وخلال اللقاء حذّر سماحته من بعض المساعي الخطيرة التي تهدف لتحريف حقيقة ومنطق ثبات الإمام الخميني (قدّس سرّه) ومعه الشعب في وجه أمريكا قائلاً: ما سيتكفّل بحل المعضلات التي تواجهها البلاد هو امتلاك الروحية والفكر الثوريين أي التوكّل على الله، الاعتماد على الداخل، امتلاك الشجاعة في الإقدام والعمل، البصيرة، العمل بوصايا الإمام الخميني، الابتكار والابداع، التفاؤل بالمستقبل، عدم الخوف من العدو وعدم الخضوع والاستسلام له.

وخلال إشارته إلى أحداث الثالث من تشرين الثاني التاريخية، اعتبر الإمام الخامنئي أن اقتحام السفارة الأمريكية كان أبرزها وأضاف سماحته: في الحقيقة إن هذا اليوم هو يوم الشباب المؤمنين، الثوريين، الشجعان، الأبطال والمبدعين الذين ردعوا بخطوتهم هذه التي انتهت باقتحام السفارة الأمريكية العدوّ عن القيام بأي تحرّك.

وضمن استذكاره للوصف الذي أطلقه الإمام الخميني على اقتحام السفارة الأمريكية حيث وصف (قدّس سرّه) حينها هذا الحدث بأنّه "الثورة الثانية" استكمل الإمام الخامنئي خطابه بقوله: جاء هذا الوصف وهذه التسمية بسبب حياكة أمريكا المؤامرات ضد الشعب الإيراني وخبثها قبل وبعد الثورة الإسلامية، ولأن الحكومة الأمريكية لا تتوانى عن ممارسة أي مساع رسمية وغير رسمية تؤدي لانكسار وانهزام الثورة الإسلامية، لقد قام الشباب الثوريون في تلك المرحلة من خلال اقتحامهم للسفارة الأمريكية بإفشال مؤامرتها.

الحكومة الأمريكية لا تتوانى عن ممارسة أي مساع رسمية وغير رسمية تؤدي لانكسار وانهزام الثورة الإسلامية

وأشار الإمام الخامنئي إلى الوثائق التي تم الحصول عليها من داخل السفارة الأمريكية وذكّر سماحته: هذه الوثائق التي تم الحصول عليها حين اقتحام السفارة الأمريكية على شكل قصاصات صغيرة تم تجميعها ولصقها بجهود ومساعي الشباب الثوريين تُظهر عمق المؤامرات وعمق عداء أمريكا للشعب الإيراني.

كما لفت قائد الثورة الإسلامية إلى تأليف حوالي سبعين مجلد من الوثائق التي تم الحصول عليها من السفارة الأمريكية وقال سماحته منتقداً عدم إيلاء هذه الكتب القيّمة والهامّة أي اهتمام في المدارس والجامعات: "لماذا لا تتم ملاحظة أي أثر لهذه الكتب في لائحة الدروس المعطاة في المدارس والجامعات؟" مؤكداً على ضرورة متابعة هذا الموضوع من قبل وزير التربية والتعليم الجديد ووزير العلوم.

وتابع الإمام الخامنئي كلامه قائلاً: لقد جاء اقتحام السفارة الأمريكية في ٤/١١/١٩٧٩ في الحقيقة كرد فعل طبيعي على المؤامرات والعداءات المتجبرة والجشعة التي كانت تعتبر لأعوام أن إيران ملك لها وتُغير على ثروات الشعب الإيراني، لكن هذا البلد أفلت من قبضتها مع انتصار الثورة الإسلامية.

جاء اقتحام السفارة الأمريكية في عام 1979 في الحقيقة كرد فعل طبيعي على المؤامرات والعداءات الأمريكية التي كانت تعتبر إيران لأعوام ملك لها

ثم أشار قائد الثورة الإسلامية إلى بعض التحركات والمساعي الخطيرة التي تهدف إلى إلقاء شبهتين في الأذهان والرأي العام خاصة شريحة الشباب حيث قال سماحته: هاتين الشبهتين هما عبارة عن:

١) لقد كان ثبات الإمام الخميني العظيم وقوله: "صبّوا كل هتافاتكم على رأس أمريكا" نابعاً من التعصّب والعناد.

 ٢) حل معضلات البلاد يتلخّص في التفاوض والتصالح مع أمريكا.

وأضاف الإمام الخامنئي: هذين الفكرين الخاطئين الذين يصدران عن أمريكا وأتباعها وبعض النادمين وأصحاب القوى الخائرة وطلاّب الدنيا، يتم ضخّهما في شرايين المجتمع خاصة في الصحف والجامعات.

حول الفكر الخاطئ الأول قال سماحته: أن يروّجوا لكون وقوف الإمام الخميني وثباته بوجه أمريكا بسبب التعصب والعناد والغرور فهذا يعني أن الإمام الخميني لم يكن يستند إلى أي منطق في ثباته بوجه أمريكا! بيدَ أنّ ثبات النظام الإسلامي والشعب الإيراني في وجه أمريكا مبني على أدلة منطقية بالكامل. وضمن شرحه هذه الأدلة أكد الإمام الخامنئي على أن: بنية سياسة وجوهر الحكومة الأمريكية الاستكبارية هي الجشع والطمع.

بنية سياسة وجوهر الحكومة الأمريكية الاستكبارية هي الجشع والطمع

كما اعتبر الإمام الخامنئي أن إحدى الأدلّة المنطقية الأخرى لوقوف الإمام الخميني هو الدفاع عن القيم الإنسانية وأكد سماحته: نظام أمريكا يبعد فراسخ عن القيم الإنسانية، وعندما كان الإمام الخميني يقول "صبّوا كلّ هتافاتكم على رأس أمريكا" أي "الموت لنظام وحكومة لا تربطهما أية علاقة بالقيم الإنسانية".

ولفت سماحة الإمام الخامنئي إلى المناظرات التي تجري بين مرشحي انتخابات الرئاسة الأمريكية قائلاً: في هذه الأيام يقوم هذين المرشحين بفضح حقائق ومصائب تحدث داخل أمريكا بكل صراحة وقد كنّا نتكلم عن ما هو أقل منها وكان البعض لا يصدّق أو أنه كان يرفض تصديق ذلك، لكن تصريحاتهم اليوم في المناظرات دليل على انعدام القيم الإنسانية في أمريكا.

تصريحات مرشحي الانتخابات الأمريكية اليوم في المناظرات دليل على انعدام القيم الإنسانية في أمريكا

ثم تطرّق قائد الثورة الإسلامية إلى محتوى المناظرات الانتخابية الأخيرة للرئاسة الأمريكية والحديث الذي دار حول التمييز العنصري والفقر في أمريكا وانحصار ٩٠ بالمئة من ثروات أمريكا بما نسبته واحد بالمئة من شعب هذه البلاد وذكّر قائلاً: الاستخفاف بالقيم الإنسانية، حقوق الإنسان والتمييز العنصري من ضمن الحقائق التي يعيشها المجتمع الأمريكي اليوم.

ثم اعتبر سماحته أن إحدى الأدلّة المنطقية لوقوف الإمام الخميني بوجه أمريكا هي إيوائها للشاه محمد رضا بهلوي في الأيام الأولى لانتصار الثورة والعمل على التخطيط مجدداً لحدث شبيه بانقلاب ٢٨ مرداد (٢٠/٨/١٩٤٣) وأردف قائلاً: لقد جعل الإمام الخميني (قدس سره) بندائه "صبّوا كل هتافاتكم على رأس أمريكا" الشعب يستيقظ وبثّ فيه الوعي وحال دون وقوع مؤامرة كبيرة في أوائل الثورة الإسلامية.

ولفت الإمام الخامنئي إلى مؤامرات أمريكا العديدة في الأيام الأولى لانتصار الثورة والدعم الشامل لصدام خلال سنوات الحرب المفروضة الثمانية، وأيضاً ممارسات أمريكا منذ انتهاء الحرب وحتى اليوم خاصة في مسألة المفاوضات النووية واستكمل حديثه قائلاً: منذ بضعة أيام قال المفاوض الأمريكي في المفاوضات النووية بصراحة أننا "فرضنا عقوبات على إيران بعد الاتفاق النووي أيضاً"، لذلك فإننا في الحقيقة نواجه هكذا حكومة.

وأكد قائد الثورة الإسلامية إذا وقف الشعب الإيراني في وجه أمريكا في زمن الإمام الخميني وإذا كان لا يزال إلى اليوم يهتف ضد أمريكا ويقف في وجهها، فإنه يقوم بهذا العمل بناءً على منطق قوي ومبرهن.

وضمن إشارته إلى فكر خاطئ آخر يعمل الأمريكيون وغيرهم على حقنه في المجتمع، قال قائد الثورة الإسلامية: هذا الفكر والذي هو على درجة كبيرة من الخطورة، يُقال إذا تصالحنا مع أمريكا فإن جميع مشكلات البلاد سوف تحل !

وأكد السيد الخامنئي أن هناك العديد من الأدلة الدقيقة التي تثبت كذب وخطأ وخداع هذا الفكر وأضاف سماحته: أحد النماذج البارزة التي تثبت عدم صحة هذا الفكر، موضوع الاتفاق النووي وسلوك الأمريكيين عقبه.

الاتفاق النووي وسلوك الأمريكيين عقبه يثبت عدم صحة فكرة " التصالح مع أمريكا سيحل مشكلات البلاد"

وأشار الإمام الخامنئي إلى تحذيره المكرر من كذب ونقض عهود الأمريكيين منذ اليوم الأول لبدء المفاوضات النووية حيث قال سماحته: الآن لست أنا من يقول أنهم ناكثون للعهود، بل مسؤولو البلاد وحتى نفس المفاوضين الذين تكبدوا الكثير من المشقات، يتحدثون عن نقض أمريكا للعهود.

وأضاف قائد الثورة الإسلامية: على هامش الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قدَّم وزير خارجيتنا خلال اجتماع جمعه مع وزراء خارجية الطرف المقابل لائحة إدعاء طويلة تتضمن نقض الأمريكيين عهودهم التي قطعوها ضمن الاتفاق النووي، وطبعاً لم يكن في جعبتهم أية إجابة.
وتابع سماحته: هذه هي حقيقة أمريكا، والبعض يقولون تعالوا نتفاوض مع أمريكا حول قضايا سورية، حزب الله في لبنان، العراق، أفغانستان، اليمن وحتى قضايا البلاد الداخلية ونتصالح معها !

وتساءل الإمام الخامنئي: هل سوف تقوم حكومة لم تتوان عن العداء للشعب الإيراني لحظة واحدة بحل مشكلات البلاد؟
ولخص السيد الخامنئي هدف أمريكا الأصلي بالحؤول دون تقدم إيران وسأل سماحته: هل التفاوض مع هكذا دولة سوف يحل مشكلاتنا الاقتصادية؟ ... التفاوض مع الأمريكيين لن يحل مشكلاتنا؛ ذلك لأنهم كاذبون، وناقضون للعهود، مخادعون، وغدَّارون هذا أولاً وثانياً أمريكا نفسها تعاني من المشكلات وبلد يعاني من الأزمات كيف له أن يحل مشكلات بلد آخر؟

التفاوض مع الأمريكيين لن يحل مشكلاتنا؛ ذلك لأنهم كاذبون، وناقضون للعهود، مخادعون، وغدَّارون

وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى إذعان المراكز الدولية الهامة وحتى الأمريكيين أنفسهم إلى وجود أزمات اقتصادية، سياسية، دولية وأخلاقية في أمريكا وأضاف سماحته: اليوم لامست الديون الأمريكية حجم الانتاج الوطني في هذا البلد، وهذا ما يعتبر علامة وجود أزمة وفق المعايير العالمية.

وسأل سماحته: هل يسعى بلد يعاني نفسه من الأزمات لحل مشكلات إيران الاقتصادية؟ أم أنه يسعى لاستغلال ثروات وموارد إيران من أجل التغلب على أزمته؟
وسعياً منه لإيضاح مدى الأزمة السياسية التي تعاني منها أمريكا اليوم أشار الإمام الخامنئي إلى شعار "الموت لأمريكا" حيث قال: اليوم في أية نقطة في العالم وأي شعب يقوم ضد حكومة أو دولة مستبدة، فإن أول شعار يطلقه "الموت لأمريكا" هل هناك أزمة أكبر من هذه الأزمة؟

كما أشار السيد الخامنئي إلى إخفاق أمريكا في صناعة الشرق الأوسط الجديد الصهيوني المحورالذي روجت له أثناء حرب تموز وأضاف: تقف أمريكا اليوم عاجزة أمام ما يحدث في سوريا، العراق، لبنان، اليمن وشمال أفريقيا؛ أليست هذه أزمة بحد ذاتها؟

تقف أمريكا اليوم عاجزة أمام ما يحدث في سوريا، العراق، لبنان، اليمن وشمال أفريقيا؛ أليست هذه أزمة بحد ذاتها؟

واعتبر قائد الثورة الإسلامية موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة اليوم هو الموقف المواجه لأمريكا بشكل كامل حيث قال سماحته: بلطف الله عزَّ وجلَّ، تحمَّل الشعب الإيراني بشجاعته وبصيرته وصموده المشكلات، واليوم ينعم بمكانة فذة في منطقة غرب آسيا ومنطقة الخليج الفارسي.
وعدَّ السيد الخامنئي الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها المجتمع الأمريكي وخصوصاً طبقة السياسيين والمسؤولين واحدة من المشكلات التي يعاني منها هذا البلد وقال سماحته: يكفي الكلام الذي تفوه به مرشحا الانتخابات الأمريكية خلال الأسابيع الأخيرة حول القضايا غير الأخلاقية والذي على الأغلب هو كلام ليس نابعاً من فراغ، يكفي هذا الكلام لإراقة ماء وجه أمريكا.
كما توجه قائد الثورة الإسلامية بالانتقاد الشديد لترويج فكرة "حل المشكلات يكمن في التصالح مع أمريكا" وأكد: المفاوضات مع أمريكا لن تحل المشكلات بل سوف تزيدها... يجب علينا حل مشكلاتنا بأنفسنا عبر الاستناد إلى قدراتنا وقوانا الداخلية الشابة.
واعتبر الإمام الخامنئي الشباب أمل الشعب وصانعي المستقبل ومديري البلاد في المستقبل القريب وخاطبهم بقوله: أعزائي، علاج مشكلات البلاد يكمن في التوكل على الله المتعال وإرادة وصمود الشعب، العزم الراسخ، المقاومة، البصيرة والثقة بالنفس القوية والترويج للروح الثورية.
كما عرَّف الإمام الخامنئي الروح الثورية بالتالي: امتلاك الشجاعة في المبادرة والعمل، الابتكار لمواجهة الطرق المسدودة، عدم الخوف من العدو وعدم الاستسلام له، الأمل بالمستقبل والإيمان بالوعد الإلهي.

وقال سماحة السيد القائد: للأسف البعض بدلاً من أن يروجوا الروح الثورية يتكلمون ويديرون الأمور بطريقة تدفع الجيل الشاب إلى عدم الثقة بالمستقبل وبالثورة والابتعاد عن خط الإمام، ثم يأتي هؤلاء أنفسهم يندبون ويشتكون من الزمن...الزمن نحن من نصنعه وإذا قلتم الزمن سيء، يجب علينا أن ننظر كيف عملنا حتى نتصور أن الزمن بات سيئاً؟
وأضاف سماحته: عندما لا نخطو خطوات واثقة، ولا نعمل بوصية إمامنا العزيز، وبإسم التحرر نسوق الناس والشباب نحو اللامبالاة وبإسم العقلانية نروج للصلح والاستسلام للعدو فمن المؤكد أن الزمن زمن سيء.
وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى حديث لأمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله: يرى الإمام عليه السلام سبب انحراف بعض القلوب والتي كانت في يوم من الأيام تسير على الطريق الصحيح والمستقيم، تلوثها بالدنيا وطلب الجاه والمكانة.

لو كان الإمام الخميني الجليل حاضراً اليوم، لكان صرخ بنفس ندائه الإبراهيمي محطم الأصنام

وأوصى الإمام الخامنئي الشباب بالتحلي بالبصيرة وخاطبهم: احذروا لا تقبلوا أي كلام من أي خطيب، الشيء الأساس والمهم هو الثورة وطريق إمامنا العزيز، يجب عليكم أن تتخذوا من كلامه حجة.
وفي نهاية كلمته أكد قائد الثورة الإسلامية: لو كان الإمام الجليل حاضراً اليوم، لكان صرخ بنفس ندائه الإبراهيمي محطم الأصنام والذي مهَّد لصحوة الشعب.