بسم ‏الله ‏الرّحمن‏ الرّحيم‏
أبارك عيد ولادة منقذ البشرية و الهدية الإلهية لتاريخ الإنسانية، نبي الإسلام الکريم سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه و آله و سلم)، و کذلك ولادة الإمام الصادق (عليه الصلاة و السلام) لکل الأمة الإسلامية الکبرى، و لشعبنا الإيراني العزيز، و لکم أيّها الحضور المحترمون، و خصوصاً الضيوف المکرمون الحاضرون هنا من مختلف البلدان الإسلامية، و کذلك سفراء البلدان الإسلامية الحاضرون هنا.
کانت هذه الولادة طليعة الرحمة الإلهية لتاريخ البشرية. عبّر القرآن الکريم عن وجود الرسول الأکرم (ص) بأنه «رحمة للعالمين» (1). و هذه الرحمة غير محدودة، إنما تشمل تاريخ التربية و التزکية و التعليم و هداية البشر للصراط المستقيم و تقدم البشر في مجالات الحياة المادية و المعنوية. و لا تختص بأهل ذلك الزمان، بل هي لکل التاريخ و على امتداده: «و آخرين منهم لمّا يلحقوا بهم» (2). سبيل الوصول إلى ذلك الهدف هو العمل بالمعارف و القوانين الإسلامية المرسومة للبشر.
لقد واجهت الأمة الإسلامية الکبرى طوال القرون المتمادية تحدّيات و انحرافات کثيرة. لقد ابتعدنا عن الإسلام و شغلنا أنفسنا بأشياء حذّرنا الإسلام منها. على امتداد هذا التاريخ الطويل انشغلنا بحروب داخلية على يد القوى الطاغوتية. و کانت النتيجة أن لم تستطع الأمة الإسلامية الکبرى على امتداد قرون طويلة و بعد القرون الإسلامية الأولى أن تصل إلى الهدف و الغاية التي رسمها لها رسول الإسلام (ص) و الدين الإسلامي العزيز. مع أن الله تعالى أودع الکثير من الثروات المادية في البلدان الإسلامية، و کان بمقدور هذه الثروات أن تکون وسيلة لتقدمنا، لکننا من حيث العلم و الصناعة و الکثير من مؤشرات التقدّم صرنا من المناطق المتخلفة في العالم. لم يکن هذا هو ما قرّره لنا الإسلام، إنما کان بسبب أعمالنا السيئة و سلوکياتنا و غفلتنا نحن المسلمين: «ما أصابك من سيئة فمن نفسك» (3). نحن الذين أصبنا بالغفلة طوال قرون فابتلينا بهذا الوضع.
و قد اختلفت الأوضاع في العالم الإسلامي حالياً. و الصحوة الإسلامية محسوسة مشهودة في کل العالم الإسلامي. و تلاحظ حرکة و نهضة عظيمة في مراحل و أطوار مختلفة في کل العالم الإسلامي. هناك ميول للعودة إلى الأصول و الأسس الإسلامية الباعثة على العزة و التقدم و الرّقي. على المثقفين و العلماء و الشخصيات السياسية في العالم الإسلامي أن تعزّز هذه الحرکة.
من الخطأ أن يتصوّر البعض في العالم الإسلامي أن حرکة الصحوة الإسلامية بين الشباب تنتهي بضرر الحکومات الإسلامية. لا، تستطيع الحکومات الإسلامية بفضل الصحوة الإسلامية أن تستعيد العزة التي سلبتها منها القوى الاستکبارية. و من النماذج على ذلك بلدنا و ثورتنا و إمامنا الخميني. بعد أن ابتلينا لقرون طويلة بالاستبداد، و لقرنين کاملين بهيمنة الأجانب، صحونا على أنفسنا و استطاع الإمام الخميني الجليل إعادة العزة لشعبنا. لقد ساد البريطانيون و الروس و الأمريکان تباعاً في هذا البلد، و تحکموا فيه تحکماً حقيقياً. صحيح أنهم لم يکونوا على رأس الحکم في الظاهر، لکن الأمور کانت في أيديهم، و کل ما في البلد کان في أيديهم و تحت تصرفهم. و کان شعبنا محروماً من حقوقه و مصادره و عزته و الطعم الحقيقي لدينه.
و استطاع إمامنا الخميني الجليل قطع الهيمنة الاستبدادية و الاستعمارية الطويلة على بلادنا، و ذلك بالعودة للإسلام و التمسّك به، و إعادة العزة لنا. استطاع منح شعبنا الشعور بالهوية الإسلامية ليشعر أنه قادر على الوقوف على قدميه، و أن بوسعه اتخاذ القرارات و الانتخاب بنفسه، و إطلاق «لا» و «نعم» في القضايا المصيرية. لم يکن شعبنا قد تذوّق هذا الشيء منذ قرون. و هذا ما منحه له الإسلام. في أي منطقة من مناطق العالم إذا تعزّزت حرکة الصحوة الإسلامية و قامت، و شعر الناس و الشباب في ذلك البلد أنهم يقتربون من الإسلام، فإن ذلك سوف يجدد هويتهم و عزتهم.
و بالطبع فإن أعداء الإسلام لا يريدون هذا. يقول: «إن الشيطان لکم عدوّ فاتخذوه عدواً» (4). و أمريکا اليوم على رأس أعداء الإسلام، و هي الشرّ و الشيطان المتجسّد. الاستکبار العالمي اليوم هو العدو الأصلي للعالم الإسلامي، و أمريکا تقف على رأس هذا الاستکبار العالمي. هذه من المعارف الشائعة لثورتنا و نظامنا. منذ أربعة و عشرين عاماً و الثورة الإسلامية تنادي بهذا. لکن العالم و المجتمعات الإسلامية شعرت اليوم بهذا و لمسته. قضايا فلسطين و أحداثها و الفجائع التي تقع کل يوم و ليلة في فلسطين بدعم أمريکا، ماثلة أمام أنظار الناس. کيف يمکن للأمة الإسلامية أن تغمض عينيها و لا ترى هذه الفجائع؟ ما يحدث في العراق ماثل أمام أنظار الناس في العالم. إنه اختبار تاريخي و سياسي قائم أمام أنظار الناس في العالم، و خصوصاً الأمة الإسلامية. هاجم الأمريکان نظام صدام باسم الديمقراطية و الحرية، لکنهم اليوم لا يسمحون للشعب العراقي بتقرير مصيره، و يقولون يجب أن يکون الزمام بأيدينا!
يحرمون شعباً و بلداً إسلامياً من کل حقوقه الدارجة و الشائعة المقبولة عالمياً بذريعة إنکم لا تستطيعون، و يجب أن نتولى نحن الأمور.. نحن الذين يجب أن نمنحکم الديمقراطية! أية ديمقراطية؟! هل هذه ديمقراطية و حقوق إنسان؟ و بعد المذابح الهائلة التي ارتکبت ضد الشعب العراقي؟!
قالوا إننا أردنا تدمير أسلحة الدمار الشامل. و السؤال المطروح من قبل الأمة الإسلامية هو: من الذي منح الأسلحة الکيمياوية و أسلحة الدمار الشامل و وسائل الإجرام لصدام؟ هل منحها أحد لصدام غيرهم؟ هم الذين جهّزوا صداماً و أمدّوه لتوجيه ضرباته للإسلام و الثورة. طالما کان فيه أمل في التعاون و المساعدة جهّزوه و أمدّوه ما استطاعوا، و بعد أن فقد مفعوله و رأوا أنه لا ينفع لمواجهة الثورة الإسلامية و حرکة الصحوة الإسلامية، أطلقوا تلك المشاهد!
الأمة الإسلامية تشاهد هذه الأمور و هذا الاختبار. کيف يمکن للأمة الإسلامية أن تغمض عيونها؟ هذه تجارب..
ما من سبيل أمام العالم الإسلامي اليوم لاستعادة عزته و کيانه و هويته سوى العودة للإسلام. و الإسلام هنا بالطبع الإسلام الحقيقي، و ليس الإسلام المتحجّر الممتزج بالخرافات التي يروّج لها أعداء الإسلام و يقولون هذا هو الإسلام - فمثل هذا الإسلام غير کفوء و غير مجد - و لا الإسلام المتطابق مع الأصول الأمريکية و الغربية. فهذا أيضاً ليس بإسلام. کلا هذين إسلام أمريکي، و قد طرح إمامنا الخميني الجليل تقابلاً و تضاداً فقال: «الإسلام الأمريکي» و «الإسلام المحمدي الأصيل». الإسلام الأصيل الخالص، و إسلام التوحيد و الوحدة بين الأمة الإسلامية، و إسلام «و لن يجعل الله للکافرين على المؤمنين سبيلاً» (5)، و إسلام «الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه» (6)، و الإسلام القائل: «و لو أن أهل القري آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم برکات من السماء و الأرض» (7).. العودة إلى مثل هذا الإسلام هو السبيل الوحيد و الوصفة الوحيدة لعلاج أوجاع الأمة الإسلامية.. و هذا أمر ممکن. السير نحو هذا الإسلام قد عمّ اليوم کل الأرجاء، من شرق العالم الإسلامي إلى غربه، و هذا ما يبث الاضطراب و التخبّط في أعداء الإسلام.
لا تنظروا للضجيج الإعلامي للاستکبار و صخبه و تظاهره بالقوة. لقد خافوا من الإسلام، و بثت الحرکة الإسلامية العظيمة الرعب في نفوسهم، لذا فهم مضطرون لاستخدام وسائل القهر و الإکراه. و وسائل القهر بدورها لا تنفعهم و لا تعالج مشکلاتهم. وسائل القهر بإمکانها إزالة الحکومات و الأنظمة، لکنها لا تستطيع القضاء على المسيرة الإسلامية الشعبية العظيمة. الأمة الإسلامية آخذة بالاستيقاظ و النهوض، و قد أدرکوا هم هذه الحقيقة. مستقبل الأمة الإسلامية هو المستقبل الذي رسمه الإسلام. إننا بوصفنا مثقفين، أو علماء دين، أو مأمورين حکوميين، أو مسؤولين سياسيين، من واجبنا رسم هذا المستقبل، و العمل على تسريع هذا التقدّم و تسهيله.
نتمنى أن يكون هذا العيد الشريف بركة للأمة الإسلامية و عامل يقظة لنا جميعاً، و أن ينزّل الله تعالى توفيقاته علينا و يشملنا برعاية سيدنا بقية الله الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).
و السلام عليکم و رحمة الله و برکاته.

الهوامش:
1 - سورة الأنبياء، الآية 107 .
2 - سورة الجمعة، الآية 4 .
3 - سورة النساء، الآية 79 .
4 - سورة فاطر، الآية 6 .
5 - سورة النساء، الآية 141 .
6 - جواهر الكلام، ج 38، ص 194 .
7 - سورة الأعراف، الآية 96 .