بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الطیّبین الطاهرین المعصومین.
أرحّب بكم كثیراً أعزائي، الشباب والمسؤولین المحترمین في القوة الجویة في جیش الجمهوریة الإسلامیة في إیران والدفاع الجويّ. إنّ اللقاء السنويّ بكم مدعاة سرور لي بالمعنی الحقیقي للكلمة؛ الوجوه الشابة، الوجوه المتفائلة، الوجوه المبتهجة الباعثة علی الأمل، أینما تكونوا فوجودكم يبعث الأمل وهو نعمة كبیرة من الله. أتقدّم بالشكر من القائد المحترم على كلمته التي أدلی بها وكانت باعثة علی الارتیاح، والأعمال الواردة في هذا التقریر القصیر هي عناوین مهمة تحتاج إلی المتابعة والملاحقة، فالشروع بكلّ عمل أمر، واستمراره ودوامه أمر آخر وعلی جانب كبیر من الأهمیة. كما أتقدّم بالشكر من الأعزّاء في الفرقة الإنشاديّة العسكريّة، فقد كان شعرهم جیداً جداً، وكذا لحنهم كان جمیلاً جداً، فعسی أن یكونوا موفّقین إن شاء الله.

ما أقوله لكم أیّها الأعزاء، إنّ من النعم الإلهیة الكبری على هذا الشعب أنّ الجیش في هذا البلد تضامن مع الشعب وواكبه، وهذه نعمة كبیرة جداً. ولو لم یتعاطف الجیش مع الشعب ویواكبه في الثورة لاستحال الوضع إلى شيء آخر، ولبرزت مشكلات عجیبة. لقد كان لقادة الجیش حكم ولعامة الجیش حكم آخر، وقد أدّت كلّ قوّة من قوی الجیش دوراً معيّناً، أعرض هنا لدور القوة الجویة في بضع كلمات:
لقد كان دور القوة الجویة بارزاً جداً، والدور الأوّل للقوة الجویة في الثورة كان حادثة التاسع عشر من بهمن هذه، فقد كانت حادثة التاسع عشر من بهمن كالثورة نفسها. وكما كانت الثورة مدهشة ومذهلة كذلك كانت حادثة التاسع عشر من بهمن. لقد كنت هناك عندما كان هؤلاء الشباب یدخلون من الشارع؛ بعضهم ضباط وبعضهم ذوو رتب، والكثیر منهم منتسبون، وقد شاهدت المنظر من الأعلی من إحدی البنایات حیث كنا نعمل فسارعت إلی المكان (2) الذي كان الإمام الخمیني موجوداً فیه، ثم جاء هؤلاء وتتابعت الأحداث. كان حدثاً مذهلاً بالمعنی الحقیقي للكلمة، حدثاً بعث الیأس في قلب العدوّ وهزّ معنویاته، وأفرح الثوار بشدّة وزاد من معنویاتهم؛ كان حدثاً مذهلاً. والواقع أنّ مجيء عدّة مجموعات من القوة الجویة ـ وفي الجملة عدّة سرايا ـ حيث وقفت في المدرسة وأنشدت نشیدها وقدّمت التحیّة للإمام الخمیني، إنّما كان رزقاً من حیث لا یحتسب الإنسان لهذه الثورة وللمناضلین وللإمام الخمیني الجلیل «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» (3). لقد كان هذا بحقّ رزقاً غير محتسب. كانت هذه مرحلة.

 والمرحلة التالیة كانت واقعة لیلة الحادي والعشرين من بهمن والتي قلّما تمّ التطرق إليها والحديث عنها. فقد تعرّضت القوّة الجویّة لیلة الحادي والعشرين من بهمن لهجوم بالدبابات انتقاماً منها لما قامت به في التاسع عشر من بهمن، فهبّ الناس لمساعدتها، وقد وقفت هذه القوة بصلابة، وسلّمت الأسلحة الموجودة داخل المخزن للناس، فسلّحتهم وانتصروا؛ انتصرت البنادق والأجساد [العارية] والتضحیات، علی الدبابات والمجموعات الغاضبة بشدة التي هاجمت شباب القوة الجویة. وقد كانت هذه أیضاً مرحلة أخری. وأذكر تلك اللیلة تماماً، حیث كان شباب البلاد یسیرون في الشوارع بما في ذلك شارع "إیران" الذي كنّا فیه ویهتفون: إنّهم یرتكبون مجزرة في القوة الجویة، اخرجوا أیها الناس وتعالوا.. فكان الشباب یهرعون لنجدة القوّة الجویة. وهذه بدورها مرحلة أخری.  
 
ومرحلة أخری تتعلّق بقضیة الكشف عن مؤامرة انقلاب معسكر همدان، معسكر الشهید "نوژه". حيث كشفت المؤامرة من قبل ضابط في القوّة الجویّة؛ ضابط شاب من طیّاري القوة الجویة ـ وقد التقيته لاحقاً في فترة الحرب وكان قد تعرّض للإصابة وأصبح جريح حرب ـ قصدني في وقت السحر، في منتصف اللیل تقریباً، وجاء إلی منزلي وأخبرني بما يجري وأنّه من المقرّر [القيام بانقلاب]، ولم نكن نصدّق الأمر، هذا الشاب قصد بنفسه في منتصف اللیل ـ وقصة ذلك طویلة ـ هذا وذاك، وطرق الأبواب، وبذل ما بذل من جهود عساه يستطيع الوصول إلى الإمام الخمیني وإخباره، لكنّه لم یستطع، فقالوا له إذهب إلی فلان، فجاءني وقال: القضیة كیت وكیت، جاء متعباً، مرهقاً، وخائفاً، فاستدعيت عناصر الأمن، وقلت لهم إنّه یقول كذا وكذا، فذهبوا في ذلك الیوم نفسه [وتابعوا المسألة]. أي كان من المقرر غداة ذلك اليوم، تنفیذ الانقلاب في طهران، فاستطاع شاب من القوة الجویة أن یحبط ویفشل تلك المؤامرة. هذه صفحات من تاریخنا. وللأسف فإنّ تاریخ الثورة وتاریخ الأحداث والأدوار العجیبة التي أُدّيت في هذه الثورة، لا تزال مجهولة لدى الكثيرين ولم يسمعوا بها. هذا أیضاً أضعه في حساب القوّة الجویة، وأسجّله لصالحها، هذا التحرّك الكبیر والعمل العظیم الذي قام به [هذاالشخص].
 القضیة الأخری قضیة جهاد الاكتفاء الذاتي. لقد كان جهاد الاكتفاء الذاتي من إبداعات القوة الجویة، حیث كنت حینها في وزارة الدفاع ومسؤول الشؤون العسكریة من قبل مجلس شورى الثورة؛ ولم نكن نحن من اقترح هذا الأمر، [بل] هم من اقترحوه علینا، فقالوا إنّ بوسعنا تأسیس تشكیلات باسم جهاد الاكتفاء الذاتي ـ وهم الذین اختاروا الاسم ـ فأیّدنا هذا الاقتراح وصادقنا علیه ودعمناه، وإلّا فشباب القوة الجویة هم الذین قاموا بالعمل. وكان بینهم ضبّاط، ومنتسبون، تجمّعوا، وبدأوا العمل وانطلق جهاد الاكتفاء الذاتي في الجیش. وأنتم ـ والفنّیّون منكم بالحدّ الأدنى ـ تعلمون أيّ أعمال كبیرة حقّقها جهاد الاكتفاء الذاتي في البلاد طوال هذه العقود. هذه أیضاً من آثار ومميّزات القوة الجویة.
 
نقطة أخرى أيضاً، وهي أنّ أوّل ردّ فعل ساحق في الحرب المفروضة كان من فعل القوة الجویة. ففي الیوم الثاني للحرب ـ وكان العدوّ هو الذي هاجمنا في الیوم الأول، وفي الغد أو بعد الغد ـ نفّذت بتلك الطلعات المدهشة غارات علی بغداد والعراق ما أذهل الجميع. فالعدوّ لم یكن یتوقع ذلك، وإمكانیّاتنا وقدراتنا كانت قلیلة للغایة؛ لم نكن نمتلك بعض الإمكانیات، والبعض الآخر لم نكن نعلم بوجوده، كان متوفّراً لكنّنا لا نعلم به، وقادتنا لم یكونوا متمرّسین بعد، ومع ذلك فقد نفّذوا عدداً كبیراً، قرابة المائة والأربعین طلعة أو أكثر في یوم واحد، توجّهت إلی العراق وقصفت مطاراته ومواقع مختلفة منه، ردّاً علی قصفهم مطاراتنا، فكانت هذه الحركة الضاربة الأولی من قبل الجیش والقوة الجویة في الحرب المفروضة. 
ومن ثم، هناك نشاطات الجیش الأخری علی امتداد فترة الحرب، ومن نماذجها عملیات «والفجر 8». رحم الله الشهید ستّاری الذي كان حينها ضابطاً تقنیاً فنیّاً في القوة الجویة، ولم یكن قد تولّی قیادة القوة الجویّة بعد؛ لقد قام بعمل في عمليات «والفجر 8» مكّن المقاتلین من عبور نهر أروند إلی الجهة الثانیة واحتلال الفاو ووقوع تلك الأحداث المهمة التي هزّت العالم حقّاً. حينها، لم ینم الشهید ستاری وزملاؤه طوال عدة أیام. كانوا ینقلون المضادّات وأجهزة الدفاع الجوّي من ناحية إلى أخرى، ویطلقون المضادات دون توقف، یسقطون الطائرات، ثمّ یغیّرون أماكنها من أجل أن لا تستهدف، فقاموا بعمل استثنائيّ غير قابل للوصف على الإطلاق. علی من هم من أهل القلم والكتابة، ومن هم من أهل الخطابة، وعلى من هم من أهل الإنشاد، أن ینشدوا هذه الأحداث والوقائع ویكتبوها؛ إنّها إنجازات كبیرة جداً تلك التي حصلت ووقعت، وشعبنا، وشبابنا في الغالب، لا یدرون بها ولا یعلمون بما حصل. ونموذج واحد منها كان عملیات «والفجر 8» وهناك حالات وأحداث أخری وقعت.

إنّ مهمّة العدوّ هي بثّ الرعب والاضطراب. مهمّة العدوّ أن ینشر الذعر والخوف والیأس. هذه هي مهمّة العدوّ وما یقوم به الشیطان. والمسألة ليست وليدة الیوم، فلطالما كانت موجودة ومستمرّة علی مدی التاریخ، وطوال تاریخ الإسلام. « إِنَّما ذٰلِكمُ الشَّیطانُ یُخَوِّفُ أَولِیاءَهُ »، إنّها آیة قرآنیة « فَلا تَخافوهُم وَ خافونِ إِن كنتُم مُؤمِنینَ » (4). یقول الله تعالى: أيّها المؤمنون لا تخافوا أولیاء الشیطان وأتباعه ولا تخشوا القوی الشیطانیة، بل خافوني وخافوا الانحراف عن الصراط المستقیم. إذا انحرف الإنسان عن الصراط المستقیم فهذا أمر مخوف، لأنّكم عندما تنحرفون عن الجادة المستقیمة والصحیحة والقويمة سوف تتيهون في الصحراء، وهذا ما یجب أن تخافوه، أمّا العدوّ فلا تخافوه إطلاقاً؛ لا تخافوا العدوّ. ویقول فی موضع آخر « فَلا تَخشَوهُم وَاخشَونِ » (5)، أو قوله « الذين قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكم فَاخشَوهُم فَزادَهُم.. وَ قالوا حَسبُنَا اللَّهُ وَ نِعمَ الوَكیلُ » (6). لاحظوا، إن آیات القرآن دروس حیاة ودروس تقدّم وتطوّر. بعد معركة أُحُد حیث قدّم المسلمون الشهداء، واستشهد شخص كحمزة سید الشهداء، واستشهد آخرون، والبعض الآخر جرحوا وأصیبوا، وانتهت المعركة بالتالي، وانقضى ذلك الیوم وهمّوا بالعودة إلی المدینة... وعلی أعتاب المدینة، وخارجها، في منطقة أحد، كان هناك بعض الجرحی وبعض المتألّمين والمهمومين. وبعد أن ابتعد العدوّ عن المدینة ـ إذ في المرحلة الأخیرة [من المعركة] وجّه المسلمون ضربات شدیدة للعدوّ وأجبروه على الابتعاد ـ خطرت بباله فكرة وخطة، وهي أنّه طالما عاد المسلمون إلی المدینة وألقوا السلاح، فلیعودوا هم ویهاجموهم فجأة وینهوا كلّ شيء. ولكي یبثوا الفزع والهلع في نفوس المسلمين، فقد سرّبوا الخبر بنحو من الأنحاء، بأنّ الأعداء سوف یهجمون الآن. حسنٌ، البعض جرحی والبعض متعبون « قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكم ». جاء المندسّون بین الناس وقالوا لهم إنّ الجیش خارج المدینة بانتظار الهجوم علیكم ـ فَاخشَوهُم ـ وسوف یذیقونكم الویل والثبور. عندها أمر الرسول الذین جرحوا الیوم في أحد فقط، بالخروج إلی العدوّ، وقال: هؤلاء لا غيرهم، من يجب أن يحملوا السلاح ويقاتلوا ... [وهكذا]، انبرى بعض الجرحى، وهم مؤمنون بالتالي، مؤمنون بالرسول ويقبلون عنه، فحملوا السیوف وخرجوا واشتبكوا مع تلك الجماعة التي كانت بالقرب من المدینة ـ علی بعد فرسخ أو نصف فرسخ ـ وانتصروا علیهم انتصاراً عظیماً «فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضلٍ لَم یَمسَسهُم سوءٌ» (7). في البدایة «قالوا حَسبُنَا اللهُ وَ نِعمَ الوَكیلُ » ثم ساروا «فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضلٍ» عادوا ومعهم الغنائم، قد هزموا العدوّ ورجعوا مرفوعي الرأس غانمين. هذا هو منطق الإسلام.

إنّ ما یدفعكم إلی الخوف والیأس والقنوط هو الشیطان. وهؤلاء الشیاطین یعملون اليوم بشكل متواصل، عبر الإذاعات وشبكات التلفزة والفضاء الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي وما إلی ذلك من أجل أن تخافوا. ولكن لا، «فَلا تَخافوهُم» (8)، بل خافوا الانحراف عن طریق الله، لأنّنا إذا انحرفنا عن الطریق المستقیم كان مصیرنا مصیر البلدان الخاضعة لأمریكا، مصیر العربیة السعودیة، ومصیر نظام الشاه، وفي مثل تلك البلدان كلّ إمكانیات البلد تكون ملكاً للعدوّ، فيما الشعب ذليل مقابل العدوّ، لا ملاذ ولا ملجأ له منه.

حسنٌ، أشعر أنّ التاسع عشر من بهمن هذا یملي علینا نوعاً من الشعور بالواجب فیما یتعلّق بالسیطرة علی النفس والشعور بالاقتدار. وقد كان التاسع عشر من بهمن في ذلك العام أیضاً علی هذا النحو. فالشباب الذین هبّوا في التاسع عشر من بهمن وجاؤوا من القوة الجویة وبایعوا الإمام الخمیني ـ كانوا بالتالي عرضة للتهدیدات والمخاطر، حيث كانت المخاطر والتهدیدات قائمة یومذاك وكان نظام الطاغوت لا یزال قائماً ـ هؤلاء تغلّبوا علی خوفهم وعلّقوا الآمال علی الله ولم یخشوا الشیطان. ولم تكن القضیة سرّیّة خفیّة، وأنا أتذكّرها وهي ماثلة أمام عیني، وكان الكثیرون منهم قد أخرجوا هویّاتهم الشخصیّة من جیوبهم ورفعوها بأیدیهم، بمعنی أنّنا فلان وفلان، وإذا أردتم أن تعرفونا فاعرفونا. تغلبوا علی الخوف ولم یفقدوا الأمل بالله. وهذا هو الحلّ الیوم أيضاً، أمام الشعب الإیراني وأمام مسیرة الشعب الإیراني العظیمة، بما فيه أنتم أیّها الأعزاء. وهكذا ستكون أيضاً تظاهرات الثاني والعشرین من بهمن. وسوف أذكر نقطتین أو ثلاثاً بخصوص المظاهرات لاحقاً. إنّ تظاهرات الثاني والعشرین من بهمن محطّمة للأعداء بالمعنی الحقیقي للكلمة، وهي مظهر الحركة الوطنیة. فمنذ أربعین عاماً والشعب يخرج إلى الشوارع عندما یحلّ الثاني والعشرون من بهمن، ليس في طهران فحسب، بل في سائر مدن البلاد، ولیس بعشرة آلاف أو عشرین ألفاً بل بحشود هائلة عظیمة، وبحشود ملیونیة في بعض الحالات، وأنا أعتقد أنّ هذا الحراك سیكون في هذه السنة أعظم من السنین السابقة.

النظام الأمریكي تجسید للشر والعنف بالمعنی الحقیقي للكلمة، إنّه نظام مفتعل للأزمات ومؤجّج للحروب. ليس الیوم فقط، بل طوال هذه الأعوام التي شهدنا نحن بعضها بأنفسنا، وقرأنا عن بعضها الآخر. حیاة النظام الأمریكي منذ بدایاته ـ ولا نقول منذ بدایة البدایات، ولا نقصد عندما استقل عن بریطانیا، بل بعد مدة من الزمن ـ كانت قائمة علی التطاول والعدوان على هذه المنطقة وتلك من العالم، للحفاظ علی مصالحه وتحقيقها واكتسابها؛ أمّا الشعوب فلم تكن لها أيّ أهمیة عندهم وكانوا علی استعداد لسحقها بأقدامهم. إنّه أساساً مظهر للشرّ؛ وفي الوقت الذي يوجّه مثل هذا النظام الإهانات للجمهوریة الإسلامیة وللشعب الإیراني، یشتكي ويقول لماذا یرفع الشعب الإیراني شعار «الموت لأمریكا»؟ أوّلاً، أوضّح للسادة الكبار في أمريكا نقطة وهي أنّ «الموت لأمریكا» تعني الموت لترامب وجون بولتون وبمبیو! والموت لهؤلاء يعني الموت لرؤسائهم؛ ولا شأن لنا بالشعب الأمریكي؛ الموت لأمریكا تعني الموت لكم أنتم تلك الحفنة من الأشخاص وتلك الجماعة التي تدیرون بلادكم. هذا هو المقصود. والموجودون [على رأس السلطة] في هذه الفترة هم المقصودون، وغيرهم في الفترات الأخری. وليس المقصود به الشعب الأمریكي. ثانیاً، طالما انطوت أعمال الحكومة الأمریكیة والنظام الأمریكي علی هذا الشر وهذا التدخل وهذا الخبث وهذه الخسّة، فإنّ [شعار] «الموت لأمریكا» لن يفارق شفاه الشعب الإیراني.

حسنٌ، الكلام في البلاد هذه الأیام عن الأوروبیّین ومقترحاتهم. توصیتي هي أن لا تثقوا بالأوروبیّین أیضاً. وفيما يتعلّق بأمریكا أیضاً، فقد قلت منذ عامین أو ثلاثة أعوام عندما كانت المفاوضات النوویة جاریة، سواءً للمسؤولین بشكل خاصّ، أو في اللقاءات العامّة، وفي الخطابات، وكرّرت القول بأنّني لا أثق بهؤلاء. فلا تثقوا بهم ولا تطمئنوا إلیهم، ولا تثقوا بكلامهم وبأقوالهم وبتواقیعهم وبابتساماتهم، فهم لیسوا موضع ثقة. حسنٌ، وكانت النتیجة الآن، أنّ المسؤولین أنفسهم الذین كانوا یخوضون المفاوضات یومذاك راحوا یقولون الیوم إنّ أمریكا لیست موضع ثقة. كان عليهم أن یشخّصوا منذ البدایة بأنّ أمریكا لیست موضع ثقة ویتحرّكوا علی هذا الأساس. والیوم أیضاً أقول فيما يتعلّق بأوروبا والأوروبيّين، "إنّهم لیسوا موضع ثقة". لا أقول أن لا تقيموا علاقات معهم في القضایا التي هي مورد حاجة وما إلی ذلك، لا، فنحن بالتالي حكومة ودولة مقتدرة والحمد لله ولنا قدراتنا، لیس الكلام عن هذا، إنّما الكلام في أن تنظروا إلیهم بعین الريبة؛ فهم لا يلتزمون بأيّ شيء. لاحظوا! أنهم يخيّبون آمال مواطنیهم في شوارع باریس ـ فالمتظاهرون في شوارع باریس یتعرّضون للهجمات من قبل قوّات الشرطة الفرنسیة، ما يتسبّب بيأسهم وخيبتهم، هكذا یتعاطون مع شعبهم ـ ثم تراهم یطالبوننا بمراعاة حقوق الإنسان! وما شأنكم أنتم بهذا؟! وما علاقتكم بحقوق الإنسان لتطالبوا بلداً آخر وشعباً آخر بها؟ وهل تعرفون حقوق الإنسان أصلاً؟ إنّهم اليوم لا یعرفونها، ولم یعرفوها بالأمس، ولم یكونوا یعرفونها في تاریخهم، هكذا هم. أي إنّهم یقفون بمنتهی الوقاحة ویطالبون بشيء، یطالبون به بطريقة جدّ إستعلائيّة ومتكبرة. لا یمكن الوثوق بهؤلاء ولا یمكن احترامهم. هكذا هم. ولقد شاهدنا ذلك مراراً في القضایا والأحداث المختلفة؛ فرنسا بنحو، وبریطانیا بنحو، وتلك الدولة بنحو، وأخری بنحو آخر، كلّ واحدة منهنّ بنحو؛ هكذا هو سلوكهم وتعاطيهم. طبعاً نحن لنا علاقاتنا مع العالم كلّه ـ مع بعض الاستثناءات ـ وستبقی لنا هذه العلاقات، لكن علينا أن نعلم من هو الطرف المقابل، مع من نتفاوض، ومع من نبرم الاتفاقیات والعقود، وعلی أيّ أساس نعقدها. هذه أیضاً نقطة ضروریة.

أمّا فیما یتعلّق بالمظاهرات، فمظاهرات الثاني والعشرین من بهمن من أعاجیب الثورة الإسلامیة، إنّها شيء مثير للعجب حقّاً كالثورة نفسها. إنّ الاحتفالات السنویة للثورات في العالم ـ الذین قاموا بثورات ویحتفلون سنویاً بثوراتهم ـ تقتصر، كما نشاهده على شبكات التلفزة بالحدّ الأدنى، على حضور بعض الشخصيّات ووقوفهم على المنصّة، ومن ثمّ تأتي القوات المسلّحة فتسیر وتقدم عرضاً ولا شيء غیر ذلك. هذا هو الاحتفال. أمّا أن ینزل الناس إلى الشوارع لعدّة ساعات، في هواء الشتاء البارد، وقد كان من حظّ الشعب الإیراني أن تنتصر ثورته في شهر "بهمن" حیث الجوّ البارد والثلوج والأمطار، وتسير هذه الحشود الشعبیة الهائلة، وتستمع للكلمات والخطابات، وتستمرّ هذه العملیة لأربعین سنة ـ ولیست القضیة قضیة سنة وسنتین، فهذه السنة هي السنة الأربعون ـ فهذا بحدّ ذاته من المعجزات ومن عجائب الثورة الإسلامیة العظیمة. هذا شيء یجب أن یستمر ویتواصل بكلّ قوة، فهو محطّم ومدمّر للعدوّ، وهذا بحدّ ذاته یرعبه. إنّه مؤشّر علی الإرادة الوطنیة، ویعبّر عن عزم الشعب الإیراني ویشیر إلی الحضور العامّ للشعب الإیراني في الساحة. إنّ حضور الشعب في الساحة كاسر للعدوّ. وهذا الحضور في الثاني والعشرین من بهمن دلیل على المشاركة الأساسیّة العامّة؛ وعلى الوحدة الوطنیة، [نعم] الوحدة الوطنيّة. هناك اختلاف في الأذواق والسلائق، لكن حین یتعلّق الأمر بالثورة، وبالثاني والعشرین من بهمن، وبنظام الجمهوریة الإسلامیة، فإنّ اختلاف السلائق هذا یبهت ویضمحل، ویحضر الجمیع جنباً إلی جنب بعضهم البعض.

ولديّ هنا أيضاً توصیة. يُلاحظ أحیاناً في مظاهرات الثاني والعشرین من بهمن أن جنابك مثلاً لا ترتاح للشخص الفلاني، الذي يشارك مثلك في المظاهرات، فتقرّر أن تتظاهر ضدّه وترفع الشعارات ضدّه، هذا غیر صحیح. قد يكون ثمّة اختلاف في وجهات النظر، وأنت لا توافقه لأيّ سبب من الأسباب؛ قد لا توافق المسؤول الفلاني أو الرئیس الفلاني أو الشخص الفلاني، لا بأس، ولا إشكال في ذلك، لكنّ مظاهرات الثاني والعشرین من بهمن لیست مكاناً لتصفية الحسابات. هذا ما أوصي به الجمیع، فاحذروا، وارفعوا شعاراتكم، وأدوّا أعمالكم، وإذا كان أساسكم أساساً منطقیاً فحافظوا علیه، لكن لا تجعلوا المظاهرات مظهراً للاختلافات والنزاعات وما إلی ذلك. دعوا هذه الحركة العظیمة المعبّرة عن الإرادة الشعبيّة، والحضور الشعبي، والوحدة الوطنیة تبقی هكذا علی عظمتها المعهودة.

أعزائي، إنّ غد الشعب الإیراني أفضل من حاضره بمرّات، ومستقبل القوات المسلّحة في الجمهوریة الإسلامیة خیر من حاضرها بأضعاف، وغدكم أیها الشباب الأعزاء الذین یُراد لكم أن تملؤوا مكان الماضین، وتسیروا بنحو أفضل منهم، وتتقدّموهم درجة، سيكون أفضل من یومكم بكثیر. فتوكّلوا علی الله جميعاً، وجدّوا واجتهدوا، واشعروا بالمسؤولیة والتكليف أینما كنتم واعملوا بمقتضاهما، وسینظر لكم الله تعالی نظرة لطف ویفتح الطریق أمامكم إن شاء الله.

والسلام علیكم ورحمة الله وبركاته.

  

الهوامش:

1 ـ في بدایة هذا اللقاء قدّم الأمیر اللواء نصیر زاده (قائد القوة الجویة في جیش الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة) تقریراً بالمناسبة.

2 ـ مدرسة علوي بطهران.

3 ـ سورة الطلاق، شطر من الآیتین 2 و 3 .

4 ـ سورة آل عمران، الآیة 175 .

5 ـ سورة المائدة، شطر من الآیة 3 .

6 ـ سورة آل عمران، الآیة 173 .

7 ـ سورة آل عمران، شطر من الآیة 174 .

8 ـ سورة آل عمران، شطر من الآیة 175