بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين سيما بقية الله في الأرضين.
مرحباً بكم كثيراً أيها الأخوة الأعزاء، والأخوات العزيزات، الشباب الأعزاء، أبنائي الأعزاء. أسأل الله تعالى أن يوفقكم جميعاً ويحفظ قلوبكم الطاهرة النيرة بألطافه وهدايته على طريق الحق والصراط المستقيم إن شاء الله. اقترنت أيام الأربعين وأيام الثالث عشر من آبان (1) مع بعضها وتصادفت مع بعضها هذه السنة. سأذكر شيئاً عن الأربعين. أولاً نبارك للذين وفقوا وذهبوا هذه السنة لهذا السفر بحماس وعشق وإخلاص، وطووا هذا الطريق وشاركوا في هذا السفر، فهو توفيق كبير، فطوبى لكم. عسى أن يشمل هذا الفيض إن شاء الله كلَّ الذين يحبون هذا الطريق. ثانياً أتقدم بالشكر من أعماق القلب للشعب العراقي والحكومة العراقية والشخصيات صاحبة الخبرة والشخصيات السياسية في العراق التي ساعدت في هذا السبيل، وقد بذلوا الجهود والحق يُقال وسهَّلوا هذه الحركة لشعبهم وللشعوب القادمة من البلدان الأخرى وخصوصاً من بلادنا حيث يبدو أن أكثر من مليوني شخص ذهبوا لزيارة الأربعين. كل الذين ضيفوا، واستقبلوا، وأبدوا المودة والمحبة، الإخوة العراقيين الأعزاء، أشكرهم جميعاً، فقد قاموا بعمل كبير.
أتقدم بالشكر من أعماق القلب للشعب العراقي والحكومة العراقية والشخصيات صاحبة الخبرة والشخصيات السياسية في العراق التي ساعدت في انجاز ظاهرة الأربعين هذا العام.
ظاهرة الأربعين ظاهرة لا تقبل الوصف، بل هي [ظاهرة] منقطعة النظير أصلاً. إنها مناورة عظيمة ومذهلة. هذه الحركة الاستثنائية -وكما قيل مراراً في هذه الأيام- لا نظير لها في العالم. والغربيون لا يستطيعون إدراك هذه الحركة ومعناها وكيف يمكن أن تكون؟ لذلك ترون أجهزتهم الإعلامية سكتت عدة سنوات، مؤامرة الصمت، وهم ينشرون ويُذيعون أدنى حركة في أي مكان من العالم، بينما لم يذكروا حتى اسم هذه الحركة الشعبية العظيمة لعدة سنوات، ولم يشيروا لها ولم ينشروا صورة لها. وفي هذه السنة حيث تطرقوا لها قليلاً وحلّلوها، كانت تحليلاتهم عدائية وخاطئة، وهي من وجهة نظر المؤمنين بهذا الطريق تحليلات بلهاء. من قبيل الإذاعة البريطانية وما شاكل قدَّموا تحليلات بلهاء، وهذا يدلُّ على أن هذا الفوران والغليان وهذه الينبوع الفياض قد أصابهم بالتخبط بشدة ولا يستطيعون تحليله، فقالوا أحياناً إنَّ الأيدي الحكومية أطلقت هذه الظاهرة، أية حكومة تستطيع تسيير عشرة ملايين [أو] خمسة عشر مليون إنسان من رجال ونساء وشيوخ وشباب و شرائح مختلفة، وتجعلهم يمشون على أقدامهم ما لا يقل عن ثمانين كيلومتراً من مدينة إلى أخرى، أية حكومة تستطيع فعل ذلك؟! وحتى على فرض المُحال لو افترضنا أن حكومة الجمهورية الإسلامية والحكومة العراقية استطاعتا فعل ذلك فستكون هذه بحد ذاتها معجزة حكومية، حسناً، افعلوا أنتم أيضاً مثل هذا إن استطعتم، إذا كنتم تجيدون ذلك فأطلقوا أنتم أيضاً مثل هذه الظاهرة. لا، ليس سوى العشق، وليس سوى الإيمان، وليس سوى غليان دماء الشهداء الأجلاء، ما من عامل آخر قادر على إطلاق هذا الحراك. لقد تمَّ إنجاز عمل كبير، وهو يزداد تحسناً يوماً بعد آخر، يزداد قوة، ونضجاً ويتكرَّس أكثر، ويتحسن في كل سنة قياساً إلى السنة الماضية، وسوف يتواصل بعد الآن أيضاً إن شاء الله، والغربيون مضطرون للمشاهدة ولا يستطيعون التحليل ولا يستطيعون الفهم، وسوف يتلقون ضربة هذا الحراك.
حسنٌ، مناسبة لقاء اليوم هي الثالث عشر من آبان وهو يوم غد. لقد وقعت في الثالث عشر من آبان كما تعلمون ثلاثة أحداث، وكلها ذات صلة بأمريكا بشكل من الأشكال. الحدث الأول هو نفي الإمام الخميني بسبب قضية الحصانة القضائية، حصانة المستشارين الأمريكيين في إيران. ألقى الإمام الخميني تلك الكلمة العاصفة في سنة 43 [1964م] فنفي على إثر ذلك. كان هذا الحدث الأول وهو على صلة بأمريكا. والحدث الثاني هو المذبحة التي ارتكبت ضدَّ تلاميذ المدارس في سنة 57 [1978م] أمام الجامعة هنا، ولم يكن ذلك على يد الجنود الأمريكيين ولكن على يد النظام العميل لأمريكا المفروض من قبل أمريكا. فالنظام الطاغوتي النظام البهلوي ينتسب بنحو ما لأمريكا، أي إن الأمريكيين وعملائهم مستعدون لارتكاب مثل هذه الجرائم من أجل تمرير أهدافهم الشيطانية. وأنتم ترون أحداثاً من هذا القبيل في العالم كأحداث اليمن وأحداث البحرين وأحداث كثيرة في العالم تدل على هذه الحقيقة.
وهنا أيضاً فعلوا الشيء نفسه، فقد ضرجوا التلاميذ والشباب اليافعين بالدماء حين أطلقوا عليهم النار مباشرة فكانت هذه أيضاً حادثة، أما الحدث الثالث فهو حدث السفارة، وكر التجسس الأمريكي الذي مثَّل صفعة إيرانية متقابلة لأمريكا. بمعنى أنَّ الثورة منحت الشعب الإيراني هذه القوة أن يوجِّه مثل هذه الصفعة ويُهين أمريكا رداً على تحركاتهم ورداً على هجماتهم. مجموعة هذه الأحداث الثلاثة تُعبِّر عن تحدٍّ بين إيران وأمريكا. وهذا التحدي مستمر لحد اليوم، فمنذ أربعين عاماً وهذا التحدي مستمر بين إيران الإسلامية وأمريكا، وقد كانت هناك شتى صنوف التحركات من قبل العدو طوال هذه الأعوام الأربعين. وأنتم طبعاً لم تشهدوا الكثير من هذه الأحداث، فلم تكونوا حاضرين ولم تشهدوا لكنكم سمعتم أو قرأتم. وسوف أشير فقط إلى الحرب العسكرية مثلاً، فقد كانت هناك حركة عسكرية خلال هذه المدة من قبل أمريكا على أشكال مختلفة، وأسوؤها تحريض صدام حسين على الهجوم على إيران، حرضوه ووعدوه، وعدوه بالمساعدة، وقد ساعدوه فعلاً، وشغلوا البلاد بالحرب ثمانية أعوام. لكنهم طبعاً تلقوا صفعة على أفواههم وانكسروا وتراجعوا. أو على سبيل المثال الهجوم على طائرة الإيرباص، والهجوم على طبس، والهجوم على منصاتنا النفطية، هذه أعمال وتحركات قام بها الأمريكيون ضدنا.
وقد كانت هناك حرب اقتصادية في هذا التحدي الممتد لأربعين سنة، وهي حرب لا تختص بوقتنا الحاضر، والأمريكيون الآن يريدون أن يخدعوا أنفسهم أو يخدعوا شعبهم ليقولوا إننا نقوم بعمل جديد، لا، ليس هذا بالعمل الجديد، فقد فرضوا علينا منذ أربعين سنة حظراً اقتصادياً بأشكال مختلفة، مرةً يختص الحظر بالنفط، ومرة أخرى بالتعامل، وأخرى بالتجارة، وفي يوم آخر بالاستثمارات، كان لهم شتى أنواع الحظر، وهذه هي الحرب الاقتصادية، المواجهة الاقتصادية. وكانت لهم حربهم الإعلامية، أيضاً منذ بداية الثورة وإلى اليوم كانت لأمريكا حربها الإعلامية معنا، أي نشر الأكاذيب والإغراءات وإثارة الفتن وإشاعة الفساد وتحريض الأفراد، وهذا ليس وليد اليوم والحاضر، وطبعاً هناك اليوم أساليب جديدة وإنترنت وما إلى ذلك، والفضاء الافتراضي وما شابه. ولكن حتى عندما لم تكن هذه الوسائل كانوا يعملون باستمرار عن طريق التلفزة والراديو والفضائيات. أي إن هذا التحدي موجود بيننا وبين أمريكا منذ أربعين سنة. حسنٌ، ثمة هاهنا حقيقة مهمة قد تبقى خافية عن أنظار البعض أحياناً، تبقى خافية لشدة وضوحها. تلك الحقيقة حقيقة متألقة، وهي أن الطرف الذي انهزم خلال هذه التحدي الممتد لأربعين سنة هو أمريكا، والطرف الذي انتصر هو الجمهورية الإسلامية. هذه حقيقة مهمة جداً.
ثمة حقيقة متألقة ومهمة جداً هاهنا وهي أن الطرف الذي انهزم خلال هذه التحدي الممتد لأربعين سنة هو أمريكا، والطرف الذي انتصر هو الجمهورية الإسلامية.
ما الدليل على أن أمريكا انهزمت وغُلبت؟ الدليل على ذلك أنها هي التي شنت الهجوم وهي التي عمدت إلى ممارسات مثيرة للفساد، وهي التي فرضت الحرب، وهي التي شنت الحرب العسكرية، لكنها لم تصل إلى مقاصدها وأهدافها، هذا هو الدليل على هزيمة أمريكا. كان هدف أمريكا من كل هذه الأعمال والممارسات أن تستعيد السيطرة التي كانت لها خلال عهد الطاغوت على هذا البلد. وهي سيطرة وهيمنة زالت بالثورة وقُطعت يدها. الهدف من فرض هذه الحرب وهذا الحظر وهذه الضغوط السياسية والاقتصادية وما إلى ذلك، الهدف من كل ذلك هو إعادة تلك الهيمنة، ولم يستطيعوا، إنهم منذ أربعين سنة يبذلون قصارى جهدهم ولم يستطيعوا الوصول إلى شيء. لاحظوا اليوم أنّ البلد الذي ليس لأمريكا دور في قراراته وخطواته حتى بمقدار ذرة هو الجمهورية الإسلامية في إيران. هذا يشكِّل هزيمة لأمريكا، ولا يمكن للهزيمة أن تكون أوضح من هذا.
كان هدف [أمريكا] من فرض الحرب أن تنتصر على الجمهورية الإسلامية ـ في الحرب مع صدام ـ وتريق ماء وجهها وتذهب بسمعتها وتقول إنَّ الجمهورية الإسلامية، حكومة الجمهورية الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية تسبَّب في هزيمة إيران، فما كان إلا العكس. لقد هُزمت إيران دوماً خلال الحروب [التي كانت لها] في المائتي عام الأخيرة، في كل الحروب التي كانت لنا خلال هذه المائتي عام الأخيرة، التي كانت لإيران مع بلد آخر، هُزمت إيران. أمّا في حرب الأعوام الثمانية هذه فقد كانت هي الحرب الأولى والحرب الوحيدة التي هَزمت فيها إيران الطرف المقابل ولم تُهزم هي. ولم يقع حتى شبر واحد من تراب البلاد بيد العدو. هذه هي الحرب الأولى. حدث ما هو نقيض وخلاف ما أراده الأمريكيون تماماً. وكان هدفها [أمريكا] من الحظر شلُّ البلاد وفرض التأخر عليها. لقد فرضت الحظر عسى أن تشلَّ الاقتصاد وتشلَّ البلاد وتفرض عليها التأخر، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة تسارع مسيرة البلاد نحو الاكتفاء الذاتي. لقد تعودنا، وقد تعود الشعب الإيراني طوال السنين المتمادية أن يستورد كل شيء، لكننا الآن بفضل الحظر الذي فرضوه تعودنا أن نعمد أولاً إلى صناعة كل شيء وإنتاجه، وسوف أعود لأشير لاحقاً لهذه النقطة.
ثمة اليوم مئات الجماعات، الجماعات الناشطة من الشباب حسني التفكير، سواء من طلبة الجامعات أو من الخريجين يشتغلون في أعمال مهمة على مستوى البلاد، وقلت إنني سأعاود الإشارة لاحقاً لما يقومون به. وقد كان هذا نتيجة الحظر. لأنه تمَّ فرض الحظر علينا فكرنا بأن نسدَّ احتياجاتنا بأنفسنا. إذن انتهى الحظر أيضاً لصالحنا؛ أي إنَّ أمريكا انهزمت في هذه السياسة أيضاً. لاحظوا أن هذه هزائم متتالية للطرف الأمريكي. وإذا ألقيتم نظرة أوسع، وأرجو أن تلتفتوا لهذه النقطة بدقة أيها الشباب الأعزاء، فالأعمال في مستقبل البلاد بأيديكم أنتم، ويجب أن تتنبهوا لهذه الأمور.
ولندع جانباً التحدي بين إيران وأمريكا، بنظرة أوسع [بشكل عام] عندما ننظر لوضع أمريكا نجد أن قدرة أمريكا واقتدارها وهيمنتها في العالم آيلة إلى الأفول ومنحدرة نحو الزوال، فهي تقلُّ وتنقص بمرور الأعوام. وأمريكا اليوم أضعف بكثير من أمريكا قبل أربعين سنة عندما انتصرت الثورة. القدرة الأمريكية آيلة نحو الأفول. هذه هي النقطة المهمة.
أمريكا اليوم أضعف بكثير مما كانت عليه قبل أربعين سنة عندما انتصرت الثورة الإسلامية. القدرة الأمريكية آيلة نحو الأفول ومنحدرة نحو الزوال.
الكثير من سياسيي العالم المعتبرين وعلماء الاجتماع المعتبرين في العالم يعتقدون أن قوة أمريكا الناعمة قد تهرأت وخارت، وهي في حال زوال. فما هي القوة الناعمة؟ القوة الناعمة هي أن تستطيع حكومة ما إقناع الأطراف الأخرى بإرادتها ورأيها وعقيدتها. هذه القوة لدى أمريكا اليوم آيلة نحو الضعف التام ونحو التهرؤ الكامل. وفي المجالات المختلفة، وفي زمن حكومة أوباما أيضاً كان الوضع على هذا النحو، ولكن في زمن هذا السيد (2) الذي تجري معارضته بشكل واضح في كل المجالات؛ حيث تتم معارضته في العالم في معظم المجالات التي يتخذ فيها قرارت. ليس فقط المعارضة الشعبية التي لو تقرّر أن يجروا استبياناً واستفتاءً للناس ويسألوا الناس في كل بلد فسوف يدلون بآراء سلبية [حوله]، وحتى الحكومات التي تجامل أمريكا راحت تخالفها. الصين تعارض، وأوروبا تعارض، وروسيا تعارض، والهند تعارض، وإفريقيا تعارض، وأمريكا اللاتينية تعارض. القوة الناعمة لأمريكا متجهة نحو الأفول والضمور والسقوط. وهذا ليس بالشيء الذي أقوله أنا، بل هو من الآراء التي يطرحها علماء الاجتماع المُهمين في العالم اليوم.
ليست أمريكا فقط من تسير قدرتها المعنوية وقوتها الناعمة نحو الأفول بل حتى الليبرالية الديمقراطية التي تُعدُّ الركن الأساسي للحضارة الغربية [هي الأخرى تسير نحو الأفول]، هؤلاء أسقطوا سمعة الليبرالية الديمقراطية ولا زالوا يسقطونها. قبل سنين من الآن قال أحد علماء الاجتماع المهمين في العالم إن وضع أمريكا الحالي هو نهاية تكامل التاريخ الإنساني، ولا يمكن الصعود والارتقاء إلى أكثر من هذا. هذا الشخص نفسه سحب كلامه الآن وراح يقول لا، ويتمنى شيئاً آخر، يقول لا. وقد لا يقول بصراحة إنني أخطأت لكنه يطرح الآن كلاماً آخر، على الضدِّ تماماً من الكلام الذي كان كان يقوله يومذاك. حسنٌ، هذا هو وضع أمريكا [اليوم]. طبعاً بالنسبة لليبرالية الديمقراطية سبق أن أشرت مراراً لهذا المعنى، وهو أن الليبرالية الديمقراطية جلبت التعاسة للشعوب الغربية التي تقوم أركان وأسس حكوماتها وأنظمتها الاجتماعية على الليبرالية الديمقراطية. الليبرالية الديمقراطية السائدة في الغرب اليوم جعلتهم هم أنفسهم تعساء بائسين، فالفوارق الاجتماعية، وانعدام العدالة الاجتماعية، وانهيار العائلة، والفساد الأخلاقي الشامل المتفشي، والحالات الفردية المتطرفة الشديدة، أتعستهم هم أنفسهم، وقد جاء هذا السيد الآن، الرئيس الأمريكي الحالي العجيب الغريب الذي راح يبيع كل شيء ويُسقط ما تبقى من سمعة أمريكا والليبرالية الديمقراطية. حسناً، هذا فيما يتعلق بقوة أمريكا الناعمة.
وأقول إن القوة الصلدة لأمريكا أيضاً تضعضعت بشدة. القوة الصلدة أي القوة العسكرية والقوة الاقتصادية، هذه هي القوى الصلدة. العسكرتارية الأمريكية، نعم، لدى أمريكا أدوات ومعدات عسكرية، بيد أنَّ القوى الإنسانية العسكرية الأمريكية مكتئبة بشدة وحائرة وتائهة ومترددة. ولذلك نراهم في الكثير من البلدان التي يتواجدون فيها ولكي يستطيعوا تمرير مقاصدهم وتحقيقها، يستخدمون منظمات إجرامية مثل بلاك ووتر وما شاكل؛ أي أنَّ الجندي الأمريكي غير قادر على تنفيذ الخطة الأمريكية. هذه هي طاقاتهم الإنسانية، وكذا الحال بالنسبة لاقتصادهم. فيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي أمريكا اليوم مدينة بمقدار خمسة عشر تريليون دولار، الرقم رقم أسطوري، خمسة عشر تريليون دولار ديون أمريكا! وعجز الميزانية الأمريكية قرابة ثمانمائة مليار دولار. عجز الميزانية في هذه السنة الجارية. هذا في الواقع تخلُّف اقتصادي. وهم يغطون على كل هذا بالبهارج والأضواء والشعارات والكلام المعسول والظواهر الملونة، لكن هذا هو الواقع في أمريكا. هذا عن القوة الصلدة. إذن، أمريكا آيلة إلى الأفول. ليعلم الجميع هذا. حتى الذين يبدون الاستعداد بدعم من أمريكا للعمل على نسيان قضية فلسطين بالكامل في هذه المنطقة، ليعلموا هم أيضاً أن أمريكا آيلة إلى الزوال.
ليعلم الجميع حتى أولئك الذين يبدون الاستعداد بدعم من أمريكا للعمل على نسيان قضية فلسطين بالكامل في هذه المنطقة أنّ أمريكا آيلةٌ إلى الأفول.
الحيُّ هو شعوب المنطقة، الحيُّ هو الحقائق القائمة في هذه المنطقة. أمريكا سائرة نحو الأفول حتى في منطقتها ناهيك عن هذه المنطقة. من مظاهر انكسار أمريكا أنها لم تستطع التأثير على روح المطالبة بالاستقلال لدى شعبنا ولدى شبابنا. لاحظوا أن شبابنا الأعزاء اليوم، شبابنا وأحداثنا [يافعينا] الأعزاء في كل أنحاء البلاد مشاعرهم مشاعر مطالبة بالاستقلال. والبعض قد لا يكونوا ملتزمين كثيراً بالأسس الدينية لكنهم يشعرون بالمقاومة تجاه هيمنة الأجنبي. وهذا يدلُّ على أن أمريكا رغم كل هذا الإعلام ورغم كل هذه المساعي التي بذلتها بهذه الإمبراطورية الخبرية والإعلامية التي أطلقتها في العالم لم تستطع التأثير على جيل الشباب في بلادنا، ولم تتمكن من حلحلة روح المقاومة والاستقلال لديهم والقضاء عليها. إنني أقول هذا بجد لأنني أراه، فشبابنا اليوم من حيث التحفز على الصمود والمقاومة إن لم يكونوا متقدمين على جيل الشباب في بداية الثورة فهم غير متأخرين عنهم. إن المرء ليشاهد هذا الشيء بوضوح في الوقت الحالي. والأمر غير مختص بشبابنا، فهو حالة راحت تترسخ بين شباب البلدان الأخرى على حسب معلوماتنا واطلاعنا، وخصوصاً البلدان المجاورة لنا. يرى المرء كلام الشباب الأعزاء المؤمنين في البلدان القريبة منا والجارة لنا وأفعالهم ورسائلهم وسلوكهم. ويشعر أن روح الاستقلال كبيرة فيهم. وبالطبع فإن العدو الأمريكي يرى أننا نحن السبب في بعض هذه الحالات، ويقول إن هذا بسبب تحرك الشباب الإيرانيين. وهم يهددوننا، يهددوننا لماذا هاجم الشباب في البلد الفلاني قواتنا، وهذا حقاً من النوع العجيب والغريب من الكلام. يبعثون رسائل [لنا] أن الشباب في البلد الفلاني المجاور لكم إذا هاجموا قواتنا أو الأفراد المناصرين لنا فسوف نعتبركم المذنبين والمسببين [لذلك]، هذه حماقة منكم أن تعتبروننا مذنبين.
الشعب العراقي يُبغضكم، شباب العراق يكرهونكم، شباب سوريا يُبغضونكم، شباب لبنان يكرهونكم، وفي هذه الجهة في الشرق شباب أفغانستان يكرهونكم أنتم الأمريكان، وشباب باكستان يبغضونكم أنتم الأمريكان، فما علاقتنا نحن بهذا. إنهم يكرهونكم وقد يبادرون إلى فعل شيء ضدكم. نعم، نعم هذا واقع، فلماذا لا يدرك الأمريكيون هذا الواقع؟ لماذا لا يفهمون كراهية الشعوب لهم، لماذا لا يدركون [هذا الأمر]؟ لقد أسأتم وقمتم بأعمال قبيحة وسعيتم للسيطرة على هذه البلدان، وأهنتم هذه الشعوب، لذلك فهم يكرهونكم. من حق الشعب العراقي أن يبغضكم، ومن حق الشعب السوري أن يكرهكم، وكذا الحال بالنسبة للبلدان الأخرى. أمريكا آيلة نحو الأفول، ليعلم الجميع هذا. الذين يميلون إلى أن نذهب ونستسلم للأمريكيين يخططون خططاً لا أساس ولا أركان لها، فأمريكا سائرة نحو الأفول. وعوامل أفول أمريكا ليست وليدة اليوم والأمس القريب حتى يحاول البعض معالجتها. إنما هي حالة تعود إلى التاريخ وترتبط به، فسبب هذا الوضع الذي يعاني منه الأمريكيون سبب طويل الأمد، فقد أوجدوا على مرّ التاريخ حالة هذه هي نتيجتها، وهي لا تعالج بسهولة، فهي سُنة إلهية، وهم محكومون بأن يسقطوا ومحكوم عليهم بأن ينحدروا نحو الأفول والزوال عن ساحة القوة العالمية.
حسنٌ، في المقابل هناك الجمهورية الإسلامية. أنا طبعاً لا أريد تضخيم الأمور والمبالغة. لقد بدأنا من الصفر، لقد بدأنا من الصفر. الطريق الذي قطعه الآخرون خلال مائة عام أو مائة وخمسين عاماً أو أكثر لا أدعي أننا قطعناه خلال هذه الأعوام الأربعين، لكنني أقول أننا تقدمنا إلى الأمام دوماً خلال الأعوام الأربعين هذه، وازددنا قوة باستمرار. ومسيرة الجمهورية الإسلامية على مدى أربعين عاماً تُثبت هذا المعنى بوضوح. إننا نشهد مسيرة جادة نحو الاستقلال الصناعي والاستقلال السياسي في بلادنا. حين قلت هناك مئات المجموعات الشابة فهذا واقع، وأنا أعرف بعض هذه المجموعات عن قرب، وأعرف بعضها عن بعد، شباب جادون نشطون موهوبون مبتكرون بهمم عالية عاكفون على العمل والسعي والجهد في مجالات مختلفة، المجالات الفكرية، والمجالات العملية، والمجالات العلمية، والمجالات التقنية، لا يفكرون في رئاسة ولا في أن يصبحوا مدراء ولا أن يصيروا وزراء أو نواباً، إنما يُركزون على العمل. هكذا هو الوضع اليوم. هذه ظاهرة مباركة توجد في بلادنا اليوم، وسوف تستمر.
أريد أن أوصيكم أيها الشباب الأعزاء بعدة توصيات، فهذه أمور ضرورية لمستقبل البلاد. التوصية الأولى أن لا تنسوا معاداة أمريكا، ولا تنخدعوا بابتسامات العدو الكاذبة المفضوحة. أحياناً يقولون لا مشكلة لنا مع الشعب الإيراني بل مشكلتنا مع حكومة الجمهورية الإسلامية، يكذبون. حكومة الجمهورية الإسلامية ليست بشيء من دون التوكؤ على هذا الشعب. إنهم يعادون الشعب، إنهم أعداء الشعب الذي لم يتخلَّ عن تواجده وإسهامه وقوته وإرادته طوال هذه الأعوام الأربعين، والحظر موجَّه ضد الشعب. لا تنسوا عداء أمريكا، وقد كانت أمريكا تعادي الشعب الإيراني قبل الثورة حتى، ولكن في ذلك الحين كان عملاؤها على رأس السلطة، وكانت تفعل ما تريد هنا، كانت تتصرف كما يحلو لها وكان النظام البهلوي الطاغوتي المشؤوم العميل يتبعهم ويمتثل لأوامرهم. والجمهورية الإسلامية تقف أمامهم بقوة لذلك فعداؤهم واضح وبيِّن وهم يمارسونه بأبعاد مختلفة. لا تأبهوا لأكاذيبهم. حسنٌ، إلى متى هذا العداء؟ هذا سؤال: إلى متى العداء مع أمريكا؟ الجواب إلى حين تترك أمريكا نزعتها في الهيمنة والسيطرة جانباً، فإذا تركت رغبتها في الهيمنة جانباً سيمكن التعامل معها مثل باقي البلدان ويمكن إقامة علاقات معها، وطبعاً مثل هذا الشيء مستبعد. فذاتهم، وقد قال أحد الإخوة الأعزاء هنا إنَّ ذات الاستكبار هي نزعة السيطرة والهيمنة. نعم، طالما كان الوضع هكذا كان هناك عداء، أما إذا تخلَّت [أمريكا] عن هذا الوضع وتركته جانباً فسوف يزول العداء والقطيعة والضغينة وما إلى ذلك بالكامل، ولكن هذا ليس بالشيء الذي يمكن له أن يتحقق.
لا تنسوا عداء أمريكا ولا تنخدعوا بابتسامات العدو الكاذبة؛ إنهم أعداء الشعب الإيراني الذي لم يتخلَّ عن تواجده وإسهامه وقوته وإرادته طوال هذه الأعوام الأربعين، والحظر موجَّه ضد الشعب.
النقطة الثانية هي نظرية المقاومة مقابل العدو القويّ، روِّجوا هذه النظرية وانشروها. لا يتصور البعض كون العدو يمتلك قنابل وصواريخ وما إلى ذلك ولديه أجهزة إعلامية فيجب أن نتراجع، لا أبداً، نظرية المقاومة نظرية أصيلة وصحيحة، سواء على المستوى النظري أو على المستوى العملي، ويجب أن تكون وتتبع من الناحية النظرية و من الناحية العملية، من كلا الناحيتين. من الناحية النظرية معناها أن تبينوا وتوضحوا، وأنتم الشباب تستطيعون تبيين نظرية المقاومة هذه بشكل جيد جداً، سواء فيما بينكم أو في البيئة والأجواء التي تعيشون فيها، أو حتى في العلاقات مع البلدان الأخرى والشباب الآخرين. نظرية المقاومة هي أن هدف الاستكبار هو السيطرة والهيمنة والتسلط على الشعوب، بيّنوا هذا المعنى وأوضحوه للجميع لكي يعلموا أن هذا هو هدف الاستكبار. ومن الناحية العملية نعتقد أن تيار المقاومة هو حقُّ الشباب، شباب العراق، وشباب سوريا، وشباب لبنان، والشباب في شمال إفريقيا، الشباب في مناطق شبه القارة وأطرافها، هناك شباب يقاومون أمريكا ويقفون ويصمدون في وجهها، وهذا حقهم، ونحن نعتبر ذلك حقهم، وتعزيز هذه التيارات وتعضيدها يعني تعضيد نظرية المقاومة.
النقطة الثالثة هي أن تعتبروا أنتم الشباب أنفسكم مسؤولين حيال قضية تقدم البلاد، وخطة التقدم خطة مشخصة معلومة، خطة مدروسة ودقيقة. وقد لاحظتم أن نموذج التقدم الإيراني الإسلامي بوسعه أن يكون الإطار لمسيرة هذا البلد في المجالات المختلفة إلى خمسين سنة قادمة، تمَّ تبيينه وتعيينه وعرضه وهو جاهز وفي متناول أيدي الخبراء وأصحاب الرأي لينضجوه ويكملوه ويعدِّلوه. اعتبروا أنفسكم جزءاً من الناشطين في هذه الخطة الواسعة الشاملة وأعدوا أنفسكم لهذه المهمة. وهذا الاستعداد والجاهزية قد تكون ذات يوم من خلال الدراسة والتحصيل العلمي، وقد تكون يوماً ما عن طريق البحث العلمي والتحقيق، وقد تكون في يوم آخر عن طريق الصناعة والبناء، وفي يوم آخر عن طريق العلم والإبداع، وفي يوم آخر عن طريق اتخاذ مواقف سياسية صحيحة، وفي يوم ما عن طريق التواجد في الساحة السياسية، كل يوم وكل فترة من حياتكم تقتضي أحد هذه الاقتضاءات. اعتبروا أنفسكم في كل الأحوال مكلفين بمسؤولية وبإسهام في تقدم بلادكم. من الأعمال الأساسية التي يجب أن نقوم بها على صعيد الشؤون الاقتصادية ومستقبل البلاد قطع تبعية اقتصاد بلادنا للنفط، وهذا ما قاله ويقوله كل علماء الاقتصاد الخبراء والواعين لا اليوم بل قالوه مراراً وتكراراً ومنذ سنين، وهو شيء واقعي. وقد قلنا نحن أيضاً للمسؤولين أن يحاولوا في حدود الممكن فصل اقتصادنا عن بيع النفط الخام. إننا نبيع النفط الخام، وبذلك إننا نستخرج ونبيع ثروتنا وأرصدتنا الكامنة تحت الأرض والتي لا تقبل التجديد بل تنفد وتنتهي، نستخرجها ونبيعها ونقبض الأموال لننفقها على إدارة البلاد. هذا خطأ. ينبغي استخدام هذه الأرصدة بحيث تكون فيها قيمة مضافة، ينبغي استخدامها بنحو أمثل. هذه التبعية للنفط من إشكالات اقتصادنا المهمة.
حسنٌ، ليجتمع شبابنا المؤمن من أهل التفكير والعمل ويجدوا طرقاً لإخراج البلاد من التبعية للنفط. طبعاً تم تصميم ووضع سياسات هذه العملية. صندوق التنمية الوطنية الذي أسسناه وأبلغناه في السياسات العامة الغرض منه هو هذا أي الغرض منه أن نستطيع الخروج من التبعية للنفط. وأقولها هنا إننا لا نستقي نموذج التنمية من الغرب. أولاً نحن نطلق على هذا الحراك اسم التقدم وليس كما يسمونه هم النمو والتنمية. نحن لا نقتبس نموذج تقدم البلاد من الغرب، فالغربيون أنفسهم جلبوا التعاسة على أنفسهم بانتهاجهم لهذا النهج والنموذج، وأوجدوا الكثير من المشكلات لأنفسهم، فهناك البهارج والمظاهر لكن الباطن فاسد ومنخور وآيلٌ نحو الفساد، ونحن لا نقتبس منهم. طبعاً إننا ننتفع من العلوم العصرية ومن التقنيات الحديثة إلى أقصى الدرجات، ونعتبر التقدم مبعث سعادة ومبعث فخر واعتزاز للشعب، ومن أسباب الأمن في البلاد، ونبذل الجهود والمساعي من أجل تقدم البلاد، وعلى شبابنا وأعزائنا أن يعتبروا أنفسهم مسؤولين في هذا الخصوص ويشعروا بالتكليف والواجب.
وحاجة البلد الأساسية عبارة عن هممكم العالية. عليكم أنتم الشباب أن تبدوا همماً وتكون لكم همة عالية وتسعوا وتعملوا وتتركوا الخوف جانباً وتنبذوا الكسل جانباً، وتجعلوا الإبداع شعاركم وعلى رأس جدول أعمالكم، وتعتبروا التجديد والابتكار واجبكم الكبير، وطبعاً بغيرة ونزعة وطنية. هذه أمور لازمة لبلادنا ولشبابنا، ولتكونوا في كل المجالات مجموعات نشطة متوثبة فعالة متحركة.
وأقول للمسؤولين: لقد كانت هذه توصيتنا للشباب، بيد أننا نخاطب بهذه التوصية المسؤولين أيضاً، فليأخذ المسؤولون أيضاً هذا الكلام بعين الجد، وليأخذوا الشبابَ مأخذ الجد، وليفتحوا أذرعهم بشكل حقيقي لجيل الشباب اليوم وليساعدوه فهو جيل متحفز. أرى في بعض الأحيان أن مجموعة من الشباب أنجزت عملاً جيداً جداً وممتازاً ومفيداً، لكن المؤسسة المسؤولة ذات الصلة بهذا الإنجاز لا تساعدهم، هذه من إشكالات عملنا. ليأخذ المسؤولون الشباب مأخذ الجد، ولينظروا بعين الجد والاهتمام لأعمالهم وإنجازاتهم، وليهتموا بهم.
وما أروم قوله في نهاية كلمتي هو: أيها الشباب الأعزاء، كما قلت، اعلموا أن مستقبل هذا البلد ومستقبل إيران الإسلامية أفضل وأكثر تألقاً من ماضيها بكثير. اعلموا أن هذا الشعب لو تقدم وسار بهذه الروح التي تحملونها وتبدونها اليوم، فلا شكَّ أنه سيستطيع في المستقبل غير البعيد أن يصل إلى ذروة وقمة في العالم وتكون له اليد العليا دائماً في التعاملات العالمية، وسيستطيع تحقيق مقاصده. هذا شيء حتمي، حتمي، وقطعي ولا شكَّ فيه، وسوف ترونه بأعينكم إن شاء الله أنتم الشباب، وسوف تجربون في ذاك اليوم هذا التقدم العظيم الذي تحقق في البلاد بفضل الإسلام وبفضل الثورة الإسلامية.
نسأل الله تعالى أن يحشر أرواح شهدائنا الأبرار الطاهرة الذين فتحوا هذا الدرب والذين وفروا للبلاد هذه الأجواء الآمنة، مع أرواح شهداء صدر الإسلام وكربلاء الطاهرة، وأن يُرضي القلب المقدس للإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) والروح المطهرة لإمامنا الخميني الجليل وأرواح شهدائنا الأبرار عنا جميعاً، وأن يُعرِّفنا واجباتنا وأن يوفقنا جميعاً إن شاء الله لأداء هذه الواجبات.
والسّلامعليكم ورحمة اللّه وبركاته
الهوامش:
1- الثالث عشر من شهر آبان 1358هجري شمسي الموافق للرابع من تشرين الثاني 1979م ذكرى سقوط وكر التجسس الأمريكي في طهران على يد الشباب الجامعيين الإيرانيين.
2- الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب.