بسم الله الرحمن الرحيم
بدايةً أرحب بكافة الإخوة الكرام راجياً أن يعود مؤتمركم هذا بكل ما هو خير و صلاح علی الأمّة الإسلامية بشكل عام و علی الشعب الفلسطيني المظلوم بشكل خاص.
في البدء أود أن أبين أمرين: الأمر الأول يتعلق بالقضية الفلسطينية ـ التي تعد اليوم أبرز قضايا العالم الإسلامي ـ و الأمر الثاني يتعلق بوسائل الإعلام، و دورها و مسؤوليتها.
علينا أن لا نتردد في أنّ هذه الأيام، تعتبر أياماً حاسمة بالنسبة لفلسطين. و لا يخفى عليكم إنّ فلسطين على مدى التأريخ الإسلامي كانت ميداناً للصراع بين جبهة الإسلام و الجبهة المناوئة له، و في القرن الأخير ـ و خصوصاً في الخمسين عاماً المنصرم ـ أصبحت فلسطين الخط الأول لميدان الصراع هذا. يمكننا في الواقع أن نعتبر فلسطين لوحة اختزلت مجمل الأحداث التي شهدها العالم الإسلامي على مدى القرون المنصرمة. لكن ما يحدث اليوم على الأراضي الفلسطينية ـ إذا ما نظرنا إلى سائر أبعاد القضية ـ يعد حدثاً استثنائياً. فأولاً: الضغوط التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني لم يسبق أن مورست من قبل، و ثانياً: التضحيات الأسطورية التي يقوم بها أفراد هذا الشعب، هي الأخرى لم يسبق أن حدثت من قبل. في الواقع لم يسبق و أن شاهدنا حضوراً جديّاً للشعب الفلسطيني، بجسمه و بروحه و بماله و بأبنائه و أعزائه، كالذي نشهده اليوم. إنّ هذه من سمات الانتفاضة الأخيرة المباركة.
طبعاً الولايات المتحدة و كثير من الدول الغربية لا تخفي دعمها المتواصل لإسرائيل، و لا تجد من أجل ذلك ضيراً في أن تطأ جميع المواثيق الدولية بقدميها، و هو ما يكشف حقيقة موقف هذه الدول من المواثيق و المعاهدات و المجاميع الدولية التي لا تعدو آلة من الآلات التي يتم استخدامها لتحقيق هدف ما. إنّهم لا يكنون أي إحترام لهذه المواثيق و المعاهدات. إنّها بالنسبة لهم أدوات يتم استخدامها لتحقيق جملة من المصالح و الأهداف. و نحن نقطع بأنّه لولا الدعم الاقتصادي و السياسي و الإعلامي الذي تقدّمه الدول الكبرى، لم يكن بمقدور إسرائيل، لا اليوم و لا فی أي يوم، الوقوف على قدميها. إنّ المجرم في هذه القضية، ليست اسرائيل وحدها، المجرم بالدرجة الأولى هي الولايات المتحدة التي ساهمت و لا زالت تساهم في كافة الانتهاكات و الفجائع التي ترتكبها اسرائيل.
لقد كان مبدأ التخادم قائماً بين الدول الغربية و بين اسرائيل منذ ظهور هذه الغدة السرطانية في المنطقة، فمن جهة كانت مهمّة اسرائيل تتمثل في ضمان مصالح هذه الدول في الدول و الأراضي الإسلامية، و ذلك عبر إيجاد حالة من القلق و التوتر الدائمين في المنطقة ممّا يسهم في إجهاض أي مشروع من مشاريع الوحدة بين الدول الإسلامية، و تقويض المساعي الرامية إلى استغلال هذه الدول مواردها المادية و البشرية. و في المقابل، تسعى الدول الغربية لضمان بقاء هذه الغدّة فاعلة بالرغم من كل التحديات. طبعاً، تتولى الولايات المتحدّة الأمريكية اليوم هذه المهمّة بشكل رئيسي.
و منذ ظهور هذه المعضلة و المصيبة العظمى التي ألمّت بالعالم الإسلامي، لم تكن هناك اجراءات جدّية فاعلة تتولّى مكافحتها أو التصدّي لها، عدا بعض صفحات النضال سطرها عدد من الشخصيات البارزة من داخل فلسطين و من خارجها لا يمكن أن تُنسى بطبيعة الحال ـ كالمرحوم الشيخ عز الدين القسام، و المرحوم الحاج أمين الحسيني، و المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ـ لقد استشعر هؤلاء خطر وجود الدولة الصهيونية في المنطقة و حذروا منه كثيراً و استبسلوا في مكافحته، لكن العالم الإسلامي و رادته لم يتمكنوا من أداء دورهم إزاء هذا الخطر، ممّا جعل كفاح الشعب الفلسطيني مع هذه الظاهرة الخطيرة جداً، كفاحاً متذبذباً يصعد تارةً و يهفو أخرى.
لكن النضال الذي تشهده الساحة الفلسطينية اليوم يختلف عن كافة أنماط النضال الذي مورس من قبل، و هو يتميّز بأمرين، الأول: كونه نضالاً إسلامياً، و الثاني: كونه جماهيرياً شاملاً. و اجتماع هاتين الخصوصيتين في النضال الحالي أوجد رعباً حقيقياً لدى الكيان الصهيوني و قادته. فالشعور بالخطر أصبح سائداً في كافة الأراضي المحتلة. إنّهم يدركون جيداً مدى الخطر المحدق بهم. فما يواجهه الكيان الصهيوني اليوم ليس فئة محدّدة و لا شخصاً سياسياً كي يمكن جرّه إلى طاولة المفاوضات و إقناعه بالأجندة الصهيونية. إذ لا يخفى عليكم أنّ سبل الإقناع متعددة ـ فتارةً يتم الاقناع عن طريق التهديد و الوعيد، و تارةً عن طريق الترغيب و التطميع ـ لكن هذه المرّة بدا الأمر مختلفاً، فعندما انسحب النضال إلى كافة الشرائح الشعبية، و ساد الوعي لدى الجماهير بضرورة التصدّي لهذا الواقع، و بخلافه سيتم سحق الشعب و إبادته، و كذلك عندما يكون الإسلام هو الملهم لهذا النضال، و تكون الروح المفعمة بالإيمان هي التي تقف في المقدّمة حاملةً اللواء، لا شك أنّ هذا الواقع سيكون خطيراً جدّاً بالنسبة للعدو. إنّنا اليوم نشهد هذا الواقع على الأرض. من هنا نجد أنّ حالة من الغضب أصبحت طاغية على أصحاب القرار في النظام الأمريكي المستكبر، و هو ما انعكس على مجمل خطابهم الإعلامي. فما كان في الأمس كامناً وراء الستائر أصبح اليوم مكشوفاً على ألسنتهم. فالولايات المتحدة الأمريكية اليوم لا تكتفي بدعم الكيان الصهيوني السفاك فحسب، بل تدعم جرائمه العلنية بكل وقاحة و دون أي حياء. و الجريمة لا تقتصر على الاغتيالات اليومية أو شبه اليومية، إنّما الجريمة التي ترتكب اليوم فظيعة للغاية، و مع ذلك نجد أمريكا تؤيد و تدافع عنها بشدة، إنّهم يدعمون دخول الدبابات للشوارع الآهلة بالسكان، يدعمون هدم المنازل على رؤوس ساكنيها. هذه هي حقيقة الاستكبار. و مصطلح (الاستكبار) الذي غالباً ما يتم تداوله في تراثنا الثوري، يعبّر في الواقع عن هذه الحقيقة.
إنّهم يصنفون كل من حماس و الجهاد الإسلامي و حزب الله على المنظمات الإرهابية. لماذا يا ترى؟! ما الذي فعله هؤلاء؟! إنّ ذنبهم الوحيد هو أنّهم دافعوا عن شرفهم و وطنهم و منازلهم و شعبهم. إنّ الأمريكان يطمحون إلى أن يقوم جلادوا الكيان الصهيوني بتقتيل الأطفال أمام أعين آبائهم ـ كما فعلوا مع هذا الرجل(1) ـ دون أن يعترض أحد، دون أنْ يصرخ أحد، دون أن يغضب أحد. إنّ الذنب الذي اقترفته حماس و الجهاد الإسلامي و حزب الله في لبنان و كل المناضلين الحقيقيين في ميدان النضال هو أنّهم تصدّوا لهذه الجرائم الفظيعة التي قل نظيرها. أمّا ذنب الجمهورية الإسلامية فهو تأييدها العلني للحق و العدل. إنّنا لم و لن نترك الدفاع عن الحق و العدل استجابةً لرغبات المستكبرين. إنّنا لن نداهن من أجل ذلك أبداً. إنّنا نعلن تأييدنا للحق و دفاعنا عن العدل بكل صراحة. هذا هو ذنبنا.
لقد أزال الأمريكان أقنعتهم الزائفة و كشفوا عن حقيقتهم. ففي خطابه الأخير تحدّث الرئيس الأمريكي و كأنّه متعطش لدماء الناس! إنّه يوزّع التهم على الدول و على الناس. إنّ العالم كلّه يعلم بأنّ أمريكا هي الشيطان الأكبر، هذه حقيقة ثابتة بالأدلّة الدامغة. إنّ وصف أمريكا بـ (الشيطان الأكبر) ليس وصفاً عشوائياً، إنما توجد له إثباتات كثيرة. يكفي أن تلقوا نظرة على العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة من التأريخ الأمريكي و ستجدون أنّ أكبر قمع مورس بحق الانتفاضات و الثورات الشعبية تم على يد الولايات المتحدة، و أضخم عمليات التصفية الجسدية لأزكى أبناء الأرض تمت بواسطة جهاز المخابرات الأمريكي (السي آي أي)، و أكبر دعم جرى و يجري تقديمه للأنظمة التعسفية القمعية تم بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية. كما إنّ أضخم عمليات التجارة بالأسلحة، و أسلحة الدمار الشامل تتم على يد الأمريكان، و أضخم عمليات السرقة و الاحتيال و السطو تتم بواسطتهم أيضاً. هذه الأعمال أعمال شيطانية بامتياز. صحيح إنّ الآخرين قد يمارسونها أيضاً، لكن ليس بهذه الشيطنة و ليس بهذا الحجم، لذلك فهي حقاً الشيطان الأكبر. و جميع الشعوب ـ أقول الشعوب و ليس الدول و الحكومات ـ تقرّ بكونها شيطاناً. و في المقابل نجد الولايات المتحدة تتهم الجمهورية الإسلامية بالشيطنة! إنّنا نفتخر بكوننا متهمين من قبل أبشع شياطين الأرض، و لن نفرح أبداً بمدح القادة الأمريكان لنا أو ثنائهم علينا. إنّهم يتهمون قادة بلدنا بأنهم غير منتخبين من قبل الجماهير! في حين إنّ كافة القيادات في الجمهورية الإسلامية منتخبة من قبل الشعب، ليس انتخاباً شكلياً صرفاً لكمّ الأفواه، بل انتخاباً يتم بواسطة الأغلبية المطلقة، انتخاباً مشحوناً بالمشاعر و العواطف و التفاعل الجماهيري. إنّ هذا التسطيح و التجاهل لحقائق الشعوب، قد تلقت أمريكا عدة صفعات بسببه، و ستتلقى في المستقبل صفعات أكبر. إنّ القادة السذج للولايات المتحدة، بخطاباتهم و بحماقاتهم يجرّون بلدهم الواسع نحو الهاوية. إنّ هؤلاء يعانون فراغاً معنوياً هائلاً، إنّهم لم يشموا رائحة الإنسانية و لا صلة لهم بحقوق الإنسان. إنّهم يعتدون على الشعوب المستضعفة و يمارسون بحقها أبشع أعمال العنف و التعسف. أمّا الشعوب التي لا تخضع لهم فيمارسون بحقها ذات الأعمال التي يمارسها الصهاينة اليوم بحق أبناء الشعب الفلسطيني. لكنّهم لن يقدروا على ذلك، إنّهم متوهمون في تقييم القوة.
إنّ الكيان الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ـ العنصرين الذين يفتقدان للجانب المعنوي و الإنساني، و البعيدين عن الحقيقة و العدالة ـ يحاولان بشتى السبل إخضاع الشعب الفلسطيني الأبي، و حمله على الصمت و عدم المطالبة بحقه، لكنّهم لن يتمكنوا من ذلك. إذ إنّ أحد أبرز سمات النضال الذي يمارسه الشعب بانتفاضته المباركة اليوم، هو أنّ هذا الشعب قد انتفض انتفاضةً حقيقية بكل ما لكلمة الانتفاضة من معنى.
أمّا بخصوص الإعلام و دور المؤسسات الإعلامية. فالإعلام يعد اليوم ساحة نضال حقيقية، و يعتبر كل فرد من أفراد العالم الإسلامي مسؤولاً و مكلّفاً بقدر استطاعته بأن يساهم في هذا النضال. فالعالم اليوم هو عالم الإعلام. و قد أضحت الإمبراطوريات الإعلامية المعادية للإسلام مهيمنة على سائر أرجاء الأرض، و يدار معظمها من قبل عناصر صهيونية.
نحن اليوم نشهد تياراً هائلاً من الإعلام و الأخبار و التحليلات السياسية يسير باتجاه واحد مستهدفاً الرأي العام العالمي ـ بما فيه الرأي العربي و الإسلامي ـ لقد سيطر الصهاينة منذ البدء على أبرز المؤسسات الإعلامية العالمية. و قد كان أحد أهدافهم التحكّم بالإعلام و بالتالي بالرأي العام العالمي. و قد تحقق لهم ذلك. و مارسوا في البدء منهجاً إعلامياً خطيراً لا زال تأثيره سارياً إلى يومنا هذا. يتلخّص هذا المنهج بالمظلومية. و لدعم هذا المبدأ وضعت الكثير من الروايات و الأساطير، و الأفلام المفبركة و الأخبار المزوّرة، و بذلت جهود طائلة من أجل ترسيخ هذه الأكذوبة في أذهان الرأي العام العالمي. و ها نحن نشاهد اليوم استمرار هذا المنهج بالرغم من كل الممارسات الدموية التي تمارس بشكل يومي، بمعنى إنّ أهم غاية إعلامية للصهاينة هي الترويج للمظلومية التي عانوا منها، و لا زالوا تحت طائلتها كما يدعون.
إنّهم يروّجون لقضية القلق النفسي الذي يعاني منه اليهود، و يدّعون أنّ الضغوط التي مورست على اليهود طيلة قرون من الزمان جعلتهم يعانون من اضطراب نفسي، و بالتالي فهم بحاجة إلى استقرار و أمن نفسي. و هذا الموضوع يتم طرحه في كافة اللقاءات بين الصهاينة و قادة الدول الغربية، و كذلك في المفاوضات التي تجري بينهم و بين زعماء الدول العربية و الإسلامية، إنّهم يؤكدون في كل لقاء على معاناتهم من القلق النفسي و حاجتهم للأمن النفسي.
لكن يا ترى ماذا يعني هؤلاء بالأمن النفسي؟ في الواقع إنّ هذا الموضوع لا يعني شيء و لا طائل من وراءه. فكل مشروع يطرح و لا يصب في صالح الصهاينة، يستطيع الصهاينة إفشاله بذريعة معارضته للأمن النفسي. لقد تمكّن الصهاينة من إقناع جزء كبير من الرأي العام العالمي بهذا الموضوع، و بضرورة حماية اليهود و توفير الأمن النفسي لهم.
و كما هو معلوم فإنّ تلبية متطلبات الصهاينة من الأمن النفسي، أصعب بكثير من غض الطرف عن الأرض المحتلة. بمعنى أنّكم عندما تفقدون الأرض تعرفون ما هو الشيء الذي فقدتموه، لكن عندما تريدون تلبية المطالب الإسرائيلية فيما يتعلّق بالأمن النفسي، لن تعرفوا ما هو حجم التنازلات التي عليكم تقديمها، و ما هو حجم المنح و الامتيازات. إنّ هذه التنازلات و المنح لا نهاية لها و لن تقف عند حد. و التجربة الأوربية في هذا الخصوص ملفتة للنظر. فالحكومة الألمانية على سبيل المثال قدّمت مائة و خمسين مليار مارك ألماني كخسائر لليهود، لكنّهم لا زالوا يطالبون الجانب الألماني بخسائر أكبر! و الأمر لا يقتصر على ألمانيا وحدها، فاليهود مارسوا التجربة نفسها مع دول أوربية أخرى ـ كالنمسا، و سويسرا و فرنسا ـ على الجميع أن يقدموا خسائر لليهود، خسائر لا يعلم أحد ما هو أمدها!
لقد عمل الإسرائيليون على الجانب النفسي كثيراً. فما من رجل سياسي، أو صحفي، أو مفكر أو قيادي أو مثقف غربي إلاّ و عليه أن ينحني أمام الصرح الذي يخلد محرقة اليهود. بمعنى أنّ على الجميع أن يقرّ و يعترف و يؤكد رواية لا يُعلم مدى صحتها، ليس هذا فحسب إنّما و يعتبر نفسه مديناً إزائها!
هذا نمط من الإعلام الذي يمارسه الصهاينة، و يتمحور حول قضية المظلومية التي أشرنا لها.
أمّا الجانب الآخر الذي عمل عليه الصهاينة فهو الرأي العام المسيحي، و ذلك من خلال إقناع شريحة كبيرة من المسيحيين بصحة أفكارهم و متبنياتهم عبر التركيز على القصص الواردة في التوراة التي تفيد بأنّ هذه الأرض قد وهبت لبني إسرائيل، لدرجة أنّني قد وجدت إحصائية تبين أنّهم قد تمكنوا في بعض الدول ـ على رأسها الولايات المتحدة ـ من غسل أدمغة ملايين المسيحيين و جعلهم صهاينة غير متهودين! إنّهم يزاولون نشاطهم الإعلامي على هذا النحو منذ سنوات، و هم اليوم يعملون بجهود مكثفة لجعل آلتهم الإعلامية تلتهم العالم بأسره.
يضاف إلى ذلك إنّهم استغلّوا الأحداث التي وقعت مؤخراً ـ كأحداث الحادي عشر من سبتمبر في كل من نيويورك و واشنطن ـ و استطاعوا توظيفها لتهميش القضية الفلسطينية و جعلها قضية ثانوية على هامش اهتمامات العالم الإسلامي. كما حصلوا على أكبر دعم من الولايات المتحدة. و في المقابل لن يحق لأي أحد في أي دولة من الدول التي تدعي الحرية و الديمقراطية أن يتفوّه متسائلاً أو معترضاً على سلب الحياة من الأطفال و النساء الفلسطينيين، أو متحدّثاً عن العنف الذي يمارس يومياً بحق الشعب الفلسطيني.
وبالنظر لهذا المنهج الإعلامي، و انطلاقاً من معرفتنا بالواقع النفسي الذي يعيشه العدو، يتحتّم على كافة المسؤولين و المتصدّين للإعلام في الدول الإسلامية أن يشعروا بالمسؤولية و يعملوا ضمن منهج واضح للتعاطي مع هذا الواقع. فهذه المهمّة تكتسب اليوم أهمية كبرى، ليس للشعب الفلسطيني فحسب، إنّما لكافة أرجاء العالم الإسلامي.
فعلى سبيل المثال يمكن الإشارة إلى تجربة الجنوب اللبناني ـ التي لا تخفى على السادة الحضور ـ كنموذج. فقد استطاع الشباب اللبناني المؤمن المجاهد استثمار العنصر الإعلامي على أفضل نحو، لدى المواجهات الكبيرة التي خاضوها مع العدو الصهيوني، و تمكنوا من إبراز عنصر المقاومة و التضحية و الفداء بصورة صحيحة إلى العالم الإسلامي، حتى أخضعوا العدو و آيسوه، فأدرك العالم الإسلامي ماذا تفعل المقاومة في الجنوب اللبناني، و ماذا تريد، و ما هي غايتها. فهنا قد تمّ توظيف الإعلام توظيفاً صحيحاً ساهم في تدعيم الروح المعنوية للمجاهدين، و في المقابل أثار الرعب و اليأس لدى العدو. و هذا ما يجب علينا القيام به دائماً. فالعالم الإسلامي في حرب مستمّرة و هو عرضة لهجمات دائمة. فهذه قطعة من جسد العالم الإسلامي تمكث بين مخالب الصهاينة، ينهشون بها صباحاً و مساءً، لذلك يجب استثمار الجانب الإعلامي إلى أبعد الحدود و توظيفه لهذه القضية.
لا بدّ من العمل وفق إستراتيجية إعلامية هادفة و فاعلة لمواجهة الصهاينة الغاصبين. و لا يكفي العمل التكتيكي المرحلي الذي تفرزه الأحداث، و يتم من خلاله إبراز بعض صفحات الظلم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. لا بدّ من وجود إتجاه إعلامي شامل تتفق عليه كافة أقطاب العالم الإسلامي و تعمل بموجبه.
صحيح إنّنا لا نسيطر على المنظمات الإعلامية الرائدة في العالم، لكن ما نملكه أيضاً ليس بالشيء القليل. علينا أن نستثمر ثرواتنا و مواردنا و أرصدتنا ـ التي يزخر العالم الإسلامي بها ـ أقصى استثمار. على الجميع أن يعمل بهذا الاتجاه، فالكل يتحمل المسؤولية، كلّ بحسب موقعه و إمکاناته. المفكرون، السياسيون، الأدباء ـ شعراء و كتاب ـ الفنانون و الطلاب، الجميع يتحمل المسؤولية. فهؤلاء يمثلون نخب مؤثرة، نخب باستطاعتها إثراء المنظومات الإعلامية بالمواد الإعلامية الصحيحة و المفيدة. فعلى سبيل المثال اجتماعكم هذا هو بحد ذاته يمثل حدثاً بالغ الأهمية. فمن خلاله تستطيعون التأسيس لمشروع إعلامي مشترك يساهم فيه العالم الإسلامي برمته. فهذا ليس عملاً مستحيلاً. لماذا يا ترى لا نتمكّن من استثمار أدواتنا؟
هناك طائفة من الكتاب و المفكرين الإسلاميين يأخذون على زعماء الدول الإسلامية و غير الإسلامية المتعاطفة مع الشأن الفلسطيني عدم استثمارهم ورقة النفط و الثروة و الموقف السياسي لصالح القضية الفلسطينية، و هذا الإشكال وارد و نحن نؤكد صحته، لكن يمكن توجيه ذات التساؤل إلى هذه الطبقة ذاتها من الكتاب و المثقفين: لماذا لا يتم استثمار الثروة الفكرية أو الثقافية أو الأدبية الكبيرة و توظيفها لصالح هذه القضية؟ فمثلاً نحن نجد الشعر قد يخلّف أثراً بالغاً لا يمكن لأي مال أو ثروة مهما بلغت إيجاد تأثير مماثل له. فعلى سبيل المثال في أحد الأيام ألقى أحد الشعراء الفلسطينيين شعراً أثار به العالم العربي بأسره، و قد حدث ذلك عام 67 أو 68. لذلك قد يكون لمشروع أو منهج أو أسلوب إعلامي منظّم هادف أثر يفوق أثر ورقة النفط.
إنّ ما تتطلّبه المرحلة اليوم، هو تأمين الدعم المعنوي للمناضلين، و زرع روح الأمل لديهم. لكنّ ما نشهده في بعض الأحيان هو العكس. فأجهزة الإعلام الغربية تسعى جاهدة لإضعاف الروح المعنوية للمناضل و تجريده من آخر بارقة أمل لديه. لقد شاهدنا في الأشهر القلائل الماضية من عمر الانتفاضة عدد من الأقلام كرّست للتعريض بالانتفاضة و الانتقاص منها، إنّ هذه الأقلام هي بمثابة السم للانتفاضة الفلسطينية. إنّ نتيجة ما تسطره هذه الأقلام هو أنْ لا سبيل للشعب الفلسطيني سوى التسليم و الركوع أمام الصهاينة.
ولا يخفى إنّ أمريكا و إسرائيل لن ترضیان بأقل من الاستسلام المطلق لهما. لكنّ هؤلاء أعداء، و هم متوهمون، فهذا الشیء لن يحصل أبداً. إنّهم لن يرضوا من الشعب الفلسطيني سوى بالتسليم المطلق لهم، و هذا الأمر قد بدا واضحاً من خلال طبيعة التعاطي الإسرائيلي مع الطرف الفلسطيني. إنّهم غير مستعدين لمنح الطرف الفلسطيني أي تنازل أو امتياز. إنّ غايتهم توظيف الطرف الفلسطيني و استخدامه كأداة للقضاء على الانتفاضة. إنّهم لا يرضون بأقل من ذلك. علينا أن لا نساهم في إحباط الشعب الفلسطيني، علينا أن نبرز له الحقائق كما هي. فالحقيقة تتمثّل بالأمل و بالأفق الجديد، تتمثّل بالرعب الذي سيملأ قلوب الصهاينة، تتمثّل في استئصال شوكة القوى الداعمة و الساندة لهم و تلاشيها أمام شعب يدفعه إيمانه للنهوض و الثورة. فالشعب إذا كان متماسكاً متآزراً مؤمناً بقضيته، فهو شعب لا يهزم أبداً. علينا قدر الإمكان إبراز هذه الحقائق و تسليط الضوء عليها لنتمكّن من زرع الأمل في قلوب المناضلين المرابطين وسط الميدان، و خلق روح المقاومة و الاستبسال لديهم. إنّ مهمّة الإعلام في الوقت الحاضر تتمثّل في الإعداد النفسي للمقاومة.
لقد دأبت وسائل الإعلامي الصهيونية على أن تكتفي بالتلميح للجرائم التي يرتكبها الصهاينة على الأرض، و لو كان باستطاعتهم تجاوز ذلك أيضاً لتجاوزوه، لكنّ مقتضيات المصلحة الإعلامية تتطلّب إلقاء الضوء على ذلك لكن بشكل مختصر، هامشي، ناقص، و مفبرك، و في المقابل تضخيم العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون دفاعاً عن وجودهم و شرفهم و وطنهم و أرضهم، لدرجة تبدو معها إسرائيل تعاني من مظلومية كبرى! و يبدو الشعب الفلسطيني الذي هو المظلوم الحقيقي، شعب إرهابي سفاك، و يبدو المتجاوز السفاك الحقيقي مظلوماً. و هذا ما تضطلع به وسائل الإعلام في الوقت الحاضر، و يركز عليه الساسة في خطاباتهم أيضاً.
يجب أن لا ينتهج النظام الإعلامي الإسلامي و العربي نهجاً و كأنّه بعيد عن ساحة المعركة. إنكم تقفون وسط هذه الساحة شئتم ذلك أم أبيتم. إنّ كل فعل نقوم به اليوم سيثبته التأريخ في المستقبل. و نحن نرجو أن يعي العالم الإسلام هذه القضية بكل أبعادها و جوانبها و يقوم بما يجب عليه إزائها.
نرجو من العلي القدير أنْ يمنّ على الشعب الفلسطيني و على العالم الإسلامي أجمع برحمته و بركاته و يشمله بلطفه و نصره. إنّنا نجد بشائر الخير تلوح في الأفق. و نتوقّع أن يحمل الصبر و الثبات مستقبلاً جيداً للعالم الإسلامي بشكل عام و لفلسطين بشكل خاص. كما نرى أنّ موت العالم الإسلامي و ذلته و هوانه لن يتحقّق إلاّ إذا بدأ يتقهقر أمام تطلّعات الاستكبار و يتراجع أمام الصهاينة و يستسلم لهم. نسأل الله أنْ يكف عن العالم الإسلامي شرّ ذلك اليوم و يحميه من الوقوف موقف الذلّ و الهوان.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1) جمال‏ الدرّه، والد الشهيد محمد الدرّه.