بسم الله الرحمن الرحیم
نرحب بکم أیها الأعزاء الإخوة و الشباب، و نبارک هذه الأیام المیمونة و الملیئة بالذکریات. إنه العید الشریف لولادة الرسول الأکرم و الإمام الصادق (علیهما السلام)، و کذلک الثانی و العشرین من بهمن، و کذلک التاسع عشر من بهمن، و هو ذکری تستعصی علی النسیان و محطة متألقة فی الصفحات النیّرة لأیام الثورة.
إحیاء التاسع عشر من بهمن الذی نصرّ علی إقامته کل عام، حیث نلتقی فی مثل هذا الیوم بالأعزاء من القوة الجویة و نسمع و نتحدث، لیس لمجرد إحیاء ذکری - مع أن إحیاء الذکریات العزیزة و العظیمة بحد ذاته أمر له قیمته - لکن المهم بالنسبة لنا هو نقطتان أخریان: الأولی استلهام الدروس و العبر من الماضی. حینما نراجع ذکری التاسع عشر من دی مثلاً فإننا نستلهم درساً من هذه الحادثة، ألا و هو درس الإقدام و الإبداع و المبادرة و الصمود، و العمل فی الوقت المناسب، و تأثیر ذلک فی مسیرة المجتمع و البلاد. هذه عبرة. صحیح أن عموم المنتسبین للجیش فی فترة ما قبل الثورة لم یکونوا مناصرین للطاغوت، لکن القادة کانوا طاغوتیین، و العموم کانوا جزءاً من الشعب. هذا شیء واضح و کان واضحاً بالنسبة لنا منذ الیوم الأول، و أصبح واضحاً للناس طوال الأعوام. لکن بروز هذه الحالة الشعبیة و ممارسة الدور فی میدان الحرکة الشعبیة شیء آخر. ما کان هذا لیکون لو لا حدوث خطوة من داخل الجیش تکون متمیّزة و باهرة و لافتة. و هذا ما حصل فی التاسع عشر من بهمن.
حینما تنظرون الیوم إلی حادثة التاسع عشر من بهمن قد لا تظهر لکم أهمیتها بنحو کبیر. لکننا فی ذلک الحین - و قد کنت بنفسی شاهداً لتلک الحادثة و حاضراً فی مدرسة علوی بین الإخوة من القوة الجویة و شاهدت خطوتهم الشجاعة - کانت مشاعرنا أنا و الآخرین من أمثالی ممن شاهدوا تلک الأوضاع، مشاعر مختلفة. حادثة التاسع عشر من بهمن کانت اقتحاماً و تحطیماً شدیداً للخطوط. کانت عملاً عظیماً. أن یأتی الضباط و الأصحاب الرتب و الطیارون، و یتواکبوا علانیة و صراحة مع الثورة، و ینظروا فی أعین حرّاس النظام الطاغوتی و یقولوا لهم «لا»، فهذا عمل کبیر جداً. لقد ترکت هذه الخطوة تأثیرها. خطوة فی الوقت المناسب فعلت ما لا تستطیع المشاعر الکامنة و غیر العلنیة القیام به. الإقدام و الابتکار له مثل هذا التأثیر فی کل المجالات و المیادین. و قد کان المیدان فی ذلک الیوم هو هذا، و فی فترة الحرب کان المیدان میداناً آخر. و الیوم فإن المیدان میدان آخر. فی کل فترة و فی کل میدان و مجال یمکن للعمل فی الوقت المناسب أن یترک مثل هذا التأثیر الکبیر. هذا أولاً.
و ثانیاً: یجب أن نستلهم الدرس من هذه الحادثة فلا نتوقف فی الماضی. من آفات المجتمعات و المنظومات و الشعوب و الجماعات التوقف و المراوحة فی مفاخر الماضی. أن نکرّر علی أنفسنا أمجاد الماضی و مفاخره و نتباهی بها من دون أن نقوم بخطوة مفیدة فی الزمن الحاضر. طبعاً قوتنا الجویة و جیشنا الیوم لا یقبل المقارنة بما کان علیه ذلک الحین. فقد اختلف من الأرض إلی السماء. تمت إنجازات کبیرة و أعمال ضخمة - و لا شک فی هذا - و لکن انظروا للمستقبل. المستقبل هو المهم و هو مستقبل خطیر. إذا أراد هذا البلد حفظ عزته و هویته و مصالحه و أمنه فهو بحاجة للإبداعات و المبادرات و العمل. لا یمکن الوصول للأهداف العلیا بالقعود و النوم و الغفلة عن الأطراف المحیطة بنا. حین ترون أن المجتمع الإسلامی و البلدان الإسلامیة قد تأخرت مئات السنین - مائتی عام أو ثلاثمائة عام - و نعانی کلنا الیوم من آلام هذا التخلف، فهذا بسبب الغفلة. هنا، فی المنطقة الغربیة منا، و فی باقی المناطق الإسلامیة کان الضجیج الظاهری للحکومات و الدول من دون أن تکون هنا تحرکات متناسبة مع الزمن و المستقبل. الآخرون اتقنوا العلوم و التجارب و التقنیات، و انطلقوا فی مسیرتهم لفتح العالم، و وقعنا نحن فی شباک صیدهم و فقدنا کل ما نملک. و لا أقصد من «نحن» إیران فقط، بل إیران و بلدان المنطقة و بلدان شمال أفریقیا و البلدان الواقعة إلی الشرق منا، و کل المنطقة الإسلامیة أصیبت بالغفلة. و هذه الغفلة و الفرح بالضجیج الظاهری و عدم التفکیر فی العمل و التحرک و بناء المستقبل یستتبع مثل هذه الأضرار.
طبعاً حینما تستیقظ الشعوب فإن هذه الیقظة تستتبع وراءها تلقائیاً تحرکات و مبادرات، لکن لها سرعة أو بطئاً. إذ یمکن لهذه التحرکات أن تکون سریعة و کفوءة و جیدة تسبق متوسط السرعة العالمیة، و یمکن أن تکون تحرکات بطیئة فلا نلحق بالآخرین لأن الآخرین لا یبقون عاطلین هم أیضاً. حینما نعمل و نسعی و نشدّ الهمم و نبنی فهل یقعد الآخرون عن هذه الأمور؟ الآخرون أیضاً فی الجبهة المقابلة یشدون العزائم و الهمم و یبنون و یسعون. یجب أن نعمل ما من شأنه جعل معدل مساعینا و سرعتنا أکبر من سرعة الجبهة المقابلة. عندئذ نستطیع أن نکون متفائلین بالمستقبل.
هذه هی توصیتی الدائمیة لکل شباب هذا البلد، و هی أیضاً توصیتی لکم الیوم أنتم الأعزاء فی القوة الجویة و کل الجیش و لکل القوات المسلحة. علیکم مضاعفة الجهود فی التنظیم و فی صناعة الأدوات و التجهیزات و قطع الغیار و فی التدریبات و فی التربیة الأخلاقیة و تعزیز العامل المعنوی الأصلی. الکل علیهم مضاعفة الجهود و المساعی.. الحکومة و المسؤولون و قطاعات البلد المختلفة بما فی ذلک القوات المسلحة و التی تشکل جزءاً کبیراً من الأجهزة و المؤسسات المؤثرة فی البلاد. ینبغی أن تکون هذه المساعی ذات أهداف و محتوی و رصید داخلی.
لحسن الحظ تجلت فی الوقت الراهن أحقیة مسیرة الجمهوریة الإسلامیة. ترون أن الشعارات التی کان الشعب الإیرانی بالأمس یهتف بها قد عمّت الیوم فی المنطقة کلها. البلدان التی کانت من الذیول و المشاة التافهة لجبهة الاستکبار أصبحت حالیاً بهمم شعوبها من القوی التقدمیة إلی جانب الشعب الإیرانی، و راحت تتابع نفس الأهداف و ترفع نفس الشعارات. هذا هو تقدمکم. و معنی هذا أن الشعب الإیرانی استطاع طوال ثلاثة عقود أن یجد لنفسه أنصاراً و مواکبین و رفاقاً. لا نقول إننا نحن الذین أوجدنا هذه التحرکات، فهذا الکلام غیر منطقی. و لکن من غیر المنطقی أیضاً أن نقول إن یقظة شعب بکل هذه الضجة العظیمة التی أوجدتها هذه الیقظة طوال ثلاثة عقود لم یکن لها تأثیر فی یقظة الآخرین.. هذا أیضاً غیر منطقی. و کل التحلیلات فی العالم الیوم تصبّ فی هذا الاتجاه، حیث تقول إن إیران هی أمّ الصحوة و الحرکة الإسلامیة. فی هذه الأیام یجری التشدید علی هذه النقطة فی تحلیلات المحللین الأجانب التی تنشر فی الصحافة و وسائل الإعلام و المواقع الالکترونیة الخبریة المتنوعة. و هذا مؤشر علی أحقیة مسیرتنا و حرکتنا.
حرکة النظام الإسلامی و الجمهوریة الإسلامیة، و الثورة التی أوجدت هذه الحرکة، إنما هی باتجاه هویة حقیقیة باقیة متینة قابلة للاستمرار و الدفاع مقابل الهجمات. الهویة الإسلامیة هی الاعتماد علی الله تعالی، و الشعور بالعزة للانتماء للإسلام، و الاعتماد علی الإمکانیات و القدرات التی منّ الله بها علینا - سواء الطاقات الشخصیة لکل واحد منا، أو الطاقات الجمعیة الوطنیة الهائلة، أو الطاقات الإنسانیة أو المواهب الطبیعیة - و دعوة العالم نحو القیم المعنویة.
لم یجن العالم شیئاً من الغرق فی المادیات، لم یجن العالم شیئاً من إشاعة الحریات الجنسیة، و لم یجن شیئاً مما اطلقته الحرکات المادیة فی أوربا و الغرب من تحرّر من المعنویة و انفلات من القیود الإلهیة. لم یجر تأمین العدالة، و لا الرفاه العام، و لا الأمن، و لم تجر صیانة العائلة، و لم یستطیعوا تربیة الأجیال اللاحقة بصورة صحیحة. کل هؤلاء تضرّروا. نعم، حصل بعض أصحاب الشرکات و البنوک و أصحاب مصانع الأسلحة علی الألوف و الألوف، لکن الحضارة الغربیة المادیة لم یکن لها مکسب بشری إنسانی، و لم یُسعدوا أنفسهم، و لم یُسعدوا المجتمعات التی کانت تحت ظلهم و قلدتهم فی الحیاة.
رسالة الثورة الإسلامیة رسالة التحرّر من هذا السیاق الباعث علی البؤس و التعاسة. الاهتمام بالأخلاق الإلهیة و العمل فی الوقت نفسه علی تلبیة الاحتیاجات البشریة.. هذا هو الشیء الذی یریده الإسلام و الموجود فی الإسلام.. و بحدود متوسطة.. لا إفراط الکنائس الکاثولیکیة و الأرثوذکسیة و التزمّت الخاطئ، و لا التحلل و الانفلات کموقف معاکس ظهر فی المجتمعات الغربیة نتیجة مسیرتها المادیة. لیس أی من هذین صحیحاً. کلاهما خطأ. خط الإسلام خط وسط. إنه خط العدالة. للعدالة معنی شامل واسع. یجب مراعاة العدالة فی کل المجالات و وضع کل شیء فی موضعه.. أنه الخط الإنسانی المتوسط. «و کذلک جعلناکم أمة وسطاً لتکونوا شهداء علی الناس» (1).
الشعب الإیرانی الیوم من روّاد هذه المسیرة. نحن نبنی مجتمعاً، و نشیّد نظاماً، و لنا مسیرتنا العامة و الشعبیة. مضی علی الثورة ثلاثة و ثلاثون عاماً. ما من مکان فی العالم تقام فیه احتفالات الثورة و ذکراها السنویة بهذه الطریقة الشعبیة. إنها ثورتنا فقط التی یحتفل الناس فیها فی الثانی و العشرین من بهمن. یخرج ملایین الناس فی شتی أنحاء البلاد إلی الشوارع و یتظاهرون و یرفعون الشعارات. هذا ما لا یوجد فی أیة ثورة. کانت هناک ثورات کبری، و قد شهدنا أحداث بعضها فی زماننا هذا، و قرأنا عن بعضها فی التاریخ. تحلّ الذکری السنویة للثورة فیقف عدد من الناس و یقدّم استعراض أمامهم، وتقام مراسم و تحیة عسکریة. هکذا تقام الذکریات السنویة للثورات. یقیمون احتفالاً یدعی إلیه البعض لیأکلوا و یشربوا. إقامة مراسم الذکری السنویة للثورة من قبل الجماهیر أنفسهم شیء خاص بالثورة الإسلامیة. الثانی و العشرون من بهمن فی کل سنة و فی البرد الشدید و أحیاناً هطول الصقیع و تراکم الثلوج و سدّها الطرقات أحیاناً، و قد یکون البرد أحیاناً قارساً جداً مما یتغلغل إلی أعماق العظام فیؤذیها، لکن الناس ینزلون إلی الساحة، و فی هذا العام أیضاً بتوفیق و هدایة من الله و بید القدرة الإلهیة سترون أن الجماهیر ستنزل إلی الساحة مرة أخری. هذه الحرکة حرکة شعبیة. و سوف تستمر بتوفیق من الله. إنها حرکة عامة فی البلاد، و القوات المسلحة تتولی جانباً مهماً من هذه الحرکة الشعبیة.
أوصی جمیع الشباب الأعزاء فی القوات المسلحة و فی القوة الجویة أن یهتموا ببناء أنفسهم و بالتربیة المعنویة لأنفسهم، و بتعزیز مستوی التدریبات و التنظیم و الانضباط و الوعی و الأخوة و التعاطف بین المستویات المختلفة ما استطاعوا إلی ذلک سبیلاً. هذه هی علامات الجیش الإسلامی الدینی. هناک انضباط و هناک أخوة بین المستویات المختلفة. هناک انضباط و هناک تنافس إیجابی بین المجامیع و الأقسام المتنوعة - التقنیة و الإسنادیة و القتالیة - و ذلک فی ظل روح الأخوة و التعاون و التکامل و الصمیمیة. هذه هی سمات المنظومة العسکریة الإسلامیة. و فوق کل ذلک روح الجاهزیة و التضحیة. و هذا ما لا یمتلکه أحد فی جبهة الأعداء المقابلة لکم. و قد أثبت شبابنا ذلک عملیاً خلال فترة الحرب، کما أثبتوه بعد الحرب أیضاً إلی الیوم فی أی موضع اقتضت الضرورة. إنهم مستعدون لوضع أرواحهم علی الأکف و النزول إلی الساحة. هذا هو الشیء الذی له قیمة کبیرة جداً. حافظوا علی روح التضحیة و الصمود و حسبان العون الإلهی، و ضاعفوا من الطهارة و النقاء و التقوی المعنویة یوماً بعد یوم. و سوف یعینکم الله تعالی بإذنه من کل النواحی.
نسأل الله تعالی إن یشمل مسؤولی القوة الجویة، و المنتسبین لها، و عوائلهم المحترمة، و أبنائهم، و زوجاتهم بفضله و توفیقه، لیستطیع الأفراد فی أی قسم من أقسام هذه المنظومة المهمة العظیمة المصیریة أن ینهضوا بواجباتهم علی أحسن نحو.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.

الهوامش:
1 - سورة البقرة، الآیة 143 .