بسم الله الرحمن الرحیم
أهلاً و مرحباً بکم کثیراً أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء و ساعدکم الله. نتمنی أن یمنّ الله تعالی علی کل لحظة من جهودکم و اهتماماتکم و مسؤولیاتکم التی تعرفونها و تتحمولونها أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء بالأجر الوافر، و یضاعف من توفیقاتکم.
أشکر حضرة السید لاریجانی علی هذا التقریر الجید الذی رفعه، و خصوصاً علی هذا الموقف الصریح الواضح الذی أعلنه عن لسانکم أیها النواب المحترمون إزاء المستکبرین و أمریکا و الطامعین و المهرّجین الدولیین. و بالطبع فهذا لسان حال شعبنا أیضاً و یجب أن نقدم الشکر لله حقاً علی فضله و توفیقه بأن جعل شعبنا طوال هذه العقود الثلاثة یحافظ علی فهمه الدقیق و الواضح للتیارات و التوجهات العالمیة و ما تحمله من مضامین و أهداف، بل و یزید من هذا الفهم یوماً بعد یوم. الحقیقة هی أن من مشکلات الشعوب و معضلاتهم عدم التوفر علی هذا الوعی، أو الغفلة عن هذه الأمور، و بذلک تتعرض الشعوب للأضرار فی التحولات العالمیة و فی شتی الأحداث و تقع فی الأخطاء عند المنعطفات السیاسیة الحادة الصعبة. إذا کانت الاصطفافات العالمیة الکبری فی عالم السیاسة و عالم الاقتصاد بیّنة واضحة للشعوب، و إذا فکرت الشعوب بها بوعی، وأخذت بنظر الاعتبار أهداف هذه الاصطفافات و التیارات فسوف تکلّ سیوف المستکبرین فی العالم. الهدف من هذا الإعلام الواسع الذی تشاهدونه - کم من الأدوات و الوسائل الإعلامیة الیوم فی خدمة سیاسات المستکبرین - هو فی الغالب تضبیب الأجواء و تعتیمها لکی لا تستطیع الشعوب التوفر علی هذا الوعی و هذه البصیرة أو لا تستطیع الحفاظ علیهما. و قد حافظ شعبنا علی هذه العناصر، و هذا موضع شکر و حمد.
یجب أن أقدم شکری لمجلس الشوری المحترم لإعلانه بوضوح عن هذه المواقف طوال هذه الدورة و إلی الیوم، و إلی آخر هذه الدورة إن شاء الله. إنها لنکسة کبیرة للبلاد و الثورة لو أخطأ المجلس - ربما - فی إحدی هذه القضایا السیاسیة المهمة و هذه الأحداث المختلفة، أو لم یتخذ موقفاً، أو أسوء من ذلک إذا اتخذ موقفاً خاطئاً. إنه لمدعاة فخر و شکر حقاً أن وقف المجلس من القضایا السیاسیة المختلفة فی العالم، و فی الهجمات التی یشنها الأعداء ضد الجمهوریة الإسلامیة، وقفةً قویة محکمة واضحة جلیة، و اتخذ موقفه منها. إننی أقدم شکری من الصمیم، و أصرّ علی أن تستمر هذا المواقف بنفس هذه القوة و المتانة، ذلک أن التحدیات بین الثورة الإسلامیة و بین الاستکبار العالمی تحدیات مستمرة. و طبعاً لن تستمر إلی الأبد بحول الله و قوته، إذ کلما مضی الزمن رجحت کفة النظام الإسلامی و قویت. حینما یشعر الأعداء بالیأس سوف تقلّ هجماتهم و تزول تدریجیاً. و لکن وقفة الشعب و النخبة من الشعب حتی ذلک الیوم أمر ضروری و لازم. یجب مواصلة هذه المواقف. حذار من الغفلة عن الدقائق التی یتحلی بها نوع تعامل الثورة مع الأعداء. لنری ما هی مخططات الأعداء للثورة فی الوقت الراهن. و بالتعبیر الدارج یجب أن نخمّن سیناریو الأعداء و نعلم ما الذی یریدونه و یسعون إلیه. إذا استطعنا أن نفهم ذلک بشکل صحیح، و نخمّنه بنحو صائب، و نبرمج سلوکنا و أعمالنا مقابل سیناریو العدو فإنه سوف ینهزم بلا شک.
کل الشواهد تشیر إلی أن العدو یشدد حالیاً علی جملة من النقاط. و لنبدأ من أوضحها و هی مسألة الاقتصاد. حینما أطلقنا علی هذا العام اسم «الجهاد الاقتصادی» فذلک فی ضوء هذا الجانب من القضیة. من أهدافهم الرئیسیة إخضاع البلد من الناحیة الاقتصادیة و فرض التراجع علیه علی الصعید الاقتصادی مما یؤدی إلی شلّ الرکائز الاقتصادیة و بث الیأس فی نفوس الناس. هذا أمر واضح علی کل حال، و هم أنفسهم یعلنون عنه و یقولونه. و هو أمر یرسم خطاً واضحاً لمجلس الشوری و للحکومة و لکل واحد من المسؤولین العاملین فی شتی الأقسام و القطاعات، و یقول لهم ما الذی ینبغی أن یفعلوه.
و نقطة أخری هی أیضاً واضحة جداً تتمثل فی إشعال الخلافات بین الأجهزة المدیرة للبلاد. هذه أیضاً من مهماتهم الأساسیة. و هم لا یخفون هذه النقطة. لا أنهم لا یریدون إخفاءها، إنما هی غیر ممکنة الإخفاء أساساً. طبیعة عمل الأعداء فی هذه القضایا الدولیة المهمة و الشاملة تستدعی قیامهم ببعض الأعمال، و أن یقولوا بعض الأشیاء، و یصرحوا بعض التصریحات، لذلک لا تبقی تدابیرهم و سیاساتهم هذه طیّ الکتمان. یریدون إشعال الخلافات و هم یبثون هذه الخلافات و یزرعونها بأی شکل أمکن من الأشکال، و علینا نحن أن نکون یقظین. اختلاف الأذواق و اختلاف وجهات النظر و الاختلاف فی الرأی حول القضایا السیاسیة یجب أن لا یفضی إلی تحدیات بین تیارات البلاد و عناصرها. الذنب الکبیر الذی ارتکبه مؤجّجو الفتنة فی عام 88 هو أننا إذا أحسنا الظن و نظرنا نظرة إیجابیة و قلنا إنهم کانت لدیهم شبهة أو إشکال فی إذهانهم فإنهم طرحوا هذا الإشکال علی شکل تحدٍّ أمام النظام الإسلامی. هذا الذنب الکبیر مما لا یمکن غضّ الطرف عنه، و لا تزال آثاره قائمة فی مجتمعنا. شعبنا بالطبع شعب یقظ. النصاب اللازم للفهم و البصیرة لدی هذا الشعب من شأنه التغطیة علی الکثیر من هذه الأحداث و زوال آثارها تدریجیاً. لکنهم وجّهوا ضربتهم عن هذا الطریق. إشعال الشجارات و الاشتباکات الداخلیة و بث الخلافات العمیقة من الممارسات السیئة الذمیمة الکبیرة جداً، و هی مما یریده الأعداء.
أنتم فی مجلس الشوری الإسلامی مارسوا دورکم و وفّوا سهمکم علی هذا الصعید. و لا علاقة لهذا بأن النائب الفلانی فی المجلس من هذا التیار السیاسی أو ذلک المنحی السیاسی، فلا فرق بین ذا و ذاک، لأن القضیة هنا قضیة دفاع عن البلد، و دفاع عن الثورة، و دفاع عن الإسلام، و دفاع عن المکتسبات الکبری للشعب الإیرانی. و هذا أمر مشترک بین جمیع التیارات إلا الغرباء و الأجانب، و إلا فهی أمور مشترکة بین التیارات المؤمنة مهما کان انتماؤها السیاسی.
و من الأسالیب الأساسیة الواضحة للأعداء تهوین المعتقدات الإسلامیة و التقلیل من أهمیة المشاعر الإسلامیة و ترسیخ الأفکار الإلحادیة و شبه الإلحادیة بمختلف الطرق. هذه من سیاساتهم. یوظفون الأجهزة الإعلامیة المختلفة بدفع مبالغ کبیرة لها و متابعتها بنحو واسع شامل لتعمل علی تغییر أفکار شبابنا. و هذا أمر لا یقتصر علی شبابنا طبعاً. فی هذه البلدان العربیة التی تشهد الیوم ثورات و انتفاضات تقع نفس هذه الأمور و تُتابع بشدة، و الأعداء یتابعونها. أنفقوا ملیارات الدولارات لتغییر ذهنیة و أفکار الشباب الذین تجمعوا فی الساحة الفلانیة فی القاهرة، أو الساحة الفلانیة فی تونس، و خلقوا تلک الأحداث الکبری. هذه حوادث تقع، و لیست ظنوناً و تحلیلات، إنما هی معلومات و إطلاع. العدو یعمل بکل قواه و قدراته و یقوم بمثل هذه الأعمال. هناک إشاعة المفاسد و الفحشاء، و هناک بث الشکوک فی المعتقدات.
لقد وضع العدو سیناریو جامعاً - له بدایته و نهایته - للنظام الإسلامی و للحرکة الإسلامیة و للصحوة الإسلامیة. و لحسن الحظ نمتلک الکفاءة لمواجهة هذا السیناریو و لا ریب فی هذا. هذا ما أقوله بحسم: بالأرصدة العقیدیة و الفلسفیة الغنیة القویة التی لدینا بالفعل - و الأعمال التی یمکن القیام بها لاحقاً لها حسابها فی محلها - و بالطاقات البشریة المتشوقة و الکفوءة یتوفر نظام الجمهوریة الإسلامیة علی الکفاءة اللازمة لمواجهة هذا الهجوم، و قد أثبتت الجمهوریة الإسلامیة هذه الکفاءة طوال الأعوام الإثنین و الثلاثین الماضیة. لم یکن الأعداء عاطلین عن العمل خلال هذه السنوات الإثنتین و الثلاثین. بذلوا جهدهم دائماً و فکروا دائماً، و علی حد تعبیرهم کانت غرف عملیاتهم تعمل دوماً. أنفقوا الأموال و وضعوا المخططات و المشاریع دوماً، و عیّنوا الأفراد و وضعوا المأمورین، و ذهبوا و جاءوا و فعلوا کل ما یستطیعون علی الصعید الدبلوماسی، و لکن کانت النتیجة أن تقدمت الجمهوریة الإسلامیة إلی الأمام و تراجعوا هم إلی الوراء. طبعاً لو لم تکن عندنا بعض حالات التقصیر و بعض نقاط الضعف الأخلاقیة و غیر الأخلاقیة لتقدمنا إلی الأمام أکثر من هذا. کنا نعانی من بعض الإشکالات، و لکن رغم هذه الإشکالات تقدمنا الیوم إلی الأمام بنحو واضح و بیّن، و تراجع العدو إلی الوراء بنحو واضح و بیّن. أمریکا زمن ریغان تختلف عن أمریکا فی زمن أوباما من السماء إلی الأرض. و الجمهوریة الإسلامیة فی عام ستین [ 1981 م ] تختلف عن الجمهوریة الإسلامیة فی سنة تسعین [ 2011 م ] من الأرض إلی السماء. لقد تقدمنا نحن إلی الأمام و تراجعوا هم إلی الوراء. إذن، کانت هناک کفاءة فی التصدی و المواجهة، و لکن یخشی من أن نصاب بالغفلة أو الغرور. کلا هاتین الحالتین خطیرة. یجب عدم الغفلة و الانشغال بالأمور الهامشیة، و یجب أیضاً عدم الإصابة بالغرور و الاستهانة بالعدو و اعتباره ضعیفاً مسکیناً. ینبغی التحلی بالیقظة و الحذر. کل واحد منّا معنیّ بهذا الکلام. أی أنتم نواب المجلس البالغ عددکم مائتین و تسعین نائباً کل واحد منکم معنیّ و مُخاطب بهذا الخطاب الإلهی و المسؤولیة الإلهیة بشکل مستقل، و یجب أن تحذروا و تراقبوا. و کذا الحال بالنسبة للحکومة، و کذا الحال بالنسبة للمسؤولین القضائیین، و کذلک المسؤولین فی الأقسام و القطاعات المختلفة فی البلاد، العسکریین بشکل، و غیر العسکریین بشکل، و کل واحد من أبناء الشعب بشکل، کلنا مسؤولون، لکن مسؤولیة المسؤولین الحکومیین مسؤولیة محددة و واضحة و لها تعریفها فی الغالب. کلنا مسؤولون، أی یجب أن ننظر لأعمالنا و مشاغلنا من هذه الزاویة، أنا فی شغلی و أنتم فی أشغالکم، و الآخرون فی أشغالهم.
إننا نتحمل علی عاتقنا أعباء أمانة ثقیلة. الله تعالی وضع علی عواتقنا أعباء هذه الأمانة. و لسنا مخیّرین فی أن نقول إننا لا نرید تحمل هذه المسؤولیة، لا، هذه أمانة یجب إیصالها باقتدار و التزام إلی مقصدها. أی عمل نقوم به - سواء کان عملاً سیاسیاً أو فکریاً أو اقتصادیاً أو إداریاً - یجب أن یکون وفق هذه النظرة. إذا عملنا بعیداً عن هذه النظرة یُخشی أن یکون عملنا بالاتجاه المعاکس لهذه الأهداف، و عندئذ تطالنا المؤاخذة الإلهیة. إن الله تعالی لا یتجاوز عن مثل هذه الذنوب الکبیرة. کان الإمام الخمینی (رضوان الله تعالی علیه) یعبّر فی عدة مرات عن القضایا الاجتماعیة و الذنوب الاجتماعیة و المخالفات السیاسیة التی هی من هذا القبیل بالقول: إن هذا ذنب لن یتجاوز الله عنه، لأن التوبة منه لیست سهلة. إذا تاب الإنسان من أی ذنب فإن الله یتجاوز عنه و یغفره، و لکن حینما یقوم المرء بعمل و یوجّه ضربة لشعب فکیف یمکنه التوبة من هذا الذنب؟ و کیف یمکن التعویض؟ و کیف یمکن للمرء إبراء ذمته و طلب العفو من کل واحد من الذین أصابهم الضرر؟ لذا فإن الله لا یتجاوز عن هذه الذنوب. و من هنا تنبع حساسیة مواقفنا أنا و أنتم.
و لنلقِ الآن نظرة لقضایا المنطقة و قضایا العالم و القضایا العامة فی البلاد. لحسن الحظ کانت مواقف مجلس الشوری و الحکومة جیدة، و قد وقفوا وقفة صمود. استطاع مسؤولو البلاد فی مناسبات مختلفة - لحسن الحظ - إیصال صوت الثورة البلیغ وسط هذا الضجیج الذی یعمّ المنطقة، إلی أسماع الشعوب فی المنطقة. علی الرغم من الضجیج و الصخب الذی افتعله الأعداء، استطاع الشعب الإیرانی و مسؤولو البلاد إیصال الرأی الصحیح و الکلام الرصین المنطقی لأسماع الناس. هذا ما حصل لحسن الحظ و یجب أن یستمر.
إنها ساحة حرب علی کل حال. فی ساحة الحرب یوجّه الإنسان ضربة، و یجب أن یتوقع تلقی ضربة أیضاً. فالعدو لن یقعد عاطلاً، إنما یعمل بدوره لتوجیه الضربات. علی المرء أن یعتبر نفسه فی هذه الساحة الدولیة الواسعة فی میدان حرب. لیست الحالة حالة صلح و مودة و ما إلی ذلک. حتی حینما یتکلمون کلاماً ناعماً ثمة وراء هذا الکلام الناعم خنجر مسلول و ینتظرون غفلة من الطرف المقابل لیغرزوا خنجرهم فی کبده. لذلک ینبغی التحلی بالیقظة و الحذر. و هذه الیقظة موجودة و هذا الوعی موجود. و توصیتی و تأکیدی هو الحفاظ علی هذا الموجود.
و أقول لکم طبعاً إن هذا الموضع هو موضع التقوی الجمعیة. لدینا تقوی فردیة یراقب فیها کل فرد نفسه مراقبة دائمیة. التقوی التامة هی أن یراقب المرء نفسه مراقبة دائمیة، کالشخص الذی یسیر فی مکان مغطی بأشواک کثیفة. و هذا المثال مذکور فی الروایات و فی کلمات العظماء، و یجب علی مثل هذا الشخص أن یراقب و یحذر دائماً و ینظر إلی مواطئ أقدامه. إذا غفلتم قد تصیب الأشواک ثیابکم و تمزقها أو تجرح أقدامکم. شبّهوا التقوی بالسیر بین أشواک کثیفة. هذه هی التقوی الفردیة و هی ضروریة. و هذا هو السبیل الوحید للفوز و الفلاح. إذا أراد شخص الوصول للفلاح و الفوز و النجاة الأبدیة فیجب علیه التحلی بالتقوی. کلما کانت هذه الحالة أشد کلما کان الفوز و الفلاح أکبر.
و هناک التقوی الجمعیة و هی أن تراقب الجماعات نفسها. الجماعة من حیث هی جماعة تراقب نفسها. عدم مراقبة الجماعات لنفسها من شأنه أن یجرف حتی الأفراد المتحلّین - فی هذه الجماعة - بالتقوی الفردیة داخل الحرکة العامة لتلک الجماعات، و السیر بهم إلی حیث لا یریدون. لقد تلقینا الضربات طوال هذه الأعوام الثلاثین من هذه الناحیة، و کانت هذه من المواطن التی أبدینا فیها ضعفاً.
فی العقود السابقة کان هناک فی البلاد تیار اسمه التیار الیساری. و کانوا یرفعون شعارات جیدة، لکنهم لم یکونوا یراقبوا أنفسهم، و لم یتحلوا بالتقوی الجمعیة. کان بینهم أفراد یتمتعون بالتقوی الفردیة، لکن عدم توفر التقوی الجمعیة أوصلهم إلی حیث استطاع مثیرو الفتن المعادون للإمام الحسین و المعادون للإسلام و المعادون للإمام و الثورة أن یعتمدوا علیهم! لم یأت هؤلاء الأفراد لیرفعوا شعارات معادیة للإمام و الثورة، لکن أصحاب الشعارات المعادیة للإمام و الثورة استطاعوا الاعتماد علیهم و الاستناد لهم، و هذا خطر کبیر جداً. و انجرف أولئک.. إذن التقوی الجمعیة ضروریة.
قلت لکم العام الماضی أن تقرّروا مراقبة ذاتیة علیکم داخل مجلس الشوری الإسلامی، و هذه هی التقوی الجمعیة. أن تراقب الجماعة نفسها. و قالوا هنا و هناک إن نائب المجلس یجب أن یکون حراً و یجب أن یکون کذا و کذا. لا أحد یعارض حریة نائب المجلس، إنما هی معارضة لسوء سلوک نائب المجلس. النائب السیئ السلوک قد یوجّه إساءة و تهماً لسمعة مجلس الشوری الإسلامی، ألیس هذا مؤسفاً؟ مجلس بهذه العظمة، و هذه المؤسسة القانونیة الأساسیة فی البلاد.
فی مطلع الثورة ذهبنا إلی الإمام لنعلن له عن أحد الشخصیات البازرة بیننا باعتباره رئیساً للجمهوریة، و یوافق علیه الإمام ثم نعود و نطرحه رئیساً للجمهوریة داخل الحزب الجمهوری الإسلامی. و لم یوافق الإمام علیه لسبب من الأسباب. ثم قال لنا إذهبوا للمجلس فالمجلس مهم. هذه هی مکانة المجلس فی نظر قائد الثورة و مؤسس هذا النظام و موجد هذه المنظومة. یجب الحفاظ علی هذا و صیانته و صیانة سمعته و مکانته، و هذا ما یحتاج إلی مراقبة ذاتیة. إذا لم تتوفر هذا المراقبة الذاتیة فسوف تظهر مشکلات، و أنتم ترون. لقد أوصیت بهذا الخصوص العام المنصرم. و تم إنجاز شیء بسیط مؤخراً بخصوص هذه القضیة، لکن أهمیة القضیة لم تتحقق لحد الآن و لم تظهر بالشکل الکامل. هذه المراقبة الذاتیة هی التقوی الجمعیة.
ثمة فی المجلس سلائق و أذواق و تیارات مختلفة. و لیس لدیّ أیّ إصرار علی أن تتحول التیارات کلها إلی تیار واحد، لا، هناک اختلاف فی الأذواق و الأفکار و السلائق و المعتقدات السیاسیة، و هو أمر طبیعی. و اختلاف الأذواق هذا مفید جداً فی بعض الحالات. و قد تکون له أضراره فی بعض الأحیان. لیس ثمة إصرار علی أن ترتفع هذه الخطوط، إنما الإصرار هو بدرجة الأولی علی الشیء الذی سبق أن ذکرته: عدم الاحتراب و الاشتباک و أن لا یفضی اختلاف الأذواق إلی الشجار و العراک و التحدیات و العداوات و نسیان أمریکا. و للأسف فإن بعض تیاراتنا هکذا. حینما تختلف مع الطرف المقابل تنسی أمریکا و تنسی إسرائیل و تنسی أعداء الثورة و الإمام، و یصبح التعارض الأصلی هو هذا الطرف الذی یقف أمامهم! و هذا خطأ. إذن یجب أن لا تشتبک التیارات مع بعضها بهذه الصورة. و ثانیاً یجب أن تکون هناک سیطرة ذاتیة و مراقبة ذاتیة، و لا یسمحوا لتیارهم بالانحراف، و إلا لیسوا قلائل الأفراد الصالحون فی هذه التیارات، و لکن حینما یتعرض التیار للإشکال فإنه سوف یجرف الفرد الصالح معه. هذه النقاط من الأمور الواضحة و الطبیعیة، و لا أرید أن أتوسع کثیراً فی الکلام و الإیضاح للإخوة و الأخوات.
النقطة التی أری من الضروری أن أذکرها الآن لأن هذه السنة هی السنة الأخیرة لنیابة هذا المجلس و نیابة الأصدقاء و الأعزاء، هی أن تحذروا من الرکود و قلة العمل فی المجلس خلال هذه الأشهر العشرة الباقیة بسبب الانتخابات فی شهر إسفند آخر هذه السنة. یُخشی من أن ینصرف اهتمام الأصدقاء و النواب المحترمین إلی حادثة الثانی عشر من إسفند المقبل فیؤدی ذلک إلی تهمیش جمیع الأعمال الضروریة بین یومنا هذا و الثانی عشر من إسفند. رجائی هو أن لا یحدث هذا الشیء. فی کل الحکومات کنت أوصی أعضاء الحکومة أن یحذروا من الفتور فی السنة الأخیرة. و هذا الأمر یکتسب أهمیة أکبر بالنسبة للمجلس، لأن الخطر أکبر. العام الأخیر بالنسبة لأعضاء الحکومة هو عامهم الأخیر، و لا یمکنهم أن یکون لهم سعی و تحرک لاستمرار مسؤولیاتهم، لکن الأمر لیس کذلک بالنسبة لنواب المجلس، إذ یریدون السعی و العمل بهذا الاتجاه، و هذا السعی یجب أن لا یهمِّش واجبات الحاضر، و هی واجبات فوریة و ضروریة. إننی أطلب بجد من الإخوة و الأخوات أن یراعوا هذه النقطة.
و النقطة الأخری هی الاقتراب من أصحاب القوة و الثروة. نقول هذا لکم من دون مجاملة، و نحن بالتالی إخوة و یجب أن نتواصی بالحق و نتواصی بالخیر. إنه لخطر کبیر أن یقترب شخص لأصحاب الثروة أو القوة من أجل تأمین نیابته فی المجلس لإحدی الدورات. هذا شیء سیئ جداً. هذا من تلک الأمور التی لا یتجاوز الله تعالی عنها و سوف ینتقم منها. هذه الأمور تترک آثاراً سلبیة علی الشخص و علی عاقبته - عاقبة الخیر التی نولیها کل هذه الأهمیة - و علی المجتمع.
و فی مشروع الإشراف و المراقبة الذی تمت المصادقة علی کلیاته، لینظّم الأصدقاء الأمر بحیث تحصل مراقبة حقیقیة، فلا تکون هناک حالة صفقات و معاملات. أعملوا بحیث تکون هناک حقاً عین بصیرة مفتوحة تراقب المجلس. لا یکون الأمر بحیث تسود المجاملات و الخجل و الصفقات و المعاملات علی هذه القضیة.
و النقطة الأخری هی التوصیة التی ذکرتها دائماً أعنی التکامل مع السلطة التنفیذیة و السلطة القضائیة، و مع السلطة التنفیذیة خصوصاً، لأن تعامل المجلس غالباً هو مع السلطة التنفیذیة، و یجب أن یتکامل معها. ینبغی عدم تنظیم الأعمال و الأمور بحیث یفهم منها الشجار و الاختلاف. هذه الحالة تترک تأثیراً سیئاً جداً علی الناس. یلاحظ أحیاناً إطلاق بعض الکلمات فی خطاب فی المجلس أو فی تصریح معین. و الکلمة إذا قیلت أطلقت، و إذا کانت لا سمح الله کلمة تتهم شخصاً أو جماعة فإن تلافی ذلک غیر ممکن بسهولة، فهو شیء یبث الیأس فی قلوب الناس. المسؤولون الیوم یسعون و یعملون. لا تقولوا نقطة الضعف الفلانیة و نقطة الضعف الفلانیة. إننی علی علم بنقاط الضعف. و ربما کنت علی اطلاع ببعض نقاط الضعف التی لا یعلم بها الکثیرون غیری. علی الرغم من نقاط الضعف هذه فإن الحالة السائدة الیوم فی السلطة التنفیذیة تعدّ حالة جیدة و منشودة. العمل جارٍ و متواصل فی البلد. و یجب التعاون و المساعدة. لیساعد المجلس الحکومة و لتساعد الحکومة المجلس. القانون هو الفیصل فی عمل الحکومة، و میولُ الحکومة و تشخیصاتها إشارات للسلطة التشریعیة بخصوص کیفیة تشریعها للقوانین. هذه الحالة لا تتنافی مع استقلال المجلس. لقد کنت نائباً فی مجلس الشوری، و کنت رئیساً للحکومة، و جرّبت الموقعین. و شاهدت طوال هذه الأعوام المجالس و الحکومات. لا إشکال إطلاقاً فی أن یسنّ المجلس قانوناً صحیحاً صائباً قویاً منطقیاً یکون العمل وفقه ممکناً و سهلاً بالنسبة للحکومة. و إذا کان هذا فلیس معنی ذلک أن المجلس غیر مستقل. البعض ممن ربما لا یریدون للمجلس أن یکون موجوداً أصلاً أصبحوا الیوم حریصین علی استقلال المجلس و راحوا یقولون: یا سیدی یجب أن یکون للمجلس استقلاله! هذا لا یتعارض إطلاقاً مع استقلال المجلس. ینظر المرء کیف تستطیع الحکومة أن تعمل و کیف تستطیع أن تعمل بشکل أفضل و أسهل فیشرِّع القوانین علی هذا الأساس، و یسیر فی هذا الاتجاه. هذا أمر ممکن و لا إشکال فیه إطلاقاً. و من جهة ثانیة حینما تجری المصادقة علی القانون فمن واجب الحکومة العمل وفق ذلک القانون بکل کیانها و بکل طاقتها و من دون ذرائع. هکذا هو الحال بالنسبة لطرفی القضیة. أی إن کلا الجانبین یستطیع مساعدة الطرف الآخر و التکامل معه، و هذا أمر لازم و ضروری و لا بد أن یحصل. و إذا تذرع أحد الطرفین بذرائع معینة، و قال هذا الطرف لا، لأن الحکومة ترید هذا القانون بهذا الشکل فإننا لن نصادق علیه، و قال الطرف الآخر: لأن فی هذا القانون العیب الفلانی فإننا لن نخضع له، فی هذه الحالة لن یمکن تمشیة الأمور و إدارة عجلة البلاد. الرفق حسن، و کذلک الانسجام و التعاون و المداراة. لدینا روایات حول الرفق. الرفق معناه الانسجام و أن یبدی الإنسان انسجاماً و تناغماً. الذی یجب علی المرء أن لا یستسلم له هو العدو. أما مع الصدیق فیجب علی المرء أن یتعامل بالانسجام و التحمّل و الصبر. یتحمّل هذا الطرف شیئاً من ذلک الطرف، و یتحمّل ذلک الطرف شیئاً من هذا الطرف.
و الانتخابات قادمة، و هی علی جانب کبیر من الأهمیة. الانتخابات مؤشر نظام الجمهوریة الإسلامیة و رایتها. علی الرغم من أنف الأعداء أقمنا و الحمد لله الانتخابات فی مواعیدها و بدون أی تأخیر. و هذا شیء مهم جداً. منذ سنة 58 حیث أقیمت أول انتخابات و إلی الیوم أقیمت إحدی و ثلاثون أو إثنتان و ثلاثون انتخابات بدقة و فی الموعد المحدد. بذلوا المستحیل عسی أن یستطیعوا فی فترة من الفترات تأخیر انتخابات مجلس الشوری، لکنهم لم یستطیعوا. تعاضد رؤساء السلطات مع بعضهم لیحولوا دون إقامة انتخابات مجلس الشوری الإسلامی فی موعدها المقرر لکنهم لم یستطیعوا. حاولوا کثیراً و جاءوا و تناقشوا و تکلموا و کتبوا فی الصحف و جمعوا التواقیع و عبّأوا المأمورین الحکومیین لکنهم لم یستطیعوا و الحمد لله. و کذلک سیکون الوضع بعد الآن أیضاً بتوفیق من الله. الانتخابات مهمة. الانتخابات بالنسبة لنا رایة فخر و علامة الدیمقراطیة الدینیة. یجب إقامة الانتخابات بصورة جیدة. و إلی الیوم، علی الرغم من کل سوء الخلق الصادر عن أطراف مختلفة فی دورات شتی و تذرعاتهم و إلحاحهم و أقوالهم قبل الانتخابات: حذار أن تحصل مخالفات فی الانتخابات أو یحصل کذا و کذا، لکنهم لحسن الحظ لم یستطیعوا إثبات أی شیء. أقیمت فی الدورات المختلفة و الحمد لله انتخابات جیدة و واضحة و شفافة و سیکون الوضع کذلک فی هذه الدورة إن شاء الله. و الوقت طبعاً طویل حتی موعد الانتخابات، لکننی أرید أن أوصی المسؤولین فی البلاد بأن یدققوا فی صیانة حرمة الانتخابات. المجلس و الحکومة و السلطة القضائیة یجب أن یراعوا حرمة الانتخابات. لیس من المناسب أو الجائز أن یتدخل أحد بشکل من الأشکال. یجب أن ینظر الشعب و یشخِّص و یتعرَّف حسب السیاق القانونی، و تتم الانتخابات.
إنتهی ما کنت أرید قوله، و أضیف فقط أن هذه الأمور التی ذکرها أخونا العزیز بعد کلمة السید لاریجانی أخجلتنی حقاً. و أدری أنها نابعة من المحبة و الإخلاص و الصفاء - لا شک فی هذا - لکن مثل هذه الکلمات فی ضرری و فی ضرر قائلها. یجب عدم ذکر هذه الأقوال بهذا الشکل. نحن جماعة اجتمعنا مع بعضنا صدفة و نعمل سویة، أقوم أنا بعمل و تقومون أنتم بعمل. مثل هذه الکلمات و العبارات لیست مما یروق أو یساعد الإنسان علی التقدم فی عمله. کلنا عبید لله و خدم للناس إن شاء الله.
نتمنی أن یشملنا الله تعالی جمیعاً بفضله.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.