بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
عَن اَبي قَتادَةَ، قالَ أبو عَبدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلامُ: لَيسَ لِحاقِنٍ رَأي، وَلا لِمَلولٍ صَديقٌ، وَلا لِحَسودٍ غِنًى، وَلَيسَ بِحازِمٍ مَن لَم ينظُر فِي العَواقِبِ، وَالنَّظَرُ فِي العَواقِبِ تَفتَحُ القُلوبِ.(۱)
لَيسَ لِحاقِنٍ رَأي
[يقول الإمام الصادق عليه السلام:] «حاقن» أي الشخص المحصور بضغط الإدرار أو غير ذلك، هذا لا رأي له. لذلك من المكروه في الصلاة أن يصلي الإنسان وهو تحت الضغط، لأن الإنسان سيفقد تركيزه. هذا أول الحديث.
ثم يقول: وَ لَا لِمَلولٍ صَديق
الإنسان الملول لن يجد صاحباً وصديقاً. و«الملول» هو الضيق الصدر المتبرم. الناس المتعبون المكتئبون المتبرمون ضيّقو الصدر لن يجدوا لهم رفاقاً وأصدقاء. وهذا صحيح. إذا أردتم أن تعملوا عملاً جماعياً وتتحركوا مع الجماعة وتدخلوا في سباقات وتسبقوا وتتقدموا فيجب أن يتوفر فيكم النشاط والحيوية. حينما نؤكد دائماً على الحيوية والنشاط في كلامنا فقد يتصور البعض أن النشاط يعني الرقص بأن نضع البرنامج الموسيقي الفلاني أو البرنامج الفلاني في المكان الفلاني، نضعه في المسرح وفي التلفاز حتى يكتسب الناس نشاطاً! ليس هذا معنى النشاط. النشاط معناه سعة الصدر في العمل والنشاط في العمل والتحرك وأن يكون قلب الإنسان مستعداً جاهزاً للتحرك والعمل والفعل، ولا يكون متعباً وملولاً ومكتئباً وما إلى ذلك، هذا هو معنى النشاط. إذا كان هذا فعندئذ سيكتسب الإنسان الزملاء والمعاونين وسيأتي الآخرون ويجتمعون حولكم وستستطيعون التقدم بالعمل إلى الأمام. وخصوصاً أنتم الشباب تحتاجون إلى هذا المعنى أشدّ الحاجة.
ثم قال: وَ لا لِحَسودٍ غِنًى
الإنسان الحسود لن يستغني، فهذه هي طبيعة الإنسان الحسود. ولأنه يحسد الناس على ما يتمتعون به فقد جعل الله تعإلى في هذا الحسد أثراً طبيعياً هو أن يبقى الإنسان متأخراً.
وَ لَيسَ بِحازِمٍ مَن لَم ينظُر فِي العَواقِب
الحازم هو الإنسان العاقل الذكيّ الذي يقوم بالعمل بإحكام ومتانة. هذه المعاني كلها تجتمع في كلمة الحزم. فهي تعني الإحكام ـ يسمّون ذلك الرباط الذي يحكم الشيء ويربطه سواء تحت بطن البعير أو الحذاء، يُسمونه حزاماً ـ وكذلك بمعنى الذكاء والعقل والتعقل. مجموع ذلك موجود في كلمة الحزم. يقول: الذي لا يلاحظ عاقبة عمله ليس عاقلاً وعمله ليس محكماً رصيناً. لاحظوا أن هذه كلها دروس لنا وخصوصاً الذين لهم مسؤولية منكم ومنا ويصنعون أو يتخذون قراراً في مكان ما. ثمّة عمل يعجب الإنسان فيقوم به وفيه منفعة لكنه لا يأخذ عاقبته بعين الاعتبار. يخوض في العمل بدون أن يتطلّع لعاقبته. لنفترض أن الإنسان يدخل في الصيف إلى باحة البيت ـ والباحات الآن قليلة، حينما كانت هناك باحات، وحينما كنا نضرب هذا المثال كان الكل يفهمونه ـ الحوض في وسط الباحة مليء بالماء الزّلال، والإنسان جسمه حار مستعر متعرق فيخلع قميصه فوراً ويلقي نفسه داخل الماء، فهل هذا فعل سيئ؟ لا، لكن هذا الماء الذي ألقيت نفسك فيه سيتموج ويضرب إناء كريستاليّاً ثميناً وضعوه على حافة الحوض فيقع وينكسر. وإذا كنت قد فكرت في هذا منذ البداية لدخلت في الماء بطريقة أخرى، لكنك لم تفكر بالعاقبة والتتمة لذلك ألقيت نفسك في الماء فكانت هذه هي النتيجة. الذي لا يفكر في عواقب العمل ليس بحازم.
مثلاً عندما تتنافسون يجب أن تعلموا ما الحركة التي سيقوم بها الطرف المقابل إزاء هذه الحركة التي تقومون بها، فكروا في هذا ثم استعدوا للحركة التي سيقوم بها لاحقاً وعندئذ ابدأوا حركتكم، هذا هو التطلّع لعاقبة العمل. هذه كلها دروس! وهي ليست دروساً فردية بل هي دروس مهمّة لقضايا البلاد المهمة ولإدارة البلاد وللشّؤون الإداريّة العامة. وهي طبعاً دروس تنفع للعائلة وللحياة الشخصية أيضاً. هكذا هي هذه الدساتير والتعاليم الأخلاقية.
وَالنَّظَرُ فِي العَواقِبِ تَفتَحُ القُلوب
أي إننا إذا دققنا في عواقب الأعمال فإن هذا سيفتح القلب ويفتح المنافذ الفكرية للإنسان والمنافذ الروحية والمعنوية. إذا دققنا في عواقب أعمالنا فلن نرتكب ذنباً ولا فسقاً، وإذا فكرنا في عواقب أعمالنا سوف نتجنب المزالق التي تعرض أمامنا عادة. هكذا هي الحال في الشؤون الشخصية وكذلك في الشؤون الكبرى وأيضاً في قضايا البلاد العامة. إذا كان هذا عندئذ يجب التقدم إلى الأمام بأمل.
توصيتي لكل من لهم مسؤوليات إدارية سواء في السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية أو في المجالات الإدارية المختلفة هي أن يبعدوا عن أنفسهم الكآبة والملل وضيق الصدر وانعدام الأمل، وليعلموا أن الأمور والأعمال تسير قدماً نحو الأمام والثورة تسير وتتحرك. وقد لاحظتم أية حادثة عظيمة وقعت في ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة في الحادي عشر من شباط بتوفيق من الله. إنها ثورة على كل حال، الثورة تتحرك وتتقدم. مضت أربعون سنة على النهضة العظيمة لهذا الشعب والإمام الخميني الجليل وكان ينبغي أن يُنسى كل شيء، لكن الناس يتعاملون مع هذه الحادثة وكأنها وقعت بالأمس القريب! يحضرون في الشوارع ـ كما رفعوا لي التقارير من أماكن مختلفة ـ في طهران وفي الشوارع المفضية إلى ساحة (آزادي) بحيث لا تستطيع الحشود التقدم إلى الإمام من شدة الزحام، وكذا الحال بالنسبة للمدن الأخرى. وقد حضرت الحشود أكثر من كل الأعوام الماضية، لماذا؟ لأن تهديد العدو كان أكبر فشعر الناس بالنشاط والواجب. الأعمال والأمور تسير وتتقدم نحو الأمام. وإذن فليترك الجميع ضيق الصدر وما إلى ذلك سواء كانوا من المدراء الكبار أو المدراء المتوسطين أو مدراء المراتب العادية، هذا أولاً.
ثانياً التفكير بالعواقب، لينظروا ما هي عاقبة العمل الذي يريدون القيام به. هذا القرار الذي تريد أن تتخذه وهذه القضية التي تريد المصادقة عليها أو رفضها أنظر ما ستكون عاقبتها وتتمتها وما الذي ستؤول إليه، وما ستكون ردّة فعل العدو حيالها وما الذي تستطيع أن تفعله، فكر في هذه الأمور ثم اعمل بعدها مخلصاً لله.
الهوامش:
1 ـ أمإلي الطوسي، المجلس الحادي عشر، ص 301 .