بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيّما بقية الله في الأرضين.

أرحّب بكم كثيراً أيّها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، هذا الجمع المحترم والعزيز جداً. أبارك يوم المعلّم أو أسبوع المعلم لكم جميعاً أيّها الأعزاء الحاضرون ولكلّ المسؤولين المحترمين في وزارة التربية والتعليم، والمعلّمين الأعزاء، والموظّفين الكرام، وللوزير المحترم ولكلّ المعلّمين في جميع أنحاء البلاد.

لهذه الجلسة بنظري أهميّتها، وذلك لأسباب متعدّدة منها: أنّها [تدور] حول أهم موضوع حضاري بالنسبة لنا ألا وهو التربية والتعليم، ومنها أنّ يوم المعلّم هو في الأساس يوم مقترن باسم الشهيد والشهادة، ولأسباب مختلفة أخرى سوف أعرض لها في ثنايا الكلام. لقد كان شهيدنا العزيز المرحوم الشيخ مطهري (رضوان الله تعالى عليه) معلّماً مخلصاً بالمعنى الحقيقي للكلمة. كان يفكر بنحو جيّد، ويبين ويتكلّم بنحو جيّد، ويتابع بطريقة جيّدة، ولم يكن من أولئك الذين يتكلّمون فقط ليسقطوا التكليف عنهم. كنّا نشاهد عن كثب كيف كان يتابع بإخلاص، رسوخ أفكاره الإسلامية العميقة في أذهان شباب ذلك العصر، مع كلّ القيود والظروف القاهرة التي كانت موجودة آنذاك، وقد استشهد في هذا السبيل، وهذا أمر مهمّ. هذه الشهادة هي إمضاء وتصديق مؤكّد من قبل الحقّ المتعال على سجلّ أعمال هذا الشهيد العزيز.  

حسنٌ، شريحة المعلّمين شريحة شريفة ومحترمة حقّاً، والسبب أنّ الرصيد الإنساني بالنسبة لبلد ما، وحضارة ما، وشعب ما أهمّ من كلّ الأرصدة. بمعنى أنّكم إذا كنتم تمتلكون الأموال لكنّكم تفتقرون إلى الرصيد الإنساني المعتبر فلن تحقّقوا أيّ نتيجة تذكر؛ [تماماً] مثل هذه البلدان الثريّة التي ترون أين تنفق أموالها، وإلى يد من  تذهب؟ فجيوبهم الواسعة المليئة بالأموال توضع بنحو سفيه جدّاً تحت تصرّف أيدٍ خائنة للإنسانية؛ نتيجة أيّ شيء هذا؟ [هذا بسبب أنّ] لديهم أموالاً وليس لديهم إنسان، لديهم المال وليس لديهم مفكّرون ولا طاقات إنسانية، وأرصدتهم الإنسانية ضعيفة. إذا ما توافرت لنا مصادر جوفية كبيرة من دون أن تتوفر لنا طاقات وقوى بشرية فلن يكون في ذلك فائدة. لقد كانت بلادنا نائمة على بحر من النفط، ولم نكن نعلم بذلك، ولم نكن نحسن شيئاً، فما كانت النتيجة؟ النتيجة كانت أنّ الذين يعلمون بالأمر، ويتقنون الفنّ اللازم [لذلك]، جاءوا وسيطروا على نفطنا. فكانوا يأخذون نفطنا ويشيّدون [به] حضارتهم ويشغّلون مصانعهم، وخلال فترة الحرب التي قامت استفادوا من هذا النفط [لتحقيق] انتصاراتهم، وكانوا لا يعطوننا سوى القليل منه. هكذا كان الوضع في زمن الطاغوت. وهذا نتيجة عدم الاستثمار في المصادر الإنسانية. حسنٌ، أنتم الآن تنتجون هذه الطاقات الإنسانية. لاحظوا أين تكمن أهمية هذه العملية! أنتم الذين تربّونهم وتهذّبونهم وتنشئونهم. أنا لست من أهل المجاملات، وما قلته عن تأثير المعلم على الطالب الجامعي أو تأثيره في التربية والتعليم، على مدى سنين طويلة نابع من هذا الشعور ومن هذه القناعة، وهي أنّ للمعلّم مثل هذا الدور. أنتم في الواقع المؤسّسون، أنتم مؤسّسو الحضارة الجديدة، لأنّه إذا لم تكن هناك طاقات إنسانية لائقة ومعتبرة فلن تقوم حضارة. أنتم مجاهدون في ساحة المعركة ضدّ الجهل والأميّة. لاحظوا، إنّكم بجهادكم تخرجون الشابّ والطفل والحدث من وادي الأميّة والظلمات إلى وادي النور والعلم، وهذه عمليّة صعبة. أنتم في الواقع تصنعون الهويّة الثقافية، وصناعة الهويّة قضيّة على جانب كبير جدّاً من الأهمية؛ صناعة الهوية للأفراد في المجتمع قضيّة بالغة الأهمية، ومن المهم جداً أن يشعر الأفراد بهويّتهم. هوية الإنسان بثقافته وبمعلوماته وبأسلوب حياته. الحضارة قائمة على أساس الثقافة، وإذا لم تتوفر الثقافة القويّة الغنيّة فلن تظهر الحضارة بمعناها المصطلح الشائع.

ما هي الثقافة؟ إنّها مجموعة العناصر البانية والمكوّنة لفكر الإنسان وسلوكه، هذه هي الثقافة. من أين تنبع هذه الثقافة؟ الثقافة بدورها تعتمد على الفكر والتفكير والرؤية الكونية، وطبيعة فهم الإنسان والمجاميع البشريّة للعالم والوجود والخلقة وما إلى ذلك. هذه هي الركائز الأساسية للثقافة والحضارة.
    أيّها الأعزاء ـ إلتفتوا جيداً، خاصّة المسؤولين الأعزاء المحترمين الحاضرين هنا ـ فهنا تتجلّى خطورة الوثيقة 2030 ، فالوثيقة 2030 هذه الخاصّة بالتربية والتعليم وما شاكل، تتضمّن فصلاً مهمّاً يتعلّق بالتربية والتعليم. وهنا لبّ الكلام، حيث يجب على النظام التعليمي أن يعلّم الطفل أسلوب الحياة وفلسفة الحياة على أساس الركائز والمباني الغربية. هذا هو لبّ الكلام في الوثيقة 2030 . فما معنى هذا؟ معناه أنّ عليك، أنت الإنسان المتديّن، المحبّ لوطنك وبلادك ولمستقبلك، أن تنتج في صفوفك التعليميّة جنوداً للغرب. اسمعوا، اسمعوا، هنا موضع الاستماع والإصغاء وليس موضع رفع الشعارات، إلتفتوا جيداً. ولهذا يصرّون على الوثيقة 2030 كل هذا الإصرار ويعملون ويسعون خفية وعلانية لتكريسها في العلاقات داخل البلدان بما في ذلك بلدنا. هذا هو معناها. فالأوامر والتوصيات والملاحظات الأساسيّة الموجودة في هذه الوثيقة للتربية والتعليم، تتمثّل في أنّ التربية والتعليم يجب أن تنظم العلاقات الفكرية للتلاميذ بحيث تكون فلسفة حياتهم وأساس حياتهم ومفهوم الحياة في أنظارهم متطابقة كلّها والتفكير الغربي. وهذا ما قلته، أن تعملوا هنا على إنتاج جنود لبريطانيا وفرنسا وأمريكا وسائر هؤلاء المتوحّشين المرتدين لربطات العنق المتظاهرين بالأناقة المتصنّعين، هؤلاء أنفسهم الذين يقتلون البشر بدم بارد، ويعينون على قتل البشر بدم بارد. يقال لهم لماذا تساعدون السعودية؟ يقولون لأنّنا بحاجة لأموالها. يعلمون ما الذي تفعله السعودية في اليمن ومع ذلك يساعدونها. على هؤلاء أن يجلسوا هناك، وعلينا نحن هنا في إيران وفي بلدان آسيا وغرب آسيا والبلدان الإسلامية أن نخرّج لهم الجنود والداعمين والرعايا. هذه هي الوثيقة 2030 .

حسنٌ، هناك نقطة يجب أن تحظى بالاهتمام حتماً، هي أن مجتمع المعلّمين والعاملين في الشأن التربوي قد أنجز أعمالاً كبيرة خلال هذه الأعوام الأربعين من الثورة؛ لقد أنجزوا أعمالاً مثمرة. إلتفتوا جيّداً، البعض يريدون تصوير التربية والتعليم وكأنّها عديمة القيمة والأهمّيّة لأسباب سياسيّة متنوّعة. هذا ليس من الإنصاف وهو مخالف للواقع. أنا حتماً على علم بالنواقص الموجودة في التربية والتعليم، وأعلم المسافة الفاصلة بين التربية والتعليم الحالييّن وبين المحطة المنشودة المطلوبة، لكنني أعلم أيضاً المسافة الفاصلة بين التربية والتعليم الحالييّن وبين الوضع المؤسف الذي كان قبل الثورة. لقد أنجزت التربية والتعليم خلال حقبة الثورة وطوال هذه الأعوام الأربعين من الثورة أعمالاً عظيمة. هؤلاء العلماء على اختلاف مجالاتهم الذين جعلوا بلادكم من حيث تقنيّات النانو ضمن البلدان الخمسة الأولى في العالم، تربوا ونشأوا في [مؤسّسة] التربية والتعليم [الحاليّة]. وجيل الثورة الثالث والرابع الذين لم يشهدوا الإمام الخميني ولا فترة الدفاع المقدّس، ولم يعايشوا الشهداء المعروفين في حقبة الأعوام الثمانية، يقفون اليوم بقوة وثبات بوجه العدوّ، ويصرّون على الذهاب للدفاع عن المراقد الشريفة، ويذهبون ويدافعون، فيستشهد بعضهم، ويبقى البعض منهم ويعودون. هذا التحفّز للجهاد ليس بالشيء القليل، فمن الذي ربّى هؤلاء؟ التربية والتعليم هي التي ربّتهم، وفي هذا العالم أيضاً. فأن تربّي مثل هؤلاء الشباب في عالم الإنترنت، وفي عالم المفاسد الأخلاقية المتنوعة، وفي عالم الفضائيات، وفي مثل هذه الأجواء لهو إبداع وإنجاز كبير. من الذي ينظّم هذه المخيمات الجهادية؟ من الذي يذهب إلى المخيمات الجهادية؟ هؤلاء الشباب هم الذين يذهبون، والتربية والتعليم هي التي ربّت هؤلاء. لقد أُنجزت كلّ هذه الأعمال العلمية الكبيرة في البلاد، وتوجد في المجتمع كلّ هذه المظاهر والعلامات الحقيقية للتديّن ـ وقد قلت مراراً إنّ شباب اليوم يعيشون مع القرآن ومع دعاء الندبة ومع شهر رمضان ومع البكاء والتوسل والتضرّع والمشي إلى كربلاء سيراً على الأقدام وما شابه ـ فأين كانت هذه الأمور ومتى كانت؟ لدينا كلّ هذا العدد من الشهداء التلاميذ، لدينا عدة آلاف من التلاميذ الشهداء، وكم لدينا من المعلّمين الشهداء، فمن الذي ربّى وأنشأ هؤلاء التلاميذ الشهداء؟ ربّاهم هؤلاء المعلّمون و[جهاز] التربية والتعليم هذا. فلا تستهينوا بالتربية والتعليم في عهد الثورة، فقد أنجزت الكثير من الأعمال خلال المراحل المختلفة [للثورة].
حتماً، هناك نواقص، وقد قلت إنّ النواقص كثيرة وهناك عيوب، وإنّنا نسعى لمعالجة هذه النواقص والعيوب بحول الله وقوته، وسنصل بفضل الله إلى ذلك المقصد المنشود للتربية والتعليم؛ أي أنّ هذا الشعب سيصل، وحين أقول نصل لا أقصد أنّ أمثالي سيصلون لأنّنا لسنا شيئاً؛ إنّما هذا الشعب وهذه المجموعة هي التي ستوصل هذا النظام التربوي والتعليمي إلى ذلك المستوى المناسب إن شاء الله.

حسنٌ، ذاك هو الوضع المنشود الذي نريده، على [جهاز] التربية والتعليم أن يتمكّن من تربية أناس علماء، أقوياء، عقلاء، ورعين، متّقين، عفيفين، كفوئين، مبتكرين، شجعان، من أهل المبادرة، لا يخافون الأعداء ولا يخشون التهديدات، ولا يظهرون غفلة أو عدم إحساس بالمسؤوليّة؛ عليها أن تربّي أناساً من هذا النوع. إذا ما حصل هذا فسيصل هذا البلد إلى ذلك الوضع الذي تمنّيته وتحدّثت عنه ووعدت به، وسوف يتحقّق ذلك إن شاء الله. أي إنّنا سنصل بعد عدّة عقود ـ وقد قلت ذات يوم، بعد خمسين عاماً، وقد انقضت عدّة سنوات منها ـ أي في الخمسين عاماً القادمة إلى مرحلة، بحيث إذا أراد شخص في العالم اكتشاف حدود العلم الجديدة سيضطّر إلى تعلّم اللغة الفارسيّة. تربية مثل هؤلاء الأفراد ومثل هؤلاء الشباب هي الركيزة الأساسيّة لإيران الغد الشامخة، والركن الأساسي للحضارة الإسلامية الجديدة.

حسنٌ، سأذكّر هنا بعدّة نقاط. النقطة الأولى تتعلّق بوثيقة التحوّل، حيث قدّم السيّد الوزير المحترم تقريره، ووصلنا أيضاً تقرير مكتوب واطّلعنا عليه. وثیقة التحوّل أيّها الأعزّة، بمثابة مدّ سكك حديديّة، وهذا ما يمكنه أن يوصل التربية والتعليم إلى المحطّة المقصودة. وعلينا أن نقوم بما من شأنه تحقيق ذلك. حسنٌ، قالوا لقد أبلغنا هذه الوثيقة، وهذا صحيح فقد أبلغوها لكنّ التبليغ لا يكفي فالتبليغ هو الخطوة الأولى، ويجب أن نقوم بعمل يؤدّي إلى إجراء هذه الوثيقة وتطبيقها. قلت في العام الماضي، اعملوا بحيث يقرأ العاملون في التربية والتعليم هذه الوثيقة، ويتعرّفوا عليها، ويعوا ويفهموا ما هو المفترض أن يحصل في التربية والتعليم. الوثيقة وثيقة جيّدة جدّاً وهذا ما يحتاج متابعة وعملاً. الشيء الأول اللازم والذي يعدّ حاجة أساسية لهذه الحركة والعمل هو الروح الثوريّة. لن يتجاوز الله عن أولئك الذين يحاولون بأقلامهم وبألسنتهم إضعاف الروح الثورية بين جماهيرنا وشبابنا؛ لا يتجاوز الله عن هؤلاء. لقد تحقّقت هذه الثورة بفضل أرواح الناس في هذه البلاد، وهذه الثورة هي التي استطاعت إخراج البلاد من تحت نير حكومة فُرضت على هذا البلد من قبل الأجانب وكانت تعمل لمصالحهم. أعزائي، الدولة البهلوية التي سقطت على يد الثورة كان قد تعاقب على حكمها ملكان اثنان: رضا ومحمد رضا. الإنكليز هم من جاءوا برضا، والإنكليز والأمريكان هم من جاءوا بمحمّد رضا. ولكم أن تلاحظوا كيف هي علاقة  الحكومة التي تولّت مقاليد الحكم بواسطة الأجانب بشعبها، وكيف هي علاقتها بأولئك الأجانب.

لقد استلم رضا بهلوي ـ رضا خان ـ زمام السلطة بواسطة الإنجليز، ثم بعد ذلك، ومع بدء الحرب وبسبب الضجيج الذي أثاره هتلر وما إلى ذلك، ولأنّ طبيعة هذا الرجل كانت طبيعة هتلرية، انحاز شيئاً ما إلى الألمان ومال إليهم، فجاء بالمعمارين والمهندسين الألمان، ما أثار غضب البريطانيّين، وكانوا هم الذين جاءوا به إلى الحكم، فأمروه بالتنحّي؛ وتنحّى. فهل هناك خزي وعار لبلد ولشعب أكثر من هذا، بأن يكون على رأسه شخص تأتي به الدولة البريطانية، ثمّ عندما لم تعد ترغب به وصار غير مقبول لديها، تأمره بالمغادرة، فيضطّر للمغادرة. لا بأس، لقد بعث البريطانيون لك برسالة بأنّه عليك أن تغادر! فلو كنت رجلاً، وإنساناً، ولو كانت فيك غيرة وحمية، أو كان فيك مثقال ذرّة من المروءة لقلت: لن أغادر، ودعهم يقتلوك؛ لكنّه، قام وذهب إلى منزل محمّد علي فروغي الذي كان سمسار البريطانيين وعميلهم والواسطة فيما بينه وبينهم، وقال له: نعم، إنّني على استعداد للمغادرة. فوضعوا تحت تصرّفه سيارة، ليغادر إلى إصفهان ومنها عبر طرق مختلفة، إلى البحر فركب السفينة ورُحّل. فهل هناك عار أكبر على شعب ما من هذا؟ وجاءت الثورة وأطاحت بهذا الحكم، واخرجت البلاد من تحت أقدام هؤلاء الناس الحقراء الوضيعين الظالمين. فالروح الثورية هي روح هذا الشعب، [نعم] روح هذا الشعب. فهل سيعفو الله عن ذلك القلم الذي يضعف هذه الروح لدى الناس ويشكّك في الثورة؟
 من أجل التحوّل في التربية والتعليم لا بدّ من الروح الثورية. الروح الثورية تعني أن لا تخافوا، ولا تأبهوا لشيء، ولا تتحفّظوا وتحجموا عن القيام بالأعمال، فعندما تشخّصون شيئاً، تعملون به، وتقدمون وتبادرون، وتمضون قدماً ولا ترضون بالتوقّف؛ لا تقوموا بالأعمال الشكليّة. أحياناً يقوم الإنسان بعمل ينطوي على شيء من الشكليّات والمظاهر، هذا سمّ قاتل. لا، قوموا بالأعمال بنحو جادّ، فهذه الأمور تجعل التحوّل ممكناً وعمليّاً وتحقّقه. بالتأكيد، عندما أقول لا تتوقّفوا، وتقدّموا وسيروا، وبادروا وأقدموا، فلا يعني ذلك أن لا تصغوا للنقد العلمي إذا طرح عليكم، لا، أبداً، فمن الأعمال والممارسات الثورية الإصغاء إلى النقد العلمي، وتثمينه ومعرفة قدره، والترحيب بالناقد والناقدين. كانت هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية؛ في منظومة التربية والتعليم، تشكّل مؤسسة البحث والتخطيط التعليمي قلب التربية والتعليم. فاهتموا بهذا القلب وأكرموه وحافظوا عليه. البرمجة والتخطيط التعليمي شيء مهمّ للغاية. وينبغي للمتون التعليمية التي يجري إنتاجها في هذا المركز وفي هذه المؤسّسة أن تكون مطابقة للمناهج المدوّنة في وثيقة التحوّل. هذا أمر لازم. حتماً هم بدأوا بالعمل، وقد سمعت وتلقيت تقريراً يفيد بأنّهم يقومون بهذا الشيء، لكن ينبغي إنجاز العمل بسرعة وجدّيّة، والموعد والسقف الزمني الذي وضعوه وهو إثنا عشر عاماً كما رفع إليّ في أحد التقارير، هو سقف زمني غير مقبول. أننتظر اثني عشر عاماً أخرى لكي تتطابق النصوص التعليمية مع وثيقة التحوّل؟ لا، فللساعات في هذا الزمن دورها في تقدّم المجتمعات، الساعة الواحدة، ونحن نقول إثني عشر عاماً؟ لا، حدّدوا زمناً، وليكن قريباً، وضاعفوا من المساعي والجهود.
ثم يجب على هذه المتون أن تخرّج الشاب بالنحو الذي ذكرت، ومن الأمور التي ينبغي أن تلاحظ حتماً في هذه المتون هو رسائل الثورة ومعارف الثورة التي ينبغي أن تدرج في هذه المتون. فمعارف الثورة لا تكون فقط في كتاب المعارف الدينية وما إلى ذلك، أو في كتاب الآداب وما شاكل، [بل] يمكن إدراج معارف الثورة وإشاراتها وعلاماتها، ودروسها في كلّ المتون وبمناسبات مختلفة. وقلت مراراً، قد يقول أستاذ الرياضيّات أو أستاذ الفيزياء في الصفّ كلمة يكون لها من التأثير في التلاميذ أكثر من محاضرة لمدّة ساعة واحدة ألقيها أنا، هكذا هو الحال، لذا ينبغي إدراج معارف الثورة. هذا أيضاً موضوع. إذن، اهتموا بقضية مؤسسة البحث والتخطيط التعليمي وخذوها مأخذ الجدّ، وأغنوها بالكوادر العلميّة الواعية الحسنة التفكير المتديّنة الثورية.

وقضية أخرى هي قضيّة جامعة المعلّمين وجامعة الشهيد رجائي التي أشار إليها السيّد الوزير، نعم أنا أيضاً على اطّلاع بأنّ النسبة قد ارتفعت، ويجب أن ترتفع ولا تزال قليلة، ولا تزال تواجه [جهاز] التربية والتعليم حالات تقاعد واسعة، يجب أن تعوّض؛ فينبغي لنسب [الملتحقين بهذه الجامعة] أن تزداد، كذلك ينبغي رفع مستوى النوعيّة،  وينبغي أيضاً لنوع العمل الذي يجري في هذه الجامعة، جامعة المعلّمين وجامعة الشهيد رجائي، أن يفضي إلى التربية الدينية والثورية للمعلّمين. اعملوا على أن تستخدم المدرسة والصفوف من المعلّمين، من يكونون أنفسهم وبالمعنى الحقيقي للكلمة معلمي دين وتقوى وورع وثورة. ولا تخضعوا لضغوط هذا وذاك، سمعت أنّه تمارس ضغوط أحياناً من قبل مراكز السلطة المختلفة؛ ينبغي مراعاة نصّ القانون، ويجب أن تتحرّكوا طبقاً للقانون. وفي هذا الخصوص هناك مدارس المواهب المتألقة وهي على جانب كبير من الأهمية، فإنتاج النخب مهمّ جداً، ولا يجب إضعاف مدارس المواهب المتألقة، فقوّوا وعزّزوا هذه المدارس ما استطعتم، كما ينبغي المحافظة على مكانة البلاد في الأولمبيادات العالمية، وقد سمعت أن مستوياتنا قد هبطت في حقول علمية عدّة، في الرياضيات والفيزياء والحاسوب والكيمياء، فيجب تلافي ذلك وتعويضه. هؤلاء الشبيبة الأولمبياديّون من مفاخر البلاد حيث يذهبون وينالون المراتب العليا في العالم ويعودون، فلا تسمحوا بهبوط مراتب هؤلاء.

موضوع آخر ونقطة أخرى قضية النشاط والحيوية في البيئة الطلابية. لقد قلت مراراً سواء للطلبة الجامعيين، أو لعموم الشباب في البلاد، أو لتلاميذ المدارس أنّ أجواءهم يجب أن تكون أجواء حيويّة ونشاط وحركة، والكثيرون يفهمون هذا الكلام بشكل خاطئ! يتصوّرون أنّنا عندما نقول النشاط والحيويّة فيجب أن يكون هناك دبك وعزف ورقص. ليس هذا هو النشاط والحيويّة. معنى النشاط أن يكون الطالب متوثّباً حيوياً، لا خاملاً ولا ذابلاً، وذلك عن طريق الرياضة والبرامج الإضافية المفيدة والجذّابة وما إلى ذلك، لا بتلك الأمور التي تسمع عن بعض المدارس، وهذا ما ينبغي أن تراقبوه أنتم أنفسكم وتتابعوه، أي إنّ مسؤوليته المباشرة تقع على عاتق التربية والتعليم نفسها. سمعت أنّ بعض المدارس ليست ذا وضع جيداً من هذه الناحية، وبعنوان النشاط والحيوية تمارس فيها بعض هذه الأعمال. النشاط هو أن تفعلوا ما من شأنه أن يجعل هذا الشاب متوثّباً حيوياً متفائلاً متحفّزاً مستعداً للعمل ممتلئاً بالطاقة ويعمل ويدرس بمثل هذا الاندفاع والحيويّة. الضغوط الدراسية تكون أحياناً على الضدّ من الحيوية والنشاط، في بعض المدارس يضغطون في الدراسة على هذا الحدث أو الشاب إلى درجة نجد أنّه يذبل ويصاب بالكآبة، هذا ما يراه المرء في بعض المدارس. وقد تكون نواياهم حسنة إن شاء الله، لكنّ البعض يقولون إنّهم يقومون بهذا الأمر من أجل أن يذيع صيت مركزهم التعليمي في امتحانات دخول الجامعات. فهم لا يفكرون في الشاب، بل في مركزهم التعليمي ليقولوا: قبل منّا في امتحانات دخول الجامعات العدد الكذائي من الطلاب، أو العدد الكذائي من الذين أحرزوا مرتبة أقل من مائة وما شاكل. يضغطون على الشاب والحدث من أجل الصيت والشهرة. أعتقد أنّه ينبغي التفكير في هذه الأمور، وهذه كلّها أمور تحتاج إلى عمل وتفكير ومتابعة. هذه أيضاً نقطة مهمّة.

طرحتُ قضية امتحانات دخول الجامعات، ويجب أن تفكّروا في هذا الموضوع أيضاً. أنا حتماً لا أدلي بأيّ رأي، فأنا حقّاً لست خبيراً في هذه المسألة، لكن ليجتمع خبراء التربية والتعليم ويفكّروا وينظروا هل ينبغي الإبقاء على هذه الامتحانات أو إلغاؤها، وهل تبقى بهذا النحو أم يجري تغييرها، هذا والحال أنّ الجامعات تقول إنّ لدينا مقاعد شاغرة، ويعلن في كلّ عام عن وجود مقاعد شاغرة في الجامعات وصفوفها الدراسيّة. بالتالي اجتمعوا وفكروا تفكيراً صحيحاً عميقاً وعملياً ثم نفذوا واعملوا تبعاً لذلك وعالجوا هذه القضية.

قضيّة [أخرى]على جانب كبير من الأهمية هي قضية المعاونية التربوية وقد شدّدت على قضية المعاونية التربوية هذه في هذه الجلسة نفسها في الأعوام الماضية. كانت هناك خطّة غير مكتوبة ـ وربّما يكون بعض بنودها مكتوباً ـ تتّجه نحو إلغاء المعاونيّة التربوية. ولم يكن الوضع على هذا النحو في السنوات الأخيرة، والحمد لله أنّه جرى إنجاز بعض الأعمال في هذا المضمار وعادت المعاونية التربوية للوجود والعمل، بيد أنّ هذا المقدار الذي تحقّق إلى الآن غير كاف برأيي. تعاني المعاونية التربوية من نواقص، سواء في البنية الإدارية، أو في الكوادر الإنسانية المتحفّزة الثورية، أو من حيث المصادر المالية، وسوف يتابع الوزير المحترم حضرة السيد بطحائي هذه الأمور إن شاء الله، من أجل تحقّق المعاونية التربوية بالمعنى الحقيقي للكلمة في كلّ جوانب التربية والتعليم.

أشير هنا إلى نقطتين، ثمّ إلى فكرة عامّة. إحدى تلكما النقطتين تتعلّق بموضوع معيشة المعلّمين وهو ما سمعناه في كلمة الوزير المحترم. المعلّم محترم، وشريف وله عزّته، وينبغي الحفاظ على عزّة نفسه. ينبغي أن يكون التعامل في خصوص المداخيل المالية للمعلّمين بحيث لا تنخدش معه عزّة نفس المعلّم. هناك أفراد ينتمون لتيّارات وأحزاب سياسيّة مختلفة، ويتحرّكون أحياناً مع الأيادي الغريبة، يفكّرون بهذه الطريقة ويحاولون استغلال نقطة الضعف هذه لأغراضهم الخاصة. تلك قضية، لكن بصرف النظر عنها، ينبغي العمل بطريقة تحفظ كرامة المعلّم وعزّة نفسه. هذه نقطة.

النقطة الثانية تتعلّق بالطلّاب والتلامذة المنكوبين بالسيول، لا تسمحوا بأن يتأخّروا من الناحية الدراسية، فهناك [قضيّة] تعمير المدارس وبناؤها ـ وقد وعد المسؤولون بذلك وينبغي متابعة الأمر بجدّيّة إن شاء الله ضمن السياق الطبيعي، وعلى الخيّرين من بناة المدارس الذين، والحقّ يُقال، يمثلون تياراً جيّداً ومفيداً جداً في البلاد، أن يقدموا مساعداتهم لإنجاز هذه المهمّة، فقد تهدّمت الكثير من المدارس وإعادة بنائها تتطلّب الكثير من الجهد والمساعي وتتطلّب أيضاً الكثير من الأموال. على الحكومة أن تنجز هذا الأمر بمساعدة الناس والخيرين. هذه قضية، وقضيّة أخرى هي أنّه إلى حين إنجاز هذه المهمّة يجب أن لا يتأخر هؤلاء التلاميذ سواء كانوا في أماكن إقامتهم أو مخيّماتهم، أينما كانوا، يجب أن لا يتأخّروا عن دراستهم، فقضية الدراسة مهمّة للغاية.

أمّا الفكرة العامّة التي قلت إنّني أريد الإشارة إليها فهي لتفخر مؤسّسات العلم والتعليم والبحث العلمي في البلاد ـ وهي كثيرة بحمد الله، فلدينا في البلاد حالياً الكثير من المؤسسات البحثية والتحقيقية والعلمية وما شاكل ـ بأنّها استطاعت إبطال الوساوس الكاذبة فيما يتعلّق بالتعارض بين العلم والدين. إنّها وساوس عمل عليها عتاة العالم المادّيون منذ قرنين أو ثلاثة قرون ليثبتوا أن العلم لا ينسجم مع الدين. وراية الدين اليوم مرفوعة مرفرفة في الجمهورية الإسلامية أكثر من أي مكان آخر، ومن الناحية العلمية أيضاً يُعدّ البلد من البلدان المتقدّمة الرائدة. البلدان العلمانية، البلدان الخاضعة لإمرة أمريكا، البلدان التي تتّبع سياساتها السياسات الغربية الأمريكية، هذه البلدان لم تتأخّر عن الدين فحسب بل تأخّرت عن ركب العلم أيضاً. وقد سمعت أنّ أحد الصحفيّين العرب كتب يخاطب حكّامهم: الفرق بينكم وبين إيران أنّ إيران تصنع مفاعلاً نووياً وأنتم تبنون الملاهي الليليّة،هي تخصّب اليورانيوم وأنتم توزّعون الخمور وتروجون للمفاسد الغربية في مجتمعاتكم. هذه مفخرة كبيرة لبلادنا.
اليوم، عشرات الآلاف من العلماء والباحثين والمفكّرين ـ سواءً في الجامعات أو في المراكز العلميّة الأخرى ـ مشغولون بالعلم والتدريس والعمل؛ أقولها هذا عن اطّلاع وعلم، هناك الآلاف، وغالبيّتهم من الشباب، ومعظمهم متديّنون، وكثير منهم متعبّدون جدّاً، وذوو هوية دينية إسلامية، وهوية إيرانية شامخة، يعملون بدوافع ومحفزات عالية في مجالات متعدّدة. إنّهم يبدعون، ويعلّمون، ويحقّقون ويبحثون، وينتجون العلم، ويبتكرون التقنيّات على أساس ذلك العلم في مختلف القطاعات. حتماً، لأنّ تخلّفنا كان كبيراً، فإنّ هذه الحركة القائمة في البلاد اليوم يجب أن تستمر لسنين طويلة. وي حركة جيّدة جداً ودؤوبة، لكن ينبغي أن تستمر لتتجلّى وتشاهد نتائجها بالكامل إن شاء الله. إذاً، هذه قضية.

وهناك قضية إتقان المهارات التي سبق أن ركّزت عليها. بمعنى تطبيق المكتشفات العلمية على الصعيد العملي وتنفيذها، وتعليمها للتلاميذ والشباب والطلبة الجامعيّين، والمركز الأساسي لذلك هو، بالتأكيد، التربية والتعليم. بمعنى أن الأمر يجب أن يبدأ من الثانوية ومن المدرسة. إذا ما حصل هذا، انبعثت روح اكتساب المهارات لدى الشابّ، أي إذا تعلّم كيف يمكنه تطبيق المكتشفات العلمية على الصعيد العملي، فسوف يستتبع ذلك الكثير من الخيرات والبركات في المستقبل.

النقطة الأخيرة التي أودّ طرحها أمامكم أيّها الأعزاء، هي أن تتفطّنوا إلى أنّ عدوّنا اليوم مشغول من كلّ النواحي بالهجوم علينا. فمن الناحية الاقتصادية تلاحظون ماذا يفعل، ومن حيث التغلغل المعلوماتي والاستخباري يعمل ويخطط ليتغلغل استخباراتيّاً. وفي مجال الفضاء الافتراضي، يخطّط لتوجيه ضربة للبلاد عن هذا الطريق. فهو بالتالي عدوّ! وعدوّنا بالدرجة الأولى هو أمريكا والصهيونية، والأمر لا يختص بالحكومة الحاليّة في أمريكا. فالحكّام السابقون كانوا على هذا النحو أيضاً، لكن بأشكال مختلفة. المساعدة التي قدّمها لنا هذا الشخص الذي يتولى الرئاسة الآن ـ ويجب أن نشكره عليها ـ هي أنّه عرّى أمريكا وأظهرها على حقيقتها. الحكّام السابقون كما قلت سابقاً، كانوا يخفون أياديهم المعدنيّة في قفّاز مخملي. والكثيرون كانوا لا يرون ذلك وتشتبه عليهم الأمور. أمّا هذا فلا، هؤلاء عديمو العقل أخرجوا اليد المعدنية الصلبة من القفّاز وأظهروها للعالم كافّة. تحرّكاتهم تحرّكات علنية واضحة. وقد هجم العدوّ من كلّ النواحي. وعلى مسؤولي البلاد وكلّ أبناء الشعب المقتدرين وعموم الناس أن يعملوا كلّ ما في وسعهم لمواجهة هذا العدوّ، وأن يعدّوا أنفسهم في القطاعات والمجالات والحقول التي يستطيعون، ويردوا الميدان، ويشعروا بالمسؤولية. اصطفاف العدوّ اصطفاف حربيّاً. فهو من الناحية الاقتصادية يصطفّ اصطفافاً حربياً. ومن الناحية السياسية يصطفّ اصطفافاً حربياً. فقط من الناحية العسكرية يبدو أنّه لا يصطفّ اصطفافاً قتاليّاً، ومع هذا، فإنّ عسكريّينا يقظون متنبّهون. والعدوّ من حيث الفضاء الافتراضي أيضاً يصطفّ اصطفافاً جربيّاً كما قلت. فينبغي على الشعب الإيراني في مقابل هذا العدوّ الذي يصطفّ اصطفافاً حربيّاً أمامه، أن يصطفّ الاصطفاف المناسب، وأن يعدّ نفسه في المجالات والقطاعات كافّة.
ومن أهمّ الأعمال والمهمّات حفظ الاتّحاد ووحدة الكلمة. ليحذر كلّ أبناء الشعب من أن يصطفّوا ضدّ بعضهم البعض، بسبب اختلافات بسيطة في وجهات النظر وبدافع التباينات الصغيرة في الأذواق. وليعلموا أنّ قوة هذا الشعب تكمن في اتّحاده، اتحاد أبناء الشعب، اتّحاد الفئات الاجتماعية المتنوعة، اتّحاد القوميات المتعدّدة التي تعيش في البلاد، الاتحاد فيما بين المسؤولين والشعب، هذا ما يمنح البلد الاقتدار والقوة، وقد منحه القوة إلى الآن، وهذا الاقتدار قائم بحمد الله، فليحافظوا عليه. وليعلموا أنّ كلّ هذه المؤامرات التي يحيكها العدوّ وكلّ هذه الإجراءات التي يتّخذها ضدّ الشعب الإيراني، مع كلّ هذا الدعايات الإعلاميّة الواسعة لتشويش الأذهان وخلط المشهد وتعميته أمامهم، سوف تنتهي بضرره.

سوف ترون أنتم الشباب الأعزّاء هزيمة أمريكا بتوفيق من الله، وسوف تشهدون بتوفيق من الله ركوع الصهيونيّة، وستشهدون بتوفيق  الله عظمة الشعب الإيراني وعزّته النهائية. رحمة الله على إمامنا الخميني الجليل، ورحمة الله على شهدائنا الأعزاء، ورحمة الله على مجاهدي طريق الحقّ كافّة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.