كانت براءة الطفولة من المفترض أن تكون زمناً للاكتشاف، اللعب، والنمو الخالي من الضغوط، لكنها باتت اليوم عرضة لضغوط متصاعدة، ولا سيما بالنسبة للفتيات الصغيرات. فمنذ لحظة ولادتهن، تغمرهن مجتمعات الغرب برسائل تمجّد المظهر الخارجي وتقيس قيمتهن عبر مدى جاذبيتهن في أعين الآخرين.

تُستهدف هؤلاء الفتيات بنحو ممنهج من قبل نظام يقدّم الربح المالي على حساب صحة الأطفال ورفاههم، ويتعامل مع أجسادهن كما لو كانت سلعاً قابلة للتسويق. لقد تحولت قضية «التنميط الجنسي» و«تشييء» الفتيات إلى ظاهرة متفاقمة ومثيرة للقلق في المجتمعات الغربية، وهي ظاهرة تغذيها الرأسمالية وتستفيد منها عبر «تسليع» أجساد النساء وجعلها موضوعًا للاستهلاك.

هذا الاتجاه الخطير متجذر في نسيج الثقافة الغربية، ويظهر في مجالات متعددة، كالأزياء، الألعاب، الإعلام، والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي. وتكمن خطورته في تأثيره غير المباشر على فهم الفتيات لذواتهن، وقيمتهن الذاتية، وموقعهن في هذا العالم.

في كتابهما «So Sexy So Soon» يعرض ديان ليفين وجان كيلبورن شهادات مؤثرة من أولياء أمور ومعلمين تكشف عن تعرّض الأطفال، منذ سن ما قبل المدرسة وحتى سن المراهقة، لرسائل ذات طابع جنسي متزايد يجدون صعوبة في التعامل معها. ويحمّل المؤلفان جزءاً كبيراً من المسؤولية للثقافة التجارية الأمريكية التي باتت تعتمد على ترويج الجنس والعنف في تسويق منتجات الأطفال.

 

«التنميط الجنسي» عبر ملابس الأطفال

أحد أبرز تمظهرات «التنميط الجنسي» يتجلى في صناعة ملابس الأطفال. فالمتأمل في متاجر الملابس الغربية يلاحظ تفاوتًا واضحًا بين أقسام ملابس البنات والبنين؛ إذ تُصمَّم ملابس البنين لتكون عملية ومناسبة للعب، بينما تُحاكي ملابس البنات أنماط الكبار، فتتضمن قصات كاشفة، وتصاميم ضيّقة، وشعارات ذات طابع مثير.

انتشار قمصان تكشف البطن، وملابس بياقة مفتوحة، وكعب عالٍ، ومستحضرات تجميل موجّهة للفتيات الصغيرات، ليس نتيجة عشوائية، بل هو جزء من استراتيجية تسويقية تستند إلى مفهوم «Mini Me» (نسختي المصغّرة)، والتي تزيل الفارق بين الطفولة والبلوغ، وتحوّل الفتيات إلى كائنات مرغوبة بدلًا من أطفال.

 

صناعة الألعاب ودورها في «التنميط الجنسي» للفتيات

تلعب صناعة الألعاب دورًا محوريًا في «التنميط الجنسي» للفتيات. فبدلاً من تعزيز الخيال والإبداع، تروّج العديد من الألعاب لصورة نمطية تركز على الجمال والمظهر الخارجي. دمى مثل «براتز» وبعض نسخ «باربي» تحمل سمات مبالغ فيها وتقدّم مظهراً أنثوياً غير واقعي، غالباً ما يكون مقروناً بإكسسوارات مثل المكياج والكعب العالي.

الرسالة الضمنية واضحة: المظهر هو الأولوية. هذه الثقافة قد تدفع الفتيات منذ سن مبكرة إلى الاهتمام الشديد بمظهرهن، مما ينعكس سلبًا على ثقتهن بأنفسهن ويشجع على رؤية الذات من منظور خارجي، خصوصًا من زاوية نظر الرجال.[1]

 

«التنميط الجنسي» عبر القصص ووسائل الإعلام الموجهة للأطفال

حتى القصص والأفلام التي تبدو بريئة قد تسهم في «التنميط الجنسي» للفتيات، فالحكايات الكلاسيكية كثيرًا ما تصوّر الفتيات بائسات بانتظار الإنقاذ من الأمير، فيما تركز التحديثات الحديثة على جمال الأميرة ودورها كحبيبة.

تُوظَّف تقنيات تسويق دقيقة تستهدف الفتيات بصريًا ونفسيًا، عبر الإعلانات والمحتوى المشحون بالإيحاءات الجنسية على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. والنتيجة: ربط قيمة الفتاة بجمالها وقدرتها على جذب الرجال، مما يحوّل الطفولة إلى سباق مبكر نحو الإثارة.[2]

 

فقدان مرحلة الطفولة: التعرض المبكر للمحتوى الجنسي ونتائجه

من أكثر النتائج المؤلمة «للتنميط الجنسي» للفتيات هو فقدانهن لمرحلة الطفولة الطبيعية. يتعرضن للضغط كي ينضجن مبكرًا، قبل أن يكنّ مهيئات نفسيًا لذلك. يؤدي التعرض المبكر للصور والرسائل الجنسية إلى اضطرابات مثل الاكتئاب، الخجل، والقلق، ويولد وعيًا ذاتيًا مبالغًا فيه يعوّق التمتع بالطفولة البريئة.[3]

 

الرأسمالية والذكورية: تحالف سام

تُغذّى ظاهرة «التنميط الجنسي» للفتيات من قبل النظام الرأسمالي الغربي، الذي يعطي الأولوية للربح ويختزل الأفراد – وخاصة النساء – إلى أدوات إنتاج واستهلاك. يتم تسويق الجسد الأنثوي كسلعة جذابة، وتُقاس قيمة النساء بمدى جاذبيتهن الجنسية في نظر الرجال.

يكرّس هذا النظام رؤية ذكورية تُفضّل الرجل على المرأة، وتسعى باستمرار لاستغلال هشاشة الفتيات في سوق الربح والاستهلاك. تلعب الصناعات الكبرى، مثل الموضة والألعاب والإعلام، دورًا أساسيًا في تسليع أجساد الفتيات وتعزيز الصور النمطية الضارة.

عبّر الإمام الخامنئي عن هذا التوجّه في لقائه بالمشاركين في القمة العالمية «المرأة والصحوة الإسلامية» (11/7/2012)، منتقدًا الطرح الغربي لحقوق المرأة بوصفه غطاءً لتسليعها، وقال: «أساس ثقافة الغرب مبني على تقديم المرأة باعتبارها سلعة لمتعة الرجل في المجتمع».

تتبنّى الكثير من توجهات التيار النسوي فكرة إزالة الفروقات الجندرية الفطرية، وهو ما قد يؤدي إلى إرباك الأطفال بشأن هويتهم الجندرية. وقد تزامن هذا الطرح مع ارتفاع ملحوظ في عدد الشباب الذين يُعرّفون أنفسهم كجزء من مجتمع LGBTQ+، حيث تُظهر استطلاعات الرأي الحديثة أن 30% من البالغين من الجيل Z في الولايات المتحدة يعرّفون أنفسهم بهذه الطريقة.[4]

علاوة على ذلك، فإن التعرّض المستمر للأطفال في الولايات المتحدة لهذه الأفكار المنحرفة ساهم في ارتفاع معدلات تشخيص اضطراب الهوية الجندرية (الديسفوريا الجندرية). ونتيجة لذلك، يعتقد عدد متزايد من الشباب أنهم من فئة المتحوّلين جنسيًا، ويزداد إقبالهم على السعي نحو تدخلات طبية تتعلق بتغيير الجنس.[5]

علاوة على ذلك، فإن النظام ذاته الذي يغذّي ظاهرة «التنميط الجنسي» للفتيات الصغيرات، يستفيد في الوقت نفسه من تبعاتها. إذ تحقق شركات الأدوية الكبرى، والرأسمالية الغربية عمومًا، أرباحًا طائلة من مشكلات الصحة النفسية الناتجة عن هذا التعرض المبكر. كما أن ظاهرة البلوغ المبكر، التي باتت أكثر شيوعًا في المجتمعات الغربية بفعل الانتشار الكثيف للمحتوى الجنسي،[6]  تضيف بُعدًا إضافيًا من التعقيد إلى هذه الإشكالية. فالقوى التي تستغل أجساد الفتيات الصغيرات لتحقيق الربح، هي ذاتها التي تجني المكاسب من الآثار النفسية والجسدية التي تنجم عن هذا الاستغلال.

معالجة هذه القضية تتطلب تبنّي نهج نقدي شامل لا يقتصر على التصدي للممارسات الرأسمالية الضارة، بل يشمل أيضًا تفحّص التبعات الإشكالية لبعض التيارات داخل الحركات الاجتماعية، بما في ذلك بعض الاتجاهات في الخطاب النسوي.

 

 


[1]https://www.researchgate.net/publication/7210496_Does_Barbie_Make_Girls_Want_to_Be_Thin_The_Effect_of_Experimental_Exposure_to_Images_of_Dolls_on_the_Body_Image_of_5-_to_8-Year-Old_Girls

[2] https://www.unicefusa.org/stories/not-object-sexualization-and-exploitation-women-and-girls-0

[3] https://www.unicefusa.org/stories/not-object-sexualization-and-exploitation-women-and-girls-0

[4] https://www.nbcnews.com/nbc-out/out-news/nearly-30-gen-z-adults-identify-lgbtq-national-survey-finds-rcna135510

[5] https://www.reuters.com/investigates/special-report/usa-transyouth-data/

[6] https://www.nbcnews.com/health/kids-health/puberty-starting-earlier-treatment-children-rcna125441