* نتيجة حذاقة وشموليّة نظرة الإمام الخميني (قدّس سرّه)
يُعتبر "مجمع تشخيص مصلحة النظام" واحداً من أهمّ مؤسسات وأركان النظام الإسلامي وقد تمّ تأسيسه في البداية نتيجة إبداع الإمام الخميني الرّاحل (رضوان الله عليه) ... هذه الحسنة الخالدة التي تثبت حذاقة وشموليّة نظرة قائدنا العظيم في الفترة التي برزت فيها حاجة البلاد لها، ومهّدت لاكتمال النصاب اللازم في قضية الإدارة العليا للبلاد." (1)
من الناحية التاريخية واجه تأسيس هذا المجمع تحدّيات معيّنة وكان له مسيرة خاصّة. إحدى أهم القضايا والتحديات في البلاد في العقد الأول من انتصار الثورة كانت رقابة مجلس صيانة الدستور على قرارات مجلس الشورى الإسلامي والتأكد من موافقتها موازين الشرع والقانون. في تلك الفترة (عام ١٩٨١) سمح الإمام الخميني (قدّس سرّه) في رسالة له بأن يُشرِّع نواب مجلس الشورى الأمور التي يرون أنها من مصلحة النظام مع التصريح بكونها قرارات مرحليّة ومؤقتة وقائمة ما دامت القضية قائمة، ثمّ يلغى القرار ذاتيّاً بعد انتهاء القضيّة. (2)
لكن مع ذلك، استمرّت المباحثات بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور حول قضية التأكد من موافقة القرارات المصوّت عليها للشّرع والدستور. كان التصويت على قانون العمل والقضايا المتعلقة به واحداً من المواضيع التي تم التباحث فيها طوال هذه الأعوام. أدّى استمرار هذه المباحثات والتحديات إلى أن يقوم الإمام الخميني (قدّس سرّه) في العام ١٩٨٧ إثر مراسلات من قبل عدد من مسؤولي النظام الرفيعين في تلك المرحلة بإصدار قرار يقضي بتأسيس مجمع تشخيص مصلحة النظام من أجل حل الخلافات: "في حال عدم حدوث اتفاق بين مجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور من خلال السُبل الشرعية والقانونية فليتم تأسيس مجمع لتشخيص مصلحة النظام الإسلامي؛ ولتتم دعوة مختصّين آخرين في حال لزم الأمر، وليُنفّذ قرار أغلبية الأعضاء الحاضرين في هذا المجمع بعد إجراء الاستشارات الضرورية واللازمة." (3)
* ارتقاء المنزلة وازدياد المسؤوليات
استكمالاً لهذه المسيرة التاريخية وبعد مراجعة دستور البلاد عام ١٩٨٩ اكتسب هذا المجمع مكانة قانونية في دستور الجمهورية الإسلامية: "تتلخّص مهمة مجمع تشخيص مصلحة النظام في تحديد المصلحة فيما يخص المواد التي يُشرّعها مجلس الشورى الإسلامي ويعتبرها مجلس صيانة الدستور مغايرة لموازين الشرع أو الدستور وتكون النتيجة عدم حصول المجلس على موافقة مجلس صيانة الدستور مع أخذ مصلحة النظام بعين الاعتبار، كما يجب عليه إجراء المشاورات فيما يخص القضايا التي يُحيلها إليه قائد الثورة الإسلامية والقيام بسائر المهمات المذكورة في هذا القانون، يتمّ تأسيسه بأمر من القيادة وتتكفل القيادة بتعيين أعضائه الدائمين والمتغيرين."(4)
إضافة إلى تثبيت مكانته القانونية بعد مراجعة الدستور، أوكلت للمجمع مسؤوليات تتجاوز حل الخلافات بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور. "تقديم الاستشارات للقيادة فيما يخص تحديد السياسات العامة" و"حل أزمات البلاد الأساسيّة" كانت من ضمن هذه المسؤوليات الجديدة: "بناء على إرشادات الدستور، فإنّ هذا المجمع يقوم بلعب دور إستشاري بارز وموثوق من قبل القيادة فيما يخص تحديد سياسات البلاد العامّة وأيضاً حلّ أزمات البلاد الأساسيّة وتولّي متابعة القضايا الهامّة التي يُحيلها إليه قائد الثورة الإسلامية، كما أنه يقوم بشكل عملي بحل إحدى معضلات النظام بتشخيصه المصلحة في القضايا التي تثير تعارضاً بين تشريعات مجلس الشورى ورأي مجلس صيانة الدستور."(5)
بناء على ذلك فإنَ المجمع يلعب حاليّاً دوراً مهمّاً في تحديد سياسات البلاد العامة: "عملية تحديد السياسات العامّة هي عمليّة قويّة وصلبة جدّاً. بداية يتم تنظيم هذه السياسات في اللجان الحكومية ومن ثم يتم تسليمها إلى الحكومة. تقوم الحكومة بمراجعتها والموافقة عليها ومن ثم تقترحها على القيادة، ثم يقوم قائد الثورة الإسلامية بتسليمها لمجمع تشخيص مصلحة النظام. تتم قراءة وتحليل هذه السياسات في لجان مجمع تشخيص المصلحة بمشاركة عدد من المختصين من مختلف الأقسام الاقتصادية، الثقافية، الجامعية والعلمية من داخل وخارج المجمع، ومن ثم تُسلّم للقيادة مرة أخرى. يطابق قائد الثورة الإسلامية السياسات مع أصول وأسس نظام الجمهورية الإسلامية القيميّة، يُقِرُّها ومن ثم تعود تلك السياسات إلى الحكومة ويُبلّغ بها مجلس الشورى الإسلامي."(6)
*ركن مؤثر في هيكلية الحكم
في النهاية يمكن تلخيص الموضوع كما يلي: مع أن تأسيس هذا المجمع جاء بناء على إبداع الإمام الخميني (قدّس سرّه) من أجل حل الخلافات بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور، لكنّه تحوّل خلال عمليّة تاريخيّة إلى ركن هام من أركان هيكلية الحكم ووضع السياسات العامة في الجمهورية الإسلامية. إنه مؤسسةٌ لعملها وقراراتها تأثيرٌ بالغٌ وهامٌ على تنظيم سياسات البلاد العامة وتقديم الاستشارات إلى قائد الثورة الإسلامية حيث يصف الإمام الخامنئي هذا المجمع "بالهيئة الاستشارية العليا للقيادة" ويتحدث عن أهميته ومكانته قائلاً: "مع الالتفات إلى المهام المقررة في الدستور، فإن هذا المجمع يقع في مكانة الهيئة الاستشارية العليا للقيادة." (7)
*خمس عناوين هامّة
برزت مكانة وتأثير مجمع تشخيص مصلحة النظام خلال قرار قائد الثورة الإسلامية الأخير القاضي بتعيين أعضاء هذا المجلس حيث قال سماحته: "أحمد الله العليم القدير أن وفّق بعونه وعنايته مجمع تشخيص المصلحة للنهوض بمهماته الخطيرة والنجاح في أدائها وأن تمكّنت هذه المؤسسة الدستورية من لعب دور فاعل في إدارة البلاد على مدى أكثر من ربع قرن."(8) ومع إشارته إلى التجارب المتوفرة، طالب الإمام الخامنئي في هذا القرار بإيجاد "تغييرات في بنية ومحتوى" هذه المؤسسة حيث عدّد سماحته خمس عناوين هامّة:
1- تنظيم مجموعة السياسات الشاملة وإعادة النظر في العناوين وعمليّة تحديدها وتنسيقها.
2- تنظيم عملية الإشراف على تطبيق السياسات.
3- تعيين آلية مناسبة لتقييم فعالية ومدى تأثير السياسات.
4- خلق انسجام وترابط وثيق في النظام التنظيمي والإداري وتركيز البرامج وفق النظام الداخلي المتفق عليه.
5- تسريع عملية تشكيل الهيكلية وحذف الأقسام الغير ضرورية.(9)
وهي أمور تلقي بمسؤولية مضاعفة وجدية على عاتق أعضاء هذه المؤسسة.
الهوامش:
1- تعيين أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام الجدد عام ١٩٩٧(١٧/٣/١٩٩٧)
2- رسالة الإمام الخميني (قدس سره) إلى رئيس مجلس الشورى الإسلامي في تلك المرحلة (١١/١٠/١٩٨١)- صحيفة الإمام الخميني (قدس سره) المجلد ١٥ الصفحة ٢٩٧.
3- رسالة الإمام الخميني (قدس سره) ردّاً على رسالة عدد من مسؤولي النظام ٦/٢/١٩٨٨ - صحيفة الإمام الخميني (قدس سره) المجلد ٢٠ الصفحة ٤٦٤.
4- المادة ١١٢ من دستور الجمهورية الإسلامية في إيران .
5- تعيين أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام الجدد عام ١٩٩٧(١٧/٣/١٩٩٧).
6- كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه عدداً من طلاب جامعات قزوين ١٧/١٢/٢٠٠٣.
7- تعيين أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام الجدد عام ١٩٩٧(١٧/٣/١٩٩٧).
8- تعيين رئيس، أمين وأعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام (١٤/٨/٢٠١٧).
9- تعيين رئيس، أمين وأعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام (١٤/٨/٢٠١٧).