بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بكل الإخوة و الأخوات.. العائلة القرآنية المجتمعة في هذا المحفل. طوبى لكم أيها الإخوة و الأخوات الذين تُعرفون بالقرآن الكريم. سمتكم أنكم من قرّاء القرآن الكريم و حفّاظه و مدراء الأنشطة القرآنية. القرآن الكريم هو الهوية التي تعرفون بها. لقد ارتحتُ لهذه الجلسة و لتلاوة الإخوة و الأساتذة و القرّاء القدماء الذين قضوا عمراً في خدمة القرآن الكريم. نسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعلكم و يجعلنا جميعاً في عداد خدّام القرآن الكريم، و أن نكون في الحياة و بعد الممات بجوار القرآن و مع القرآن و من المستفيضين و المستفيدين من القرآن الكريم.
هذه المسابقات و هذه الجلسات مناسبات للترويج للقرآن و الاقتراب إلى حقيقته و روحه. و التلاوة وسيلة للوصول إلى حقيقة القرآن و استيعاب معارف القرآن و صياغة الحياة الفردية و الاجتماعية تحت ظلاله.. هذا هو الهدف.
إذا كان القرآن هو السائد و الحاكم في المجتمعات البشرية فستنال هذه المجتمعات سعادة الدنيا و الرفعة المعنوية في نفس الوقت. القرآن الكريم يفتح أمامنا طريق السلامة و الأمن و الأمن النفسي، و يشرع أمامنا سبيل العزة و طريق الحياة الصحيحة و أسلوب الحياة السعيدة. إننا بعيدون عن القرآن. إذا تعرّفنا على القرآن و استأنسنا بمعارفه و قسنا المسافة بيننا و بين الشيء الذي أراده لنا القرآن الكريم لكانت حركتنا أسرع، و لكان طريقنا أكثر نوراً و وضوحاً. هذا هو الهدف.
أيها الإخوة الأعزاء.. أيتها الأخوات العزيزات.. العالم الإسلامي اليوم متعطش و محتاج لحقائق القرآن الكريم. ذات يوم كان الشباب و الأشخاص المبرّزون في البلدان الإسلامية من شرق العالم الإسلامي إلى غربه، إذا أرادوا أن يرفعوا أصوات التحرّر كانوا يطرحون المدارس اليسارية و الشعارات الاشتراكية و الشيوعية. و اليوم، من شرق العالم الإسلامي إلى غربه، إذا أراد من أراد أن يرفع شعار العدالة و شعار الحرية و الاستقلال و شعار العزة فإنه يرفع القرآن بيديه. هذا شيء له قيمة كبيرة جداً، و هذا هو الصحيح. يجب أن نقترب من القرآن و نستأنس به. طبعاً الكلام سهل يسير، لكن العمل صعب، فالعمل بحاجة إلى جهد و تعب.
من دساتير القرآن الكريم و أوامره أن يتحد كل أبناء الأمة الإسلامية، و يضعوا أيديهم في أيدي بعض: «و اعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا» (1). لمن هذا الخطاب؟ إنه خطاب لنا، خطاب لشعب إيران، و خطاب لشعوب البلدان المسلمة، و خطاب لكل المؤمنين بالإسلام في كل أرجاء الأرض. فهل نحن عاملون بهذا الأمر الإلهي؟
و النقطة المقابلة لهذه التعليمة القرآنية هي التعليمة الاستعمارية المتمثلة ببثّ الخلافات بين المسلمين. بعض المسلمين يكفّرون بعضاً و يلعنونهم و يتبرّؤن منهم. هذا ما يريده الاستعمار اليوم، من أجل أن لا نكون مع بعضنا. و للأسف فإن بعض الحكومات الإسلامية تنخدع فتدخل في لعبة الأعداء و تعمل لصالحهم، عن وعي أحياناً و عن غير وعي منها في أحيان أخرى.
الاتحاد و الوفاق بين المسلمين في الوقت الراهن فريضة فورية. لاحظوا أية مفاسد تجرّها الحروب و الاختلافات. انظروا أية فجائع يخلقها الإرهاب الأعمى في العالم الإسلامي بذرائع طائفية مختلفة. لاحظوا كيف يتنفس الكيان الصهيوني الصعداء ارتياحاً لمشاهدته هذه الخلافات التي أوجدوها بيننا نحن المسلمين. كلما أرادت البلدان الإسلامية و الشعوب المسلمة الاقتراب بعضها من بعض يطلقون مؤامرة و يفتعلون حدثاً يحول دون ذلك. هذه أمور يجب أن تفتح أعيننا و توعّي الشعوب المسلمة و تميّز وجوه الرؤساء و الحكام المخلصين عن الحكام العملاء المنصّبين من قبل الأعداء. الساحة هنا ساحة امتحان.
كل حنجرة تدعو في الوقت الحاضر لوحدة العالم الإسلامي هي حنجرة إلهية ناطقة من الله. و كل حنجرة و لسان يحرّض الشعوب المسلمة و المذاهب الإسلامية و الطوائف المسلمة المتنوعة على العداء في ما بينها، و يثير عصبيات المسلمين بعضهم ضد بعض فهو لسان ناطق من الشيطان. «من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، و إن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد أبليس» (2). الذين يتكلمون عن لسان إبليس يأخذون أنفسهم و مستمعيهم إلى جهنم. «ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً و أحلّوا قومهم دار البوار، جهنم يصلونها و بئس القرار» (3).. «يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار» (4).. بشأن فرعون.
الذين يُبعدون العالم الإسلامي اليوم عن الاتحاد و التلاحم - و الحال أن الحاجة إلى التلاحم اليوم أكثر من أي وقت آخر - يعملون في الحقيقة لصالح الشياطين و الأبالسة. ترون اليوم أن الأجهزة الاستعمارية و مدراء الشركات النفطية و التجارية الكبرى في العالم و هذه الكارتلات ينفقون الأموال و يخططون من أجل محاربة الإسلام. يحرقون القرآن الكريم و يهينون اسم الرسول الأكرم (ص) المبارك و يرسمون و ينشرون الكاريكاتيرات و يكتبون الكتب، و يثيرون المشاعر القومية في كبريات العواصم الأوربية ضد المسلمين - و أنتم ترون هذا على كل حال فهي أشياء واضحة و جلية - فما معنى هذا؟ معناه محاربة الإسلام.
الأعداء الغربيون يشهرون اليوم السيوف ضد الإسلام و المسلمين بكل قوة. فما هو واجب المسلمين قبال ذلك؟ على المسلمين العودة إلى عناصر و عوامل قوّتهم. على المسلمين تصعيد عوامل اقتدارهم و قوّتهم في داخل أنفسهم يوماً بعد يوم. و من أهم عوامل الاقتدار الاتحاد و الوفاق. هذا درس لنا و للشعوب المسلمة.
هذه الجماعة المجتمعة هنا و هذه المسابقات التي تقيمونها نموذج و شكل نموذجي مصغر لاتحاد المسلمين، فاعرفوا قدر ذلك. ينبغي معرفة قدر هذه الاجتماع و التقارب و الأنس و التفاهم بينكم. تلاحظون أنكم جميعاً عشاق للقرآن و محبّون للقرآن و محبّون للوجود المبارك لخاتم الأنبياء و الرسل (ص). كلكم أشخاص تودّون أن تعيشوا بالقرآن، و تحبون أن تحشروا يوم القيامة مع القرآن. هذا ليس بالقاسم المشترك الصغير، بل هو وجه اشتراك كبير. إنه شيء أكبر و أكثر من كل أوجه الاختلاف.
هذه هي نصائحنا القرآنية. نتمنى أن نستلهم الدروس إن شاء الله من القرآن الكريم و ننتفع منه و نصغي لنصائحه. نسأل الله سبحانه و تعالى أن ينصر شعب إيران و يرفع من درجات الشهداء الأبرار، و يحشر الروح الطاهرة لإمامنا الخميني الجليل مع الرسول الأكرم (ص)، و يزيد يوماً بعد يوم من اتحاد الأمة الإسلامية و تلاحمها.
و السلام عليكم و رحمة الله.

الهوامش:
1 - سورة آل عمران، الآية 103 .
2 - بحار الأنوار، ج 2 ، ص 94 .
3 - سورة إبراهيم، الآيتان 28 و 29 .
4 - سورة هود، الآية 98 .