وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
"رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَّحِيمٌ" (١) "رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ" (٢)
قال الله الحكيم في كتابه المجيد: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا" (٣)

كلمتي في هذا اليوم الخالد والهام، سأُلقيها عليكم أيّها الأعزّاء -أخوة وأخوات- ضمن  ثلاثة محاور. 
في المحور الأوّل منها توجد حقيقة هامّة حول الجمهوريّة الإسلاميّة يُعتبر الاهتمام بها بالنسبة إلينا اليوم أمراً بالغ الأهميّة. المحور الثاني يتضمّن إشارة وبيان وصفي مختصر حول النهج والمدرسة الخالدة لإمامنا العظيم. وإن كان قد قيل الكثير حول نهج الإمام، ونحن قلنا الكثير وسمعنا كذلك، ولكن هذا الوصف المختصَر في هذه المرحلة ضروري ولازم بالنسبة إلينا؛ صورةٌ مختصرة عن مجموعة ما أوجده الإمام العظيم في العالم المعاصر كظاهرة لا نظير لها. وفي المحور الثالث سأشير إلى تحدّيَين هامَّين في مسار الشعب الإيرانيّ ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة ويُعَدّ الاهتمام بهما مهمٌّ جدًّا لصحة حركتنا وسلامة سيرنا.
في المحور الأول؛ تلك الحقيقة التي أشرتُ إليها هي أنّه وبعد مرور خمسٍ وعشرين سنة على رحيل إمامنا العظيم فإنّ الشوق واللهفة للتعرّف عليه والاستماع عنه لم ينقصا وما زالا في تزايد مستمر. الأمر الذي لا ينحصر في بلدنا، إنّما هذه الحقيقة موجودة في العالم الإسلامي وأبعد من العالم الإسلامي؛ ليس في بلدنا وحسب -حيث ينطلق حاليًّا الجيل الثالث للثورة- بل في جميع أنحاء العالم الإسلاميّ، حيث أنّ شباب عصر الاتّصالات والتواصل والإنترنت والذين يتمكّنون من الاطّلاع على مسائل بعيدة عن محيطهم الخاص، يسعون جاهدين للاطّلاع والتعرّف أكثر فأكثر على قضايا الثورة الإسلاميّة والجمهوريّة الإسلاميّة وحول هندسة هذا البناء العظيم. إنّ ظاهرة السّيادة الشعبيّة الدينيّة ونظريّة ولاية الفقيه من المسائل الشديدة الأهميّة والجذّابة بالنسبة للأوساط الفكريّة في العالم الإسلاميّ. 

بعد مرور خمسٍ وعشرين سنة على رحيل الإمام الخميني فإنّ شوق ولهفة العالم للتعرّف عليه والاستماع في تزايد مستمر.

لقد بذل أعداؤنا مساعٍ حثيثة على نطاقٍ واسع ومنذ الأيام الأولى للثورة وكلّما تقدّمنا إلى الأمام تضاعفت جهودهم؛ حيث سخّروا مئات بل آلاف الأجهزة والشبكات التلفزيونيّة والإذاعيّة والمواقع الإلكترونيّة لأجل تشويه صورة الجمهوريّة الإسلاميّة والإساءة إلى مؤسّسها وأنصاره؛ وهذا الأمر نفسه قد ساعدنا وصبّ في مصلحتنا! حيث أثاروا بأعمالهم هذه حسّ حبّ الاطّلاع والفضول عند المشاهدين والمستمعين في أنحاء العالم؛ فصاروا يسعون للتعرّف على سبب كلّ هذا العداء وسبب قذف التهم وتلطيخ السُمعة والافتراءات، وما هي حقيقة هذه الجهة التي يعادونها ويخاصمونها بهذا الشكل. بناءً على هذا، فإنّ أعداءنا قصدوا تشويه اسمنا وصورتنا فتكلّموا عنّا وعن إمامنا ونظامنا ولكن "إنّهم يكيدون كيدًا وأكيد كيدًا" (٤) هذا قول الله تعالى، هؤلاء (وعملاً) بنيّتهم هذه أطلقوا حركةً واسعة النّطاق ولكنّها تحوّلت في النهاية إلى فرصة، حيث تحرّك حسّ الاستطلاع والفضول للتعرّف عند جمهور هذه الأجهزة والوسائل الإعلاميّة في أنحاء العالم.

إنّ الصحوة الإسلاميّة في البلدان الإسلاميّة وفي منطقتنا -حيث إنّ مشاعر العداء والاستكبار هي البُعد الأبرز والغالب فيها- هي بحدّ ذاتها علامة على حبّ الاستطلاع ذلك والاستجابة والتفاعل، وهذا الأمر مستمرٌّ ويتزايد. من الممكن أن تقدّم أجهزة المخابرات الغربيّة والأمريكيّة تقارير إلى إدارتها بأنّها استطاعت أن تقمع الصحوة الإسلاميّة في منطقتنا وتقضي عليها. إذا كانوا يظنّون هذا الأمر، فهذا سيكون أيضًا خطأً من الأخطاء الاستراتيجيّة والتحليلات الخاطئة لأعدائنا. من الممكن أن يجري قمع الصحوة الإسلاميّة لمدّةٍ قصيرة وفي جزءٍ من العالم الإسلاميّ، ولكن بدون شكّ لا يمكن القضاء على هذه الصحوة واجتثاث جذورها. سوف تنتشر هذه الصحوة الإسلاميّة وتتوسّع؛ إنّ هذا الوعي والفهم والإدراك وهذا الموقف والتوجّه في 
البلدان وبين جيل الشباب المسلم، ليس بالأمر الذي يمكن القضاء عليه بهذه السهولة؛ بالطبع يبذل الأعداء جهودهم ومن الممكن أن يحقّقوا بعض النجاحات في بعض المناطق لمدّةٍ قصيرة؛ ولكن نهاية الأمر هي أنّ سعيهم أبتر.

من الممكن أن يجري قمع الصحوة الإسلاميّة لمدّةٍ قصيرة وفي جزءٍ من العالم الإسلاميّ، ولكن بدون شكّ لا يمكن القضاء على هذه الصحوة واجتثاث جذورها.

إنّ سبب حبّ الاستطلاع هذا حول ظاهرة السيادة الشعبية الدينيّة، والذي هو موجود لدى جيل الشباب اليوم خاصّةً في العالم الإسلامي، هو أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة ظاهرة قد مضى على ولادتها خمسة وثلاثون عامًا وقد تعرّضت طوال كلّ هذه المدّة لحملات عدوانيّة وخصومات القوى المتسلّطة؛ فقد قاموا بحملات عسكريّة وكذلك حملات دعائيّة واقتصاديّة أيضًا -حيث بدأ الحظر والعقوبات منذ بداية الثورة وجرى تشديدها يومًا بعد يوم حتّى وقتنا الحاضر- وقاموا بحملات سياسيّة أيضًا؛ هذه الجبهة الغربيّة القويّة قد فعلت كلّ ما كان بوسعها القيام به في مواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة خلال خمس وثلاثين سنة، قاموا بأعمال عسكريّة حيث ساعدوا ودعموا من اعتدى عسكريًّا على بلدنا، أعانوا كلّ عدوّ للجمهوريّة الإسلاميّة في أيّ نقطة في العالم، شنّوا الحملات الإعلاميّة الواسعة، فرضوا الحظر والعقوبات الاقتصاديّة بأعلى حدٍّ ممكن وبصورة غير مسبوقة، ولكن وفي المقابل فإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة وفي مواجهة كلّ هذه الحالات والاعتداءات العنيفة والهمجيّة، ليس فقط لم تزل من الوجود ولم يُقضَ عليها، بل إنّها لم تنزوِ ولم تتقوقع على نفسها ولم ترضخ أبدًا لابتزاز الغرب، وتقدّمت يومًا بعد يوم؛ هذا الأمر الذي يشكّل ماهيّة حبّ الاستطلاع والفضول للتعرّف أكثرعلى تجربتها. أن تتكاتف القوى الكبرى عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وتتعاضد، لتوحّد قواها ضدّ بلدٍ ودولة مدّة خمسة وثلاثين عامًا، فلا تسقط تلك الدولة بل على العكس تزيد قوّتها ولا ترضخ للابتزاز ولا تهتمّ لكلّ أولئك المعتدين. 

لقد أثبتت الجمهوريّة الإسلاميّة قوّتها وقدرتها على البقاء في مختلف المجالات. وعندما ينظرون اليوم إلى الجمهوريّة الإسلاميّة، فإنّهم يرون كيف أنّ الجيل الثاني والثالث للثورة يضمّ ملايين الطلاب الجامعيّين وآلاف الطلاب الحوزويّين الأفاضل وآلاف الباحثين والمحقّقين وعشرات آلاف الأساتذة الجامعيّين والحوزويّين، وآلاف النخب العلميّة والفكريّة التي ذاع صيت بعضها وأصبحت معروفة على الصعيد العالمي، وآلاف العاملين والناشطين في المجالات السياسيّة والثقافيّة والإنتاجيّة والاقتصاديّة؛ هذا هو واقع مجتمعنا اليوم؛ لقد استطاعت الجمهوريّة الإسلاميّة في ميدان العلم والثقافة وعلى الرغم من مختلف أنواع الحظر والعقوبات، أن ترسل أقمارًا اصطناعيّة إلى الفضاء وكذلك أن ترسل كائنًا حيًّا إلى الفضاء وتعيده، وأن تنتج الطاقة النوويّة وأن تحتلّ مكانها بين الدول العشر الأوائل في العالم في العديد من العلوم الحديثة. ولقد أعلنت المراكز العالميّة المتخصّصة أنّ معدّل تسارع العلم في الجمهوريّة الإسلاميّة هو ثلاثة عشر ضعف المتوسّط العالمي. تُصَدِّر الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم الخدمات العلميّة والتقنيّة إلى البلدان المختلفة، وعلى الرغم من الحظر والعقوبات الغير مسبوقة، فإنّها تدير بلدًا يبلغ عدد سكّانه خمسة وسبعون مليون (نسمة)، ولها الكلمة الفصل والتأثير الأوّل في سياسات المنطقة، وتقف بصلابة في مواجهة النظام الصهيوني الغاصب والذي تدعمه قوى التسلّط والهيمنة العالميّة.
هذه الجمهوريّة الإسلاميّة لا تهادن ولا تصالح الظالمين وتدافع دومًا عن المظلومين (٥)؛ كلّ إنسانٍ واعٍ سيتحرّك عنده حبّ الاستطلاع ليعرف ما هي هذه الظاهرة وهذا الكيان، مع كلّ هذه العداوات وكلّ هذه القدرات الذاتيّة وعلامات الحياة والبقاء والصمود؛ هذه هي ماهيّة حبّ الاستطلاع. هذا في المجالات العلميّة والتقنيّة وما شابه.

في مجال القضايا السياسيّة والاجتماعيّة، فإنّ التجلّي الراقي للسيادة الشعبيّة الدينيّة قد عبَر خمسة وثلاثين عامًا منذ الثورة وحتّى الآن، وطوال هذه المدّة، شهدنا اثنتان وثلاثون انتخابات؛ اثنتان وثلاثون انتخابات عامة في هذا البلد؛ هل هذه مزحة؟ إنّها نموذج لا نظير له؛ إنّ الانتخابات في الجمهوريّة الإسلاميّة ومن خلال هذه المشاركة الواسعة بعضها أعلى من معدّل المتوسّط العالمي والعديد منها نسبته أعلى بكثير؛ مشاركة ٧٠٪ و٧٢٪؛ انتخاباتنا هي هكذا- إنّما تمثّل مظهر السيادة الشعبيّة؛ يوجد نموذج آخر كذلك لا نظير له ولا شبيه، يتمثّل في ظاهرتين، ونحن كشعبٍ قد تعوّدنا عليهما ولكنّهما بالنسبة إلى المشاهد العالمي أمرٌ استثنائيّ وملفت وهامّ جدًّا، وهما عبارة عن مسيرات الثاني والعشرين من بهمن [١١ شباط ذكرى انتصار الثورة الإسلامية] ومسيرات يوم القدس في شهر رمضان. يقيم الناس وبشكلٍ مستمر ومتواصل عرس الثورة في كل عام منذ خمسة وثلاثين عامًا، من خلال مسيرات وتظاهرات عظيمة حاشدة في الأيام الباردة والطقس الثلجي لأواخر شهر بهمن (أوائل شهر شباط). نحن قد تعوّدنا على هذا الأمر ولا نلاحظ أهميّته وعظمته، ولكنّ المشاهد العالمي يرى كلّ هذا وهو أمرٌ مدهش بالنسبة إليه؛ هذه أسباب تلك الجاذبيّة التي تثير حبّ الاستطلاع والتعرّف وتدلّ المعجبين والعقول المتأثّرة وأهل السؤال والاستفسار والباحثين على مسارٍ جديد. هذه هي الحقيقة الهامة في عصرنا وهي عبارة عن الاهتمام والالتفات وحبّ الاستطلاع العام في العالم الإسلاميّ من قِبَل الشباب والمثقّفين والمفكّرين المستنيرين وأهل الوعي والفهم والتعمّق في القضايا حول هذه الظاهرة التي تحقّقت وحصلت بتوفيقٍ إلهيّ وتأييدٍ إلهيّ في إيران الإسلاميّة وما زالت تنمو وتتكامل يومًا بعد يوم. هذا هو الأمر الأوّل.

إنّ هذه الحقيقة هي من صنع وإنتاج يد المهندس [المعمار] العظيم. لقد تحدّثنا كثيرًا عن الإمام الخميني ولعلّ البعض يظنّ بأنّنا نبالغ؛ كلّا، ما قلناه حول إمامنا العظيم ليس مبالغةً ولا مغالاة؛ بل هو جزء من الحقيقة والواقع؛ إنّ إمامنا العظيم والعزيز لديه من العمق والمعنى أكثر بكثير من كلّ ما وصفناه واستطعنا أن نُبيّنه. كلّ ما لدى الشعب الإيرانيّ وما تشاهده وتدركه أعين وأفكارالشعوب في أنحاء العالم، كلّه من صنع وإنتاج اليد القادرة لذلك الإمام. 
إذا ما أردنا أن نسير ونتقدّم بشكلٍ صحيح، يجب علينا أن نعرف خريطة المعمار. إذا كان البحث يدور حول بناءٍ عاديّ كالمتعارف بين الناس، إن لم تكن الخريطة في متناول اليد ولم يُعلَم التصميم الأصليّ، فإنّ البنّائين ومهما كانوا محترفين ومتخصّصين، من الممكن أن يخطئوا ويبنوا بصورة خاطئة؛ يجب التعرّف على الخريطة الأساسية للاستفادة من فنّ البناء والإنشاء، الخريطة التي رسمها الإمام لم تكن مجرّد نتاج فكر إنسانٍ، لقد كان مسدّداُ من الله، قطعًا ويقينًا؛ إنّ الإمام العظيم نفسه كان يعرف ذلك ويقرّ ويعلن؛ لقد قال بأنّ كلّ ما جرى قد تمّ بيد القدرة الإلهيّة ولقد أدرك الأمر بشكلٍ جيّد ولقد أبصرت عينه الثاقبة [ذلك] بشكلٍ عميق. إنّ علينا أن ننتبه، وأن نتعرّف على هذه الخريطة كي نتمكّن من متابعة الطريق. إن لم نعرف الخريطة وانحرفنا عن تصميمها فإنّنا سنبتعد تدريجيًّا ويومًا بعد يوم عن المسار الأساسي والصراط المستقيم، وحينها سنكون ابتعدنا عن الأهداف المطلوبة. لكي نبلغ الهدف يجب أن لا نضلّ الطريق؛ ولأجل تحقّق هذا الأمر؛ يجب أن تكون الخريطة الأساسيّة دائمًا نُصبَ أعيننا، علينا أن نعرفها وندركها جيّدًا. 
إنّ خريطة الإمام وعمله الأساسي كان بناء نظمٍ مدني سياسي بناء على العقلانيّة الإسلاميّة؛ وكانت المقدّمة اللّازمة لهذا العمل إزالة النظام الملكيّ- الذي كان في الوقت عينه فاسدًا وتابعًا وديكتاتوريًّا! لقد كان للنظام الملكيّ هذه الصفات الثلاثة: لقد كان مبتلى بأنواع الفساد الأخلاقيّ والمادي وغير ذلك، وكذلك كان تابعًا للقوى الأجنبيّة لبريطانيا حينًا ولأمريكا حينًا آخر، لقد كان مستعدًّا دائمًا للتخلّي عن مصالحه ومصالح البلاد من أجل مصالح الأجانب، وكذلك كان نظامًا ديكتاتوريًا ومستبدًّا، لم يكن الناس يريدون النظام الملكيّ ولا يرغبون به؛ كلّ واحدة من هذه الصفات تحتاج إلى كتب ومجلّدات لتبيانها.

 خريطة الإمام الخميني وعمله الأساسي كان بناء نظمٍ مدني سياسي بناءً على العقلانيّة الإسلاميّة.

إنّ المقدّمة اللازمة لذلك العمل الكبير الذي أراد الإمام أن يقوم به هي القضاء على هذا النظام الفاسد والتابع للديكتاتور؛ لقد شمّر عن ساعدَي الهمّة وتمّ القضاء على النظام. ليست القضيّة في بلدنا أن يسقط النظام الديكتاتوري ليحلّ محله نظام ديكتاتوري آخر أو شبه ديكتاتوري؛ المسألة الأساس هي أنّ تلك الصفات والخصوصيّات التي كانت موجودة عند النظام الملكيّ كان يجب أن تزول ويُقضى عليها ولقد أزالها الإمام العظيم واجتثّها من الأساس؛ ولقد كانت خطب الإمام وإرشاداته وعمله وسلوكه تصبّ في هذا الاتّجاه. بالنسبة للنظم المدني والسياسي، هناك نقطتان أساسيّتان مرتبطتان ببعضهما البعض. أو بمعنى آخر، هما وجهان لعملة واحدة. الأولى هي تفويض عمل البلاد للشعب عبر السيادة الشعبيّة ومن خلال الانتخابات. والثانية أن تكون هذه الحركة -النابعة بالأساس من الإسلام الأصيل وكلّ ما يتّصل بحركة السيادة الشعبيّة وتفويض العمل للشعب- في إطار الشريعة الإسلاميّة. هذان المحوران، هما بلمحة واحدة، بُعدان لحقيقة واحدة. 
لا يظنّنّ البعض أنّ الإمام العظيم قد أخذ الانتخابات من الثقافة الغربيّة ودمجها بالفكر الإسلامي والشريعة الإسلاميّة. لا ليس الأمر كذلك، فلو لم تكن الانتخابات والسيادة الشعبيّة والرجوع الى رأي الناس، جزءًا من الدين وكانت غير مرتكزة على الشريعة الإسلاميّة، لم يكن ليلتزم الإمام بها. وقد شرح ذلك الإنسان الصريح والحاسم هذه القضيّة. هذا الأمر هو من الدين، فالشريعة الإسلاميّة هي الإطار. في كافّة التقنينات، الإجراءات، العزل والتنصيب والسلوكيّات العامة التابعة لهذا النظم السياسي والمدني، يجب أن تراعى الشريعة الإسلاميّة؛ وسَير العمل في هذا النظام يتمُّ من خلال السيادة الشعبيّة. أي أنّ كلّ فرد من الشعب، ينتخب النائب، ينتخب رئيس الجمهوريّة، ينتخب الوزراء عبر وسيط، ينتخب الخبراء، ينتخب القائد عبر وسيط، هذا العمل هو بيد الشعب. هذه هي الركيزة الأساسيّة لحركة الإمام العظيم.
هذا البناء العظيم الذي شيّده هذا الإنسان الكبير، يرتكز على هاتين القاعدتين. الالتزام بالشريعة الذي هو روح وحقيقة النظام الإسلامي. يجب أن يلتفتوا إلى هذا الأمر. فإذا تمّ تطبيق الشريعة الإسلاميّة بشكل تام في المجتمع، سوف يتمّ تأمين الحريّات العامّة والمدنيّة؛ حريّة الأفراد -الحريّة الفرديّة- وحريّة الشعب؛ أي الاستقلال- فالاستقلال هو الحريّة على نطاق الشعب، الذي لا يرتبط بأحد ولا بمكان. 
إنّ الشعب الحرّ يعني الشعب الذي لا يكون بأيّ شكل من الأشكال تحت سيطرة مخالفيه، أو أعدائه أو الأجانب. يضمن الإسلام هذا الأمر، ويضمن العدالة في المجتمع، ويضمن المعنويّات. هذه هي العناصر الأربع الأساسيّة: الحريّة، الاستقلال، العدالة، المعنويّات. عندما تكون الشريعة الإسلاميّة حاكمة على المجتمع، تظهر هذه الظواهر الأساسيّة نفسها في نظم المجتمع الإسلامي. لذلك استند إمامنا العظيم على الشريعة الإسلاميّة التي هي روح الجمهوريّة الإسلاميّة. كما ارتكز أيضًا على السيادة الشعبيّة الدينيّة التي هي وسيلة وأداة مأخوذة أيضًا من الشريعة. 

إنّ الشعب الحرّ يعني الشعب الذي لا يكون بأيّ شكل من الأشكال تحت سيطرة مخالفيه، أو أعدائه أو الأجانب.

في مدرسة الإمام لا يمكن القبول والاعتراف بأي قوّة أو سيطرة حصلت من خلال التزوير أو الفرض بالقوّة. في النظام الإسلامي لا معنى للظلم والسيطرة. في النظام الإسلامي هناك معنى للقوّة والاقتدار، القوّة النابعة من اختيار الناس ومن رأيهم. لكن القوّة الناشئة من الفرض والضغط والسلاح، لا معنى لها في الإسلام ولا في مدرسة الإمام. تلك القوّة التي نشأت من اختيار الناس هي قوّة محترمة؛ يجب أن لا يقف أحدٌ في مواجهتها (6)، ويجب ألّا يلجأ أحدٌ إلى الظلم والفرض والسيطرة للوقوف بوجهها، إذا قام أحدهم بهذا العمل، فاسم عمله هو الفتنة. هذه وصفة جديدة عرضها الإمام للعالم وفصلًا جديدًا أضافه إلى الأدبيّات السياسيّة للعالم. هذه الوصفة الجديدة، إحدى عناصرها الأصليّة -كما أشرنا سابقًا- هي الإسراع لإعانة المظلومين ومجابهة الظلم. في زماننا هذا، إنّ المصداق الأكمل للمظلوميّة هو الشعب الفلسطيني وأنتم رأيتم أنّ الإمام العظيم قد أكّد منذ اليوم الأول حتى اليوم الآخر من عمره على فلسطين، دافع عنها وأوصى الشعب الإيراني ومسؤولي البلاد بعدم نسيانها. فمساعدة المظلومين، والوقوف في وجه الظالم، رفض سيطرة (بسط اليد) الظالم، الإنكار الواضح لأبّهة وقدرة الظالم وكسر هذه الأبّهة. هذا أيضًا جزءٌ من هذا النظام وهذه هي الوصفة الجديدة التي قدّمها إمامنا العظيم. هذه خلاصة، وصورة قصيرة ووصف مختصر لمجموعة النظم السياسيّة والمدنيّة التي أحضرها إمامنا الى البلاد بعد سقوط النظام الملكي، قدّمها وقبلها الشعب بشكل حاسم، وتحقّقت أيضًا. 

الشعب الفلسطيني هو المصداق الأكمل للمظلوميّة في زماننا هذا، وأنتم رأيتم أنّ الإمام الخميني قد أكّد منذ اليوم الأول حتى اليوم الآخر من عمره على فلسطين.

هذه الوصفة كالكثير من الكلام السياسي، يجب أن لا تبقى بين طيّات الكتب. نزلت إلى أرض الواقع، طُبّقت، تبلورت، بذل الشعب الإيراني الجهد، أعلن الوفاء، قدّم التضحيات، حفظها وحافظ عليها، وقوّاها يومًا بعد يوم إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن. 

إذن لقد نجح الإمام، لقد نجح الإمام بشكل كامل في العمل الذي أراد القيام به. ولكن هل سيستمر هذا الإنجاز العظيم؟ وهل أنّ الخانات الفارغة في هذا الجدول -بشكل طبيعي يوجد خانات فارغة في هذه الجداول الاجتماعيّة والتاريخيّة- ستملأ؟ هذا الأمر يرتبط بشكل كبير بي أنا، وبكم وبمقدار الجهد الذي سنبذله. وبالوعي الذي سنظهره، وبمدى مراعاتنا لهذا المسار الواضح وسيرنا عليه. نعم، الأمر ممكن بالتأكيد. مع هذا الشعب الذي نراه، مع التجربة والحركة الناجحة، مع السير المستمر الذي أظهره الشعب في السنوات الـ٣٥ المنصرمة، وبعد رحيل الإمام في السنوات ال٢٥ المنصرمة، نعم إنّ إكمال الطريق ممكن. ستملأ الخانات الفارغة، ستنجز الأعمال العظيمة، وهذا الشعب بإذن الله وقدرته سيصل الى أعلى القمم.
لكن هذا الطريق، كسائر الطرق المهمّة الأخرى المتّجهة نحو الأهداف الكبرى، فيها الكثير من التحدّيات والموانع. يجب أن نعرف هذه الموانع، كي نستطيع تخطّيها. إذا لم نعرف الحاجز، فتخطّي هذا الحاجز والمانع سيكون إمّا صعبًا جدًّا أو مستحيلًا. إنّني اليوم أبلغكم بهذه المواضيع، أنتم أيّها الحضور المحترم في هذا الاجتماع العظيم والحاشد، وفي الواقع لكلّ الشعب الإيراني الذي سيسمع هذا الكلام؛ شبابنا، مثقّفونا، نخبتنا الفكريّة، يجب أن يقفوا عند كلّ عنوان وكلّ قسم ويتفكّروا، يعملوا عليها، يبحثوها. ليس فقط الأبحاث الفكريّة شبه التنويريّة، ولكن الأبحاث التطبيقيّة، العمليّة، الأبحاث التي تأخذ الواقع بعين الاعتبار. إنّ ما أقدّمه لكم اليوم هو عناوين عريضة للعمل الفكري [الثقافي] الذي سيتابعه الشباب إن شاء الله، إذ أنّهم أفضل منّا وأكثر استعدادًا. 
سأتكلّم عن تحدّيين: تحدٍّ خارجي، وتحدٍّ داخلي. الخارجي هو ضغط الاستكبار العالمي. وهنا أقصد الضغط الأمريكي دون مجاملة؛ إنّهم يضعون العوائق. صحيحٌ أنّه ربّما في تحاليل بعض مفكريهم السياسيين، يعتبرون أنّه لا فائدة، ولا يمكن مواجهة هذه الحركة العظيمة. لكنّهم يضعون العوائق. يجب أن نعرف خطّة عملهم؛ هذه الخطّة الأمريكيّة المفضوحة، هذه الخطّة الكبرى التي تمّ إفشاؤها من خلال الأبحاث، التقارير، الآراء والسلوكيّات الأمريكيّة.
إنّ أمريكا تُقسّم دول العالم، حركات العالم والبشر في العالم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأوّل هو المطيع لها، الدول المطيعة، الحركات السياسيّة والاجتماعيّة المطيعة، أو الأفراد المطيعين، هؤلاء هم المجموعة الأولى. [القسم الثاني] بعض الدول ليست مطيعة، لكن تجب مداراتها؛ بعض الدول وبعض الشخصيّات وبعض الحركات، هي برأي أمريكا كذلك ولكن يجب مداراتها، فهناك مصالح مشتركة معهم؛ وبالفعل، تمّ التكيّف معهم بطريقة ما. سأوضّح فيما بعد هذا الأمر.
القسم الثالث هي الدول غير المطيعة، لا يخضعون لأمريكا، لا يرشون أمريكا. برأي الأمريكيّين إنّ كلّ دول العالم، والحركات السياسيّة والاجتماعيّة والمدنيّة والاقتصاديّة في العالم وكلّ الشخصيّات المعروفة والمهمّة والمميّزة والمشهورة لا تخرج عن هذه الأقسام الثلاثة: إمّا سلّموا مصيرهم، وأطاعوا بشكل تام، إمّا مستقلّين وتجب مداراتهم وإمّا غير مطيعين، شجعان ومتمّردين حيث يجب التصرّف معهم بشكل مختلف.
سياسة أمريكا مع المجموعة الأولى هي الدفاع الكامل عنها. بالطبع ليس الدفاع المجاني، بل يحمونها ويحلبون خيراتها. يستغلّون قدرات (هذه الدول) في سبيل منافعهم. إنّهم يأخذون أجرهم من هذه الدول، يستخدمونها وكما قلنا إنّهم يحلبون خيراتها، ولا يهتمّون بها. ولكن إذا صدر عن هذه الدول سلوكٌ معيّنٌ، يعتبر سيّئًا بالعرف العالمي، لا تُدين أمريكا هذا السلوك، بل تدافع عنه، وتبرّره. على سبيل المثال بعض الدول المستبدّة، والتي تدار من خلال أنظمة رجعيّة ومستبدّة إلى أبعد الحدود، لكنّهم جيّدون مع أمريكا، يعطون أمريكا، يخدمونها، هم من المجموعة الأولى. عندما يريد الأمريكيّون وصفهم، لا يقولون أنّها دول ديكتاتوريّة بل يقولون أنّها دول ذات نظام أبوي. ما معنى أبويّ في النظام السياسي؟ ما معنى هذا؟ بلدان لا مجلس نوّاب فيها، لا انتخابات، لا قدرة على الكلام، لا أقلام حرّة، لا تعبير حرّ، وكلّ مخالفة بسيطة لإرادة الحاكم، يتمّ قمعها بكلّ حدّة وشدّة وقسوة. هل هذا البلد بلد أبويّ الحكم؟
صدام حسين في مقطع من الحياة، كان في زمرة أولئك المطيعين، المسلّمين مصيرهم لأمريكا. في تلك الفترة قدّموا له كلّ أنواع الدعم، وكانوا تحت أمره، أعطوه أسلحة كيميائيّة، خرائط حركتنا العسكريّة التي تُكشف بالأقمار الاصطناعيّة، أعطوه خرائط حربيّة، لأنّه كان يخدمهم، ضدّ النظام الجمهوريّة الإسلاميّة المتمرّد، هذا النظام الإسلامي هو من المجموعة الثالثة؛ هذه إحدى المجموعات. 
المجموعة الثانية، كما قلنا هي الدول التي تقتضي سياسة أمريكا وخطّتها مداراتها. ما معنى مداراتها؟ أي إنّ هناك مصالح مشتركة يتمّ لحاظها، يقفون إلى جانبهم، ولكن كلّما سنحت الفرصة يطعنونهم بالخنجر في قلوبهم، ويسرقون قلبهم؛ ولا يلتفتون لهم أبداً. مثل أي البلدان؟ كالبلدان الأوروبيّة. هذا هو وضع البلدان الأوروبيّة اليوم. 
أمريكا تراعيهم، لا يعني هذا أنّها تهتم لمصالحهم؛ لا بل تركلهم كلّما سنحت لها الفرصة. يتجسّسون عبر الانترنت والهاتف المحمول على الشخصية الأولى في أحد البلاد الحليفة لهم دون أي خجل. وحين يتمّ اكتشاف الأمر، يقولون نعم، أعذرونا حصل هذا الأمر، لم يكن هناك خيار آخر، تمّ الأمر. ليسوا مستعدّين لأي اعتذار جدّي. فهمي للأمور السياسيّة هو أنّ الأوروبيّين قد وقعوا في خطأ استراتيجي كبير، عندما سخّروا أنفسهم لخدمة أمريكا. يهتمّون للمصالح الأمريكيّة، وأمريكا لا تهتم لمصالحهم، وسيستمر الوضع على هذه الحال إلى ما لا نهاية؛ هذه هي المجموعة الثانية.

الأوروبيّون وقعوا في خطأ استراتيجي كبير عندما سخّروا أنفسهم لخدمة أمريكا.

المجموعة الثالثة هي الدول التي لا ترضخ لأمريكا. وسياسة أمريكا تجاه هذه الدول تتلخّص في الاستفادة من أي وسيلة متاحة ضد هذه البلاد غير المطيعة. أي وسيلة متاحة، لا يعرفون حدًّا ولا قيدًا. إذا رأيتم أنّ بلدًا غير مطيع لأمريكا، لكنّها لا تشنّ هجومًا عسكريًّا عليه أو لا تمارس الحظر عليه فاعلموا أنّ هناك إشكالًا ما. أي إنّ هناك مانعًا في طريقهم. بلغة مبسّطة، لا تستطيع القيام بهذا الأمر لذلك هي لا تقوم به. لو كانت تستطيع لقامت به. إنّ الجريمة الوحيدة لهذا البلد غير المطيع -غير الحاضر للاستسلام أمام أمريكا- أنّه أيضًا غير مستعدّ لتقديم رشوة، ليس حاضرًا ليقدّم مصالح أمريكا على مصالحه؛ هذا معنى البلد غير المطيع. الأمريكيّون ولكي يُخضعوا هذا البلد، لا يتوانون عن فعل أي أمر. هم يقومون بكلّ عمل يكون متاحاً بالنّسبة إليهم. إذا لم يُقدموا على خطوة ما، فلأنّهم غير قادرين!
حسنٌ، ما هي الأعمال التي يقوم بها الأمريكيّون الآن؟ لم يعد الهجوم العسكريّ بنظر الأمريكيّين اليوم أولويّة، لقد أدركوا أنّهم تضرّروا بملفّ العراق وأفغانستان حينما قاموا بالهجوم العسكريّ، وأدركوا أنّ الهجوم العسكريّ يمثّل خطرًا في بعض الأحيان على الدولة المهاجمة بنفس المقدار الذي يمثّله على الدولة التي تتعرّض للهجوم، لقد أدركوا ذلك جيّدًا. لذلك يمكن القول بأنّهم صرفوا النظر عن الهجوم والتحرّكات العسكريّة، ولديهم أساليب أخرى. 
إحدى هذه الأساليب هي أن يوكلوا مهمّة تحقيق أهدافهم داخل الدولة التي يستهدفونها بحملاتهم العدائيّة إلى عناصر موجودة داخل تلك الدولة. فالقضيّة لا تنحصر بإيران الِإسلاميّة والجمهوريّة الإسلاميّة لأنّهم يقومون بهذه الأمور في كلّ مناطق العالم، ونحن نشاهد نماذج منها الآن. فإمّا أن يحصل الأمر بواسطة الانقلاب العسكريّ، حيث يدعمون بعض الأشخاص ليقوموا بهذا الأمر، فيسقطون ذاك النظام أو أجهزة الدولة، حكومةً وسياسة، من خلال الانقلاب العسكريّ، عندما لا تستسلم لهم؛ فهذه هي إحدى الأساليب. 
ومن الأساليب الأخرى؛ جرّ قسم من الشعب إلى الشوارع، حيث كانت تلك الثورات الملوّنة في كلّ مكان من هذه المناطق من هذا القبيل خلال السنوات الأخيرة. فتصل حكومة إلى السلطة، ومن الطبيعيّ إذا وصلت حكومة إلى السلطة بفضل 60 بالمئة من آراء الشّعب، فإنّ النسبة الباقية لا تكون قد صوّتت لها، فيتوجّه الأمريكيّون إلى هذه النسبة الباقية ويختارون من بينها بعض العناصر والقيادات ويحمِلونهم بالتطميع، وبالمال، وبالتهديد، على جرّ تلك النسبة الباقية، أو ما يمكن منها، إلى الشوارع. كذلك هو الأمر بالنسبة للثورات الملوّنة، هذه الثورة البرتقاليّة، وتلك الثورة المزعومة في المناطق المختلفة التي شوهدت في السنوات الأخيرة، كانت أيدي الأمريكيّين وراءها. 
نحن هنا لا نريد أن نحكم بشأن الأحداث التي تجري هذه الأيّام في منطقةٍ من أوروبا، ولكنّ المرء عندما ينظر ويشاهد سناتورًا أو مسؤولًا أمريكيًّا، يتساءل ماذا يفعل في مظاهرات أقليّة ضدّ الدولة وماذا يمكن أن يفعله بحضوره هناك؟ فمن أعمالهم إسقاط الحكومات من خلال جرّ مجموعة من الناس إلى الشوارع والعصيان المدنيّ لأنّ تلك الحكومة ليست مقبولة عندهم وليست حاضرة للخضوع لابتزازاتهم. 
ومن الأعمال الأخرى؛ تفعيل المجموعات الإرهابيّة واستخدامها كما يحدث اليوم في العراق، أفغانستان وفي بعض الدول العربيّة في المنطقة، وقد فعلوا ذلك في بلدنا وأطلقوا الجماعات الإرهابيّة لتغتال شخصيّات محدّدة. في بلدنا اغتالوا علماء ومتخصّصين في الطاقة النوويّة، وقبل ذلك فعلوا ذلك ببعض النخب السياسيّة والثقافيّة والشخصيّات العلميّة والروحيّة. وهؤلاء كانوا قد تربّوا في أحضان أمريكا، وبعض هؤلاء حصلوا على رضا وقبول الأمريكيّين بسبب هذه الخدمات التي قدّموها لأمريكا. ففي يومنا هذا يعيش المنافقون في أحضان أمريكا ويشاركون في الاجتماعات المختلفة، وفي لجان الكونغرس الأمريكيّ. تجد تلك العناصر المنافقة اليوم، أولئك الذين اغتالوا في هذا البلد أبناءه وشخصيّاته المهمّة وعلماءه وسياسيّيه، وافتعلوا الانفجارات، تجدهم معهم في أمريكا؛ هذه إحدى الأساليب.
ومن الأساليب الأخرى أيضًا إيجاد الخلافات في المستويات العليا للسلطة، فمنها: أن يوجدوا خلافًا وانقسامًا في الجهاز أو النظام الذي لا ينسجم معهم من أجل ازدواجيّة السلطة، أي إنّهم يفشلون في العديد من الأماكن ولكنّهم ينجحون في بعضها.
ومن الأساليب أيضًا، أن يجعلوا قلوب وعقول الناس تنصرف عن أسسهم الاعتقاديّة والإيمانيّة من خلال دعاياتهم وغيرها من الأساليب. وقد قام نظام الولايات المتّحدة الأمريكيّة بكافّة هذه الأعمال تجاه إيراننا الإسلامية العزيزة، وقد هُزم هذا النظام (النظام الأمريكي) بفضل الله في جميع أعماله؛ الانقلاب العسكريّ، دعم مشعلي الفتن، جرّ الناس إلى الشوارع، مواجهة الانتخابات وإيجاد الانقسامات، قاموا بكلّ هذه الأعمال أو يسعون للقيام بها وهم بحمد الله لم ينجحوا فيها كلّها. لماذا؟ لأنّ الشعب يقظ، هو شعبٌ مؤمنٌ. وهنا ننتقل إلى ذلك التحدّي الثاني وهو التحدّي الداخليّ.
إخواني وأخواتي الأعزّاء! إنّ التحدي الداخليّ لشعبنا هو أن نغفل وننسى ونبتعد عن روحيّة ووجهة نهضة إمامنا الجليل، فهذا هو أكبر خطر. فنخطئ في تحديد أعدائنا وأصدقائنا ونخلط بين الجبهتين فلا نعرف العدوّ من الصديق أو نخطئ في تحديد العدوّ الأساسي من الفرعيّ فهذا خطرٌ. 
إخواني الأعزّاء، أخواتي العزيزات، جميع أبناء الشعب الإيراني، عليكم أن تلتفتوا إلى أنّ البعض قد يعادونكم أحيانًا ولكنّكم إذا دقّقتم فلن تجدوا عداوتهم عداوة أساسيّة بل هي تابعة لعاملٍ آخر. فاكتشفوا العدوّ الأساسي فإنّ الإنسان إذا واجه عدوّه الفرعيّ فإنّ قواه تذهب هدرًا ولن يبلغ النتيجة المطلوبة.
في يومنا هذا توجد مجموعة في مناطق مختلفة من العالم الإسلاميّ تسعى للقيام بأعمال قبيحة وسيّئة ضدّ إيران والشيعة والتشيّع، تحت عنوان الجماعات التكفيريّة والوهابيّة والسلفيّة، لكن هؤلاء ليسوا أعداءً أساسيّين؛ فعلى الجميع أن يعرفوا ذلك، إنّهم يعادون ويرتكبون الحماقات ولكن العدوّ الأساسي هو من يحرّكهم ومن يدعمهم بالمال، هو ذلك الذي إذا وجد اندفاعهم قد ضعُف يقوم بتحريكهم بالوسائل المختلفة. إنّ العدوّ الأساسيّ هو الذي يبذر بذور الخلاف والاختلاف بين تلك الجماعة الجاهلة وشعب إيران المظلوم، إنّه تلك الأيادي الخفيّة للأجهزة الأمنيّة والمخابراتيّة. لذلك قد قلنا مرارًا أنّنا لا نعتبر تلك الجماعات الحمقاء التي تواجه نظام الجمهوريّة الإسلاميّة تحت اسم السلفيّة والتكفير والإسلام عدوًّا أساسيًّا. إنّنا نعتبرهم مخدوعين ونقول لهم؛ "لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَني ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمينَ" (٧)؛ فلو أخطأتم وقمتم بقتل إخوانكم المسلمين فإنّنا لا نعتبر أنّ علينا أن نقتلكم. بالتّأكيد ندافع عن أنفسنا، فكلّ من يهجم علينا سوف يواجه قبضةً محكمة وهذا طبيعيّ، لكن لا نعتقد أنّهم أعداءنا الأساسيّين بل هم مخدوعون. إنّ العدوّ الأساسيّ هو الذي يقف خلف الستار، تلك اليد التي لا تخفى كثيرًا والتي تخرج من أكمام الأجهزة الأمنيّة وتمسك بزمام المسلمين من أجل أن توقع بينهم.

إننا لا نعتبر تلك الجماعات الحمقاء التي تواجه نظام الجمهوريّة الإسلاميّة تحت اسم السلفيّة والتكفير والإسلام عدوًّا أساسيًّا، بل نعتبرهم مخدوعين.

هذه هي تحدّياتنا الداخليّة: الانشغال بالخلافات داخل الدولة، أن تقوم الخلافات الفرعيّة والسطحيّة بإشغالنا وجعلنا نقف في مقابل بعضنا البعض، وجعلنا غافلين عن القضايا الأساسيّة والخطوط الأساسيّة. فهذا هو أحد مصاديق تلك التحدّيات الأساسيّة التي ذُكرت. إنّ افتقاد الانسجام الوطنيّ هو من تحدّياتنا. والابتلاء بالكسل والإحباط والتباطؤ في العمل واليأس وضعف الأمل وتصوّر أنّنا لا نقدر وأنّنا لم نقدر لحدّ الآن، كلّا، فكما قال الإمام إنّنا قادرون. يجب أن نمتلك العزم. العزم الوطنيّ والإدارة الجهاديّة يمكنها أن تحلّ كلّ هذه العقد. كل هذه التحدّيات الداخليّة عندنا يجب أن نواجهها. وكما ذكرنا يجب على شبابنا الأعزّاء ونخبنا وفضلائنا أن يجلسوا ويدرسوا هذه القضايا، فهذه هي العناوين الأساسيّة. إنّ اسم إمامنا الجليل وذكره وخطّة هذا المعمار الكبير يمكنها أن تعيننا في جميع هذه الفصول والعناوين وتمنحنا الأمل والنشاط والروحيّة مثلما فعلت وسوف تبقى في المستقبل بتوفيق الله.

اللهمّ! أنزل بركاتك على هذا الشعب العزيز. اللهمّ! أنزل عونك على شبابنا الأعزّاء على طريق بناء أهداف النظام الإسلاميّ. اللهمّ! احفظنا من الانحرافات. اللهمّ اجعل يد الشعب الإيرانيّ مقابل أعدائه أقوى وانصرهم على أعدائهم واجعل قلب وليّ العصر المقدّس أرواحنا فداه متّجهًا إلينا بعين الرحمة وأن يشملنا بدعائه؛ واحشر روح إمامنا الجليل وشهدائنا الأعزّاء مع النبيّ الأكرم (ص).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش:
١- القرآن الكريم، سورة الحشر، الآية ١٠.
٢- القرآن الكريم، سورة يونس، الآية ٨٨.
٣- القرآن الكريم، سورة إبراهيم، الآيتين ٢٤ و٢٥.
٤- القرآن الكريم، سورة الطارق، الآيتين ١٥ و١٦.
٥) هتافات مدوّية: الله أكبر.. خميني قائد..
٦) أي في مواجهة القوة الناشئة من اختيار الناس.
٧) القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية ٢٨.