بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الساعة الآن العاشرة إلا عشرين دقيقة، أي إن الوقت تجاوز بعض الشيء حتى المدة المقررة وهي مدة طويلة نسبياً، ودعك عني لكن بعضكم ربما أصابه التعب ولا يمكن أن نؤخركم كثيراً (2). نعم، توجد ذكريات طبعاً، ليست ذكرياتي ذات أهمية كبيرة والمهم هو ذكرياتكم أنتم المقاتلين، فهي القيِّمة حقاً وقد سجَّلت بهذه المناسبة جملة من النقاط لأقولها لكم. وإذا تبقى بعدها شيء من الطاقة ربما سردت ذكرى من الذكريات. 
أولاً يجب أن أتقدم بالشكر للذين رفعوا هذه الراية. أتقدم بالشكر حقاً وبشكل صميمي ومن أعماق القلب للذين أبقوا أمسيات الذكريات ونهج كتابة الذكريات ونهج سرد الذكريات وتيار إحياء أحداث الدفاع المقدس تياراً حيَّاً. أتقدم [لهم] بالشكر حقاً فعملهم عمل كبير جداً. هذه النقطة التي أشار لها السيد سرهنكي (3) نقطة صحيحة تماماً، فهذا نوعٌ من حراسة الحدود وحمايتها على قدر كبير من الأهمية. 
حسنٌ، كم لدينا من الذكريات الآن؟ وكم لدينا من القصص؟ لقد كان لدينا مئات الآلاف من المقاتلين، ولكل واحدٍ منهم مجموعة من الذكريات. ولكل واحد منهم أصدقاء وأصحاب وعائلة وأب وأم وزوجة وما إلى ذلك، ولكل واحد من هؤلاء صندوق من الذكريات والخواطر عن هذا المُقاتل. للأسف بعض هذه الصناديق دُفنت تحت الأرض طوال هذه الثلاثين أو أكثر من ثلاثين سنة من دون أن تُفتح وخسرناها، للأسف، للأسف. الذين يخطر ببالهم ـ يخطر ببالهم اليوم أو خطر ببالهم أمس ـ أن يكتبوا ذكرياتهم، أو خطر ببال أناس أن يذهبوا ويستمدوا ذكريات الآباء والأمهات والزوجات، هؤلاء يعملون في الحقيقة على الحيلولة دون تلف أشياء مهمة جداً والحيلولة دون وقوع خسارة كبيرة فيمنعون وقوعها. إنهم يُحيون هذه الكنوز الثمينة، هذه الكنوز التي لا تعوض. هذه أرصدة الشعب. أناسها أرصدة الشعب، هؤلاء الذين بقوا ـ من معاقين وأسرى أحرار ومقاتلين سابقين وما إلى ذلك ـ وذكرياتهم أيضاً أرصدة للشعب. 

من يعمل على كتابة ذكريات الحرب المفروضة يعمل بالحقيقة على الحيلولة دون تلف أشياء مهمة جداً وإحياء كنوز ثمينة لا تعوض.

حسنٌ، للدفاع المقدس جوانب شتى. جانب من جوانب الدفاع المقدس هو أنه رسم [صوّر] وضع معادلات القوة في عالم سيادة الهيمنة ـ عالم المُهيمن والخاضع للهيمنة ـ هذا هو الدفاع المقدس. لقد استطعتم أنتم وباقي المقاتلين طوال هذه الأعوام الثمانية أن ترسموا صورة للعالم في زمانكم، للعالم المجنون، للعالم المتوحش، للعالم الظالم، للعالم الفاقد للمعنويات، للعالم عديم الإنصاف، استطعتم أن ترسموا هذه الصورة وتسجلوها. كيف رسمتم مثل هذه الصورة بأعمالكم؟ لأنكم واجهتم طرفاً حيث لم يكن بمقدورنا الحصول على الأسلاك الشائكة ـ وهذا ما لديَّ اطلاع عنه وهو الشيء ذاته الذي قالوه وقد كان على هذا النحو [حقاً]ـ كنا نريد الحصول على الأسلاك الشائكة، فضلاً عن أن ذلك البائع لم يكن يبيعها فقد كان البلد الذي ينبغي أن تمرَّ تلك الأسلاك الشائكة عبر أراضيه لم يكن يتعاون معنا، ولم يكن يسمح بذلك. كنا نحن في طرف، وكان الطرف الآخر يمتلك أحدث العتاد الحربي في ذلك الزمن وبكميات كبيرة. فرقة الأهواز 92 كان لديها أقل من عشرين دبابة! أي في الواقع سُبع أو ثُمن الجاهزية الخاصة بالدبابات في حين يجب على الفوج أن يمتلك أكثر من أربعين دبابة. تلك الفرقة التي شاهدناها أي ذلك اللواء الذي كان مرابطاً في الأهواز كان لديه أقل من عشرين دبابة. الطرف المقابل عندما كانت دبابته تتعرض للإصابة كان يُرسل بلدوزر ينحّي الدبابة المعطوبة جانباً ليفتح الطريق ولم يكن ذلك مهماً بالنسبة له على الإطلاق. كان بإمكانه أن يمتلك كل ما يحلو له من إمكانيات برية وجوية وبحرية و[مختلف] أنواع العتاد بل حتى سُمح له باستخدام الأسلحة الكيميائية. لاحظوا الآن الضجيج الذي يثيره الأوربيون والأمريكيون في العالم بخصوص تهمة [استخدام] السلاح الكيميائي، أي لعبة عديمة الحياء يثيرونها! وفي ذلك اليوم كان مسموحاً لنظام صدام أن يستخدم السلاح الكيميائي ليس في الجبهات فحسب بل حتى في المدن. مدينة سردشت لا تزال تعاني، وأطراف سردشت لا تزال تعاني من تبعات السلاح الكيميائي. لاحظوا، لقد كان هذا هو وضع العالم يومذاك. ما يدلُّ على ما في العالم وكيف هي الاصطفافات والتقسيمات في العالم، وكيف هي معادلات القوة في العالم. هذا ما سجلته الحرب والدفاع المقدس من تضحيات المقاتلين في هذه الأعوام الثمانية. 
فرنسا وألمانيا هاتين وباقي البلدان ـ والآخرون لهم دورهم ـ كانوا يساعدون الطرف الآخر، الاتحاد السوفيتي يومذاك كان يساعده من جانب. بالإضافة إلى ذلك لم نكن في حصار اقتصادي وحسب ولم نكن في حصار سياسي وحسب بل كنا أيضاً في حصار إعلامي خانق؛ أي إنَّ صوتنا لم يكن يصل لأي مكان حقاً، وقد كانت وسائل إعلام العالم في يد الصهاينة وقبضتهم وهؤلاء أعداء لنا؛ لم يكونوا مناصرين لصدام، بل كانوا أعداءً للنظام الإسلامي ويقولون كل ما يستطيعون ضدنا، ولم يكن صوتنا يصل لأيِّ مكان. كان لنا مثل هذا الوضع. 

أثناء الحرب المفروضة لم نكن في حصار اقتصادي وسياسي فحسب بل كنا أيضاً في حصار إعلامي خانق ولم يكن صوتنا يصل لأي مكان حقاً.

حسنٌ، سؤالي هو لماذا لا يعلم الناس في ألمانيا وفرنسا ما الذي فعلته حكوماتهم خلال تلك الأعوام الثمانية مع شعب اسمه الشعب الإيراني؟ لماذا ينبغي عليهم أن لا يعلموا بذلك؟ إنهم لا يعلمون الآن، وهذا تقصيرنا. العالم اليوم لا يرى أمامه هذه الصورة الواضحة الشفافة التي تفضح نظام الهيمنة [هذه الصورة الشفافة] التي صنعناها نحن، لماذا؟ هذا تقصيرنا ويجب أن نسعى على هذا الصعيد. 
يجب أن نقوم بالكثير من الأمور والأشياء حول الدفاع المقدس في أدبياتنا وفي سينمانا وفي مسرحنا وفي تلفازنا وفي صحافتنا وفي فضائنا الافتراضي، وهي أمور لم نقم بها. وأين ما قمنا بها وبشكل ملتزم ولو كان ذلك بمقدار قليل بالمقارنة مع مجموع الأعمال التي ينبغي أن ننجزها، لكنَّ [هذا المقدار القليل] كان مؤثراً. لقد لاقى الفيلم الأخير للسيد حاتمي كيا عن سوريا (4) الترحيب في كلِّ مكانٍ عُرض فيه، فلماذا لا يُعرض في أوروبا؟ ولماذا لا يُعرض في البلدان الآسيوية؟ لماذا لا يعلم الناس في أندونيسيا وماليزيا وباكستان والهند ما الذي حدث في هذه المنطقة ومن هو الطرف الذي واجهناه؟ طبعاً هذا ما يتعلق بالأحداث الأخيرة؛ وأهمية وعُمق وسعة أحداث الدفاع المقدس أكبر من هذا بكثير. 
أحياناً يقومون بعرض الأفلام الإيرانية في المهرجانات الغربية، أفلام من حيث الجودة الحرفية أدنى بكثير من الكثير من الأفلام التي أنتجت وأخرجت حول الدفاع المقدس أو حول الثورة. يعرضونها هناك بكثير من الحفاوة، لكنهم لا يعرضون أيَّ فيلمٍ من أفلام الدفاع المقدس، لماذا؟ من الواضح أنهم يخافون، يخافون من وصول هذه الصورة الكاشفة للحقائق إلى الناس في العالم، فتؤثر في الرأي العام العالمي. يخافون. إذن، فهذا سلاح مؤثر، وهذه إمكانية كبيرة تحت تصرفنا، فلماذا لا نستفيد من هذه الإمكانية؟ 
علينا أن نبادر إلى العمل بأنفسنا، فننتج ونخرج الأفلام حول أبطالنا. لدينا أبطال، [الشهيد] هِمَّت كان بطلاً و[الشهيد] باكري كان بطلاً و[الشهيد] خرازي كان بطلاً، والقادة والرؤساء كانوا أبطالاً، وبعض هؤلاء الأحياء أبطال. ليس الأمر بحيث يُقال إن إخلاص وجهاد هؤلاء الذين بقوا على قيد الحياة أقل من أولئك الذين قضوا نحبهم، لا، لقد أبقاهم الله تعالى ذخراً وحفظهم. لله شأنه مع هؤلاء. الكثيرون منهم على هذا النحو. هذه شخصيات يجب أن تُعرف؛ ينبغي أن يعرف العالم هذه الشخصيات وعظمتها ويعلمها. 
ينبغي أن تنطلق نهضة ترجمة للآثار المكتوبة الجيدة. نهضة ترجمة الآثار الجيدة. ولحُسن الحظ ليس قليلاً ما نمتلكه من الآثار المكتوبة الجيدة. إنني في حدود ما يسمح به وقتي وبمقدار ما يقع في يدي أرغب أن أقرأ هذه الأعمال و[إنني أقوم] بقراءتها. لقد تمَّ إنتاج آثار جيدة جداً، ومن المناسب جداً والحقُّ يقال أن تُترجم هذه الأعمال التي تم إنجازها لحدِّ الآن. لنُطلق نهضة ترجمة، لا ترجمة من الخارج، بل ترجمة للخارج، من أجل عرض ما هو موجود. دعوهم يعلموا ما الذي حدث في آبادان وما الذي حدث في خرمشهر وما الذي حدث في المعارك وما الذي حدث في قرانا وأريافنا. هذه السيرة التي كتبوها لهذه السيدة الكرمانشاهية (5) فرنجيس كتبت لها هامشاً أشرت فيه إلى أننا لم نكن نعلم حقاً ما الأحداث التي وقعت حقاً في قرى المناطق الحربية. 
لقد قلت مراراً إنَّ هذه اللوحة لوحة جميلة لكننا شاهدناها من بعيد، وكلما اقترب المرء من هذه اللوحة سيشاهد تفاصيلها وجمالها أكثر فينبهر [بها] أكثر. لقد كُتبت هذه الأحداث فدعوا الناس في العالم تعلم بها. الترجمة إلى العربية والترجمة إلى الإنكليزية والترجمة إلى الفرنسية والترجمة إلى لغة الأردو والترجمة إلى لغات العالم الحية. دعوا مئات الملايين من الناس يُدركوا ويعلموا ما الذي حدث في هذه المنطقة وما الذي نقوله ومن هو الشعب الإيراني، فهذا ما يُعرِّف الشعب الإيراني. نهضة ترجمة الكتب ونهضة تصدير الأفلام الجيدة، وزارة الإرشاد تتحمل هذه المسؤولية، ورابطة الثقافة والعلاقات تتحمل مسؤولية، والإذاعة والتلفزيون تتحمل مسؤولية، ووزارة الخارجية تتحمل مسؤولية، وكذلك الأجهزة المختلفة. 
إذا لم تتجهوا اليوم نحو جمع وزيادة أرصدة ذكريات الحرب فإنَّ العدو سوف يسلبكم ساحة العمل هذه، وهذا خطر، وأنا أقولها لكم. قصّوا أنتم [أحداث] الحرب أنتم الذين كنتم في [تلك] الحرب. فإذا لم تقصّوا أنتم [أحداث هذه] الحرب فسوف يقصُّها عدوكم كيفما يحلوا له. وسوف ينتهزون بعض مواطن الضعف ـ وبالطبع يمكن لأيِّ تحرُّكٍ عسكري أو غير عسكري أن تكون له مواطن ضعفه بالتأكيد وهم ينتهزونها ـ ويصنعون ما يصنعون حسب رغباتهم. يجب أن نشعر بدرجة عالية من المسؤولية في هذا المجال، ونعمل كثيراً. 
عند رواية [أحداث] الدفاع المقدس وسردها ينبغي أن تُعبِّر روح وعظمة رسالة الدفاع المقدس عن نفسها. لهذا الدفاع المقدس على الإجمال روح ولغة ورسالة واحدة. ينبغي لهذه الرسالة أن تنعكس. تلك الرسالة والروح هي روح الإيمان وروح الإيثار وروح العشق، وروح الجهاد، ورسالة عدم انهزام شعب هبَّ ناشئته مثل شبابه ومثل رجاله ومثل شيوخه بكل شوق وحماس إلى ساحات القتال وحاربوا. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. في الوقت الذي يُطفئ الشباب العادي في العالم المادي هياجهم بأشكال أخرى يذهب شبابنا ذوو السادسة عشرة أو السابعة عشرة إلى ساحات الحرب ويستجيبون لهياج الشباب هذا بالجهاد في سبيل الله. هذه حالة على جانب كبير من الأهمية وهي حالة قيمة للغاية. 

للدفاع المقدس على الإجمال روح ولغة ورسالة واحدة؛ تلك الرسالة والروح هي روح الإيمان والإيثار والعشق والجهاد في سبيل الله.

الحرب طبعاً عملية صعبة وشيء مرير وقد أشار بعض الأعزاء هنا إلى أن الحرب مُرَّة، نعم، ولكنَّ القرآن يستخرج من نفس هذه الأحداث المُرَّة رسالة البهجة والعظمة والحيوية والحراك. لاحظوا أنَّ القتل ومفارقة الدنيا من وجهة نظر جميع الناس في العالم -أي غالبية الناس في العالم- هي فقدان وخسارة ولكن ما الذي يقوله القرآن؟ يقول القرآن: «وَيستَبشِرونَ بِالَّذينَ لَم يلحَقوا بِهِم مِن خَلفِهِم ألّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا‌ هُم يحزَنون» (6). إنه يستخرج من القتل ومن الموت ومن ترك هذه الدنيا ومن الحرمان من الحياة رسالة حيوية، رسالة بهجة، رسالة بشارة؛ «وَيستَبشِرونَ بِالَّذينَ لَم يلحَقوا بِهِم مِن خَلفِهِم ألّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا‌ هُم يحزَنون». 
أعزائي، أخواني الطيبين، أخواتي الطيبات، اعلموا أن رسالة الشهداء إذا وصلت أسماعنا اليوم أيضاً فسوف تزيل الخوف والحزن عنا. الذين يعانون من الخوف والذين يعانون من الحزن لم يتلقوا هذه الرسالة ولم يسمعوها، وإلا لو كنا نسمع صوت الشهداء فسوف يزول خوفنا وحزننا ببركة صوت الشهداء. هذا ما سوف يزيل حزننا وخوفنا ويحقق لنا البهجة والشجاعة والإقدام. 
تابعوا هذه الأعمال بشكل جاد، سواء في قسم الفن والفكر، أو في وزارة الإرشاد، أوفي الأجهزة المختلفة. لاحظت أن بعض الأجهزة في مدن مختلفة قد نزلت إلى ساحة العمل. قرأت في الفترة الأخيرة كتاباً من قزوين وقرأت كتاباً من مشهد وقرأت كتاباً من شاهين شهر للسيد بلوري. بإمكان الناس جميعاً من شباب وأصحاب محفزات ودوافع وعشاق ـ بإمكانهم أن يخوضوا في هذه الساحة بمجالاتها المختلفة ومن أي مكان من هذه البلاد كانوا، وقد خاضوا فعلاً، ضاعِفوا [المقدار الحالي] إلى مئة ضعف. حين نقول مئة ضعف فأنا عادة لست من أهل المبالغة، بالمعنى الحقيقي للكلمة يجب أن يتضاعف ما يتم إنجازه اليوم في مضمار أدب الحرب وأدب الدفاع المقدس والأعمال الفنية الخاصة بالدفاع المقدس والأعمال الأدبية الخاصة بالدفاع المقدس، يجب أن يتضاعف إلى مئة ضعف، وعندها يمكن أن نشعر بالنجاح في هذا المضمار. 
سنستطيع من خلال هذا الطريق إن شاء الله أن نُحبط مخطط الاستكبار الشامل. لقد كان مخطط الاستكبار منذ اليوم الأول في هذا العالم الذي تعاضد فيه كل عبدة المادة في العالم وكل الغرقى في مستنقع المادية والصهاينة والآخرون، تعاضدوا وصنعوا عالماً مادياً محضاً يبتعد يوماً بعد يوم عن المعنويات، لقد حاولوا استئصال غرسة نمت في التربة المعنوية وبثمار تبشر بالمعنويات، حاولوا استئصالها وقلعها، الاستكبار كله. وقد تصوروا في الأيام الأولى أن هذا الأمر [أمر] سهل، وأطلقوا صدّام [حسين] ضدَّ الجمهورية الإسلامية بغية تحقيق هذا الهدف، لكنهم تلقوا صفعة قوية على أفواههم، تلقوا صفعة وتراجعوا، لكنهم لا يزالون يسعون، ونستطيع إحباط هذه المساعي وهذه المخططات بهممنا وبتوكلنا وباعتمادنا على الفضل الإلهي، وقد أحبطناها لحدِّ الآن وسوف نحبطها بعد الآن أيضاً إن شاء الله. ومن الطُرق إلى ذلك أن تحيوا أنتم قضايا الدفاع المقدس وأحداثه. 
حسنٌ، أصبحت الساعة الآن العاشرة وخمس دقائق. فما نسرد من الذكريات؟ لنسرد ذكرى عن بداية الحرب. عندما اندلعت الحرب، في الساعات الأولى كنت بالقرب من المطار، وكان يجب أن ألقي خطاباً في ذلك المعمل. كنا نجلس في الغرفة بانتظار وقت الخطاب وكان بإمكاننا رؤية المطار من داخل تلك الغرفة عبر النافذة، ولاحظت أنَّ هناك جلبة وضوضاء وفجأة لاحظنا أن الطائرات قد جاءت. لم ندرك في البداية ما الأمر ثم قالوا إنه هجوم وقد قصفوا مطار مهر آباد. ذهبت إلى تلك الجلسة التي كانت قد انعقدت وكان العمال ينتظرون أن أذهب وألقي خطاباً. تحدثت لدقائق بمقدار أربع أو خمس دقائق وقلت إنَّ لديَّ شغلاً ويجب أن أذهب، فقد شنوا هجوماً علينا. 
جئت إلى هيئة الأركان وكان الكلُّ مجتمعين هناك، كان هناك الشهيد رجائي، وكان الشهيد بهشتى وكان هناك السيد بني صدر، الكل كانوا هناك. ذهبنا إلى هناك وانشغلنا في الحديث والحوار حول ما يجب أن نفعله الآن، وقالوا ـ وربما كنت أنا الذي اقترحت ذلك ـ يجب أن نتحدث أولاً مع الجماهير، فالناس لا يعلمون ما يحدث. ولم نكن مُطلعين على أبعاد القضية بدقة وكم مدينة قصفت. كنا نعلم فقط أنهم قصفوا أماكن أخرى ما عدا طهران. اقترحت أن نصدر بياناً، وكانت الساعة الثانية أو الثالثة بعد الظهر وقبل نداء الإمام الخميني (رضوان الله عليه). فقالوا لي اكتب أنت البيان. فذهبت جانباً وكتبت شيئاً وجاءوا من الإذاعة وبثوا ذلك البيان بصوتي ـ ويفترض أنه موجود في أرشيف الإذاعة والتلفزيون ـ كنا هناك لعدة أيام، أربعة أو خمسة أو ستة أيام تقريباً. ولم أكن أذهب إلى البيت غالباً، وقد أذهب أحياناً ساعة أو ساعتين للبيت، لكننا كنا هناك على مدار الساعة. 
كانوا يتصلون هاتفياً باستمرار من دزفول والأهواز وغيرها إلى ذلك المركز ويقولون إن لدينا نقصٌ، نقصٌ في القوات ونقصٌ في العتاد و نقص في الإمكانيات. حينما طُرحت قضية نقص القوات خطر ببالي إنني أستطيع القيام بعمل وهو أن أذهب إلى دزفول وأمكث هناك وأصدر بياناً وأنشره هنا وهناك وأطلب أن يجتمع الشباب. خطر ببالي مثل هذا الشيء. حسنٌ، وكان من اللازم أن أحصل على إذن من الإمام الخميني، ولم يكن بالإمكان أن أذهب من دون إذنه، فتوجهت إلى جماران. واحتملت أن يعارض الإمام الخميني [هذا الأمر] فقد كان [سماحته] بعض الأحيان يتردد حيال هذا النوع من خطواتنا من قبيل السفر وغيره. قلت للمرحوم الحاج السيد أحمد الخميني إنني أريد أن أطرح على الإمام الخميني هذا الشيء وأطلب منه أن يسمح لي بالذهاب إلى الجبهة ـ الذهاب إلى دزفول ـ فساعدني لكي يسمح الإمام الخميني بذلك. ووافق الحاج السيد أحمد وقال لا بأس. دخلنا إلى الغرفة. في داخل الغرفة وجدت عدة أشخاص وكان المرحوم شَمَران جالساً أيضاً. قلت للإمام الخميني بدا لي أنني لو ذهبت للمنطقة الحربية لكان وجودي هناك أكثر تأثيراً من بقائي هنا، فاسمح لي بالذهاب. فقال الإمام الخميني على الفور: نعم، نعم، اذهبوا. أي خلافاً لما كنا نتصوره من عدم موافقة الإمام وجدناه يقول بلا أي تريث نعم نعم اذهبوا. حين قال لي اذهب ـ وقد فرحت كثيراً ـ قال المرحوم شمران: سيدي، إذن اسمح لي أنا أيضاً بالذهاب. فقال له: اذهب أنت أيضاً. ثم التفت إلى المرحوم شمران وقلت له: قُم إذن، ما الذي تنتظره؟ قُم لنذهب. خرجنا وكان الوقت قبل الظهر. 
كنت أريد أن نتحرك في نفس ذلك الوقت لكنه قال لا لننتظر إلى العصر. لأنني كنت لوحدي؛ أي لم أكن أريد أن أذهب مع أحد وكنت أريد أن أسير لوحدي، وكان له [للشهيد شمران] بعض العديد والعدة ـ وحين ذهبنا بعد ذلك وجدت أنه كان لديه قرابة الستين أو سبعين شخصاً ـ جاهزين وكانوا قد تدربوا معه وعملوا وكان يريد أن يأتي بهم معه وكان ينبغي عليه أن يجمعهم. قال لي انتظر حتى العصر، وسنذهب إلى الأهواز بدل دزفول، فالأهواز أفضل من دزفول. قلت لا بأس. وقد كان أكثر منا خبرة فوافقت على كلامه. جئت إلى المنزل وودعت العائلة. وكان لي ستة أو سبعة من الحماية، فقلت لهم أنتم في إجازة لأنني ذاهب إلى ساحة الحرب، فأنتم حولي لكي لا أُقتل وأنا ذاهب إلى ساحة الحرب وليست للحماية من معنى هناك. فبكوا وقالوا هذا غير ممكن وكلام من هذا القبيل. قلت لا، لن آخذكم معي. فقالوا حسناً لن نأتي كحماية بل كمرافقين فنحن أيضاً نروم الذهاب للجبهة فخذونا إلى هناك بهذا العنوان، فقلت لا بأس وجاءوا معنا إلى المنطقة التي ذهبنا لها، وبقوا معنا إلى النهاية. 
تحركنا وقت العصر مع المرحوم شمران وركبنا طائرة سي 130 نحو الأهواز. وكانت الأهواز مظلمة بالمطلق! وقد لاحظت أن بعض الذين كتبوا روايات وكتابات حول المنطقة الحربية ـ وقد شاهدت المنطقة الحربية أي الأهواز عن قرب منذ الأيام الأولى للحرب وكنت هناك لفترة من الوقت ـ لاحظت أن ما كتبوه كان بخلاف الواقع تماماً؛ أي إن هؤلاء الكتاب الروائيين المحترمين غير الثوريين الذين أرادوا كتابة تقارير أو أشياء حول الحرب مثلاً، كان ما كتبوه حول الأهواز بخلاف الواقع، وكذلك ما كتبوه عن بعض المناطق الأخرى. وقد كتب أحدهم عن طهران وكانت كتابته أيضاً بخلاف الواقع؛ أي إنهم لم يريدوا طرح القضية بشكلها الصحيح. ويجب على كُتابنا وروائيينا أن يبادروا ويعملوا ويكتبوا هذه الأشياء. عندما لا نكتب نحن سيكتب الآخرون بشكل آخر. 
على كل حال كانت الأهواز ظلماء، وتوجهنا في الظلام إلى مقر الفرقة 92 وكنا هناك ثم ذهبنا إلى مبنى المحافظة وبقينا هناك. في الليلة الأولى التي وصلنا فيها جمع المرحوم شمران جماعته وقال سنذهب لتنفيذ عمليات، فقلنا أية عمليات؟ قال سنذهب لاصطياد الدبابات. وقد كان لديّ رشاش كلاشينكوف كان لي ـ كان لدي رشاش كلاشينكوف شخصي معي ـ فقلت هل آتي معكم؟ قال نعم، وما الضير في ذلك، تعال أنت أيضاً. فوضعت العمامة والعباءة والجبّة جانباً وأعطونا بدلة عسكرية كبيرة منحوسة فارتديتها وذهبتُ معهم ليلاً، والحال أنني لم أتدرب عسكرياً ولم يكن لديّ سلاحٌ مناسب، فلا أحد يذهب لاصطياد الدبابات بالكلاشنكوف. وبالطبع لم يكن لديهم هم أيضاً أر بي جي وما شاكل، فهم أيضاً كانوا يحملون هذا النوع من الأسلحة [بنادق كلاشينكوف]. ذهبنا ولم نصطد دبابات وعدنا! (7). 
والسّلام عليكم ورحمة ‌الله وبركاته. 

الهوامش:
1-    في بداية هذا اللقاء سرد عدد من الحضور ذكرياتهم وآرائهم حول ملحمة الدفاع المقدس. 
2-    طلب بعض الحضور أن يسرد الإمام الخامنئي ذكرياته عن أيام الدفاع المقدس.
3-    مدير مكتب آداب وفنون المقاومة في مركز الفن والفكر بمنظمة الإعلام الإسلامي. 
4-    فيلم «بتوقيت الشَّام». 
5-    «فرنجيس» مذكرات السيدة فرنجيس حيدر بور، بقلم مهناز فتاحي. 
6-    سورة آل عمران، شطر من الآية 170.
7-    ضحك الإمام الخامنئي والحضور.