بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك الميلاد السعيد للرسول الأعظم سيدنا محمد بن عبد الله (ص)، و كذلك الولادة السعيدة لحفيد ذلك الإنسان الكريم سيدنا جعفر بن محمد الصادق (عليه الصلاة و السلام)، أباركهما لكم أيها الحضور الأعزاء، و الضيوف الكرام في هذا الاجتماع، و كذلك لكل أبناء‌ الشعب الإيراني الكبير، و لكل الأمة الإسلامية، و لجميع طلاب الحق و الحرية في العالم.
ولادة النبي المكرم (ص) كانت بداية فجر زاهر في حياة البشرية. بهذه الولادة ظهرت البشائر الإلهية في ذلك العصر أمام أنظار الناس، حيث تساقطت قمم قصور الملوك الظلمة، و انطفأت النيران في معابد النار، و زالت المقدسات الخرافية التافهة بالقدرة الإلهية في مناطق مختلفة من العالم. كانت هذه الولادة مقدمة للبعثة، و كانت البعثة رحمة لكل العالمين. و قد قال تعالى: «و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (1). انتفع العالم برمّته من بركات هذا الوجود المقدس و سيبقى ينتفع. رقي البشر و التقدم العلمي و المعارف المتنوعة و الاكتشافات العظيمة في العالم ببركة ظهور نور الإسلام في تلك البرهة العجيبة من التاريخ. و هذه نعمة وضعت تحت تصرف البشرية. و لو كان للبشرية وعي أكبر و أكثر و معرفة أعمق، و لو عرفت الرسول الأكرم و الإسلام و أدركت رسالته لكانت صفحة التاريخ البشري اليوم صفحة أخرى. جهلنا نحن البشر و قصر نظرنا جعلنا نتأخر. لا شك أنه كلما تقدم التاريخ إلى الأمام، و كلما ازدادت معرفة البشرية و استيعابها لمزيد من الفهم كلما تجلت هذه الشمس المتلألأة أكثر، و ازداد الانتفاع من هذا النور الحياتي. و نحن اليوم نرى علامات ذلك.
العالم اليوم طفح به الكيل تحت الأعباء الثقيلة لما تفرضه عليه الحضارة المادية، و هو يبحث عن سبيل نجاة. ما تلاحظونه اليوم من صحوة إسلامية في بعض البلدان الإسلامية مثل مصر و تونس مؤشر و نموذج على نفاد صبر البشرية. حينما يتغلب الشياطين على حياة الناس - و شياطين الأنس أخطر من شياطين الجن - مستكبرو العالم الذين يتدخلون في حياة الناس الاجتماعية، و حياتهم الخصوصية، و في اقتصادهم، و في فهمهم و رؤاهم، و يجرونهم إلى طرق الضلال، تتعكر أجواء الحياة، و هذه الأجواء الثقيلة المظلمة لا تنسجم مع فطرة البشر فتصحو الفطرة البشرية بالتالي. هذا ما يحدث اليوم في العالم. و العالم الغربي الأسير لعجلات و هيمنة القوى المادية طفح به الكيل حالياً. نحن المسلمون لو كان بوسعنا تعريف الإسلام بصورة صحيحة و مطابقة سلوكنا مع الإسلام، ثقوا أن العالم سيميل ميلاً عاماً شاملاً نحو الإسلام. الضعف فينا و نحن أول من خاطبهم القرآن و رسالة الرسول، فيجب علينا إصلاح أنفسنا.
لقد استيقظت الشعوب اليوم ببركة الإسلام. يمكن للمرء أن يشاهد هذه الصحوة على مستوى العالم الإسلامي. الأثر الأول لهذه الصحوة هو إبداء الانزعاج من تواجد المستكبرين في هذه المنطقة. الأمريكان و السياسات الأمريكية تحاول بإعلامها الكثيف إبعاد نفسها عن مرمى سهام الحركة الشعبية العظيمة المشهودة اليوم في بعض البلدان الإسلامية، لكن هذا غير ممكن. هذه التحركات هي بالدرجة الأولى ضد الهيمنة الاستكبارية في هذه المنطقة. الشيء الذي أهان الشعوب هو هيمنة الاستكبار، و الشيء الذي أدى إلى أن لا تمدّ الشعوب المسلمة يد الأخوة لبعضها و لا تتفهم بعضها و لا تتكامل في طاقاتها و قواها فتشكل الأمة الإسلامية بالمعنى الحقيقي إنما هو دسائس الاستكبار و تدخلاته في هذه المنطقة. و هذا ما ينبغي إزالته. يجب أن تتحرر الشعوب و تنجو من تدخل الاستكبار و هيمنته. هذا هو مفتاح حل المشكلات في هذه المنطقة. مشكلات الناس و الشعوب و الحكومات - الحكومات البعيدة عن شعوبها - سببها تواجد القوى المستكبرة و على رأسها أمريكا. و علاج مشكلات هذه المنطقة يكمن في أن تصحو الشعوب و تصحو الحكومات و تبعد الشيطان الأكبر عن التدخل و التصرف في مصيرها.
سياسات أمريكا في منطقة الشرق الأوسط أدت إلى أن تعارض الشعوب حكوماتها، و تبتعد الشعوب عن الحكومات. إذا كانت الشعوب متواكبة مع الحكومات فلن تستطيع أية قوة الهيمنة على البلدان، و لن تستطيع أية قوة المقاومة أمام الشعوب. ما يحدث حالياً في بعض البلدان الإسلامية هو تواجد شعوب المنطقة في ساحة النضال و الكفاح. حينما تتواجد الشعوب في سوح النضال و الكفاح سوف تكلّ سيوف الأعداء و لن يستطيعوا فرض منطق القوة على الشعوب، و تسليط أفراد من المقربين إليهم و مرتزقتهم على الشعوب فيتعسفون مع الناس. حينما تتواجد الجماهير في الساحة سوف تتقوى ركائز الحكومات و دعائمها إذا كانت هذه الحكومات متواكبة مع شعوبها. هذا هو علاج مشكلات المنطقة.
الدولة الصهيونية المزيفة اليوم كالغدة السرطانية في هذه المنطقة تصيبها بالأمراض و الآفات. كل مساعي الاستكبار منصبة على حفظ هذه الغدة السرطانية في المنطقة. وجود هذه الغدة السرطانية في هذه المنطقة مبعث حروب و اختلافات و شقاقات و سياسات خاطئة في المنطقة. من أجل أن يحافظوا عليها و يكرسوا موقعهم في المنطقة يستخدمون كل قدراتهم. و هذا هو ما نشاهد اليوم آثاره و نتائجه، ألا و هو ردود أفعال الشعوب. حينما تصحو الشعوب فسوف لن تتحمل هذا الوضع.
نعتقد أن التحركات المشهودة في الوقت الراهن في بعض البلدان الإسلامية ردود أفعال الشعوب حيال المهانة الطويلة التي فرضتها القوى الاستكبارية عليها. و قد وجدت اليوم فرصة فنزلت إلى الساحة.
واجب علماء الدين و النخب السياسية و العلمية و الجامعية ثقيل جداً. الجماهير في تلك البلدان بحاجة اليوم لتوجيه النخبة و هدايتهم، سواء النخبة السياسية أو النخبة العلمية أو الجامعية أو الدينية. هناك واجبات جسيمة تقع على عواتقهم. يجب أن لا يسمحوا لأجهزة الاستكبار بما لها من وسائل متنوعة أن تصادر حركة الجماهير العظيمة هذه و تسرقها منهم. يجب أن يحذروا. يجب أن يوجهوا الجماهير نحو الأهداف السامية التي تعدّ الأهداف العليا لكل شعب من الشعوب. إذا حصل هذا فسيكون مستقبل هذه المنطقة مستقبلاً زاهراً، و سيكون مستقبل الأمة الإسلامية‌ مشرقاً.
عددنا في العالم مليار و نصف المليار نسمة، و نعيش في أكثر مناطق العالم حساسية من الناحية العسكرية، و من حيث المصادر الطبيعية‌ و الثروات الجوفية، لكن الآخرين يحكموننا و يقررون مصيرنا، و يتخذون القرارات بشأن نفطنا. الآخرون يتخذون القرار فيما يخص أنظمة الحكم في بلداننا. هذا وضع يجب أن يتغير و سيتغير بلا شك. و تلاحظ علامات و مؤشرات ذلك حالياً. هذه هي الصحوة الإسلامية ببركة الإسلام.
هكذا يربي الإسلام أتباعه: «و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله و رضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود» (2). هذه هي علامات الأمة الإسلامية. و هذه هي المعنوية التي في أنفسهم، و التوكل و التوجه إلى الله و التذكر و الخضوع مقابل الخالق. هذه هي ميزة تربية الإنسان المسلم المؤمن. الإسلام يربّي مثل هذا الإنسان.. خاضع مقابل الله تعالى، رحيم عطوف مع إخوانه في الإيمان، و الأخوة الإسلامية قائمة، لكنه في مقابل المستكبرين و الظالمين صامد شامخ كالجبل. «‌و مثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه» (3). هذه هي مراحل رشد الأمة الإسلامية، تنبت و ترشد و تترعرع و تستحكم. «يعجب الزراع» (4). يندهش له حتى الذين يعملون في هذا المجال. إنها يد القدرة الإلهية‌ التي ترشد البشر هكذا. «ليغيظ بهم الكفار» (5). العدو المستكبر حينما ينظر لهذا الإنسان المسلم المتربّي و المترعرع في أحضان الإسلام سيغضب طبعاً و ينزعج. يجب أن نعمل بهذه الطريقة. يجب أن نبني أنفسنا. و نطابق أنفسنا مع القرآن. أخلاقنا و سلوكنا مع أصدقائنا و مع معارضينا و مع معاندينا و مع المستكبرين يجب أن ننظمها مع تعاليم القرآن. لقد وعد الله تعالى الأفراد الذين يتحركون بهذه الطريقة أن يثيبهم و يؤجرهم. و هذا أجر في الدنيا و في الآخرة. في الدنيا لهم العزة‌ و التمتع بالجماليات و الخيرات الإلهية في هذا العالم - المعدّة للإنسان في هذا العالم - و لهم في الآخرة رضوان الله و جنانه.
هذا سبيل سلكتموه أيها الشعب الإيراني العزيز و تتابعونه و تسيرون فيه، و سوف تواصلون هذا السبيل بتوفيق من الله، و هو سبيل نشاهد لحسن الحظ حالياً أن الشعوب الإسلامية‌ هنا و هناك من العالم الإسلامي تتجه نحوه تدريجياً. قال الله تعالى: «و العاقبة للمتقين» (6). إذا جعلنا التقوى منهج عملنا فلا شك أن العاقبة و النهاية ستكون للأمة الإسلامية‌، و هذا المستقبل ليس ببعيد بإذن الله.
أتمنى أن يوفق الله تعالى جميع الشعوب المسلمة و الأمة الإسلامية‌ و خصوصاً النخبة و المؤثرين في هذه الأمة لأن يستطيعوا الانتفاع من بركات وجود الرسول (ص) و تعاليم القرآن إلى أقصى حد. نسأل الله تعالى أن ينزل رحمته الواسعة على إمامنا الجليل الذي فتح هذا السبيل أمامنا، و على شهدائنا الأعزاء الذين ضحوا بأنفسهم في هذا السبيل.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة الأنبياء، الآية 107 .
2 - سورة الفتح، الآية‌ 29 .
3 - م ن.
4 - م ن.
5 - م ن.
6 - سورة الأعراف، الآية‌ 128 .