وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أرحّب بجميع الأعزّاء أخوةً وأخوات وأشكركم على تلبيتكم لهذه الدعوة ومشاركتكم في هذا اللّقاء وإن شاء الله من خلال ما سيطرح في هذه الأجواء الوديّة، يُنجَزُ عملٌ في سبيل تقدّم البلاد وتُخطى خطوةٌ في طريق الوصول إلى الأهداف السامية للبلاد.

الهدف من تجشّمكم عناء الحضور وتشريفكم إلى هنا، هو أن يتمّ التحدّث قليلًا حول سياسات الاقتصاد المقاوم التي تم الإبلاغ والإعلان عنها مؤخّرًا، وأن نُبين ونؤكد على ما تقتضيه هذه السياسات والواجبات التي تلقيها هذه السياسات الهامّة والأساسية على عاتقنا جميعًا. لقد تمّ في السابق، إبلاغ سياسات متنوّعة ومتعدّدة في المجالات الاقتصادية؛ كسياسة الطاقة وسياسة الإنتاج الوطني وسياسة المادة 44 (2) وسياسة توفير الأمن للاستثمار وسياسات المياه وغيرها؛ وما تمّ التركيز عليه في تلك السياسات في كلّ قسمٍ هو تقديم خارطة طريق؛ أي إنّنا أردنا في مجال الإنتاج الوطني أو مسألة المياه أو مسألة الطاقة على سبيل المثال أن تُقدَّم خارطة طريق، بحيث يقوم المسؤولون بالتقدّم بأعمالهم على أساسها. ولكن في هذه السياسات (الاقتصاد المقاوم) ليست المسألة مسألة خارطة طريقٍ فقط، بل يُطرح هنا أيضًا المؤشرات السليمة لطيّ الطريق؛ تمامًا مثل علامات السير وإشارات المرور والعبور. لقد تمّ تحديد واجبات ووظائف في البنود المختلفة لهذه السياسات، تُمثِّل في الحقيقة ضمانات صحيحة للحركة في هذا الطريق؛ أي أنّ هذه السياسات، والتي هي شاملة وعامّة وكليّة، قد حَدّدت في كلّ قسمٍ مؤشرات وهي واضحة عند مطالعة بنود السياسات وتوضّح الأعمال التي يجب القيام بها.

في الحقيقة، إنّ مجموعة سياسات الاقتصاد المقاوم هي نموذج محليّ وعلميّ مستخرَج من ثقافتنا الثوريّة الإسلاميّة؛ متناسب مع أوضاعنا الحاليّة والمستقبليّة. وأنا سأشرح كيف أنّ هذه السياسات لا ترتبط فقط بوضعنا وظروفنا الآن، بل هي تدابير طويلة الأمد لاقتصاد البلاد؛ يمكنها أن تحقّق أهداف نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في مجال المسائل الاقتصاديّة؛ ويمكنها أن تزيل المشكلات؛ وهي حيويّة في الوقت نفسه؛ أي إنّنا لم ننظر إلى هذه السياسات كإطارٍ مغلَق ومتحجّر؛ بل هي قابلة للتكيّف مع الظروف المختلفة التي يمكن أن تحدث في أي زمن كان؛ وعمليًّا فإنّ هذه السياسات توصل اقتصاد البلاد إلى حالة مرنة؛ أي إنّها تزيل وتمنع حالة انكسار الاقتصاد في مواجهة التحديات المختلفة- والتي سأشير إليها في معرض الكلام -؛ لقد تمّت صياغة هذا النموذج بجهودٍ وتفكيرٍ مشترك لشخصيّات وأصحاب رأيٍ ومن خلال البحث في مجمَع تشخيص مصلحة النظام وحضور رؤساء السلطات الثلاثة ومسؤولي البلاد؛ وجرت الاستفادة من الخبراء الاقتصاديّين لإعداد هذا النموذج بشكلٍ كامل؛ وفي الحقيقة، فإنّ إحدى ميزات هذا النموذج هو أنّه موضع إجماع واتفاق؛ أي إنّه أُشبع مناقشةً في مجمَع تشخيص المصلحة وجرى تمحيصه والتدقيق بكلّ جوانبه وأبعاده؛ كان رؤساء السلطات الثلاث حاضرين في المجمَع وكذلك المسؤولون والمدراء المختلفون، جميعهم تباحثوا وتدارسوا الأمر، بحيث خرج هذا العمل دقيقًا ومتينًا وقويًّا.

إنّ مجموعة سياسات الاقتصاد المقاوم هي نموذج محليّ وعلميّ مستخرَج من ثقافتنا الثوريّة الإسلاميّة؛ متناسب مع أوضاعنا الحاليّة والمستقبليّة

إنّ التوجّه نحو الاقتصاد المقاوم ليس خاصًّا بنا فقط؛ ففي الكثير من البلدان اليوم -وخاصّة في السنوات القليلة الماضية- وبعد التدهور الاقتصادي الشديد الذي حصل في العالم، انتبهت العديد من الدول ونهضت لتجعل اقتصادها اقتصاداً مقاومًا؛ وبالتأكيد فإنّ كلّ بلدٍ له ظروفه الخاصّة. فالاقتصاد الرأسمالي له مشكلاته الخاصّة الناشئة من هذا الاقتصاد، وهذه المشكلات سرت من الغرب وأمريكا إلى الكثير من البلدان؛ حيث أنّ الاقتصاد العالمي بمجموعه مترابطٌ ببعضه البعض، وبالتأكيد هناك بلدان تتأثّر أكثر من بلدانٍ أخرى. بناءً على هذا، إنّ الكثير من البلدان قرّرت جعل اقتصادها مقاومًا؛ وبتعبيرٍ آخر فإنّهم قد تبنّوا هذا الاقتصاد المقاوم بشكلٍ يتناسب مع بلدانهم وخطّطوا لتحقيقه.

أنا أعتقد أنّنا نحتاج إلى الاقتصاد المقاوم أكثر من غيرنا من البلدان؛ نحن نحتاج أكثر منهم لجعل اقتصادنا مقاومًا.

أولًا؛ لهذا السبب المشترك بيننا وبين البلدان الأخرى؛ فنحن مرتبطون بالاقتصاد العالمي، ونعمل على هذا الارتباط، ولا نريد، بأيّ وجهٍ من الوجوه، أن ننفصل وننعزل عن الاقتصاد العالمي، وهذا الأمر غير ممكن أيضًا في الظروف والأوضاع الحاليّة للعالم؛ بناءً عليه فنحن نتأثّر بما يحصل في العالم للاقتصاد العالمي.

ثانيًا؛ بسبب الخصوصيّة التي نتمتّع بها، بسبب استقلالنا ومحافظتنا على عزّتنا وإصرارنا على عدم رضوخنا لسياسات القوى الكبرى، كذلك فنحن نتعرّض لهجومٍ ونوايا سيّئة معادية لنا؛ أي أنّ هناك بالنسبة لنا- كما تشاهدون في الأوضاع الحاليّة- دوافع لمخالفتنا وإيجاد الاختلال والمشاكل والذرائع ضدّنا أكثر من العديد من الدول الأخرى. وعليه، يجب علينا الانتباه والاهتمام أكثر من غيرنا بتقوية أسس الاقتصاد وجعله مقاومًا؛ وأن لا نسمح بحصول واقعٍ ما أو أحداثٍ أو تزلزلاتٍ خارجة عن إرادتنا أو نوايا سيّئة تترك آثارًا سلبيّة على اقتصادنا. بناءً على هذا فإنّنا نحتاج إلى هذا الاقتصاد المقاوم.

وسأطرح هنا فهرساً ولائحة إجماليّة لعناصر وخصائص نموذج الاقتصاد المقاوم. وقد وزّعت كلامي إلى ثلاثة أقسام: الأوّل هو فهرسة هذه العناصر؛ والثاني حول سبب اعتبارنا الاقتصاد المقاوم اليوم ضرورةً ولماذا نسعى إليه؛ وأُشير ثالثًا إلى المقتضيات التي ينبغي علينا الالتزام بها في هذا المجال.

في هذا القسم الأوّل دوّنت عشر خصائص، أطرحها عليكم وهي خصائص هذه السياسات] سياسات الاقتصاد المقاوم[ والتي تمّ إبلاغها وفي الواقع فإنّها تشكّل مكوّنات وعناصر هذه المجموعة.

أوّلًا: مسألة إيجاد التحرّك والحيويّة في اقتصاد البلاد وتحسين المؤشرات الكليّة؛ مثل النموّ الاقتصادي والإنتاج الوطني وإيجاد فرَص العمل وخفض مستوى التضخّم وزيادة الإنتاجيّة والرفاهيّة العامّة. ولأجل تأمين هذه السياسات تمّ الالتفات إلى النشاط والحيويّة في اقتصاد البلاد وتحسين هذه المؤشرات؛ والأهمّ بين هذه المؤشرات، هو مؤشرٌ أساسيّ ومفصليّ مهمّ هو العدالة الاجتماعيّة. أي إنّنا لا نقبل بأيّ وجهٍ من الوجوه بتحقّق رونق وازدهار اقتصادي دون تأمين العدالة الاجتماعيّة ولا نؤمن بهذا أبدًا. يوجد بلدان وضْعُ الدلائل والمؤشّرات فيها جيّد ونموّها الاقتصادي عالٍ ولكن التمييز والفروقات الطبقيّة وغياب العدالة أمورٌ ظاهرة في تلك البلدان؛ إنّنا نعتبر هذا منافٍ لمنهج الإسلام وأهداف الجمهوريّة الإسلاميّة ولا ينسجم معها أبدًا. بناءً على هذا، فإنّ مؤشر العدالة الاجتماعيّة من أهمّ المؤشرات لدينا. يجب أن تستفيد الطبقات المحرومة من التقدّم الاقتصادي للبلاد بكلّ معنى الكلمة. هذا هو العنصر الأول.

إنّنا لا نقبل بأيّ وجهٍ من الوجوه بتحقّق رونق وازدهار اقتصادي دون تأمين العدالة الاجتماعيّة ولا نؤمن بهذا أبدًا.

ثانيًا: القدرة على المقاومة في مواجهة العوامل المهدِّدة والتي تضمنّتها هذه السياسات وركّزت عليها. وكما ذكرت، فإنّ بعض العوامل التي تؤثّر على اقتصاد البلدان كالهزّات الاقتصاديّة في العالم والتي شهدها الاقتصاد العالمي خلال السنوات الماضية وحصلت سابقًا وهي تترك بصماتها على البلدان. لقد قلتُ مرّةً بأنّه عندما زار رئيس أحد البلدان في جنوب شرق آسيا إيران وكان لنا لقاء معه؛ في تلك الفترة التي حصل فيها انهيار اقتصادي عجيب في تلك المنطقة، كان هذا حديثه معي: اعلموا فقط بأنّنا في ليلةٍ واحدة فقط تحوّلنا من بلدٍ غنيّ إلى بلدٍ فقير! فالاقتصاد غير المقاوم هو هكذا. إذن هناك عامل مؤثّرة على الاقتصاد هي هذه الهزّات والضربات المتنوّعة للاقتصاد العالمي والتي تسري من بلدٍ إلى بلدان أخرى، وهناك عامل الكوارث الطبيعيّة التي تحصل أحيانًا. هناك عاملٌ آخر هو الهزّات المعادية والهجوميّة كالحظر والعقوبات وما شابه. افرضوا مثلًا بأنّه وفي مراكز القرار العالميّة قد أخذوا قراراً حول قيمة النفط، على سبيل المثال، بأن تصبح قيمة البرميل ستّة دولارات، وهذا ما قد حصل سابقًا؛ هذه الأمور أغلبها ليس عاديًّا وعفويًّا؛ بل إنّها قرارات مدروسة ومتّخذة من قِبَل مراكز القرار. بناءً عليه فإنّ العنصر الثاني هو القدرة على مقاومة هذه العوامل المهدِّدة؛ وفق التوضيح الذي ذُكر.

النقطة الثالثة؛ هي الاعتماد على الطاقات والموارد الداخليّة والتي تمّ إقرارها في هذه السياسات؛ وسأشير لاحقًا بشكلٍ مختصَر إلى هذه الطاقات والإمكانات سواء العلميّة منها أم الإنسانيّة أم الطبيعيّة أم الماليّة أم الجغرافيّة أم المناخيّة. إنّ لدينا موارد وطاقات هامّة؛ أي إنّه تمّ في هذه السياسات الاعتماد بشكلٍ أساسيّ على الطاقات الداخليّة، والتي هي متنوّعة ومنتشرة بشكلٍ واسع. وهذا لا يعني أنّنا لا نلحظ أبدًا الإمكانات الخارجيّة؛ كلّا، بالتأكيد سنستفيد منها- وبالحدّ الأقصى- ولكن نظرنا واعتمادنا هنا وثقتنا أكثر ما تكون بالإمكانات الداخليّة؛ تركيزنا على إمكانات البلد الداخليّة وموارده المحليّة.

نظرنا واعتمادنا هنا وثقتنا أكثر ما تكون بالإمكانات الداخليّة؛ تركيزنا على إمكانات البلد الداخليّة وموارده المحليّة.

النقطة الرابعة؛ هي التوجّه الجهادي الملحوظ في هذه السياسات؛ الهمّة الجهاديّة، الإرادة الجهاديّة. لا يمكن التقدّم بواسطة الحركة العاديّة؛ لا يمكن أن تُنجَز الأعمال الكبرى بواسطة الحركة العاديّة والرتابة والغفلة والتثاقل أحيانًا وغياب الإحساس بالمسؤولية؛ المطلوب همّة جهاديّة وتحرّك جهاديّ وإدارة جهاديّة، هذا ضروريّ لهذه الأعمال. على الحركة أن تكون علميّة وفي الوقت نفسه مفعَمَة بالقوّة وأن تتحلّى بالتخطيط الجيّد وكذلك بالروح الجهاديّة. لقد طَرحتُ هذه المسألة في لقاءٍ مع رؤساء السلطات الثلاثة المحترَمين منذ عدّة أسابيع (4)، ولحسن الحظّ فإنّ السيّد رئيس الجمهوريّة قال لي بحزمٍ بأنّ الذين يتابعون هذه الملفّات في الحكومة مصمّمون على إنجاز الأعمال بهذه الحركة الجديّة والجهاديّة؛ هذا أمرٌ جيّد جدًّا؛ إنّ هذا مطلوب ولا يمكن التقدّم بدونه.

النقطة الخامسة؛ هي محوريّة الشعب والتي تضمّنتها هذه السياسات. تدلّنا التجربة وكذلك تؤكّد التعاليم والمعارف الإسلاميّة بأنّه حيثما يكون الناس فإنّ يد الله معهم يدُ الله مع الجماعة (5) حيثما يكون الناس، تكون العناية الإلهيّة والعون والدعم الإلهيّ أيضًا؛ ودليل ذلك ونموذجه: دفاع السنوات الثمانية] الحرب المفروضة[ وكذلك] قيام [الثورة نفسها. ونموذجٌ آخر هو العبور من كلّ المصاعب والمحطّات الشاقّة خلال 35 سنة، لأنّ الناس كانوا حاضرين في الميدان، فإنّ المسيرة قد تقدّمت؛ لكنّنا في المجال الاقتصادي قلّما قدّرنا هذه المسألة والتفتنا إليها. لقد كانت سياسات المادة 44 (6) والتي صادقنا عليها وأبلغناها تهدف إلى هذا الأمر؛ والحقيقة أنّه لم يؤدَّ حقّ هذه السياسات وواجباتها كما يجب. وأنا تحدّثت هنا وفي تلك السنوات في لقاءٍ مع المسؤولين حول سياسات المادة 44 (7)؛ والجميع وافق؛ بأنّه قد تمّت أعمال تستحقّ الشكر والتقدير؛ ولكن المطلوب واللازم لم يتحقّق كما يجب. يجب علينا أن نعتمد على الناس، أن نُقدّر حضورهم؛ يجب أن ينزل الناس بكلّ إمكاناتهم إلى وسط الميدان الاقتصادي؛ يوجد في هذه البلاد ناشطون ورجال أعمال ومبتكرون وأصحاب مهارة واحتراف وأصحاب رؤوس أموال وطاقات لا حدّ لها ولا انتهاء، الحقيقة أنّ هذه الطاقات لا تُعدّ ولا تُحصى. وأنا العبد لله، طوال سنوات متمادية كان لي تواصل وارتباط عملي مع فئات الشعب المختلفة؛ وفي الوقت نفسه تَظهرُ لنا أحيانًا أمورُ، أرى أنّنا كنّا غافلين عنها أيضًا. يوجد في البلاد الكثير من العناصر المستعدّة للعمل، وذات المهارات والإبداعات، أو التي تحمل العلم والمعرفة أو التي تمتلك رأسمال في البلاد، وهي عناصر متعطّشة للعمل؛ يجب على الحكومة أن تهيّئ الأرضيّة اللّازمة لحضور هؤلاء، عليها أن ترشدهم إلى المجالات التي يستطيعون تفريغ طاقاتهم فيها، على الحكومة أن تدعمهم؛ وهذه هي المسؤوليّة الأساسيّة للحكومة. إنّ الدولة تضطر في بعض الأقسام إلى القيام بنشاطٍ اقتصادي؛ ولكن الأصل أنّه يجب أن يوكل النشاط الاقتصادي إلى الناس؛ وهذا الأمر قد أُقِرّ في هذه السياسات.

يوجد في هذه البلاد ناشطون ورجال أعمال ومبتكرون وأصحاب مهارة واحتراف وأصحاب رؤوس أموال وطاقات لا حدّ لها ولا انتهاء، الحقيقة أنّ هذه الطاقات لا تُعدّ ولا تُحصى.

المسألة السادسة؛ هي تأمين المواد الاستراتيجيّة والأساسيّة؛ وهي الغذاء والدواء في الدرجة الأولى. يجب أن يتشكّل الإنتاج الداخلي ويتكوَّن بنحوٍ بحيث لا يواجه البلد أي مشكلة في مجال الغذاء والدواء تحت أيّ ظروفٍ وأوضاع؛ وهذا من العناصر الأساسيّة في هذه السياسات التي تمّ إبلاغها.
يجب أن يكون لدينا اكتفاء ذاتي، ويجب أن نلتفت إلى المجالات التي تتطلّب اكتفاءً ذاتيًّا بشكلٍ كامل.

النقطة السابعة؛ هي خفض التبعيّة للنفط؛ إنّ من أصعب آفاتنا الاقتصاديّة هي هذه التبعيّة. إنّ هذه النعمة الإلهيّة الكبرى] النفط [قد أصبحت طوال العقود الماضية سببًا للانهيارات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة بالنسبة إلى بلدنا؛ يجب أن نفكّر بقرارٍ مصيريّ حول هذا الأمر. لا نقول هنا بأن لا يُستفاد من النفط، بل أن يصل اعتمادنا على بيع النفط الخام إلى حدّه الأقلّ؛ يمكن للنفط أن يُقدَّمَ بشكل مشتقّاتٍ ومنتجات نفطيّة؛ وهذا ما تضمّنته هذه السياسات. هذا العمل هو عملٌ أساسي ومهمّ يجب إنجازه؛ وهو ما يحتاج إلى همّة عالية، وقد تناولنا هذا الأمر في البند الثالث عشر من هذه السياسات ويجب أن يُنفّذَ هذا البند عمليًّا وبمنتهى الجدّية.

الموضوع الثامن؛ هو إصلاح نموذج الاستهلاك؛ قضيّة الاقتصاد وعدم الإسراف وتجنّب المصاريف الزائدة وعدم التبذير. بالتأكيد فإنّ خطابي موجّه بالدرجة الأولى إلى المسؤولين؛ على المسؤولين أن يتجنّبوا الإسراف والهدر والمصاريف الزائدة بكلّ جدّيّة، ليس فقط في حياتهم الشخصيّة - وهذه مسألة من الدرجة الثانية في الأهميّة- بل في الدرجة الأولى في نطاق عملهم ومهامّهم. إذا التزمنا نحن مسؤولو البلد بهذا الأصل، فإنّ هذه الروحيّة وهذه الأخلاق والخصال ستسري حينها إلى الناس وتنتشر بينهم. كذلك فإنّنا نلاحظ اليوم، بين الناس والفئات المتمكّنة والثريّة، الكثيرَ من الإسراف. يوجد إسرافٌ في الكثير من المجالات؛ نتحدّث أيضًا مع الناس، ولكنّ هذه المسألة هي من الأمور التي ينطبق عليها كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم (8). على مسؤولي البلاد أن ينتبهوا ويلتفتوا إلى كلّ شؤون القطاعات التي يديرونها: ألّا يكون هناك إسراف؛ يجب أن يكون نموذج الاستهلاك نموذجًا قائمًا في الحقيقة على العقل والتدبير والمعايير الإسلاميّة. نحن لا نطلب من الناس التقشّف؛ كما يحاول البعض أن يروّج بعد أن تمّ إبلاغ السياسات الاقتصاديّة، ولم يكن حبر هذه الوثيقة قد جفّ، حتى سارع بعضهم إلى الترويج بأنّهم يدعون الناس إلى التقشّف؛ كلا، الأمر ليس كذلك بأيّ وجه من الوجوه، بل إنّه على العكس منه؛ إنّنا نعتقد أنّه عندما تُنجز هذه السياسات، فإنّ وضعَ الناس سيتحسّن، وإنّ الطبقات الضعيفة سترتاح ويزدهر وضعها. في البلد الذي يكون معدل التضخّم فيه في المستوى المطلوب وكذلك تتوفّر فيه فرص العمل اللازمة، فإنّ عامّة الناس ستعيش براحة ورفاهيّة وطمأنينة. نحن لا نقول للناس أبدًا أن يتقشّفوا، بل نقول أن لا يكون هناك إسراف ولا هدر؛ إنّ الاستهلاكَ هو موضوعٌ وسوء الاستهلاك هو موضوع آخر مختلف تمامًا.

ولقد تحدّثت بالتفصيل عن هذا الموضوع قبل عدّة سنوات وفي خطابٍ بمناسبة حلول السنة الجديدة (9). يجب علينا نحن المسؤولون أن نوجّه همّنا وهمّتنا إلى هذه القضيّة؛ إنّ الإسراف في الماء والإسراف في الخبز وفي المواد الغذائيّة والإسراف في الدواء والإسراف في وسائل المعيشة والإسراف في أدوات التجميل والزينة وما شابه، يؤدّي إلى هدر قسمٍ هام من المصادر والموارد الحيّة في البلاد؛ وهذا من الأمور التي يجب أن تراعى بدقّة؛ الاستهلاك الجيّد والصحيح هو أمرٌ مختلفٌ عن الإسراف والتبذير وسوء الاستهلاك.

على المسؤولين أن يتجنّبوا الإسراف والهدر والمصاريف الزائدة بكلّ جدّيّة، ليس فقط في حياتهم الشخصيّة بل في الدرجة الأولى في نطاق عملهم ومهامّهم.

النقطة التاسعة؛ هي مكافحة الفساد؛ إذا أردنا أن يحضر الناس في الميدان الاقتصادي، ينبغي أن يتمتّع هذا الميدان بالأمن، ولأجل استتباب الأمن، ينبغي كفّ أيادي المفسدين والمستغلّين والمتحايلين على القانون ومخالفي القانون؛ هذه هي مكافحة الفساد، وهو ما ينبغي أن يُؤخذ على محمل الجِدّ؛ لحسن الحظّ فإنّ المسؤولين اليوم يقولون بهذا، ولكن القول فقط لا يكفي. جميع المسؤولين - سواء كانوا مسؤولين تنفيذيّين أم مسؤولين قضائيّين أم مسؤولين تشريعيّين - مطالَبون بالقيام بهذا الواجب. إذا كان وضع المجتمع والاقتصاد في البلد شبيهًا بمنزلٍ لا باب له ولا بوّابة، بحيث يدخل إليه من يشاء ويعمل به ما شاء كيفما شاء، يأخذ من ما يحلو له ويأكل ما يطيب له! فمن الطبيعي عندها، أن يقف الإنسان النبيل الصالح الذي يطلب الرزق الحلال جانبًا ولا يُقدم على هكذا ميدان. الشفافية هي شرطٌ أساسيّ لمكافحة هذا الفساد؛ يجب التعامل بشفافية، يجب خلق أجواء للمنافسة، أجواء تتمتّع بالثبات والاستقرار؛ في هذه الأجواء سيشارك الناشط الاقتصادي وسيشعر بالأمن والأمان. عندها وفي هكذا أجواء فإنّ النظام الإسلامي سيوفّر الدعم والتأييد لكل من يجني الثروة من خلال ابتكاره وإبداعه أو رأسماله أو خلقه لفرص العمل. إذا كانت الأجواء سليمةً فإنّ جمع الثروة وتحقيق الأرباح هو أمرٌ مباح ومحل تأييد وحماية النظام. هذه هي النقطة التاسعة.

والنقطة العاشرة من عناصر السياسات المقاومة، هي مسألة محوريّة العلم والتي هي من المؤشّرات البالغة الأهميّة. لحُسن الحظّ فإنّ الوضع العلمي للبلاد اليوم يسمح لنا بامتلاك هذا الطموح والتحليق عاليًا بأن نجعل اقتصادنا اقتصادًا مبنيًّا على العلم؛ حيث سأشير لاحقًا إلى هذا الأمر. إنّ لدينا وفرة كثيرة في أعداد العلماء والمتخصّصين والشركات علمية المحور والأشخاص المبدعين؛ وهذا الأمر من أهمّ البنى التحتيّة للاقتصاد في أيّ بلدٍ؛ أي إنّ أهمّ بنية تحتيّة اقتصادية لبلدٍ ما هو وجود الموارد البشرية. إذا وجّهنا اهتمامنا لهذه النقطة، وهي النقطة العاشرة، بالتأكيد فإنّ دورة اتّصال العلم بالثروة- وخاصة في الأقسام ذات المميّزات العالية - ستنطلق وتستمرّ وتنمو؛ وهذا ما سيتحقّق في الاقتصاد المقاوم إن شاء الله. هذه هي أهمّ المؤشرات التي تمّ التركيز عليها في هذه السياسات؛ وبالطبع هناك أمورٌ أخرى أيضًا وردت في نصّ السياسات؛ ولكن الأهمّ هو هذه النقاط العشرة التي ذكرتها.

لدينا وفرة كثيرة في أعداد العلماء والمتخصّصين والشركات المبنيّة على العلم والأشخاص المبدعين؛ وهذا الأمر من أهمّ البنى التحتيّة للاقتصاد في أيّ بلد.

حسنٌ، السؤال الآن: هل أنّ طرح الاقتصاد المقاوم في الظروف الحالية، يدلّ على أنّنا نريد القيام بحركةٍ مرحلية؟ لأنّ البلد حاليًا يتعرّض لحظر وعقوبات وضغوط وتُشنّ عليه حربٌ اقتصادية، مثلما أنّه، على سبيل المثال، تشكّل لجان فكر وعمل لمواجهة الحرب الاقتصادية، قد تمّ إبلاغ هذه السياسات لأجل هذا؟ جوابي هو كلّا، الأمر ليس كذلك بأيّ وجهٍ من الوجوه؛ هذه السياسات هي سياسات طويلة الأمد؛ هي مفيدة للوضع الحالي، وكذلك هي مفيدة أيضًا في المراحل التي لا يوجد فيها أيّ حظرٍ أو عقوبات؛ أي إنّ السياسات طويلة الأمد والتي يُبنى اقتصاد البلاد على أساسها؛ ليست تدبيرًا مرحليًّا، إنّ هذا تدبيرٌ طويل الأمد، هو سياسة استراتيجية.

بالتأكيد إنّ بلدًا كبلدنا- بلدنا بلدٌ كبير-، بلدٌ ذو أصولٍ عريقة، بلدٌ يتمتّع بموقعٍ ممتاز وهو اليوم بلدٌ محترم وموقّر جدًّا في العالم، بلدٌ ذو ثقافة راقية وماضٍ زاهر متألِّق، لديه أهدافٌ سامية، يطرح فكرًا جديدًا، بلدٌ بهذه الخصائص- يحتاج أن يكون اقتصاده متميّزًا بتلك الخصائص التي أقرّت في سياسات الاقتصاد المقاوم. لقد قلنا بأنّ هذه السياسات ليست سياسات متحجّرة ومغلَقة بحيث إنّه لو وُجدت فكرةٌ جديدة (10) أو نظرية جديدة أو أسلوب جديد في العالم، لا تتمكّن هذه السياسات من استيعاب هذا المستجدّ والاستفادة منه، الوضع ليس هكذا بأيّ وجهٍ من الوجوه؛ هذه السياسات الاقتصادية ذات مرونة وحيوية، يُمكن أن تُكمَّل وتنمو وتتوسّع، لكن خطّها المستقيم لن يتعرّض للتغيير.

في النصّ الذي أبلغناه، ذكرنا في مقدّمة هذه السياسات أربع نقاطٍ أساسية تمثّل الدافع والعامل لإعداد هذه السياسات، وهنا أكرّر هذه النقاط:

 

أوّلًا؛ تمّت الإشارة إلى الطاقات والإمكانات المادية والمعنوية والوفيرة للبلاد؛ ذكرنا هذه المسألة في مقدّمة السياسات وهي بالغة الأهميّة، إنّ طاقات البلاد كثيرة ومتنوّعة جدًّا؛ العديد منّا ليس عنده اطّلاع على وفرة هذه الطاقات والموارد العجيبة، أو أنّنا لا نولي اهتمامًا لأهميّتها؛ نحن نعلم والإحصاءات في متناول أيدينا ولكن لا نهتمّ. بعض المسؤولين هكذا، لديهم إحصاءات ولكن أهميّة المعلومات لا تلقى منهم أي اهتمام؛

على سبيل المثال: في مجال الموارد البشرية التي أشرتُ إليها سابقًا، نحن الآن، من حيث الموارد البشرية والطاقات الإنسانيّة، وبالالتفات إلى امتلاك الطاقات الشبابية، نحن في الوضع الأفضل؛ حيث إنّ أكثر من 31% من عدد سكّاننا هم بين سنّ الخامسة عشر والتاسعة والعشرين؛ هذا وضعٌ ممتاز، وضعٌ استثنائيّ. وبالطبع فإن لم يتمّ الاهتمام كما يجب، بالتوصية التي كرّرتها مرارًا حول وضع الجيل الشاب] قضية الإنجاب وتنظيم النسل [فإنّنا سنخسر هذه الميزة في المستقبل القريب، وإن شاء الله سيتمّ قريبًا إبلاغ سياسات خاصّة بتنظيم النسل، وهي الآن في طور الإعداد. حاليًا وضعنا هكذا: أكثر من 31% من السكان هم في عمر الشباب، عدد الطلّاب الجامعيين 25 ضعف ما كان عليه عند انتصار الثورة- لقد تضاعف عدد السكّان منذ انتصار الثورة حتى الآن مرتين ولكن الجامعيين تضاعفوا 25 مرّة؛ أي إنّنا انتقلنا من 120,000 طالب وصولًا إلى 4,100,000 طالب جامعي؛ هذا أمرٌ مهمّ جدًّا، حدثٌ عظيم جدًّا؛ هذا النموّ مهم وكذلك ما لدينا الآن من طاقات جامعيّة مهمّ جدًّا- لدينا عشر ملايين خرّيج جامعيّ؛ 65000 أستاذ جامعيّ هم أكثر من عشرة أضعاف العدد الذي كان عند انتصار الثورة، لدينا خمسة آلاف شركة علميّة تضمّ 17000 متخصّص وكادر، انظروا إلى هذه الطاقات كم هي مهمّة؛ وكانت نتيجة هذا، أن أصبحنا وفق تقارير المؤسّسات التي تحدّد الدرجات العلمية للبلدان في المرتبة الخامسة عشرة في العالم- في تقرير إحدى المؤسسات نحن في المرتبة السادسة عشرة، وفي تصنيفٍ آخر نحن في المرتبة الخامسة عشرة، في هذه الحدود- وهذه التصنيفات ترجع إلى العام 2013 الميلادي. هذا أمرٌ بالغ الأهميّة. درجتنا في بعض الاختصاصات أعلى من هذا؛ في بعضها نحن ضمن البلدان السبعة الأوائل في العالم وفي اختصاصات أخرى نحن ضمن البلدان الخمسة أو الأربعة الأولى في العالم. هذه هي البنى التحتيّة الأساسيّة: الموارد البشرية.

يوجد طاقة أخرى هي الموارد المعدنية. المرتبة الأولى في النفط والغاز والتي ذكرتها أوّل السنة الماضية (11)، نحن الأوائل في مجموع ما لدينا من ذخائر جوفيّة من النفط والغاز. نحن في المرتبة الثانية في الغاز، وفي المرتبة الثانية أو الثالثة في النفط؛ وقد قدّم لي السيد رئيس الجمهورية تقريرًا منذ فترة بأنّنا الأوائل في ما يتعلّق بالغاز وفي المرتبة الثانية في النفط بشكلٍ مؤكّد، هذا أمرٌ مهمّ جدًّا. لا يوجد بلد في العالم لديه ما لدى إيران من نفطٍ وغاز. يمثّل النفط والغاز حاليًا الشريان الحيوي للعالم، الوضع هو هكذا، على الأقلّ حاليًا وسيستمرّ هكذا لسنواتٍ طويلة؛ وإلى الآن غير معلوم متى سيتخلّص البشر من الحاجة إلى النفط والغاز ويستغنون عنهما. هذه المادة الأوليّة والحيوية متوفّرة في بلادكم أكثر من أيّ مكانٍ آخر في العالم؛ هل هذه طاقة قليلة؟ هل هو أمرٌ بسيط غير ذي شأن؟ وفضلًا عن النفط والغاز، هناك موارد معدنية أخرى: مناجم الذهب ومناجم الإسمنت ومناجم المعادن النادرة والمعادن الثمينة. تصل إلينا بعض التقارير المذهلة في بعض المجالات؛ هذه هي الطاقات المعدنية للبلاد. هناك طاقات وإمكانات صناعية ومعدنية متنوّعة ووفيرة. نحن في المرتبة السابعة عشرة في المجال الاقتصادي في العالم- وهذا وفق التصنيفات والإحصاءات العالمية- مع ما لدينا من حوالى ألف مليار دولار كناتج إجمالي محلي.

البنى التحتيّة كشبكات الطرق والسدود؛ لدينا حاليًا أكثر من 600 سدّ بأحجام مختلفة في البلد؛ لقد استلمت الثورة الإسلاميّة إدارة هذا البلد وكان لديه حوالى 15 سدًّا في كلّ أنحاء البلاد واليوم يوجد أكثر من 600 سدّ كبير وصغير، بعض هذه السدود مهمّ وكبير جدًّا. وكذلك هي شبكات الطرق، الإحصاءات جيّدة. الإمكانات والمميّزات الجغرافية؛ الاتّصال بالمياه الحرّة، موقع البلاد بين تقاطع أربع جهات بين الشمال والجنوب والشرق والغرب وما ينتج من مسألة الترانزيت- وهي مهمّة جدًّا. التنوّع المناخي وموارد الطاقة النظيفة كطاقة الماء والشمس والطاقة النووية. كلّ هذه الإمكانات والموارد موجودة في هذا البلد. بناءً على هذا، فإنّ هذه هي النقطة الأولى من النقاط التي تدفعنا إلى السعي نحو نموذجٍ ونمطٍ من الاقتصاد، اسمه الاقتصاد المقاوم.

النقطة الثانية؛ هي المشكلات التي لدينا- المشكلات المزمنة والمشكلات القديمة والتي لا إمكان لحلّها سوى بحركة اقتصادية جمعية؛ إحدى هذه المشكلات هي التبعية والارتباط بالنفط وقد ذكرناها سابقًا. ومنها أيضًا التعوّد على الاستيراد- والأسوأ أنّها واردات ليس لها أولوية-؛ هذه العادة التي ابتُلينا بها وللأسف لم نستطع التخلّي عنها، فنظرتنا موجّهة للإنتاج الأجنبيّ؛ وكذلك التضخّم المزمن والبطالة والضعف الموجود في بعض البُنى الاقتصادية والإشكالات الموجودة في أنظمتنا المالية- الأنظمة النقديّة والأنظمة المصرفيّة والأنظمة الجمركية- والإشكالات الموجودة في نموذج الاستهلاك، وكذلك في مسألة الإنتاج وفي الاستثمار؛ هذه هي مشكلات البلد، ويجب مواجهتها. ووجود هذه المشكلات هو من الأمور التي تدفع كلّ إنسانٍ حريص وكلّ مسؤولٍ ذي همّة وتحفّزه ليقوم بعملٍ وحركة كالاقتصاد المقاوم. وهي لن تُحلّ سوى بحركة جهادية وجمعيّة حريصة ومستمرّة- بشرطها وشروطها والتي سأتحدّث عنها لاحقًا.

النقطة الثالثة؛ هي التهديدات الاقتصادية الخارجية، حسنٌ لقد كان هناك حظر وعقوبات في السابق، ولكنّها تبدّلت منذ شتاء 1390هـ.ش (2011 م) إلى حربٍ اقتصاديّة، فلم يعد اسمها عقوبات هادفة، بل هي حربٌ اقتصادية شاملة ضدّ شعبنا. وسببها ليس المسألة النووية ولا مسألة حقوق الإنسان ولا المسائل الأخرى المشابهة؛ سبب هذه الحرب هو ما يعرفه أصحابها جيّدًا ونحن كذلك نعرفه؛ السبب هو روح الاستقلال لدى الشعب الإيرانيّ؛ السبب هو امتلاكنا لكلامٍ جديد وفكرٍ جديد على أساس المباني الإسلامية وسيشكّل نموذجًا وقدوة للبلدان الأخرى والشعوب الإسلاميّة؛ إنّهم يعرفون بأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة إذا نجحت في هذه المجالات والميادين، فلن يكون ممكنًا أبدًا الوقوف بوجه رشد هذه الحركة في العالم ومنعها؛ هذه هي المسألة. لكنّهم يتذرّعون يومًا بالطاقة النووية ويومًا آخر بتخصيب اليورانيوم ومرّة أخرى بحقوق الإنسان وما شابه. لقد فرضوا الحظر والعقوبات علينا -في الأساس- قبل أن تُطرَح قضية الطاقة النووية، وبعد هذه القضية سيستمرّون هكذا. فلو وصلت القضية النووية ومن خلال المفاوضات إلى الحلّ إن شاء الله، سترون مجدّدًا كيف أنّ هذه الضغوط ستستمرّ، يجب أن نحقّق لبلدنا صيانةً ومناعةً في مواجهة هذه الضغوط، يجب تمتين البنية الداخلية. يجب أن نقوّي الاقتصاد حتّى ييأس العدو من محاولاته في هذا المجال؛ وعندما ييأس، سيرتاح بال الشعب والمسؤولين.

النقطة الرابعة؛ هي الأزمات الاقتصادية العالمية؛ والتي أشرتُ أنّها ناتجة عن اقتصاد الغرب واقتصاد أمريكا؛ في الحقيقة إنّ مشكلات أمريكا قد سرت إلى أوروبا وورّطتهم معها، وإن كانت الأرضيّة عندهم مهيَّأة سابقاً؛ وكذلك الأمر في أماكن أخرى. نحن لا نريد أن نبني سورًا حول أنفسنا، نحن لا نستطيع ولا نريد أن نقطع علاقاتنا مع العالم من الناحية الاقتصادية، فهذا الأمر ليس ممكنًا وليس مطلوبًا، بناءً على هذا فإنّنا نتأثّر بالمشكلات والأزمات الاقتصادية العالمية، ويجب أن نبني اقتصادًا مقاومًا. هذه هي الأسباب والدوافع الأربعة لوجوب الاقتصاد المقاوم. هذا هو القسم الثاني من كلامنا.

 

حسنٌ، لقد طُرح الآن هذا المشروع الكبير، خارطة الطريق الشاملة والواسعة؛ إنّ مجرّد طرح السياسات لا يحلّ أي مشكلة؛ هذه بداية الطريق. هناك أعمال وأمور يجب أن تتحقّق:

أوّلًا: وقبل كلّ شيء، وجود العزم الجديّ لدى المسؤولين والمدراء الأساسيين والناشطين بين جماهير الشعب؛ يجب أن يأخذوا قرارًا حازمًا، على مسؤولي البلاد- بالدرجة الأولى في السلطة التنفيذية، مسؤولي الحكومة؛ وكذلك السلطة التشريعية والسلطة القضائية، والأقسام والقطاعات المختلفة التي ترتبط بالمسائل الاقتصادية- أن يتمتّعوا بالعزم الجديّ والراسخ. إن لم يكن هناك قرار جديّ وحازم فلن يتحقّق التقدّم المنشود.

ثانيًا: النزول إلى ميدان العمل، حيث إنّ العمل هنا هو عمل صالح؛ كلّ من يقوم بعمل ويسعى في هذا المجال، سيكون حتمًا مصداقا لـ {وعملوا الصالحات (12)} هذا مشروع كليّ، هذه خارطة طريقٍ كبرى، ويجب تبديلها إلى برنامج، إلى برامج متنوّعة، إذا حصل هذا، ستُحقَّق حينها الملحمة الاقتصادية بكل معنى الكلمة.

لقد أطلقنا على هذا العام اسم عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية ولقد تحقّقت بحمد الله الملحمة السياسية؛ ولكن للأسف فإنّ الملحمة الاقتصاديّة قد تأخّرت، ولكن الآن وفي نهاية العام ]الهجري الشمسي[ ستكون هذه بداية لملحمة اقتصادية وإن شاء الله يجب المتابَعَة بشكلٍ قطعيّ في العام 1393 هـ.ش بمنتهى الجديّة من قِبَل المسؤولين وأن يبدأ تنفيذها بشكلٍ عمليّ.

المسألة الثالثة: هي تبديل السياسات إلى برامج وسياسات تشغيلية وقد صدر الأمر بهذا العمل من قِبَل رؤساء السلطات الثلاث؛ لقد أصدر رئيس الجمهورية المحترَم وكذلك رئيس السلطة التشريعية المحترَم ورئيس السلطة القضائية المحترَم أوامرهم إلى إداراتهم وأجهزتهم بإعداد البرامج العمليّة في كلّ قسم؛ ولكنّي أريد أن أؤكّد هنا على مسألة الجدولة الزمنية؛ يجب أن تحدّدوا المراحل الزمنية. لقد اطّلعت على التعميم الصادر عن النائب الأوّل لرئيس الجمهوريّة إلى الأجهزة التابعة؛ يجب أن يوضع جدولة زمنية، ويُحدّد مدى تقدّم العمل والمدّة المتوقعة للبرمجة وما بعد التنفيذ؛ يجب الإسراع في هذا الأمر وأن يحدّد حصّة كلّ سلطة في البرامج. وكذلك حصّة ودور كلّ جهاز في السلطات المختلفة - وخاصة السلطة التنفيذيّة - وكذلك ينبغي تحديد المؤشرات؛ وخاصة الزمنية منها؛ للتمكّن من الإشراف على العمل وإدراك مدى تقدّمه وصحّة مسيره.

الأمر الرابع: هو التنسيق بين الأقسام المختلفة، وبالطبع فإنّ على رؤساء السلطات وضع الآليّات والسبل الملائمة لهذا التنسيق، الذي سيساعد على إنجاح العمل، التنسيق بين مجلس الشورى والحكومة، وبين المجلس والحكومة والسلطة القضائية. هناك أقسام لا يمكن التحرّك فيها دون تنسيق؛ وهناك أقسام أخرى يكون التنسيق فيها مؤثّرًا ولكن بدرجة أقلّ؛ على كلّ حال فالتنسيق ضروري. على رؤساء السلطات أن يُعدّوا الآليّات المناسبة لهذا التنسيق إن شاء الله.

المسألة الخامسة: هي الإشراف على جميع المستويات؛ يجب أن يكون هناك إشراف؛ ينبغي على رؤساء السلطات أن يشرفوا على الأجهزة التابعة لهم، وكذلك على مجمع تشخيص مصلحة النظام أن يقوم وفق المسؤوليّة الملقاة على عاتقه بممارسة دوره الإشرافي بشكل كامل ويتحقّق ممّا يحصل، كذلك فإنّ القائد والأجهزة المختصّة عنده سيقومون بالإشراف إن شاء الله. بناءً على هذا فإنّ الإشراف من المقتضيات الأساسيّة.

المطلب السادس: هو إزالة الموانع؛ هناك موانع موجودة ويمكن إزالتها: يوجد موانع قانونيّة- وقد قلت لرؤساء السلطات في ذلك الاجتماع أنّ وضع قانون فوق قانون يزيد الأمور تعقيدًا، يجب إزالة القوانين المعرقلة؛ يمكن لمجلس الشورى أن يقوم بهذا العمل؛ وإلّا فإنّ لدينا حاليًّا قوانين، وإذا شرّعنا فوقها قوانينَ أخرى، فإنّها تحتمل التفسيرات المختلفة وتستجلب المشكلات؛ يجب التدقيق والتمحيص وكشف القوانين المُعرقِلة. كذلك يوجد عوائق حقوقيّة وقضائيّة؛ ينبغي التعرّف عليها وإزالتها. ينبغي أن يشعر الناشطون الاقتصاديّون وأصحاب الأعمال والمبتكرون وأصحاب رؤوس الأموال والعلماء بأنّهم لا يواجهون عوائق غير منطقيّة وأن يتمكّنوا من الحركة.

ينبغي أن يشعر الناشطون الاقتصاديّون وأصحاب الأعمال والمبتكرون وأصحاب رؤوس الأموال والعلماء بأنّهم لا يواجهون عوائق غير منطقيّة وأن يتمكّنوا من الحركة.
 

المقتضى السابع: والعمل السابع المطلوب هو صناعة الخطاب؛ يجب عرض تصوّر صحيح عن الاقتصاد المقاوم؛ بالتأكيد فإنّ هناك مسؤوليّةً وواجبًا على الهيئة العامّة للإذاعة والتلفزيون ولكن الأمر ليس خاصًّا بها فقط. لدى الأجهزة الإعلاميّة المعادية للبلد وللثورة ولتقدّمنا الوطني، الكثير من الألاعيب والحملات المضادّة وقد بدأوا بهذا وشاهدناه نحن- وستزيد حملاتهم من الآن فصاعدًا على الاقتصاد المقاوم: خلق الذرائع والعوائق والتهويل والتقليل من أهميّة ما هو في منتهى الأهميّة؛ إنّهم يقومون بمثل هذه الأعمال. ينبغي العمل في الجهة المقابلة لهم؛ على المسؤولين وأصحاب الفكر والحريصين أن يعرضوا صورةً صحيحةً عن هذه الحركة العظمى والعامة وأن يتمّ بناءُ خطابٍ وترويجُ ثقافةٍ وأجواءٍ كي يعلم الناس حقيقة هذه الحركة ويؤمنوا بها ويطالبوا بها؛ في هذه الحالة فإنّ هذه السياسات ستصبح عمليّة.

النقطة الأخيرة التي أطرحها وأختتم بها كلامي، هي المراقبة والتغطية الإعلاميّة. ينبغي وجود مركز رصد قوي، يقظ ودقيق النظر يرصد ويراقب ويتابع تغطية تقدّم هذا العمل بمنتهى الدقّة؛ وأن يتمّ تجميع المعلومات وتصنيفها ومن ثمّ الاستنتاج، حيث يمكنه أحيانًا أن يحدّد الحركة التي ينبغي القيام بها في كلّ فترة وفي كلّ مرحلة، ويضع مؤشرات القياس لكلّ قسم، وصولًا إلى تقديم الأخبار للناس من خلال وسائل الإعلام والإعلان؛ فالناس يحبّوا أن يعلموا. هذه هي مجموعة المسائل التي كنت أودّ أن أطرحها عليكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء.

لقد بدأ عملٌ كبير، ونحن قادرون إن شاء الله أن ننجز هذا العمل الكبير، بكلّ همّة وبالتوكّل على الله تعالى، ونسير به خطوةً خطوة ونتقدّم به بالسرعة المناسبة والمطلوبة. وبالشكل الذي أعتقد أنّ آثاره ونتائجه ليست بعيدة الأمد؛ فالبرامج برامج طويلة الأمد، لكنّ النتائج ستتحقّق عاجلًا وقريبًا إن شاء الله؛ أي إنّ البدء بجني ثمار هذا العمل والإحساس العام للناس بحلاوة نتائج هذا العمل إن شاء الله سيكون قريبًا وليس بعيدًا. إن شاء الله سيشعر الناس بهذا في ظلّ هذه الحكومة ومن خلال التقدّم الذي يحصل والعمل الذي ينجز، ويتذوّقون حلاوة ثمار هذه الحركة العامة والكبرى.

أسأل الله تعالى أن يساعدنا جميعًا ويهدينا، وأن يُعرّفنا على نقاط ضعفنا وأن يجعلنا نرى ضعفنا ونقصنا، وأن يُلهمنا موجبات رضاه ويوفّقنا للقيام بها. أشكركم جميعًا أيّها الإخوة والأخوات، حيث جلستم واستمعتم؛ أتوقّع أن يكون هذا الاستماع مقدّمة لحركة عامّة.

 

الهوامش:

1- 30/11/1392 هـ.ش (19/2/2014) م.
2- المادة 44 في الدستور حول الخصخصة.
3- أو المؤشّرات.
4- 6/12/1392 هـ.ش (25/2/2014) م.
5- نهج البلاغة، الخطبة 127.
6- المادة 44: فقرة في دستور الجمهوريّة الإسلاميّة تحدّد السياسات الاقتصاديّة ومنها مسألة الخصخصة؛ وقد طلب الإمام الخامنئي قبل 4 سنوات العمل على هذه المادّة وتحديد السياسات وشرحها ووضع المشاريع والخطط وفقًا لها؛ وهذا ما تمّ، حيث وضعت البرامج والمشاريع وهي في طور التنفيذ.
7- لقاء المسؤولين الاقتصاديين والعاملين على تنفيذ المادة 44 في الدستور  30/11/1385 هـ.ش (19/2/2007) م.
8- بحار الأنوار، ج 67، ص 309.
9- 1/1/1377 هـ.ش (21/3/1998) م.
10- فكرٌ جديد.
11- 1/1/1391 هـ.ش (21/2/2012) م.
12- من جملتها سورة العصر، جزء من الآية  3.