واستهلّ قائد الثورة الإسلامية كلمته بالتوجّه إلى الاجتماع الذي ضمّ آلاف الشباب التعبويّين قائلاً: هذا الاجتماع العظيم وهذه الجموع الشبابيّة والتعبويّة المفعمة بالحماس تُذكّر بالاجتماع الذي اقیم في نفس هذه الساحة وهذا الملعب في الثمانينيات من القرن الماضي حيث أنّ أولئك الشباب انطلقوا وحقّقوا النّصر وسوف تحقّقون أنتم أيضاً النّصر الكامل إن شاء الله في المجالات التي تنتظركم.
وحول الظروف الحساسة التي تحيط بإيران والمنطقة قال الإمام الخامنئي: هذه الجلسة الكبيرة انعقدت في ظروف بالغة الحساسيّة. ظروف البلاد وظروف المنطقة والعالم ظروف حسّاسة؛ خاصّة بالنّسبة إلينا نحن الشّعب الإيراني. مردّ حساسيّتها هو عربدة قادة الاستكبار وسياسات أمريكا المستعمرة للعالم من جهة ومن جهة أخرى استعراض الشباب المؤمنون قوّتهم والانتصارات المتتالية في مختلف الساحات ومن جهة أخرى أيضاً مشاكل البلاد الاقتصادية والضائقة المعيشية التي يعاني منها جزء كبير من مستضعفي البلاد ومن جهة تحسس النخب في البلاد وإقدامهم على بذل الجهود حيث أنّ هذه الظروف زادت من حساسيّتهم ودفعتهم لبذل الجهود الفكرية والعمليّة.
وتابع قائد الثورة الإسلامية قائلاً: لقد خرجت البلاد اليوم من الخمول والتقاعس بسبب وجود المشاكل والعديد من الذين كانوا يكتفون بالمشاهدة يشعرون اليوم بالمسؤولية على عاتقهم وينهمكون ببذل المساعي والجهود.
وقال الإمام الخامنئي: زبدة الكلام في كلمتي اليوم هي عظمة إيران أولاً، وصلابة الجمهورية الإسلامية ثانياً وثالثاً استعصاء إلحاق الهزيمة بالشعب الإيراني.
وأكّد سماحته على أنّ هذه الأمور ليست تبجّحاً وليست مجرّد شعارات وكلاما فارغاً كالّذي يطلقه البعض وتابع قائلاً: هذه حقائق يتمنّى أعداء الشعب الإيراني أن لا نعلمها وأن نغفل عنها ونظنّ بأنفسنا وبلادنا ظنوناً أخرى لكنّها أوضح من أن ينكرها أحد.
وشدّد قائد الثورة الإسلامية على أنّ عظمة إيران لا تنحصر بالزمن المعاصر بل هي أمرٌ تاريخي كان على مدى العصور واستشهد سماحته على ذلك قائلاً: لقد تمكّن بلدنا العزيز من الوقوف شامخاً بين الشعوب المسلمة وبين شعوب العالم في برهة من الزّمن في مجالات العلم. والفلسفة، والسياسة، والفنّ والعلوم الإنسانيّة وهذا الأمر مشهود في مرحلتنا والمرحلة التاريخيّة عدا ٢٠٠ سنة قبل انتصار الثّورة الإسلاميّة حيث تمّ سحق عظمة إيران خلال مرحلتي حكم القاجاريين والنظام البهلوي.
وتحدّث الإمام الخامنئي حول قوّة وصلابة الجمهوريّة الإسلاميّة قائلاً: يكفينا عند الحديث عن صلابة الجمهورية الإسلاميّة أنّها أنقذت إيران من الرّضوخ لهيمنة أمريكا وبريطانيا؛ الهيمنة التي كانت قد بدأت في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي وكان الأعداء قساة القلوب والمتكبّرون يمسكون بزمام أمور البلاد. ويكفي استشهاداً على قوّة الجمهورية الإسلاميّة أنّها استطاعت للمرّة الأولى خلال القرن الأخير منع تقسيم البلاد في ظلّ الحرب. لقد استطاع الشعب الإيراني للمرّة الأولى إحباط جبهة واسعة من الأعداء خلال حرب الثمانية أعوام التي فُرضت عليه والحفاظ على سيادة أراضيه.
وحول استعصاء إلحاق الهزيمة بالشعب الإيراني قال قائد الثورة الإسلاميّة:قلت بأنّ الشّعب الإيراني عصيّ على الهزيمة وطبعاً هذا ببركة الإسلام. يمكن مشاهدة استعصاء الهزيمة هذا في انتصار الشعب الإيراني أيام الثورة الإسلاميّة العظيمة، وفي انتصار الشّعب أيّام الحرب المفروضة وصموده على مدى ٤٠ عاماً أمام مؤامرات الأعداء.
وأكّد الإمام الخامنئي: لا تتوهّموا بأنّ الطريق أمامنا طريقٌ مزفّتتة خالية من العقبات؛ لا، طريق التقدّم مشرّع أمامنا لكنّه طريقٌ مليء بالتعرّجات، وهناك بعض العقبات.
وأشار قائد الثورة الإسلاميّة إلى أنّ العدوّ نشطٌ وينبغي طيّ الطريق ومواجهة هذه العقبات لكن لذلك شروطٌ ثلاثة عدّدها سماحته قائلاً: الخطوة الأولى التي تخوّلنا طيّ هذا الطريق هي استشعار وجود العدوّ. ما دام الإنسان لا يعلم بوجود العدوّ أمامه فلن يقدم على إنشاء دفاعات ومتاريس له. ذاك المفكّر المرائي والمنافق والذي يفتّش عن الراحة الذي ينكر أساس عداء أمريكا ولا يدرك أنّه يكتب وصفة الاستسلام أمام أمريكا للشعب والحكومة، إن لم يكن عميلاً للعدوّ، فهو ليس من رجال ميدان تقدّم البلاد على الأقلّ.
وحول الخطوة الثانية قال الإمام الخامنئي: الخطوة الثانية هي الثقة بالنفس والعزم في الثبات. عديمو الروحيّة والاستغلاليّون الذين يستحقرون أنفسهم عاجزون عن القيام بأي إنجاز في هذا الميدان؛ لا يستطيعون إنجاز أي عمل هذا إن لم يشكّلوا عائقاً للآخرين. طبعاً فإنّ شبابنا غير مبتلين بهذه البليّة في كافّة هذه الجهات ولديهم شجاعة وثقة بالنّفس.
وتابع سماحته: الخطوة الثالثة هي معرفة ساحة الهجوم. أين تكمن حربنا مع العدو؟ ينبغي علينا تحديد هذا بشكل صحيح. ينبغي علينا فهم تهديد العدوّ بشكل صحيح. ينبغي عليكم أن تعلموا من أي جهة يشنّ العدوّ هجومه. ينبغي على جميع النّاس أن يمتلكوا فهماً صحيحاً لساحة النضال.
لفت قائد الثورة الإسلامية إلى نقطة هامّة في ساحات الصراع تتمثّل في الفهم الصحيح لحقائق إيران والعالم وأوضح سماحته في هذا المضمار قائلاً: امتلاككم للفهم الصحيح حول مجريات وحقائق البلاد لا يقع في صالح العدو؛ هم يحاولون من خلال تقديم صورة خاطئة حول إيران وأنفسهم والمنطقة حرف الشعب الإيراني والإيهام بأنّهم في موضع القوّة؛ بيدَ أنّهم ليسوا في موضع القوّة. الصورة التي يقدّمونها حول إيران الإسلاميّة خاطئة بشدّة.
وعلّق الإمام الخامنئي على تصريحات أخيرة للرئيس الأمريكي قائلاً: قال الرّئيس الأمريكي مؤخّراً للقادة الأوروبيين أن تريّثوا شهرين أو ثلاث، وستُجتثّ الجمهوريّة الإسلامية من جذورها. حينها تذكّرت تصريحات قبل أربعين عاماً أيضاً لأمريكا وعبيدها كانوا يُبشّرون فيها بأنّها ستُجتثّ من جذورها في غضون ستّة أشهر؛ ها قد مرّت ٤٠ عاماً اليوم، وقد تحوّلت تلك الغرسة الرّقيقة إلى شجرة باسقة. والآن يقوم هذا البائس بتمنية نفسه وأعوانه.
وفي هذا الخصوص اشار سماحته الى المثل العامّي الذي يُستخدم في وصف من يحيك في أحلامه المشاريع والأوهام وتنتهي كلّها بمجرّد أن يفتح عينيه.
وأضاف قائد الثورة الإسلامية: نعم، العدو لم يعرف من تكونون أنتم الشباب والشّعب الإيراني، ولم يعرفوا الثورة والروحيّة الثوريّة والإيمانيّة؛ وهذا التحليل الخاطئ أدّى إلى ضياعهم.
وحول المشاكل الاقتصادية داخل الجمهورية الإسلامية قال قائد الثورة الإسلاميّة: لا شكّ في أنّنا لدينا مشاكل اقتصاديّة؛ لدينا اقتصاد نفطي هو عيبٌ كبيرٌ في حدّ ذاته. كما أنّنا نفتقد إلى ثقافة التوفير؛ وهي ضعيفة جدّاً. الإسراف عيب [أيضاً]. نحن لدينا هذه العيوب لكنّ العيب الحقيقي لا يتلخّص في هذه الأمور. العيب الحقيقي هو الطريق المسدود الذي لا نعاني منه. ليس لدينا طريقٌ مسدود. العيب الحقيقي هو هذا. العيب الحقيقي هو أن يظنّ الشاب داخل البلاد بأن لا سبيل للحل سوى الارتماء في حضن العدو.
وتابع الإمام الخامنئي قائلاً: البعض يحاولون ترسيخ هذا الأمر لدى شبابنا. والعدوّ يسعى لذلك أيضاً. يريد العدوّ أن يجعل الشعب الإيراني يبلغ هذه النتيجة بأنّه يواجه طريقاً مسدوداً، وأن لا سبيل للحل إلّا بالخضوع والاستسلام أمام أمريكا.
وشدّد سماحته: إنّني أعلنها بصراحة أنّ الذين يقومون داخل البلاد بترويج هذا الفكر المرغوب والمحبوب لدى العدوّ يرتكبون خيانة. وهذه خيانة للبلاد. إنّ ترويجنا بناء على رغبة العدو أن لا سبيل لدينا سوى الارتماء في حضن العدو يُعدّ أعظم خيانة للشعب الإيراني. وهذا ما سوف لن يحصل. إنّني بعون وقوّة من الله وبمساعدتكم، لن أسمح ما دام فيّ رمقٌ بأن يحصل هذا الأمر داخل البلاد.
وتحدّث سماحته حول قضيّة الحظر الاقتصادي من قبل أمريكا قائلاً: فرض العقوبات يعني أن العدو لم يعد لديه أي خيارٍ سوى العقوبات الاقتصادية من أجل مواجهة النظام الإسلامي لكنّ هذه العقوبات الاقتصادية أيضاً أوهن من اقتصادنا الوطني.
وأكد قائد الثورة الإسلامية: اقتصاد بلادنا الوطني قادرٌ على إلحاق الهزيمة بالعقوبات وسوف نهزم العقوبات بعون الله وهزيمة العقوبات تعني هزيمة أمريكا وسوف تتلقى أمريكا صفعة أخرى بعد هذه الهزيمة.
ووجّه قائد الثورة الإسلاميّة خطابه للشباب قائلاً: أنتم رأس حربة التحرّك الوطني العظيم. يمكن للعجزة أصحاب التجارب لو لم يكونوا متعبين ومرهقين أن يتكفلوا بمهمة الإرشاد لكنّ المحرّك الذي يدفع هذا القطار إلى الأمام هو أنتم الشباب. وهذا ما كان عليه الحال في السابق.
وأشار الإمام الخامنئي إلى مراحل بارزة في تاريخ الجمهورية الإسلامية النضالي ودور الشباب في هذه المراحل قائلاً: على مدى ٤٠ عاماً من فترات النضال، إن كان في جهاد المطالبين بالانفصال مع انتصار الثورة الإسلامية، وفي جهاد البناء، وفي جهاد الإرهاب الخائن في الثمانينيات، وفي جهاد أعوام الحرب المفروضة الثمانية، وفي الجهاد من أجل ترميم الدمار بعد الحرب، وفي الجهاد الثقافي في التسعينيات كان الشباب هم من استطاعوا تحويل تلك الأجواء الصعبة وجعلها في صالح الثورة. في الشباب كانوا موجودين أيضاً في الجهاد العلمي منذ بداية العقد الأول من القرن الحالي، وفي جهاد الإرهاب خلال الأعوام الماضية وفي الجهاد الفكري والعملي اليوم من أجل حلّ العقد الاقتصادية.
وأردف سماحته في هذا الخصوص قائلاً: فيما يخصّ الانفراج الاقتصادي للبلاد تبلغنا اقتراحات تعود العديد منها للشباب؛ [اقتراحات] ناضجة وحلّالة للمشاكل بشكل كامل. شبابنا اليوم أصحاب فكر وذوي دوافع أمام القضايا التي تواجهها البلاد. شبابنا يشعرون بالمسؤولية تقع على عاتقهم. أنتم الشباب أصحاب هذه البلاد. البعض يُحاول أن يُروّج بأنّ الشباب مشكلة البلاد؛ إنّني وعلى العكس من ذلك أعتقد أنّ الشباب سبيل حلّ المشاكل وليسوا هم المشكلة.
وفي جانب آخر من حديثه لفت قائد الثورة الإسلامية إلى مساعي العدو من أجل التأثير على الرّأي العام من خلال استغلال الوسائل الإعلامية وصرّح قائلاً: الإعلام وسيلةٌ هامّة وهي وسيلة خطيرة إذا وقعت بأيدي العدو ويمكن تشبيهها بالسلاح الكيميائي في الحروب العسكرية.
وذكّر الإمام الخامنئي باستغلال العدوّ للتلفاز، والراديو، والانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعية والساحة الافتراضية في مواجهته للرأي العام ووجّه سماحته خطابه لمسؤولي ملف التواصل قائلاً: كما تمّ لفت الانتباه في الجلسات المباشرة فلتهتمّوا بهذه القضايا بشكل صحيح ولتجتنبوا من خلال تأدية مهامّكم بجديّة التحوّل لأداة تُسهّل عمل العدوّ في استخدامه سلاحه الكيميائي ضدّ الناس.
وفي ختام كلمته شدّد قائد الثورة الإسلامية على ضرورة اتحاد الناس ومسؤولي البلاد وتابع قائلاً: ينبغي إرسال رسالة قوّة للعدو من خلال مشاركة الشعب والشباب المؤمن خاصّة بقوّة في الميدان، واتحاد كلمة المسؤولين، والتآلف بين الشعب والمسؤولين لأنّ العدو يصبح أكثر وقاحة وجرأة عندما لا يواجه فريقاً قويّة خلال مراقبته لكلام الناس وتصرفاتهم ونمط عيشهم.
وشدّد الإمام الخامنئي: الحقائق داخل البلاد تنبئ عن أنّ هذا الشّعب والجيل الجديد قد قرّر أن لا يتمّ استحقاره مرّة أخرى، وقد قرّر أن لا يخضع للعدوّ والقوى الأجنبية، وقد قرّر أن يبلغ بإيران قمم الشّرف والعزّة؛ وهو قادرٌ على ذلك.