بسم الله الرحمن الرحيم،

والحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّدٍ، وعلى آله الأطيبين وصحبه المنتجبين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيّها الإخوة الأعزّاء، أرحّب بكم كثيرًا. إنّها جلسة عذبة ووديّة ودافئة، وإنّ المرء يرى – بحمد الله – مختلف الوجوه. [1]نأمل أن تتقارب القلوب أكثر فأكثر، إن شاء الله.

في العام المنصرم، حضر هذه الجلسة الشهيد السيّد رئيسي (رضوان الله تعالى عليه) وقدّم تقريرًا مفصّلًا بشأن الخطوات التي أقدَم عليها، وكذلك بشأن خدماته وجهوده. أما اليوم، إن شاء الله، وبلطف الحق تعالى، فإنه يجني أجر جهوده على مائدة اللطف والرحمة الإلهيّة، وينعم بثوابها. أيّها المديرون الأعزّاء، فلتنظروا إلى هذه الخدمات بهذه النظرة. الأعمار بيد الله، وليس من الواضح أين وكيف سنكون غدًا. انظروا بهذه العين، بأن لو قدّمتم اليوم هذه الخدمات التي تكفّلتم بها، بإخلاص وقوّة وبهذا الدافع نفسه الذي أشار إليه السيّد رئيس الجمهوريّة الموقّر وعبّر عنه، فإنّ أجرها وثوابها سيكونان عظيمين لدرجة أنّه لن يتسنّى تقديم ثوابها في هذه الدنيا، وسوف يُعوّضكم الله المتعالي خيرًا في ظلّ رحمته وفي الجنّة وفي العالم الآخر، إن شاء الله. طبعًا، للعمل الصالح آثاره في الدنيا أيضًا.

أنا – العبد – أشكر أوّلًا رئيس الجمهوريّة الموقّر السيّد الدكتور بزشكيان على الكلمة التي ألقاها، فقد ألقى كلمة شاملة وجيّدة ومفيدة. ما يلفت نظري، وقد قلت هذا مرارًا لجنابه شخصيًّا، هو حالة الدافع الموجودة لديه، وهذه ذات قيمة كبيرة. هذا الدافع، وهذا الشعور بـ«أنّنا قادرون، وسوف نُنجز حتمًا، وسنُتابع، وسنعتمد على الله، ولن نعتمد على غير الله»، هذا الحالة لدى جنابه تنطوي على قيمة عالية، وسيتمكّن إن شاء الله وبعون الله من إنجاز هذه الأعمال. آملُ أن يقف جنابه، إن شاء الله، بعد مدة غير طويلة، مقابل هذا الجمع ويُبشّر النّاس بتنفيذ هذه المطالب الكُبرى، ويبعث السرور فيهم.

الموضوع الذي أعددته – أنا العبد – لكي أعرضه عليكم هنا، هو كلمة في باب شهر رمضان، كما أعددتُ بعض الكلمات بشأن المواضيع المُبتلاة بها البلاد، إلى الحدّ الذي يرتبط بجمعنا، حتّى أذكرها على مسامعكم.

[ما أودّ قوله] في باب شهر رمضان، أنّ شهر رمضان شهرُ الذّكر والقرآن. القرآن كتابُ ذكرٍ أيضًا: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} (9) في سورة الحجر، أو {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} (50) في سورة الأنبياء والآيات العدة الأخرى. القرآن ذكر، ومدعاة للذكر، هو كتابُ ذكر. ما الذي يعنيه «الذكر»؟ الذكر هو النقطة المقابلة للغفلة والنسيان.

أحد أهم ابتلائات البشر هو النسيان؛ [قد] ينسى الإنسان عملًا ضروريًّا وموضوعًا مفيدًا، ولكن ما يُلحق الخسارة ولا يُمكن تعويضه هو نسيان أمرين أساسيّين: الأوّل نسيان الله، أي أن ينسى الإنسان الله؛ والثاني هو نسيان الذات، نسيان النفس. هذان نوعان من النسيان لا يمكن وصفهما من حيث الضرر الذي يلحق بمستقبل الإنسان. لقد أشار الله المتعالي إلى كلا هذين النوعين من النسيان في القرآن الكريم، وصرّح بهما. يقول في موضع معيّن أنْ: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (التوبة، 67). هؤلاء نسوا الله، فنسيهم الله المتعالي أيضًا. إنّ نسيان الله، أي أن ينسى الله أحدهم، فيه معنى مستعار، لأنّ الله لا ينسى شيئًا أو أحدًا. الاستعارة تعني أنّ الله المتعالي يطرده من دائرة رحمته وهدايته؛ هذا ما يعنيه نسيان الله. «نَسِيَهُمْ» أي إنّه لا يجعله بعد ذلك ضمن نطاق نظرة لطفه، ويخذله، خذله الله. من أهمّ أنواع اللعن [عبارة] «خذله الله». «الخذلان» يعني أن يُترك الشخص وشأنه، ولا يُكترث به، ولا يُساعَد، ولا يُفكَّر في أمره. هذا هو الخذلان، وهذا ما تعنيه [كلمة] «نَسِيَهُمْ». لذلك، من الأمور التي تُطلب بجديّة وحدّة من الله تعالى في دعاء الصحيفة السجاديّة، في ذاك الدعاء المعروف: «وَلا تُرسِلْنِي مِنْ يَدِكَ إِرْسَالَ مَن لَا خَيْرَ فِيهِ»[2] و«الإرسال» في العربيّة أيضًا، في مثل هذه الحالات، يعني الرمي، أي لا ترمني بعيدًا من يدك مثل الشيء الذي لا قيمة له ولا ينفع في شيء، «وَلا تُرسِلْنِي مِنْ يَدِكَ إِرْسَالَ مَن لَا خَيْرَ فِيهِ». هذا هو النسيان الإلهي، وجزاء النسيان الإلهي أنّ الله يجعله في مثل هذا الوضع وهذه الحالة، وهذا أكبر خسارة. نسيان الإنسان نفسه جاء في سورة الحشر المباركة: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} (19). نسوا أنفسهم. لقد نسوا الله، والله المتعالي أنساهم أنفسهم أيضًا، أي أصيبوا بنسيان الذات.

حسنًا، يتعامل الإنسان دائمًا مع قضايا الحياة اليوميّة، ولا ينسى هذه الأمور. إنساء النفس هذا، أي أن يُصيب الله أحدهم بنسيان الذات، له معنى عميق على المستوى الفردي، وكذلك على المستوى الاجتماعي. على المستوى الفردي يعني نسيان الإنسان نفسه أن ينسى الهدف من خلقه. حسنًا، نحن نعتقد أنّ الله المتعالي يتصرّف بحكمة. من أجل ماذا خلقنا؟ لماذا خلقنا؟ هذا سؤالٌ مهمّ. الله المتعالي، وأولياؤه وأئمّة الهدى أيضًا، أخبرونا بالسبب الذي خلقنا من أجله الله، لقد خلقنا الله لكي يوصل الإنسان إلى المراتب العُليا للفضيلة الوجوديّة، ولكي يُحوّله إلى خليفة الله. هذا هو الهدف من خلق الإنسان. لقد خلقه حتى يجعله عظيمًا، ولكي يُبلغه المنزلة السامية. لقد تكرّر هذا الأمر في القرآن والروايات وكلمات المعصومين والأولياء. [نسيان الذات يعني] أن يغفل الإنسان عن هذا، وأن يغفل عن أنّهُ خُلقَ من أجل هذا.

كما إنّ غفلة الإنسان عن انقضاء الحياة أحد أنواع النسيان أيضًا. هذه الحياة عابرة على أيّ حال، والإنسان يغفل. نحن جميعًا لدينا خاتمة، وهذا واضحٌ بطبيعة الحال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (الزمر، 30)، واسم هذه الخاتمة في التعبير العربي هو «الأجَل» بطبيعة الحال، لدينا أَجَل. أن ننسى الأجَل. هذا الأجَل قد يكون بعد ساعة، وقد يكون بعدَ يوم، وقد يكون في العام المقبل. على أيّ حال، يجب أن نُعدّ أنفسنا له، وهذا أحد النماذج على نسيان الذات. نقرأ في «دعاء أبي حمزة» الشريف: «لَمْ أُمَهِّدْهُ لِرَقْدَتِي»[3]، هذا هو تعبيره – لو أنّك أخذتني من هذه الدنيا على ما أنا عليه، فأنا لم أعدّ نفسي ولم أجهّز نفسي ولم أحضّر قبري – الويل لي لو غادرتُ الدنيا على هذه الحال! يغفل الإنسان عن وجوب إعداد نفسه ورؤية المستقبل والاستعداد للقاء الله. حسنًا، هذه هي أنواع الغفلة الشخصيّة. يمكن للإنسان أن يوقظ نفسه من هذه الغفلة بالدعاء، والتضرع، والصوم، ومنع الأهواء النفسيّة، وهو ما يتحقق في الصوم، وأن يحيي هذا الذكر، وهذا التوجه، وينقذ نفسه من نسيان الذات.

إذا زالت هذه الغفلة، حينها يتذكّر الإنسان السؤال الإلهي، ونلتفت إلى أنّنا سنتعرّض للسؤال الإلهي. تقول الآية القرآنيّة الشريفة: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} (الأعراف، 6). نحن أيضًا نسأل أولئك الناس الذين أرسلنا لهم الأنبياء، ويجب أن يجيبوا عمّا فعلوه وكيف تصرّفوا. كذلك «وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ»، ونسأل ذاك النبيّ أيضًا. تخيلوا مقام عظمة النبي؛ [رغم ذلك] سيسأله الله المتعالي ماذا فعلت؟ كيف تصرفت؟ نحن أما هذا المشهد.

إذا تذكّر الإنسان هذه الحالة، سيحدث حينها تغيّر في سلوكه. نقرأ في «دعاء أبي حمزة الثمالي»: «اِرْحَمْنِي إِذَا انْقَطَعَتْ حُجَّتِي وَكَلَّ عَنْ جَوَابِكَ لِسَانِي وَطَاشَ عِندَ سُؤَالِكَ إِيَّايَ لُبِّي»[4]، عندما يُوجّه السؤال إلى الإنسان في الحضرة الإلهيّة وفي يوم القيامة، فإنّ الإنسان يتذرّع بالحجج بطبيعة الحال. [يُسأل] لماذا لم يحدث ذاك الفعل؟ لماذا تُرك ذاك الفعل؟ [حينها] على الإنسان أن يجيب. يتذرّع الإنسان بالحجج، هذه الحجج نفسها التي نذكرها لبعضنا بعضًا في هذه الدنيا: «لم يحدث لهذا وذاك». ثمّ يُقنعوننا بأن لا، هذه الذريعة ليست صحيحة، وهذا الاستدلال غير صحيح. هناك تنقطع ذرائعي وحججي واستدلالاتي، «إِذَا انْقَطَعَتْ حُجَّتِي وَكَلَّ عَنْ جَوَابِكَ لِسَانِي»؛ يكلّ لسان الإنسان أمام السؤال الإلهيّ. «وَطَاشَ عِندَ سُؤَالِكَ إِيَّايَ لُبِّي»؛ يتشتّت عقل الإنسان أمام هذه الأسئلة ويتلاشى. حسنًا، عندما يتحقّق الذكر، وعندما تنشأ هذه الحالة لدى الإنسان بأنّنا نتحمّل هذه المسؤوليّة، فإنّ هذا يؤثّر في سلوكنا. هذا هو نسيان الذات. حسنًا، هذا بشأن نسيان الذات على المستوى الفردي.

حسنًا، لقد دوّنتُ هنا نقطة لأذكرها؛ قضيّة السؤال الإلهي هذه التي تشمل الأفراد جميعهم، {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ}، تشمل المسؤولين على نحو أكبر. لأنّنا تولّينا المسؤوليّة بإرادة منّا؛ قدّموا لنا اقتراحًا، ووافقنا عليه نحن أيضًا ورضخنا لعبء هذه المسؤوليّة، الأمر أقسى بالنسبة إلينا، وعلينا أن نكون أشدّ مراقبة. إذا كنتم تجدون أفراد الناس والشباب والمتديّنين أنّ اجتنابهم للذنب بهذا القدر على سبيل المثال، واهتمامهم بـالقرآن الكريم والعبادات بالمقدار الفلاني، فعليكم أن تمتلكوا أكثر منهم روحيّة اجتناب المحرّم والإقبال على الواجب والمحلّل[5] هذه، وعليكم أن تشعروا بالمسؤوليّة أكثر. حسنًا، في خصوص نسيان الذات المرتبط بالمجتمع. نسيان الذات على المستوى الاجتماعي أهمّ. هناك آية شريفة في القرآن الكريم، في سورة التوبة. طبعًا، هذه الآية الشريفة وردت بشأن المنافقين – هي تلفت انتباهي كثيرًا، عندما أصل إلى هنا وأقرؤها – ذاك المقطع الذي أعنيه من تلك الآية هو هذا: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} (التوبة، 69). هذا [الموضوع] يهزّ الإنسان. حسنًا، كان لهذا البلد حُكّام قبل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وكان له مديرون، وكانوا يفعلون بعض الأمور، ولديهم أعمالهم السيّئة وانتهاكاتهم. هذه الثورة الإسلاميّة انتصرت بفضل تلك الجهود والآلام كلّها وبمعجزة شخصٍ مثل الإمام [الخميني] (رضوان الله عليه) – الذي كان حضوره ووجوده في هذه البرهة من الزمان شيئًا أشبه بالمعجزة حقًّا – وفضل التضحيات الجسام، ومع فقد تلك الأعداد كلّها من الشباب الأعزّاء والجيّدين والبارزين، وحوفِظ عليها وانبثق نظام الجمهوريّة الإسلاميّة هذا. حسنًا، إذا اتّجهنا نحن أيضًا لبلوغ ذاك الوضع نفسه وتأدية العمل نفسه وسلوك المسار نفسه الذي كان المديرون يسلكونه في عهد الطاغوت، فهذه جريمة كُبرى جدًا، وهذا ما تقوله هذه الآية. {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ}؛ أولئك الذين كانوا قبلكم، افترضوا لأنفسهم نصيبًا ومنفعة، وحصلوا على ذاك النصيب وتلك المنفعة. {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ}؛ وأنتم افترضتم لأنفسكم أيضًا نصيبًا ومنفعة، وقد حصلتم على تلك المنفعة أيضًا. {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ}؛ وقد تصرّفتم أنتم كما تصرّفوا هم. {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}؛ سلكتم أنتم أيضًا المسار الذي سلكوه نفسه. لو غدا الأمر على هذا النحو، فإنّه مدعاة للقلق بصورة كبيرة، ولو حدث مثل هذا الأمر، سيكون خُسرانًا لا نظير له. طبعًا، لم يسمح لطف الله المتعالي وفضله وهدايته حتّى الآن بأن يصيب الجمهوريّة الإسلاميّة مثل هذا الوضع، ولكن علينا أن نخاف وأن نحذر.

هذا ما يعنيه «نسيان الذات الاجتماعي»: أن ننسى هويّتنا، وأن ننسى الفلسفة الوجوديّة للجمهوريّة الإسلاميّة. علينا ألّا نتصرّف على ذاك النحو نفسه الذي تصرّف وفقه من سبقونا في السياسة الخارجيّة والسياسة الداخليّة وإدارة شؤون البلاد وتقسيم الامتيازات والموارد الخاصّة بهذه البلاد. مسارهم كان مسارًا مختلفًا، ومسارنا مسارٌ مختلف، وهويّتنا هويّة مغايرة. لو نسينا نحن هذا الأمر، فسوف يكون هذا نسيان الذات ذاك نفسه على المستوى الاجتماعي، وهو خسرانٌ عظيم. الاعتماد على الأجنبي والعيش على أساس التعدّي وعلى أساس الفساد وعلى أساس التمييز الخاصّ وأنواع الانتفاع بالطرق غير السليمة؛ بطبيعة الحال، إنّ هيئة الحضارة الإسلاميّة والنظام الإسلامي اللذين نسعى وسعينا إلى إرسائهما يتعارضان تمامًا مع هذا. لا يمكننا أن نقلّد الآخرين [في هذا المجال].

حسنًا، لأتحدّث في هذا المجال ببضع كلمات. هكذا هي هيئة النظام الإسلامي: هي قائمة على المبادئ والمُثل القرآنيّة. لم يترك القرآن أيّ شيء ناقصًا. لم تُترك أيّ نقطة ناقصة في تفسير القرآن، وتبيين المفاهيم القرآنيّة وفي رواياتنا وكلمات المعصومين ونهج البلاغة الشريف نفسه. هناك تعريفٌ محدّد للنظام الإسلاميّ والبلد الإسلامي والمجتمع الإسلاميّ، بناءً على هذه المعايير وهذه المُثل والأهداف التي تمّ ترسيمها في الكتاب والسنّة. علينا أن نتحرّك باتجاه هذه المُثل. هناك قيم محددة، هناك واجبات ومحظورات محددة؛ يجب علينا أن نتحرك نحو هذه الواجبات والمحظورات، يجب أن نضع جهدنا في هذا الاتجاه.

لا يمكننا في مختلف قضايانا السياسيّة والاقتصاديّة وسائر الأمور الأخرى أن نكون تابعين لأسس الحضارة الماديّة في الغرب. طبعًا، الحضارة الغربيّة لها مزايا أيضًا، ولا شكّ في هذا الأمر. يجب أن نستفيد من أيّ ميزة في أيّ مكان من العالم، في الغرب أو الشرق، البعيد أو القريب، حيثما وُجدت ميزة يمكننا تعلّمها والاستفادة منها، علينا أن نفعل ذلك، ولا شكّ في ذلك. لكنّنا لا نستطيع الاعتماد على أسس تلك الحضارة، لأنّها تقوم على مبادئ خطأ، وهي تتعارض مع الأسس الإسلاميّة. قيم تلك الحضارة قيمٌ مختلفة. لذلك، تجدون أنّهم يصلون بسهولة، من النواحي القانونيّة والاجتماعيّة والإعلاميّة، إلى أمور قد تخجلون حتى من التفكير فيها، أنتم المسلمون والعارفون بـالقرآن. لذلك يجب ألّا نُصاب بـ{فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} في مقولة اتباع الحضارة الغربيّة هذه.

لقد كشفت الحضارة الغربيّة عن باطنها بمرور الوقت. ذاك البريق الذي كانت تبدو عليه في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، واللمعان الذي كانت تحدثه في عيون الناظرين من بعيد، لم يعد موجودًا اليوم. لقد انكشفت الحضارة الغربية من خلال الاستعمار، وفرض إرادتها على الدول الأخرى، والاستيلاء على موارد ثروات الدول والشعوب الأخرى، والمذابح الواسعة، والمعايير المزدوجة، والادعاءات الكاذبة لحقوق الإنسان، والادعاءات الكاذبة لحقوق المرأة؛ هذه الأمور فضحت الحضارة الغربية، وكشفت عن باطن الغرب. أزالوا الحد الأخلاقي بين الرّجل والمرأة. هم يدّعون أنّهم لا يكترثون للقيم، ويمنحون كلّ شخصٍ هذه الصلاحيّة. هذه هي العلمانيّة بطبيعة الحال. فالعلمانيّة تعني أنّ هذه الحكومة والدولة، لا تنحاز إلى أيّ قيمة، وهي تمنح الجميع الحق في أن يعيشوا وفق آرائهم وقيمهم. هم يكذبون [طبعًا]! تتعرّض المرأة المرتدية للعباءة في أحد الدول الأوروبيّة للهجوم وتُجرح، فتلجأ إلى المحكمة، وتنشغل بمحاكمتها، ثمّ في جلسة المحكمة نفسها تلك، يوجّه الذي ضربها سابقًا نفسه ضربة أخرى إليها، فيقتلها! ولا يهتزّ جفنٌ لأحد! أي إنّ ازدواجيّة المعايير في الغرب تفضح الحضارة الغربيّة حقًّا، وهي تفضح ادّعاءات هؤلاء.

يدّعون حرية التعبير؛ ولكن هل الأمر على هذا النّحو حقًّا؟ هل حريّة التعبير قائمةٌ الآن في الغرب؟ هل يمكنكم أن تذكروا اسم الحاج قاسم سليماني أو السيد حسن نصر الله أو اسماعيل هنية في الفضاء الافتراضي التابع للغرب؟ هل يمكنكم الاعتراض على الجرائم التي تُرتكب في فلسطين ولبنان وغيرهما على يد الصهاينة؟ هل يمكنكم إنكار ما زعموا من أحداث في ألمانيا زمنَ هتلر ضد اليهود؟ هل هذه هي حريّة التعبير؟ أي إنّ هذه الحضارة قد كشفت اليوم عن نفسها وباطنها في واقع الأمر. وتلاحظون بطبيعة الحال هذه التصريحات التي يُطلقها الرؤساء الغربيّون، وتحديدًا - وهذا ليس كلامي أنا، بل كلام الغربيّين من علماء الاجتماع ذوي العمق والدقّة - بأنّ الحضارة الغربيّة تسير نحو المزيد من الأفول يومًا بعد يوم. هكذا هو الحال.

حسنًا، لا يحقّ لنا اتّباع أسس هذه الحضارة والسير وراءها. نحن نملك هويّتنا، ولحُسن الحظ، هذه الهويّة تشمخ في العالم يومًا بعد يوم. طبعًا، هناك أيضًا هذا القدر كلّه من الدعايات الإعلاميّة ضدّها، هذا القدر كلّه! أحد الأمثلة على هذه المعايير المزدوجة وحرية التعبير هو أن تنظروا بأنفسكم أي من وسائل الإعلام الأجنبية عندما تتحدث عن إيران، هل ما تقوله يتطابق مع الحقائق الموجودة في إيران.

 لديكم تقدّم علمي، لا ينعكس، ولديكم حشود شعبيّة، فلا يُسلّط الضوء عليها، وقد حقّقتم نجاحات كبيرة في شتّى المجالات، ولا يُسلّط الضوء عليها، [إذا كان] لديكم حالة فشل واحدة، يضاعفونها عشر مرّات! هكذا هي حريّة التعبير! تعاملهم مع شتّى القضايا ومختلف الأفراد ليس واحدًا، بل مختلفًا.

إذًا، يكمن الأمر المهم في أن نعرف نحن المسؤولون في نظام الجمهورية الإسلامية الهويةَ الحقيقية للنظام الإسلامي، وألّا ننساها، ونتابعها. كما إنّ النقاط التي ذكرها جناب رئيس الجمهورية هي أيضًا تحظى بتأييد كل الذين يعرفون القرآن والسنة ونهج البلاغة وما شابه ذلك؛ هذه هي كلّها، ولا بدّ من التخطيط لها ومتابعتها والإقدام عليها؛ فهي ما سنرتقي بالبلاد، وتجعل الشعب الإيراني أعزّ مما هو عليه. هذه من شأنها أن تشكّل نموذجاً ليس فقط أمام الشعوب، بل حتى أمام كثير من رجال الدولة في مختلف البلدان، إذا استطعنا أن ننجز هذه الحركة على نحو صحيح ونمضي بها قدمًا. طبعًا، سأتحدث لاحقًا عن هذا السير والتقدم بنقطتين أو ثلاث موجزة. حسناً، كان هذا في ما يخصّ المسائل المتعلقة بشهر رمضان.

في ما يتعلق بقضايا البلاد، فإنّ القضية الأهم في المقام الأول هي قضية الاقتصاد. حسناً، جميعنا نعلم أنّه اليوم، أي في هذه السنوات الأخيرة، منذ بداية العقد الماضي تقريباً حتى اليوم، واجهت البلاد مشكلات اقتصادية. واليوم لا تزال القضية الاقتصادية قضية أساسية ومهمة أيضاً. كما ينبغي أن نلتفت أيضاً إلى أنّ التهديدات التي يوجّهها الأعداء تتركّز في غالبيتها على معيشة الناس؛ فمعظم التهديدات الأمنية والاستخباراتية تستهدف معيشة الناس. أي إنّ المخطط العام يهدف إلى جعل الجمهورية الإسلامية عاجزة عن إدارة معيشة الناس، وهذا ما سيترتّب عليه تبعاته؛ هذا ما يسعون إليه. لذا، تعدّ قضية المعيشة قضيةً مهمة حقاً، ولا بدّ من السعي الجادّ إلى إصلاحها، ولا بدّ أن تركّز الأجهزة المسؤولة جلّ جهودها على هذه القضية. طبعًا، واحد من العوامل [المؤثرة فيها] هو أنواع الحظر الخارجي. لا شكّ في أنّ أنواع الحظر التي تفرضها القوى العالمية تؤثّر في وضعنا الاقتصادي الحالي ومعيشة الناس، ولكنّها ليست القضية كلّها؛ فالحظر يشكّل جزءاً من العوامل، ولكن هناك أمور لا علاقة لها بالحظر إطلاقاً. سأذكر بعضها في حديثي.

حسنًا، ما الذي ينبغي لنا فعله؟ واحدة من أُولى الخطوات التي يجب اتخاذها تحقيق الانسجام الداخلي بين الأجهزة المختلفة؛ إذ ينبغي أن تكون أجهزة السلطة التنفيذية كلها مترابطة تمامًا ومتعاونة في ما بينها، كما يجب أن تتعاون السلطات الثلاث في ما بينها جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة أيضًا. الشرط الأول هو «الانسجام». إذا أردنا أن تتقدّم الأمور، فلا بدّ أن يتحقّق هذا الانسجام بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. حسناً، لحسن الحظ، هذا الأمر قائم إلى حدّ كبير اليوم؛ فهو موجود في المستويات العليا، ولكن ينبغي أن يسود أيضاً هذا الانسجام والتعاون في المستويات المتوسطة والدنيا.

مسألةٌ مهمّةٌ أخرى تؤثّر تأثيراً جوهرياً في أعمالنا، ومنها قضيةُ الاقتصاد، تكمن في سرعةِ الأداء. نحن نتحرّك ببطء ونعمل ببطء. تتبادر إلى أذهاننا فكرة بنّاءة ينبغي تنفيذها، على سبيل المثال، مشروع ربط الشمال بالجنوب؛ منذ لحظةِ ولادةِ الفكرةِ في أذهاننا حتى اتّخاذِ قرارِ تنفيذها، ينشأ فارقٌ زمنيٌّ كبير، في حين يمكن أحياناً تقليصُ هذا الفارقِ إلى العُشر! نحن نتأخر في اتّخاذ القرارات. بعد أن نتّخذ القرار، ونبدأ في التنفيذ، يظهر فارقٌ زمني آخر. حسناً، لقد اتخذنا القرار، فلنباشر بالعمل. عندما أدركنا أمرًا واتخذنا القرار وعلمنا أن هذا العمل يجب أن يُنجز، فلنبدأ التنفيذَ فوراً. ثم بعد أن نبدأ في التنفيذ، يظهر فارقٌ آخر حتى نحقق النتائج. سببُ هذا البطء يعود أساساً إلى غياب المتابعة. واحدةٌ من التوصيات التي قدّمتها في غالبية الأوقات إلى المسؤولين والمديرين المحترمين وكذلك رؤساء الحكومات في السنوات الماضية هي: أن يتابعوا الأعمال. تتّخذون قراراً ما وتُقْدِمون على أمر وتكلّفون مسؤولاً بمَهَمَّة، فيُجيبكم: «حاضر»، وهو ليس بكاذب، ثم يُحيلها إلى مَن يَليه، ولكنّ العمل يتوقّف في منتصف الطريق؛ لا بدّ من المتابعة، لا بدّ من الإشراف المباشر، لا يجوز تركُ الأعمال دون متابعة. ينبغي تقليصُ هذه الفجوات. الفجوة بين الفكرة واتخاذ القرار وبين اتخاذ القرار والتنفيذ وبين التنفيذ والنتيجة كبيرةٌ جداً. لا بدّ من إنجاز العمل بسرعةٍ. هذه كانت النقطة الأخرى.

للأسف، لوحِظَ أن بعض المديرين لدينا يظنّون أن أكثر الأعمال أماناً هو تجنّب اتخاذ القرار، لأن اتخاذ القرار ينطوي على احتمال وقوع الخطأ والمخاطر، ثم التعرض للتوبيخ والانتقاد وما شابه ذلك؛ لذا، يرون أن العمل الخالي من المخاطر هو ألّا يتخذ المرء قرارات، وألّا يتابع سير الأمور. أن نتصوّر أنه من أجل أن نريح بالنا، لا نؤرّق أنفسنا كثيرًا ولا نحتد ولا نسعى وراء العمل، ونقول: «إذا حدث الأمر فقد حدث، [وإذا لم يحدث، فلا بأس]»؛ فهذا من أخطر الأفكار. الله المتعالي يسأل عن ترك الأفعال أيضاً؛ السؤال الإلهي لا يتعلق بفعل الشيء فقط، بل يتعلق بترك الفعل أيضاً.

هناك نقطة في مجال الاقتصاد وهي أنّ المسؤولين في البلاد يجب أن يعرفوا الإمكانات المتوافرة في البلاد؛ إمكاناتنا كبيرة. نحن نكرّر دائماً: «الإمكانات، المواهب، الفرص»، ولكننا لا نخوض غمار العمل.

إحدى إمكاناتنا الأساسية هي شبابنا الذين ينجزون في كثير من الأحيان أعمالًا تدهش الإنسان؛ في مجالات الاقتصاد وفي القضايا العلمية وفي الأبحاث وفي مجال الابتكار والإبداع. هذه واحدة من أهم إمكاناتنا.

الأخرى هي مواردنا الطبيعية. تندرج مواردنا الطبيعية ضمن أفضل الموارد الطبيعية وأكثرها غنى في العالم؛ إنّ مواردنا النفطية والأحجار وأنواع المعادن والفلزات المستخرجة من المناجم وأمثال ذلك هي من أفضل الموارد في العالم. قلتُ في وقتٍ ما، استناداً إلى إحصائية معينة - إن كنتُ الآن لا أذكرها، ولكني حينها اطلعتُ على إحصاء دقيق - إنّ عدد سكاننا يشكّل واحدًا بالمئة من سكان العالم؛ أي إذا افترضنا أن عدد سكان العالم ثمانية مليارات، ونحن ثمانون مليونًا، فيما يشكّل كثير من معادننا الأساسية نسبة اثنين أو ثلاثة أو خمسة أو حتى ثمانية بالمئة من إجمالي مخزون العالم. لذلك، نتقدّم على كثير من دول العالم من حيث الموارد الطبيعية. تنبغي معرفة هذه الموارد. تصلنا تقارير تفيد بأن هناك بعض الموارد التي لم يكتشفها المسؤولون المعنيون بعد، ولا يزالون يجهلون وجود هذه الموارد وتلك الموارد في مناطق معينة من البلاد. يُعَدّ هذا الأمر في غاية الأهمية؛ سواء نوع الموارد أو كميتها. وهذا أيضًا أحد الإمكانات.

الإمكانية الثالثة هي التقدم في العلوم والتكنولوجيا. مقارنة بوضعنا السابق، نحن في وضع جيّد من حيث التقدّم العلمي والتكنولوجي. طبعًا، كانت حالنا أفضل قبل سنوات عدة؛ قبل نحو عشرة أو اثني عشر عاماً، كانت المصادر الأجنبية تشير إلى أنّ سرعة نمو إيران في التقدّم العلمي والبحثي تفوق المعدّل العالمي بثلاثة عشر ضعفاً. حينها،[6] شدّدتُ على ضرورة ألّا نسمح بتباطؤ هذه السرعة، لأننا إن فعلنا ذلك، فسنتراجع، فالعالم أيضاً يمضي قُدماً. ربما لم نعد نمتلك تلك الوتيرة نفسها، ولكن تقدّمنا لا يزال تقدّماً جيداً جدًا.

تشكّل مشكلة التهريب إحدى المشكلات الحقيقية لاقتصادنا، إذ يُهرّب في اتجاهين. تُهرَّب بعض السلع من هنا إلى الخارج، ما يضر بالبلاد تماماً، كما تُهرَّب بعض السلع من الخارج إلى الداخل، وهو أيضاً يضر بالبلاد تماماً. إذا لم نتحرك بسرعة، وإذا لم نتابع الأمور بالمعيار والمقياس المطلوبين، فهذا لا علاقة له بالحظر، بل له علاقة بنا نحن أنفسنا.

إذا لم نتحرك بجدية بشأن التهريب، فهذا لا علاقة له بالعدو، ولا علاقة له بمن يفرضون الحظر؛ يجب علينا نحن ألا نسمح بذلك. هناك طرق لذلك؛ فمنع التهريب ليس مستحيلًا. بالطبع، إنه عمل صعب - نحن نعلم - ولكنه عمل ممكن؛ يجب القيام بهذا العمل الممكن. سمعت أنه منذ فترة طويلة، تم إلغاء مكافأة اكتشاف التهريب. حسنًا، هذا يقلل من حافز اكتشاف التهريب. [أو مسألة] الأسواق الحدودية وما شابه ذلك.

واحدة من المسائل الاقتصادية المهمة هي إصلاح النظام النقدي في البلاد. في المقام الأول، يأتي تعزيز العملة الوطنية، وأما سياساته وبرامجه وكيفية تنفيذه، فيجب أن يحددها المختصون. يجب تقوية العملة الوطنية؛ فهذا يؤثر على واقع حياة الناس، ويؤثر أيضًا على سمعة البلاد. حتى لو قالوا، على سبيل المثال، «هناك صيغة إذا عملنا بها، سينخفض التضخم، وقد يصبح حتى رقمًا واحدًا، ولكن سعر الصرف سيرتفع إلى كذا وكذا»، فهذا غير صحيح؛ لأنه إذا انخفضت قيمة العملة الوطنية بارتفاع سعر الصرف، فمهما انخفض التضخم، لن تكون لهذه العملة قيمة، ولن تتحقق القدرة الشرائية للناس الفقراء والفئات الضعيفة.

 إذا أردتم رفع القدرة الشرائية للناس، فلا بد من الاهتمام بالعملة الوطنية، فهذا أحد أهم الإجراءات الأساسية.

في ما يتعلق بالعملة الأجنبية، يُعدّ استرجاع العوائد المالية للصادرات أمراً بالغ الأهمية. سمعتُ أنه في عهد المرحوم السيد رئيسي (رحمة الله عليه)، قيل إن بعض الشركات الكبرى، أي الشركات الحكومية الكبيرة والمهمة، تعمل في التصدير وتجني عوائد بالعملة الصعبة، ولكنها لا تُعيد هذه الإيرادات إلى البنك المركزي. ابتكر سماحته حلًّا لهذه المشكلة ووضعه، وهو أن تتعهد هذه الشركات بتنفيذ مشاريع كبيرة داخل البلاد. على سبيل المثال، كان عليها تأمين مياه الشرب أو المياه الزراعية لمنطقة معينة تعاني من شح المياه أو بناء مصفاة أو إنشاء محطة توليد كهرباء بسعة مئتي أو ثلاثمئة ميغاواط مثلًا؛ وقد تعهدوا بذلك. بعد شهرين أو ثلاثة، سألتُه أين وصلت هذه المشاريع التي كان من المفترض أن تنفّذها تلك الشركات؟ فلم يكن لديه أي معلومات عنها. قال لي سأستفسر وأبلغكم بالنتيجة. بعد نحو أسبوع أو أسبوعين، قدّم لي تقريراً وقال: «هذا هو التقرير الذي قدّموه». عندما اطلعتُ على التقرير، وجدته بلا قيمة وخاوي المضمون! لم يكن يدل على أي إجراء حقيقي، بل مجرد أرقام وأعداد مصفوفة. كان سماحته يتابع هذا الأمر، وهذه من الأمور التي يجب تنفيذها. إذا كانت العوائد المالية بالعملة الصعبة تخص شركة مملوكة للدولة، فلماذا لا توضع تحت تصرف الدولة؟ لماذا لا تُودع في البنك المركزي؟ لماذا؟ لا بد من إيجاد حل لهذا الأمر واتخاذ إجراء جذري، فهذه الأمور كلها تؤثر في تحسين معيشة الناس.

تُعدّ قضية الإنتاج، التي أكدتها مراراً، غايةً في الأهمية. يجب دعم الإنتاج قانونياً وتوفير الموارد اللازمة له. يجب إزالة العوائق أمام الإنتاج؛ [وخاصّة] العوائق غير المبررة، التي تكون أحيانًا تنظيمية أو إدارية أو ناتجة عن اللوائح والتعليمات، ولا لزوم لها إطلاقًا.

 

تأمين احتياجات البلاد من الإنتاج المحلي. مَن سيؤمّن احتياجاته من الإنتاج المحلي؟ الناس. ماذا عن الحكومة؟ الحكومة تستهلك أكثر من الناس كلّهم. إنها تستهلك كثيرًا من المنتجات. يجب أن تلتزم الأجهزة الحكومية بألا تستورد من الخارج لاستهلاكها أيّ شيء يُنتَج محلياً. هذا أحد الإجراءات. كما إن تعزيز التكنولوجيا والابتكار في مجال الإنتاج أمر بالغ الأهمية. تشكّل قضية الاستثمار أحد المواضيع المهمة في اقتصاد البلاد، وهي مشكلة مستمرة منذ سنوات طويلة. طبعًا، كان أحد أهداف الحظر هو منع الاستثمار الأجنبي، ولكن هناك حلول متاحة، كما أشار جناب رئيس الجمهورية في حديثه؛ هناك سُبل لتمكيننا من جذب الاستثمار. المهم هو أن يُستثمَر داخل البلاد؛ يجب تسهيل هذا الأمر للمستثمرين، إذ يشعر المستثمر أن هذا العمل يعود عليه بالفائدة والربح، وأنه يستطيع ذلك. هذا ما سيجعل البلاد تمضي قدمًا، وكذلك أمور من هذا القبيل. لذلك، تُعدّ القضايا الاقتصادية قضايا مهمة. المسؤولون الاقتصاديون، سواء داخل الحكومة أو خارجها، هم حساسون تجاه هذه القضية ومتنبهون إليها. كما إنّ النقاط التي ذكرناها تعد من وجهة نظرنا نقاطًا جديرة بالاهتمام ويجب أن تُتابَع.

كلمة أيضًا بشأن قضايا السياسة الخارجية. طبعًا، بحمد الله، وزارة خارجيتنا نشطة. إنها من بين وزارات الخارجية النشطة. قضية دول الجوار التي ذكرها جنابه (الدكتور بزشكيان) هي قضية مهمة. كذلك الأمر بالنسبة إلى سائر الدول غير المجاورة. لكن هناك نقطة أو نقطتان يجب ذكرهما: بعض الحكومات المتغطرسة - لا أجد حقًا أنسب من تعبير «المتغطرس» لبعض الشخصيات والرؤساء الأجانب - تصر على التفاوض. لكن تفاوضهم لا يهدف إلى حل القضايا، بل من أجل السيطرة. يتفاوضون حتى يفرضوا ما يريدونه على الطرف الآخر الجالس عند طاولة المفاوضات. إذا وافق، فبها، وإن لم يوافق، يثيرون الجلبة والضجة بأن هؤلاء رفضوا المفاوضات وتركوا الطاولة. إنه تحكم! التفاوض بالنسبة إليهم مسار وطريق لطرح مطالب جديدة. القضية ليست مقتصرة على الملف النووي حتى يجلسوا ويتحدثوا بشأنه، بل إنهم يطرحون مطالب جديدة، ولن يلبيها الجانب الإيراني قطعًا. مثل القدرات الدفاعية للبلاد، والقدرات الدولية؛ وألا نفعل كذا وألا نلتقي بفلان وألا نذهب إلى المكان الفلاني وألا ننتج الشيء الفلاني وألا يكون مدى صواريخنا أبعد من المدى الفلاني؛ فهل يمكن لأحد أن يقبل بهذه الشروط؟ هذا هو هدفهم من التفاوض. طبعًا، إنهم يكررون كلمة «التفاوض» للضغط على الرأي العام، والإيحاء بأنهم مستعدون للتفاوض، فلماذا أنتم غير مستعدين؟ هذا ليس تفاوضًا! إنه تحكم وإملاء. إضافة إلى جوانب أخرى، وليس المجال هنا لمناقشتها، وأنا العبد لا أنوي اليوم أيضًا الخوض في هذه القضية، ولكن ربما سنناقشها في وقت آخر ومناسبات أخرى؛ ولكن هذه هي القضية بالمجمل.

حسنًا، تلك الدول الأوروبية الثلاث تصدر بيانات وتعلن أن إيران لم تفِ بالتزاماتها النووية في الاتفاق النووي! فليسألهم أحد من هذا الطرف: هل التزمتم أنتم؟ تقولون إن إيران لم تفِ بالتزاماتها في الاتفاق النووي، حسنًا، هل طبّقتم أنتم التزاماتكم في الاتفاق النووي؟ أنتم لم تفوا منذ اليوم الأول! ثم بعد انسحاب أمريكا،[7] وعدتم بالتعويض على نحوٍ من الأنحاء، ولكنكم نكثتم وعدكم، [8]وقلتم شيئًا آخر، ثم نكثتم الوعد الثاني أيضًا. على أيّ حال، للوقاحة حدود أيضًا! أن لا يفي الإنسان بالتزاماته، ثم يقول للطرف الآخر: لماذا لا تفي بالتزاماتك؟ الحكومة، الحكومة آنذاك[9] تحملت لمدة عام [10] ثم دخل مجلس الشورى الإسلامي الميدان، ورأيتم أنهم أصدروا قرارًا، [11]ولم يكن هناك سبيلٌ آخر. الآن الوضع نفسه، الآن أيضًا في مواجهة الكلام الجائر والاستبداد، لا يوجد طريق آخر [غير الصّمود].

اللّهُمّ، نُقسم عليك بمحمّد وآل محمّد (ع) أن تمنّ علينا بفيض شهر رمضان. اللّهُمّ، اجعل الروح المطهّرة للإمام [الخميني] الجليل وأرواح الشهداء الأبرار، الذين شرّعوا لنا هذا النهج وأبقوه مشرّعًا وبذلوا أنفسهم في هذا السبيل، راضية عنّا، وارفع درجاتهم. اللّهُمّ، بلسم الجراح التي أصابت أجساد المجاهدين المقاومين في المنطقة بالبلسم المعنوي والمادّي الحقيقي والإلهي. اللّهُمّ، بمحمّدٍ وآل محمّد، اخذل أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة وأذلّهم، وبلّغ الشعب الإيراني، الشعب الإيراني المسلم، منزلته ومكانته الحقيقيّة، وارفع رأس الأمّة الإسلاميّة، وأنزل فيوضاتك على المستضعفين والمظلومين والمحرومين جميعهم حول العالم، واشملنا برضاك، واجعل ما قلناه وسمعناه خالصًا لك وفي سبيلك، واستَجِب دعاءنا، واجعلنا في هذه الليالي المباركة والأيام الشريفة ممن شملتهم مغفرتك، واغفر لآبائنا وأمهاتنا وأمواتنا والراحلين عنّا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] في مستهلّ هذا اللقاء، عرض الدكتور مسعود بزشكيان (رئيس الجمهوريّة) تقريرًا.

[2] الصحيفة السجاديّة، الدعاء 47.

[3] مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج. 2، ص. 591.

[4] مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج. 2، ص. 592.

[5] المباح.

[6] من جملتها؛ لقاء سماحته مع أعضاء التعبئة في الهيئات العلمية في الجامعات ومراكز التعليم العالي من مختلف أنحاء البلاد، 23/6/2010.

[7] أعلن دونالد ترامب (رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت) رسمياً في 8/5/2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي وفرض بعض أنواع الحظر الجديدة على إيران.

[8] بعد خروج الولايات المتحدة، اقترحت الدول الأوروبية بعد مفاوضات مسارًا يسمى «إنستكس» إذ تتمكن إيران من الوصول إلى أموالها. أي إن إيران يمكنها دفع الأموال التي تطالب بها من أماكن أخرى إلى الأوروبيين، على سبيل المثال، فرنسا وإنجلترا، ليشتروا أي سلع يرونها مناسبة وإرسالها إلى إيران! مع ذلك، لم يُنفّذ هذا المسار البديل على نحو صحيح بعد تأخير طويل.

[9] الحكومة الثانية عشرة.

[10] بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، خفضت الحكومة الثانية عشرة تعهدات إيران تجاه الاتفاق النووي على خمس مراحل، إذ نُفّذت الخطوة الخامسة والأخيرة في كانون الثاني 2019.

[11] أقرّ«مجلس الشورى الإسلامي» الحادي عشر قانون «الإجراء الإستراتيجي لرفع الحظر وحماية حقوق الشعب الإيراني» في 2/12/2020.