وفي ما يلي النص الكامل للخطاب الذي ألقاه سماحته خلال هذا اللقاء:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله وصلّى الله على رسوله وآله الأطهرين الأطيبين.
أرحّب بكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين قطعتم هذا الطريق الطويل وتفضلتم وجعلتم يوم عيدنا عيدًا بکلِّ ما للكلمة من معنى. نتمنّى أن ينزّل الله تعالى -ببركة مولود هذا اليوم- ألطافه المعنويّة والماديّة على الشعب الإيراني وخصوصًا عليكم أيّها الإخوة والأخوات الذين تفضّلتم بالمجيء من إيلام وأن يشملكم بألطافه وهدايته الخاصّة.

لقد عرفنا في ما مضى [دور] إيلام وأهالي إيلام -من عشائرها وأهالي مدنها وكلّ من فيها- وشاهدناه عن قرب؛ فقد كانت الألطاف الإلهيّة قد شملتكم -أيّها الأهالي- سواء في فترة الدفاع المقدّس أو بعد ذلك وإلى هذا اليوم: جهادكم وصمودكم ومقاومتكم ووفاؤكم؛ هذه ليست بالأمور الصغيرة. إنّها مفاخر للجموع الجماهيريّة؛ والحمد لله على أنّكم سجّلتم هذه المفاخر وتسجّلونها وستسجّلونها في المستقبل أيضًا. واعلموا -خصوصًا أنتم أيّها الشباب الأعزّاء- أنّ هذا البلد لكم وأنّ مستقبله لكم، وأنتم من يجب أن تحملوا على عواتقكم القويّة أعباء هذه المسؤوليّة الكبيرة، كما فعل ذلك شباب الأمس ودافعوا عن الشرف الوطني وعن استقلال البلاد وعن الدين والإيمان وعن هويّتهم الوطنيّة؛ ومن المظاهر المهمّة لذلك هم أهالي إيلام. لقد شاهدت تضحيات الناس عن كثب؛ في سنوات 59 و 60 [1980 – 1981] م وفي تلك الآونة الصعبة، كان الناس كلّهم -من نساء ورجال- في الساحة يتعاونون، وكانت الشخصيّات البارزة والنخبة من أهالي محافظتكم ومنطقتكم يتحرّكون أمام صفوف الناس؛ واليوم أيضًا هذه هي القضيّة. ونتمنّى أن يمدّ الله تعالى يد عونه ويمنّ بتوفيقه على المسؤولين ليستطيعوا القيام بواجباتهم على أكمل وجه، وهم طبعًا في هذا الصدد، وينشُدون حلّ عُقد المشاكل؛ يجب التعاون وعلى الجميع مدّ يد العون لتحقيق هذا الأمر.

قيل الكثير عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؛ بيد أنّ الحقيقة كلّها لم تُذكر بعد. ما قيل عن فضائل الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) بالألسن لحدّ الآن وما كتب عنها بالأقلام ليست كلّ فضائل الإمام أمير المؤمنين، بل هي جزء منها. يروى عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ لأخي عليًّا فضائل لا تحصى" (2) -فضائله لا تحصى- أي أنّ الناس عاجزون عن عدِّ فضائله، أي إنّها فوق الإدراك والعقل والفهم البشري العادي؛ هذا هو الإمام أمير المؤمنين. حسنٌ، نحن نحتاج إلى نموذج وأسوة، إذن لننظر لأمير المؤمنين عليه السلام من هذه الزاوية.

في رأيي ينبغي النظر إلى حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في ضوء عدّة محاور [معالم]؛ سواء الكتّاب وأصحاب الأقلام والتحقيق، أو نحن الذين نريد المطالعة والبحث حول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، هناك في رأيي أربعة محاور تأتي في أول القائمة، سأشير إليها بالإجمال.

أحد هذه المحاور هو المراتب [المقامات] المعنويّة للإمام أمير المؤمنين -مرتبة المعرفة التوحيديّة، ومرتبة عبادته، ومرتبة تقرّبه إلى الله، ومرتبة إخلاصه- وهذه أشياء تخرج أعماقها وحقيقتها عن متناول أيدينا. ولقد أظهر كبار العلماء من شيعة وسنّة، وحتّى من غير المسلمين، كلّهم أظهروا عجزهم أمام هذا الجانب من شخصيّة الإمام أمير المؤمنين؛ فهو جانب موغلٌ في العلو والشموخ والإشراق والسطوع وهذا ما تلاحظهُ أعينُ الناظرين؛ هم عاجزون ولا يستطيعون إدراك أبعاده؛ هذا جانب من الجوانب.

حين يتحدّث ابن أبي الحديد –وهو عالمٌ سنّيٌ معتزلي- عن خطبة من خطب الإمام أمير المؤمنين حول التوحيد في نهج البلاغة، يقول: إنّه لجدير بأن يفخر إبراهيم خليل الرحمن بمثل هذا الابن؛ وقد ولد من ذريّة إبراهيم كلّ هؤلاء الأنبياء لكنّه يقول هذا عن الإمام أمير المؤمنين فقط. يقول: من الجدير أن يقول إبراهيم خليل الرحمن لابنه هذا: إنّك ذكرت في التوحيد كلامًا في جاهليّة العرب لم أستطع ذكره في جاهليّة النبط، ولم أستطع التعبير عن هذه الحقائق (3). إنّ قائل هذا الكلام هو عالمٌ سنّيٌ معتزلي. هذا جانب من حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ذات الأبعاد [المغمورة] غير المعروفة، والتي تُعدّ بحقّ محيطًا عميقًا.

وهناك جانب آخر؛ هو جهاد أمير المؤمنين عليه السلام وتضحياته، هذا الجهاد وهذه التضحية هما قمّة التضحية. ما قام به الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من تضحيات للإسلام وللدين ولحماية روح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولحفظ دين النبي وشرف الأمّة الإسلاميّة وعظمتها، كان بحقّ جهادًا يفوقُ طاقة البشر.

فقد كان منذ الطفولة ومنذ أن عرف عليه السلام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مربّيًا له، ونشأ في حجره، واعتنق الإسلام في طفولته، وعلى مدى الأعوام الثلاثة عشر الصعبة في مكّة، ومن ثمّ في حدث الهجرة إلى المدينة البالغ الصعوبة، وبعد ذلك خلال فترة السنوات العشر من حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المباركة في المدينة المنوّرة وتلك الحروب والتضحيات والمعضلات، في كلّ تلك الفترات، كان هذا الإنسان إنسانًا واقفًا على قمّة التضحية وذروتها. وكذا الحال بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: فقد كان صبر الإمام علي بن أبي طالب تضحية، وكانت أعماله وخطواته تضحية، وكان تعاونه تضحية، وقبوله للخلافة تضحية، وكانت الأعمال التي قام بها خلال فترة خلافته القصيرة كلّها تضحيات متتابعة. إنّ كتاب تضحيات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بحدّ ذاته كتابٌ ضخمٌ (4) لكلّ قارئ، وهو مثير لدهشة الإنسان حقًا. إلى هذه الدرجة يمكن لإنسان وبعزيمته الراسخة أن يضحّي بروحه وسمعته وقدراته وشؤونه كلّها في سبيل الله! إنّ تصوّرَ هذا خارج عن طاقتي وطاقة أمثالي. هذا جانب من جوانب حياة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، والذي يمثّل بمفرده كتبًا ضخمة.

المحور الثالث؛ هو سلوك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خلال فترة حكمه، سواء السلوك الشخصي أو السلوك الاجتماعي والحكومي. السلوك الشخصي هو حياة الزهد التي عاشها خلال فترة حكمه واقتداره. كانت تحت يده بلادٌ واسعةٌ عظيمة من أقصى الشرق إلى مصر وأفريقيا -هذه المنطقة العظيمة- كانت كلّها تمثّل الدولة الإسلاميّة وتحت إمرة وحكومة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. هذا الحاكم الكبير المقتدر بهذا البلد الواسع الثريّ كانت حياته الشخصيّة وسلوكه الشخصي أشبه بإنسان فقير مُعدم، فقد كان يعيش بثوب واحد ويأكل خبز الشعير اليابس ويتجنّب كل الملذّات الماديّة، إلى درجة أنّه هو نفسه يخاطب أصحابه وقادته والمسؤولين في زمانه فيقول لهم: إنَّكم لا تَقدِرونَ عَلى ذلِك (5)، وقد كان على حق، فما من أحدٍ يقدر على ذلك. الواقع أنّه لأمرٌ عجيب أن تكون الحياة الشخصيّة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام خلال فترة حكمه بهذه الصورة -أن يعيش في بيت متواضع جدًّا وتكون معيشته في الحدّ الأدنى، ويعيش مثل إنسان فقير معوز محتاج- ويخوض في كلّ هذه الأعمال الكبرى. وإنّ سلوكه الاجتماعي وإقامته للحق والعدل وصموده لتنفيذ الأحكام الإلهيّة مما يحيّر كلّ عقل أمام كلّ هذه العظمة والاقتدار. أيُّ إنسانٍ هذا؟ هذا ما عدا مراتبه ومقاماته المعنويّة، فهذا هو سلوكه السياسي. كيف عاش الساسة والحكام في العالم؟ وكيف عاش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؟ وهذا بدوره محور مهمّ لم يعد له نظيرٌ اليوم، ولن يكون له نظير؛ زهد أمير المؤمنين عليه السلام وسلوكه الشخصي وعبادته خلال فترة حكمه واقتداره. قالوا للإمام السجاد عليه السلام: يا بن رسول الله، لماذا تشقّ على نفسك كلّ هذه المشقّة، وتضغط عليها كلّ هذا الضغط، وتتعبّد كلّ هذه العبادة، وتزهد كلّ هذا الزهد، وتصوم كلّ هذا الصيام، وتتحمّل كلّ هذا الجوع؟ فبكى الإمام السجاد عليه السلام وقال إنّ ما أقوم به ليس بشيء أمام ما كان يقوم به جدّي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فأين عملي من عمله! أي إنّ الإمام السجاد عليه السلام كان يرى عبادته وزهده ضئيلان أمام عبادة وزهد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؛ هذا أمرٌ على جانب كبير من الأهميّة؛ ذاكَ حول المحور الثالث.

المحور الرابع؛ هو الهدف الذي كان لأمير المؤمنين عليه السلام تجاه الناس خلال فترة حكمه، والذي يمثّل نقطة على جانب كبير من الأهميّة. وأريد أن أتوقّف قليلًا عند هذه النقطة.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إذا أطعتموني فسأحملكم إلى الجنّة. وعبارة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة نهج البلاغة هي: فَإن أطَعتُموني فَإنّي حامِلُكم إن شاءَ الله عَلى سَبيلِ الجَنَّة؛ يقول إذا سمعتم ما أقوله لكم وعملتم به، فإنّني سوف آخذكم إلى الجنّة إن شاء الله. وَاِن كانَ ذا مَشَقَّةٍ شَديدَةٍ ومَذاقَةٍ مَريرة (6)؛ مع أنّ هذا الأمر صعبٌ جدًا ومرٌّ جدًّا. هذه المسيرة ليست بالمسيرة الصغيرة أو السهلة. هذا هو هدف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. إيصال الناس إلى الجنّة، سواء على الصعيد الفكري [للناس]، أو على الصعيد الروحي والقلبي لهم، أو على صعيد حياتهم الاجتماعيّة. إنّني أشدّد على هذه النقطة لأنّه يُسمع أحيانًا، هنا وهناك، عندما يجري الحديث عن الهداية والإرشاد وبيان حقائق الدين وما إلى ذلك، من يقول: يا سيّدي، وهل من واجبنا أن نأخذ الناس إلى الجنة؟ نعم، نعم، هو كذلك. هذا هو الفرق بين الحاكم الإسلامي وسائر الحكام: يريد الحاكم الإسلامي أن يعمل لكي يوصل الناس إلى الجنة ويتمتّعوا بالسعادة الحقيقيّة والأخرويّة، لذلك عليه أن يُمهّد الطرق. ليس الكلام هنا عن التعسّف والضغوط والإكراه، إنّما هو كلام عن المساعدة. إنّ فطرة البشر ميّالة للسعادة ويجب أن نفتح الطريق ونسهّل الأمور للناس ليستطيعوا إيصال أنفسهم إلى الجنّة. هذا هو واجبنا، وهذا هو العمل الذي حمل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أعباءه على عاتقه وشعر بواجب أخذ الناس إلى الجنّة.

إنّ المجتمع الإسلامي مجتمعٌ إذا ما عَمِل بالإسلام من النواحي الماديّة فلا شكَ أنّه سيعتلي القمم، من حيث العلوم والصناعات التي يحتاجها ومن حيث المعيشة ومن حيث العلاقات الاجتماعيّة ومن حيث العزّة والشرف الدنيوي والوطني والدولي. بيدَ أنّ هذا ليس هو كلّ ما يجب علينا فعله، وليست تلك كلُّ الأهداف. إذا كانت حياتنا في الدنيا حياة طيّبة جيّدة وكانت لحظة موتنا لحظة تعاسة وخزي لنا؛ فما الفائدة من ذلك؟ يقول الإمام السجاد عليه السلام في دعاء الصحيفة السجّاديّة: أَمِتنا مُهتَدينَ غَيرَ ضالّينَ، طائِعينَ غَيرَ مُستَكرِهين (7)؛ يقول: اللهم اجعلنا نموت ونحنُ مهتدين غير ضالّين، وانقلنا من هذه الدنيا ومن هذه النشأة ونحن طائعين راغبين في الذهاب [من الدنيا]. من الذي ينتقل من هذا المعبر بطوعٍ ورغبة؟ هو ذلك الشخص المطمئنّ إلى حُسن حاله في الجانب الآخر. أرأيتم يا شبابنا -شبابُكم يومذاك- كيف ينزلون إلى ساحات الخطر في ميادين القتال والحرب دون خوف، وفي هذه العمليّات التي أشاروا إليها (8) -سواءً في منطقة إيلام أو في منطقة خوزستان أو في منطقة المحافظات الغربيّة- أين ذهب هؤلاء الشباب وماذا فعلوا؟ لقد استسهلوا الموت واستصغروا الخطر، لأنّ قلوبهم تعرّفت على الحقائق. حينما يرى الإنسان الجانب الآخر [حياة الآخرة] ويرى تلك النعمة فسوف يطمئنّ إلى ذلك الجانب ويعيش براحة ويضحّي بسهولة ويصبر على المشاكل بسهولة، ويضع أقدامه في وديان الأخطار دون تردّد، ويتقدّم إلى الأمام؛ هنا تكمن القضيّة.

لو أردنا الانتصار حتّى في مقاصدنا الدنيويّة، فيجب أن نقوّي إيماننا واعتقادنا وعملنا استعدادًا لمواجهة الموت. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأنّني أريد إيصال الناس إلى الجنّة؛ هذا هو واجبنا. يجب أن ننهى عن المنكر ونأمر بالمعروف، ونوفّر في البلاد أسباب عمل الخير واكتساب الحسنات، ونرفع أسباب الشرور والآفات؛ هذه واجبات المسؤولين في الحكومة.

من جملة الأشياء التي تقرّب الناس إلى الجنّة تحسين معيشة الناس. كادَ الفَقرُ أن يكونَ كفرًا (9). المجتمع الذي يكون فيه فقر وبطالة ومشاكل معيشيّة غير قابلة للحلّ وتفاوتات طبقيّة وتمييز وهوّة طبقيّة لا يعيش حالة الاستقرار الإيماني. الفقر يجرّ الناس إلى الفساد والكفر؛ يجب استئصال الفقر. يجب أن يكون العمل الاقتصادي والنشاط الاقتصادي ضمن جدول أعمال المسؤولين وخططهم بشكل جدّي، والحمد لله على أنّ المسؤولين ينشدون هذه الأمور ويتابعونها. يجب تنظيم الأفكار وتشخيص الطريق بصورة صحيحة والتحرّك بطريقة صائبة.

رفعنا شعار الاقتصاد المقاوم. معنى الاقتصاد المقاوم أنّنا إذا اعتمدنا على طاقاتنا الداخليّة وإبداعات شبابنا وتوكّأنا على النشاطات الذهنيّة والسواعد في الداخل فسوف نتحرّر من تفاخر أعدائنا الخارجيّين ومنّتهم. وهذا هو الطريق الصحيح. معنى الاقتصاد المقاوم هو أن ننظر ونشخّص الإمكانيّات والطاقات اللامتناهية الموجودة في الداخل ونبحث عنها وننشط ونفعّل هذه الإمكانيّات من خلال البرامج الصحيحة والدقيقة من أجل توظيف واستخدام هذه المواهب. قلت قبل يوم أو يومين في أحد اللقاءات (10) أينما اعتمدنا على ابتكارات ومواهب شبابنا تفجّرت هناك الخيرات كالينابيع وتفتحت بنحو مفاجئ وازدهرت؛ في الشؤون المتعلّقة بالطاقة النوويّة، وفي القضايا ذات الصلة بإنتاج الأدوية، وفي قضايا العلاج، وفي الخلايا الجذعيّة، وفي النانو، وفي البرامج الصناعيّة الدفاعيّة، أين ما استثمرنا واعتمدنا على هذه الطاقات الشابّة والراغبة في العمل والمتديّنة والمخلصة في داخل البلاد وقدّرناها، استطعنا التقدّم إلى الأمام؛ يجب أن نولِي اهتمامًا جدّيًّا بهذا الجانب. وكذا الحال بالنسبة للشؤون الاقتصاديّة، يجب تفعيل الإمكانيّات الاقتصاديّة، هذا هو طريق تقدّم البلاد. عندئذ سيتقدّم البلد من الناحية الماديّة والاقتصاديّة ومن حيث الاعتبار والمكانة الدوليّة ومن حيث العزّة الوطنيّة ومن حيث ثقة الشعب الإيراني بنفسه، ومن النواحي المعنويّة والأخلاقيّة والروحيّة.

هذا هو الطريق الذي رسمه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أمامنا. وبالنظر لهذه الحقائق نفهم معنى قول الإمام الخميني: أمريكا لا تستطيع ارتكاب أيّة حماقة (11). وقد ذكر أمريكا من باب المثال (12). نعم أمريكا لا تستطيع ارتكاب أيّة حماقة -وهي لم تستطع ذلك إلى الآن- وكذا الحال بالنسبة للقوى الأخرى، إنّها عاجزة عن ارتكاب أيّة حماقة. والحماقة هنا ليست فقط الحماقة العسكريّة، إنّما بالمعنى الجامع للكلمة هو أنّهم عاجزون عن ارتكاب أيّة حماقة. لا يستطيعون شلّ الشعب الإيراني ومحاصرته، ولا يستطيعون فرض التراجع والتخلّف عليه، ولا يستطيعون فرض الضغوط على شعب إيران بحيث يجبرونه، حسب أوهامهم، على الركوع (13)؛ الشعب الإيراني لن يركع. نشكر الله على أنّ شعبنا حيّ، نشكر الله على أنّ شبابنا يسيرون في الدرب الصحيح. عندما ينظر البعض إلى الشباب يرى نماذج (14) سلبيّة معدودة، نعم، هناك حالات سلبيّة -لا أنّها غير موجودة- ونحن على علمٍ بها، بيد أنّ السلوك والقيم العامة لشعب إيران وشبابنا قيم دينيّة وقيم حبّ الدين والوطن والإسلام والقرآن الكريم والمعنويّة والروح الوطنيّة وما إلى ذلك من المبادئ. يجب عدم نسيان هذا أو الغفلة عنه؛ شبابنا والحمد لله شباب صالحون. من جملة واجباتنا أن نساعد على أن يبقى هؤلاء الشباب صالحين ويتقدّموا إلى الأمام بصورة حسنة ويكونوا إن شاء الله مفيدين لبلادهم.

نتمنّى أن يُرضي الله تعالى الروحَ الطاهرة للإمام الخميني الكبير عنّا. ونرجو أن يُرضي الله تعالى القلبَ المقدّس لإمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا له الفداء) –وهو اليوم روح عالم الإمكان- عنّا ويُسرُّه بنا، ويجعلنا ممّن تشمله أدعية ذلك الإمام العظيم، وعسى أن يحشر شهداءنا الأعزّاء إن شاء الله مع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

1- قدِم وفدٌ من مختلف شرائح أهالي محافظة إيلام إلى حسينية الإمام الخميني (رحمه الله) لتجديد الميثاق مع مبادئ النظام الإسلامي والقيادة تحت عنوان قافلة الميثاق مع الولاية.
2- بحار الأنوار، ج 26 ، ص 229. 
3- شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 23. كلام ابن أبي الحديد: لو سمع النضر بن كنانة هذا الكلام لقال لقائله ما قاله علي بن العباس بن جريح، لإسماعيل بن بلبل: قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا، ولكن لعمري منه شيبان (1) وكم أب قد علا بابن ذرا شرفٍ كما علا برسول الله عدنان إذ كان يفخر به على عدنان وقحطان ، بل كان يقر به عين أبيه إبراهيم خليل الرحمن، ويقول له: إنه لم يعف ما شيدت من معالم التوحيد، بل أخرج الله تعالى لك من ظهري ولداً ابتدع من علوم التوحيد في جاهلية العرب ما لم تبتدعه أنت في جاهلية النبط.
4- تعبير الإمام الخامنئي: كتابٌ ضخمٌ وطويل.
5- نهج البلاغة، الكتاب رقم 45. 
6- نهج البلاغة، الخطبة رقم 156. 
7- الصحيفة السجادية ، الدعاء رقم 40. 
8- أشار حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد تقي لطفي (إمام جمعة إيلام وممثل الولي الفقيه في المحافظة) في كلمته في بداية اللقاء إلى دور ومشاركة أهالي إيلام في مختلف العمليات العسكرية خلال الحرب المفروضة بما في ذلك عمليات فتح ميمك، عاشوراء، نصر 2، نصر 4، الفتح المبين، محرم، والفجر1، والفجر3، والفجر5، والفجر6، عاشوراء2، وكربلاء1.
9- بحار الأنوار، ج 27 ، ص 247.
10- زيارته لمعرض منجزات القوة الجوية - الفضائية لحرس الثورة الإسلامية بتاريخ 11/05/2014م. 
11- صحيفة الإمام الخميني، ج 10 ، ص 516. 
12- هتافات مدويّة: الله أكبر.. الموت لأمريكا.
13- هتافات مدوّية: الموت لأعداء ولاية الفقيه الموت لأمريكا الموت لإسرائيل الموت للإنكليز.
14- النماذج هنا حسب التعبير الفارسي بمعنى: العادات والسلوك.