وفي ما يلي النّص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية أثناء هذا اللقاء:

بسم الله الرّحمن الرّحيم
إنّ موكب مجاهدي الإسلام هو ظاهرة مباركة، فقيام مقاتلينا بأنفسهم بتشكيلِ موكب عزاء (يكون المحور والثقل فيه هو عزاء عاشوراء؛ طبعاً الأمور التي أشرتم لها هي أمورٌ لا بُدَّ منها وجيّدة؛ ولكن نقطة الثقل هي إحياء عاشوراء، والمحافظة على إحيائها والتعمّق في هذه الحادثة) هو أمرٌ مباركٌ ومهم.
هناك نقطة وهي أنّ أصل نسبة الموكب إلى المجاهدين له معنى مهمّ، المجاهدون يعني الأشخاص الذين جاهدوا في مواجهة العدوّ، والجهاد (يحمل مفهوماً) يتعدى القتال، فالقتال يعني الحرب العسكريّة؛ في حين أن الجهاد هو مجموعة من أنواع المواجهات العسكريّة والفكريّة والاجتماعيّة والروحيّة؛ وإنّ مجموع ذلك يُسمّى الجهاد، والجهاد يشمل كل ذلك.
إنّ من هم أهلٌ للجهاد في سبيل الله تعالى (إحدى خصائص ومعاني الجهاد، أن يكون العدوّ في مقابل الإنسان؛ وليس كلّ سعيٍ جهاد، فمن الممكن أن يقوم شخص ما بعمل علميّ ولا يكون ذلك جهاداً، فالجهاد هو ذلك العمل الذي نقوم به في مواجهتنا لخصمٍ ما أو عدوٍ ما) يحملون هذه الخصيصة ولديهم هذه الروحيّة، وإنّ وجودهم مبارك في كلّ المجتمعات؛ وذلك لأنّ المجتمعات البشريّة لا تخلو من الأعداء (قليلون كانوا أم كُثر، وأحياناً قد يكونون مثلنا لديهم أعداءٌ كُثر، وقد يكون لديهم أعداء قليلون، ولكن في النهاية لديهم أعداء) فإذا كان لدى هذه المجتمعات، في داخلها، قوّة مواجهة تقف في وجه العدوّ، كما هؤلاء المحاربون والمقاتلون والمجاهدون فإنّها ستشعر بالأمان. أمّا إذا لم يكن لديها ذلك، فسيكون مثلها كمثل الجسم الذي يفتقد للكريّات البيض؛ وهي الكريات المختصّة بالمواجهة (والدفاع) مما قد يُعرّض المجتمع لأنواع وأشكال مختلفة من الأمراض. فأن تأتي هذه المجموعة (مجموعة مجاهدي الإسلام) وتسعى وتقوم بعمل يتعلق بقضية عاشوراء وعزاء الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، وتُبقي عاشوراء حيّة بحرارتها وحيويّتها، فهذا عملٌ مناسبٌ ولا بُدَّ منه.
وبناءً على ذلك فإنّ نفس هذا الانتساب؛ أي نسبة موكب العزاء إلى المجاهدين هو أمرٌ مبارك وأمرٌ جيّد، فلا تتركوا هذا العمل؛ بل واكبوه جيّداً بقدر استطاعتكم وحافظوا عليه.

إنّ نسبة موكب العزاء إلى المجاهدين، هو أمرٌ مبارك وأمرٌ جيّد فلا تتركوا هذا العمل؛ بل واكبوه جيّداً بقدر استطاعتكم وحافظوا عليه.

النقطة الأخرى هي أنّه يتبادر من كلمة "موكب" عُرفاً، معنى عدم التنظيم، فيُقال: إنّ فلاناً يعمل كعمل المواكب؛ أي يفتقد عمله للتنظيم. ويمكن القول بأنّكم من أوائل الذين عملتم على تنظيم عمل المواكب التي يبدو أنّ طبيعة عملها هي عدم التنظيم، وهذا أمرٌ جيّد.
حسنٌ، لماذا تُعَبِّر كلمة الموكب في الاصطلاح عن عدم النظم؟
لأنه عندما يدخل المرء إلى مجلس الإمام الحسين، لا يقول له أحد اجلس هنا أو اجلس هناك، واجلس بهذه الطريقة ولا تجلس بتلك؛ فكل تحرّكات الناس نابعة من إرادتهم وما يريدونه وذلك ناشئ من إيمانهم، وهذا أمرٌ جيّد ينبغي المحافظة عليه.
عليكم أن تحافظوا على علاقة المجلس العاشورائي بإيمان الناس وعشقهم، وعلى جاذبيّة المجلس وهذا الشكل والإطار من العمل هو ما يجب عليكم حفظه. أعني لا تعملوا على إيجاد حالة إداريّة وما شابه ذلك.
برأيي، إنّ مراكزكم هي الحسينيّات، فلستم بحاجة إلى مراكز إداريّة؛ الحسينيّة والموكب والمسجد، هذه هي مراكزكم. أعني لو عمدنا إلى ربط هذه المواكب بإدارة معيّنة وببناء معيّن وطابق أوّل أو طابق ثان، وبأصحاب بعض المناصب وما شاكل ذلك، فهي لن تعود مواكب، وأخشى عليكم من مشاكل كثيرة.
لا أقول أنّ المواكب ستنتفي من الأساس ولكنّني أرى أنّ طبيعة عمل المواكب، أن تأتي الناس إلى مجلس الإمام الحسين بعشق وشوق واندفاع ودموع. وهذا هو الأمر الذي يترك أثراً، وهذا هو الذي تنبع الثورة من داخله، أو على الأقل، يصبح مزرعةً جيّدة للفضائل الثوريّة والمعارف الثوريّة.

النقطة التالية مهمّة جدّاً. وهي مسألة إعداد الطاقات الصاعدة من الخطباء وقرّاء العزاء وحفظهم من الوقوع في الأخطاء أو الاشتباهات، وهذا أمرٌ مهمّ جدّاً.
وهذه في الواقع إحدى مشاكلنا، فعندما تسوء سمعة قارئي مجالس العزاء والرواديد، فإنّ سوء السمعة لا يختصّ بهم وحدهم، بل بهم وبغيرهم.
وقد يصدر كلام غير مناسب في بعض الموارد لبعض من يرتقي المنابر بهذه المناسبة، (من قرّاء العزاء والرواديد والخطباء وأمثالهم.( ففي بعض الأحيان، أكون جالساً أنا وأنت، فأتكلّم بكلام غير مناسب، بكلامٍ خاطئ؛ فهذا ليس بشيء، أن يجلس شخصان ويتحدّثان؛ ولكن أحياناً يكون عدد المجتمعين ألفاً أو عشرة آلاف، وقد يصل العدد إلى خمسين ألف مستمع، وأحياناً يصبح المجتمعون عدّة ملايين بسبب سهولة الانتشار. هنا ينبغي أن يُدرس الكلام بدقّة، لجهة تأثير الكلام الخاطئ وغير المناسب في أذهان المخاطَبين. فبعضهم يقبل هذا الكلام الخاطئ، فيتلقى معرفةً خاطئ. وبعضهم يستنكر هذا النحو من الكلام، فيؤدي به هذا الاستنكار إلى الشعور بالنفور والإعراض عن أصل الدين؛ ويقع الخلاف بين أناس وآخرين حول هذا الكلام. لاحظوا! الفساد يرد من عدّة جهات، بسبب ذلك الكلام الخاطئ والصادر عن شخصٍ واحد. 
فيما مضى كنا نرى (بشكل خاص وليس الآن، أتحدّث عن زمن الطفولة( عندما كنا نذهب للاستماع إلى مجالس العزاء، أن القارئ يقرأ العزاء وفيه من الأخطاء ما هو واضحٌ للعيان. وفيه ما يخالف الواقع، ولكنّه كان يقرأ هذه الأمر لكي يجتمع إليه أربعة أشخاص فيكسر قلوبهم ويبكون. فهل يصحّ ذلك وبأيّة طريقة كانت؟ اعملوا على بيان الحادثة. اعملوا بأسلوب فنّي على البيان؛ ليتشوّق الناس ويتغيّروا، ولكن لا يصُحّ أن تقولوا ما يخالف الواقع.
واليوم كذلك أنا أسمع، أن خطيباً أو مدّاحاً من على المنبر يخاطب أمير المؤمنين بقوله: سيدي !إنّ كلّ ما لديك هو من الإمام الحسين! فكّروا في هذا الكلام. ما هذا الكلام؟! وما هذا الهراء؟! أن يتكلّم أحد مع أمير المؤمنين على هذا النحو من الكلام.
إنّ ما لدى الإمام الحسين هو من عند أمير المؤمنين، وما لدى الإمام الحسين هو من عند النبيّ الأكرم. لمَ لا يفهمون هذه المعاني ولا يدركون هذه المسائل؟ وفوق ذلك، يدّعون ويزعمون أنّهم يقولون كل ما يخطر ببالهم هكذا! أعتقد أنّ علينا أن نستعظم هذه الأمور ونشعر بخطرها.
النقطة المهمة الأخرى، هي النقطة التي أشار إليها السيّد نجات (1) وهي نقطة صحيحة.
إنّ المجالس الحسينية لا يمكن أن تكون علمانيّة، ليس لدينا مجالس للإمام الحسين علمانيّة. فكلّ من لديه ميول للإمام الحسين فهو يميل للإسلام السياسيّ، وهو مرتبط بالإسلام المجاهد، والإسلام المناضل؛ إسلام بذل الدماء، إسلام بذل الأرواح، وهذا هو معنى الاعتقاد بالإمام الحسين عليه السلام.

كلّ من لديه ميول للإمام الحسين فهو يميل للإسلام السياسيّ، وهو مرتبط بالإسلام المجاهد، والإسلام المناضل؛ إسلام بذل الدماء وإسلام بذل الأرواح.

من الخطأ أن يحذر المرء في مجلس العزاء أو في الهيئة المقيمة للعزاء، من أن يدخل في مواضيع الإسلام السياسيّ، لا يعني هذا الكلام أنّه كلّما وقعت حادثة سياسيّة في البلد وجب أن نتكلّم فيها وبنزعة معيّنة (لهذا الطرف أو لذلك الطرف) في مجالس العزاء، وقد يرافق ذلك أحيانًا أمور أخرى. كلا.
إن ما ينبغي أن يكون حاضراً في هذه المجموعات وأمثالها هو فكر الثورة والفكر الإسلاميّ، والخط المبارك الذي أرساه الإمام) رضوان الله تعالى عليه (في هذا البلد، وتركه لنا. وعلى كلّ حال العمل هو عملٌ كبير ومهم. وفي الواقع إنّ أكثر مجموعة جديرة بإحياء عزاء سيّد الشهداء، هم هؤلاء المجاهدون في سبيل الله؛ هؤلاء المحاربون، هؤلاء الشباب؛ وعليكم أنتم أن تعرفوا قدر هذا الأمر، وأن تعملوا على توجيهه؛ اعملوا على التوجيه، يمكن أن يتحوّل هذا الأمر إلى نبعٍ من الضياء والنور، يشعّ في الأذهان وفي الأفكار، وفي قلوب المخاطَبين، مما يساعد على رفع مستواهم على صعيد المعارف الإسلاميّة والمعارف الدينيّة.

إنّ أكثر مجموعة جديرة بإحياء عزاء سيّد الشهداء، هم هؤلاء المجاهدون في سبيل الله.

كم هو جميل أن يتمّ الاهتمام بمسألة القرآن في هذه المجالس (قراءة القرآن والمعارف القرآنيّة). وكم هو جميل أن تشتمل مجالس اللطم والعزاء هذه على مضامين إسلاميّة، ومضامين ثوريّة، ومضامين قرآنيّة.
أحيانًا، يلطمون صدورهم مئات المرّات قائلين عبارات مختلفة مثل "آه يا حسين". حسنٌ هذا عملٌ، ولكن لا فائدة منه، ولا يفهم المرء شيئاً من هذا القول (آه يا حسين) ولا يتعلّم منه شيء.
وأحياناً، تشتمل هذه الأمور التي يكرّرها الرواديد وقرّاء العزاء، وهم يلطمون الصدور وبلسان النوح والأشعار، على قضيّة معاصرة، أو على مسألة ثوريّة أو مسألة إسلاميّة أو معرفة قرآنيّة، وعندما يكرّرها تصبح ملكة في ذهنه؛ هذا عملٌ ذو قيمة، وهو عملٌ لا يقدر عليه سواك؛ بمعنى أنّه ليس بمستطاع أيّة وسيلة إعلاميّة أن تُقدِّم المعارف الإلهيّة هكذا، فتجعلها في الجسم والروح والفكر والإحساس والعقل وما شابه ذلك. لذا فإنّ هذا العمل عملٌ مهمّ جدّاً وعظيم.
أسأل الله تعالى أن يوفّقكم ويثيبكم، وأن تسيروا بهذا العمل إلى الأمام وعلى أحسن وجه ممكن.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش:
1-    السيد حسين نجات رئيس موكب مجاهدي الإسلام، وقد ألقى كلمةً في مستهلّ اللقاء.