بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.
أهلًا وسهلًا بكم، وإن شاء الله، تكون بداية السنة هذه تبشّر بسنة مباركة لكم جميعًا وللشعب الإيراني بأكمله. هذا العام، جاء النوروز وبداية السنة في تزامنٍ مع أيّامٍ وليالٍ متباركة، ما أضفى عليه أجواءً معنويةً أكثر. طبعًا، ينبغي أن نتذكّر دائمًا أنّ الإيرانيين، في الأعوام كلها، ينظرون إلى عيد النوروز بنظرة معنوية مصحوبة بالتوسّل والتوجّه إلى الحضرة الأحدية؛ ولذلك نبدأ دائمًا بداية العام بالدعاء، وحتى الذين يسافرون في عيد النوروز في مختلف السنين، يتوجّهون غالبًا إلى الأماكن المتبرَّكة. هذا العام، رأيتم لحظة تحويل السنة الحشود العظيمة التي اجتمعت في الصحن الرضويّ المطهّر، في [مدينة] مشهد، أو الليلة السابقة عندما ملأ أهالي طهران «بهشت زهرا» بالحشود الغفيرة؛ هذا إنما يدلّ على أنّ أناسنا الأعزاء يعدّون النوروز عيدًا معنويًّا أيضًا، ويبدؤون عامهم بالتوجّه والتوسّل إلى الله المتعالي. يجب أن نشكر الله على أنّه، رغم الدعايات السامّة والمسمومة التي يبثّها الأعداء لفصل الشعب الإيراني عن الروحانيّة، فقد باءت هذه الدعايات ومحاولات العدو الشاملة بالفشل. لقد ازداد شعبنا قربًا من الروحانية والتوجّه إلى الله والتوحيد والتوسّل بالأئمّة (عليهم السّلام)، وازدادت محبّته ومودّته وإخلاصه لهم.
هذه الأيام مُرتبطة بأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، وهذا بحدّ ذاته درسٌ لنا أيضًا. أمير المؤمنين (ع) قمّة العدالة والتقوى والتسامح عبر التاريخ. إذا أراد الشعب الإيراني والشعوب الإسلامية الاستفادة من دروس هذا الإنسان العظيم، وأفضل الناس بعد النبي الأكرم (ص)، فعليهم الرجوع أكثر إلى «نهج البلاغة». أوصي بأن يولي الناشطون في المجال الثقافي، هذا العام، اهتمامًا خاصًا بدراسة «نهج البلاغة» وتعليمه.
ما أودّ أن أقوله للجميع هو ألا تفوتوا فرصة الدعاء والتضرع في هذه الليالي. الليلة القادمة هي ليلة الحادي والعشرين، وبعدها ليلة الثالث والعشرين؛ هذه فرصٌ ثمينةٌ، وكلّ ساعةٍ منها تعادل عمرًا بأكمله. يمكنكم - خاصةً الشباب، خاصة الشباب - أن تُغيّروا، بتوجّهٍ وبدعاء وبإخلاصٍ، مصير حياتكم، بل حتّى مصير شعب بأسره؛ بدعاءٍ واحد! فقد وعدَ الله المتعالي: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} (البقرة، 186)؛ يقول الله المتعالي: أنا قريب وأسمع وأجيب. {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} يعني صدِّقوا. صدِّقوا ذلك، واعلموا أن دعاءكم وطلبكم وتضرّعكم تُسمَع وتُستجاب من الله المتعالي، شريطة ألا نضع الموانع نحن أنفسنا. الدعاء هذا هو وسيلة للتوفيق، ليس فقط من أجل المسائل الأخروية ومن أجل البرزخ والقيامة، بل حتى من أجل دنياكم وحياتكم الشخصية؛ بل حتى في المعارك الكبيرة وفي الأعمال العظيمة، يعدّ الدعاء وسيلة فعّالة، فهو سبب ووسيلة، وقد منحنا الله هذه الوسيلة وجعلها في متناول أيدينا، مثل التوسل بالأئمة (عليهم السلام). الأئمة هم خلفاء الله ومظهر القدرة الإلهية ومظهر العلم الإلهي. نحن نطلب منهم ما أودعه الله المتعالي لدى عباده الصالحين، فما يفعلونه، والمساعدة التي يقدّمونها، هي مساعدة من الله لنا؛ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّـهَ رَمَى} (الأنفال، 17). التوسل بأولياء الله وأئمة الهدى (عليهم السلام) والتضرع إلى الله هي أمور منحنا الله إياها نحن العباد، ويجب أن نقدّرها.
كان أنبياء الله يتوسّلون ويدعون في خضمّ مشكلاتهم الكبيرة. النبيّ موسى (ع)؛ ينقل القرآن الكريم عن موسى (ع) أنّه قال في خضمّ كفاحه ضدّ فرعون، الذي كان بتلك الشدّة: {رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (يونس، 88). يدعو الله من أجل أن يتغلّب على فرعون، ويطلب العون من الله المتعالي. في معرض الردّ أيضًا، يقول الله المتعالي: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} (يونس، 89)؛ دعوتما الله وطلبتما النصر في المواجهة مع فرعون، طلبتما هذا؛ حسنًا، {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}، قد لُبّيَ طلبكما، «فَاسْتَقِيمَا». اصمدا بصلابة وثبات وأمل! قد طبّق موسى (عليه السّلام) هذه التوصية الإلهيّة ونفّذ هذا الأمر الإلهي، وفي مواجهة الدّم والسّيف، جعلَ اللهُ الدّم ينتصر على السّيف. هكذا كانت حال كفاح الشّعب الإيراني أيضًا؛ بالتوسّل والدعاء والتوجّه والاستقامة والصّمود؛ وكذلك ستكون دومًا.
طبعًا، جبهة الحق تدفع ثمنًا في هذه المواجهة، إنها تقدّم التضحيات أيضًا. أود أن أؤكد هذه النقطة؛ فلتنظروا إلى أحداث عام 1403 – أي العام الماضي – من هذا المنظور. النّصر حليفُ الحقّ في المواجهة بين الحقّ والباطل، ولكنّ جبهة الحقّ تدفع الأثمان. في حرب الأعوام الثمانية، في «الدفاع المقدّس»، كنّا في طرف، وتحالفٌ عالميٌّ كان في الطرف المقابل، خلف صدّام. استمرّت الحرب ثمانية أعوام، ثمّ بعد هذه الأعوام الثمانية رضخ العالم كلّه لحقيقة أنّ إيران، الوحيدة والخالية الوفاض، انتصرت على الطرف المقابل. هذا ما أدركه الجميع وصرّحوا به وأقرّوا به. لكنّنا في سبيل هذا الانتصار فقدنا كثيرين من أمثال همّت وباكري وخرّازي وشمران. نعم، هذه خسائر وهذه أثمان، ولكنّها في سبيل الانتصار النهائي. فقدنا شخصيّات عظيمة في أحداث العام الماضي. فقدنا شخصيّات إيرانيّة ولبنانيّة عظيمة، وكانت هذه خسارة فادحة بالنسبة إلينا، كما حدث في قضيّة النبيّ موسى (ع). حين جاء النبي موسى (ع) إلى مصر، لم يكن يعيش حياة هادئة وهانئة، بل كان هو ومعه بنو إسرائيل يعيشون أقصى درجات الشدّة. قال بنو إسرائيل له: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} (الأعراف، 129)، أي إنّهم قبل أن يقف النبيّ موسى (ع) في وجه فرعون بوصفه نبيًّا، كانوا يتعرّضون للتعذيب، وبعد مجيئه استمرّ تعذيبهم. قال لهم النبي موسى (ع): {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} (الأعراف، 128)، أي استعينوا بالله المتعالي واطلبوا منه العون واصبروا واستقيموا، الأمور ستسير على ما يرام؛ وقد سارت على ما يرام. الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يشتكون من التعذيب المستمرّ، رأوا بأعينهم كيف غرق فرعون والفرعونيّون في الماء بمنتهى الذلّ. لقد أُبيدوا ولم يبقَ لهم أيّ أثر. لم يبقَ من سلطانهم سوى أجسادهم على مرأى من العيون، ليصبحوا عِبرة. انظروا بهذه العين إلى الأحداث التي تحصل، وكذلك إلى المصاعب والمشقّات، وليس فقط في مجال الكفاح. في العام الماضي، عام 1403 هجري شمسي، واجهنا أيضًا حوادث طبيعيّة مريرة، كما حدث في طبس، حيث فقدَ أكثر من 50 شخصًا أرواحهم في أحد المناجم.[1] حسنًا، هذه كوارث وهي أليمة، ولكن: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا}. ردّ النبي موسى (ع) كان: استعينوا بالله المتعالي واطلبوا منه العون واصبروا. لا تشكّوا في أنّ مآل هذا الصّمود هو هزيمة الأعداء وهزيمة الكيان الصهيوني الخبيث والفاسد والفاسق.
النقطة المهمة التي ذكرتها أمس في نداء تحويل السنة،[2] وأود أن أؤكدها، هي أنه في هذه الأحداث المريرة لعام 1403، تَجَلَّت القوة الروحانية لدى الشعب الإيراني؛ فقد تجلى صبر الشعب الإيراني وثباته وشهامته وبسالته. الشعوب تنهار إزاء حادثة مثل استشهاد رئيس جمهوريتها ومجموعة من مسؤوليها، ولكن الشعب الإيراني أظهر رد فعله تجاه هذه الحادثة في ذلك الوداع الملحمي الضخم؛ أي المشهد العظيم لمشاركة الناس في تشييع جثمان رئيس جمهوريتهم المحبوب[3]. أو في «صلاة جمعة النصر»[4] التي أدهشت العالم؛ فقد أقيمت تلك الصلاة التاريخية في أنحاء البلاد جميعها، وحضر الناس. كان العدو يهدد، ويريد أن يشعر الشعب بالخطر؛ ولكن الشعب تصدّى لهم وحضر؛ فكانت حشود قلّ نظيرها. أو في انتخابات رئاسة الجمهورية،[5] عندما أظهر الشعب نشاطه واستعداده لكي لا تتعطل أمور البلاد، فشارك في الانتخابات، وفي غضون خمسين يومًا، انتخب رئيسًا للجمهورية وشكل الحكومة. في تشييع الشهيد هنيّة،[6] وفي مختلف التشييعات، وفي التعامل مع أحداث لبنان وفلسطين وغيرها، أظهر الشعب الإيراني قوته الروحانية وروحيته [العالية]؛ وكانت ذروة ذلك كله في مسيرات الثاني والعشرين من بهمن (11 شباط/فبراير). كانت مسيرات الثاني والعشرين من بهمن عام 1403 واحدة من تلك المسيرات التاريخية؛ فبعد 46 عامًا، يُقدم الشعب الإيراني على هذه الحركة الشعبية العظيمة في يوم الثاني والعشرين من بهمن، تخليدًا لذكرى الثورة التي تصرخ أمريكا ضدها وتبذل جهدها ضدها، كما إن أوروبا تبذل سعيها ضدها، ويتآمر المنافقون حول العالم بمختلف أصنافهم وأشكالهم، وكذلك المتغطرسون والفسّاق والفجّار أينما كانوا في العالم وامتدّت أيديهم ضد الجمهورية الإسلامية. لقد عرّف الشعب الإيراني العالمَ إلى حقيقته.
أيها الأعزاء، فلنعرف أنفسنا؛ فليعرف الشعب الإيراني نفسه أيضًا. نحن شعب قوي ونحن شعب شجاع. هذه القضايا كلها، هذه الشجاعة وهذا الحضور وهذا الدخول إلى الميدان، حدثت رغم المشكلات الاقتصادية التي أحاطت بالناس. مثل هذه المشكلات الاقتصادية عادةً ما تُحبط المجتمعات البشرية وتثبطها، ولكن شعبنا رغم هذه المشكلات كلها دخل الميدان ودافع عن النظام. لقد رأى أعداء النظام رغم أنوفهم أنّ الشعب الإيراني متمسك بالجمهورية الإسلامية.
وفي مجال العمل من أجل البلاد، أظهر الناس نشاطًا في أدائهم. طبعًا، لقد قلت بالأمس، وأعاود تكرار ما قلته، إنّ ذاك الشعار الذي أطلقناه في العام الماضي،[7] لم يتحقّق على نحوٍ كامل، وهذا واقع له نقاشه، ولكن في ميدان العمل وفي ميدان الإعمار والازدهار والتقدّم والبناء، لم يقصّر الناس على الأقل، للحقّ والإنصاف. لقد أُنجِزَت أعمالٌ عظيمة، وقد قدّموا التقارير بشأن بعضها في تلك الجلسة التي اجتمع فيها روّاد الأعمال في هذه الحسينيّة؛[8] وبُثّت بعض تلك الأعمال التي أُنجِزَت. لتلاحظوا الآن أيضًا أنّه في الأشهر القليلة الماضية، افتُتِحت مشاريع مفيدة عدة للناس في أرجاء البلاد – بعضها كبير، وبعضها صغير، ولكنّها كثيرة ومتعدّدة – وهذا يثبت أنّ الناس ينشطون، والحمد لله، في ميدان العمل. طبعًا، نحن لسنا قانعين بهذا الحدّ، فهناك كثير من الأعمال التي يجب أن تُنجز، وقد جعلتُ أحدها في شعار هذا العام، وسأشرحه باختصار.
أنا أكرّر الحديث عن قضيّة الإنتاج منذ عدد من الأعوام؛ الطفرة الإنتاجيّة ومشاركة الناس في الإنتاج وأمثال هذه الأمور. هذه كلّها مرتبطة بالإنتاج، لماذا؟ لأنّ الإنتاج أحد المفاتيح الرئيسيّة لتحسين اقتصاد البلاد ومعيشة الناس. الإنتاج المحلّي ينطوي على أهميّة كبيرة، ولكنّ الإنتاج يحتاج إلى الاستثمار، وفور أن نتحدّث عن الاستثمار أيضًا، تتجه أذهان بعض الأشخاص نحو استثمارات الأجانب، لا، [بل] استثمارات شعبنا نفسه، تلك السيولة نفسها التي يمتلكها النّاس، تلك التي ينفقها بعض الأشخاص على شراء المسكوكات والأراضي والعقارات والعملات الصعبة، فيسبّبون المشكلات للبلاد – هي إضافة إلى أنها لا تحقق ربحًا، تسبّب المشكلات أيضًا –، هذه السيولة نفسها إذا أُنفقت على الاستثمار من أجل الإنتاج، فإنّ البلد سيتقدّم. الاستثمارات الصغيرة وصولًا إلى الاستثمارات الكبيرة، بدءًا من مزرعة دجاج صغيرة ومحدودة وصولًا إلى مصنع ضخم، هذه كلّها استثمارات ويمكن فعلها.
قلت – أنا العبد – إنّ [شعار] هذا العام هو «الاستثمار من أجل الإنتاج». على الجميع – الناس والحكومة – أن يهتمّوا بهذا المجال وهذا الشعار ويساعدوا قدر استطاعتهم. لكلّ واحدٍ منهم مهمّةٌ أيضًا، تقع على عاتق الناس مهمّة وعلى عاتق الحكومة مهمّة. مهمّة الناس هي أن كلّ من يستطيع ويملك مالًا وتتوافر لديه إمكانيّة ليؤسّس مركز إنتاج، وإن كان صغيرًا، عليه أن يفعل هذا – أولئك الذين شحذوا الهمم وبادروا، جنوا أرباح ذلك، وربح البلد والنّاس كذلك –، وصولًا إلى روّاد الأعمال ومديريها والمؤسسين لفرص العمل الكبيرة، الذين يستطيعون توفير فرص العمل لعدّة آلاف من الأشخاص عبر الإنتاج، هؤلاء جميعًا [يتحمّلون المسؤوليّة]. هذا بشأن الناس.
ما هي مسؤوليّة الحكومة؟ مسؤوليّة الحكومة هي أن توفّر الأرضيّة لهذا العمل. هذه هي مسؤوليّة الحكومة: أن توفّر الأرضيّة. الحكومة قائمة بحمد الله – لدينا حكومة قائمة، والأمر ليس كما كان في العام السابق إذ حدثت بعض التغييرات والاستبدالات وأمثال هذه الأمور – وفي مقدورها أن تخطّط حتى تتمكّن من توفير الأرضيّات. إنّ زيادة الإنتاج تحتاج إلى بعض المقدّمات، وأهمّها زيادة الاستثمار. إذا زاد الاستثمار، فإنّ الإنتاج سيزيد. هذه توصيتي – أنا العبد – في هذا العام لأفراد الناس.
طبعًا، الناس ومن يملكون القدرات، يحتاجون إذا قرّروا الاستثمار، إلى أن يكون استثمارهم آمنًا، وكلامي هذا أوجّهه إلى القوى الرقابيّة المسؤولة في مختلف الأجهزة، إن كان في الحكومة أو في السلطة القضائيّة أو في مجلس الشورى الإسلامي؛ الاستثمار الآمن. يجب أن يشعر الذين يرغبون في الاستثمار بالأمان. إذا لم يتوافر الشعور بالأمان، فلا تتقدّم الأمور إلى الأمام ولا يُقدمون [على الاستثمار]. نحن نلاحظ أحيانًا في بعض الأماكن أنّ الأجهزة الرقابيّة كأنّما هي غير موجودة إطلاقًا وهي غائبة، [ولذلك] تُرتكب بعض الانتهاكات، وهذا خطأ. لكن في بعض المواضع، تتشدّد الأجهزة الرقابيّة على نحو غير مبرّر، وهذا خطأ أيضًا. هذا أوّلًا. القضيّة الأخرى هي استقرار القوانين واللوائح، فيجب ألّا تتغيّر اللوائح والتعاميم والأنظمة يوميًا، حتى يكون المستثمر واثقًا أنّه يستطيع أن يطمئنّ ويستثمر. هناك حاجة أخرى هي بعهدة المسؤولين أيضًا، وهي أن يُقلّصوا مسار عمليّة الاستثمار. أحيانًا يكتبون لنا الرسائل ويشتكون بأنّنا نودّ الاستثمار، فيجعلوننا نتعطّل لعامين أو ثلاثة حتى يمنحونا ترخيصًا! هذا أيضًا غير صحيح. يجب أن يُقلّلوا الوسطاء وأن يتمكّنوا من تسريع العمل في هذا المجال. القضيّة الأخرى أيضًا هي قضيّة الاستيراد. أحيانًا تنجح شركة ومركزٌ معيّن في إنتاج منتجٍ معيّن في الداخل بعد جُهدٍ جَهيد، وفي الوقت عينه، يبادر جهازٌ آخر – حكوميّ أو غير حكومي – إلى استيراد ذاك المنتج نفسه من الخارج! حسنًا، هذه ضربة إلى الإنتاج المحلّي. على الحكومة أن تفرض رقابة على هذه الأمور كلّها.
من شروط الاستثمار [أيضًا] التعريف بالفرص. يقول الناس: «حسنًا، لدينا مقدار من المال، ماذا نفعل؟ كيف نستثمر؟» يجب أن يُوجَّه هؤلاء. لتعرّف مختلف الأجهزة، مختلف الأجهزة الحكوميّة، فرص العمل ضمن نطاق عملهم، وليذكروها للناس وليُستفَد من التلفاز وليجرِ شرحها، وليُرشَد الناس ويُقَل إنه يمكنكم الاستثمار هكذا. مثلًا [الاستثمار في] الشركات المعرفيّة من الأعمال التي يُمكن أن تحدث في هذا المجال.
على أيّ حال، إذا أراد مسؤولو البلاد معالجة مسألة معيشة الناس، وهم فعلًا يريدون ذلك، ونعلم يقينًا أنّ مسؤولي البلاد، مسؤولي الحكومة، مصرّون على تحسين الأوضاع المعيشية للناس، فإنّ هذا الهدف لا يتحقق بمجرد الإجراءات الداعمة، رغم أهميتها، بل يحتاج إلى خطوات جذرية، ومن بين هذه الخطوات الجذرية قضية الإنتاج والاستثمار، لذا يجب أن نسعى جاهدين إلى تحقيقها. طبعًا، الكلام كثيرٌ في هذا المجال.
ليُوجّه الأفراد المطّلعون على القضايا الاقتصاديّة والمسؤولة الناسَ مع الشعور بالمسؤوليّة، وليُبيّنوا السُّبل والأعمال، وليوجّهوا الحكومة وليساعدوها. بعض الأشخاص لديهم سبلٌ للحل أيضًا، ويكتبون الرسائل إليّ ويقدّمون المقترحات. حسنًا، القيادة لا تتدخّل في وضع المخطّطات الاقتصاديّة، أي لا تملك الحقّ في التدخّل، وهذا من ضمن مسؤوليّات الحكومة، وعليها أن تنهض بهذا العمل، ونحن نرسلها إلى الحكومة أيضًا. الأساس هو أنّ المسؤولين الحكوميّين يجب أن يعلموا ما هي المسؤوليّات الملقاة على عواتقهم وما هي التوقّعات منهم، وأن يؤدّوها، إن شاء الله. هذا بشأن قضيّة شعار العام.
لأتطرّقْ إلى قضيّة، وهي التصريحات السياسيّة في هذه الأيام، تصريحات الأمريكيّين والإدارة الأمريكيّة؛ أحدهم يقول شيئًا وآخر يُكمل كلام الأوّل، وآخر يرفضه، وآخر يُثبته. سأكتفي بذكر نقطة أو اثنتين. النقطة الأولى نقطة مهمّة، وهي أنّ الأمريكيين يجب أن يعلموا أن التهديد لن يصل إلى نتيجة أبدًا في مواجهة إيران. الموضوع الثاني؛ ليعلموا، هم وغيرهم، أنهم سيتلقّون صفعة قاسية إذا أقدموا على أي خباثة تجاه الشعب الإيراني.
أما الموضوع التالي، فهو أن السياسيين الأمريكيين والأوروبيين وأمثالهم يرتكبون خطأً كبيرًا، إذ يطلقون على مراكز المقاومة في المنطقة اسم «قوات إيران بالوكالة»، فهم بذلك يهينونها. لكن ما معنى «قوات بالوكالة»؟ الشعب اليمني يمتلك الدافع، وحركات المقاومة ومراكزها في دول المنطقة تمتلك الدافع، وجمهورية إيران الإسلامية ليست بحاجة إلى قوات بالوكالة. ما معنى القوات بالوكالة؟ إنهم موجودون في الميدان منذ البداية. في بدايات غصب فلسطين، كان اليمن في طليعة الدول اليت تصدّت لهذه الخطوة، ونهض حاكمه آنذاك وشارك في لقاء دولي وعارض ذلك. هؤلاء يعارضون هذه العداوات والفظائع وأشكال الظلم كلها التي يمارسها الكيان الصهيوني الغاصب والخبيث بحق الناس، سواء في الماضي أو اليوم، وهم يعترضون ويصمدون ويقاومون. لا يدور الأمر هنا حول قوّات بالوكالة، بل إن خطأهم الكبير هو ظنهم أن هؤلاء يفعلون هذا بالوكالة عن إيران. كلا، إنهم لا يفعلون ذلك بالوكالة. رأينا واضح، ورأيهم واضح أيضًا.
إنّ الفظائع التي يرتكبها الكيان الصهيوني، الكيان الصهيوني العديم الرحمة، وكلمة «العديم الرحمة» هي حقًا كلمة صغيرة بحقه، قد آلمت اليوم قلوب كثير من الشعوب غير المسلمة، وتنطلق مسيرات ضدّ الكيان الصهيوني في أمريكا وبعض الدول الأوروبية. لا يريدون أن يروا هذه الأمور. السياسيون الغربيون لا يريدون أن يروا هذه الأمور، وأن يُدركوا ما يدور في فكر شعوبهم ويعلموه. يقولون: اقطعوا ميزانية تلك الجامعة التي نزل طلابها وتظاهروا لمصلحة فلسطين في أمريكا.[9] هذه هي حرية التعبير! هذه أيضًا الليبرالية والحرية وحقوق الإنسان! هؤلاء يتعاملون على هذا النحو، وإنّ الشعوب اليوم تعارض هذه الفظائع التي يرتكبها الكيان الصهيوني، إنها تعارضها حتمًا وتقاوم على النحو الذي تستطيعه، ويقاوم كلّ من يستطيع منها. الجمهورية الإسلامية واقفة بصلابة أيضًا في وجه هذه الغطرسات وهذه الفظائع، وقد أعلنّا مواقفنا بصراحة. نحن ندعم المناضلين الفلسطينيين واللبنانيين الذين يدافعون عن بلدهم، عن فلسطينهم، عن غزة وفلسطين. دائمًا ما كان هذا منهج الجمهورية الإسلامية. طبعًا، إنهم يهددوننا، فليعلموا أننا لم نكن يومًا البادئين في الاشتباك والمواجهة مع هذا وذاك، ولكن إذا أقدم أحدهم على خباثةٍ وبادر إليها، فليعلم أنه سيتلقى صفعاتٍ قاسية.
اللهمّ، أنزل في هذا اليوم الأوّل من العام تفضلاتك وألطافك على هذا الشّعب. اللهمّ، اجعل هذا العام عامًا مباركًا للشعب الإيراني وللشعوب المسلمة، واجعل الغلبة للشعوب المظلومة على الظالمين، وانصرها عليهم. اللهمّ، بمحمّدٍ وآل محمّد (ع)، اغفر لنا. بلّغ الشعب الإيراني أهدافه العظيمة، وأرضِ عنّا القلب المقدّس لصاحب العصر (عج)، واجعل الإمام [الخميني] الجليل الذي شرّع أمامنا هذا الطريق والأرواح المطهّرة للشهداء الأعزّاء الذين نصروا الإمام الجليل راضين عنّا ومسرورين، وأنزل رحمتك ومرحمتك عليهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] أسفر الانفجار في منجم الفحم الحجري «معدنجوي» في طبس، الذي نتج عن تسرّب الغاز وسوء التهوية وانفجار في أحد الأقسام، عن استشهاد وإصابة عشرات العمال.
[2] كلمته بمناسبة تحويل السنة وبداية سنة 1404 ه. ش.، 21/3/2025.
[3] تشييع شهداء الخدنة، 22/5/2024
[4] صلاة الجمعة، 4/10/2024.
[5] أُقيمت الجولة الأولى من الدورة الرابعة عشرة للانتخابات الرئاسية في 28/6/2024، فيما جرت الجولة الثانية في 5/7/2024.
[6] استشهد السيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، الذي كان في طهران لحضور مراسم تنصيب الرئيس الدكتور مسعود بزشكيان، في العملية الإرهابية التي وقعت في محل إقامته بتاريخ 13/7/2024.
[7] «الطفرة الإنتاجيّة بمشاركة شعبيّة». راجع: كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة حلول العام الجديد، 20/3/2024.
[8] كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع المنتجين والناشطين الاقتصاديّين في القطاع الخاص، 22/1/2025.
[9] قطعت الحكومة الأمريكيّة مساعدات ماليّة بقيمة 400 مليون دولار عن جامعة كولومبيا بسبب اتهامات وُجّهت لها بشأن معاداة اليهود. كما هدّدت وزارة التعليم الأمريكيّة، عقب مسيرات احتجاجيّة داعمة لفلسطين، 60 جامعة بقطع الموازنات عنها.