وفيما يلي الترجمة العربية الكاملة لنص الكلمة التي ألقاها سماحته في هذه المناسبة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وآله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.
إن هذا الاجتماع لهو اجتماع نوراني جداً بفضل تواجدكم أيها الشباب والناشئة، فانعكاس الأنوار الإلهية في قلوب الشباب النيرة النقية ينير الأجواء ويجعلها مشعة متلألئة، وأمثالي ينتهلون من نقاء قلوبكم ومن تألق الأنوار الإلهية في قلوبكم الطاهرة. مرحباً بكم كثيراً وقد بدأتم الجلسة بداية حسنة جداً، فهذه التلاوة الحسنة جداً والجميلة والراقية لأخينا العزيز هذا، والآيات التي اختاروها، ثم هذا النشيد الجماعي الجميل بمضامينه المناسبة وألحانه الجيدة، عطرت كلها الجلسة بأريج إبداعاتكم الشبابية.
طيب، الجلسة بمناسبة الثالث عشر من آبان [الرابع من تشرین الثاني] الذي سيكون يوم غد. مع أن الثالث عشر من آبان نقطة التقاء عدة حوادث - حادثة نفي الإمام الخميني الجليل، وحادثة المذبحة التي ارتكبوها ضد تلاميذ المدارس في شوارع طهران - لكن الشيء الذي ميّز هذا اليوم هو حادثة احتلال والاستيلاء على السفارة الأمريكية، أو وكر التجسس الأمريكي بالمعنى الصحيح للكلمة. إذن، يوم الثالث عشر من آبان الذي أطلقوا عليه في البلاد اسم يوم مقارعة الاستكبار، هو برأيي - مع أن هذه التسمية تسمية صحيحة بدورها - يوم الشباب، يوم الشباب المؤمنين، الشباب الثوريين، الشباب الشجعان، الشباب البسلاء، الشباب المبدعين، الشباب الذين يبادرون إلى أشياء تجعل العدو يفقد زمام المبادرة والحركة. إنه يوم الشباب بهذا المعنى.
يوم مقارعة الاستكبار هو برأيي يوم الشباب؛ الشباب المؤمنين، الشباب الثوريين، الشباب الشجعان
لقد مضت على ذلك الزمن سنين طويلة، لكن معنى ذلك اليوم لا يزال باقياً. حين تسمعون أن الإمام الخميني أطلق على هذا التحرك اسم الثورة الثانية فليس هذا خال من المعنى. منذ الساعات الأولى لانتصار الثورة، بل حتى قبل انتصار الثورة مارس العدو مؤامراته ضدها. بعث الأمريكان قبل أيام من انتصار الثورة شخصاً إلى هنا عسى أن يستطيع تدبير انقلاب ليحبط حركة الجماهير والشعب، ولم يستطع ذلك طبعاً. ثم حين انتصرت الثورة الإسلامية بذلوا شتى صنوف المساعي والأعمال، سواء المساعي السياسية الرسمية حيث اتخذ مجلس الشيوخ الأمريكي منذ الأيام الأولى موقفاً ضد الجمهورية الإسلامية، وأعلن خصومته لها، وأعلن الحظر - وقد كانت هذه سبلاً وأعمالاً رسمية وعلنية - أو بالطرق غير العلنية حيث اتصلوا بعملائهم ومرتزقتهم في داخل البلاد عسى أن يستطيعوا استغلال وجود القوميات المتنوعة لبث الخلافات بين الشعب، لكن الشعب صفعهم على أفواههم. فقد وقفت قومياتنا - العرب في بلادنا، والترك والكرد واللر والتركمن الذين تعرضوا كلهم لهذه المؤامرة - وقفوا بوجه أمريكا، وكذلك سار الشباب المؤمنون، الذين لم يكن اسمهم الحرس الثوري ولم يكن اسمهم التعبئة، لكنهم كانوا حرساً للثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وتعبويين في سبيل الثورة، ساروا وأحبطوا مؤامرات أمريكا. إذن، بدأ الأمريكان عملهم منذ الساعة الأولى، وهذا كله ما عدا الأعمال التي كانت تجري هنا داخل السفارة الأمريكية في طهران.
لقد وقفت قومياتنا العرب في بلادنا والترك والكرد واللر والتركمن في وجه أمريكا
بعد أن سار شبابنا واحتلوا هذا المركز، واستطاعوا بجهود كبيرة تجميع الأوراق التي أتلفها موظفو السفارة، الوثائق التي كانت قد ألقيت في أجهزة إتلاف الأوراق، وإلصاقها بعضها ببعض وإصدارها على شكل كتب، وعندها تبيّن أية مؤامرات كانت تحاك طوال هذه المدة داخل السفارة الأمريكية. وقد بلغ عدد هذه الكتب حوالي سبعين مجلداً، فهل قرأتم هذه الكتب؟ لماذا لا توجد أية آثار لمضامين مختارة من هذه الكتب في مدارسنا وثانوياتنا وجامعاتنا؟ لماذا؟ هذه من مواطن اعتراضي. وزير التربية والتعليم الجديد المحترم (1) حاضر في الجلسة هنا، فلماذا لا تدرجون هذه المضامين في الكتب المدرسة؟ لماذا لا تدعون جيلنا الشاب الجديد يدرك ويعلم ما الذي فعلته أمريكا بهذا البلد وأية مؤامرات كانت تدبرها؟
لماذا لا توجد أية آثار لمضامين مختارة من الكتب (التي تم إصدارها بناء على الوثائق التي تم العثور عليها في السفارة الأمريكية) في مدارسنا وثانوياتنا وجامعاتنا؟
لقد كان تحرك الطلبة الجامعيين لاحتلال السفارة ردة فعل على كل هذا الخبث، وقد كانت ردة فعل منتصرة، بمعنى أنها حالت دون تحرك قوة كبري وقحة جشعة مثل أمريكا في داخل البلاد. هذا هو معنى الثورة. تلك القوة الكبري التي تعودت طوال خمس وعشرين سنة أو ثلاثين سنة أن يحدث في إيران كل ما تريده وأن تفعل هنا كل ما تريد، وكانت إيران ملكها ولها، ودولة إيران وحكومتها وملكها ونفطها واحتياطياتها ومعادنها ومستقبلها، وكل شيء فيها كان لها، وقد سلب كل هذا من يدها الآن، وكانت تريد الهجوم، شاهدت أن الشباب حالوا دون هذا الهجوم ثم حالوا ثم حالوا، وقاوم الشعب الإيراني وكان شخص الإمام الخميني الجليل قائد هذا التحرك العظيم.
لقد كان تحرك الطلبة الجامعيين لاحتلال السفارة الأمريكية ردة فعل على كل هذا الخبث، وقد كانت ردة فعل منتصرة
لقد كنتُ مطلعاً على تفاصيل الأحداث في ذلك الحين، وقد ذهبتُ مراراً إلى وكر التجسس في ذلك الوقت واجتمعنا وتحدثنا مع الشباب الذين كانوا هناك ومع الآخرين، وفي شورى الثورة - وقد كنا حينها أعضاء في شورى الثورة - وأعلم أية تحركات كانت تجري هنا وهناك لإحباط هذه الحركة وإجهاضها، لكن الإمام الخميني صمد وقاوم. أعزائي، هذه هي قضية أمريكا.
إنني أريد اليوم تصحيح خطأين. هناك خطآن يبثان على الرأي العام لشعبنا. وفاعل هذا البث هو بالدرجة الأولى نفس الجهاز الاستكباري وأمريكا، وهو بالدرجة الثانية بعض الأشخاص في الداخل، أشخاص - وأنا لا أتهم الجميع - بعضهم مرتبطون بتشكيلات الأجهزة التجسسية أو السياسية أو المراكز الأمريكية الخاصة، وبعضهم لا، ليسوا مرتبطين، بل هم متعبون ونادمون لسوابقهم الثورية وقد داعبت أنوفهم رائحة الملذات الدنيوية. أولئك يضخون هذين الخطأين وهاتين الفكرتين على هؤلاء، وهؤلاء يضخونهما من على منابر مختلفة ومواقع متعددة وينشرونهما، في داخل الجامعة و في خارج الجامعة وفي الصحافة وفي أماكن أخرى. إنني أروم اليوم تصحيح هذين الخطأين.
أحدهما هو أنهم يروّجون بأن الإمام الخميني حين قال: أطلقوا كل ما لديكم من صراخ على أمريكا (2) - وهذا حكم سار إلى اليوم أيضاً - فقد قالها عن تعصب وغرور، أي إنه لا يوجد منطق يسند هذا القول. هذا ما يريدون إشاعته. يريدون القول إن شبابنا وثوريينا وشعبنا ومسؤولينا حين يقاومون ويصمدون أمام أمريكا ويفضحون مؤامراتها، فهم أناس متعصبون، وإنما يفعلون ذلك بدافع الحمية الجاهلية وعن تعصب. هذا ما يريدون قوله. والحال أن القضية تختلف عن ذلك بمائة وثمانين درجة. حين قال الإمام الخميني: أطلقوا كل ما لديكم من صراخ على أمريكا، فقد كان وراء هذا القول منطق متين قويّ. وذلك المنطق هو أن أساس سياسة أمريكا هو الجشع والتطاول.
أساس سياسة أمريكا هو الجشع والتطاول
تاريخ أمريكا خلال هذه الأعوام الـ 250 التي مرّت على عمرها، يدل على هذا الشيء - طبعاً كان الأمر أقل بكثير في البداية، وقد ازداد منذ نحو مائة عام أو أقل بقليل من مائة عام - السياسة العامة لأمريكا هي أن تؤمّن أمنها الداخلي بالتطاول على بلدان العالم واحتلال مناطق نفوذ كثيرة. هكذا هم يعملون وهذه هي سياستهم. لقد طبقوا هذه السياسة على منطقة غرب آسيا، وقد طبقوها في إيران خلال عهد الطاغوت، ونفذوها في البلدان الجارة لنا. وقد كان لهم سباق شديد حول هذه القضية مع الاتحاد السوفيتي السابق - فقد كان الاتحاد السوفيتي يسحب لصالحه، وهم يسحبون لصالحهم - وكانت إيران منطقة نفوذ لأمريكا. قليل من الغفلة بعد انتصار الثورة كان كافياً لأن يعود من النافذة ذلك العدو الذي أخرجناه من الباب، لكن الإمام الخميني لم يسمح بذلك وحال دونه.
حين قال قاوموا بوجه أمريكا وأطلقوا عليها كل صراخكم فمعنى ذلك الدفاع عن القيم، والقيم هنا ليست فقط القيم الخاصة بالمسلمين، بل الدفاع عن القيم الإنسانية. باعتراف الأمريكان أنفسهم فإن الحكومة الأمريكية والنظام الأمريكي اليوم بعيد عن القيم الإنسانية بفراسخ طويلة. هل رأيتم المناظرات بين مرشحَي رئاسة الجمهورية في أمريكا (3)؟ هل شاهدتم الحقائق التي يذكرونها؟ هل سمعتم بها؟ لقد فضحوا بذلك أمريكا. لقد قالوا بأنفسهم عدة أضعاف الأشياء التي كنا نقولها ولم يكن البعض يصدقونها، ولم يكونوا يريدون تصديقها. واللافت هو أن الذي تحدث بصراحة أكبر حظي بإقبال الناس أكثر. لأن ذلك الرجل تحدث بوضوح أكبر وصراحة أكبر فقد تنبّه له الناس في أمريكا أكثر. وقال عنه الطرف المقابل بإنه يتصرف بطريقة شعبوية عامية، لماذا عامية؟ لأن الناس حينما كانوا يسمعون كلامه يرونه صحيحاً، وكانوا يرون ذلك في واقعيات حياتهم. القيم الإنسانية محطمة ومسحوقة في ذلك البلد، وهناك تمييز عنصري. قبل أيام من الآن وقف ذلك الرجل في دعاياته الإنتخابية وقال إنكم إذا كنتم ملوّنين وزنوجاً وهنوداً حمراً فعندما تمشون في شوارع نيويورك وشيكاغو وواشنطن وكاليفورنيا وغيرها لا يمكنكم الوثوق بأن تبقوا أحياء بعد عدة دقائق. لاحظوا! هذا كلام يقوله شخص يتوقع أن يجلس بعد أيام في البيت الأبيض ويدير أمريكا. هذا هو معنى التمييز العنصري في أمريكا.
القيم الإنسانية محطمة ومسحوقة في أمريكا
و قد تحدث عن فقر الأمريكيين، فقال إن 44 مليون شخص في أمريكا يعانون الجوع. وقد قال هو وقال آخرون إن أقل من واحد بالمائة من الشعب في أمريكا يملك تسعين بالمائة من ثروة هذا البلد. لقد سُحقت القيم الإنسانية هناك، التمييز والاختلاف والعنصرية وسحْق حقوق الإنسان. شعار «الموت لأمريكا» الذي ترفعونه، حين قال الإمام الخميني «أطلقوا كل صراخكم على أمريكا»، معناه الموت لهذه الأشياء. لهذا الشيء قال الإمام الخميني أطلقوا كل صراخكم على أمريكا.
هذا كله في جانب، والجانب الآخر من القضية والعامل المهم الآخر في القضية هو أنهم عملوا منذ البداية على التمهيد لتوجيه ضربة كبيرة للشعب الإيراني، فقد قبلوا لجوء محمد رضا في أمريكا من أجل أن يحتفظوا به ويبقوه ويمهّدوا الأرضية ويقوّوا عملاءه هنا، ويكون هو أيضاً موجوداً ثم يقوموا مرة أخرى بنفس العمل الذي قاموا به في الثامن والعشرين من مرداد سنة 32 [19 أب 1953 م] أي قبل خمسة وعشرين عاماً من ذلك التاريخ. في الثامن والعشرين من مرداد أيضاً فرّ محمد رضا من إيران، وتعاضد الإنجليز والبريطانيون ودخلوا إلى داخل البلاد خفية واستخدموا السفارات المختلفة ولجأوا فيها وجهزوا عملاءهم وأعدوهم واستغلوا غفلة الناس في ذلك الحين وأعادوا محمد رضا مرة أخرى، وكانت هذه الإعادة هي التي أنزلت الويلات بهذا الشعب وحمّلته المشاق لمدة خمسة وعشرين سنة. أرادوا القيام بمثل هذا العمل مرة أخرى، لكن الإمام الخميني حال دون ذلك وصدّه وأيقظ الشعب الإيراني وقد استيقظ شعب إيران. وعليه فالشعارات ضد أمريكا وهذا الصراخ على أمريكا ليس من باب التعصب والجهل واللجاجة، بل هو قائم على منطق ومستند إلى رصيد ودعامة منطقية وفكرية. إذن، شبابنا الأعزاء والذين يكتبون ويخطبون ولهم منابرهم - منابر الصحافة، ومنابر الجامعات، ومنابر صفوف الدراسة، والمنابر المختلفة - ليعلموا وليتنبّهوا إلى أن الشعب الإيراني إذا كان يرفع اليوم شعارات ضد أمريكا وكان في الثلاثين عاماً ونيف الماضية يرفع هذه الشعارات فذلك على أساس منطق متين.
و طوال هذه الأعوام كان لنا حرب مع صدام لمدة ثمانية أعوام، وقد وقف الأمريكيون إلى جانب صدام بقوة وساعدوه بكل ما استطاعوا. لقد مارس الأمريكان عداءهم ضدنا بعد الحرب بشكل، وقبل اندلاع الحرب بشكل، وخلال فترة الحرب بشكل، وإلى هذا اليوم بشكل، وفي قضية برجام [الاتفاق النووي] بشكل، وبعد برجام بشكل. قبل أيام من الآن وقف هذا السيد المفاوض الأمريكي (4) وقال بصراحة - وقد بث هذا الشيء من تلفزيون إيران أيضاً - بأننا فرضنا حظراً على إيران حتى بعد برجام. هذه هي أمريكا. صمود الشعب الإيراني بوجه أمريكا صمود مرتكز إلى المنطق. إذن، الخطأ الأول هو أنهم يريدون التظاهر بأن شعب إيران يقاوم أمريكا بسبب اللجاجة. الواقع هو عكس هذا، فالشعب الإيراني يقاوم أمريكا بسبب المنطق. هذا هو تصحيح الخطأ الأول.
لقد مارس الأمريكان عداءهم ضدنا بعد الحرب بشكل، وقبل اندلاع الحرب بشكل، وخلال فترة الحرب بشكل، وإلى هذا اليوم بشكل
أما الخطأ الثاني فهو فكرة خاطئة يروج لها بشكل من الأشكال من قبل الأمريكان أيضاً ويشيعها كذلك أشخاص داخل إيران، وهذا الخطأ أخطر من الأول، إنه خطأ يقول إننا إذا استسلمنا لأمريكا فإن مشكلات البلاد سوف تحل.
هذا من الأخطاء العجيبة الغريبة والخطيرة جداً. يقولون إننا إذا تصالحنا مع أمريكا فإن مشكلات البلاد ستحل. ويمكن سرد عشرة أدلة على أن هذا الكلام خطأ، وهذا الكلام كذب، وهذا الكلام خداع. التصالح مع أمريكا والاستسلام لها لا يعالج مشكلات البلاد بأيّ حال من الأحوال، لا المشكلات الاقتصادية ولا المشكلات السياسية ولا المشكلات الأمنية ولا المشكلات الأخلاقية، بل إنه سيزيدها سوءاً. هناك عشرة أدلة أو خمسة عشر دليلاً يمكن عدها وسردها لهذه القضية. وآخرها قضية برجام هذه. كم قلتُ طوال المفاوضات إنهم ينكثون عهودهم ويكذبون ولا يفون بكلامهم ووعودهم، والآن تلاحظون ذلك! إن من يقول اليوم إنهم ينكثون عهودهم لستُ أنا فقط، بل إن مسؤولي البلاد المحترمين والمفاوضين الإيرانيين أنفسهم الذين تحمّلوا كل تلك المشاق والأتعاب وفاوضوا لمدة سنة ونيّف، وذهبوا واجتمعوا وقعدوا وقاموا، عشرة أيام، وخمسة عشر يوماً، وعشرين يوماً في خارج البلاد وخلف طاولات التفاوض، بكل تلك الجهود والتعب والمشقة وتصبّب العرق، هؤلاء هم الذين يقولون ذلك.
قلتُ طوال المفاوضات إنهم (الأمريكيون) ينكثون عهودهم ويكذبون ولا يفون بكلامهم ووعودهم، والآن تلاحظون ذلك!
في نفس اجتماع وزراء الخارجية الذي انعقد في نيويورك قبل حوالي شهر (5) شارك وزير خارجيتنا المحترم أيضاً وشاركوا هم كذلك، وقد تلا وزير خارجيتنا لائحة اتهامات كبيرة ضدّهم، وقال لهم لقد فعلتم الشيء الفلاني وما كان يجب أن تفعلوه، ولم تفعلوا الشيء الفلاني وكان يجب أن تفعلوه، لائحة اتهامات ودعوى لم يكن لديهم جواب لها. هكذا هم على كل حال. يقولون: استسلِموا في سورية، واستسلِموا في شأن حزب الله، واستسلِموا في قضايا أفغانستان وباكستان، واستسلِموا في خصوص العراق، واستسلِموا في شأن القضايا الداخلية، مع مَن؟ مع الطرف الذي لا يتوانى للحظة واحدة عن العداء. هدفهم أن لا يسمحوا لهذا الشعب بالرشد والتقدم، هدفهم أن لا يسمحوا بحلّ مشكلات البلاد الاقتصادية، ثم يأتي هؤلاء أنفسهم ليساعدوا على حلّ المشكلات؟
أولاً: الطرف المقابل كاذب ومخادع وناكث للعهد وخائن وطعّان في الظهر، في الوقت الذي يصافح بهذه اليد يحمل على حد تعبيرهم حجارة في يده الأخرى ليدقّ بها رأس الطرف الآخر. هكذا هو الطرف المقابل. ثانياً: هل تريد أمريكا حل مشكلات الشعب الإيراني؟ أمريكا نفسها تعاني من أزمة، لماذا لا يقولون هذا؟ هذا ما تقوله كل الأجهزة المهمة صاحبة الرأي في مثل هذه القضايا في العالم، بل يقوله الأمريكان أنفسهم. أمريكا تعاني من أزمة، أزمة اقتصادية، وأزمة دولية،
الطرف المقابل كاذب ومخادع وناكث للعهد وخائن وطعّان في الظهر
وأزمة سياسية وأزمة أخلاقية. هم أنفسهم واقعون في أزمة. قروض الحكومة الأمريكية اليوم ما يقارب الناتج الإجمالي لكل أمريكا، وهذا مؤشر أزمة، وهو ما يقوله علماء الاقتصاد. يقولون متى ما وصلت ديون حكومة ما إلى ما يقارب الناتج الإجمالي لتلك الحكومة فإنها حكومة تعاني من أزمة، وهذا الاقتصاد اقتصاد مأزوم. هكذا هي أمريكا اليوم. مقدار ديونها يقارب ستين ونيفاً بالمائة من ناتجها الإجمالي الوطني. مثل هذا يريد مساعدة مَن؟ إنه يريد أن يمتص ويقضم ليرمّم نفسه. هذا يريد أن يأتي ويساعد اقتصاد البلد؟ هذا عن الناحية الاقتصادية.
و هم مأزومون من الناحية السياسية أيضاً. أي شعب ينهض اليوم في أيّ مكان من العالم وبلا استثناء - وأقول هذا بقطع - ويتحرك ضد مستبد وضد حكومة وضد دولة، فشعاره «الموت لأمريكا». ذات يوم كان شعار الموت لأمريكا خاصاً بهنا فقط، واليوم في منطقة غرب آسيا وفي منطقة شرق آسيا، وحتى في أوربا نفسها، وفي منطقة أمريكا اللاتينية، وفي منطقة أفريقيا، عندما تنهض الشعوب فإن أول شعاراتها هي الشعارات المناهضة لأمريكا. هذا هو الوضع السياسي لأمريكا. فهل أزمة فوق هذه؟
لقد كان لأمريكا خطتها لمنطقة غرب آسيا. لاحظوا، أنتم لا تتذكرون، والأمر طبعاً لا يعود إلى زمن قديم جداً، فهو يرجع إلى قبل عشرة أعوام أو إثني عشر عاماً، لكنكم باعتباركم شباباً لا تتذكرون ذلك الوقت. جاء وزير خارجية أمريكا في ذلك الحين وقال: «إننا نريد تشكيل شرق أوسط كبير»، في قضية لبنان وحرب الثلاثة وثلاثين يوماً، ذكر اسم الشرق الأوسط الكبير. ماذا يعني الشرق الأوسط الكبير؟ هم يسمون منطقة غرب آسيا الشرق الأوسط، والشرق الأوسط الكبير يعني منطقة من حدود باكستان إلى البحر الأبيض المتوسط، أي إن جميع بلدان هذه المنطقة هي شرق أوسط، وكانت أمريكا قد أعدت خطة عامة لكل هذه المنطقة لتمسك كل هذه البلدان في قبضتها بمحورية إسرائيل. هذا هو ما قصدوه بالشرق الأوسط الكبير. وقد وصلت أوضاع هذا الشرق الأوسط الكبير الذي تحدث عنه وزير الخارجية ذاك - وكانت سيدة مسكينة قالت هذا الكلام - (6) وصلت إلى حيث أنهم متورطون حائرون في قضية سورية، ومتورطون حائرون في قضية العراق، ومتورطون حائرون في قضية لبنان، وبقوا متورطين حائرين في قضايا شمال أفريقيا، وهم غائصون في الوحل في قضية ليبيا، وقد حشروا أنفسهم في قضية اليمن لكنهم تورطوا فيها، هذا هو الوضع السياسي الدولي لأمريكا. فهل أزمة أكبر من هذه؟ هذه تريد أن تأتي لمساعدتكم؟ هذه تريد أن تأتي لتحل مشكلات البلاد؟
الأمريكيون متورطون حائرون في قضايا سورية، العراق، لبنان، شمال أفريقيا، ليبيا، واليمن هذا هو الوضع السياسي الدولي لأمريكا اليوم
و نحن في الموقف المعاكس، الشكر لله، وهذا من فعل الله، إنه لطف الله بهذا الشعب الذي منحه الشجاعة والبصيرة والاستقامة وتحمّل المشكلات، واستطاع رجال ونساء هذا الشعب المؤمنون أن يسيروا ويعملوا بحيث أضحى الشعب الإيراني في الشرق الأوسط اليوم مرفوع الرأس. في العراق، وفي سورية، وفي لبنان، وفي اليمن، وفي منطقة الخليج الفارسي، أين ما تنظرون تجدون أن إيران وجه متألق. إنهم في أزمة من الناحية الاقتصادية، وفي أزمة من الناحية السياسية، وفي أزمة من الناحية الدولية، وفي أزمة من الناحية الأخلاقية. من الناحية الأخلاقية - سواء من حيث الشؤون المتعلقة بالأخلاق الجنسية، أو من حيث الشؤون المتعلقة بالمفاسد المالية - طبقاً لما يقولونه هم من كلام وينشرونه في صحافتهم، الكلام الذي يقولونه هم أنفسهم - وهذا بالطبع أقل بكثير من الواقع - وما يقوله هذان المرشحان المحترمان لرئاسة جمهوريتهم (7) والذي سيذهب أحدهما على كل حال بعد أيام إلى البيت الأبيض ويصبح رئيس الجمهورية هناك، والمفترض أنهما لا يطلقان كلاماً اعتباطياً، الإثنان سيئان أحدهما مع الآخر، لكنهما متفقان على فضح أمريكا وعلى إراقة ماء وجه أمريكا، وقد نجحا (8). كيف يريد هذا البلد أن يأتي ليساعد إيران؟ لماذا يبثون في الأذهان هذا الخطأ بأنه «إذا عالجنا مشكلاتنا مع أمريكا واستسلمنا لها فإن مشكلات البلاد سوف تحل»؟ لا يا عزيزي، الاستسلام لأمريكا لا يعالج مشكلات البلاد، بل سيزيدها. إذا كانت لدينا مشكلات سياسية وإذا كانت لدينا مشكلة اقتصادية فيجب أن نحل مشكلاتنا بأنفسنا، أنتم من يجب أن تحلوا مشكلاتنا، أنتم الشباب.
كلا مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية سيء، لكنهما متفقان على فضح أمريكا وعلى إراقة ماء وجهها، وقد نجحا
ودعوني أقول لكم هنا أيها الشباب بضعة نقاط، فأنتم بالتالي أعز الأشخاص علينا، أنتم مثل أبنائي، أنتم أولادنا وشبابنا، وآمالنا ومستقبلنا في أيديكم، ومستقبل هذا البلد في أيديكم. إننا حين نذهب فستبقون أنتم وأنتم من يجب أن تديروا هذا البلد. أقول لكم عدة نقاط. أعزائي، أعدوا أنفسكم للمستقبل، وأعدوا أنفسكم لإدارة هذا البلد. علاج مشكلات هذا البلد - سواء المشكلات التي نواجهها اليوم أو المشكلات التي سنواجهها لاحقاً، أو المشكلات التي يعيشها أي بلد وأي شعب، ولا يوجد بالتالي بلد من دون مشاكل - حل هذه المشكلات رهن بتدفق الإرادة والاستقامة من داخل الشعب. يجب أن تتدفق الإرادة والاستقامة والعزيمة الراسخة والمقاومة من داخل الشعب، فتكون الأعين مفتحة والأرواح متوكلة على الله، ويجب أن تكون هناك ثقة عالية بالنفس. إذا توكلنا على الله واعتمدنا على أنفسنا فستكون معنوياتنا قوية، سواء على الصعيد العلمي، أو على الصعيد الإداري. ما أشدد عليه هو الروح الثورية، ينبغي الحفاظ على هذه الروح. ما معنى الروح الثورية؟ معناها أن يكون الإنسان الثوري شجاعاً ومن أهل الإقدام ومن أهل العمل ومن أهل الإبتكار، وأن يحطم الطرق المسدودة ويفتح العقد. أن لا يهاب شيئاً ويتفاءل بالمستقبل ويسير على أمل الله نحو المستقبل المشرق. هذا هو معنى الثورية. هذا هو الفرد الثوري. ينبغي الحفاظ على هذه الروح الثورية.
البعض يتصرفون على الضدّ من هذا الاتجاه، والبعض يتحدثون بعكس هذا، والبعض يمارسون الإدارة بطريقة مضادة لهذا المنحى، يجعلون الشاب غير متفائل بالمستقبل وغير واثق بالثورة، ويبعدونه عن أنفاس الإمام الخميني الدافئة، هذا سيؤدي إلى الخراب طبعاً، ثم تراهم يئنون من الزمان! يئنون ويتأفأفون من الزمن. من الذي يصنع الزمن؟ على حد قول صائب التبريزي: جريمة صانع الزمن أكبر من الزمن (9). من الذي يصنع الزمان؟ أنا وأنتم من نصنع الزمان، نحن صناع الزمان. إذا كان الزمان سيئاً فيجب النظر لنا أنا وأنتم، نحن الذين نصنع الزمان. عندما لا نضع خطواتنا برسوخ وقوة وعندما لا نأخذ بنظر الاعتبار توصيات الإمام الخميني - تلك العين الثاقبة،
من الذي يصنع الزمان؟ أنا وأنتم من نصنع الزمان، نحن صناع الزمان
وذلك القلب الحكيم، القلب الزاخر بالحكمة، كان يرى جيداً ويفهم جيداً ويشخص بصورة صحيحة، وينير الطريق لنا، ووصية الإمام الخميني في متناول أيدينا، طيب، الذين يترددون ويشككون فلينظروا في هذه الوصية ليروا ماذا قال الإمام الخميني - عندما نبعد الناس عن هذه الأشياء ونبعد الشباب عنها وندفع الشباب نحو اللاأبالية، الشاب الميال إلى العفاف ندفعه نحو اللاأبالية تجاه قضايا العفاف وما شاكل، فمن الواضح أن النتيجة ستكون سيئة وسيكون الزمان سيئاً. طبعاً لحسن الحظ لم يستطيعوا لحد الآن فعل شيء ولن يستطيعوا، فشبابنا صالحون جداً. إذا روّجنا اللاأبالية باسم الحرية، وروّجنا الاستسلام والتسليم مقابل العدو باسم العقل والنظرة العقلائية، فسيكون الزمن سيئاً طبعاً. ينبغي مواصلة هذا الدرب بقوة وصلابة. يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في «نهج البلاغة»: «فَتَزيغُ قُلوبٌ بَعدَ استِقامَةٍ وتَضِلُّ رِجالٌ بَعدَ سَلامَة» (10). بعض القلوب كانت في يوم ما مستقيمة وتسير في الطريق المستقيم وتتحرك بصورة صحيحة لكنها تعود وتنكص عما كانت عليه. الزيغ يعني الإنقلاب، «رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا» (11) الواردة في القرآن الكريم بمعنى يا إلهي لا تقلب قلوبنا رأساً على عقب. إذا كنا نفهم بصورة صحيحة فلا تبتلنا بسوء الفهم واعوجاج الفهم. يقول الإمام أمير المؤمنين: البعض كانوا يتحركون ويتصرفون بصورة صحيحة لكن قلوبهم انقلبت. لماذا تنقلب القلوب؟ الله لا يظلم أحداً، نحن الذين نتلوث بالدنيا ونتلوث بحالات الحب والرغبة التي في غير محلها، نتلوث بحب الجاه ونتلوث بالتحيز للصداقات والفئويات والتحزبات فتنقلب قلوبنا وننحرف عن الطريق الصحيح وعن تلك الاستقامة الأولى. «وتَضِلُّ رِجالٌ بَعدَ سَلامَة» كانوا سالمين ذات يوم ثم ضلوا وانحرفوا. هذه هي الآفات، وينبغي الحؤول دونها واللجوء إلى الله والعياذ به منها.
توصيتي للشباب أن انظروا بأعين مفتحة، وببصيرة ولا تتقبلوا أيّ كلام مهما كان من أيّ قائل. أساس الحركة وأساس الثورة هو الإمام الخميني الجليل، فاعتبروا كلامه هو الحجة، وانظروا لتروا ماذا قال الإمام الخميني. لا يقولوا: لو كان الإمام الخميني اليوم لعمل هكذا، لا، هذا خطأ، لقد كنا لسنين طويلة مع الإمام الخميني ونعرفه خيراً منهم. لو كان الإمام الخميني اليوم لرفع نفس ذلك الهتاف الإبراهيمي المحطم للأصنام، ونفس ذلك الهتاف الذي أحيى الشعب وأوصله إلى الثورة. طيب، أنتم تقولون: الموت لأمريكا، ونحن نوافقكم على هذا، ولا نشكِل عليه.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1 - فخر الدين أحمدي دانش آشتياني وزير التربية والتعليم الإيراني.
2 - صحيفة الإمام الخميني، ج 11 ، ص 121 .
3 - دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.
4 - جون كري وزير خارجية أمريكا.
5 - أول اجتماع لوزراء خارجية إيران و 5 + 1 بعد البدء بتطبيق الاتفاق النووي (برجام).
6 - ضحك الحضور.
7 - ضحك الإمام الخامنئي.
8 - ضحك الحضور.
9 - الشاعر الإيراني صائب تبريزي، ديوان غزليات: «البطل يرد الظلم بالجور، جريمة صانع الزمن أكبر من الزمن».
10 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 151 .
11 - سورة آل عمران، الآية 8 .