وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذه المناسبة:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.

سلام الله وصلواته وتحياته على الابن البار للنبي الأكرم ومحيي الدين النبوي، إمامنا الخميني الجليل؛ ونحن اليوم نحيي ذكرى الرحيل المؤلم لذلك الرجل الكبير، حيث اجتمع هذا الحشد المحب العاشق اليوم على ذكرى ذلك الإنسان العظيم.

كلامي اليوم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء معظمه إشارة إلى جملة من النقاط حول الإمام الخميني الكبير والثورة الإسلامية. وإذا تبقى لنا مجال في ختام الكلام فسوف أشير باختصار إلى بعض شؤون السياسة الداخلية والسياسة الخارجية.

 طبعاً طرح الأشخاص المطلعون الكثير من الكلام حول الإمام الخميني، هذا الرجل العظيم، طوال الأعوام الماضية. ولكن أولاً فيما يتعلق بما قيل حول الإمام الخميني والثورة، وهذان مقترنان أحدهما بالآخر، وذكرى الإمام الخميني واسمه غير منفصل عن اسم الثورة الإسلامية، ثمة أمور لم تذكر ينبغي أن تتعرف عليها ذهنية المجتمع بالتدريج. ثانياً ينبغي مراجعة حتى الأمور التي قالوها وقلناها وكررناها حول الثورة الإسلامية والإمام الخميني، ويجب تكرارها ثانية. لأن الحقيقة إذا لم تتكرر مراراً ولم تذكر بتفاصيلها وخصوصياتها فستكون هناك احتمالات لتحريفها على مرّ الزمن. تعلمون ويعلم أكثركم أن هناك دوافع ونوايا لتحريف شخصية الإمام الخميني وتحريف الثورة الإسلامية التي كانت أعظم ميزة وإنجاز للإمام الخميني الجليل. علينا تكرار الحقائق التي قلناها بخصوص الإمام الخميني والثورة الإسلامية. يجب أن نقولها مرة أخرى ونكررها ونعيدها لنسدّ طريق التحريف على المحرفين.

 

هناك دوافع ونوايا لتحريف شخصية الإمام الخميني وتحريف الثورة الإسلامية التي كانت أعظم ميزة وإنجاز للإمام الخميني الجليل

 

وكذا الحال بالنسبة للشرع المقدس، وكذا الحال بالنسبة للحقائق التاريخية؛ لقد أُمرنا أن نكرر الكثير من المعارف الإسلامية؛ تلاوة القرآن على سبيل المثال يجب أن نكررها لكي لا تُمحق حقائق القرآن من أذهاننا أبداً. أو التاريخ الواقعي الصحيح يجب أن نكرره. لو لم يبين شعبنا قضية عاشوراء هكذا طوال القرون المتمادية وبإصرار فلربما كانت هذه الحادثة المهمة قد فارقت الأذهان أو تم نقلها بشكل أضعف بكثير مما حدث على أرض الواقع.

جُلُّ خطابي وكلامي اليوم موجَّه لكم أيها الشباب الأعزاء؛ والسبب (أولاً) هو أن الشباب لم يشهدوا فترة الملاحم الكبرى ولم يعيشوها. لم يشهدوا فترة انتصار الثورة الإسلامية، وفترة الدفاع المقدس، وفترة التحركات العظيمة وحالات الجهاد الكبرى مقابل الساعين إلى التجزئة، الشباب سمعوا  بهذه الأحداث وهي تمثل لهم تاريخاً؛ لذلك من اللازم أن تُوضَّح وتبين هذه الأمور لهم أكثر.

ثانياً أذهان الشباب مستهدفة بعمليات تحريف المحرفين؛ إنهم يريدون في الوقت الحاضر أن يعملوا على أذهان شبابنا أكثر، يريدون أن لا يسمحوا لجيل الشباب الواسع في البلاد أن يتعرف على الحقائق، لذلك فإن خطابي اليوم موجّه للشباب.

أقول لكم أيها الشباب الأعزاء! إن الثورة الإسلامية التي تحققت على يد الإمام الخميني الجليل، وحين تحققت الإرادة الإلهية على يد تدبيره، فإن ذلك لم يكن مجرد انتقال وتغيير سياسي تتنحى فيه جماعة عن السلطة وتأتي جماعة أخرى مكانها، إنما كانت الثورة الإسلامية تحولاً عميقاً. لقد كان تحولاً في سياسة البلد، كان تحولاً عميقاً على الصعيد السياسي، وكان كذلك تحولاً على مستوى المجتمع الإيراني.

 

لم تكن الثورة الإسلامية مجرد انتقال وتغيير سياسي تتنحى فيه جماعة عن السلطة وتأتي جماعة أخرى مكانها، إنما كانت تحولاً عميقاً

 

على الصعيد السياسي كان هذا التحول بمعنى أن الثورة بدَّلت نظاماً دكتاتورياً مغلقاً وراثياً تابعاً للأعداء، كان يحكم في هذا البلد ويحذو حذو الأجانب، بدَّلت مثل هذه الدولة إلى دولة تقوم على أساس الشعب وتستند إلى الشعب وتتسم بالاستقلال، دولة شامخة مرفوعة الرأس ولها هويتها؛ حصل مثل هذا التحول العظيم على الصعيد السياسي.

وعلى مستوى المجتمع كان مجتمعنا قد أضحى مجتمعاً من دون هوية؛ إيران بهذه السوابق الثقافية وبهذه العظمة وبكل هؤلاء العلماء وبهذه الفلسفة وبهذه المعارف الإنسانية الهائلة التي أنتجها الإيرانيون، تحول هذا البلد إلى مجتمع تابع للغرب وعديم الهوية. كان هدف الثورة الإسلامية تغيير هذا الواقع وتبديل المجتمع إلى مجتمع له هويته وله استقلاله وله أصالته وله إبداعاته وخلاقيته، وله خطابه وكلامه الجديد؛ كانت الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني الجليل إلى النصر بمساعدة الشعب مثل هذا التحول. 

عندما كان إمامنا الخميني الجليل يطرح هذه الأهداف في كلماته وخطاباته كان في الواقع يطرح أهدافاً قصوى كبيرة. وكان الأفراد المتشائمون والوسواسيون يستبعدون كثيراً أن يستطيع الإمام الخميني تحقيق مثل هذه الأهداف؛ حتى رجال السياسة منهم. قال لي أحد رجال السياسة المعروفين المحترمين المعتبرين الذين نحترمهم قال لي: إننا عندما طرح الإمام الخميني قضية إزالة الحكم الملكي الوراثي قلنا لماذا يقول الإمام هذا الكلام؟ إن هذا غير ممكن؛ أي حتى رجال السياسة الناضجين المناضلين والفدائيين كانوا يفكرون بهذه الطريقة.

ولكم أن تقارنوا هذا الهدف الكبير الأقصى الذي طرحه الإمام بالنهضة الدستورية على سبيل المثال. كان هدف النهضة الدستورية أن تقلل من صلاحيات الشاه عن طريق مجلس الشورى. ولكم أن تقارنوه بأهداف النهضة الوطنية، أي نهضة تأميم النفط. كان هدف النهضة الوطنية أن نستعيد النفط الذي كان بيد الإنجليز ونضعه تحت تصرف وإدارة الحكومة الإيرانية. قارنوا بين هذه الأهداف الصغيرة الدنيا وبين تلك الأهداف التي نادى بها الإمام الخميني.

لم تنجح هذه النهضات والانتفاضات التي رسمت لنفسها أهدافاً دنيا صغيرة، ونجح الإمام الخميني بأهدافه الكبرى تلك. لقد حققت تلك النهضات بعض الانتصارات في البداية لكنها فشلت في النهاية. بينما استطاع الإمام الخميني أن يحقق النصر الكامل وأن يحافظ عليه ويبقيه.

وهذا بحد ذاته سؤال: كيف استطاع الإمام الخميني أن يصل بهذه الحركة العظيمة إلى النصر وأن يحافظ على هذا الانتصار؟

طبعاً كان الأمر إرادة إلهية، ولكن وفقاً للموازين الظاهرية كانت الأسباب الظاهرية لهذا الانتصار عبارة عن أن الإمام الخميني استطاع أن يأخذ بأيدي كل أبناء الشعب وخصوصاً الشباب منهم وينزلهم إلى الساحة. في أية حركة في أي بلد من البلدان إذا نزل أبناء الشعب إلى الساحة وصمدوا وقاوموا فسوف يحققون أهدافهم، وهذا مما لا جدال ولا شك فيه، ولم يثبت خلاف ذلك في أية فترة من فترات التاريخ؛ لقد استطاع الإمام الخميني إنجاز هذا الإبداع العظيم، وهذا العمل العظيم في أن يأخذ بأيدي أبناء المجتمع وخصوصاً الشباب منهم وينزل بهم إلى الميادين ويبقيهم في هذه الميادين.

استطاع الإمام الخميني أن يأخذ بأيدي كل أبناء الشعب وخصوصاً الشباب منهم وينزلهم إلى الساحة

 

من أين جاء الإمام الخميني الكبير بمثل هذه القدرة؟ هذه هي النقطة التي أروم الاستناد إليها، وفيها دروس وعبر لحاضرنا أنا وأنتم.

كان للإمام الخميني جاذبيات شخصية. وكانت هناك جاذبيات في شعاراته. ولقد كانت هذه الجاذبيات قوية إلى درجة استطاعت أن تأتي بمختلف شرائح الشعب من الشباب إلى الساحة. هذا مع أن الشباب كانوا خلال فترة النضال وفي العقد الأول من انتصار الثورة أمام جاذبيات وآراء وأفكار مختلفة. فقد كانت هناك الأفكار اليسارية والأفكار المرتبطة بالمعسكر الرأسمالي. كان هؤلاء أيضاً يطلقون كلاماً جذاباً وكلاماً مختلفاً، بالإضافة إلى هذه الجاذبيات كانت هناك جاذبيات الحياة العادية أمام هؤلاء الشباب وكان بوسع أحدهم اختيارها، لكن الشباب اختاروا الإمام الخميني وطريقه والنهضة والكفاح والثورة. لماذا؟ بسبب هذه الجاذبيات الفريدة التي كانت في الإمام الخميني. بعض هذه الجاذبيات كانت تتعلق بذات الإمام الخميني. لقد كان للإمام الخميني شخصية قوية ومتينة جداً. كان لدى الإمام القدرة على الصمود في وجه الصعوبات. لقد كان صريحاً وصادقاً فيتكلم بصراحة وصدق، وكان جميع المستمعين يشعرون بالصدق في كلام الإمام الخميني. كانت هذه هي الجاذبيات الشخصية للإمام الخميني. لقد كان إيمان الإمام الخميني وتوكله على الله تعالى متجلياً في كلامه وسلوكه بشكل متساو. لقد كان كلامه وسلوكه دليلاً على إيمانه بالله العظيم وتوكله عليه.

وإلى جانب هذه الجاذبيات كانت هناك جاذبيات أخرى تتعلق بالمبادئ التي عرضها الإمام الخميني، وعلى سبيل المثال فإن الإسلام كان واحداً من جملة الجاذبيات التي عرضها الإمام الخميني. الإسلام الأصيل.. الإسلام المحمدي الأصيل.

الإسلام الأصيل هو الإسلام الذي لا يقع أسيراً للتحجّر ولا يقع أسيراً للانتقائية

 

الإسلام الأصيل هو الإسلام الذي لا يقع أسيراً للتحجّر ولا يقع أسيراً للانتقائية. وذلك في الفترة التي كان فيها التحجر وكان فيها أيضاً الانتقائية. لقد طرح الإمام الخميني الإسلام الإصيل. وقد كان هذا الشيء جذاباً بالنسبة للشباب المسلم. وكان الاستقلال أيضاً من جملة الأسس التي أعلن عنها الإمام الخميني في شعاراته. وكانت هناك أيضاً الحرية والعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية. كانت هذه مبادئ الإمام الخميني التي طرحها ورفع شعاراتها، وكانت جميعها جذابة.

وكان التحرر من قبضة الهيمنة الأمريكية واحداً من الأسس التي دعا لها الإمام؛ وهذا شيء كان جذاباً للشباب الإيرانيين. وأقولها لكم: إن التحرر من قبضة الهيمنة الأمريكية اليوم جذاب للشباب، حتى الشباب في البلدان التي عقدت معاهدات طويلة الأمد مع أمريكا. على سبيل المثال في بلد يسير في خدمة الأهداف الأمريكية كالسعودية، لو ذهبتم إلى شبابه - وهذا شيء معلوم ومجرب - سوف ترون أن كل الشباب يبغضون التبعية لأمريكا ويرغبون في الانفصال عن تلك الهيمنة الظالمة. هذه من خصوصيات أسس الإمام الخميني.

لو ذهبتم إلى الشباب في السعودية سوف ترون أن كل الشباب يبغضون التبعية لأمريكا ويرغبون في الانفصال عن تلك الهيمنة الظالمة

 

ومن جملة الأسس والمبادئ المطروحة من قبل الإمام الخميني وفي شعاراته قضية السيادة الشعبية، بمعنى أن تكون سيادة البلاد بيد الشعب. فالشعب هو الذي ينتخب، والشعب هو الذي يريد، الشعب هو الذي يريد في كل شؤون حياته.

وكان هناك إيمان الشعب بذاته؛ أي أنه كان يقول للشعب ويكرر بأنكم قادرون وتستطيعون العمل بنجاح في العلوم والصناعة والأعمال الأساسية وفي إدارة البلاد وفي إدارة القطاعات المهمة من البلاد، إنكم قادرون على الوقوف على أرجلكم، في الاقتصاد وغيره. لقد كانت هذه هي جاذبيات شخصية الإمام الخميني والتي استطاعت شدَّ الشباب إليها. وجاء الشباب والتحقوا بنهضة الإمام الخميني الجليل وانتصرت الثورة.

بعد انتصار الثورة الإسلامية والذي أوجد زلزالاً عظيماً في العالم، حصل في الواقع تقسيم هائل في العالم، فكان هناك أنصار الثورة وأعداؤها. أعداء الثورة كانوا عبارة عن القوى الكبرى آنذاك. أي أمريكا والاتحاد السوفيتي يومذاك. أو التيارات السلطوية المتنوعة، مثل التيار الصهيوني وتيار الشركات التي تأتي بالحكومات إلى السلطة في البلدان الغربية وتذهب بها؛ شعر هؤلاء بالخطر وأصبحوا أعداء للثورة وظهر طابور كبير من أعداء الثورة؛ وفي المقابل، الكثير من الشعوب، الشعوب الإسلامية، وحتى بعض الشعوب الغير إسلامية الذين اطلعوا على قضايا الثورة أصبحوا محبين ومؤيدين حتى أن بعضهم كان مؤيداً للثورة بشكل فعّال جداً؛ وهذا ما شاهدناها في دول مختلفة، ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا. حسناً، بالطبع بدأت ردود الفعل بالظهور؛ بدأت ردود الفعل من اليوم الأول. طبعاً في البداية أصيبت القوى السلطوية بالدوار، ولم يتمكنوا من تشخيص ما يحدث. وعندما عادوا إلى رشدهم وجدوا أنفسهم، وبدأت العداوات للثورة الإسلامية من اليوم الأول وكل ما حدث من عداوات طوال الثمانية والثلاثين عاماً الماضية، كان أمراً مخططاً له؛ وبالطبع ثمة عداوات أخرى لم يزيحوا الستار عنها بعد، إنهم داخل مجموعاتهم منهمكون بالتفكير والإعداد – من اليوم الأول وحتى اليوم- وبشكل مختصر أقول الحمد لله لقد فشلوا في جميع هذه العداوات. وانتصر الشعب الإيراني على كل العداء الذي أظهره له أعداؤه طوال هذه المدة، وإن شاء الله سوف يحدث هذا الأمر [انتصار الشعب الإيراني على أعدائه] في المرحلة القادمة أيضاً.

وأروم الإشارة هنا إلى نقطة بين قوسين تتعلق بعقد الستينيات [الثمانينيات من القرن العشرين للميلاد]. عقد الستينيات هو العقد الأول من انتصار الثورة، وهو عقد الحياة المباركة للإمام الخميني الجليل. أيها الإخوة والأخوات الأعزاء. عقد الستينيات عقد مظلوم. إنه عقد حاسم في مصير إيران والإيرانيين.

 إنه عقد على جانب كبير جداً من الأهمية والحساسية، وهو إلى جانب ذلك غير معروف، وراح يتعرض في الآونة الأخيرة إلى هجمات من قبل بعض المنابر وأصحاب المنابر. إنهم يهاجمون عقد الستينيات. لقد كان عقد الستينيات عقد الاختبارات الكبرى والانتصارات الكبرى. لقد كان عقد الستينيات عقد أعنف الإرهاب في البلاد، فقد استشهد طوال سنوات عدة آلاف من أبناء الشعب، من مسؤولين ومن مختلف شرائح الشعب، على أيدي الإرهابيين، استشهد الناس من الكاسب العادي إلى الشاب الجامعي إلى الناشط السياسي وصولاً للشخصيات الكبيرة التي كان لها دورها الحاسم في الثورة ، طبعاً أنا لا أقوم بتعيين عدد معين ولكنهم قدَّروا عدد الشهداء بسبعة عشر ألف شهيد، استشهد سبعة عشر ألف إنسان شريف صاحب شخصية قيمة في إرهاب عقد الستينيات، ومن بينهم شخصيات مثل الشهيد مطهري والشهيد بهشتي، وهم شخصيات قلَّ ما يظهر أمثالهم في بلد ما على مرّ الزمن، وبإمكانهم أن يكون لهم دورهم الحاسم في تعيين مصير البلدان.

لقد كان عقد الستينيات عقد الحرب المفروضة، أي إن ثمانية أعوام من هذا العقد الأول من عمر الثورة ومن الحياة المباركة للإمام الخميني الجليل خصصت للحرب التي فرضت على الشعب الإيراني. لاحظوا كم هذه القضية صعبة. وقد كان عقد الستينيات عقد أصعب أنواع الحظر، حظروا كل شيء، حالات وأنواع من الحظر متتالية فرضت على البلاد وعلى مراكزنا الاقتصادية وعلى الحكومة. وهو عقد الأمجاد والمفاخر الكبرى. إنه عقد مكافحة نعرات التجزئة. حرضوا جماعات في أطراف البلاد ومنحوهم الأموال والسلاح من أجل أن ينهشوا جسد نظام الجمهورية الإسلامية وينادوا بالتجزئة. عقد الستينيات كان عقداً لمثل هذه الأحداث الكبرى التي وقعت في البلاد. وقد وقف شعبنا وشبابنا في عقد الستينيات بقوة وصمود مكنتنا من الإنتصار على كل هذه الأحداث. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. أنا أوصي أهل الفكر وأهل التأمل الذين يريدون الحكم على عقد الستينيات أن يحذروا  أن لا يتبدل مكان الشهيد والجلاد. لقد كان الشعب الإيراني مظلوماً في الستينيات، وتعرض للظلم من قبل الإرهابيين والمنافقين ومن يدعمونهم، كان الشعب الإيراني في موضع الدفاع، لكنه دافع وانتصر وأحبط مؤامراتهم بحمد الله.

أوصي أهل الفكر وأهل التأمل الذين يريدون الحكم على عقد الستينيات أن يحذروا  أن لا يتبدل مكان الشهيد والجلاد

وقف شبابنا وقاوموا، وثبت الإمام الخميني الجليل بذلك الوجه النوراني وذلك القلب المؤمن بالله وبتلك العزيمة الراسخة وتغلب على كل المشكلات ثم رحل عن الدنيا. ومن بعد رحيله عاود الأمل بعض الناس عسى أن يستطيعوا أن يعكسوا طريق الإمام الخميني فلم يستطيعوا بحمد الله. وبعد رحيله مضت سنين وانتظر البعض في خارج البلاد وعملاؤهم في الداخل عسى أن تغفل الثورة، أن تشيخ، أن تُعطب ليستطيعوا أن يهاجموها ويعيدوا الوضع إلى ما كان عليه قبل الثورة، فلم يتمكنوا من ذلك.

ما السبب في ذلك؟ السبب هو نفس تلك الجاذبيات التي تحلى بها الإمام الخميني الكبير. إنها جاذبيات أسس ومبادئ الإمام الخميني التي كانت شائعة في البلاد. وهذا ما سوف أتطرق له لاحقاً؛ لقد فارقنا جسم الإمام الخميني لكن روحه حية وطريقه حي وأنفاسه حية في مجتمعنا. تلك الجاذبيات التي كانت تجتذب إليها الشعب والشباب والقلوب كالمغناطيس في زمن الحياة الظاهرية للإمام الخميني، لا تزال موجودة إلى اليوم. اسم الإمام الخميني حلال للمشكلات مضافاً إلى أن مبادئه مبادئ لا تنتهي ولا تعتق. هذا هو الواقع. وعليه فاليوم أيضاً تجتذب شعارات العدالة الاجتماعية والاقتصادية وشعار الاستقلال وشعار الحرية وشعار سيادة الشعب، وشعار التحرر من هيمنة أمريكا والقوى العالمية، تجتذب قلوب شبابنا.

لقد فارقنا جسم الإمام الخميني لكن روحه حية وطريقه حي وأنفاسه حية في مجتمعنا

ونحن بالطبع متأخرون في تنفيذ بعض الشعارات والحق يقال. فنحن متأخرون في مجال العدالة الاجتماعية ومتأخرون في تحقيق بعض الأصول والمبادئ الإسلامية، وهذا شيء لا ننكره. لكن هممنا منصبة على هذا الاتجاه وأهدافنا هي تحقيق تلك المبادئ التي عينها الإمام الجليل.

هذا شيء جذاب بالنسبة لجيلنا الشاب. بل هو جذاب بالنسبة للجيل الشاب في البلدان الأخرى أيضاً وخصوصاً البلدان الإسلامية. هذه هي قدرة الثورة الإسلامية على التعبئة. وهذا هو ما أريد قوله. لا يغفل مسؤولو البلاد والناشطون السياسيون في البلاد عن هذه القدرة التعبوية للثورة، فهي نعمة كبيرة جداً. إنها نعمة متوفرة لبلادنا ولشعبنا. للثورة الإسلامية قدرتها على التعبئة وتستطيع قيادة الشباب والأفراد الصالحين ذوي العزيمة والإرادة نحو الأهداف السامية الراقية، ولا يوجد أي محرك بعظمة وقدرة الثورة وشعارات الثورة؛ ونحن اليوم بحاجة إلى هذا وسنبقى محتاجين له إلى سنين طويلة.

أيها الأخوة والأخوات الأعزاء! أعداؤنا ليسوا عاطلين عن العمل، صحيح، إنهم لم يستطيعوا لحد الآن توجيه ضربة قاصمة لنا، لقد تقدمنا وتطورنا، ولقد تمكنا من إنجاز أعمال كبيرة. ولكن العدو يكمن لنا؛ ولاحظوا إلى أين وصلت به الوقاحة. يقف رئيس أمريكا في نظام قبلي متخلف منحط محض إلى جوار رئيس القبيلة ويرقص رقصة السيوف، ثم يعترض على أربعين مليون صوت أدلى بهم الشعب الإيراني في انتخابات حرة!

يقف رئيس أمريكا في نظام قبلي متخلف منحط محض إلى جوار رئيس القبيلة ويرقص رقصة السيوف، ثم يعترض على أربعين مليون صوت أدلى بهم الشعب الإيراني في انتخابات حرة!

 

هؤلاء الأعداء بهذه الوقاحة وعدم الملاحظة والتهتك يقفون إلى جانب من يقتلون الناس في الأزقة والأسواق في اليمن ليل نهار ويتحدثون عن حقوق الإنسان. فهل هناك وقاحة أفظع من هذه؟ إنهم يقصفون اليمن ليل نهار منذ سنتين ونصف، منذ حوالي سنتين ونصف السنة. وهم لا يقصفون المواقع العسكرية في اليمن، بل المناطق غير العسكرية والناس العاديين في الأزقة والأسواق والمساجد والمشافي والبيوت. يقتلون الأبرياء، يقتلون النساء والأطفال والكبار؛ ثم يذهب ويقف إلى جانبهم ويتغازلون ببعضهم البعض ويتشدقون باسم حقوق الإنسان، ويفرضون الحظر على الجمهورية الإسلامية بسبب حقوق الإنسان. فهل وقاحة فوق هذه؟

 في مقابل مثل هذا العدو نحتاج إلى قدرة الثورة على التعبئة، فعظموا الثورة وقيم الثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة، أنتم المخلصون للبلاد والشعب، أحيوا قيم الثورة فالبلاد بحاجة إليها. يجب أن لا ننسى تلك القيم السامية والثورة الإسلامية بسبب أهداف قصيرة الأمد وتحولات مختلفة على الصعيد السياسي اليومي.

اليوم إذا أردنا أن نتقدم في ميدان العلوم وفي ميدان السياسة وفي مجال الاقتصاد، إذا أردنا القيام بأعمال كبرى فنحتاج إلى تلك الجرأة والثقة بالنفس التي تمنحها الثورة للشعب. فلا تمحقوا تلك الجرأة ولا تعملوا على إضعافها. الشعب الإيراني اليوم بحاجة إلى هذه الثقة بالذات. وشبابنا اليوم مستعد للمضي في الطرق الكبيرة، مستعد للمشاركة في الأعمال الكبيرة، مستعد للنزول إلى الميدان. لدينا في داخل البلاد ملايين الشباب، لو تكررت على البلاد تجربة مثل تجربة سنوات الستينيات فسوف ينزلون إلى الساحة بمنتهى الاقتدار وعزة النفس والبسالة والعزيمة وسوف يحرسون البلاد ويحافظون عليها.

نسمع أحياناً أن البعض يطرحون مفهوم العقلانية في مقابل شعارات الثورة. وكأن العقلانية على الضد من النزعة الثورية. لا، هذا خطأ. العقلانية الحقيقية أيضاً كامنة في النزعة الثورية. والنظرة الثورية هي التي تستطيع أن تعرض علينا الحقائق. لاحظوا متى قال الإمام الخميني عن أمريكا بأنها الشيطان الأكبر وتحدث عنها ككيان وحكومة لا يمكن الوثوق بها؟ هذا ما علَّمه إمامنا الخميني الجليل لشعب إيران قبل سنين. واليوم وبعد مضي سنين على ذلك يقول رؤساء البلدان الأوروبية إن أمريكا لا يمكن الوثوق بها.

و على حد تعبير الشاعر:

ما يراه الشاب في المرآة

يراه الشيخ في التبن الخام

هذه هي العقلانية. العقلانية هي أن هذه الفكرة التي يطرحها اليوم رؤساء البلدان الأوربية، قالها الإمام الخميني قبل ثلاثين سنة وقد جربناها بأنفسنا. الحقيقة أن الأمريكيين لا يمكن الوثوق بهم؛ إنهم ليسوا أهلا للثقة في جميع القضايا؛ إن شاء الله من الممكن أن أتكلم حول هذا الموضوع في فرص أخرى.

الحقيقة أن الأمريكيين لا يمكن الوثوق بهم؛ إنهم ليسوا أهلا للثقة في جميع القضايا

هذه هي العقلانية؛ معنى العقلانية هو أن يعرف الإنسان الأصالة والأشياء الأصيلة. العقلانية معناها الاعتماد على الشعب والطاقات الداخلية. والاعتماد والتوكل على الله الكبير. ليست العقلانية في أن يعود الإنسان بعد التحرر من الهيمنة الأمريكية والاستكبار إلى الاقتراب منهم. ليست هذه عقلانية. العقلانية هي ما حمله الإمام الخميني من أفكار وما تقوله لنا الثورة.

الدرس الأكبر الذي علَّمنا إياه الإمام الخميني الجليل هو تحديداً درس الروح والعقل والعمل الثوري. وهذا ما ينبغي أن لا ننساه. ليس الإمام الخميني تراثاً ثقافياً. البعض ينظرون إلى الإمام الخميني وكأنه تراث ثقافي. والواقع هو أن الإمام الخميني حيّ وهو إمامنا وقائدنا ويقف في مقدمة صفوفنا، نعم، جسم الإمام غير موجود، لكن ذهن الإمام الخميني وفكره ونفسه حية. انظروا للإمام الخميني بهذه العين وتعلموا منه.

لكن البعض يرون العقلانية في هذه الأمور، وهم على خطأ. يقولون إن تحدي القوى له تكاليف. نعم، التحدي له تكاليف، لكن الاستسلام أيضاً له تكاليف.

لاحظوا الحكومة السعودية من أجل أن تستطيع التصالح والتسوية مع رئيس أمريكا الجديد تضطر لتخصيص أكثر من نصف احتياطاتها المالية لخدمة أهدافه وطبقاً لرغبات أمريكا. أليست هذه تكاليف؟ التسوية أيضاً لها تكاليف. إذا كان التحدي عقلائياً ومتطابقاً مع المنطق وعلى أساس الثقة بالنفس فإن تكاليفه أقل بكثير من تكاليف التسوية.

الحكومة السعودية من أجل أن تستطيع التصالح والتسوية مع رئيس أمريكا الجديد تضطر لتخصيص أكثر من نصف احتياطاتها المالية لخدمة أهدافه وطبقاً لرغبات أمريكا

القوى المتآمرة والمعتدية لا تقتنع بحد تقف عنده. هذا ما لاحظناه في تعاملنا وتجاربناه خلال هذه الأعوام الأخيرة. يضعون حداً معيناً، وعندما تتراجعون إلى هذا الحد المعين فإنهم يبدأون تواً بطرح مطالب جديدة. ومن خلال هذه الضغوطات يجبرونكم على إعطائهم مطالبهم الجديدة؛ وهذه السلسلة تستمر بهذا الشكل؛ ولا تتوقف.

النزعة الثورية معناها أن لا يجعل مسؤولو البلاد هدفهم إرضاء القوى المستكبرة. بل أن يجعلوا هدفهم إرضاء الناس والشعب والاستفادة من الطاقات الداخلية وتقوية العناصر الفعالة في داخل البلاد. هذه هي النزعة الثورية. معنى النزعة الثورية هو أن لا يستسلم البلد ومسؤولوه لأيّ عسف أو منطق قوة. أن لا يستسلموا للانفعال وضعف النفس. لا يستسلموا لمنطق القوة والعسف من الطرف المقابل، ولا ينخدعوا بحيله. فالقوى مع أنها متعسفة وتمتلك الكثير من الأسلحة لكنها لا توفر ممارسة التحايل والخداع؛ أينما تتاح الفرصة لهم، فإنهم أهل الخداع والمكر والاحتيال وأمثال ذلك. هذا هو معنى النزعة الثورية.

أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات في كل أرجاء البلاد والمسؤولين المحترمين في البلاد لنعلم جميعاً أننا اليوم بحاجة إلى الروح الثورية والخط والشعارات والمبادئ والأصول الثورية في الثورة التي قادها إمامنا الخميني الجليل. البلد بحاجة لهذا الشيء. فلا ترفضوا النزعة الثورية من باب أنها تطرف وما إلى ذلك، فهي حاجة البلاد في الوقت الحاضر. وهذا هو الدرس الذي أعطاناه الإمام الخميني الجليل، وينبغي علينا الاستفادة من هذا الدرس.

هذا كان بحثي الأول وبحثي الأصلي والأساسي. أما بالنسبة للشؤون الداخلية فإن من القضايا المهمة جداً قضية انتخابات رئاسة الجمهورية التي أقيمت الأسبوع الماضي. يجب عليّ أن أتقدم بالشكر من صميم القلب لكل واحد من الذين حضروا وأدلوا بأكثر من 41 مليون صوت في صناديق الاقتراع. لقد مثلت هذه المشاركة اعتباراً للبلاد ولنظام الجمهورية الإسلامية ودليلاً على ثقة الشعب العامة بهذا النظام، أنْ تأتي أكثرية تصل إلى سبعين ونيف بالمائة من أبناء البلاد وتقول نعم لنظام الجمهورية الإسلامية وتؤيده وتثق به إنه أمر مهم للغاية.

أتقدم بالشكر من صميم القلب لكل واحد من الذين حضروا وأدلوا بأكثر من 41 مليون صوت في صناديق الاقتراع

 طبعاً ينكر البعض هذا بدافع من أفكار معوجّة ويقولون إن إصوات الشعب لا علاقة لها بالنظام الإسلامي فهي لا تؤيده. بلى، هي تأييد للنظام الإسلامي. حتى أولئك الذين قد يحملون في قلوبهم عتباً على النظام الإسلامي، عندما يعطون أصواتهم في إطار النظام الإسلامي فمعنى ذلك أنهم يقبلون هذا النظام ويعتبرونه كفوءاً ويثقون به.

هذه الأصوات التي بلغ عددها قرابة 42 مليون صوت، سبعون بالمئة ونيف، إنها أصوات لصالح النظام الإسلامي وثقة بالنظام الإسلامي. لقد كانت الانتخابات حدثاً مهماً. ولحسن الحظ فإن مجلس صيانة الدستور المحترم أعلن عن صحة الانتخابات. وبالطبع تم الإعلان عن وجود مخالفات ووصلتنا تقارير تفيد بوقوع مخالفات، ينبغي متابعة هذه المخالفات، رغم أنها مخالفات لا تؤثر على نتائج الانتخابات. لكنها في النهاية مخالفة وهي غير لائقة بنظام الجمهورية الإسلامية. ينبغي على المسؤولين متابعة هذه المخالفات وتشخيص الذين ارتكبوها لكي تزول مثل هذه المخالفات من الانتخابات –التي تنتظر هذا الشعب- ولا تتكرر. عندما نغمض أعيننا ونغض الطرف عن المخالفة، فإن هذه المخالفة سوف تتكرر. يجب منع حدوث هذه المخالفات. كما أتقدم بالشكر لمسؤولي البلاد الذين أجروا الانتخابات وأشرفوا عليها.

 طبعاً في الدعايات والمناظرات الانتخابية قيلت كلمات وحصلت أحياناً حالات سوء خلق ووجهت اتهامات أحياناً لبعض الأجهزة المختلفة في البلاد. هذه لم تكن ممارسات جيدة، والماضي مضى، فيجب أن لا تستمر هذه الأمور. ليتنبه الجميع.. ليغضوا الطرف عمّا حصل في الانتخابات ولا يكرروه. أي إن الشعب - سواء تلك الجماعة التي فاز مرشحهم أو الجماعة التي لم يفز مرشحهم - يجب أن تبدي عن نفسها استيعاباً وحلماً، والحلم بمعنى التحمّل والأناة. هناك من لو فاز في قضية من القضايا يبدي حالة عدم اتزان وعدم أناة وعدم صبر، ويبدي نفس الشيء أيضاً إذا خسر. لا، يجب إذا ما نجح الإنسان ووصل إلى هدفه أو إذا لم يصل، يجب أن يبدي عن نفسه أناة وحلماً. ولحسن الحظ فقد أبدوا في هذه السنة عن أنفسهم حلماً، وحتى الذين لم ينجحوا أبدوا عن أنفسهم صبراً وحلماً، بخلاف سنة 88 [2009 م] حيث حمّلوا البلاد تلك المشكلات.

قضية أخرى أطرحها هنا باختصار وقد أطرحها في المستقبل إن شاء الله بمزيد من التفصيل، هي أن تهتم الحكومة المحترمة بالإنتاج وفرص العمل اهتماماً خاصاً على صعيد الشؤون الداخلية. طبقاً لدستور البلاد يتمتع رئيس الجمهورية بإمكانيات واسعة جداً في البلاد ويستطيع القيام بالكثير من الأعمال، فليستفد من هذه الإمكانيات الموضوعة تحت تصرفه وليفعّل الطاقات الداخلية ولا يحصل أي تأخير في العمل بالوعود التي أعطيت للشعب. ليختاروا المسؤولين في القطاعات المختلفة - في الحكومة الثانية عشرة - بحيث يكونوا نشطين فعالين قادرين دؤوبين، وبالشكل الذي تستطيع قدراتهم إنجاز الأعمال إن شاء الله. إذا أبدى أحد القطاعات لا سمح الله - القطاعات الاقتصادية وغير الاقتصادية - عدم كفاءة عن نفسه فإن ذلك سيحسب على عدم كفاءة النظام، وهذا ليس من الإنصاف، فالنظام كفوء، وعلى القطاعات المختلفة أن تستطيع التقدم إلى الأمام بشكل مواكب للنظام. على المسؤولين أن يجعلوا البلاد جاهزة ومقاومة حيال الحظر الأمريكي. تلاحظون أن الأمريكان يتحدثون كل يوم بكلام جديد بكل وقاحة، ويطلقون تآمراً جديداً باستمرار، وينبغي أن يكون البلد مقاوماً وقادراً على الصمود في مقابل ما يقومون به. ليأخذ مسؤولو البلاد هذه المقاومة الاقتصادية والثقافية والسياسية والشاملة بعين الاعتبار.

وعلى صعيد القضايا العالمية ينبغي أن يسمع من البلد صوت واحد. ليتنبه كل مسؤولي البلاد المحترمين لهذا. في القضايا الدولية المهمة ينبغي أن يسمع من داخل البلاد صوت واحد قوي، ولا تسمع أصوات مختلفة عن المسؤولين. وقد يكون للكاتب الفلاني أو الشخص الفلاني الذي يعمل في الفضاء الافتراضي عقيدة أخرى، لا أهمية لذلك، إنما مسؤولو البلاد يجب أن تكون كلمتهم واحدة وصوتهم واحد.

وأشير إلى نقطة في خصوص الشؤون الخارجية. للأسف يعاني إخوتنا في بعض البلدان من مشكلات شديدة في شهر رمضان المبارك، في اليمن، وفي سورية، وفي البحرين، وفي ليبيا، يعاني المسلمون من هذه المشكلات العظيمة وهم صائمون. في اليمن تقصف الحكومة السعودية اليمن ليل نهار، وتمارس الضغوط على الناس، وهم على خطأ طبعاً. وأقولها هنا، لتعلم الحكومة السعودية أنها لو استمرت عشر سنين أو عشرين سنة أخرى على هذا النهج مقابل شعب اليمن فسوف لن تنتصر على الشعب اليمني. إنها جريمة ترتكب ضد شعب بريء لا مأوى له، ولا شك في أنها لن تصل إلى نتيجة، وسوف يزيدوا من أوزارهم ومعاصيهم في الدنيا أمام الناس وأمام الله تعالى وأمام الكرام الكاتبين، وسوف يجعلوا الانتقام الإلهي ضدهم أشدّ وأفظع.

لتعلم الحكومة السعودية أنها لو استمرت عشر سنين أو عشرين سنة أخرى على هذا النهج مقابل شعب اليمن فسوف لن تنتصر على الشعب اليمني

وكذا الحال في البحرين أيضاً. تواجد الحكومة السعودية في البحرين أيضاً تواجد غير منطقي. قضايا البحرين خاصة بشعب البحرين، ويجب أن يتحاور شعب البحرين نفسه مع حكومته ويصلوا إلى نتيجة. لماذا يجب أن ترسل دولة أجنبية قوات عسكرية إلى هناك وتتدخل في شؤونهم وترسم لهم السياسات؟ هذه ممارسات غير منطقية وغير عقلائية تسبب مشكلات للبلدان وللشعوب. أنْ يريدوا فرض إرادتهم على شعب من الشعوب فهذا خطأ منطقياً وغير مجد عملياً و سيؤدي من حيث النتيجة إلى خزيهم وسواد وجوههم، ولن يصلوا إلى شيء. لن يصلوا إلى نتيجة حتى مع وجود هذه الرشوة التي أعطوها لأمريكا بمئات المليارات من أجل أن يكسبوها إلى صفهم. وكذا الحال بالنسبة للشأن السوري. تواجد البلدان الأجنبية في سورية بخلاف إرادة الحكومة السورية والشعب السوري ممارسة غير قانونية. نعتقد أن شؤون سورية أيضاً يجب أن تعالج بالحوار. نعتقد أنه في سورية وفي البحرين وفي اليمن وفي كل مكان من العالم الإسلامي، يطلق الأعداءُ حروباً بالوكالة ويشعلوا الصراعات بين الناس بعضهم مع بعض، الحل أن يجلسوا ويجتمعوا ويتحاوروا ويتفاوضوا ولا يتدخل الآخرون ولا ترسل الأسلحة من الخارج إلى داخل البلدان بهذا الشكل الذي تلاحظونه. إن داعش اليوم تطرد من محل ولادتها، أي من العراق وسورية، وتذهب إلى بلدان أخرى، إلى أفغانستان وباكستان وحتى إلى الفلبين والبلدان الأوربية وأماكن أخرى. هذه نار أوقدوها هم بأيديهم وراحت تطالهم الآن وتحرقهم.

نعتقد أنه في سورية وفي البحرين وفي اليمن وفي كل مكان من العالم الإسلامي، يطلق الأعداءُ حروباً بالوكالة.. الحل أن يجلسوا ويجتمعوا ويتحاوروا ويتفاوضوا ..

لقد استطاع الشعب الإيراني بتوفيق من الله أن يواصل عمله ويتقدم إلى الأمام على كل الأصعدة وفي كل القضايا بمنطق وعقلانية وعزم وإرادة راسخة، وبعد الآن أيضاً سوف تنتهي كل التطورات السياسية في البلاد لصالح مبادئ هذا الشعب وانتصاره بتوفيق من الله وهدايته وإذنه. وأقول في ضوء 38 سنة من التجارب إن غد هذا الشعب سيكون أفضل من حاضره بكثير إن شاء الله وبتوفيق من الله.

اللهم أنزل رحمتك وفضلك في وقت العصر هذا من شهر رمضان على هذه الجماعة الصائمة وهذه البطون الجائعة وهذه الشفاه الظامئة. اللهم بحق محمد وآل محمد، انصر وأعزز شعب إيران في كل الساحات المهمة. اللهم اجعل الإمام الخميني الجليل الذي لا تزال روحه وأنفاسه حية بيننا، اجعله أكثر حياة يوماً بعد يوم. اللهم اشمل شهداء هذا الشعب الأبرار وشبابه المضحي بلطفك وفضلك. ربنا وفق مسؤولي البلاد لخدمة هذا الشعب الكبير. وأرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا فداه). اللهم اجعل شعب إيران واجعلني من المشمولين بأدعية الإمام المهدي المنتظر، وأنر أبصارنا بجمال ظهوره.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.