جاءت كلمة الإمام الخامنئي على الشكل التالي:

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات. من أهم الأيام والمراسم التي تشهدها هذه الحسينية [هي المراسم التي تشهدها] يوم التاسع والعشرين من شهر بهمن [18 شباط] في كل سنة؛ اليوم الذي تتفضلون فيه بالمجيء أنتم أيها الأعزاء من آذربيجان وتبريز إلى هنا. آذربيجان مميزة وأهاليها مميزون، وأحداثها مميزة، وأسلوب وطريقة أهالي تبريز وآذربيجان الأعزاء هو دائماً الابتكار والطرق الجديدة والأحداث المدهشة. رحمة الله ولطفه الدائم عليكم.

لنذكر شيئاً عن اقتران هذه الأيام بأيام استشهاد الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها). طبعاً المراسم التي قدّموها كانت مراسم جيدة جداً ومؤثرة ومفيدة (2). وأقول شيئاً واحداً فقط وهو أن جميع المسلمين مجمعون على فضيلة الصديقة الكبرى (سلام الله عليها)، ولا فرق في هذا بين شيعة وسنة. ورد في مدرسة أهل السنة والشيعة هذا الحديث: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أهلِ‏ الجَنَّة» (3) وهذا فوق وأعلى من «سيدة نساء العالمين» (4). إنها سيدة نساء الجنة. فمن هم الذين في الجنة؟ إنهم خيرة النساء وأهم النساء وأكثر النساء إيماناً وجهاداً والنساء الشهيدات، اللاتي ذكرهن الله تعالى في القرآن بالعظمة، هؤلاء كلهن مجتمعات في الجنة. والسيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) سيدة نساء أهل الجنة. إنه مقامٌ جد رفيع وراق. دروس الشجاعة، ودروس التضحية، ودروس الزهد في الدنيا، ودروس المعرفة، ونقل المعرفة إلى أذهان الآخرين والعالم المعلِّم لكل البشر، هذه هي دروس فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) لكل البشرية. نتمنى أن تنتفعوا جميعاً وكل أهالي آذربيجان الأعزاء وكل الشعب الإيراني وجميع المسلمين من بركات سيدة العالمين هذه (2).

إنَّ عظمة يوم التاسع والعشرين من بهمن لا تؤدى حقاً بهذه العبارات القصيرة التي نقولها، فالتاسع والعشرون من بهمن [يومٌ] عظيمٌ جداً. مع أن تيار النضال والكفاح انطلق سنة 56 [1978 م] من قم، ووقعت أحداث معينة في أماكن معينة بعد أحداث تبريز، لكنني أقول بثقة إنه لولا حادثة التاسع والعشرين من بهمن سنة 56 في تبريز لكان من المحتمل جداً أن تُنسى حادثة التاسع عشر من دي [09/01/1978 م] في قم، ولما وقعت بعد ذلك الأحداث المتعاقبة على شكل متسلسل، أي لسار تاريخ البلاد في طريق آخر. لقد استطاع أهالي تبريز في أحداث التاسع والعشرين من بهمن بنهضتهم وفهمهم الصحيح ومبادرتهم المناسبة وفي الوقت المناسب أن يوجدوا هذا الحراك العظيم الذي أفضى إلى الثاني والعشرين من بهمن سنة 57 [11 شباط 1979 م ذكرى انتصار الثورة الإسلامية]. عظمة هذه القضية هي على هذا النحو.

وأشير هنا إلى تظاهرات الثاني والعشرين من بهمن لهذه السنة. لقد كان الثاني والعشرون من بهمن في تبريز وفي المدن الأخرى وفي طهران وفي كل أنحاء البلاد هذه السنة يوماً مختلفاً. بعد تسعة وثلاثين عاماً وعند الدخول في السنة الأربعين لانتصار الثورة يُعدّ هذا الحراك الشعبي العظيم أشبه بالمعجزة، ولا يوجد مثل هذا الشيء في أي مكان من العالم.

مسيرات ذكرى انتصار الثورة الإسلامية هذا العام كانت أشبه بالمعجزة، وهو أمرٌ لم يكن مشهوداً في أية ثورة من الثورات التي نعرفها في العالم.

 فبعد كل هذه السنين التي تقرب من أربعة عقود، أنْ ينزل الشعب نفسه وليس الأجهزة الحكومية بل الناس أنفسهم، في يوم انتصار الثورة، أنْ ينزلوا إلى الساحة ويملؤوا الشوارع ويرفعوا الشعارات هم بأنفسهم ويفصحوا عن حضورهم وتواجدهم ويدافعوا عن ثورتهم، فهذا لم يكن مشهوداً في أية ثورة من الثورات التي نعرفها خلال القرنين أو القرون الثلاثة الأخيرة. ولم يكن مثل هذا الشيء في الماضي الأبعد من باب أولى. والآن أيضاً لا يوجد مثل هذا الشيء في أي مكان من العالم، فهي حالة خاصة بإيران، وهي حالة خاصة بكم. وفي هذه السنة أدت حالات العداء المختلفة التي يمارسها الأعداء من الخارج ومن الداخل ومن أمريكا ومن بعض جيراننا الذين أساؤوا الخلف ونكثوا العهد، أدت أعمالهم إلى تحفز الناس أكثر فنزلوا إلى الساحة وأوجدوا الثاني والعشرين من بهمن بشكل مختلف هذه السنة. هذه دائماً دروس بالنسبة لنا. هذه الجملة التي رددتموها أنتم هنا «انقلابين پاك عَلَمي گيرخ ايل اولوپ مَأمنيميز» (5) هذا واقع وحقيقة. أربعون عاماً والشعب مأمنه راية الثورة الخفاقة العالية. هذا الكلام الذي تقولونه بألسنتكم هو [ما يختلج] قلوب الشعب الإيراني وهو كلامٌ صحيح [بشكل كامل]. هذا في حين أنَّ الشعب لديه انتقاداته تجاه بعض قضايا البلاد الحالية، وهذا لا يعني أنهم ليس لديهم انتقاداتهم. إننا مطلعون تماماً على انتقادات الناس وعتابهم وشكاواهم. وهم يقولونها لنا ويقولونها للآخرين فتُنقل لنا. لكن حين تكون القضية قضية الثورة والنظام الإسلامي ينزل الشعب هكذا إلى الساحة ويتحرك. لقد تكوّن وعيٌ ثوريٌ وكمالٌ سياسيٌ لدى الشعب الإيراني -بتوفيق من الله- يستطيعون بموجبه التمييز بين النظام الثوري للأمة والإمامة وبين أن يكون لديهم نقدهم للمؤسسات الحكومية، ففي موضع ما لديهم نقدهم لكنهم يدافعون بكل وجودهم عن أصل النظام الذي أوجدته الثورة. حين نقول ليكن لديهم نقدهم، فليس المراد هنا نقدهم للحكومة فقط أو السلطة القضائية أو مجلس الشورى، لا، فقد يكون لدى شخص ما نقده لشخصي أنا العبد [الفقير لله]، فهذا النقد لا يتنافى أبداً مع الثبات في الدفاع عن النظام الإسلامي ونظام الثورة ونظام الأمة والإمامة؛ هذا النظام الذي انبثق بثورة هذا الشعب وبتضحياته، وسار مئات آلاف الشهداء إلى سوح التضحية في سبيله طوال هذه الأعوام الأربعين.

في هذه المناسبة التي نلتقيكم أيها الأعزاء الذين تفضلتم بالمجيء إلى هنا من مسافة بعيدة أطرح عليكم عدة نقاط في حدود ما يسمح به الوقت. إنكم أعزاء لا يمتلك شخصٌ مثلي سوى أن يحبّكم ويودّكم ويخلص لكم من أعماق وجوده. أي إن هذا النقاء الذي تتحلون به وهذه الغيرة التي تتسمون بها وهذا الحراك الثوري العلني المشهود فيكم والذي نشعر به ويراه الإنسان على الصعيد العملي أيضاً وليس باللسان فقط، هذا الشيء يجذب إليه كل إنسان. وأنا وبالمعنى الحقيقي للكلمة منذ أن جئت لأول مرة بعد الثورة إلى تبريز أو آذربيجان وعدت، حيث كانت لي سفرات متعددة، شعرت بهذا وقلتُه في حينه للإمام الخميني. جئتُ في زمن رئاسة الجمهورية إلى تبريز ثم ذهبت للإمام الخميني وقلتُ له إنَّ تبريز من نوع آخر، إنَّ أهالي تبريز يُقدمون للمرء حقيقةً ثوريةً حماسيةً وعاصفةً زاخرةً بالقوة والقدرة بشكل آخر. مع أنَّ كل الشعب الإيراني كان له في تلك الأيام هذا الحماس الثوري لكن تبريز كانت شيئاً آخر. إننا نلتقي بكم أيها الأعزاء من تبريز وآذربيجان، من مختلف مدن آذربيجان هنا لنقول لكم عدة نقاط، وبالطبع فالمخاطب هو الشعب الإيراني كله، فالجميع مخاطبون بهذا الكلام.

إحدى النقاط حول الثورة والأداء الأصلي للثورة. ونقطة أخرى حول الآفات التي تهدد الثورة. ونقطة أخرى حول الأولويات وسلم الترجيحات التي يُمليها علينا هذا المقطع الزمني من الثورة ويجب علينا مراعاتها. ونقطة أخرى حول مستقبل الثورة. هذا كلام ونقاط مهمة ولازمة وطرحها عليكم أيها الأعزاء وأنتم الثوريون وأنصار الثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة يبدو أنه أنسب مكان لطرحها؛ أي إنَّ أفضل شيء هنا حقاً هو طرح مثل هذه النقاط والأمور على أشخاص مثلكم. حول الثورة وأداء الثورة يجب القول إنَّ الثورة كانت حركة كبيرة جداً. واعتقد أننا بعد قرابة أربعين سنة من انتصار الثورة لا نزال لم ندرك أبعاد هذه الثورة وعظمتها بشكل صحيح. وبعد ذلك عندما يجلسون وينظرون لهندسة الثورة من بعيد سيتضح أكثر ماذا كانت هذه الثورة وماذا فعلت وماذا حدث. وانجازات الثورة وأفعالها كثيرة جداً، الخدمات التي قدمتها الثورة لإيران خدمات كثيرة جداً، فثمة لائحة طويلة جداً في هذا الخصوص، والأعداء يريدون إنكار ذلك لكن الحقائق واضحة. لكن أهم عمل قامت به الثورة وباستلهام التعاليم الإسلامية لا باستلهام آراء ومدارس هذا المُنظِّر وذاك المُنظِّر والنواقص والتعارضات الموجودة في آرائهم، لا، بل باستلهام الإسلام والقرآن «الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ» (6) هو النظام الإلهي مقابل النظام الطاغوتي، والجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية فسّرت النظام الإلهي بأنه نظام سيادة الشعب الدينية. هذا هو ما تعنيه الجمهورية الإسلامية. لقد بدلت النظام الطاغوتي إلى نظام سيادة الشعب. هذا هو أهم عمل قامت به.

الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية فسّرت النظام الإلهي بأنه نظام سيادة الشعب الدينية. هذا هو ما تعنيه الجمهورية الإسلامية.

سيادة الشعب معناها أنَّ الشعب هو الأصل، الأصل هو الشعب، لا فقط في تعيين الحاكم، فبمجرد أن نقول سيادة الشعب ينصرف ذهن الجميع إلى صناديق الاقتراع وهو شيء صحيح بدوره، تعيين رئيس الجمهورية، وتعيين خبراء القيادة وفي الواقع تعيين القائد، تعيين الأجهزة المختلفة، كل ذلك يحصل في الواقع بواسطة الشعب، فهذا شيء حاسم وهو صحيح ولكنه ليس الشيء الوحيد. الشيء المهم هو أنَّ سيادة الشعب تعني جعل الشعب صاحب الرأي والتدبير والقرار في كل شؤون الحياة، وهذا على الضد تماماً من الشيء الذي كان قبل الثورة في هذا البلد طوال قرون متمادية. لقد عانى هذا البلد طوال قرون متمادية من استبداد الطواغيت والسلاطين، فلم يكن للناس والشعب أي دور، وكان القرار بيد الطاغوت والطواغيت المحيطين بالطاغوت الأصلي، هؤلاء كانوا هم أصحاب القرار والرأي. أي كان استبداداً مطلقاً وكان الناس وسيلة من أجل أن يستطيع المستبد التحكم، فالذي يريد أن يتحكم يجب أن يتحكم بأحد ما، فكان الشعب هو المُتحَكَمُ به، كانوا يحفظون الشعب من أجل أن يتحكموا به. ومنذ أواسط العهد القاجاري أضيف إلى هذا الشيء داء آخر وهو السلطة الخارجية والنفوذ الخارجي والاستعمار الخارجي. لم يكن هذا الشيء في السابق، ففي زمن الصفوية وفي زمن نادر شاه والآخرين كان هناك استبداد ولكن لم يكن هناك نفوذ الأجنبي، ولكن منذ أواسط العهد القاجاري ومن أواخر عهد ناصر الدين شاه قاجار فصاعداً أضيفت الهيمنة الأجنبية أيضاً، أي إن نفوذ البريطانيين وهيمنتهم بدأت في إيران على نحو الدقة منذ عام 1800 ميلادي. دخل ممثل الحكومة الهندية وهي الحكومة البريطانية إلى البلاد، وقد أشرت لهذا الموضوع بشكل مفصل في بعض المناسبات ولا أروم الآن الخوض فيه.

ترافق النفوذ الخارجي مع الاستبداد وأضيف إليه. أضيفت الهيمنة الخارجية إلى سلطة الطاغوت، ووصلت الأمور إلى أن الدولة القاجارية التي كانت خاضعة بدورها لتأثير البريطانيين سقطت وأزيلت من قبل البريطانيين أنفسهم، وجاؤوا بسلالة ودولة جديدة. البريطانيون هم الذين جاؤوا برضا خان إلى السلطة، ثم أزاحوه عن السلطة لسبب ما وجاؤوا بابنه مكانه، ثم تدخل الأمريكيون في أواسط الفترة وصاروا الكلَّ بالكل في هذا البلد الذي وفد إله آلاف المستشارين الأمريكيين. سيادة الشعب هي النقطة المقابلة لهذا الشيء. بمعنى أنها لا تسمح بقيام استبداد، ولا تسمح بوجود هيمنة خارجية. هذه هي سيادة الشعب.

وكما قلنا فإن سيادة الشعب هذه ليست في الإدارة السياسية للبلاد فقط، بل هي في الخدمات في المدن والقرى أيضاً، وفي إحياء روح الأعمال الكبيرة في البلاد ـ والتي ترون نماذج لها ومصاديق واقعية لها في تأسيس الحرس الثوري، وفي تأسيس جهاد البناء، وفي تأسيس التعبئة، فجأة تظهر في البلاد حقيقة مثل جهاد البناء وتقوم بكل هذه الأعمال الكبيرة طوال عدة سنين، وكذا الحال بالنسبة لحرس الثورة أو التعبئة، هذا ناجمٌ عن تواجد الشعب ومشاركته ـ في تنمية وترشيد الطاقات الشعبية وظهورها؛ أي الطاقات والإمكانيات الإنسانية في البلاد. وأنتم الشباب لم تشهدوا ولم تروا ذلك الزمان، أمَّا الأقدم منكم فيعلمون أنه كان يفد علينا الأطباء من الفلبين والهند وما شاكل. وليس في القرى والمناطق النائية بل حتى في المدن القريبة جداً كان يأتينا أطباء من الفلبين مثلاً. بلدٌ كان من حيث الطاقات البشرية عاجزاً إلى هذا الحد [نراه اليوم] نهض وتطور إلى درجة أصبح معها في نفس مجال الصحة هذا قطباً جذاباً للعلاج في المنطقة، حيث يأتي [الناس] من أنحاء المنطقة لبلادنا اليوم من أجل معالجة الأمراض الصعبة ويعالَجون في مستشفياتنا على يد أطبائنا. تتفجر المواهب والطاقات الإنسانية، وفجأة تشاهدون أنه في المجالات العلمية الفلانية النادرة في العالم تحتل البلاد المرتبة الرابعة أو الخامسة في العالم بين أكثر من مائتي بلد. هذه هي سيادة الشعب. من تأثيرات سيادة الشعب إحياء المواهب. عندما يدخل الشعب إلى الساحة ويشارك وعندما يحظى بالثقة ويجري الاهتمام به ستكون هذه هي النتيجة. سوف تحيى مشاعر الثقة بالذات الوطنية عند الشعب، وعندها سوف يتقدمون في الميادين العلمية، وفي الميادين الصناعية، وفي العلوم الحديثة، وفي التأثير السياسي في المنطقة، هذا كله ناتج عن تواجد الشعب ومشاركته وتأثيره على أحداث البلاد، وبذلك يكتسب البلد والشعب العظمة.

لاحظوا اليوم مثلاً أنَّ البلد الفلاني التابع لأمريكا ويبيع في اليوم الواحد عشرة ملايين برميل نفط، وتوجد في خزينته الكثير من الأموال، لكن بلدهم فقير ومتخلف، ولا اسم ولا ذكر للشعب في ذلك البلد أبداً. الشيء البارز في ذلك البلد هو عدد من الطواغيت يقفون على رأس الحكم ولا أثر ولا خبر عن شعب ذلك البلد في أي مكان من العالم؛ بأن الشعب الفلاني فعل الشيء الفلاني أو قام بالحركة الفلانية والإنجاز الفلاني. أما عندما تتوفر سيادة الشعب الدينية ـ مثل الجمهورية الإسلامية، مثل بلدنا العزيز ـ ففي النظرة العامة التي يلقيها العالم على إيران يجد أنَّ الشعب بارزٌ وذو دور، لذلك فإنَّ عداء الأعداء موجّه ضد الشعب. الأمريكيون الآن الذين يعادوننا لا يعادون شخصي أنا أو عدة أشخاص من رجال السياسة والحكم، بل يعادون الشعب، فالشعب هو الكلُّ بالكل هنا، وكل ما يغيظهم ويغضبهم هو من أفعال الشعب وعظمة الشعب. أهمية الشعب ترتفع في سيادة الشعب؛ بمعنى أنَّ الشعب يكتسب شخصيته ويكتسب وجهة عامة وعالمية ويحظى بعزة وحرمة، وأيّ من هذه الأمور لم تكن في عهد الطاغوت، إنما توفرت في عهد الجمهورية الإسلامية ببركة الثورة.

حسنٌ، نتيجة سيادة الشعب هي تقدم البلاد، وحالات التقدم استثنائية حقاً. لقد أطلقنا على العقد الرابع من عمر الثورة اسم عقد التقدم والعدالة، وقد حصل التقدم في البلاد بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولا نقول العدالة، فنحن في مجال العدالة متأخرون، وهذا مما لا شكَّ فيه، ونحن نعترف ونقرّ بذلك. خلال عقد التقدم والعدالة كان ينبغي أن نحقق نجاحاً في مجال التقدم وفي مجال العدالة أيضاً. في مجال التقدم كنا موفقين بالمعنى الحقيقي للكلمة، فقد تقدمنا حقاً وقد تحقق التقدم في كل المجالات، ولكن في مجال العدالة يجب أن نسعى ونعمل ويجب أن نعتذر إلى الله تعالى وإلى الشعب العزيز. لدينا مشكلة في خصوص العدالة، وسوف نتقدم على هذا الصعيد أيضاً إن شاء الله بهمم الرجال والنساء الكفوئين المؤمنين. ولكن في مجال التقدم المادي أنجزت والحق يُقال أعمال كثيرة جداً ومهمة جداً.

ليس التقدم أن يأتي الأجانب فيأخذوا أموال بلد ما ويبنوا له برجاً وناطحة سحاب، بل التقدم أن يستطيع بلدٌ وشعبٌ بقدراته وإرادته وقراره وعلمه وطاقاته أن يصل بنفسه إلى الخطوط الأمامية.

ليس التقدم أن يأتي الأجانب فيأخذوا أموال بلد ويبنوا له برجاً وناطحة سحاب. ليس هذا هو التقدم. البعض ينظرون إلى بعض هذه البلدان المحيطة بنا وثروتهم من النفط، ويرون أنَّ المطار هناك كذا والبرج الفلاني كذا، لا، ليس هذا تقدماً. أن يأتي الأجانب ويأخذوا أموال بلد ويهينوا شعب ذلك البلد ويبنون لهم برجاً فهذا ليس بتقدم بل هو تخلف وتراجع وخسارة. إنَّ أعلى برج في المنطقة اليوم موجودٌ في أضعف وأعجز بلد في المنطقة! ليس هذا تقدماً. التقدم أن يستطيع بلد وشعب بقدراته وإرادته وقراره وعلمه وطاقاته أن يصل بنفسه إلى الخطوط الأمامية. هذا هو التقدم وهو ما تحقق في بلدنا والحمد لله. إننا اليوم قطب الطبابة والعلاج، ونسجل مرتبة علمية عالية في العالم، ولنا رأينا في قضايا المنطقة، ولنا علمنا الرفيع في المجال النووي، وقد حققنا علماً عالياً في مجال النانو، وكسبنا علماً رفيعاً في مضمار تقنيات الأحياء، وسجّلنا مرتبة عالية في ميدان العلوم المتعلقة بالفضاء الافتراضي. هذا هو التقدم. الكثير من شبابنا من شدة مواهبهم ينتظرون حقاً مجرد إشارة للتحليق إلى الذرى. ولدينا نحن المدراء بعض التقصير في هذا المجال، وإلّا لو واكبنا الشباب أكثر قليلاً لحلق الشباب حقاً في المجالات العلمية والتقنية والخدمية والأعمال المتنوعة، كما حلقوا في المجالات المعنوية. لقد تطورنا كثيراً في مجال الأمن وفي مجال الدفاع وفي مجال الزراعة وفي مجال الصحة وفي المجال العلمي وفي مجال الطرق والمواصلات، وتطورنا جيد والحمد لله. لقد كان التقدم جيداً في عقد التقدم والعدالة. وهذا ناجمٌ عن الثورة. طبعاً لأن إعلامنا ضعيف فقد لا يعلم أبناء البلدان الأخرى بهذا، لكنَّ الأعداء يعلمون بالكثير من هذا. وأقولها هنا: إننا أقوياء في الكثير من الأمور لكننا ضعفاء في الإعلام ولدينا قلة عمل وضعف وقلة إبداع في التعبير عما حصل وحدث، ويجب أن نتقدم في هذا المجال. لكن أعداءنا الذين يرصدون كل قضايانا وأمورنا يرون الواقع ويشاهدون تقدم البلاد ويعلمون كم تحرك البلد وسار إلى الأمام.

وعليه، فقد أنجزت الثورة عملاً كبيراً في البلاد: أخرجت البلاد من حالة البؤس وخلَّصت الشعب من حالة الإذلال والمهانة، فشعبنا اليوم شامخ وهذا هو أهم مكسب لبلد ولشعب من الشعوب. والأمثلة من هذا القبيل كثيرة طبعاً، فهناك لائحة طويلة ولكن كما قلتُ لكم إعلامنا ضعيف. أوصي المسؤولين أن يبادروا، لا بلغة المبالغة ولا بالتقارير اللسانية [التقارير الشفهية] فقط بل بصورة عملية وبصورة فنية، إلى تقديم تقارير صحيحة حول أنواع وصنوف التقدم في البلاد، حتى يتنبه بعض الأفراد المشككين والغافلين ـ والبعض طبعاً ليسوا غافلين بل ينالون ويشككون عن عمد ـ ولكي يعلم الناس في أماكن أخرى ما الذي صنعته الثورة. هذا فيما يتعلق بقضية الثورة.

وحول الآفات التي تهدد الثورة ولأن الوقت أدركنا ونحن نقترب من الظهر أقول شيئاً قصيراً. من أهم آفات كل الثورات هو الرجعية. ما معنى الرجعية؟ معناها أن تضعف وتتراخى هذه الحركة التي بدأتها الثورة وكان الشعب يسير فيها بطاقة ثورية وبسرعة، أن تتراخى في بعض المواضع ثم تتوقف ثم تعود أدراجها إلى الوراء، هذه هي الرجعية، الرجعية معناها العودة إلى الوراء. كل الثورات الكبرى في التاريخ التي نعرفها ـ كالثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورات التي وقعت في البلدان الإفريقية وبلدان أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى ـ ابتليت تقريباً من دون استثناء بهذه البلية في السنين الأولى من عمرها، أما أن تمضي أربعون سنة ولا يمس شعارات الثورة أي تغيير فهذا ما لا يوجد في أيٍّ من هذه الثورات. لقد استطعنا الحفاظ على هذه الشعارات. ولكن هناك خطر، ومن واجبي أن أذكر الخطر لشعبنا العزيز. إذا سرنا نحو الحالة الارستقراطية فهذه مسيرة باتجاه الرجعية، وإذا اعتمدنا على الطبقات المرفهة والجشعة في البلاد بدل الاهتمام بالطبقة الضعيفة فستكون هذه حركة نحو الرجعية. وإذا اعتمدنا على الأجانب بدل الاعتماد على الشعب وعقدنا الأمل على الأجانب فستكون هذه مسيرة رجعية، وهذا ما لا يجب أن يحدث. على النخبة في المجتمع أن يتيقظوا ويتفطنوا وكذلك مدراء المجتمع. على مدراء البلاد أن يراقبوا ويحذروا بشدة وعلى الشعب أن ينظر ويتابعوا سلوكنا وسلوك المدراء بحساسية، بحساسية. الرجعية شيء خطير. إذا حدثت الرجعية فمعنى ذلك أن أولئك الأفراد الثوريين السابقين لا زالوا على رأس الحكم والأمور لكنهم غيّروا خطهم واتجاههم وغيّروا الدرب، وكأن الثورة حصلت ليذهب أولئك ونأتي نحن مكانهم. لم تحدث الثورة لأجل هذا. الثورة تغيير في المسار والطريق، الثورة تعني أخذ أهداف سامية بنظر الاعتبار والتحرك والسير نحوها، فإذا نسينا هذه الأهداف فلن تعود الثورة ثورة.

إذا اعتمدنا على الأجانب بدل الاعتماد على الشعب وعقدنا الأمل على الأجانب فستكون هذه مسيرة رجعية، وهذا ما لا يجب أن يحدث.

يتصور البعض أن الثورة كانت سنة 57 [1979 م] فقط وانتهت. هذا خطأ. بدأت الثورة سنة 57 ولم تنته. كانت بداية التغيير وبداية الحركة الإصلاحية في المجتمع في سنة 57 ، وقعت في الثاني والعشرين من بهمن [11 شباط] وبدأت من هناك، وينبغي أن تتعمق هذه الحركة وتتسع وتنمو وتزداد عقلانية بشكل تدريجي، لا أن تتوقف. لا يكون الأمر بحيث لو قلنا إن فلاناً ثوري فينطبع عنه انطباع سلبي في الأذهان، أو إذا قلنا إن فلاناً ثوري فيعني ذلك أنه إنسان غير مفكر أو اعتباطي، لا، ليس الأمر كذلك. نعم، نظام إدارة البلد محترم، ودستور البلاد محترم، يجب مراعاة كل مواد الدستور، فالثورة صبت في هذا القالب، لذلك ينبغي احترام هذا القالب، فهذا شيء لازم.

وأنْ نتصور أنَّ الثورة لها معناها من دون النظام فهذا خطأ آخر، وفي الجهة المقابلة أنْ يتصور البعض أن الإنسان يجب أن يتبنى مقابل كل شيء ومقابل كل الأحداث ومقابل كل مفاصل النظام الإسلامي أسلوب الاعتراض والنقد وما شاكل باسم الثورة، لا، هذا غير صحيح. الثورة معناها النظام الثوري. هذا النظام الإسلامي هو نظام الأمة والإمامة نفسه، ويجب أن يكون نظام سيادة الشعب الدينية بأهداف الثورة وبحركة ثورية وباتجاه ثوري، هذا ما يجب أن يكون ويحدث. حسنٌ، لحسن الحظ ليس الأفراد الثوريون لدينا قلة فالثورة بين أبناء الشعب في حكم العملة الرائجة، وبين المسؤولين أيضاً ليسوا قلائل الأشخاص المنحازون للثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة. يجب المحافظة على هذه الدقة.

في إحدى زياراتي لأحد البلدان الإفريقية في زمن رئاسة الجمهورية، وكانت قد مضت عدة سنوات على انتصار الثورة في ذلك البلد ـ سبع أو ثمان سنوات ـ وكان رئيس الحكومة في ذلك البلد رجلاً زنجياً هو قائد الثورة ورئيسها وهو الآن رئيس الحكومة. وجدت أنَّ رئيس البلاد الذي نحن في ضيافته كان سلوكه في بلاده يشبه سلوك ذلك الجنرال البرتغالي الذي كان يحكم هذا البلد قبل الثورة، السلوك نفس السلوك. ظاهر هذا البلد هو أنه كان في السابق تحت الاستعمار الإسباني أو البرتغالي، وطبعاً كان هناك سياسي عسكري برتغالي حكم هذا البلد لسنين، والآن فإن سلوك هذا السيد الذي هو رئيس الثورة هو سلوكٌ شبيهٌ بسلوك ذلك الجنرال! حسنٌ، أية ثورة هذه؟ هكذا كانت نظرته للناس ونظرته لمن حوله وتعامله مع الآخرين. الجمهورية الإسلامية بعيدة عن هذه الحالة، وقد كانت بعيدة عنها لحد الآن والحمد لله، وستكون بعيدة عنها بعد الآن أيضاً. ارستقراطية المسؤولين وسعيهم وراء الامتيازات وعدم اكتراثهم لبيت المال وعدم اهتمامهم للطبقة المستضعفة، هذه حركات مضادة للثورة. كل مؤسسات النظام وإداراته يجب أن تتحرك وتسير آخذة بعين الاعتبار أهداف الثورة.

حسنٌ، من المسائل المهمة المطروحة اليوم هي المسألة الاقتصادية. لأتكلم عن هذا أيضاً هنا. ربما يعتقد كل المسؤولين والمطلعين والعارفين وأبناء الشعب أنَّ قضية اقتصاد البلاد هي اليوم من قضايا البلاد الأصلية. حسنٌ، ما الذي ينبغي فعله لإصلاح اقتصاد البلاد؟ أحد السبل هو الاعتماد على الناس والشعب، أي الاقتصاد المقاوم. هذا ما أعلنا عنه وصدّقه وأيده كل مسؤولي البلاد، أي إنه لم يواجه مخالفة أي شخص، وطبعاً تُسمع أحياناً بعض التبرمات من هنا وهناك، ولكن عندما أعلنت سياسة الاقتصاد المقاوم أيدها كل المسؤولين في البلاد وأكدوا أنَّ هذا هو الطريق ليس إلّا. ليس معنى الاقتصاد المقاوم الاحتباس والسجن في داخل البلاد، فلا يقولوا «نحن نريد التواصل والارتباط مع العالم»! في الاقتصاد المقاوم هناك ارتباط بالعالم. ولكن يقال إن الثقة والاعتماد يجب أن يكون على الشعب؛ أي الاقتصاد المتدفق داخلياً والمتجه خارجياً. تدفق الحركة الاقتصادية من داخل البلاد ومن مواهب الشعب وطاقاته وإمكانياته وأرصدته. ليكن هناك تدبير يجعل هذه الأرصدة وهذه المواهب وهذه الإمكانيات تنشط وتعمل وتنتج في الداخل وتنتج الثروة في الداخل. هذا بحاجة إلى تدبير. لا تكن نظرتنا إلى الخارج. طبعاً إذا أردنا للاقتصاد الداخلي الازدهار فيجب أن تكون لنا صادراتنا الجيدة، وأن تكون لنا وارداتنا في حالات معينة، أي يجب أن تكون لنا علاقاتنا وصلاتنا الاقتصادية. هذا مما لا شكَّ فيه. يجب أن تكون هناك استثمارات للأجانب في الداخل، إنني لا أعارض أن يأتي الأجانب ويستثمروا، لكن تدبير الأمور وزمام الأمور يجب أن يكون بيد المدراء الداخليين، فهم من يجب أن يقرروا وهم من يجب أن يديروا، فلا تترك الأمور بيد الأجانب. إذا تُركت زمام الأمور بيد الأجانب فإنها ستخرج من أيدي مدراء البلاد. وقد وقعت أحداث ذات عبرة في هذا المجال.

في طهران هذه جاء رئيس أحد البلدان المعروفة في المنطقة ـ ولا نريد ذكر الأسماء، أحد البلدان الآسيوية المتقدمة نسبياً والتي حققت تقدماً اقتصادياً جيداً وكان لها نموها الاقتصادي ـ جاء إلى هنا قبل حوالي إثني عشر عاماً أو ثلاثة عشر عاماً وكان لي لقائي معه، وكان ذلك الحين زمن وقوع زلزال اقتصادي كبير في بلدان شرق آسيا، وكان هذا الشخص رئيس أحد هذه البلدان. جاء عندي وعندما دخل الغرفة كان من أول كلماته التي قالها «لقد أصبحنا متسولين في ليلة واحدة». عندما يكون الاقتصاد تابعاً لرأس مال وإرادة رأسمالي يهودي وغربي وأمريكي فهكذا سيكون الأمر. بلد ناهض ونشيط اقتصادياً وله نموّه الاقتصادي العالي يقول لي رئيسه إننا أصبحنا متسولين في ليلة واحدة! هذا هو الاعتماد على الخارج. وقد شاهدنا نحن بأنفسنا الاعتماد على الأجانب في قضية الاتفاق النووي. وثقنا بهم في قضية المفاوضات النووية ولم ننتفع شيئاً من ثقتنا بهم. ولحسن الحظ أرى أن مسؤولي البلاد يتعاملون معهم بطريقة جيدة، ويجب أن أشكر حقاً وزير خارجيتنا فتعامله مع خبث الأمريكيين ونفاق الأوربيين كان تعاملاً جيداً جداً وحاسماً، وقد بُثَّ البعض منه والبعض الآخر لم يُبث ولم يُعلن لكننا على علم به. تعامل تعاملاً قوياً وجيداً جداً. نعم، هذا هو الطريق، يجب التصدي ويجب إظهار العزة الوطنية في العلاقات الخارجية. الاعتماد على الأجانب خطير، الاعتماد على الأجانب يؤدي إلى أن يتسلط الأجانب على مصير البلاد تدريجياً بمختلف الطرق. يجب عدم الاعتماد على الأجانب. يجب الانتفاع من الأجانب ولكن ينبغي عدم الاعتماد عليهم، ينبغي عدم الاعتماد عليهم. هذه من جملة القضايا المهمة جداً التي ينبغي على كل مسؤولي البلاد التنبه إليها بشكل حقيقي.

الاعتماد على الأجانب خطير، الاعتماد على الأجانب يؤدي إلى أن يتسلط الأجانب على مصير البلاد تدريجياً بمختلف الطرق.

حسنٌ، نحن الآن على أعتاب الذكرى الأربعين للثورة. ليست أربعون عاماً بالزمن الكثير، ليست أربعون عاماً بالشيء الكثير في تاريخ شعب من الشعوب، بل هي شيءٌ قليل. وقد بذل شعبنا خلال هذه الأعوام الأربعين الكثير من الجهد وسار في طريق وعر حقاً. وقد فُرض علينا الحظر منذ السنة الأولى ومنذ اليوم الأول تقريباً، واستمرت هذه الأنواع من الحظر بأشكال مختلفة وزادت. كل ما حدث وكل هذا التقدم والتطور حدث خلال فترة الحظر وفي ظروف الحظر. بمعنى أننا كنا في حالة حظر وأنجزنا هذا التقدم، وفي هذا دليل على قدرة الثورة وقدرة الشعب الإيراني.

لدينا أولويات: يجب أن نُرجح الإدارة الجهادية على النزعة المكتبية البيروقراطية المهترئة. هذه من أولوياتنا. الإصرار على الإدارة الجهادية. ليتابع مسؤولو البلاد في السلطة التنفيذية وفي السلطة القضائية وفي مختلف القطاعات الإدارة الجهادية وليعملوا بها. وليس معنى الإدارة الجهادية عدم الانضباط، بل معناها العمل الحثيث الدؤوب والسير بتدبير وعدم التمييز بين ليل ونهار في العمل ومتابعة العمل والأمور. هذا هو معنى الإدارة الجهادية.

في مجال السياسة الداخلية ينبغي ترجيح عموم الناس على الأقليات الحزبية والمجاميع الفئوية وما إلى ذلك. عموم الناس والشعب مقدمون على الكل.

في مضمار الخدمات يجب أن نُرجح المستضعفين والمناطق المظلومة والمناطق البعيدة على المرفهين. لحسن الحظ طوال هذه الأعوام جرى الاهتمام بالكثير من المناطق التي لم يمر بها الإعمار أبداً، جرى الاهتمام بها من قبل الأجهزة المسؤولة وحتى الأجهزة التي لا تتولى مسؤوليات بشكل مباشر. لنفترض مثلاً الحرس الثوري قدّم خدمات وأعمالاً كبيرة في سيستان وبلوشستان. مع أن مهام الحرس الثوري ليست تقديم خدمات لكن الخدمات التي يقدمونها للناس في المناطق المحرومة الفلانية ملحوظة حقاً. هذه أعمال موجودة ويجب أن تتابع، وينبغي على كل أجهزة البلاد مراعاة هذه الأولويات.

في السياسات الدفاعية للبلاد يجب متابعة وتحديث كل الأساليب وكل الأدوات والوسائل التي تحتاجها البلاد اليوم وفي المستقبل. يجب أن لا نتردد للحظة واحدة في أن البلاد ينبغي أن تسير نحو توفير ما تحتاجه للدفاع عن نفسها، حتى لو عارض ذلك العالم أجمع. الذين يهددون البشرية باستمرار بمعداتهم النووية والذرية المهلكة للبشرية يجلسون الآن ويلتصقون بصواريخ الجمهورية الإسلامية أنْ «لماذا تصنعون الصواريخ؟» وما شأنكم أنتم؟! إنها وسائلنا الدفاعية وإمكانيات الدفاع عن البلاد، فهذا الشعب يجب أن يستطيع الدفاع عن نفسه. يقولون لا تمتلكوا وسائل دفاعية لنفرض عليكم بالقوة كل ما نريد! طبعاً نحن أنفسنا نعتبر بعض الأشياء محرمة ولا نسعى لها ـ مثل الوسائل النووية ووسائل الدمار الشامل، هذه لا نسعى وراءها ـ لكننا لا نتريث ولا نتردد فيما نحتاجه.

نحن أنفسنا نعتبر بعض الأشياء محرمة ولا نسعى لها ـ مثل الوسائل النووية ووسائل الدمار الشامل، هذه لا نسعى وراءها ـ لكننا لا نتريث ولا نتردد فيما نحتاجه للدفاع عن بلادنا.

في السياسة الخارجية ترجيح الشرق على الغرب وترجيح الجار على البعيد وترجيح الشعوب والبلاد التي لها أوجه اشتراك معنا على غيرهم، هذه من أولوياتنا في الوقت الحاضر.

قضية فُرص العمل هي القضية الأهم في الاقتصاد، وقضية الإنتاج فوق كل القضايا. أعلنت هذه السنة بأنها سنة «الإنتاج وفرص العمل»، فيجب السعي والعمل في هذا المجال، وعلى كل مسؤولي البلاد أن يجدوا ويجتهدوا ويسعوا في هذا الميدان. وبالطبع فقد أنجزت أعمال في هذه السنة ورفعوا تقارير وإحصائيات لكن الشيء المقصود هو أنه لا بد من سعي أكثر. يجب أن نفعل ما من شأنه رفع معدلات فرص العمل في البلاد ورفع الإنتاج الداخلي في البلاد. هذا هو علاج الاقتصاد في البلاد.

وأريد أن أقول شيئاً لمستقبل البلاد، اعلموا أولاً أنَّ على الشباب أن يعدوا أنفسهم من الناحية العلمية ومن الناحية العقائدية ومن حيث الدوافع الثورية يجب أن يكون الشباب مستعدين دوماً. فالشباب هم المحرك لتقدم الثورة. وقد كان هذا هو الحال منذ البداية ولا زال الوضع سارياً على نفس الحالة. ولحسن الحظ فإن لدينا اليوم من الشباب ذوي العزيمة والهمّة والبصيرة أكثر مما كان لنا في بداية الثورة. لا بمقدار بداية الثورة، لا، بصيرة شباب اليوم وعمق معرفتهم أكبر مما كان لدى الكثير من الشباب في بداية الثورة، وليس لدينا أي نقص في هذا المجال. هذا موجود والحمد لله. يجب على الشباب أن يعدوا أنفسهم. هؤلاء الأحداث والناشئة الذين يسيرون صوب مرحلة الشباب يجب أن يعدوا أنفسهم. الأفكار الثورية والدوافع الثورية والبصيرة الثورية والأعمال والخطوات الثورية من العناوين الرئيسية التي ينبغي على شبابنا أن يتذكروها.

وليعلم الجميع أن الجمهورية الإسلامية قوية، الجمهورية الإسلامية قوية جداً. والدليل على قوة الجمهورية الإسلامية هو أن كل الحكومات المستكبرة الخبيثة في العالم أرادت طوال أربعين سنة القضاء على الجمهورية الإسلامية ولم تستطع ارتكاب أية حماقة. الدليل على اقتدار الجمهورية الإسلامية هو بقاؤها هذا طوال هذه العقود الأربعة، وفي هذه الأجواء غير الملائمة وفي هذه الوضعية غير المواتية، وعلى الرغم من هذه الحالات الكبيرة من العداء، فإن الجمهورية الإسلامية حية. إذن، هذا دليل على أن هذه الغرسة تحولت اليوم إلى شجرة قوية كبيرة ضخمة لا يستطيعون زحزحتها من مكانها. هذا البناء بناء رفيع ومتين جداً، وسوف نزداد قوة، اعلموا ذلك. الجمهورية الإسلامية سوف تزداد قوة. نعلم بالتهديدات ونسمع الكلام والكلام الذي يقولونه علنياً نسمعه، مضافاً إلى أن الكلام الذي يقولونه أحياناً بشكل خفي في أوساطهم يصل أسماعنا في بعض الأحيان، نعلم أية مؤامرات يدبرونها ضدنا، ولكن رغم كل هذا أكرر كلام الإمام الخميني أن «أمريكا لا تستطيع ارتكاب أية حماقة» (7). فرحنا كثيراً للقائكم أيها الأعزاء، ولكل أهلنا الأعزاء في تبريز «منّن ده سلام يتيرين» (8).

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد علي آل هاشم (ممثل الولي الفقيه في محافظة آذربيجان الشرقية وإمام جمعة مدينة تبريز) كلمة بالمناسبة.

2 ـ إشارة إلى تراتيل وأشعار جماعية في مدح أهل البيت (ع) قدمها الحاضرون قبل كلمة الإمام الخامنئي.

3 ـ أمالي الصدوق، ص 125.

4 ـ الكافي، ج 1، ص 459.

5 ـ شعار رفعه الحضور باللغة الآذرية و يعني: راية الثورة الطاهرة مأمننا منذ أربعين عاماً.

6 ـ سورة النساء، شطر من الآية 76.

7 ـ صحيفة الإمام الخميني، ج 10، ص 515.

8 ـ عبارة باللغة الآذرية تعني: أبلغوا سلامي.