأفعى و قالوا: واضح أن هذا هو الأفعى. عليه يجب أن يكون هناك تحرر فكري ملائم لكل قضية في الجلسات التخصصية. الأجواء العامة ليست مكان هذه النقاشات و المناظرات. و ليس معنى هذا أنها أمر مفروض، لا، تطرح بالتالي الأفكار الحقة »ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...«.(4) لماذا هذه الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي أحسن؟ »ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ«. أي إن مسألة الدعوة إلى الله مبدأ موضوعي مسبق. و كذا الحال بالنسبة لكل شيء. الدعوة يجب أن تتم بلغة صحيحة و سليمة، و لكن يجب أن يكون اتجاه الدعوة معلوماً. لا معنى لأن يترك الإنسانُ اتجاهَ الدعوة حراً. فهذا سيؤدي إلى ضلال الناس. و الذي يجب هو هداية الناس. ألا تقولون إن الحكومات مسؤولة عن هداية الرأي العام؟
على كل حال كانت نقطة جيدة ذكرت. لقد أثار الأعزاء نقاطاً جيدة و الحق يذكر. قال أحد الأعزاء إن قلوبنا دامية من المحيطين برئيس الجمهورية. لا قدّر الله أن تكون قلوبكم دامية، لكنني أقول لكم ليست هذه من القضايا الأصلية المصيرية. قد تكون بعض الإشكالات و المؤاخذات واردة - لا أريد إصدار أية أحكام أو تقييمات في هذا الباب - و قد يكون للبعض مؤاخذاتهم على شخص أو عمل معين، و لكن يجب أن نتفطن و لا نخلط بين القضايا الفرعية و الأصلية. يجب أن لا تحتل قضايا الدرجة الثانية مكان قضايا الدرجة الأولى في تحفزنا و هممنا و طاقاتنا. هذا ما أريد أن أقوله فقط، و إلا لا اعتراض عليكم على حبكم لزيد أو عمرو و لا على عدم حبكم لزيد أو عمرو. لا، قد تحبونهم و قد تكرهونهم - لا إشكال في ذلك - و لا اعتراض على مؤاخذتكم هذه إذا طرحتموها بعض الأحيان بطريقة تخلو من المفسدة. هذا أيضاً لا إشكال فيه برأيي. و لكن دققوا فقط أن لا تحتل هذه القضايا مكان القضايا الأصلية. قضايانا الأصلية شيء آخر.
أثيرت قضية تأميم الاقتصاد و المادة 44 و ما شاكل. يدعي السادة أنهم ينفذون المادة 44 بطريقة جيدة. طبعاً ثمة مخالفون يعارضون - سواء في المجلس أو في غير المجلس - و يقولون إن المادة 44 لم تطبق بنحو جيد. لكن مسؤولي الأجهزة أنفسهم يقولون لا، إننا نعمل على تنفيذها بشكل جيد. اعتقد أن هذا أيضاً من الأسئلة التي يجدر أن تطرح و يأتي المسؤولون في المحافل الطلابية الجامعية و يذكروا للطلبة إن كانوا قد قاموا بشيء فعلاً، و يحاولوا إقناع أذهان الشباب، و إذا لم يستطيعوا إقناعهم فليعيدوا النظر في أعمالهم على كل حال.
أشكلتم على الإذاعة و التلفزيون و إشكالكم وارد. أشكلتم على علنية الخلافات بين المسؤولين و إشكالكم وارد. أنا أيضاً لدي نفس هذا الإشكال على السادة و قد ذكرت هذا الإشكال لهم و عاتبتهم و أبديت استيائي.
طرحتم قضية التجمع أمام مجلس الشورى، و أنا طبعاً لا أبدي أي رأي في هذا الخصوص، لكني أقول فقط إنكم تكثرون العتاب على المسؤولين لأنهم لا يتقبلون النقد. طيب، تقبلوا النقد أنتم أيضاً! ليس تقبل النقد شيئاً خاصاً بالمسؤولين. إذا كانت هناك نقود على الطالب الجامعي فيجب أن يتقبّل النقد. جاء عدد كبير مقابل المجلس و رفعوا شعارات و لم تكن شعاراتهم سيئة، لكن البعض اطلقوا شعارات شديدة. لا أقول طبعاً أن أولئك أناس سيئون منحرفون، لا، لكنهم تشددوا و تطرفوا على كل حال و هم شباب. و لكن إذا كنتم تعتقدون أنتم أيضاً أن تلك الشعارات متطرفة و زائدة فكان الحق أن لا تقبلوها. يجب أن لا نعارض كل من ينتقد الطلبة الجامعيين. قد تكون بعض النقود واردةً فيكم فتقبلوها.
قالوا لنعمل على مسألة الولاية، شيء جيد جداً. و قد أدلوا بإيضاح حول مسألة (ضيافة الفكر) سرّني كثيراً. و أرحب كذلك بقولهم إنه تم إعداد خارطة علمية شاملة للبلاد تختلف عن الخارطة الموجودة. يجب أن يوصلوا لنا هذه الخارطة بالتأكيد. سوف يسجل مكتب علاقاتنا الجماهيرية إن شاء الله اسم هذا السيد و يأخذ الخارطة منه. و المخيمات الطلابية الجامعية بدورها شيء جيد جداً، و أوافق اللقاء أيضاً.
لقد سجّلت هنا بعض النقاط لكن الوقت قليل للأسف. لكنني أقول: إحذروا في التنظيمات الطلابية الجامعية من أن يؤدي اختلاف الأذواق إلى الانشقاق في داخلها أو إلى المماحكات و الصدامات مع غيرها من التنظيمات في الخارج. هذه من المصاديق البارزة للوحدة التي نوصي بها و ندعوا إليها. الشيء الذي يفصل بين الأشخاص أو يقربهم إلى بعضهم هو الأصول و المباني المعرفية. حينما لا يكون ثمة اتفاق على هذه المباني فسوف يفصل ذلك بين الأشخاص، و لكن حين يكون هناك اتفاق على المبادئ و الأصول و المباني فسوف يربط هذا الاتفاق بين الأفراد و الشخوص. أما الأذواق فلأن لكلٍّ ذوقه، أحدهم طالب هندسة، و الآخر طالب فن، و الثالث طالب طب - هذه ثلاثة أذواق - و في كل واحد منها أطياف واسعة من الأذواق و الميول المختلفة. أحدهم يعجبه شيء، و الآخر لا يعجبه.. لا تجعلوا هذه الأشياء سبباً للانفصال فيما بينكم. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية في رأيي.
النقطة الثانية: في القضايا ذات الصلة بمصير البلاد يجب أن يكون لكم بالتأكيد موقفكم و تحليلكم. بيان طهران كان قضية مهمة، فما هو تحليلكم لبيان طهران؟ و ما هو موقفكم؟ هل توافقونه؟ أم تعارضونه؟ صدر قرار مجلس الأمن رقم 1929 ضد الجمهورية الإسلامية، أو الحظر الأحادي الجانب لأمريكا و أوربا ضد إيران، فما هو تحليلكم لهذه القضية؟ هذه ليست بالقضية الصغيرة. ما هو موقفكم منها؟ و ما الذي يجب أن تفعله إيران؟ لأنهم يقطبون حواجبهم و يفرضون الحظر و يكشرون عن أنيابهم يجب أن نرفع أيدينا أمامهم؟ أم نتنازل بعض الشي؟ هل هذا هو تحليلكم؟ في داخل بلادنا ثمة جماعة سياسية هذا هو تحليلها. يقولون حينما يبدي الطرف الآخر وجهاً عبوساً قمطريراً بشدة فعليكم التراجع! طيّب، هل توافقون هذا الرأي؟ هل نتراجع؟ أم لا، تعتقدون أن أي تراجع سوف يشجع الطرف الآخر. بمجرد أن رأوا أنكم خفتم من وجوههم المكفهرّة و تقطيبهم سيقولون: إذن علينا التقطيب، فعلاج هؤلاء هو التقطيب. بمجرد أن يجدوا أن التهديد بالضرب أو الضرب نفسه يفرض عليكم التراجع، سيقولون لنضربهم أكثر حتى يتراجعوا عن كل كلامهم. هكذا هو الجانب الآخر، و هذه هي الحسابات في العالم.
النقطة الأخرى التي أردت تذكيركم بها أيها الأعزاء هي: أيها الإخوة و الأخوات، انظروا لتعزيز المباني المعرفية بجد. طبعاً، حينما أنظر اليوم أجد أن الاهتمام بالمباني المعرفية بين الطلبة الجامعيين قد تعزز و تكرس بالمقارنة إلى ما قبل سبعة أو ثمانية أعوام حينما كانت جلسات شهر رمضان تنعقد هنا و يأتي الأعزاء و يتحدثوا. و بعض الآراء و التصريحات التي تطرحونها تدل على قوة هذه المباني في الأذهان. هذا ما يفهمه الإنسان، لكن على مجموعة التنظيمات أن تهتم اهتماماً جدياً بتعزيز المباني المعرفية حتى تنتشر هذه المباني من التنظيمات إلى خارجها و تتفشى بين كل الطبة الجامعيين. تقوية المباني المعرفية أمر ضروري جداً. ضعف هذه المباني يسبب أضراراً كبيرة للمنظومة الطلابية في البلاد و لكل التنظيمات.
النقطة الأخرى هي أن على كافة التنظيمات تعزيز ارتباطها بعموم الطلبة الجامعيين. اعتقد أنكم يجب أن لا تغفلوا عن عموم الطلبة الجامعيين. قالوا إن مخيمات الضيافة هذه تقام، و هذا شيء جيد. هذه من سبل التواصل مع عموم الطلبة الجامعيين. لكني اعتقد أن التواصل مع عموم الطلبة الجامعيين و كذلك التواصل مع الأساتذة المتدينين أمر مهم على امتداد السنة و في المناسبات المختلفة.
و تحدثت اثنتان من السيدات هنا حول العلوم الإنسانية. و هو حديث صحيح. و الإشكالات واردة. هذا هو كلامنا. هذا ما أصبو إليه و قد طرحته قبل سنة أو سنتين. طبعاً ما قلناه نحن معناه أن يسعى الأساتذة و الخبراء و الباحثون و المحققون إلى تدوين علوم إنسانية تتطابق مع المباني الإسلامية. أي علوم إنسانية غير مبتنية على أساس الفلسفات المادية الخاطئة المغلوطة، كما هي العلوم الإنسانية الغربية اليوم. إذا كانت العلوم السياسية أو الاقتصادية أو الفلسفة أو الإدارة أو غيرها من العلوم الإنسانية قائمةً على الرؤية المادية للعالم و مبنيةً على القيم المادية فلن نستطيع بالطبع تلبية احتياجات و متطلبات و مُثُل مجتمع مسلم مؤمن بالمعارف الإسلامية.
و أقول في الخاتمة كلمة لكم أيها الإخوة و الأخوات. اعلموا يا أعزائي أن وتيرة التقدم في البلاد و على مختلف الصعد وتيرة جيدة و إيجابية لحسن الحظ. و مسيرة العدالة أيضاً جيدة. لقد سمّي هذا العقد عقد التقدم و العدالة. و حين نقول التقدم نقصد التقدم العلمي و التقني و السياسي و الأخلاقي.. نقصد كل هذه المجالات. يتم إنجاز أعمال جيدة.. على الأقل يجري توفير البنى التحتية للمشاريع و القفزات الكبيرة. و بخصوص العدالة فإن هذه الفكرة آخذة بالأنتشار و الشياع على الأقل. بمعنى أن الجميع يعتقدون أنه لا بد من السعي لتحقيق العدالة و تطبيقها. و تنفيذ هذه المطامح و نقلها إلى حيّز التطبيق - و قد كانت هناك إشارات لذلك في أحاديث الأعزاء - هذا بحد ذاته تقدم. و هذا لا يعني بالطبع أننا قانعون بهذا القدر من التقدم في مضمار العدالة، لا، المطامح و الهمم عالية جداً.. لكننا نريد أن نقول لكم إننا نتقدم إلى الأمام. و مؤشر أعدائنا نحو الانحدار و الضعف، و مؤشرنا نحو القوة و الرقي. النظام الطاغوتي الرأسمالي المعتدي الظالم في العالم - و مظهره نظام الولايات المتحدة الأمريكية - أضعف اليوم بكثير مما كان عليه قبل عشرة أعوام و عشرين عاماً. و في المقابل، فإن الفكر الإسلامي و نظام الجمهورية الإسلامية أقوى اليوم بكثير مما كان عليه قبل عشرة أعوام و عشرين عاماً، و أكثر تقدماً و جاهزية.
و شبابنا اليوم أيضاً أفضل مما كان عليه الوضع قبل عشرة أعوام و أكثر جاهزية و استعداداً بكثير. الشباب المؤمن قبل عشرة أعوام يعملون اليوم في الكثير من مجالات الحياة. و عليكم أنتم أيضاً إن شاء الله أن تعملوا في المستقبل في شتى ميادين البلد و أصعدته. أعدّوا أنفسكم للامتحانات الصعبة. إننا نتقدم إلى الأمام. هذه الأعوام الإحدى و الثلاثون أو الاثنان و الثلاثون التي تصرّمت من عمر نظام الجمهورية الإسلامية كانت أعواماً من التقدم إلى الأمام على الرغم من العداء الذي أبداه الأعداء. أعداؤنا اليوم ليسوا أقوياء بمقدار ما كانوا عليه قبل ثلاثين سنة. أمريكا حالياً ليست بنفس درجة قوتها التي كانت عليها قبل ثلاثين سنة. قلتُ يومها في جماعة المسؤولين و المدراء و هذه هي عقيدتي، و كل الدلائل و الشواهد تثبت ذلك.. أمريكا في حكومة ريغان كانت أقوى من أمريكا في عهد حكومة أوباما، و قبل أوباما بوش الصغير! هذا هو الواقع.. لقد ساروا نحو الضعف. و لا توجد أية مؤشرات على ارتفاع هذا الخط البياني مجدداً، بل على العكس توجد دلائل عديدة على ارتفاع مؤشر رقي الشعب الإيراني و النظام الإيراني و بوتائر سريعة إن شاء الله.
اللهم اشمل هذه القلوب المؤمنة و الشابة برحمتك و عنايتك. ربنا اجعل ما قلناه و سمعناه لك و في سبيلك و تقبله منا بكرمك. اللهم اجعل حياتنا لك و للإسلام و موتنا لك و للإسلام. ربنا لا تفصل بيننا و بين أوليائك و أحبائك و أصفيائك. أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر. أرضِ عنا الروح الطاهرة لإمامنا الجليل و الأرواح المطهرة لشهدائنا الأبرار. قرّب قلوب هؤلاء الإخوة و الأخوات الطلبة الجامعيين أكثر فأكثر باتجاه الاتحاد و في سبيل الحق و في سبيلك.
و السلام عليكم و رحمة الله.

الهوامش:
1 - نهج البلاغة، الخطبة 27.
2 - سورة العنكبوت، الآية 45.
3 - سورة آل عمران، الآية 155.
4 - سورة النحل، الآية 125.