كتب ناصر علي
ليست للذّكرى فَحسْب ،بل إنّها الحقّ الّذي سيُستَرجَع بالإرادة و العزم ،فلسطين حيّةٌ في ضمير طلّاب الحقّ و العدل ، فالحقّ لا يموت مهما طال الزّمن ، و الغاصب مدحورٌ لا محالة. فلسطين أبيّة ، و شرفُها يأبى أن تبقى مستباحةً في أيدي كَفَرةٍ زعموا السّلام و ليس في قاموسهم إلّا الدّم ،فأيُّ سلام ؟
إنّهم لا يمنحون السّلام بل يريدون من الشعوب الإستسلام ، طاعةً و تذلّلاً لأوامرهم ، فالجراثيم و مهما تبدّل شكلها الخارجيّ لِيوحي باللّطافة و الأمان فإنّها تبقى مصدراً للفساد و الإفساد ،هكذا هو كيانهم الغاصب ،حقدٌ و أنانيّة واستكبار ،حتّى أضحت قلوبهم بقسوةِ الحجارة بل أكثر .
فكيف السّبيل إلى السلام المزعوم بعد كلّ ما أظهروه من همجيّةٍ و وحشيّةٍ .
إنّ كلّ غاصبٍ مستكبرٍ لا يمكن أن يكون مُسالماً إلّا أن يُعيد الحقَّ إلى أهله و يُخرِج أنانيّته من ذاته ، فالتّعايش مع الذلّ و القبول بالخنوع ، ليس من جبلّة البشر و لا من الطّبيعة الإنسانيّة ، لأنّ بهذا ظلماً للنّفس و ظلماً لكلّ البشر ،هذه هي الحريّة ،عندما نتحرّر من الظّلم و يكون كلّ إنسانٍ ،إنطلاقاً من قدراته و موقعيّته ،مساهماً في تعزيز الأمن و العدل و السّلام و الرّقيّ في المجتمع .
إسرائيل اليوم و من خلفها الدّعم الأمريكيّ لا يريدون لا أمناً و لا سلاماً، بل مستعمراتٍ تابعةً لنفوذهم ، هذه حريّتهم الّتي يتغنَّون بها ، و هذه هي الدّيمقراطيّة الّتي يريدون لمفاهيمها الجهنّميّة أن ترسخ في عقول الشّعوب المستضعفة ،لِتبقى لهم ريادة التّطوّر و مقامات الإجلال و العظمة دون أيّ أحد ، كما فرعون الّذي استعلى و استكبر ، فكان للتّاريخ حقّه ، بأن يروي قصّةَ غَرَقِه مع كلّ جبروته .
هذه هي حقيقة هذا الكيان ،كالغدّة السرطانيّة ،لا يمكن أن يكون معه سلام، شعب فلسطين، شعب الحياة و شعب القوّة و الصّمود و رغم كلّ الحصار، لم يستسلم هذا الشّعب، ولم يَستَنسِخ فِكرَهم عن السّلام كما كثيرٌ من دول العالم العربيّ ،للأسف، حيث شَرَوا أنفسهم بالأدنى، و هم يملكون كلّ الوسائل الماديّة الّتي تكفيهم لسحق اسرائيل، إلّا أنّهم يفتقدون الشّجاعة و الجرأة و الإيمان بالذّات و بالقضيّة، انجرّوا و انخدعوا بظاهر القوّة الصّهيوأمريكيّة و جَبُنَت النّفوس، فلم تعُد تنفع كلّ تلك القدرات ، في حين أنّ حركات المقاومة الّتي لا تملك من القوّة ربع ما يملكونه، استطاعت أن تَخلُق توازناً للرّعب و الآتي أعظم .
"" إنّ فلسطين للفلسطينييّن و الإستمرار في احتلالها ظلمٌ كبيرٌ لا يُطاق، و خطرٌ أساسيٌّ على السّلام و الأمن العالمييّن "". *
لقد أشعلت أمريكا الفتن هنا و هناك ،و قلّما نجِدُ بل ربّما لا نجد دولةً قد سَلِمَت من شرارة استكبارها، فبات الشّتات و الإنشغال بأزمات الدّاخل ينأى بكلّ دولةٍ عن محيطها و ما يُخطَّط لمستقبل المنطقة ككلّ، حتّى ينسى العرب فلسطين و حقّ العودة، بل و أيضاً كي يمنحوا بأنفسهم صكّ البراءة للكيان الغاصب و يقرّوا بشرعيّته بدل إدانته و محاربته .
أينما وُجِدَ الإباء كانت مقاومة، و أينما وُجِدَت مقاومةٌ حلّ النّصر و العزّة، لَرُبّما ملايين النّفط تلك لا تكفي حتّى لشراء الإباء لهؤلاء المتخاذلين و أشباههم .
لن تعود فلسطين إلّا بالمقاومة، و المقاومة دِرعُ فخرٍ لا يليق إلّا بالّذي يحمل في قلبه التوكّل و العزيمة، هذا الدّرع لا يليق بجبانٍ حريصٍ على شهواته و ذلّ العيش مع أقرانه ، و لا يليق بمرتزقةٍ باعوا الإنسانيّة برشوة الجاه و المال حتّى بات لديهم قلمٌ يخطّون به لوائحهم للإرهاب بدل رسائل الشّكر و الإمتنان للدّم و التّضحيات الّتي تُبذَل في سبيل الحقّ و دفع الظّلم .
لكلّ الدّاعمين لهذا الكيان ،نصيحةٌ خيّرةٌ،احفظوا ماء وجهكم ،و أموال شعوبكم الّتي أتُمِنتُم عليها ،و أوقفوا هذا الدّعم المُرْهِق و المستنزِف لثرواتكم ،حتّى لا تقعوا في مستنقع هذا الكيان الّذي لا نجاة فيه .
فلسطين ليست لُقطَةً يتبارز الطّامعون في نيلها ، إنّما فلسطين هويّةٌ مقدّسةٌ حقّها العودة إلى مالكيها، فَشَرفُ القدس يأبى أن تتحرّر إلّا على أيدي المؤمنين .
*ملاحظة: من كلمة الإمام الخامنئي في مراسم افتتاح قمّة دول عدم الإنحياز بتاريخ :٣٠-٨-٢.١٢