بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين المكرمين، سيما بقية الله في الأرضين. اللهم صلّ على فاطمة بنت نبيك و زوجة وليك و أمّ السبطين الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة الطهرة الطاهرة المطهرة التقية النقية الزكية، سيدة نساء أهل الجنة أجمعين. اللهم صلّ على وليك علي بن موسى عدد ما في علمك، صلاة دائمة بدوام ملكك و سلطانك. اللهم سلم على وليك علي بن موس عدد ما في علمك سلاماً دائماً بدوام مجدك و عظمتك و كبريائك.
نشكر الله تعالى على أن منّ علينا مرة أخرى و سنة أخرى بفرصة اللقاء بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء زوار المشهد الرضوي و سكان مدينة مشهد في ظل مرقد سيدنا أبي الحسن الرضا (عليه الصلاة و السلام).
الإيراني المسلم الفطن غيّر نوروز التراثي على أساس عقيدته و كما يريد. احتفظ بقالب النوروز و شكله و غيّر محتواه. كان نوروز التراثي نوروز الملوك، و فرصة للسلاطين و الحكام المستبدين من أجل أن يستعرضوا هيبتهم و عظمتهم أمام الشعوب، و يجلسوا و يتقبلوا الهدايا منهم. حتى في أزمنة بني أمية و بني العباس عندما تسرّب النوروز إلى بلاطات الخلافتين الأموية و العباسية، تفشت نفس سلوكيات و سير ملوك و أكاسرة فارس القديمة في بلاطاتهم. لكن الإيراني المسلم غيّر ذلك النظام و ذلك القالب لصالحه، مع أن هذا التغيير لم يحصل بصورة دفعية مفاجئة، لكنكم اليوم و بعد مضي قرون تشاهدون أن النوروز أضحى مناسبة و وسيلة للارتباط القلبي بين الناس و بين مصدر العظمة و العزة، أيْ الذات المقدسة للباري تعالى. حقيقة النوروز في الوعي الإيراني حقيقة شعبية. الناس بمناسبة النوروز يتعاملوان مع بعضهم بنقاء و محبة و يباركون لبعضهم و يقدمون الهدايا بعضهم لبعض. لم تعد الرسوم و التقاليد الملوكية القديمة للنوروز موجودة اليوم بعد مضي السنين و القرون. في أيام النوروز و تحويل السنة الجديدة نجد أن أكثر الأماكن ازدحاماً في كل أنحاء البلاد هي المراقد المقدسة للأئمة و أبناء الأئمة (سلام الله عليهم). البارحة - في منتصف الليل - كان هناك في هذا المرقد المقدس مئات الألوف من المؤمنين بقلوب طاهرة يتوجّهون إلى مصدر العظمة و القدرة، و يناجون ربهم، و يطلبون من محوّل الأحوال تحويل حالهم إلى أحسن الحال، و يؤدّون مراسیمهم الدينية. إذن، هذا النوروز الذي لدينا اليوم ليس النوروز التراثي القديم، إنه نوروز إيراني، نوروز الشعب المسلم الذي استطاع أن يوفر لنفسه من قالب تلك المراسم التراثية القديمة رصيداً و يتقدم صوب أهدافه. نتمنى أن يعين الله تعالى شعب إيران العزيز على أن يطلق هذه الابتكارات الإسلامية الذكية في كل المسائل و الحالات. لذلك في هذه السنة حيث صادفت أيام النوروز ذكرى استشهاد سيدة العالم الإسلامي الكبرى سيدتنا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) من المتيقن منه أن مراسم النوروز يجب أن لا تتعارض أبداً مع تكريم و احترام اسم و ذكرى هذه السيدة الجليلة، و من المتيقن منه أنها لن تتعارض. لقد اخترتُ اليوم مسألة لأطرحها عليكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الحاضرون في هذا التجمع العظيم، و على كل الشعب الإيراني.
أبدأ الكلام بتأمل قرآني. لقد وضع الله تعالى شرطاً للذين وعدهم بالنصر: «وَ اِنَّ اللهَ على نَصرِهِم لَقَدير؛ (۱) اَلَّذينَ اِن مَكنّاهُم فِي الاَرضِ اَقامُوا الصَلوةَ وَ ءاتَوُا الزَّكوة وَ اَمَروا بِالمَعروفِ وَ نَهَوا عَنِ المُنكرِ وَ لِلّهِ عاقِبةُ الاُمور» (۲). يذكر الله تعالى في هذه الآية الشريفة أربعة مؤشرات للمؤمنين الذين يتولون زمام السلطة و يحظون بالقوة و يخرجون من تحت نير سلطة الجبابرة الجائرين، و يعد بـ «اِنَّ اللهَ على نَصرِهِم لَقَدير». الله تعالى قادر على نصر مثل هذا الشعب، و سوف ينصره يقيناً. من هذه الشروط الأربعة الصلاة، و منها الزكاة، و منها الأمر بالمعروف، و منها النهي عن المنكر. لكل واحد من هذه الخصوصيات و المؤشرات الأربعة جانب فردي شخصي، و لكن ثمة إلى جانب ذلك البعد الشخصي الفردي جانب اجتماعي و تأثير في صناعة النظام الاجتماعي. الصلاة بكل تلك الأسرار و الخبايا المودعة في حقيقتها، و هي معراج كل مؤمن و «قُربانُ كلِّ تَقي» (۳)، و وسيلة للفوز و السعادة، و أفضل و أعلى من كل الأعمال، حتى الصلاة لها جانب اجتماعي. الجانب الاجتماعي للصلاة هو أن كل واحد من المسلمين يتصل بسائر المسلمين في قطب واحد عن طريق الصلاة. كل المسلمين أين ما كانوا من أنحاء العالم الإسلامي يتوجهون بقلوبهم في وقت واحد أثناء الصلاة نحو قطب واحد، و تتصل قلوبهم بذلك القطب. اتصال كل القلوب بقطب واحد قضية اجتماعية، و صانعة للنظام، و فيها تعيين و هندسة و تكوين للنظام الإسلامي.
و الزكاة ذات الجوانب الفردية، حيث تعلم الإنسان التجاوز عن ما یحب و إعطاء ما هو عزیز علیه، و هذه بحد ذاتها تجربة و امتحان مهم جداً، لها في الوقت ذاته ترجمة اجتماعية. الزكاة في الاستعمالات القرآنية بمعنى مطلق الإنفاقات فهي تشمل الزكاة المصطلحة المشار لها في الآية الشريفة: «خُذ مِن اَموالِهِم صَدَقَةً» (۴). الزكاة بمعنى مطلق الإنفاقات المالية، لكن لها جانب اجتماعي و ترجمة اجتماعية صانعة للنظام تتمثل في أن الإنسان الذي يتمتع في البيئة الإسلامية و المجتمع الإسلامي بالمال الدنيوي يرى نفسه ملزماً و مديناً و لا يرى نفسه طالباً؛ يرى نفسه مديناً للمجتمع الإسلامي، سواء مقابل الفقراء و الضعفاء أو مقابل سبيل الله. إذن، الزكاة بهذه النظرة حكم و مؤشر صانع للنظام.
أما الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذان يعدان بنحو من الأنحاء البنية التحتية لكل تحركات الإسلام الاجتماعية، و «بِها تُقامُ الفَرائِض» (۵)؛ الأمر بالمعروف يعني أن من واجب كل المؤمنين أين ما كانوا من العالم أن يأخذوا بأيدي المجتمع صوب الحسنى و المعروف و صوب كل الأعمال الخيرة. و النهي عن المنكر يعني أن يعملوا على إبعاد المجتمع عن المساوئ و القبائح و الانحطاط. كل واحد من هذه المؤشرات الأربعة يعبر بشكل من الأشكال عن بناء و هندسة النظام الإسلامي.
و أقول على هامش ذلك إنه يجب عدم حصر هذا المعنى المهم للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بقضايا هي دون حد نصاب الأهمية، بمعنى أن يتصور البعض أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ينحصر في أن ينبّه الإنسان امرأة أو رجلاً لم يراعيا فرعاً دينياً معيناً؛ هذا هو طبعاً من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أيضاً لكنه ليس أهم أنواع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. النوع الأهم من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو الأمر بأكبر معروف و النهي عن أكبر منكر. أكبر صنوف المعروف هو بالدرجة الأولى تأسيس النظام الإسلامي و حفظه و صيانته، هذا هو الأمر بالمعروف. لا معروف أعلى من تأسيس النظام الإسلامي و حفظه. كل من يبذل جهوده و مساعيه في هذا السبيل فهو آمر بالمعروف. الحفاظ على عزة الشعب الإيراني و سمعته أكبر معروف. هذه هي صنوف المعروف: الرفعة الثقافية و سلامة البيئة الأخلاقية و سلامة البيئة العائلية و زيادة النسل و تربية الأجيال الشابة المستعدة لرفعة البلاد و العمل على ازدهار الاقتصاد و الإنتاج و تعميم الأخلاق الإسلامية و نشر العلم و التقنية و تكريس العدالة القضائية و العدالة الاقتصادية و المجاهدة من أجل اقتدار الشعب الإيراني، و فوق ذلك اقتدار الأمة الإسلامية و السعي و المجاهدة من أجل الوحدة الإسلامية. هذه هي أهم أنماط المعروف و من واجب الكل السعي و الأمر من أجل تحقيق مصاديق المعروف هذه.
و الموقف المقابل لذلك هو أنواع المنكر. الابتذال الأخلاقي منكر، و مساعدة أعداء الإسلام منكر، و إضعاف النظام الإسلامي و زعزعته منكر، و حلحلة الثقافة الإسلامية منكر، و إضعاف اقتصاد المجتمع و إضعاف العلم و التقنية منكر، يجب النهي عن هذه المنكرات. و أول آمر بالمعروف هو الذات الإلهية المقدسة نفسها حيث يقول عزّ و جلّ: «اِنَّ اللهَ يأمُرُ بِالعَدلِ وَ الاِحسانِ وَ ايتآئِ ذِي‌القُربي وَ ينهي عَنِ الفَحشآءِ وَ المُنكرِ وَ البَغي» (6). الله آمر بالمعروف ناه عن المنكر. و قد تبينت حالات المعروف و مصاديقه، و المنكرات أيضاً صارت معلومة. الكيان المقدس لرسول الإسلام الأعظم (صلى الله عليه و آله) أرقى الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر. تقول الآية القرآنية: «يأمُرُهُم بِالمَعروفِ وَ ينهاهُم عَنِ المُنكر» (۷). و الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أكبر الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر. نقرأ في الزيارة: «اَشهَدُ اَنَّك قَد اَقَمتَ الصَّلاةَ وَ آتَيتَ الزَّكاةَ وَ اَمَرتَ بِالمَعروفِ وَ نَهَيتَ عَنِ المُنكر» (8). و المؤمنون و المؤمنات في أي بقعة من بقاع الأرض الإسلامية آمرون بالمعروف، حيث يقول: «وَ المُؤمِنونَ وَ المُؤمِناتُ بَعضُهُم اَوليآءُ بَعضٍ يأمُرونَ بِالمَعروفِ وَ ينهَونَ عَنِ المُنكرِ وَ يقيمونَ الصَّلوةَ وَ يؤتونَ الزَّكوة» (9). هذه هي الأركان الأربعة الرئيسية لصناعة النظام، و تتفرع عن كل واحد منها عدة فروع و شعب. يتوكأ النظام الإسلامي على إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أي الانسجام و التواصل الاجتماعي و القلبي بين أبناء المجتمع في النظام الإسلامي.
إنني هنا و في بداية كلمتي اليوم أروم الاستنتاج من هذا البحث ما يتعلق بشعار هذه السنة الذي ذكرته في نداء منتصف الليلة الماضية للشعب الإيراني العزيز. في مجتمعنا و في بلدنا الكبير العزيز، يطالبنا الإسلام مهما كانت المنابت الاجتماعية للأفراد و أذواقهم و ميولهم، يطالبنا جميعاً بالانسجام و التعاضد و التكامل و مساعدة بعضنا للبعض الآخر. الحكومات في النظام الإسلامي يجب أن تحظى بدعم الشعب، حتى من قبل الذين لم يمنحوا أصواتهم لهذا الشخص المعين في الحكومة، هؤلاء أيضاً يجب أن يقدموا الدعم و المساندة. هذا هو الكلام الحقيقي و لباب معنى الانسجام الاجتماعي و الوطني في بلدنا الإسلامي. على الجميع باعتبارهم وحدة و كياناً واحداً أن يوحدوا كلمتهم مع الحكومة المسؤولة عن الأمور و يساعدوها، خصوصاً في الحالات التي يواجه فيها البلد قضايا هامة و تحديات كبيرة، و سوف أذكر بعض النقاط في هذا المضمار.
واجب كل أبناء الشعب في الوقت الراهن أن يدعموا مسؤولي البلاد و يساعدوا مدراء الحكومة. و هذا الأمر لا يختص بهذه الحكومة، إنما يتعلق بكل الحكومات، و كذلك الحال بالنسبة للحكومات التي ستتولى زمام الأمور لاحقاً. أولاً لأن كل الحكومات تهتم اهتماماً رئيسياً بحل مشكلات الشعب، طبعاً قد تكون لهم قدرات و طاقات متفاوتة، و لا تكون جميع الحكومات بمستوى واحد من حيث القدرة. ثانياً قد تكون لهم أذواق متنوعة، لكن الهدف في كل هذه الحكومات هو أن تستطيع خلال فترة مسؤولياتها و بمقدار قدراتها معالجة مشكلات البلاد. أية حكومة تتولى الأمور ضمن إطار دستور البلاد فهي حكومة قانونية و شرعية. ليس من المهم عدد و نسبة الذين صوّتوا لرئيس الجمهورية هذا أو رئيس الجمهورية ذاك، زيادة و نقصان الأصوات يعودان لدرجة الشعبية، لكنهما لا علاقة لهما بالشرعية و الطابع القانوني. أي شخص ينتخب بأيّ عدد من الأصوات من قبل أكثرية الشعب وفقاً لإطار الدستور فهو شرعي و الحكومة قانونية، و على الشعب أن يعتبروها حكومة قانونية و أن يساعدوها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. و طبعاً فالحقوق متبادلة و ذات جانبين.
و بالطبع فإن لكل حكومة نقادها، و هذه الحكومة أيضاً لها نقادها، و الحكومات السابقة أيضاً كل واحدة كان لها ناقدوها، إلى هنا لا إشكال في المسألة على الإطلاق. هناك أشخاص لا يوافقون هذا المنهج و لا يقبلون هذا السلوك و لا يتقبلون هذا الكلام، و لا يستسيغون هذه السياسة، هؤلاء ناقدون و ينتقدون، فلا مانع من ذلك، و لكن النقود يجب أن تكون ضمن الإطار المنطقي. أنا نفسي كانت لي نقودي على الحكومات المختلفة، و قد ذكرت هذه النقود دائماً، لم أتوان أبداً عن التذكير و التنبيه في المواطن التي بدت لي فيها بعض العيوب الجديرة بالنقد، لكننا طرحنا تلك التنبيهات في وضع مناسب و في الموضع و الشكل المناسب. إما أننا بعثنا رسالة، أو ذكرنا الأمر في الاجتماعات، أو أصررنا عليه. لا إشكال أبداً في توجيه النقود و التنبيهات، بيد أن هذه التنبيهات يجب أن تكون بالشكل الذي لا يسلب الثقة العامة بالأشخاص المسؤولين و العاملين. التنبيه إلى النواقص و العيوب يجب أن لا يكون بحيث يفضي إلى عدم الثقة العامة، و أن لا تكون فيه إهانات و لا يكون بالأساليب الغاضبة. لينظر الجميع بإخوّة إسلامية لقضية العلاقة بين الحكومة و الشعب، و ليعملوا وفق هذا النهج.
و هذه العملية طبعاً ثنائية و ذات جانبين. إنني أوصي الناس و الشعب بالتعامل الرحيم مع الحكومة، و بالتحدث عنها بنظرة متعاطفة و تضامنية، و أوصي مسؤولي البلاد أيضاً - في السلطات الثلاث - و أؤكد عليهم بأن يكون سلوكهم مناسباً مع ناقديهم و مع الذين يوجّهون لهم النقود و المؤاخذات، و لا يهينونهم. إهانة المخالفين من قبل المسؤولين بخلاف التدبير و الحكمة. إنني لا أدعو شعبنا العزيز إلى اللاأبالية و عدم الاكتراث و عدم الإشراف على أداء المسؤولين، بل أدعوهم للاهتمام بقضايا البلاد الأساسية، لكنني أصرّ على أن لا يكون تعامل الناس مع المسؤولين و تعامل المسؤولين مع الناقدين تخريبياً أو فيه شيء من الإهانة و التحقير. قد يكون هناك قلق لدى البعض بخصوص قضية معينة. أنْ يكون لدى البعض قلق و هموم فهذه ليست بجريمة. يمكن أن يكون لدى البعض حقاً شعور بالقلق و الهمّ تجاه قضية حساسة و مهمة من قضايا البلاد، لا مانع من هذا أبداً، لكن هذا يجب أن لا يكون بمعنى توجيه الاتهامات و لا يعني تجاهل الخدمات و الجهود المبذولة. و في الجهة الثانية على الحكومة و أنصار الحكومة أن لا يوجّهوا الإهانات للذين يبدون قلقهم و همومهم. أقول هذا بصراحة لشعبنا العزيز - و سبق أن قلته - لقد دعمتُ كل الحكومات خلال فترة مسؤوليتي، و أدعم هذه الحكومة أيضاً، و أين ما استوجب الأمر أوجّه التنبيهات اللازمة، و طبعاً فأنا لا أوقّع على بياض لأحد، إنما أنظر للأعمال و الأداء و أحكم و أقيّم على أساس الأداء، و سوف أعمل بتوفيق و عون من الله على أساس الأداء. هذه هي النقطة الأولى ذكرتُها إيضاحاً لما طرحناه باعتباره شعار السنة - التعاطف و وحدة الكلمة بين الحكومة و الشعب - ليكونوا متعاطفين و متضامنين في كلمتهم، و ليتعاونوا و ليتحركوا إلى جانب بعضهم نحو رفع المشكلات.
و قلنا إن هذا يكتسب أهميته عندما تكون هناك فرص كبيرة أو يتوقع الإنسان تحديات كبيرة. و وضعنا الراهن اليوم من هذا القبيل. لدينا اليوم فرص كبيرة و هناك أمامنا أيضاً تحديات يجب أن نواجهها، و أن نستخدم تلك الفرص للانتصار على هذه التحديات بتوفيق من الله. طيب، لدينا اليوم فرص كبيرة؛ و من أكبر فرصنا ما يتعلق بالطاقات الإنسانية الكفوءة و المبدعة حيث يوجد في البلد و الحمد لله الكثير من الطاقات الكفوءة و هي في الغالب طاقات شابة و مبدعة و بمعنويات عالية.
من أكبر الفرص أمامنا مواكبة الناس و الشعب و الشباب للنظام الإسلامي و لأهداف النظام الإسلامي و لأهداف الإمام الخميني الجليل. إنني استرعي انتباه الإخوة و الأخوات الأعزاء بأن ينظروا لتظاهرات يوم القدس أو يوم الثاني و العشرين من بهمن [11 شباط ذکرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران]، فالغالبية المشاركة فيها هم من الشباب. هؤلاء الشباب هم نفس أولئك الشباب الذين يتعرضون ليل نهار لقصف مخرّب بواسطة وسائل الإعلام المسموعة و المرئية و الإنترنتية؛ ثمة ضجة في العالم و في العالم المجازي. ثمة في عالم الإعلام المسموع و المرئي المئات من الوسائل و القنوات، بل ربما أمكن القول الآلآف من الوسائل تقصف دوماً أفكار شبابنا؛ بعضها يحاول إبعاد الشباب عن الدين، و بعضها يسعى لإبعادهم عن النظام الإسلامي، و بعضها يحاول بثّ الخلافات و النزاعات بينهم، و بعضها يريد استخدامهم لخدمة أهدافه الخبيثة، و بعضها يحاول جرهم إلى التحلل و العطل و الفساد. هذا القصف متواصل دائماً على رؤوس شبابنا بواسطة هذه الأجهزة و الوسائل الإعلامية الصوتية و التصويرية و الإنترنتية، و في الوقت نفسه تنظرون فترون عشرات الملايين من نفس هؤلاء الشباب في كافة أنحاء البلاد يخرجون إلى الشوارع في يوم الثاني و العشرين من بهمن، و يرفعون الشعارات، و يبدون مشاعرهم تجاه الإمام الخميني و تجاه الإسلام و یبدون حبهم تجاه النظام الإسلامي. هذا ليس بالشيء الصغير، بل هو فرصة كبيرة جداً.
من الفرص الأخرى التقدم العلمي الذي تحقق خلال فترة الحظر. في حالة من الحالات تتدفق القوى و الحكومات و الأموال و الرساميل العالمية و الدولية لمساعدة شعب من الشعوب، و في حالة أخرى تغلق بوجه شعب كل الأبواب، و مع ذلك يستطيع ذلك الشعب إنجاز أعمال كبيرة في قطاعات و مجالات مختلفة. إنكم تلاحظون اليوم مثل هذه الأعمال و الإنجازات، فيجب عدم الاستهانة بهذه الإنجازات أو التقليل من شأنها. هذه المرحلة الثانية عشرة من حقول پارس الجنوبية التي افتتحت قبل أيام من قبل رئيس الجمهورية، إنها مشروع صناعي جد كبير و معقد يمكنه رفع النمو الاقتصادي و محصلات الجهود العامة للبلاد بشكل محسوس. لدينا الكثير من المشاريع و الإنجازات من هذا القبيل. لاحظتم في مناورات القوات المسلحة أنه تم الإعلان عن أجهزة و معدات تعجّب الأعداء منها، و قد صرّحوا بهذا التعجّب و الاندهاش، لا أننا نخمّن اندهاشهم، إنما هم أنفسهم يقولون إننا تعجبنا و اندهشنا. هذه كلها حصلت في زمن الحظر. هذا ليس بالشيء القليل، بل هو فرصة كبيرة جداً، و هو ما قام به شبابنا و طاقاتنا المبدعة طوال سنوات الحظر الطويلة، أي من سنة 89 و 90 و 91 و 92 [2010 و 2011 و 2012 و 2013 م] حيث فرضوا حظراً على البلاد توهموا أنه سيشلّ البلاد.
هذه فرصة كبيرة جداً للبلاد. إذن، نفس هذا الحظر يعد فرصة. و سوف أذكر لاحقاً باختصار أن نفس هذا الحظر يعتبر بمعنى من المعاني فرصة لشعب إيران. نعم الحظر يخلق صعوبات، لكنه يمكنه أن يمثل أيضاً فرصة، و سوف أتطرق لهذا الشأن. طبعاً ثمة أمامنا تحديات سوف أتحدث عنها اليوم بعض الشيء. من أكبر التحديات و أكثرها فورية في الوقت الحاضر قضية الاقتصاد الوطني؛ الاقتصاد. التوقع الحق لشعبنا هو أن يتمتعوا باقتصاد مزدهر و رفاهية عامة و أن تخرج الطبقة المحرومة من وضعها غير المقبول، و تتخلص من المشكلات. هذه هي توقعات الشعب الإيراني، و هي توقعات حقة. اقتصاد البلاد بحاجة إلى حركة جادة و عمل كبير، و سوف أشير إلى بعض مؤشرات ذلك. إنني طبعاً بقيتُ أتحدث عن الاقتصاد منذ أعوام. في نفس هذا الاجتماع و المناسبة قبل عدة سنوات توقعت و قلتُ إن الأعداء سوف يركزون على اقتصادنا (10) و على المسؤولين أن يفكروا و يعدوا أنفسهم و يشدوا الأحزمة لمواجهة خصومة الأعداء و سياساتهم العدائية التي تركز على اقتصاد البلد. و سوف أذكر بعض النقاط حول الشأن الاقتصادي.
لقد انقضى من عقد العدالة و التقدم أكثر من نصفه. لقد رسمنا عقداً من الزمن بعنوان عقد العدالة و التقدم، و قد انقضى أكثر من نصفه. و الأفق العشريني وصل إلى منتصفه. العشرون عاماً التي رسمناها و عيناها و رسمنا سياساتها كأفق تنموي انقضت منها عشرة أعوام، و هناك عشرة أعوام أمامنا. هذه قضايا مهمة، و حساسیة القضايا الاقتصادية تتضاعف في ضوء هذه الحقائق و الوقائع.
أعداؤنا يقولون بصراحة إن هدفهم من الضغوط الاقتصادية هو هدف سياسي. هدفهم هو أن يدفعوا شعب إيران للوقوف بوجه النظام الإسلامي (11)؛ لاحظوا؛ نعم طبعاً: «الموت لأمريكا»، لأن أمريكا هي العامل الرئيس لهذه الضغوط، و هم يصرون على التركيز على اقتصاد شعبنا العزيز، فما هو هدفهم؟ الهدف هو إيقاف الشعب على الضدّ من الجهاز الحاكم. هذا ما يقولونه بصراحة بأننا نروم توجيه ضغوط اقتصادية لتكون ظروف الشعب عصيبة مما يدفع الناس إلى الاعتراض مقابل الحكومة و النظام الإسلامي. هذا ما يقولونه صراحة، و طبعاً يدعون كذباً في بعض الأحيان بأنهم مناصرون لشعب إيران، و هذه أكاذيب لا يمكن تصديقها، و يجب عدم تصديقها من العدو، لكن هدفهم هو ذلك الهدف السياسي. يرومون القضاء على هذا الأمن السائد في البلاد اليوم - و هذه الأجواء الآمنية منقطعة النظير في منطقة غرب آسيا التي نحن فيها. الحمد لله على أنه لا في شرقنا و لا في غربنا و لا في شمالنا و لا في جنوبنا، لا يوجد في أي بلد الأمن الذي بمستوى الأمن السائد في بلادنا و شعبنا - على يد الشعب و دفع الشعب إلى الإخلال بالأمن و البدء بتحركات اعتراضية في البلاد. إنهم يحرضون و يعملون و يخططون. إنها عملية يسعون لها بجدّ و شدة. هذه ظروف مهمة و تحد كبير. حينما يكون في البلد مثل هذا التحدي الكبير يجب أن تتكاتف كل القوى إلى جانب بعضها و تعمل سوية و تأخذ القضية الاقتصادية مأخذ الجد.
أذكر جملة من النقاط بخصوص الاقتصاد. النقطة الأولى هي أن ميدان الاقتصاد في الوقت الراهن و بسبب السياسات العدائية لأمريكا يعدّ ميدان قتال و معركة. إنه ميدان حرب؛ حرب من نوع خاص. في ميدان القتال هذا كل من يستطيع أن يبذل جهوده و مساعيه لصالح البلد فهو مجاهد. كل من يستطيع اليوم مساعدة اقتصاد البلاد يكون قد قام بتحرك جهادي. هذا جهاد، و هو طبعاً جهاد له أدواته و أساليبه الخاصة، و على الجميع النهوض بهذا الجهاد بتدابير و أسلحة خاصة به. هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية هي أنه توجد نظرتان عامتان لاقتصاد البلاد. إنني أرجو خصوصاً من الخبراء و الشباب و عامة أبناء شعبنا الأعزاء أن يلتفتوا إلى هذه النقطة و هي وجود نظرتين للازدهار و التقدم الاقتصادي. نظرة تقول إننا يجب أن نحقق التقدم الاقتصادي بالاستعانة بإمكانيات البلاد و الشعب الداخلية. هناك الكثير من الإمكانيات و الطاقات في البلاد إما إنها لم تستخدم بعد، أو لم تستخدم بصورة صحيحة. لننتفع من هذه الإمكانيات و الطاقات. هذا معناه الاقتصاد الذاتي التدفق، الاقتصاد الذي يستمدّ أرصدته و مواده و خاماته من داخل البلاد و من إمكانيات البلاد و قدرات الشعب و مواهبه. هذه نظرة تقول إننا من أجل الازدهار الاقتصادي يجب أن ننظر لإمكانيات البلاد الداخلية و المواهب و الطاقات الموجودة في الداخل، و نوظفها و نستخدمها بشكل صحيح، و عندئذ سوف يزدهر الاقتصاد و ينمو. هذه نظرة.
و النظرة الثانية لاقتصاد البلاد هي النظر لتقدم الاقتصاد بالاستفادة من المعونات الخارجية. يقولون لنغيّر سياستنا الخارجية حتى يصلح اقتصادنا، نتكيّف مع المستكبر الفلاني من أجل أن يزدهر اقتصادنا، و نتقبل ما تفرضه القوى المستكبرة في المجالات و القضايا المختلفة ليزدهر اقتصادنا. هذه هي النظرة الثانية. لقد أثبتت لنا ظروف البلاد حالياً أن هذه النظرة الثانية نظرة خاطئة و عقيمة و غير مجدية بالمرة. هذا الحظر الذي يفرضونه اليوم على شعب إيران لهو دليل متين و قوي على خطأ هذه النظرة. بمعنى أنكم عندما تتأملون القوى الخارجية لتأتي و تصلح لكم اقتصادكم، و تنتظرون أن يزدهر الاقتصاد بخضوعكم لهم، فإنهم لن يقنعوا بالحدود الدانية. عندما تنظرون للخارج تواجهون قضية من قبيل انخفاض أسعار النفط؛ فجأة تصل القوى المستكبرة و معها عملاؤها في المنطقة إلى نتيجة فحواها إنهم يجب أن يخفضوا أسعار النفط إلى النصف، أو حتى إلى أدنى من النصف؛ تواجهون مثل هذه المشكلة؛ هكذا سيكون الحال عندما تتسمر الأنظار على الخارج. و عندما تنظرون إلى الداخل فلن يعود الحال على هذه الشاكلة. الأجانب و رؤساء القوى المستكبرة تريد اليوم تعزيز هذه النظرة الثانية عند شعب إيران.
لقد اطلعت على نداء رئيس جمهورية أمريكا لشعب إيران بمناسبة النوروز، يقول في هذا النداء تعالوا و اقبلوا كلامنا؛ و الواقع أن مضمون و حصيلة كلامه هي أن تعالوا و اقبلوا في المفاوضات النووية الشيء الذي نمليه عليكم من أجل أن تتوفر الأعمال و الأرصدة و الرساميل في بلادكم و تنطلق فيها الأنشطة الاقتصادية؛ أيْ هذه النظرة الثانية. هذه نظرة لن تجدي شيئاً أبداً؛ يجب أن ننظر إلى داخل البلاد، فالإمكانيات الداخلية كبيرة. هذا الاقتصاد المقاوم الذي طرحناه و تحدثنا عنه و لقي قبولاً من الخبراء و الحمد لله - أي إنني لم أجد حتى شخصاٌ واحداٌ من الخبراء الاقتصاديين و الاجتماعيين يرفض ما طرح تحت عنوان سياسة الاقتصاد المقاوم - يركز على هذا الجانب، يركز على الإمكانيات و الطاقات الداخلية للبلاد. عندما لا يسمحون لكم باستيراد حتى الماء من أجل أراضيكم يجب طبعاً حفر آبار و استخراج الماء من داخل أراضيكم حتى لا تحتاج إلى مياه ذلك الجار البخيل. يجب أن نستمد من داخل البلاد و نستطيع التقدم بالأمور و الأعمال إلى الأمام. هذه هي النقطة الثانية.
النقطة الثالثة هي أنه لا يمكن لا في الاقتصاد و لا في أية برامج أخرى التحرك من دون أهداف مرسومة. ينبغي رسم الأهداف. إذا تحرك المسؤولون الحكوميون في أي عمل من الأعمال من دون أهداف مرسومة فإن الأمر سيؤول إلى الرتابة اليومية و لا يصل إلى نتائجه. يجب أن تكون هناك أهداف ثابتة و محددة تتحرك كل الأجهزة و الطاقات باتجاه تحقيقها. أعتقد أن الشيء الذي يجب أن يحظى بالاهتمام في هذه السنة و السنين اللاحقة كهدف اقتصادي هو الاستثمار من أجل الإنتاج الداخلي. يجب تعبئة كل الطاقات من قبل الجميع لتعزيز و تقوية الإنتاج الداخلي. يجب مطالبة كل المسؤولين الناشطين في المجالات الاقتصادية و من كل أبناء الشعب بتقديم المساعدة لتعزيز الإنتاج الداخلي.
طبعاً ثمة سبل للمساعدة أذكر بعضها. من أوجب الأمور و الأعمال دعم المراكز الإنتاجية المتوسطة و الصغيرة. و من الواجبات أيضاً تقوية نشاطات المراكز العلمية المحور. حينما نشدّد على العلوم و التقانة فليس ذلك فقط من أجل رفع نصابنا العلمي، بل لأن التقدم العلمي و التقني يؤدي إلى التقدم الاقتصادي. المراكز العلمية المحور تستطيع مساعدة الاقتصاد الوطني. و من الأعمال و الأمور الواجبة نهضة التقليل من بيع الخامات. و لهذا اعترضتُ قبل فترة على تبعية اقتصادنا للنفط و ذكرتُ ذلك في كلمتي. يجب أن نعمل ما من شأنه تقليل بيع الخامات تدريجياً وصولاً إلى اندثار هذه الظاهرة تماماً. يجب تحقيق القيمة المضافة. يمكن للبنوك أن تمارس دوراً في هذا الباب، يمكنها أن تمارس دوراً مساعداً، و يمكنها أيضاً ممارسة دوراً مخرباً، و هذا ما ينبغي أن يحظى باهتمام مسؤولي البنوك الكبار في البلاد. بعض البنوك في مختلف أنحاء البلاد و بأساليب خاصة عملوا على تعطيل المراكز الاقتصادية الصغيرة و المتوسطة و قضوا عليها. بوسع البنوك أن تساعد و بوسعها أن تخرب.
من الأعمال الأساسية الأخرى التي ينبغي أن يصار إليها تسهيل الاستثمار. من الأعمال الأساسية خفض استيراد البضائع الاستهلاكية، و من الأعمال الأساسية مكافحة التهريب. يمكن للمسؤولين الحكوميين القيام بأعمال متنوعة عديدة. جانب من هذه الأعمال هو ما أشرت له هنا. طبعاً هذه الأعمال كلها أعمال صعبة؛ التحدث عنها سهل يسير و العمل بها صعب. لكن المسؤولين يجب أن يقوموا بهذه الأعمال الصعبة لأن القضية قضية مهمة. و بوسع الناس أن يكون لهم دور. القادرون على الاستثمار ليركزوا استثماراتهم على الإنتاج و ليستثمروا في الأعمال الإنتاجية. و المستهلكون - و شعبنا كله في الواقع مستهلك - ليتجهوا صوب المنتجات الداخلية، و هذا ما شددت عليه مرات و مرات، و أقوله اليوم أيضاً و أشدد عليه. ليحاول الجميع استهلاك المنتجات الداخلية و ليدعموا العامل الإيراني، و ليعملوا على ازدهار الورشات و المعامل الإيرانية باستهلاك منتجاتها. و هناك قضية اجتناب الإسراف؛ ليعلم المسرفون أن هذا الإسراف و الجشع و التبذير المذموم في الإسلام بهذه الدرجة الكبيرة يحدد مصير الاقتصاد الوطني. إذا جرى اجتناب الإسراف و التبذير في الأموال الشخصية و في الماء و في الخبز و في وسائل التشريفات الزائدة في الضيافات و مراسم الأعراس و باقي المراسم، و في باقي الأمور و الأشياء، فهذا سيساعد الاقتصاد الوطني. الذين يعملون في التجارة و المعاملات الخارجية يمكنهم أن يمارسوا دوراً، و دورهم عبارة عن صحة العمل من أجل أن يحفظوا ماء وجه الشعب الإيراني. كانت هذه هي النقطة الثالثة.
النقطة الرابعة بشأن الاقتصاد هي أن الحظر الأداة الوحيدة بيد العدو، ليعلموا هذا. الأداة الوحيدة بيد العدو لمواجهة الشعب الإيراني في الوقت الحاضر هي الحظر الاقتصادي. إذا تصرفنا بشكل صحيح و بتدبير لأمكن احتواء تأثيرات الحظر. كما أشرتُ فإن هذه الأجهزة الإنتاجية و الصناعية و التي تقوم الجهات الحكومية المسؤولة اليوم بافتتاحها لحسن الحظ - و منها هذه المرحلة الثانية عشرة من مشروع پارس الجنوبي التي سبق أن أشرت لها و هذا التقدم العسكري و متنزهات العلم و التقانة هذه و ما شابه ذلك - أعمال و مشاريع يمكنها القضاء على الحظر، فهي تقلل في البداية من تأثيرات الحظر ثم تقضي عليه. الحظر يخلق مشكلات لكن له مردودات إيجابية علينا في الوقت نفسه. لقد أثبت لنا الحظر أننا يجب أن نعتمد على أنفسنا، و أثبت لنا أننا نستطيع الاستفادة من طاقاتنا الداخلية. لو عقد المسؤولون الحكوميون و أبناء الشعب و خصوصاً الناشطون في القطاعات الاقتصادية هممهم و بذلوا مساعيهم و جهودهم، و مدّت الأجهزة الإعلامية العامة يد المساعدة - و سوف أشير لهذه النقطة - سنرى إن شاء الله بأن الحظر غير قادر على صدّ شعب إيران عن التقدم.
و أشير إلى نقطة بشأن الملف النووي، و طبعاً توجد نقاط أخرى لكنني لا أريد مواصلة الحديث في هذا الشأن أكثر. أذكر جملة أمور حول الملف النووي: أولاً في خصوص القضايا النووية يتحرك أعداؤنا و هم الطرف المقابل لشعب إيران - و على رأسهم أمريكا - بتدبير و تخطيط سياسي. هذا ما نتنبه له تماماً، فهم يفهمون ما الذي يفعلون. إنهم يحتاجون لهذه المفاوضات، و أمريكا بأمسّ الحاجة إلى المفاوضات النووية. و هذه الاختلافات التي تشاهدونها بين الأمريكيين، أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بشكل و الحكومة الأمريكية بشكل، هذه ليس معناها أنهم لا يحتاجون لهذه المفاوضات، لا، التيار المقابل للحكومة يرغب أن لا يسجل امتياز هذه المفاوضات باسم منافسه، أي الحزب الديمقراطي. إنه يسعى لهذا الشيء. إنهم بحاجة لهذه المفاوضات و يعتبرون هذه المفاوضات ضرورية بالنسبة لهم لكنهم يبدون الاستغناء عنها.
في نداء رئيس جمهورية أمريكا بمناسبة النوروز كان هناك للأسف كلام غير صادق. مع أنهم يبدون في الظاهر صداقتهم لشعب إيران لكن المرء يلاحظ تماماً و بكل وضوح أن هذه التصريحات غير صادقة. من هذا الكلام أنه يوجد في إيران أشخاص يعارضون الحل الدبلوماسي للقضية النووية. هذا ما يقوله هو. يقول يوجد في إيران أشخاص لا يريدون للقضية النووية أن تعالج بالمفاوضات الدبلوماسية. هذا كذب. لا يوجد في إيران أي شخص لا يريد للقضية النووية أن تعالج، و أن تعالج بطريقة المفاوضات. ما لا يريده شعب إيران هو قبول ما يفروضنه عليه و منطق القوة الذي تريد أمريكا فرضه عليه، هذا ما لا يريده شعب إيران. ما يقاوم الشعب الإيراني إزاءه هو قبول منطق القوة الذي يمارسه الطرف الآخر. يقول الطرف الآخر تعالوا نتفاوض و اقبلوا أنتم ما نقوله بحذافيره. هذا ما يقوله. شعب إيران يقف بوجه هذا الشيء، و من المتيقن منه أن مسؤولينا و الوفد المفاوض و من خلفهم الشعب الإيراني، لا يقبلون هذا الشيء مطلقاً.
النقطة الثانية بخصوص الملف النووي هي أن هذه المفاوضات الجارية حالياً، حيث يتفاوضون مع الحكومات الأوربية و مع أمريكا، التفاوض مع أمريكا هو فقط في الشأن النووي، و ليس إلا. ليعلم الجميع هذا. إننا لا نتفاوض مع أمريكا بخصوص قضايا المنطقة. أهداف أمريكا بخصوص قضايا المنطقة تقف على الضد تماماً من أهدافنا. إننا نروم الأمن و الهدوء للمنطقة، و نريد سيادة الشعوب، و السياسة الأمريكية في المنطقة هي زعزعة الأمن. لاحظوا بلاد مصر و لاحظوا ليبيا و لاحظوا سورية! الأجهزة الاستكبارية و على رأسها أمريكا بدأت هجوماً معاكساً مقابل الصحوة الإسلامية التي انطلقت من قبل الشعوب، و لا يزال هذا الهجوم المعاكس جارياً و مستمراً في إيذاء شعوب المنطقة تدريجياً. هذا هو هدفهم، و هذا على الضدّ تماماً من أهدافنا. إننا لا نتفاوض و لا نتكلم مع أمريكا على الإطلاق في قضايا المنطقة و لا في القضايا الداخلية و لا في قضية التسلح؛ التفاوض حول القضية النووية فقط و كيف نستطيع حل القضية النووية بالأساليب الدبلوماسية.
النقطة الثالثة هي أن الأمريكان يكررون فكرة «إننا نعقد مع إيران معاهدة، ثم ننظر إذا عمل الإيرانيون بالمعاهدة، نرفع الحظر». هذا الكلام كلام خاطئ و غير مقبول. هذا شيء لا نقبله. رفع الحظر من موضوعات المفاوضات، و ليس نتيجة للمفاوضات، و الذين يعملون و يخوضون غمار الأمور يعلمون الفرق بين هاتين الحالتين بكل وضوح. هذه خدعة أمريكية يقولون إننا نعقد معاهدة ثم ننظر للسلوكيات و من بعد ذلك نرفع الحظر! ليس الأمر كذلك؛ كما قال مسؤولونا بكل صراحة و قال رئيس الجمهورية المحترم بصراحة فإن رفع الحظر يجب أن يتم فوراً عند التوصل إلى اتفاق، بمعنى أن رفع الحظر يجب أن يكون جزءاً من الاتفاق و ليس شيئاً يترتب على الاتفاق.
نقطة أخرى هي أن الأمريكان يكررون فكرة أنه يجب أن لا يكون هناك عودة إلى الماضي لدى إيران في قراراتها التي تتخذها و الأشياء التي تقبل بها، هذا شيء لا نقبله. إذا كان بوسع الطرف المقابل إعادة الحظر ضد الشعب الإيراني مرة ثانية بسبب أي ذريعة، فلا يوجد أي وجه لأن يقبل وفدنا المفاوض و يعمل بما من شأنه أن يكون هذا الأمر لا عودة فيه، على الإطلاق، هذه صناعة شعبية و محلية و ملك للناس، و علومها و تقنياتها ملك للشعب، و يجب أن تتقدم إلى الأمام، و هذا التقدم جزء من طبيعة أي صناعة أو تقنية. هم يتحدثون عن القنبلة النووية، و هم أنفسهم يعلمون جيداً إننا لا نسعى لحيازة سلاح نووي، لكنهم يجعلون هذا الشيء ذريعة للضغط على شعب إيران. لقد كنا في هذا المفاوضات ملتزمين بكل الالتزامات الدولية، و قد كنا ملتزمين في هذه المفاوضات بعهود الأخلاق السياسية - الإسلامية، و لم ننقض عهودنا، و لم نتحدث بطريقتين، و لم نكن متلونين، إنما الطرف المقابل لنا، أي الأمريكان نكثوا عهودهم و كانوا متلونين و غشاشين و كان سلوكهم سلوكاً يبعث على الاعتبار بالنسبة لشعبنا. و الأشخاص غير المتفطنين بعدُ - داخل المجتمع التنويرى للبلاد - إلى من هو الطرف المقابل - أمريكا - لا بأس أن ينظروا لهذه المفاوضات و يفهموا من الذي يواجهونه و ما الذي تفعله أمريكا اليوم في العالم. و هذه التهديدات التي يطلقونها لا تأثير لها. أن يهددوا بمزيد من الحظر، و أن يهددوا بالتحرك العسكري في تصريحاتهم، فهذه تهديدات لا تخيف الشعب الإيراني. الشعب الإيراني واقف صامد و سيخرج بكل نجاح إن شاء الله من هذا الاختبار الكبير. و ما من شك في أن التوفيق الإلهي يمكنه أن يأخذ بيد شعبنا إلى برّ النجاة في هذا المضمار.
هناك قضايا مهمة أخرى لا مجال لطرحها. لا شك في أن هناك أعمالاً و مهمات كبيرة على عاتق الشعب و الحكومة في إيران. قضية الاتحاد الإسلامي، و قضية مساعدة الشعوب المستضعفة، و قضية النفوذ المعنوي للإسلام في المنطقة و الذي يرفع شعب إيران رايته اليوم، هذه أعمال كبيرة إذا وفقنا الله تعالى و شمل بتوفيقه شعب إيران العزيز - و سوف يشمله بتوفيقه ببركة أدعيتكم و بفضل هممكم و جهودكم و خصوصاً الشباب منكم - فسننهض إن شاء الله بهذه المهام الكبيرة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة الحج، شطر من الآية 39 .
2 - سورة الحج، الآية 41 .
3 - من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 210 .
4 - سورة التوبة، شطر من الآية 103 .
5 - الكافي، ج 5، ص 56 .
6 - سورة النحل، شطر من الآية 90 .
7 - سورة الأعراف، شطر من الآية 157 .
8 - الكافي، ج 4، ص 570 .
9 - سورة التوبة، شطر من الآية 71 .
10 - كلمته في زوار مرقد الإمام الرضا (ع) و أهالي مدينة مشهد المجتمعين في الحرم الرضوي الشريف بتاريخ 21/03/2007 م .
11 - ارتفاع شعارات الحاضرين ضد أمريكا: «الموت لأمريكا».