بعد هزيمة الأمريكي في العراق والانسحاب عام 2011، ثم هزيمة مشروعه الإرهابي والفشل الذريع لمشروعه السياسي في الانتخابات العراقية الأخيرة وما بعدها. ما المشروع الذي يسعى الأمريكي لتنفيذه في العراق اليوم، و ما مدى استعدادكم لمواجهته؟

لو رجعنا قليلاً إلى تاريخ العراق فإنّ المشروع الأمريكي كان يتغير لاتجاه آخر كلما فشل، وبرامجه اليوم تتطوّر حسب احتياجات مافيات التجارة العالمية التي يديرها الأمريكيّون. 
من أجل تحقيق مطامعها داخل المنطقة وفي الأمة الإسلامية؛ أقدمت الولايات المتحدة سابقاً على دعم نظام صدّام القمعي الذي قام بالتنكيل بالشعب العراقي، وقتل المراجع، وهدم المساجد، وملاحقة طلبة الجامعات وإعدام الكثير منهم؛ ذلك لأنّ الهدف الحقيقي لدى هذا النظام كان تجهيل المجتمع وإبقائه في وضع اقتصادي وثقافي وسياسي متدنٍ. 
فضلاً عن ذلك قام هذا النظام القمعي وبدعمٍ من الولايات المتحدة الأمريكية بشن الحرب ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لأنه لا يريد أن تكون هذه الصحوة الإسلامية واليقظة والبصيرة والوعي الإسلامي موجودة في العالم، وخصوصاً أن العراق هو البلد الجار للجمهورية الإسلامية الإيرانية ويرتبط معها بالكثير من الأمور التاريخية والثقافية والعقائدية. كان الأمريكيون لا يريدون للعراقيين أن ينهضوا ويُغيّروا وضع العراق، وأن لا يختاروا الإسلام كنظام سياسي يُخلّصهم من مشاكلهم وويلاتهم؛ لذلك زجّت الولايات المتحدة بالنظام الصدامي البائد في حربٍ طويلة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

"الأمريكي تخلص من صدام لأنّ مشروعه في العراق صار أوسع، وتطلب أن يكون متواجداً على الأراضي العراقية بشكل مباشر"

كان الأمريكي يغدر دائماً ولا يتعاطي مع الحليف كونه حليفاً، وإنما بكونه أداة يستخدمها لفترة معينة لتحقيق مشروع معين وبعد ذلك يقوم بغدره أو رميه أو التخلّص منه. واليوم نجد أن طريقة تعاطي الأمريكي والصهيوني مع حلفائهما واضحة؛ مثلاً الآلية والطريقة التي يسمعها ويراها كل العالم حول التعاطي الأمريكي مع محمد بن سلمان. نفس هذه الطريقة تعاطى بها الأمريكيّون مع كل حلفائهم، لذلك فإنّ الأمريكيّين تخلصوا من صدام لأنّ مشروعهم في العراق صار أوسع، ومشروعهم في العراق تطلب أن يكون الأمريكي متواجداً على الأراضي العراقية بشكل مباشر. فقاموا باحتلال العراق، وعند احتلالهم للعراق كانوا يتوقعون أن ينفذوا هذا المشروع بالسهولة.

* ما المشروع الذي كان يسعى إليه الأمريكيّون بالتحديد بعد اتخاذ القرار بتغيير صدام؟

المشروع هو التواجد الأمريكي المباشر في العراق؛ لكي يُغني بذلك الشركات الاقتصادية، ومن أجل النفاذ في قلب الأمّة الإسلامية وفي قلب الحدث وخصوصاً أنّهم خاضوا تجربةً في افغانستان كانت مستقرة نسبيّاً بالنسبة لهم في بداياتها. كانوا يتصورون أن الوضع العراقي سيكون مستقرّاً لهم، لكنهم فوجئوا بوجود مقاومةٍ شرسة استنزفت الاحتلال الأمريكي منذ أول دخوله للعراق. 
الاحتلال الأمريكي كان يتصور أن الشعب العراقي سيستقبله بالورود، هذا ما تم ترويجه في وسائل الإعلام الأمريكية، وحتى وسائل الإعلام العربية.  وجاء بشعارات مزيّفة وكاذبة من قبيل أننا خلّصنا الشعب العراقي من نظام صدام. لكن الشعب العراقي يعي أن صدام ما كان إلا أداةً بيد الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، فكانت كل هذه الأكاذيب واضحة بالنسبة إليه، لذلك فإن الأمريكيّين وحلفائهم فوجئوا عندما رأوا أن أبناء الشعب العراقي قد وقفوا أمامهم وأمام أجنداتهم في العراق، واختاروا المقاومة المسلحة أمام الاحتلال. 
من يلاحظ التسلسل للتواجد الأمريكي في العراق من خلال وسائل الإعلام سيجد أن الأمريكي في بداية دخوله للعراق كان ينزل إلى الأسواق، ولكن بعد أيام قليلة لم يعد باستطاعته النزول من الآليات العسكرية، وبعد أيام قليلة لم يعد يتحرك إلا بأرتال كبيرة، وبعد أيام قليلة لم يعد يتحرك إلا بتأمين الغطاء الجوي والبري، وأخيراً اختفى الأمريكيّون في قواعدهم العسكرية وصارت خطوط تنقلاتهم محدودة أكثر فأكثر، لأنّ المقاومة في المقابل تطورت كثيراً. 
المقاومة بدأت بالمجاميع البسيطة، لكنها في النهاية وبفضل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودعمها وكذلك بفضل نقل التجارب والخبرات من الإخوة في مقاومة حزب الله الإسلامية، استطاعت تكبيد الاحتلال الأمريكي في العراق خسائر كبيرة بحيث اضطر - وهو الذي كان يرفض الحديث عن الانسحاب ولا يقبل مناقشته في الجلسات بينه وبين الحكومة العراقية الموجودة- لأن يطرح بنفسه مشروع سحب قواته وبعد ذلك بات يقبل النقاش من قبل الحكومة.
 وبدأ الأمريكي ينسحب ذليلاً لأن حركته في العراق كانت مشلولة ولم يتمكن من تحقيق أهدافه في البلاد. وهناك الكثير من الأمثلة الموجودة لدينا تثبت ذلك.
رغم فشل المشاريع التي عمل عليها الأمريكيون حينها واتخاذ قرار الانسحاب عسكرياً من العراق، إلا أنه ما زال لهم حتى اليوم حضور فاعل على المستوى الاقتصادي الذي يؤثر حتى على المستوى السياسي، من خلال إغراق العراق بشركات تسرق خيراته ونفطه عبر عقود تثقل كاهله لسنين طويلة، وقد تكون بعض الأطراف السياسية شريكة لهذه الشركات مع شديد الأسف. 

"السفارة الأمريكية أسست حتى اليوم 172 مؤسسة مجتمع مدني في كل مدن العراق لبثّ ثقافة التفسخ والانحلال وإيجاد المشاكل في الذهنية العراقية"

والأمريكيّون أصبح لديهم قوّة معيّنة من خلال هذه الشركات ومن خلال نشاطات وعمل السفارة الأمريكية التي أسست إلى اليوم 172 مؤسسة مجتمع مدني تعمل في كل المدن العراقية لبثّ ثقافة التفسخ والانحلال وإيجاد المشاكل في الذهنية العراقية. لذلك نجد أن كل ما يقوم به الأمريكيّون يتم من خلال مؤسسات كثيرة بغية تنفيذ برامج مُعدّة مسبقاً.

حتى إننا نرى اليوم بشكل واضح أن الأمريكي وبعض الأنظمة العربية الموالية له يقومون بتلميع صورة صدّام، ويحاولون إعادته إلى الساحة على أنه هو فارسٌ عربي وكذا وكذا. مثلاً نحن نتكلم عن السعودية و نرى أن القوات الأمريكية دخلت من السعودية إلى العراق، فإذا كانت السعودية شريكة في الحرب على نظام صدّام فكيف للإعلام السعودي اليوم أن يغير سياسته؟! واضحٌ أنهم لا يزالون يحاولون تشويش الذّهنية العراقية.

 

" اليوم انتقل المشروع الأمريكي إلى مرحلة التواجد غير المباشر في العراق، وأي استقرار في البلاد هو أمر مرفوض بالنسبة له"

ولكن بفضل الله، نحن نجد أن المشروع الصدّامي مثلاً انتهى بيد نفس صانع هذا النظام القمعي بعد أن أدرك الأمريكيّون أن صدّام لا يستطيع تنفيذ كل مشاريعهم، فقرروا المجيء بشكل مباشر ولكنهم ندموا وانهزموا.
اليوم انتقل المشروع الأمريكي إلى مرحلة أخرى وهي التواجد والحضور غير المباشر في العراق، ولكن الأمريكي يرى أن وجود استقرار وإن كان نسبياً في العراق أمرٌ مرفوضٌ بالنسبة له، كما قال السيد القائد: إنّ وجود عراق قادر وقوي ليس فقط في مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بل في مصلحة العالم، والأدلّة كثيرة على ذلك.

عندما جاء الاحتلال الأمريكي إلى العراق قام بتدمير كل البنى التحتيّة للجيش العراقي وجمع الأسلحة والإمكانيات والمعدات في مقبرة اسمها مقبرة "التاجي" ومن ثم قام بتفجيرها بشكل كامل. وقامت الولايات المتحدة بإنشاء منظومة أو نظام عسكري جديد في العراق يجعل الشرطة المحلية أقدر من الجيش العراقي، في حين أن الشرطة المحلية مهمتها إجراءات وعمليات أمنية، أما الجيش فمهمته قتالية. هم أرادوا من خلال ذلك إبقاء الوضع الأمني في العراق على حاله، في وقت كنا قد حرصنا كثيراً على تقوية الجيش العراقي حتى قبل تأسيس فصائل المقاومة. نحن في الحشد الشعبي حرصنا كثيراً على تنمية قدرات الجيش وكذلك الشرطة ولكننا وجدنا أمامنا مانعاً وضعه الأمريكي في العراق قبل خروجه وهو استهدافه للبنى التحتية وإدخاله بعض الأشخاص المرتبطين بالمشروع التخريبي داخل المنظومة العسكرية والأمنية. وهذا السبب الحقيقي لضعف الجيش العراقي، وإلا لما أمكن هزم الجيش أمام داعش في الموصل وفي مناطق أخرى من البلاد. نفس المقاتلين في الجيش العراقي هم الذين قاتلوا في الحشد وحققوا الانتصارت. لماذا في الجيش لم يستطيعوا تحقيق الانتصارات، ولكن هنا تم تحقيق انتصارات كبيرة على يد الحشد الشعبي؟ لأن المشكلة الحقيقية في الجيش هو النظام والآلية التي اتبعها الأمريكي لإبقاء العراق ضعيفاً.

بعد تحقيق استقرار نسبي في العراق تتوجّه الجهة السياسية والحكومة العراقية لتقوية الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، الأمر الذي لا يروق للأمريكي، فقام بدعم تنظيم داعش وجماعات تكفيرية داخل البلاد، وفي الحقيقة أحياناً بعض القوى السياسيّة تستغرب من الكلام الذي يقول أن الأمريكيّين هم الذين أسسوا دعموا تنظيم داعش. نحن شاهدنا في الانتخابات الأخيرة في أمريكا، أن الأمريكيّين فضحوا بعضهم الآخر، والآن ينشرون كل شيء من غير خجل في الإعلام وخلال الانتخابات قال ترامب بشكل صريح أنّ الأمريكيّين دعموا تنظيم داعش. وحتى في سوريا، المستشارون الأمريكيّون موجودون مع الكثير من الجماعات التكفيرية الإرهابيّة مثل حركة نورالدين الزنكي وغيرها، التي قامت بذبح الطفلين الفلسطينيين لأن أبيهما كان موالياً للحكومة السورية. قتل اثنين من الأمريكيين في داخل مقراتهم من قبل القوات السورية المقاومة وتم نقل هؤلاء الجنود الأمريكيين مع حركة نورالدين الزنكي إلى أربيل في العراق ومن هناك تم نقل جثثهم إلى الولايات المتحدة.

"عندما احتلت داعش المدن العراقية اتصلت الحكومة بالأمريكيّين وطالبتهم بإكمال صفقات الأسلحة التي كان قد تم عقدها بين بغداد و واشنطن، ولكنّهم رفضوا وأخبروا السلطات العسكرية بأنها مشاكل داخلية"
كل هذا التدخل والتواجد الأمريكي هو لإرباك الوضع داخل العراق وفق ما يسمونه "الفوضى الخلاقة" التي يتضمنها المشروع الأمريكي. عندما قام تنظيم داعش باحتلال المدن العراقية اتصلت الحكومة العراقية بشكل رسمي بالأمريكيّين وطالبتهم بإكمال صفقات الأسلحة التي كان قد تم عقدها بين بغداد و واشنطن، ولكنّ الأمريكيّين رفضوا أن يعطوا ما تبقى من الأسلحة وأخبروا السلطات العسكرية بأن هذه المشاكل هي مشاكل داخلية ولا تتدخل فيها واشنطن! وقالوا بذلك إننا نقف موقف المتفرج. 
تفاجأ الأمريكيّون أنّ فصائل المقاومة استطاعت في غضون أيام معدودة أن تشكل قوة كبيرة في العراق صار العالم ينظر إليها باحترام وهي الحشد الشعبي. روح الحشد الشعبي وأساس تشكيله هو فصائل المقاومة، وكان تشكيله تحت رعاية الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لذا فإنها كانت صدمة ومفاجأة كبيرة للأمريكيّين، ولاحظوا أن هذا الحشد نزل إلى أرض الميدان وأوقف الهجمة الداخلية التي كانت قريبة وعلى مشارف كربلاء وبغداد وديالى، وحصل انتشار كبير لهذه الفصائل و توزيع القواطع لكل فصيل من فصائل المقاومة. أوقفت الهجمة الكبيرة على بغداد وقامت بعمليات عسكرية مباغتة لتحرير المدن المحتلة، فرأى الأمريكي أنه لا يمكن أن يكون خارج اللعبة فشكل مباشرة التحالف الدولي، وهذا المشروع أيضاً كان مشروعاً فاشلاً. 

الأمريكيّون حاولوا الضغط على الحكومة لمنعها من تشكيل فصائل المقاومة، إلا أنه لم يكن هناك خيارٌ آخر أمام الحكومة. رفض الأمريكي أن يكون متفرجاً وأراد ركوب الموجة وجاء إلى العراق مرة أخرى بدعوى محاربة تنظيم داعش، لكن في الحقيقة كل الأجهزة الأمنية في العراق منها قيادات الشرطة الاتحادية وغيرها تتكلم وبشكل صريح أن الدور الأمريكي كان دوراً سلبياً  ومُخرّباً ومعرقلاً للعمليات العسكرية. 
أذكر في عمليات تكريت، الأمريكيّون كانوا يقصفون بشكل متكرر بيننا وبين تنظيم داعش لمنعنا من التقدم، لأن وضع تنظيم داعش داخل تكريت كان ضعيفاً وكان مسلّحو التنظيم يحاولون الوصول إلى خارج المدينة، فتدخل الأمريكيّون تدخلاً سافراً و قاموا بتأخير العمليات التي كان من الممكن إنجازها بأقل من شهر. يوجد مقاطع فيديو واضحة، فيها طائرات أمريكية يهبط منها بعض الأشخاص المنتمين لداعش بالمظلات مرّات في سوريا ومرّات في العراق، وهناك طائرات أمريكية تقوم بإلقاء معدات عسكرية ومواد غذائية في مناطق تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على الحدود السورية العراقية.

في الوقت الحالي المشروع الأمريكي هو مشروع حماية تنظيم داعش وحماية ما تبقى من العناصر التكفيرية في العراق وسوريا والحدود المشتركة فيما بينهما بغية استخدامها كورقة في أي وقتٍ كان. على سبيل المثال فإن تنظيم داعش لا زال موجوداً في صحراء الأنبار والوجود الأمريكي يمنع القوات العسكرية العراقية من الاقتراب من هذه المنطقة. لحد الآن تنظيم داعش في شرق البوكمال موجود ولا زال الأمريكي يمنع القوات السورية وحتى فصائل المقاومة الإسلامية من المشاركة في عميلة تحريرها وقد هدد بشكل رسمي بأن أي حركة عسكرية ضد الدواعش ستُرد من قبل الأمريكيّين. نفس القضية تدور في صحراء الأنبار حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية تمنع الحكومة العراقية من العمليات العسكرية و حتى من القيام بعمليات استخباراتية ولذلك جعل كل هذه المنطقة محمية لتنظيم داعش. هذه المنطقة يتم فيها تفخيخ السيارات لتفجيرها ضد المدنيين وضد القواعد العسكرية العراقية، وهي كانت مركز تدريب لعناصر تنظيم القاعدة خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، وبعد خلافٍ حصل بين داعش والقاعدة بقي هذا المعسكر الكبير بيد تنظيم داعش، حيث يستخدمه في التدريب وصنع المتفجرات وتفخيخ السيارات.

من جهة أخرى دخل كذلك الأمريكي في موضوع الانتخابات وحاول أن يفرض بعض الأطراف والجهات المعينة داخل الانتخابات، وحاول أيضاً تغيير معالم الحكومة العراقية باتجاه يتوافق مع سياساته، لكن والحمد لله وعي الشعب العراقي أجهض هذا المشروع. هذا هو الفشل الذي تعرض له الأمريكيّون في الوضع السياسي العراقي.
مشاريع الولايات المتحدة الأمريكية في العراق متجددة، لكننا دائماً وبفضل الله سبحانه وتعالى حققنا توفيقات في مجال التصدي لهذه المشاريع، وإن‌ شاء الله المرحلة اختلفت وستكون لنا مشاريع مقابلة وليس فقط التصدي. 

* فيما يخصّ حركة حزب الله النجباء يمكن القول إن الحركة انبثقت بشكل عام في لحظة تاريخية كانت تمر بالعراق و المنطقة، اليوم وبعد فشل المشروع التكفيري إلى حدٍ كبيرٍ، ما هي رؤيتكم لمستقبلكم؟ هل ستبقى النجباء على الساحة بعد إغلاق الملف التكفيري إن شاء الله؟ ما هو مشروع استمرار هذه الحركة الجهادية؟ 
طبعاً المقاومة الإسلامية في حركة النجباء هي مقاومة رساليّة وجهادية تُؤمن بحاكمية الإسلام وتعمل على كل المستويات الثقافية والفكرية والعسكرية والأمنية، وانتهاء الوجود التكفيري سواء أكان في سوريا أو العراق لا يعني أن المهمة الأساسية للنجباء انتهت؛ فهذه تعتبر إحدى المهمات الأساسية للحركة. الآن في حركة النجباء لدينا مؤسسات ثقافية وفكرية في عموم المحافظات العراقيّة؛ منها مؤسسات مجتمع مدني ومراكز دراسات وبحوث وجامعات مختلفة. كذلك على المستوى التربوي لدينا نشاط وعمل مهم وواسع، وعلى المستوى الديني والمساجد لدينا نشاطات مختلفة. لذا فإن لحركة النجباء الإسلامية أعمال وأنشطة كثيرة ضمن المجتمع العراقي، ولدينا أيضاً مؤسسات إنسانية وخدمية تقدم المساعدات للعراقي على كل المستويات الفكرية والثقافية وحتى الاجتماعية وتعالج الكثير من مشاكل المجتمع، ولدينا مؤسسات إعلامية متكفلة بطرح الفكر والثقافة الإسلامية المتينة لمواجهة الفكر والثقافة الغربية التي تحاول استهداف الإسلام واستهداف شعوب الأمة الإسلامية.
 

*إذن لم تبق الحركة حركة عسكرية بحت، والمشروع المستقبلي للحركة سيكون أوسع من النطاق العسكري بعد الدخول ضمن الملفات الثقافية والاجتماعية والتربوية والعلمية.
لم تكن الحركة في البداية حركة عسكريّة فقط. منذ البدايات تم تأسيس كل الاقسام في الحركة، لأننا نؤمن أن التكامل لا يكون إلا في ذلك، والفرد العسكري لا يكون مجاهداً إلا إذا كان يمتلك الثقافة والأخلاق والوعي والفكر والمنطق. 
الصراع بين الخير والشر موجود منذ بداية خلقة آدم حتى اليوم. واليوم يمثل جانب الشر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ويمثل جانب الخير الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفاؤها. هذا الصراع كان على كل المستويات؛ منها المستويات الإعلامية والثقافية والمستويات العسكرية والأمنية والاجتماعية. 
في المقابل هنالك ضرورة قصوى لطرح مشاريع أخرى إيجابية تنقذ المجتمعات وتخلصها من المستعمرين. لذلك حرصت حركة النجباء منذ البداية على أن تخوض جميع المستويات من أجل مواجهة ومجابهة الحرب الناعمة والاستعمار العسكري المباشر وغير المباشر والمشروع التكفيري. على سبيل المثال فإن مشروع التنظيمات التكفيرية يُعتبر حرباً غير مباشرة نيابة عن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية داخل الأراضي العراقية، حيث أن هذه التنظيمات تم إيجادها لتنفذ مشاريع الولايات المتحدة وتحقيق الاستقرار والأمن للكيان الصهيوني، وكذلك إشغال الأمة الإسلامية بحروب ومشاكل داخلية. فهذه المجاميع التي وجدت بالاسم الإسلامي وبالشعار الإسلامي قد شوّهت عقول الكثير من الشباب ممن ينتمون للمجتمعات الإسلامية؛ لذلك فإن العمل والنشاط في مجال الفكر الثقافي على كل مستوياته مهم وضروري كإجراء وقائي. العدو الآن يستخدم كل الأساليب والوسائل لاستهداف الأمة الإسلامية من الداخل والخارج.
 

* بعد إسقاط المشروع التكفيري، كيف تُقيّمون تجربة محور المقاومة ككل الذي عمل بمختلف أطيافه لأول مرة على هذا النحو من التداخل والتنسيق الميداني والشراكة بالدم في هذه المعركة الكبرى؟
أولاً مع وجود قيادة حكيمة كالسيد القائد الخامنئي (حفظه الله)، ووجود قوات متمرّسة ومُدرَّبة وصاحبة تجربة مثل حزب الله والمقاومة العراقية، كذلك وفي ظل وجود مجتمع مثقف وواعٍ يدرك المخاطر بشكل جيد، استطعنا فعلاً أن نحقق انتصارات وإنجازات مهمة وكبيرة ومتميزة. والانتصارات الآن اختلف طعمها ولونها عن الانتصارات السابقة؛ لأنها كانت تتحقق في بقعة جغرافية معينة، أما انتصارات محور المقاومة مثلما حصل في سوريا تدل على هذا المحور اليوم بكل أطيافه وقومياته يجتمع في سوريا ليجابه المشروع الصهيوني هناك، ويحافظ على امتداده، ويقاتل الجماعات التكفيرية التي تخوض الحرب بالنيابة عن هذا الكيان لإسقاط آخر دولة عربية ترفع راية العداء لأمريكا وإسرائيل.

"كل المقاومة ستقف إلى جانب حزب الله فيما لو ارتكبت اسرائيل حماقة مهاجمته"
هذه الانتصارات لها طعم خاص وخصوصاً أنه في هكذا جبهات هنالك استفادة كبيرة من تبادل الخبرات. كما تعلمون أن الأحداث في سوريا كانت قبل أحداث العراق. حتى إنّ فصائل المقاومة عندما عادت إلى العراق واستطاعت تشكيل سور حول بغداد وكربلاء، كان كل العالم ينظر بخوفٍ ورُعب. كل هذا الخوف والرعب أوقفته فصائل المقاومة، التي خاضت تجربة فريدة و مهمة مع إخوتها في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكذلك حزب الله، واستطاعت تحقيق انجازات كبيرة على مستوى العراق. حتى أننا نعتقد اليوم أن اسرائيل لو ارتكبت حماقة وحاولت مهاجمة حزب الله مرة أخرى فستختلف الأمور كما قال سماحة السيد حسن نصرالله (حفظه الله)، أن من سيواجه إسرائيل ليس فقط حزب الله في هذه المرة، كل المقاومة ستقف إلى جانب المقاومة في حزب الله؛ ذلك لأن الظروف والأمور اختلفت عما كانت عليه. وهذه التجربة الفريدة والمميزة والمهمة أصبحت اليوم عنصر قوة غيرت معادلات المنطقة بشكلٍ كامل.

*كيف ترون مستقبل وآفاق هذه العلاقة بين إيران وحركات المقاومة خصوصاً المقاومة الإسلامية في العراق؟ 
هنالك علاقة بين الشعب الإيراني والشعب العراقي وهنالك علاقة بين إيران وحركات المقاومة الإسلامية. العلاقة بين الشعبين الإيراني والعراقي هي علاقة تاريخية وعقائدية ومستقبلية مستمرة، وقد حاول الكثيرون من الأمريكيّين وغيرهم تعكير هذه العلاقة وإضعافها ودق إسفين الفتنة والفرقة بين الشعبين، وكل هذه المحاولات المشؤومة باءت بالفشل؛ لأن هذه العلاقة أساسها ملحمة كربلاء المقدسة، هذه العلاقة رمزها الإمام الحسين (ع) فلا يمكن لأي قوة في العالم أن تحاول إيجاد فجوة بين الشعب الإيراني والشعب العراقي. الحقيقة هي أن نظام صدّام سعی وخلال أكثر من 8 سنوات أن يرسخ ثقافة العداء بين الشعبين الإيراني والعراقي؛ لكنه لم ينجح وسقط هذا النظام وبقي الشعب العراقي الذي يعتقد أن مصيره ومستقبله واحد مع مصير ومستقبل الشعب الإيراني. 

"زيارة الأربعين ختمت فشل المشروع الأمريكي الساعي لإيجاد الفرقة بين الشعبين العراقي والإيراني"
لذلك نجد أن الأمريكيّين وخصوصاً السفارات والقنصليات في البصرة حاولوا من خلال حربهم الإعلامية والنفسية طرح العديد من الإشكالات التي تصاغ في السفارة الأمريكية وتتبناها مجموعة من أتباع هذه السفارة من الناشطين الإعلاميين الذين تم تدريبهم في أمريكا ويسمون أنفسهم الجيوش الإلكترونية ويقومون ببث الأكاذيب بغية إيجاد الفرقة، ولكنها لاقت في المقابل حملة مشرفة من قبل عشائر العراق وباقي شرائح المجتمع. الأمريكيّون عملوا كثيراً على ذلك من خلال اختلاق أكاذيب مختلفة؛ على سبيل المثال بث إشاعات تقول أن الزوار الإيرانيين يقومون بكذا وكذا خصوصاً في زيارة الأربعين الأخيرة. لذا نرى أنهم يستغلون حتّى الأمور الدينية لاستفزاز العراقيين ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. بالمقابل كان ذلك موجوداً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ويوجد هناك كذلك طابور يحاول بث هذه روح الفرقة والاستياء من الشعب العراقي. لكن في نهاية المطاف تمكن الشعبان من الانتصار على هذا المشروع الأمريكي وتم استقبال الزوار الإيرانيين بحفاوة قلّ نظيرها حتى في السنوات السابقة ليكون ذلك رداً بليغاً على الحملة الأمريكية الأخيرة. يمكن القول أن المشروع الأمريكي لإيجاد هذه الفرقة فشل اليوم وختمت فشله زيارة الأربعين بشكل فعلي وانتهى عملياً والآن من المؤكّد أنهم سيبحثون عن مشاريع أخرى من أجل إيجاد هذه الفرقة.
حتى داخل المجتمع الواحد، مثلاً في اليمن لم ينجح معهم الموضوع الطائفي رغم أن الأمريكيّين حاولوا إيجاد النّزاعات العشائرية والعرقية وعملوا كثيراً في هذا المجال حتى أنّ السفير الأمريكي في اليمن تم نقله إلى العراق؛ ذلك لأنه يُعتبر من الخبراء في خلق النزاعات الداخلية. هناك مشروع أمريكي داخل العراق لإيجاد الفتنة بين الطوائف العراقية والمدن العراقية. يحاولون عزل المدن المختلفة عن بعضها البعض، والآن من المؤكّد أن هذه الشخصية السياسية الأمريكية تفكر في تنفیذ برامج جديدة في سبيل ذلك، ولكن الشعب العراقي أكبر من السفير الأمريكي بل أكبر من أمريكا لذلك فسوف لن تنطلي عليه مثل هكذا أمور.
الأمريكيون مشاريعهم قائمة على إيجاد الفرقة والفتنة بين المسلمين، وهذا من الفكر الإبداعي الذي استشرفه الإمام الخميني (قدس سره) قبل سنين عندما طرح مشروع الوحدة الإسلامية من خلال وحدة الشعوب الإسلامية، وأيضاً في اختياره لآخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوماً القدس. القدس مقدّسة عند المسلمين، ويوم الجمعة من أعياد المسلمين المقدّسة، وشهر رمضان من الأيام المقدسة لدى المسلمين، فاختار ثلاثة مقدسات تجمع المسلمين في يوم واحد لتعبر عن وحدتهم. وفعلاً ما زال لحد الآن يوم القدس له وجود وحضور في كل البلدان الإسلامية سواء أكانت سنية أو شيعية وهذا مهم جداً. 

* من خلال متابعتكم، كيف ترون اهتمام الإمام الخامنئي ومتابعته للشأن العراقي؟ وأين ينعكس هذا الاهتمام وهذه المتابعة الاهتمام على الواقع العملي؟
نحن نعتقد ونؤمن أن سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي (دام ظلّه) هو لطفٌ إلهي كبير للأمة الإسلامية عموماً وليس لإيران والعراق فقط. هذا الرجل الذي يمتلك من العلم والشجاعة والعدل والإنصاف والأخلاق والتواضع ما يدل على أنه يسير على سيرة الأئمة المعصومين (ع) وهو نائب الإمام المهدي (عج). أكيد أنه سيكون لطفاً لهذه الأمة وستتحقق على أياديه الكثير من الإنجازات والانتصارات. 
كان للسيد القائد الدور الكبير في الانتصارات التي تحققت في العراق وحتى في إنقاذ الشعب العراقي في الكثير من الأحيان. السيد القائد كان يشرف بنفسه على ما يجري في العراق ويتابع الأحداث وجزئيات الأمور شخصياً، وقدم الدعم الكبير للشعب العراقي على كل المستويات للخروج من محنته سواءً في وقت الاحتلال الأمريكي أو في وقت احتلال تنظيم داعش الإرهابي للكثير من المدن العراقية والذي كان على مشارف كربلاء وبغداد، كانت حماية السيد القائد للعراق في هذه الأوقات أساسية جداً. 
الأمر الآخر، ليس فقط على الجانب الأمني والعسكري بل على المستوى الفكري والثقافي، يستلهم الشباب وخصوصاً طلاب الجامعات الفكر والثقافة من السيد القائد. الشباب العراقيون اليوم يتابعون تحركات السيد القائد وكلماته بشكل كبير ومميز، ولذلك فإنهم يستفيدون كثيراً من الوعي الذي يطرحه السيد القائد في الأمور المتعلقة بالعالم الإسلامي. 

 

* قبل سنة تقريباً كانت هناك رسالة من الحاج قاسم سليماني لسماحة الإمام الخامنئي حول إنهاء الدولة المزعومة لداعش. تضمّن ردّ القائد نقاطاً مهمة من جملتها تأكيد على ضرورة الإبقاء على الدوافع بعد إنهاء داعش، والتسلّح بالوعي والحفاظ على الوحدة، وإطلاق أعمال ثقافية ترفع من مستوى البصيرة والجهوزية في مرحلة ما بعد داعش. اليوم، كيف تُقيّمون الخطوات المُتّخذة في هذا السبيل؟ 
رؤية سماحة القائد هي رؤية استراتيجية واستشرافية للمستقبل، وهي تتعلق باستخدام الوسائل والآليات لإبعاد أي خطر قد يحصل في أي زمن وخصوصاً بعد الخوض في معركة كبيرة ومهمة مع تنظيم داعش الإرهابي والتكفيري.

في طيات جواب سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي للحاج قاسم سليماني كان من الواضح أنه يشير إلى أن هذا التنظيم وإن تمّت هزيمته عسكرياً ولكنه ما زال موجود فكرياً وثقافياً و ما زال موجوداً حتى على المستوى الأمني؛ فلذلك يجب أن تكون لدينا جهوزية مستمرة بشكل كامل، وألا نغفل لأننا حققنا انتصارات وإنجازات عسكرية كبيرة لأنه قد يعود الخطر الكبير مرة أخرى ومرّة أخرى، وأن نكون على قدر عالٍ من الوعي والبصيرة خصوصاً أن هذا التنظيم الإرهابي والتكفيري قد أسس فكراً داخل المجتمع العراقي. من المؤسف أنه ما زال هناك الكثير من العوائل العراقية تتبنّى فكر هذا التنظيم ومن الضروري تغيير هذا الفكر في المقابل بفكر صحيح وإرجاع هؤلاء الناس إلى الإسلام المحمدي الأصيل والتعايش السلمي مع إخوانهم العراقيين، لأنّ تنظيم داعش لم يكن ضدّ الشيعة فحسب بل كان ضد الشيعة والسنة وكان يقتل أتباع جميع المذاهب الإسلامية وكان يحارب جميع المذاهب الإسلامية بوحشية. 

الأمر الآخر هو أننا نرى أن سماحة السيد القائد يركز دائماً على موضوع البصيرة حتى في المؤتمرات التي تحصل، كمؤتمر الوحدة الإسلامية، وعملياً الصحوة الإسلامية تُمثّل اليقظة. هذه اليقظة التي تحققت في وقت الثورة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تحتاج شعوب العالم الإسلامي أن تحذوا حذو الجمهورية الإسلامية لتحقيق الصحوة، واختيار الإسلام لأنه المخلص الحقيقي والمنقذ الحقيقي للمجتمعات. ولا تكون الصحوة إلا بوجود الوعي والبصيرة والإدراك. هذه الصحوة تساعد الإنسان على تمييز الصحيح من الخطأ وهذه القدرة تأتي أحياناً عن طريق التجارب وتأتي أحياناً عن طريق تراكم التجارب السابقة وإدراك الإنسان لهذه التجارب. لذلك وجود كل هذه المعايير والمقاييس التي طرحها السيد القائد سماحة الإمام الخامنئي هي جاءت للحفاظ على الانتصارات التي تحققت وفي نفس الوقت هي توسيع لرقعة هذه الإنتصارات، وتحقيق لانتصارات أخرى كبيرة ومهمة على مستوى العالم.

*وصف الإمام الخامنئي الحشد الشعبي في العراق بالثروة العظيمة والكنز الكبير لحاضر العراق ومستقبله. كيف يمكن قراءة رؤية القائد للحشد الشعبي من خلال هذا التعبير؟ 

 

" الحشد الشعبي يُعتبر العنوان الجامع لفصائل المقاومة العراقية"
الحشد الشعبي يُعتبر العنوان الجامع لفصائل المقاومة العراقية، وهذه الفصائل تمتلك عقيدة قتالية مهمة وكذلك تمتلك تجربة جهادية طويلة سواءً ضد الاحتلال الأمريكي أو ضد تنظيم داعش الإرهابي. الحشد الشعبي يُعتبر التجربة الإسلامية الوحيدة في العراق على مستوى التطبيق، فهو تكوّن من مجموعة فصائل عقائدية وتوجهات إسلامية. والحشد حقق انتصارات وإنجازات كبيرة قل نظيرها في العالم، بإمكانيات جد محدودة وبسيطة وأعداد قليلة من المقاتلين. إذا نظرتم إلى عدد مقاتلي الحشد الشعبي أو فصائل المقاومة الموجودة ضمنه مقابل قوات تنظيم داعش الإرهابي ومن يقف خلفه من الدول المختلفة تجدون فارقاً كبيراً. لكن هذه القوى المقاومة حققت انتصارات وإنجازات كبيرة ومهمة ومميزة، لم تكن للعراق فحسب بل لكل العالم والجمهورية الإسلامية ولبنان وسوريا وحتى الدول العربية وغير العربية. لذلك فإن الحشد الشعبي باعتباره العنوان الجامع لهذه العقيدة ولهذه العناوين المتعددة يستحق أن يوصف بذلك من قبل سماحة السيد القائد. 

* ما التحول الذي أحدثه قيام الثورة في إيران وتشكيل الحكومة الإسلامية فيها على حركات التحرر في المنطقة والعالم الإسلامي؟ إلى أي مدى أعطت الثورة الإسلامية دفعاً للحركات التحررية، وبالمقابل كيف تأثرت هذه الحركات بالثورة؟ طرح الإمام الخميني مصطلح تصدير الثورة (رضوان الله تعالى عليه) وأكد الإمام الخامنئي (دام ظله) على ضرورته. ما المعنى الدقيق لتصدير الثورة ربطاً بالصحوة الإسلامية؟
الثورة الإسلامية التي تحققت في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجهت في وقتها أنظار كل العالم إلى هذا الإنجاز الكبير الذي تحقق أو كما وصفه السيد الشهيد محمد باقر الصدر أن الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) حقق حلم الأنبياء والأولياء. أعتقد أن هذه الثورة أعادت للإسلام رونقه ووجوده الفاعل، ودحرت كل الأطروحات التي كانت تُقدَّم ضد الإسلامية وتقول: إن الإسلام ليست لديه القدرة على تأسيس نظامٍ أو إقامة دولة دينية مستقلة.

أعتقد أن الصحوة الإسلامية هي نتيجة لتصدير الثورة، وتعني يقظة الأمة الإسلامية والمجتمعات الإسلامية لتؤمن أن خلاصها الحقيقي سيتحقق فقط بحاكمية الإسلام ووجود النظام الإسلامي، وأن مشاكل أمتنا الإسلامية وتخلفها الكبير هو في عدم الإيمان بالإسلام وانتخاب الإسلام كحل حقيقي لأمتنا الإسلامية.
من الواضح اليوم أنّ نتائج الثورة الإسلامية في ايران بدأت تؤسس وترسخ المفهوم الأساسي الذي بدأت به هذه الثورة على مستوى العالم. إيران اليوم أصبحت قوة كبرى وقوة عظمى مقابل القوى الشريرة الأخرى. تم تغيير جميع المعادلات في العالم الذي كان يراد له أن يكون أحادي القطب ويتحكم فيه فقط الاستكبار العالمي كقرية صغيرة، وذلك بفضل الثورة الإسلامية في ايران. هذا الاتجاه قد تغير سواءً في إيران أو خارجها من قبل المقاومة وفصائل المقاومة الموجودة في كل من فلسطين والعراق ولبنان وسوريا وبقية بلدان العالم. بالإضافة إلى ذلك، إيران اليوم أصبحت قوة اقتصادية متطورة على كل المستويات، خلافاً للكثير من الأنظمة الموجودة في البلدان الإسلامية التي ما زالت خاضعة للاحتلال أو للاستكبار العالمي.
نجد اليوم فی الكثير من الدول حتى دول ناطحات السحاب افتقار هذه البلدان لأي فكرة على الإطلاق، وهناك مشاريع غربية تُصدَّر مباشرة إليها مقابل سحب خيراتها وثرواتها الكبيرة. الحقيقة هي أن مثل هذه البلدان التي لا تعتمد على نفسها أصبحت خاضعة للدول الاستكبارية لتنفيذ أجنداتها ورغباتها، وبالنتيجة كل ما هو موجود مستورد من خارج هذه البلدان، إذ إنه ليس لديها صناعة ولا زراعة ولاعقليات أو طاقات علمية متميزة، حتى الأطباء هم من الأجانب. هذه البلدان كُتب لها أن تأكل وتشرب فقط وأن تعيش خاضعة لا تتطور ولا تتغير؛ لأنها لم تتخذ الإسلام طريقاً لها. لذا فإن الحقيقة هي أن مفهوم الصحوة الإسلامية وتصدير الثورة يكمن في أن تختار الشعوب الإسلام كخيار حقيقي مخلّص ومنقذ لها من المشاكل والويلات والاستبداد والظلم والذل والعبودية للآخرين. 

ما سبب عداء الولايات المتحدة وحلفائها للثورة الإسلامية والظاهرة الموجودة التي تُدعى إيران الثورية برأيكم؟ لماذا يحاول الأمريكيون تشويه صورة هذه الثورة في أذهان الجمهور في مختلف أنحاء العالم ويؤثرون سلباً على الرأي العام العالمي؟ 

" أول انتفاضة على المشروع الاستكباري كانت في ايران بقيام الثورة الإسلامية"
الاستكبار العالمي المتمثل في ثلاثية الشر؛ أمريكا وبريطانيا وإسرائيل الذين قاموا في وقت الاحتلال البريطاني للبلدان الإسلامية بتقسيم هذه البلدان إلى عدة دول، وكانوا يتصورون أنهم يوجِدون حكومات خاضعة لهم وسيستطيعون من خلال ذلك زرع غدة سرطانية في المنطقة وهي الكيان الصهيوني. كانوا يتصورون أنهم يستطيعون ومن خلال ذلك تنفيذ جميع البرامج و الأطروحات الاستعمارية داخل المنطقة، لكنّ أول انتفاضة على هذا المشروع كانت في ايران بقيام الثورة الإسلامية. وجد الاستكبار العالمي أن الثورة الإسلامية تشكل خطراً كبيراً على مشروعه التقسيمي والاستبدادي الذي أوجد حكومات خاضعة له وكانت هذه الحكومات تنفذ المشاريع الأمريكية بدقة وكانت تحرص على مصالح الولايات المتحدة أكثر من حرصها على مصالح شعوبها. 
هذه هي الأنظمة التي كانت تريدها الولايات المتحدة، أما نظام يرفض سرقات الاستكبار العالمي لأمواله وثرواته، ويرفض التدخلات الخارجية في شؤون بلاده، ويحقق العدالة والرفاه والإنصاف لشعبه، لا يريده الأمريكيون والاستكبار العالمي على الإطلاق. فكانت الثورة الإسلامية هي الخطر الأساسي والحقيقي لإجهاض المشروع الأمريكي البريطاني الصهيوني في المنطقة ومن الطبيعي أن يحارب الأمريكيّون من يحقق الصحوة الإسلامية أو يسير في هذا الاتجاه وعلى هذا النحو في العالم، لذلك تجد اليوم أن الإستكبار العالمي وحتى الجماعات التكفيرية تحارب دائماً دائرة محور المقاومة وتسعى لضربه من الداخل بإيجاد حروب إسلامية ـ إسلامية ونزاعات داخلية ليشغل بذلك العالم عن الكيان الصهيوني ووجوده واستقراره في الأراضي الفلسطينية.

*اليوم بعد نضوج تجربة المقاومة من جهة و تراكم الخبرات من جهة أخرى هل يمكن أن نقول إنه قد ولى زمن الهزائم و جاء زمن الإنتصارات؟

" اليوم محور المقاومة يملك زمام المبادرة ويطرح المشاريع، والطرف الآخر متخبط"
من المؤكد أنّ زمن الهزائم قد ولى وأننا في زمن الانتصارات، ولفت انتباهي كلام السيد القائد في مؤتمر الوحدة الإسلامية عندما تحدث عن إسرائيل وعدم صمودها أمام قوات المقاومة وقال في ختام كلامه أنها لم تصمد في غزة حتى ليومين أمام المقاومة الفلسطينية. في الحقيقة الكيان الصهيوني اليوم لم يعد قادراً على تنفيذ العمليات الهجومية، هو لم يصمد في العمليات الدفاعية ليومين لكنه على مستوى العمليات الهجومية أو مهاجمة المقاومة أصبح ضعيفاً بل أكثر من ضعيف. جنوده منهارون معنوياً و يعرفون جيداً قوة الطرف المقابل؛ لأنهم مطلعون على قوة المقاومة وقدرتها على إجهاض المشاريع الاستعمارية والاستكبارية الواحدة تلو الأخرى، كما أنهم لم ينسوا لحد الآن الهزائم المريرة التي منيوا بها مقابل حزب الله في لبنان والمقاومة الإسلامية في الأراضي المحتلة الفلسطينية بشكل متوالٍ، وهي التي تسببت في انسحاب إسرائيل من المعارك.
من جانبٍ آخرٍ يحاول الغرب تلميع صورة الكيان الصهيوني المحتل من خلال طرح معين أو من خلال وسائل الإعلام، ولكن ما هو أوضح من الشمس أن هذا الكيان الصهيوني أصبح اليوم كياناً ضعيفاً، غير قادر على المهاجمة أو خوض الحروب مع المقاومة الإسلامية. حزب الله في لبنان أو المقاومة في الأراضي المحتلة الفلسطينية تكفي وحدها لمجابهة الكيان الصهيوني ولا حاجة لأن تكون المقاومة كلها في مواجهة هذا الكيان الذي أصبح اليوم في موقف الدفاع الضعيف ويحتاج إلى الحماية الخارجية، ولذلك تجده اليوم تحت حماية السعودية وبعض الحكومات والدول الإسلامية ـ العربية مع شديد الأسف ودول غربية أيضاً. من الواضح أن الكيان الصهيوني لا يستطيع الصمود من دون دعم الولايات المتحدة الأمريكية وليس قادراً على البقاء.
في المقابل، محور المقاومة بقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بات هو من يطرح المشاريع ويبادر. سابقاً كان الأمريكيون وحلفاؤهم يحاولون دائماً تشتيتنا وإزعاجنا وإشغالنا بمشاريع سيئة في العالم الإسلامي بشكل مباشر أو غير مباشر. اليوم زمام المبادرة بيد محور المقاومة والطرف الآخر متخبط بحيث خسر الكثير من مشاريعه وبدأ يتوجه و يصرح حتى بإهانة بعض خدامه وعملائه من حكام الأنظمة الإسلامية. 

*قال الإمام الخامنئي قبل سنوات إنه بعد 25 سنة لن يكون هناك شيء اسمه الكيان الصهيوني. على المستوى الشخصي هل تبادر إلى ذهنكم تصور معين للمنطقة ما بعد 25 سنة؟ أنتم شاركتم في الحرب ضد الإرهاب في سوريا ضمن لواء اسمه لواء الجولان، فهل أصبح ملف فلسطين فعلياً على خارطة حركة حركة النجباء الإسلامية بشكل إجرائي؟

" أي إنسان يعتقد بالإمام المهدي (عج) يجب ألا تكون قضية القدس بعيدة عن ذهنه وتوجهاته" أولاً في عقيدة المقاومة قضية القدس ومجابهة الكيان الصهيوني هي جزء من الاعتقاد بالإمام المهدي (عج). أي إنسان يعتقد بالإمام المهدي (عج) يجب ألا تكون قضية القدس بعيدة عن ذهنه وتوجهاته. الأمر الآخر أننا حقيقةً لاحظنا أن السيد القائد ما وعد بأمرإلا وتحقق هذا الوعد وأنا أتذكر مثل هذه الوعود. أتذكر أنه بعد حرب تموز عندما ذهبت إلى لبنان لتهنئة سماحة السيد حسن نصرالله بالانتصار الكبير على الكيان الصهيوني، سألته سؤالاً: "كيف وعدت حزب الله والعالم بالنّصر؟ وكيف كان عندك الاطمئنان والثقة العالية بأنكم منتصرون في أول أيام الحرب عندما كانت المعالم غير واضحة؟"، فقال "إننا مجاهدون ونعمل بقوّة على الأرض والمجاهد الحسيني أمام خيارين إما الشهادة أو الانتصار، ولكن وصلت رسالة من جانب السيد القائد الإمام الخامنئي (دام ظلّه) كان سماحته يعد فيها بالانتصار ويحثّنا على الصمود. وأنا بالتجربة رأيت أنّ السيد القائد ما وعد إلا وتحقق هذا الوعد، لهذا خرجت مباشرة على الإعلام لنقل الوعد عن السيد القائد فوعدت العالم الإسلامي بأن النصر آتٍ لا محالة".
لذلك نعتقد أنّ هذا الوعد سيتحقق إن شاء الله، وسيأتي اليوم الذي يصلّي فيه جميع العالم الإسلامي في مدينة القدس المقدسة من غير وجود هذا الكيان الصهيوني اللاشرعي على الأراضي المحتلة. 
الأمر الآخر لدينا اعتقاد وقناعة بخصوص فلسطين ومسألة احتلال الكيان الصهيوني الغاصب أن قوات عسكرية جاءت وقت الاحتلال الانجليزي لتأسيس دولة تكون غدة سرطانية في جسد الأمة الإسلامية، يجب أن تُزال هذه الغدّة ليشفى ويتعافى جسد الأمة الإسلامية. 

" نحن الآن على جهوزية كاملة متى ما يكون القرار سنكون على حدود فلسطين لمجابهة إسرائيل، ولنا الشرف والفخر بذلك"
اخترنا اسم الجولان لأننا كنا في سوريا وكنا نقاتل جماعات تكفيرية وكانت الأدلة والإثباتات تشير بشكل واضح أنها مدعومة من الكيان الصهيوني الغاصب، وفي بعض الأحيان وفي بعض المعارك جرحاهم كانوا يتلقّون العلاج على الأراضي الفلسطينية المحتلة وذلك في مستشفيات إسرائيلية عسكرية وغير عسكرية، كانوا يقدمون لهم الدعم و الامدادات. لكوننا نقاتل هذه الجماعات التي تخوض الحرب بالنيابة، كان قرارنا أن نكمل مشروعنا بعد القضاء على هذه الجماعات بتأسيس "لواء تحرير الجولان" ليكون مع الجيش السوري صفّاً إلى صف لتحرير أراضي الجولان من الكيان الصهيوني ويستمر مع المقاومة الفلسطينية حتى تحرير كل فلسطين المحتلة. سنشارك حتماً، ولنا الفخر والشرف الكبير في هذه المشاركة كما شارك أجدادنا سابقاً وشارك الكثير من العراقيين. وكان من الممكن أن تحقق هذه الحرب نجاحات وانتصارات وتنهي دولة الكيان الصهيوني لولا خيانة بعض الأنظمة العربية التي تطعن في الظهر وتتظاهر أنها ضد وجود هذا الكيان داخل الأراضي الفلسطينية ولكنها في الحقيقة كانت تدعم هذا الكيان الغاصب، وأجهضت محاولات شعوب العالم المنتفضة لمحاربة الكيان الغاصب، وخانت هذه الشعوب من أجل مصلحة إسرائيل وإبقاء إسرائيل في المنطقة. نحن الآن حتماً على جهوزية كاملة متى ما يكون القرار والقناعة سنكون على حدود فلسطين لمجابهة إسرائيل ولنا الشرف والفخر الكبير بذلك. 

* نرى محاولات من الطرف الآخر ضمن ما يسمونه صفقة القرن لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. ما آفاق هذه المساعي في سياق قراءة القائد لمستقبل للمنطقة خال من الكيان الإسرائيلي؟ كيف يمكن مواجهة مشروع تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بنمطه الجديد الذي تطور ليشمل المستويات الثقافية والفنية والرياضية والعلمية فضلاً عن السياسة؟ 
في موضوع صفقة القرن، كان الاستكبار العالمي أو الشيطان الأكبر يحاول إيجاد نظام فلسطيني ضعيف وهزيل شبيه بالأنظمة العربية الموجودة كالسعودية والأنظمة الأخرى. هذا النظام يكون أداة بيد الكيان الصهيوني الغاصب لكي يقدموه للعالم الإسلامي ويقولوا أن هذه الحكومة الفلسطينية قد تأسست وتنفذ لهم أجنداتهم ضد الشعب الفلسطيني أيضاً. طبعاً هذا المشروع فاشل ولن يُكتب له النجاح لأن الشعب الفلسطيني واعٍ لما يُطرح ولما يُراد منه لإذلاله وهدر كرامته. الشعب الفلسطيني لن يقبل ولن يتحقق هذا المشروع والأكيد أن المقاومة الفلسطينية هي التي ستنتصر في النهاية.
في موضوع التطبيع، سابقاً كان الكيان الصهيوني لا يستطيع تطبيع العلاقات بشكل علني مع الدول العربية والإسلامية، حتى على المستوى الاقتصادي كانت البضائع الاسرائيلية توضع عليها علامات تجارية لشركات عربية وتُصدّر للعالم الإسلامي. كانت الكثير من الحكومات -حتى نظام آل سعود- لا تستطيع أن تطرح مسألة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب المحتل بشكل علني. أول من صرّح علناً بخصوص العلاقات مع الكيان الصهيوني كان الملك السعودي عندما قال إنه لا يمانع من إعطاء الأراضي الفلسطينية للشعب اليهودي "المسكين" ولكن بعد ذلك لم يستطع النظام السعودي أن يصرّح بعمالته وتبعيته للكيان الصهيوني الغاصب على مستوى وسائل الإعلام. أما اليوم فيتكلم الكيان الصهيوني وبشكل علني عن الشراكة مع البلدان العربية والإسلامية. هذه الشراكة لا شكّ أنّها تأتي لاستهداف الأمة الإسلامية لتحقيق أهداف وغايات الاستعمار والاستكبار العالمي. هذا التطبيع بدأ من أنظمة وحكومات فتحت بلدانها وشعوبها على الكيان الصهيوني المحتل ليعيث فيها فساداً على كل المستويات. اليوم أصبح النظام السعودي الضعيف ألعوبة بيد الكيان الصهيوني وفتح الآفاق لإعادة التطبيع مع هذا الكيان. 
في الواقع كان من الممكن أن يُكوّن هذا التطبيع في العلاقات مع الكيان الصهيوني مؤتمراً صهيونيّاً-عربيّاً كما كان قبل ذلك مؤتمرٌ أمريكيّ أو ما أسموه بالمؤتمر الأمريكي-الإسلامي الذي كان ضد الإسلام والمسلمين في الحقيقة وعقد في السعودية. لكن ما حصل في العالم والمتغيرات التي حصلت والخطوة السيئة التي قام بها ترامب بحماقة، بإعلانه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس أحرج الأنظمة العربية، ولو كانت الأنظمة متفقة مع إسرائيل وهناك زيارات متبادلة بينها وبين الكيان الصهيوني.
هذا التصرف الأحمق أوجد ثورة وحركة شعبية كبيرة في بلدان العالم الإسلامي. رأت هذه الأنظمة الخطر على أرض الواقع فتراجعت عن هذا التطبيع وعن الإعلان عن هذه الشراكة بشكل كبير، ولكن بقي جزء منها، ونرى اليوم مع الأسف أن قادة بعض الأنظمة تستقبل قيادات صهيونية في بلادها أو ترسل بعثات لإسرائيل من أجل التطبيع. 
فشل هذا المشروع واضح مثل المشاريع الأخرى لأن هذه الأنظمة لا تمثل إلا الكيان الصهيوني الغاصب ولا تمثل حتى شعوبها. نظام آل سعود أو كيان آل سعود يمثل الكيان الصهيوني ولا يمثل شعب الجزيرة العربية على الإطلاق والأنظمة الأخرى الخاضعة للكيان الصهيوني والاستكبار العالمي لا تمثل إلا هذا الاستكبار ولا تمثل إلا الصهاينة ولا تمثل المجتمع الإسلامي ولا الشعوب الإسلامية.

* منذ قرابة الشهر استقبل العراق أكبر تجمع بشري في مراسم الأربعين. كيف يمكن الإفادة من هذا الزخم البشري العالمي لترسيخ فكرة المقاومة وتكثيف حضور المعنى الثوري للقضية الحسينية ولكن بفهمٍ معاصر؟
زيارة الأربعين بحدّ ذاتها فكرٌ مقاوم. هي مسيرة مليونيّة سنوية من كل أنحاء العالم لرفض الاستكبار وللسير على خطى سيد الأحرار في العالم الإمام الحسين (ع). كل هذه الحشود والجموع التي تجتمع في كربلاء في ذكرى الأربعينية تستلهم فكرها من الإمام الحسين (ع) الذي قاوم الظلم والباطل وضحّى من أجل الإصلاح في الأمة الإسلامية. فكر المقاومة اليوم هو امتداد لهذا الفكر النيّر والواضح، وزيارة الأربعين هي تجسيدٌ شعبي واقعي لهذا الفكر، وحتى أن الأعداء كانوا يدركون أن زيارة الأربعين تشكل خطراً جسيماً على الأنظمة السيئة التي كانت تحارب الزيارة وتعتقل الزوار. الأمر الذي حصل مثلاً في عهد نظام صدام وحتى قبله. لذا فإن الأنظمة الدكتاتورية كانت تحاول دائماً تغيير معالم كربلاء وإخفاء قبر الإمام الحسين (ع) في كربلاء لمنع الناس من المشاركة في زيارته.
زمن نظام صدام كان يُحكم سنتين على كل من يذهب إلى زيارة الأربعين، وبعد ذلك قاموا بإعدام مجموعة من الشباب اعتقلوا للمرة الثانية بسبب مشاركتهم في الزيارة.

"الأنظمة الدكتاتورية كانت تخشى وتخاف من هذه الزيارة العظيمة لأنها ترسّخ فكر المقاومة"
 لذلك يمكن القول إن هذه الأنظمة الدكتاتورية كانت تخشى وتخاف من هذه الزيارة العظيمة لأنها ترسّخ فكر المقاومة، وتطرح الفكر الاستنهاضي المستلهم من المفاهيم والمضامين العالية للإمام الحسين (ع) الذي له تأثير كبير على المجتمعات والشعوب التي تأتي لزيارة الإمام الحسين (ع) في الأربعين، وبفضل الله سبحانه وتعالى نرى اليوم حضوراً جماهيريّاً حاشداً فيها. 
اليوم من يخاف من هذه الزيارة يحاول طرح أساليب أخرى وحاول التشويش على كل المستويات، ويحاول حتى إلغاء الكثير من الأمور الإيجابية داخل الزيارة. كما تعلمون لا يوجد في العراق وزارة تختص بشأن الحج والزيارة كما هو موجود مثلاً في السعودية والأعداد الكبيرة التي تذهب إلى العراق للمشاركة في زيارة الأربعين هي أضعاف ما يوجد في السعودية في موسم الحج وهذه الأعداد تحتاج إلى تنظيم كبير، ولكن في كل سنة نحن نسمع أنه قد حصلت حوادث للحجاج بسبب سوء إدارة هيئة الحج ووزارة الحج السعودية التي هي وزارة كاملة بكل المقاييس. من جهة أخرى من يذهب إلى الحج يحتاج إلى إمكانيات كبيرة وحتى يجب أن يدفع الضرائب لهيئة الحج السعودية، لكن في العراق كل زائر، عراقي كان أم غير عراقي لا يحتاج إلى فندق ولا يحتاج إلى شراء الطعام. يوجد متطوعون بشكل شعبي وبشكل كبير وملفت، وهذه من ألطاف الإمام الحسين (ع) وثورته المباركة، لذلك تجد البيوت مفتوحة على طول الطرق لمبيت الزوار. هؤلاء المتطوعين والمتبرعين وأهاليهم يقدمون الخدمات والطعام للزائرين ويفتخرون بتقديم هذه الخدمات على كل المستويات، لذلك تجد أن هذه الحالة في العراق هي حالة شعبية للاهتمام بهذه الأعداد الضخمة والكبيرة وليس هناك تدخل فيها من قبل الحكومة العراقية ومع ذلك هذه الزيارة تحقق في كل سنة نجاحات باهرة وكبيرة.

*التقيتم بسماحة الإمام الخامنئي لمرات وتحدّثتم إليه. هل تذكرون توصية خاصة لكم أو للمقاومة في العراق بشكل عام ؟ 

"عندما تم وضع النجباء على لائحة الإرهاب، قال لي السيد القائد: ما حصل فخرٌ لكم"
كل توصيات وكلمات سماحة السيد القائد مهمّة ومميزة سواء أكانت في اللقاءات أو في المؤتمرات العامة، ونحن نسمع الفيض الذي يفيض به سماحته من المضامين المهمة أو بعض الأحيان عندما نذهب ونتشرف بالصلاة خلفه ونغتنم الفرصة للسلام عليه. ما زال راكزاً في ذهني عندما كنت في إحدى الصلوات خلف سماحة السيد القائد وكان الاحتلال الأمريكي حينها قد وضع حركة النجباء على لائحة الإرهاب وكان لهذا التصنيف ضجة داخل العراق وخارجها، وكانت هنالك أيضاً مواقف إيجابية كبيرة متضامنة مع حركة النجباء المقاومة واستنكار في مجلس النواب العراقي وحتى على المستوى العشائري وباقي شرائح المجتمع. حينها عندما رأيت السيد القائد بعد الصلاة قال لي أن ما حصل فخرٌ لكم، ليس في الآخرة فقط وإنما في الدنيا والآخرة. وطبعاً الكلام كان جداً مهم وفعلاً إن مثل هذا الكلام له تأثير كبير على المستوى المعنوي، وكذلك بالنسبة لإخواني في حركة النجباء عندما يكون كلام كهذا من فم السيد القائد و يكون الوعد بالانتصارات في الدنيا والآخرة، فهذا فخر كبير ويزيدنا سروراً و سعادةً بما نحن عليه.