لقد اختار الإمام طريق المقاومة. الفكرة المهمّة هي أنّ الإمام لم يختر المقاومة بدافع الحماس والأحاسيس والمشاعر العابرة الزائلة. فالخلفيّة التي على أساسها اختار إمامنا الجليل المقاومة هي خلفيّة منطقيّة وعقلانيّة وعلميّة، وحتماً هي خلفيّة دينيّة. هناك منطق يقف وراء صمود الإمام ومقاومته. وسأعرض هنا لعدّة جوانب من هذا المنطق. 

جانب من هذا المنطق هو أنّ المقاومة ردّ فعل طبيعي لأيّ شعب حرّ شريف مقابل العسف ومنطق القوة والظلم، ولا حاجة لسبب آخر. فأي شعب يعير أهمية لشرفه وهويّته وإنسانيّته، عندما يرى أنّهم يريدون فرض شيء عليه سوف يقاوم ويمتنع ويصمد، وهذا بحدّ ذاته سبب مستقلّ ومقنع. هذا أوّلاً. 
ثانياً، المقاومة تؤدّي إلى تراجع العدوّ، بخلاف الاستسلام. فإن تراجعتم خطوة إلى الوراء حين يمارس العدوّ ظلمه وأعماله التعسّفيّة بحقّكم، سوف يتقدّم هو بلا شك. والسبيل إلى أن لا يتقدّم هو أن تقاوموا وتثبتوا. الصمود والمقاومة مقابل أطماع العدوّ وتعسّفه وابتزازه هو السبيل للحؤول دون تقدّمه. إذاً، فالفائدة في المقاومة. وهذا ما نقوم به نحن أيضاً، وتجربتنا في الجمهورية الإسلامية تدلّ على ذلك. ولديّ الآن أمثلة ونماذج عديدة في ذهني ولا أريد الخوض فيها وذكر الأمثلة، إنّما أقول على وجه العموم: أينما قاومنا وثبتنا استطعنا التقدّم وأينما استسلمنا وعملنا طبقاً لرغبة الطرف المقابل تلقّينا الضربات. هناك أمثلة واضحة، والأذكياء والمطّلعون يستطيعون العثور بسهولة على أمثلة لهذا الأمر من حياة الجمهورية الإسلامية الممتدّة لأربعين عاماً. هذا أيضاً جانب من هذا المنطق. 

الجانب الثالث من منطق المقاومة هو ما قلته في هذا اللقاء نفسه قبل سنة أو سنتين وهو أنّ للمقاومة تكاليفها على كلّ حال، وهي ليست عديمة التكاليف، لكنّ تكاليف الاستسلام مقابل العدوّ أكبر من تكاليف مقاومته. عندما تستسلمون أمام العدوّ عليكم أن تتحمّلوا التكاليف. النظام البهلوي كان مستسلماً أمام أمريكا ـ وكانوا منزعجين في كثير من الأحيان وغير راضين لكنّهم كانوا مستسلمين ويخافون ـ كان يعطي النفط والمال ويخضع للابتزاز ويتلقّى منهم الصفعات في الوقت نفسه! والحكومة السعودية في الوقت الحاضر على المنوال نفسه، فهي تقدّم الأموال والدولارات وتتّخذ المواقف وفقاً لإرادة أمريكا ومع ذلك تسمع الإهانات ويسمّونها بـ «البقرة الحلوب»! تكاليف الاستسلام والرضوخ وعدم المقاومة أكثر بكثير من تكاليف المقاومة. وللاستسلام تكاليفه المادية والمعنوية أيضاً.

الجانب الرابع أو العنصر الرابع من منطق المقاومة الذي أرساه الإمام الجليل في نظام الجمهورية الإسلامية هو الجانب القرآني والوعد الإلهي. لقد وعد الله تعالى في آيات متعدّدة من القرآن بأنّ أهل الحقّ وأنصار الحقّ هم المنتصرون في النهاية. والآيات القرآنية الكثيرة تدلّ على هذا المعنى. قد يقدّمون التضحيات لكنّهم في نهاية المطاف لا ينهزمون. إنّهم المنتصرون في هذه الساحة... من بين هذه الأمثلة القرآنية أذكر هنا آيتين أو ثلاث آيات، وليراجعها الشباب الأعزاء من حملة القرآن وليفكّروا فيها: «أم يريدونَ كيدًا فَالَّذينَ كفَروا هُمُ المَكيدون» ، يتصورون أنّهم يخطّطون ويمهّدون الأرضية ويتآمرون على جبهة الحقّ والمقاومة، لكنّهم لا يدرون بأنّ مكرهم يحيق بهم طبقاً للقانون والسنة الإلهية. وآية أخرى: «وَنُريدُ أن نَمُنَّ على الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأرضِ» إلى آخر الآية. وآية أخرى: «إن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم وَيثَبِّت أقدامَكم» (8). وآية أخرى: «وَلَينصُرَنَّ‌ اللهُ مَن ينصُرُه» (9). آيات كثيرة من القرآن تبشّر كلّها بهذه العاقبة للسائرين في درب المقاومة. هذا أيضاً دليل. هذه الآيات القرآنيّة هي جزء من الدليل الرصين والمنطق القوي للإمام الخميني ـ وهناك عشرات الآيات في القرآن الكريم ـ وقد قرأت منها ثلاث أو أربع آيات. 

النقطة الخامسة التي ينبغي أخذها بالحسبان فيما يتعلّق بمنطق المقاومة وقد أخذها الإمام الخميني بعين النظر، ونحن أيضاً نعلمها ونفهمها ونأخذنا في حساباتنا، هي أنّ المقاومة أمر ممكن، وهذا على الضدّ تماماً من التفكير الخاطئ للذين يقولون ويروّجون بأنّه «لا فائدة من ذلك، وكيف تريدون أن تقاوموا؟ والطرف المقابل جبّار ومتعسّف وقويّ»، هنا يكمن الخطأ الكبير. الخطأ الكبير هو أن يتصوّر المرء بأنّ المقاومة والصمود بوجه عتاة العالم أمر غير ممكن. ولأوضح هذه النقطة أكثر لأنّها قضية مهمّة وشائعة وموضع ابتلاء، ولدينا الآن أيضاً من يروّجون، وبمظهر المثقّفين والمستنيرين وما إلى ذلك، في الصحف والكتب والمحاضرات هنا وهناك ويقولون: «لا فائدة يا أخي، ولا يمكن الدخول معهم في حرب ونزاع، ولا يمكن الصمود بوجههم، ويجب أن نوافق» والخلاصة أنّه يجب أن نرضى بأن يهيمنوا علينا ونريح بالنا. وما أقوله هو أنّ هذه النظرة التي تقول «لا نستطيع» ناجمة عن تلك الأخطاء في الحسابات التي سبق أن أشرت إليها. هذا خطأ في الحسابات. 
خطأ الحسابات في كلّ قضية ناجم عن أنّنا لا نرى العوامل المتنوعة في القضية. عندما يكون الكلام عن مواجهة وصِدام بين جبهتين فإنّ خطأ الحسابات ينجم عن أنّنا لا نعرف جبهتنا بدقّة، وكذلك لا نعرف الجبهة المقابلة بدقّة. وعندما لا نعرف هذه الأمور سنخطئ في الحسابات. [أمّا] إن عرفناها بدقّة فستكون حساباتنا بنحو آخر. وأقول هنا، علينا في حساباتنا التي يجب أن نقوم بها فيما يتعلّق بقضية مقاومة عتاة العالم، أن نعرف بدقة الحقائق المتعلّقة بهؤلاء العتاة ونعرف أيضاً الحقائق المتعلّقة بنا. ومن هذه الحقائق «القدرة على المقاومة». 

لاحظوا، في الأدبيات السياسية الدولية هناك عنوان «المقاومة على طريقة الإمام الخميني». ما شاع كثيراً في تعابير الأجانب وبعد تحرير خرّمشهر هو هذا المصطلح: «طريقة مقاومة الإمام الخميني». هذا ما طرحوه وكتبوا المقالات حوله. وقد سجّلت هنا عبارة لإحدى الشخصيّات السياسية المعروفة في العالم وإذا ذكرت اسمه فسيعرفه الجميع. حيث كتب: «إن زمن الدور الحصري للقوة العسكرية والاقتصادية في السيطرة العالمية آخذ بالأفول. أن يكون هناك بلد له قوة عسكرية كبيرة وقوة اقتصادية كبيرة ويستطيع مواصلة سيطرته، فهذا شيء في طريقه إلى الأفول، فالعالم قد تغيّر» ويكتب: «في المستقبل غير البعيد سوف نشهد ظهور قوى تتجاوز حدودها، وهي ليست على درجة عالية جداً من حيث [امتلاك] الآلات الحربية من قبيل القنبلة النووية، أو من حيث المشاركة في الإنتاج الصناعي العالمي، لكنّها بقدرتها على التأثير في ملايين البشر سوف تتحدّى السيطرة العسكرية والاقتصادية للغرب». هذا ما يقوله سياسي وخبير غربي أمريكي في الشؤون السياسية. ثم يضيف: «مبدأ مقاومة الخميني يستهدف بكلّ قوّة الشريان الأساسي لسيطرة الغرب وأمريكا». هذا هو سرّ بقاء الجمهورية الإسلامية. وهذا هو النهج الذي تركه لنا هذا الإنسان الجليل وعبد الله الصالح، نهج المقاومة والصمود، ونهج معرفة قدر ما نمتلكه.