في ما يلي النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي لدى لقائة مسؤولي النظام:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أرحّب بكم كثيراً أيّها الإخوة الأعزاء، والأخوات العزيزات، المسؤولون المحترمون! عسى أن تشملكم جميعاً وسائر أبناء الشعب الإيراني البركات الإلهية إن شاء الله وأن يكون شهر رمضان مباركاً عليكم بالمعنى الحقيقي للكلمة.
شهر رمضان شهر التقوى، وأنا وأنتم كمسؤولين ـ كلّنا جميعاً ـ نحتاج إلى مراعاة التقوى أكثر من الآخرين. وأريد [هنا] التطرّق للموضوع لدقائق وأطرح نقاطاً عدّة في هذا الخصوص. في الآية الشريفة: «يا أَيّهَا الذينَ آمَنُوا كتِبَ عَلَيكمُ الصِّيامُ كما كتِبَ على الَّذينَ مِنْ قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُون» (2) هذه الـ «لَعَلَّكم تَتَّقُون» هي بمعنى الأمل، بمعنى أن هناك أملاً بحدوث هذا الشيء [التقوى]. حسنٌ، والأمل لا معنى له في خصوص الله تعالى، فالله عالم بالأسرار والخفايا وبكلّ شيء، فلا معنى للأمل بالنسبة إليه. إذاً، المراد إنّنا جعلنا شهر رمضان هذا، وهذا التشريع الإلهي ليكون أرضية ومجالاً لإشاعة التقوى، والخطاب خطاب لعموم الناس، أي من أجل إشاعة التقوى بينكم أيّها الناس. وعليه فشهر رمضان هو شهر إشاعة التقوى ورواجها.
ما معنى التقوى؟ التقوى كما شاع في التفاسير وهو صحيح بمعنى « الخشية والخوف» أو في تعابيرنا العادية «المراعاة» فيقولون مثلاً إنّ فلاناً يراعي فلاناً، أو إنّك تراعي فلاناً. هذا هو معنى الخوف والمراعاة والتقوى. «اِتَّقُوا الله» (3) بمعنى راعوا الله [في أعمالكم وأقوالكم] وخافوا الله تعالى. لقد رسم لكم خطاً مستقيماً في هذه الحركة العظيمة من الحياة البشرية المحفوفة بالمشاكل. كالأرض المزروعة بالألغام التي يُفتح فيها طريق ويُقال: إنّ هذا الطريق هو طريق السلامة والأمن فسيروا في هذا الطريق. هذا هو الصراط المستقيم. مراعاة الله ـ اِتَّقُوا الله ـ بمعنى أن تتنبهوا لكيلا تنحرفوا عن هذا الطريق، ولا تميلوا ذات اليمين وذات الشمال لكيلا تقعوا في الإبتلاءات والمشكلات.
إذا سرتم في هذا الدرب فستحصلون على نتائج حسنة جيدة، وقد بيّن الله هذه النتائج مراراً في آيات عديدة من القرآن: «اِتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكم تُرحَمون»؛ الرحمة (4)، «لَعَلَّكم تُفلِحون» (5). إذا كانت التقوى موجودة تحقّق الفلاح للإنسان. «لَعَلَّكم تَهتَدون» (6) كما في بعض الآيات، فالتقوى تبعث على الهداية، وحينما تنتهجون التقوى فسوف تزول المشكلات والعقد والعقبات من أمامكم، وسيتبيّن لكم الطريق الصحيح. وإذا تحلّيتم بالتقوى كان ذلك لكم فرقاناً «يجعَل لَكم فُرقانًا» (7)، ومعنى الفرقان هو القدرة على التفريق والتشخيص والتمييز، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. إنّنا في كلّ قضايا الحياة وشؤونها نحتاج إلى قدرة تشخيص نميز بها طريق الصواب من طريق الخطأ، والحقّ من الباطل. والتقوى توفر لنا الفرقان أي تخلق لنا قدرة على التشخيص. وشيء آخر: «وَمَن يتَّقِ اللهَ يجعَل لَهُ مَخرَجاً» (8)، المخرج بمعنى تحطيم الطرق المسدودة. إذا كانت التقوى موجودة فلن يكون هناك طريق مسدود، لن يكون هناك طريق مسدود في أموركم وشؤونكم. في كلّ المجالات، إذا كنتم تتحلّون بالتقوى وراعيتم التقوى وتحلّيتم بذلك الخوف والحذر وملاحظة الله تعالى، فلن يكون أمامكم طريق مسدود. والتقوى تمنح البصيرة أيضاً. هذه وعود القرآن فيما يخصّ التقوى «وَمَن أصدَقُ مِنَ اللهِ قيلًا» (9) وما من أحد أصدق وأوفى وعداً من الله تعالى. عندما يعد الله تعالى فإنّ وعده سيتحقّق، وهذا أمر قطعي مؤكّد ولا شكّ فيه.
حسنٌ، إلى جانب الدعوة إلى التقوى في القرآن ـ وقد دعينا إلى التقوى من أوّله إلى آخره مرّات ومرّات، دعينا إلى هذه الحقيقة النافعة الناجعة ـ طرحت في المقابل أيضاً "تقوى غير الله"، وأظنّ أنّ ذلك في سورة النحل: «وَ لَهُ الدّينُ واصِبًا أفَغَيرَ اللهِ تَتَّقون» (10) أتلاحظون وتراعون غير الله؟ جيّد، من هو غير الله؟ أن يراعي الإنسان أباه وأمّه فهذا شيء حسن، وأن يراعي أخاه المؤمن فهذا حسن جداً. إذاً، ليس هذا هو المراد، بل المراد هو القوى غير الإلهية، القوى المعادية لله. فعندما نلتزم بالتقوى ونخاف من قدرة الله فلن نخاف من قدرة ما سواه. «لا نخافهم» بمعنى لا نلاحظهم لا نداريهم لا بمعنى أن نغفل ونذهل عنهم. نعم، علينا أن ننتبه لكن أن لا نخاف منهم ولا نتصوّر أن حياتنا وسعادتنا ومستقبلنا ومصيرنا بأيديهم. فهذه من لوازم التقوى. لاحظوا، هذه كلّها سبل انتصار شعب من الشعوب، أي إذا ما توفّرت التقوى في الأمة الإسلامية، وفكّرت وعملت على أساسها، فسوف يتحقّق الازدهار والحركة والتقدّم والسموّ والرقيّ حتماً، وعندئذ ستتحقّق الآية الكريمة «لِيظهِرَهُ على الدّينِ كلِّه» (11) وهو ما ذكره الله تعالى مراراً في القرآن.
وللتقوى نطاق واسع ومراتب كثيرة، فالتقوى تتحقّق جرّاء تخلية قلوبكم، بأن لا تسمحوا للشهوات بالنفوذ إلى قلوبكم، ولا تسمحوا لها بالريب والشكّ في الحقّ، وبأن تجتنبوا هوى النفس؛ أي هذه المشكلات التي نعاني منها. كان التلفزيون ليلة البارحة يبثّ برنامجاً عن الإمام الخميني (رضوان الله عليه). لقد كان الإمام الخميني حكيماً بالمعنى الواقعي للكلمة، أي إنّه عندما كان يتحدّث كانت الحكمة تجري من قلبه دوماً ـ حتماً كنّا نحن في ذلك اللقاء لكنّ التذكير ضروري جدّاً ـ لقد قال عبارة هي: «شهر رمضان يجعلنا نبتعد عن الشهوات، وخصوصاً الشهوات المعنوية، فالشهوة المعنوية أصعب؛ وطلب القوة والسلطة وطلب الجاه، من الشهوات المعنوية. أن يسعى الإنسان لتكريس نفسه في كلّ ميادين الحياة فهذه هي الشهوة المعنوية. وهناك الشهوات الظاهرية والمادية والأخلاقية وما إلى ذلك وهي موجودة في محلّها. من هنا تبدأ التقوى إلى أن تصل إلى ساحة المجتمع، ففي الحرب توجد تقوى، وفي النشاطات السياسية هناك تقوى، وكذلك في النشاطات الاقتصادية. وهنا تكتسب تقوانا أنا وأنتم المسؤولون في البلاد، الذين تقع على عاتقنا مسؤوليّات مختلفة، والذين ترتبط حركاتنا وأقوالنا وأفعالنا وضمائرنا وقراراتنا بمصير الناس، الأهميّة. ولهذا السبب، قلت إنّ تقواي وتقواكم أهم من تقوى الناس العاديّين، فعلينا أن نراقب أنفسنا ونعمل على أساس التقوى. إنّ العامل والمسؤول في الدولة على ارتباط وثيق بحقوق الناس، فإذا كان عديم التقوى هُدرت حقوق الناس، وعندها لا يمكن التعويض. فالذنب الكذائيّ الشخصي والظلم للنفس الذي يرتكبه الإنسان، يمكن التوبة منه وجبرانه بنحو من الأنحاء، لكن حين تُسحق حقوق الناس وتهدر أنّى للمرء أن يجبره؟
انظروا إلى هذا الشيء كالتزام إداري. جنابك عندما تريد تعيين شخص في موقع ما وإيكال عمل لشخص ما، فلتعدّ التوفر على هذه الخصوصيّة، أي خصوصيّة التقوى والالتزام في الشؤون المتعلّقة بالناس من ضمن المؤهّلات الإدارية. من المؤهلات الإدارية أن تنظروا هل يتمتّع هذا الشخص بالتقوى، أي هل سيؤدّي العمل الذي تعهدون به إليه بأمانة أم لا. فإذا ما حصل هذا، سيكون الله العنصر الأهمّ في كلّ قراراتنا، وسيتحقّق معنى أنّنا نعمل من أجل الله، وعندها سيكون عملكم عبادة. وهذه من مميّزات العمل للحكومة الإسلامية وللدولة الإسلامية، وهو أنّ العمل إذا كان لله فسيكون عبادة، وسيكون ذلك التوقيع الذي توقّعونه، والرسالة التي تكتبونها، والكلام الذي تقولونه عبادة. هذه الجملة في دعاء مكارم الأخلاق: «وَاستَعمِلني بِما تَسأَلُني غَداً عَنه» ـ وهو الدعاء العشرون في الصحيفة السجادية وهو دعاء حسن جداً وأوصي بالإكثار من قراءته. حتماً الأصدقاء يقرأونه، لكن إقرأوا هذا الدعاء أكثر ـ غداً في يوم القيامة سيمسكون بتلابيبنا ويقولون لنا لماذا لم تفعلوا كذا وكذا. فنحن نقوم ببعض الأعمال التي لا ينبغي فعلها ـ وهذا ما نعرفه جميعاً ـ ونغفل عن بعض الأعمال التي علينا القيام بها ولا نهتمّ لها، ونتكاسل ونلاحظ فلاناً وفلاناً فلا نقوم بها، وسوف نُسأل.
وهذا من جملة المواضع التي يجب أن يكون للتقوى دور فيها. وهناك أيضاً مسألة مراعاة بيت المال، وهناك صيانة النفس وضبطها لئلّا تطغى؛ فكنز المال والمشكلات الأخلاقية والميل لحياة البذخ والترف والبهرجة. هذه أمور ينبغي علينا نحن المسؤولين في الجمهورية الإسلامية أن نحذر منها بشدّة. «وَسَكنتُم في مَساكـِنِ الَّذينَ ظَلَموا» (12). لا يمكن أن نحكم البلد نفسه الذي كان يحكمه ذلك الطاغوت ونسير بسيرته، ففي هذه الحالة لن يكون فرق بيننا وبينه. ينبغي لمنهجنا أن يكون مختلفاً عن منهج عبّاد الشيطان وأتباعه.
هناك مسلكان ومنهجان للوصول إلى السلطة والقوة. وهذا الأمر مشهود لدى كلّ الذين يصلون إلى السلطة: أحد المسلكين هو مسلك أهل الدنيا الذين ينتظرون الوصول إلى السلطة والحكم ليحقّقوا مطامعهم الشخصية. بمعنى أنّ الفرد يسعى للوصول إلى رئاسة الجمهورية لأنّ في فترة رئاسة الجمهورية تتوفّر له أرضيات وفرص تجعل حياته أفضل. أي إنّ الوصول إلى السلطة بالنسبة إليه وسيلة لتحقيق رغباته النفسانية والوصول إلى المال والثروة والشهوات والأشياء التي تطلبها النفس. هذا نهج، وغالباً ما كان أهل السلطة من هذا النوع، لأنّهم كانوا في الأغلب من أهل الدنيا، ويسعون وراء الدنيا، والسلطة بنظرهم هي الدنيا، ونتائج تلك السلطة ليست سوى الدنيا بالنسبة إليهم. هذا مسلك بعض الذين يصلون إلى السلطة، وهناك مسلك الأنبياء. روي عن الرسول أنّه كان: «يجلِسُ جَلسَةَ العَبِيدِ يأكلُ أكلَ العَبِيد» (13). جلسته على الأرض كانت كجلسة العبيد والغلمان، فمع كلّ تلك العظمة وشرف مقامه ومنزلته، لم يكن يرى لنفسه أيّ جاه ومقام. وكذلك في أكله الطعام، وفي من يصادق ويصاحب. ويقول الإمام أمير المؤمنين: «ألا وإِنَّ إمامَكم قَدِ اكتَفىٰ مِن دُنياهُ بِطِمرَيهِ وَ مِن طُعمِهِ بِقُرصَيه» (14). هذه حياة الإمام أمير المؤمنين، هذا أيضاً نموذج. بالتأكيد لا يعني هذا أن نعمل أنا وأنتم مثل الرسول ومثل أمير المؤمنين، فنحن غير قادرين أساساً، والإمام علي نفسه يقول: «ألا وَإنَّكم لا تَقدِرونَ عَلىٰ ذٰلِك» (15)، ليس بوسعكم أن تنهجوا هذا النهج وتحيوا مثلي، «وَلٰكن أعينوني بِوَرَعٍ وَاجتِهاد» (16)، اسعوا وحاولوا، ولا تسنهجوا نهج أصحاب السلطة الدنيوية.
وعليه، فمن الأمور التي ينبغي للذين يتحمّلون مسؤولية في نظام الجمهورية الإسلامية أن يهتمّوا بها اهتماماً حقيقياً، وهو من لوازم التقوى، أن لا يسعوا وراء حياة البذخ والترف وما إلى ذلك. ولتكن لهم حياتهم العاديّة الخالية من الإسراف وما شابه. بالتأكيد، الكلام حول التقوى كثير. هذا هو لبّ الكلام الذي أردت أن أطرحه عليكم، والواقع أنّني أنا المخاطب أكثر من غيري بهذا الكلام وحاجتي إليه أكبر منكم. فعلينا أن نعدّ التقوى هدفنا الأصلي، ومسارنا الأساسي، والوسيلة والأداة الأساسيّة في خياراتنا، وأن نسير في نهج التقوى. كان هذا كلامنا الأساسي.
أمّا فيما يتعلّق بقضايا البلاد، فثمّة كلام عن القضايا الاقتصادية سوف أشير إلى نقاط منها. وما قاله السيد رئيس الجمهورية من أنّ العمليات الإدارية والتخطيط والبرمجة يجب أن تكون أكثر جدّيّة، وينبغي أن تتغيّر، هو كلام صحيح، ينبغي أن يُعمل في هذا الاتجاه، وينبغي لهذه الأعمال أن تتابع بشكل حقيقي. وكما قيل، ليسعوا حقاً وراء الأعمال والنشاطات الجادّة في هذه المجالات التي ذكرت، والطريق مفتوح.
حسنٌ، المشكلة الأساسية المطروحة اليوم والمشكلة الاقتصاديّة في البلاد هي مشكلة النقد. والسبب هو ما يتعرّض له الناس من ضغوط بالتالي، الضغوط على معيشة الناس وخصوصاً الطبقات الفقيرة، وحتّى الطبقات المتوسّطة أيضاً تتأثّر إلى حدّ ما بالضغوط، لكنّ أكثر ما يتأثّر بالضغوط هم الطبقات الفقيرة، ومن الطبيعي أنّه حينما تواجه اقتصاد البلد مشكلة ما، فسوف يتعرّض الشعب والفقراء في المجتمع للضغط والعسر، والعدوّ سوف يطمع. من مشكلات الأمر أنّ العدوّ سيطمع ويعقد الآمال. وسوف تتدنّى مكانة البلد، أي حقّا، إذا واجهت أيّ بلد من البلدان مشكلة اقتصادية، ولم تكن هناك من خطة اقتصادية جيّدة لديه، ولا تقدّم اقتصادي، فإنّ مكانة ذلك البلد ستهتز وتتضعضع، لذلك ينبغي الخوض في القضية الاقتصادية بنحو جدّي. ونقول إنّه لا يوجد هنا أيّ طريق مسدود بالمعنى الواقعي للكلمة، أي حقّاً، لا يوجد أيّ طريق مسدود، نعم، توجد مشكلات، وتوجد عقبات، لكن لا يوجد طريق مسدود.
حسنٌ، لقد شدّد أعداؤنا، وعلى رأسهم أمريكا، الحظر على أمل أن يتمكّنوا من توجيه ضربة للجمهورية الإسلامية عن هذا الطريق. وعلى حدّ تعبيرهم هو حظر غير مسبوق. وهم على حقّ، فهذا الحظر الذي فرضوه على الجمهورية الإسلامية غير مسبوق، لكنّ المهمّ أنّ معدن الجمهورية الإسلامية معدن صلب، وهذا ما قاله بعض المراقبين الدوليين أيضاً، ومفاده لو أنّ هذا الحظر وهذه الضغوط مورست ضدّ أيّ بلد لتركت تأثيرات بالغة عليه، لكنّ الجمهورية الإسلامية باعتمادها على الشعب، وبتوفيق الله، وبهمّة المسؤولين الذين يقومون بأعمالهم في مختلف أنحاء البلاد، لديها المنعة والقوّة والصلابة، وإلا فالضغط موجود. لقد فعلوا فعلهم، وبذل العدوّ كلّ سعيه وجهده وقام بما يستطيعه، ولم يوفّر شيئاً من خبثه وعدائه، وهدفهم أن يفرضوا الاستسلام على المسؤولين ليغيروا حساباتهم بحيث تنتهي باستسلامهم، أي أن يأتوا ويستسلموا لأمريكا؛ وأن يضعوا الشعب في وجه النظام، هذا هو هدف العدوّ.
هذه الحسابات حسابات خاطئة، أي إنّ حسابات أمريكا حسابات خاطئة. وقد كان لأمريكا في السابق، وفي الأعوام الماضية، وفي هذه الأربعين عاماً مثل هذه الحسابات، ولم يخرجوا منها بنتيجة، وتضرّروا وخسروا ولم يستطيعوا توجيه الضربات التي يريدون إلى الجمهورية الإسلامية. والوضع الآن أيضاً على هذا النحو. في هذه المرّة أيضاً سوف ينهزمون حتماً، وهذا ممّا لا شك فيه، بيد أنّ ذلك الحقد والبغض الذي يكنّونه ضدّ إيران الإسلامية قد أعماهم أي إنّه أفسد حساباتهم فلا يستطيعون حساب الأمور بشكل صحيح. لقد أعمتهم أحقادهم وضغائنهم هذه حقاً، وإلّا يوجد في أمريكا نفسها الكثير من الأشخاص يعارضون هذا الأسلوب من التعامل الخبيث المتوحّش ضدّ إيران والجماعات الإسلامية وجماعات المقاومة، لكنّ أيديهم قصيرة، ونحن نرى مقالاتهم وأقوالهم وأعمالهم ونقرأها ونعلم ما يقولون، لكنّ هؤلاء [الموجودين على رأس السلطة] لا يفهمون، المسؤولون الحاليون في أمريكا لا يدركون ولا يفهمون حقاً.
وأقولها هنا: لا ينبغي لأحد أن يخاف من الهيبة الظاهرية لأمريكا، أيّ أحد، فهذا خطأ حقّاً. يشعر المرء أن البعض يتراجعون ويرتعبون من هذه الهيبة الظاهرية والصخب والضجيج وما إلى ذلك، من الخطأ الخوف من هذه الهيبة الظاهرية، فالقوى الكبرى تمرّر أمورها بهذه الطريقة، بالضجيج. وقوّتهم الحقيقية ليست بقدر الضجيج الذي يثيرونه، بل هو أقلّ بكثير، لكنّهم يثيرون الرعب والضجيج، ويهدّدون، ويخيفون هذا وذاك. فلا ينبغي لأحد أن يخاف، لا منهم، ولا من ثروات أشباه قارون في الخليج الفارسي. فأشباه قارون هؤلاء الذين يحيطون بنا لا يستطيعون ارتكاب أيّ حماقة. لقد أنفقوا إلى الآن المليارات ضدّنا في المجالات المختلفة ولم يحقّقوا أيّ نتيجة، أي إنّ أيديهم، حقّاً، قصيرة وغير طائلة. لقد كانت أمريكا في العام 1357 [1979 م] وهو عام انتصار ثورتنا الإسلامية العظيمة أقوى منها الآن بكثير. لقد كان جيمي كارتر رئيس جمهورية أمريكا في ذلك الحين أعقل من هذا الشخص الذي يتولّى الرئاسة الآن (17) وأكثر قوة وقدرة، وهذا أقلّ قوّة ـ سواءً من الناحية الماليّة أو السياسيّة ـ وأقلّ عقلاً. وقد كان له في داخل إيران مأمور مسيطر على كلّ الأمور؛ فمحمّد رضا بهلوي كان مأمورهم وموظّفهم، يعمل لحسابهم، وإلى جانبهم، وقد كانت جميع أمور البلاد هنا في يده؛ كان لهم هذا [كلّه]. ومع ذلك استطاع الشعب الأعزل أن يهزم أمريكا. قد تقولون «إن تلك كانت ثورة»، الآن أيضاً هناك ثورة، وعدد الشباب المتحمّسين الثوريّين الآن أيضاً لا يقلّ عنهم يوم انتصرت الثورة، وفكرهم الثوري أكثر عمقاً أيضاً، هكذا هو الواقع. وأنتم تشاهدون نماذج ذلك في الأحداث المتنوعة التي تحدث في البلاد، في احتفالات ذكرى الثورة مثلاً. اليوم تعبّر تلك الحركة الثورية والحماس الثوري عن نفسه أينما يلزم. وعليه فلا تخيفن هيبة أمريكا أحداً. وسوف أعود للحديث عن أمريكا في آخر كلامي وأذكر بعض النقاط بشأنها إذا توفّر الوقت إن شاء الله.
إنّ القضيّة الاقتصاديّة في البلاد هي قضيتنا المهمّة اليوم، ويجب أن نخوض فيها. اقتصادنا من الاقتصادات الكبرى في العالم، وبنانا التحتيّة الاقتصادية بنى تحتيّة جيّدة. فيجب ـ كما أُشير إلى ذلك ـ أن ننظّم الإدارات ونرتّبها بنحو يمكن معه الاستفادة من هذه الأرصدة والإمكانيات على أحسن وجه، ولتفعّل الطاقات المنسيّة المغفول عنها ولتوظّف بشكل حقيقي. يعاني اقتصادنا من عدّة أمراض مزمنة إذا استطعنا حلّها في هذه البرهة من الزمن ـ هذه البرهة التي نكابد فيها قضية النفط والحظر وما شاكل ـ أعتقد بأنّ اقتصادنا سيشهد قفزة.
إحدى القضايا قضية التبعية للنفط. العيب الكبير في اقتصادنا هو تبعيّته للنفط. إنّنا نستخرج هذا السائل من تحت الأرض ونعطيه من دون أيّ قيمة مضافة كأنّه المال النقد ـ مثل المال النقدي ـ ونأخذ الدولار فننفقه على الأمور الجارية والشؤون الحياتيّة. هذا خطأ. ولقد كان صندوق التنمية الذي أسّسناه من أجل أن نستطيع فصل أنفسنا تدريجياً عن النفط. والفرصة الآن فرصة جيدة. من الأمور التي ينبغي أن تدرج حقاً في التخطيطات الأساسيّة لمسؤولينا الاقتصاديين هي هذه: يجب أن نفعّل ما من شأنه تقليل التبعية للنفط يوماً بعد يوم.
وقضية أخرى هي التدخل غير الضروري للأجهزة الحكومية في الشأن الاقتصادي. هذه أيضاً واحدة من مشكلاتنا. بل إنّ سياسات المادة 44 كانت من أجل إغلاق هذا الباب، وقد جرى إنجاز بعض الأعمال في هذا السياق، لكنّ العمل الذي ينبغي إنجازه في هذا المضمار، لم يُنجز بعد. ينبغي أن يكون للحكومة دور الإشراف والمراقبة والتوجيه والهداية في النشاطات التي لا ضرورة لدخولها فيها. هناك بعض النشاطات لا مفرّ من تدخّل الحكومة فيها، ولا يمكن لطرف غير الحكومة القيام بها، أمّا في الكثير من هذه النشاطات، فلا ضرورة لذلك. هذه نقطة.
نقطة أخرى هي قضية تخريب أجواء العمل والتجارة، هذه التعقيدات والدهاليز العجيبة الغريبة للأجهزة الحكومية التي تؤدي إلى تخريب أجواء العمل والتجارة في المجتمع، هي إحدى مشكلاتنا. سمعت أنّه من أجل تشغيل مشروع إنتاجي في بعض بلدان العالم يستدعي الأمر نصف نهار مثلاً، أمّا هنا فتوجد الكثير من العوائق. والأمر الآن بيد الحكومة وبيد مجلس الشورى وبيد المسؤولين، فينبغي عليهم تسهيل أجواء العمل والتجارة. وسوف أتحدّث لاحقاً عن الإنتاج وكم لهذا الأمر من أهمّيّة.
وقضية أخرى هي الإصلاحات البنيوية في الميزانية وهو ما أشار السادة إليه، وأنا بدوري أشدّد عليه. وقد تقرر خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 98 أن يتعاون مجلس الشورى والحكومة ويعالجوا هذه المشكلة البنيوية في الميزانية ويحلّوها، وقد انقضى شهران ولم يبق سوى شهرين. هذه من المهامّ الأساسية المهمة التي ينبغي أن تُنجز. وفيما يتعلّق بإصلاح بنية النظام المصرفي أيضاً فهناك الكثير من الكلام، محلّه ليس في هذه اللقاء، وقد تحدّثنا مراراً مع المسؤولين في هذه الشأن.
يبدو أنّنا نستطيع العمل على إصلاح البنى في هذه البرهة من الزمن. والأمر يحتاج إلى قليل من الإدارة الشجاعة؛ فعلى المسؤولين الحكوميين الخوض في هذا المجال بقدر من الشجاعة، وأن لا يلحظوا سوى الواجب والقانون ومصلحة البلاد. وقد دوّنت هنا «الإدارة الشجاعة، المتفائلة، الجهادية، المشرفة ميدانيّاً على المشكلات ـ الكثير من المشكلات لا يمكن فهمها في غرف الدوائر والإدارات، ومن خلف المكاتب، إنّما ينبغي النزول إلى الساحات والميادين ليمكن لمسها ـ عدم الانفعال أمام العدوّ وعدم تعليق اقتصاد البلد على قرار هذا وذاك»، هذه من القضايا المهمة. فلا نعلّق الاقتصاد بأن ننظر هل ستمدّد أمريكا تلك الإعفاءات أم لا تمدّدها، إطلاقاً، فهذه كانت إحدى مشكلات عملنا منذ البداية. وقد حدث هذا مرّات عدّة خلال هذه الأعوام. نحن المسؤولين الحكوميين أنفسنا أرجأنا الكثير من نشاطاتنا لنرى ما القرار الذي يتّخذه ذلك الطرف الذي لا نملك التأثير عليه. عندما نفعل ذلك فإنّ التاجر الفلاني، والمستثمر الفلاني، وخالق فرص العمل الفلاني سوف ينظر للأمور بالطريقة نفسها. والكثير من الأعمال المهمّة والخطوات العمرانية الضرورية ستبقى معطلة هكذا ريثما نرى ما القرار الذي سيتّخذه الآخرون؛ لا، لا ينبغي تعليق الاقتصاد على أعمال [وقرارات] الآخرين.
ونقطة أخرى هي أن نفعّل الطاقات الشعبية بشكل حقيقي. لقد قلت مراراً وأكرّر الآن ـ وهذا بسبب معرفتي بوجود هذه الإمكانيات والطاقات وعلمي بها والحمد لله ـ إن لدينا طاقات وإمكانيات شعبية واسعة، ولدينا شباب صالحون، شباب فاضل، متعلّم، خالقون لفرص العمل، ذوو فكر جيّد، ومبتكرون في القطاعات المختلفة، ينبغي الوثوق بهم والاعتماد عليهم ودعوتهم إلى العمل على موضوع واحد في الأعمال المختلفة. لنفترض مثلاً أنّ الحكومة تركّز في الشؤون الاقتصادية على قضيّة معينّة، هي من باب المثال قضية قيمة العملة الوطنية، فتطلب من هؤلاء الشباب أن يأتوا ويجتمعوا ويفكّروا ويسعوا ويعملوا، ويقدّموا الحلول، ويبادروا [إلى تنفيذها]، فهذه طاقات. والتوكّل على الله، قوموا بهذه الأعمال بالتوكّل على الله، وأعتقد أنّها ستُنجز.
من الأمور الضروريّة جداً أنّ على الحكومة التصدّي للعوامل المخربة في القطاعات الاقتصادية المتنوعة، وعلى الجميع أن يدعموا الحكومة في تصدّيها هذا. يوجد اليوم تهريب، ويوجد احتكار، وتوجد حالات سمسرة مضرّة ـ تصلنا تقارير تفيد بأنّ هناك حالات شراء خيانية للقمح واللحوم والمؤن والمواد الأساسيّة وما إلى ذلك، وقد طرحت هذه المواضيع مع المسؤولين ـ هذه خيانة وينبغي التصدّي لهؤلاء. استوردوا البضاعة الفلانية واحتفظوا بها في المخازن، هذا احتكار ويجب التصدّي له. نعم، عندما تتصدّون لهذا الأمر سوف تثار ضجة، سوف يثير البعض الضجيج والصخب، على الجميع الوقوفإلى جانب الحكومة ومساعدتها، لتستطيع العقوبات الحكومية أن تفعل فعلها بالمعنى الواقعي للكلمة.
لقد دوّنت عدّة مهام أساسية ينبغي الاهتمام بها. والمسؤولون كلّهم حاضرون هنا بحمد الله، نواب مجلس الشورى حاضرون، والمسؤولون الرفيعو المستوى في الحكومة حاضرون، ومسؤولو السلطة القضائية حاضرون، وهذه المهامّ خاصّة بكم. هذه الأعمال الأساسية التي لو آمنّا بها كلّنا وقبلناها كأفكار عامّة، لساعدنا بعضنا وتآزرنا.
من هذه المهام الأساسيّة قضية رفع موانع الإنتاج. «ازدهار الإنتاج» الذي رفعناه شعاراً لهذا العام (18) هو مفتاح حلّ الكثير من مشكلاتنا الاقتصادية. هكذا هو الإنتاج. إذا استطعنا حقاً العمل على ازدهار الإنتاج وإذا استطعنا رفع موانع الإنتاج، وهي كثيرة في البلاد، من طريقه ـ وهذا الشيء ممكن بالعزيمة الجهادية وباستخدام الشباب المتخصّصين ـ فسوف تحلّ الكثير من المشكلات، ومنها قضية فرص العمل والبطالة، وقضية التضخّم، وقضيّة رفاهيّة الناس، وسوف تحلّ قضية مداخيل الناس وعائداتهم، وسوف يزدهر التصدير. الإنتاج هو أمّ المشكلات الاقتصادية في البلاد، ونعتقد أن بالإمكان معالجة هذه القضية. أينما اعتمدنا على شبابنا ووثقنا بهم ووفّرنا لهم الإمكانيات، بل الحدّ الأدنى من الإمكانيات ـ هكذا هم الشباب غالباً، يعملون بالحدّ الأدنى من الإمكانيّات ـ تقدّمنا إلى الأمام. وقد لاحظتم نماذج ذلك في الأعوام الأخيرة. ومن النماذج على ذلك إنتاجنا العسكري. الواقع أنّ قضية الإنتاج العسكري الذي يبدي العدوّ حساسية كبيرة إزاءه قضية على جانب كبير من الأهمية. هذه الصواريخ البالغة الدقة ـ سواء الصواريخ البالستية أو صواريخ كروز ـ التي تطلق من مسافة 1500 كيلومتر أو 2000 كيلومتر وتصيب الهدف بفارق خمسة أو ستة أمتار، هي شيء مهمّ للغاية. وحين ترونهم يثيرون الضجيج حول قضية الصواريخ وما شاكل فالسبب هو هذا التقدّم. من الذي قام بهذا الإنجاز؟ هؤلاء الشباب. الشباب المؤمنون المتحفّزون يعملون ولا يتعبون من العمل.
أو يوم احتجنا إلى اليورانيوم المخصّب بنسبة عشرين في المائة، لهذه الأجهزة اللازمة في طهران والأماكن الأخرى، من أجل الدواء والاحتياجات الطبية وما إلى ذلك، كنّا في السابق نستورد اليورانيوم المخصّب بنسبة عشرين في المائة، وكنّا قد استوردنا مقداراً منه في السنين السابقة وكان في طريقه إلى النفاد، وإذا نفد فمعنى ذلك أن تتعطّل بالكامل كلّ هذه الأدوية النووية التي يجري إنتاجها بالإشعاع النووي وتستخدم في مجالات متنوعة. وأُطلع المسؤولون على الأمر وتابعوه وسعوا وحاولوا. وقال الطرف المقابل [في المفاوضات] في البداية سوف نبيعكم، ثم بدأوا بعد ذلك يضعون الشروط، فوجدنا أنّ هذا سيخلق لنا مشكلات وأنّهم غير مستعدين، فطلبنا من مسؤولينا متابعة الأمر بأنفسهم، ولم يكن أحد ليصدق، تابعوا الأمر وأنجزوا عملاً بهذه الضخامة والأهمية. أي إنّهم استطاعوا الحصول على اليورانيوم المخصّب بنسبة عشرين في المائة. وقد قلت حينها ـ وربّما كان في مثل هذا اللقاء على ما أظنّ ـ إنّ المرحلة الأصعب من عملية التخصيب هي هذه العشرون في المائة، أمّا المراحل الأعلى فليست بهذه الصعوبة بل هي أسهل بكثير من هذا. وقد استطاعوا إنجاز هذا الجزء الصعب والمرحلة العسيرة. من الذي استطاع؟ شبابنا. حسنٌ، فلِمَ لا يستطيع هؤلاء حلّ مشكلات صناعاتنا؟ لماذا لا يستطيعون العثور على الحلقات المفقودة في عجلة بعض أعمالنا التجارية والصناعيّة؟ إنّهم يستطيعون، ويجب الوثوق بهم. هذا أمر أساسيّ.
ينبغي أخذ قضية "ازدهار الإنتاج" مأخذ الجد. وعلى المسؤولين المحترمين أن يكونوا حسّاسين جداً حيال تعطيل مصانع الإنتاج والمراكز الإنتاجية. أحياناً تصلنا أخبار وهي بالفعل أخبار مريرة، بأنّ المعمل الفلاني المعروف ذا المنتجات الكثيرة تعطل بسبب مشكلة معيّنة. حتماً، لقد دوّنت هذه الملاحظة لأذكرها لاحقاً لكنّني سأذكرها الآن: يجب على مسؤولي وزارة الصناعة أن ينظروا حقاً ما هي نواقص القطاعات الضرورية ـ سواء في مجال الماكينات والقطع أو في خصوص البضائع الوسيطة والمواد اللازمة للإنتاج ـ ويعدّوا لائحة ويطلبوها من مسؤولي البلاد المختلفين؛ والآن طالما أنّ استيرادها من الخارج يواجه مشاكل وصعوبات فبإمكانهم إنتاج الكثير من هذه المواد. ثمّة أشياء لا علاقة لها إطلاقاً بالقضايا النووية وما شاكل، لكنّهم منطلقاً من الخبث والعداء منعوا استيرادها وشراءها ولا يسمحون بذلك؛ لا بأس، فلننتجها في الداخل. شبابنا جاهزون مستعدّون ومن أهل الإبداع، فاطلبوا منهم أن يشكّلوا معرضاً دائماً تطرح فيه الاحتياجات، وتعرض المنتجات. هذه قضية.
مسألة أخرى ضرورية في المجال الاقتصادي هي الاكتفاء الذاتي. وقضية الاكتفاء الذاتي مطروحة منذ بداية الثورة وإلى اليوم. لقد انطلق جهاد الاكتفاء الذاتي منذ مطلع الثورة في قطاعات متنوعة كالجيش والقطاعات العسكرية، ومن ثم عندما جاء الحرس الثوري أنجزت الكثير من الأعمال المتنوعة على هذا الصعيد. سعى الشباب في جهاد البناء وتابعوا هذه الأمور والأعمال وكانت هناك فعلاً أرضية للاكتفاء الذاتي في البلاد.
ثمّ في منتجاتنا أيضاً، طُلب من المسؤولين في قطاع الزراعة لحسن الحظ الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في القمح. وقد بذلوا جهداً، وحصل هذا والحمد لله. وقد حصل هذا أيضاً في العام أو العامين الماضيين، وفي السابق حقّقنا الاكتفاء الذاتي في القمح لسنة أو سنتين. يمكن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في كلّ الأشياء، يمكن العمل، ويمكن بذل المساعي والجهود، والأهم في هذا المجال هو المواد الغذائية: القمح، والشعير، وحبوبات الزيت، أو تربية الماشية والتدجين. ينبغي الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في هذه الأشياء.
للأسف، دخلت فكرة جديدة خلال فترة من الزمن إلى أجهزتنا المختصّة باتّخاذ القرارات أبعدتنا عن الاكتفاء الذاتي، وهي «الجدوى الاقتصادية». قيل بأنّ إنتاج القمح والاكتفاء الذاتي في القمح ليست له جدوى اقتصادية، إنّما الجدوى الاقتصادية في أن نستورد القمح من الخارج. نعم، واضح، قد تكون الجدوى الاقتصادية أحياناً في الاستيراد، لكن عندما يمنعون القمح عنكم ويحولون بينكم وبين استيراده، ولا يبيعونكم إيّاه فماذا ستفعلون؟ أيّ حكومة عاقلة في العالم تفعل ذلك؟ قالوا اذهبوا وازرعوا الزعفران مثلاً واستوردوا القمح، لأنّ الزعفران يباع في العالم بأسعار أعلى، وهذه هي الجدوى الاقتصادية.
وكذا الحال في مجال النفط وفي قضية البنزين. وقد أشار رئيس الجمهورية الآن إلى هذا، وإنّ مصفاة متكثّفات الغاز الطبيعي هذه في بندر عباس التي انطلقت باسم نجمة الخليج الفارسي، هي نموذج من الاكتفاء الذاتي. والآن فإنّ ما يقارب ثلث الاستهلاك الإسرافي الحالي للبنزين يأتينا من هذه المؤسّسات والمصافي ـ استهلاك البنزين في البلاد الآن إسرافي، هذه المائة مليون لتر والتسعون مليون لتر والتي تزيد وتنقص أحياناً، هي استهلاك إسرافي، لا ينبغي أن يكون، لكن قرابة ثلث هذا الاستهلاك يأتينا من هذه المصافي ـ وقد بدء العمل بهذه المصفاة في العام 86 [2007 م] وتعثّر مدّة من الزمن ثم انطلق مرة أخرى بهمّة الحرس الثوري والحمد لله، وهي الآن تعمل. هذا هو معنى الاكتفاء الذاتي. ينبغي الاهتمام بهذه القضية كثيراً. علينا أن نفكّر في الاكتفاء الذاتي في كلّ المجالات. فإنّ قدرة البلاد في الاكتفاء الذاتي، واقتدار البلاد وسمعتها في الاكتفاء الذاتي. يجب أن نتمكّن بأنفسنا من توفير الأركان الضرورية لاحتياجاتنا.
قضية ثالثة هي أيضاً من الأمور الأساسية، وهي قضية أجواء الكسب والعمل والتجارة وتسهيل العمل والتجارة أكثر فأكثر، وهو ما أشرت إليه سابقاً. هناك كمّ كبير من المقررات والقوانين المتنوعة المتناقضة في هذه المؤسسة وتلك، ممّا يعرقل الإنتاج. وقد طرحنا هذه القضية مرّتين أو ثلاث مرّات إلى الآن في لقاءاتنا بالمسؤولين الحكوميين، وطلبنا منهم معالجتها، لكن لم تبذل الجهود بالقدر اللازم. الذي أرجوه أن تأخذوا هذه القضية مأخذ الجدّ للغاية. اعملوا ما من شأنه تشجيع العمل الإنتاجي. الكلّ يعلم اليوم أنّ السيولة النقدية في البلاد قد بلغت حدّاً كبيراً جدّاً، ويمكن لهذه السيولة النقدية أن تكون بلاءً وسبباً في التضخّم، وعلى أيّ مكان هجمت هدمته ودمّرته كالسيل. هذه السيولة النقدية نفسها إذا جرى توجيهها نحو الإنتاج فيمكنها أن تكون رحمة إلهية كالبحيرات أو الأحواض، فلماذا لا توجّه نحو الإنتاج؟ من أسباب ذلك أن المنتِج يواجه مشاكل، ولا يجد جدواه في أن يعمل عملاً إنتاجياً. لقد قلت هذه السنة، في كلمتي بداية العام يوم العيد (18) إنّ البعض يتحمّلون مشاكل الإنتاج في سبيل الله ومن أجل رضا الله! أنا بنفسي شاهدت شخصاً يقول يمكنني أن أضع هذا الرصيد في البنك وأحصل على أرباحه ـ إيداعات طويلة الأمد، فيها منافع وأرباح كبيرة، خالية من الهموم والمتاعب ـ لكنّني أريد أن أنتج في سبيل الله، ولأنّ البلد بحاجة إلى هذا الإنتاج. أمثال هؤلاء الناس قلّة، ويجب أن نفعل ما من شأنه زيادتهم، ينبغي رفع موانع الإنتاج وعقباته.
من النقاط المهمّة في قضية اقتصاد البلاد أولوية القطاع الزراعي. تتجلّى أهمية القطاع الزراعي في أنّه يوفر غذاء الشعب والمواد الغذائية التي يحتاجها الناس، وهذه تقع في الدرجة الأولى، وأيضاً لأنّ أكثر فرص العمل الآن موجودة في القطاع الزراعي ـ وحسب ما رفع إليّ من تقارير فإنّ نحو ثلاثين في المائة من فرص العمل هي في القطاع الزراعي ـ وأيضاً لأنّه إذا ما جرت متابعة قضية الزراعة، وقضايا القرى والأرياف ومشكلاتها، ونقلت المعامل والصناعات التحويليّة إلى القرى والأرياف، وعولجت مشكلات بيع البضائع من قبل القرويّين، فإنّ هذا سيساعد كثيراً في تقدّم الاقتصاد. تطرق الأسماع أحياناً أخبار تعطيل وحدات إنتاج زراعي، وهذه أخبار مريرة جداً كلّما سمعها الإنسان. ينبغي القيام بأعمال مهمة في هذا المضمار وقد سجّلت بعض النقاط ولا ضرورة لطرحها هنا، أي إنّ الوقت ضيّق.
في قطاع الصناعات والمعادن، وكما قلت، تظهر في بعض الأحيان، في عمل صناعي ما حاجة إلى قطعة معيّنة أو مادّة معيّنة أو المادّة الخام الفلانية التي يجب استيرادها من الخارج، ولا يمكن نقل الأموال عبر البنوك، وهناك مشكلات، والأمر متعذّر، هنا يجب التشمير عن سواعد الهمّة لإنتاج هذه الموادّ في الداخل. أي إنّ من الأمور التي لا بدّ من إنجازها حتماً على صعيد الشؤون الاقتصادية، وهي على عاتق وزارة الصناعة، هي أن يعملوا ما من شأنه أن يجعل [قطاع] الصناعة والتعدين في البلاد يقوم بأعماله بنحو سهل ومرن. لدينا في الوقت الحاضر فرق بحثية عديدة بحمد الله، ربّما كان في البلاد الآن آلاف الفرق البحثية التحقيقية ـ وهي موجودة داخل الجامعات وخارجها ـ وغالبيتهم من الشباب، ولي علاقاتي مع بعضهم، يأتون إليّ هنا ونجتمع ونسألهم، وهم متحفّزون وأصحاب أفكار جيّدة. ويقولون لنا أشياء، أعلم أنا المطّلع على قضايا الحكومة، أنّ هذا الشيء الذي يقول أحدهم عنه «إنّني أستطيع صناعته وإنتاجه» هو بالضبط ما تحتاجه الأجهزة الحكومية. وقد حدث في بعض الأحيان أنّنا وصلنا بين هذه الفرق والجماعات وعرفناهم إلى بعضهم البعض، وقد تولّى مكتبنا هذه العملية، وطلبنا إليهم أن يبادروا ويعملوا، ووصلنا هذا الفريق البحثي بالوزارة الفلانية وجرى تسيير وتسهيل أمورهم. لدينا في الوقت الحاضر ثروة هائلة من هذه الناحية، لدينا ثروة لا بديل لها: ثروة الطاقات الإنسانية الكفوءة المتحفّزة. شباب متحفّزون لا يكلّون ولا يملّون، وأصحاب إبداع ـ هذا بالحدّ الأدنى يتعلّق بالذين تعرّفت إليهم، وأعرفهم، ولديّ معلوماتي عنهم عن بعد أو عن قرب ـ وهم في الغالب شباب متديّنون ثوريّون متحمّسون مندفعون. على الأجهزة المختصّة الاستفادة من هؤلاء. وعلى مسؤولي وزارة الصناعة أن يقدّموا خطة واضحة، يبينوا فيها الحلقات المفقودة في الصناعة، وأن يوجّهوا دعوة عامة إلى هؤلاء، ويطلبوا منهم [المعونة] ويضعوا الإمكانات تحت تصرّفهم، وغالباً ما تنطلق مثل هذه الأعمال بقليل من المال.
من الفرص الموجودة الآن تعويض خسائر السيول. لقد تسبّبت السيول بخسائر كبيرة في الإمكانات والوسائل الحياتيّة وما إلى ذلك، وينبغي على معاملنا أن تعمل وتشتغل. من الأعمال الأساسية أن ننظّم هذه الاعتمادات والأموال التي نخصّصها للمناطق المتضرّرة بالسيول، ونخطّط لها ونديرها بحيث تفضي إلى ازدهار معامل البلاد. هذا هو الإنتاج. ولا نذهبنّ مرة أخرى نحو الاستيراد المتفلّت. كأن نريد مثلاً تقديم البضاعة الفلانية للمناطق المتضررة بالزلازل، وهي بضاعة قليلة في داخل البلاد أو غير موجودة، فنلجأ إلى الاستيراد، لا، لنتجّه صوب الإنتاج، ولنتّجه نحو القوى والطاقات المنتجة الداخلية، ولننظم الأرصدة والأموال والمساعدات بهذه الطريقة. هذه أيضاً نقطة.
نقطة أخرى هي قضية بناء المساكن. وأساساً قطاع المساكن من القطاعات الخالقة لفرص العمل في البلاد. من حالات الغفلة التي حصلت طوال هذه الأعوام عدم الخوض في قطاع السكن. بناء المساكن بحدّ ذاته يطلق الكثير من الصناعات. بناء المساكن نفسه يستخدم ويوظف الكثير من الصناعات ويشغّلها، أي إنّه صانع فرص عمل، وعامل إنتاج، وهو بحدّ ذاته ينعش الإنتاج. إنّنا الآن بحاجة إلى المساكن في المناطق المتضررة بالسيول ـ سواء المساكن التي ينبغي ترميمها أو المساكن التي ينبغي بناؤها ـ وهذه فرصة ينبغي الاستفادة منها. الأجهزة والمؤسسات التي بوسعها مساعدة الحكومة في هذه المجالات ليست بالقليلة. ويمكن للقطاع الخاصّ أن يسجل حضوره هنا، ويمكنكم دعوة هؤلاء الشباب الذين أشرت إليهم، فاطلبوا منهم أن يأتوا للمساعدة، وستنطلق حركة عظيمة لإيجاد فرص العمل في البلاد.
تنبّهوا إلى أنّ شعار الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية في مواجهة العدو هو «المقاومة». يريد العدوّ أن يعتدي ويتقدّم. وهناك طريقان أمام هذا العدو الذي يريد أن يتقدم دائماً: أحد الطريقين أن تتراجعوا، وما إن تتراجعوا حتّى يتقدم هو، وكلّما تراجعتم تقدّم. والطريق الآخر هو أن تقفوا وتقاوموا. وتجربتنا في الجمهورية الإسلامية ـ ولا نريد الاستشهاد الآن بتجارب تاريخ صدر الإسلام وما شاكل ـ تدلّ على أنّ مقاومة العدوّ مجدية ونافعة. أينما قاومنا حصلنا على النتيجة: في الدفاع المقدس، وفي مجالات كثيرة متنوّعة، وفي التحرّكات الأمنية التي مارسوها ضدّنا، وفي القضايا الاقتصادية. ذات يوم كان دخلنا السنوي من النفط طوال العام ـ وقد كانت عائدات النفط هي المدخول الوحيد الممكن للبلد ـ قرابة الستة مليارات، فهل هناك شدّة أكبر من هذه؟ حتماً كان سكان البلد حينها أقلّ من الآن بكثير، لكن مع ذلك فإنّ خمسة مليارات وستة مليارات من الدخل قليل جداً بالنسبة للبلد، وقد استطعنا الصمود والمقاومة وقاوم الشعب. ولم يكن الأمر بهذه الشدّة. ولم تكن المقاومة والصمود صعبة جدّاً.
والمقاومة في الميدان العسكري شيء وفي الميدان الاقتصادي شيء آخر. المقاومة في الميدان الاقتصادية تتمثل في هذه الأمور التي ذكرناها، أي تعزيز البنية الاقتصادية الداخلية وإحكام الركائز والأسس، والتعامل مع الأمور بجديّة، ومتابعة الأمور والمهامّ. إحدى مشكلاتنا عدم متابعة الأمور وترك المسائل والقضايا لحالها. إذ نبدأ بموضوع ما على نحو حسن، ونتحرّك بمقدار معين ثم نتركه شيئاً فشيئاً. ينبغي المتابعة. كلّ هذه الأمور التي ذُكرت مصاديق للمقاومة.
ولا تعلّقنّ الآمال على الخارج من أجل إصلاح الأمور، فالآخرون لن يساعدوننا بل سوف يوجّهون لنا الضربات. الخارج يوجّه لنا الضربات. هل تلاحظون [ما تقوم به] أوروبا؟ هذه البلدان الأوروبية ليست أمريكا بالتالي، ولم يكن بيننا وبينهم نزاع، ولم يكن لنا خلاف معهم، وقد كانت تربطنا مع بعضهم علاقات صداقة حسنة. تلاحظون كيف تعاملوا في قضية برجام [الاتفاق النووي] والتزاماتهم وما شاكل. واللافت هنا أنّهم يكرّرون دائماً "بأنّنا ملتزمون بالاتّفاق النووي". أساساً، ما معنى التزام ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بالاتّفاق النووي؟ ليسألهم سائل: ما الذي تفعلونه عندما تلتزمون [بشيء ما]؟ ما هو التزاماتكم إزاء الاتّفاق النووي؟ بأيّ تعهّد تعملون؟ يردّدون دائماً وباستمرار: نحن ملتزمون، نحن متعهّدون، ما معنى ملتزمين؟ هكذا هو الحال. وعليه لا ينبغي التطلّع إلى الخارج. [بل] ينبغي التطّلع إلى الداخل من أجل إصلاح الأمور. هذا هو أصل القضية.
والقوى والطاقات هنا ليست قليلة بحمد الله بل كثيرة. البلد واسع، وعدد السكان كبير، والطاقات الشابّة والقوى الإنسانية فعّالة نشطة. وعلى الشعب حتماً، أن يمارس دوره في هذه الشؤون الاقتصادية، أي إنّ كلامنا وخطابنا هذا ليس موجّهاً للحكومة والمسؤولين فقط، بل جانب مهمّ منه موجّه للشعب والناس. على الشعب أن يمدّ يد العون والمساعدة للحكومة. في قطاع الإنتاج هذا الذي جرى الكلام عنه، وازدهار الإنتاج، يمكن للناس أن يستثمروا ويساعدوا حقّاً. يمكن للناس أن يشتروا المنتجات الداخلية. لقد جعلنا شعار "البضائع الداخليّة" شعاراً للعام الماضي. وقد عمل كثيرون به وأُنجزت أعمال جيّدة. فلا ينبغي لهذا الأمر أن يتوقّف، بل يجب أن يزداد ويتضاعف يوماً بعد يوم. أي ينبغي للبضاعة الوطنيّة المنتجة داخليّاً أن تكون مرجّحة ومفضّلة حتماً على البضاعة الأجنبية في نظر كلّ إيراني. إن أريد للأوضاع الاقتصادية في البلاد أن تتحسّن فهذه إحدى الأعمال والمهامّ اللازمة.
ومن جملة الأمور أيضاً عدم التمادي في الشراء. يلاحظ المرء أحياناً أنّه لمجرد إطلاق إشاعة في إحدى مواقع الفضاء الافتراضي مثلاً، حيث يأتي شخص خبيث وإنسان كذّاب، فيسمّي بضاعة ما، ويقول بأنّ البضاعة الفلانية قد يرتفع سعرها، يهرع الناس لشرائها! ما الضرورة لذلك؟ فلا تحصلنّ زيادة وكثرة في الشراء، ولا يؤبه للإشاعات ولا يحصلنّ إسراف. في بعض المواطن يحصل إسراف حقّاً، وهذا ما لا ينبغي أن يحصل. هذا هو دور الشعب والجماهير. ولديّ نقاط أخرى سجّلتها حول الشؤون الاقتصادية فيما يتعلّق بالبنوك وما إلى ذلك من كلام، سوف نطرحها إن شاء الله لاحقاً مع السادة المصرفيّين أنفسهم، إذ لا وقت لدينا الآن.
أمّا عن أمريكا فلا شكّ في أنّ عداء أمريكا، التي بدأت عداءها منذ بداية الثورة، قد اتخذ في الوقت الحاضر شكلاً واضحاً. التفتوا، لا نظنّن أنّ عداء أمريكا صار اليوم أكبر، لا، بل أصبح سافراً واضحاً. وقد كان هذا العداء موجوداً في السابق أيضاً لكنّهم لم يكونوا يعلنونه بهذه الصراحة، أما هؤلاء فهم يعلنونه بصراحة. يقولون نريد أن نفعل كذا وكذا، ويهدّدون ويتوعّدون. وعلى الإنسان أن يعلم بأنّ قوّة الشخص الذي يهدّد بصوت عال وقدرته ليست عالية بمقدار صوته. وعلى الإنسان أن يخشى الشخص الذي لا يهدّد أكثر منه من الشخص الذي يهدّد. إذاً، الأمريكان راحوا يعلنون ويظهرون عداءهم حالياً. وهم يراعون مصالح الكيان الصهيوني أكثر من أيّ حكومة أخرى. أي ينبغي القول حقاً أنّ أمر الكثير من السياسات الأمريكية بيد الصهاينة، وليس بالضرورة الحكومة الصهيونية في فلسطين المحتلّة، بل بيد المؤسّسة الصهيونيّة المتحكّمة بأمورهم. وهم بدورهم يحتاجون، أي إنّ هذه الحكومة الحالية في أمريكا، تحتاج إلى إثارة الضجيج والصخب. تلاحظون أنّه يقول أحياناً، وقد كرّر ذلك عدّة مرات إلى الآن أنّ «سياساتنا هذه قد غيّرت إيران، وأن إيران اليوم غير إيران في الماضي». بمعنى أن سياساتي هذه تركت تأثيرها على إيران. نعم، إنّه على حقّ في هذا، لقد تغيرت إيران، والتغيير الذي حصل لها هو أنّ كراهية الشعب لأمريكا قد تضاعفت عشرة أضعاف. لقد ازدادت كراهية الشعب لهم، وأصبح اقترابهم من السيطرة على مصالح الجمهورية الإسلامية أبعد منالاً، وتضاعفت همم شبابنا لجعل البلد جاهزاً مستعداً، وقوّاتنا العسكرية متنبّهة يقظة، وقوّاتنا الأمنية أيضاً أصبحت أكثر يقظة. نعم، هذه هي التغييرات التي يتحدّث عنها والتي حدثت. ولاحظوا كم تخطىء أجهزة حسابات هذا العدوّ، بحيث يقول رئيس الجمهورية هذا «هناك مظاهرات ضدّ النظام في طهران كلّ يوم جمعة»، أوّلاً ليس يوم الجمعة بل السبت، وليس في طهران بل في باريس (20) (21) «اَلحَمدُ لِلّهِ الَّذي جَعَل أعداءنا من الحمقى» (22). إنّهم يمارسون هذا العداء ويحملونه في قلوبهم، وهذا هو العداء الموجود.
النقطة التي غالباً ما لا يُلتفت إليها هي أنّ أمريكا نفسها الآن تعاني في داخلها من مشكلات كبيرة اجتماعية واقتصادية وما إلى ذلك. بالتأكيد، قد حقّقوا تقدّماً على الصعيد الاقتصادي، لكنّ الخبراء يقولون إنّ هذا التقدّم قصير الأمد ولن يكتب له الاستمرار، بيد أن مشكلاتهم الاجتماعية قائمة ومشهودة الآن. كما أنّ وضع حكومتهم ليس بالوضع المنسجم، وهذا الكلام المتناقض الذي يطلقونه ـ حيث يقول أحدهم شيئاً ويقول آخر شيئاً آخر، ويقولون اليوم شيئاً ويقولون ضدّه غداً ـ دليل اضطراب وتشتّت. وما سجّلته الآن هنا يعود إلى تقرير أصدرته وزارة الزراعة الأمريكية ويقول إنّ 41 مليون أمريكي يعانون الجوع وعدم توفّر الأمن الغذائي لهم. هذا هو وضع أمريكا. أي إنّ هذا الضجيج والعربدة والضغوط الاقتصادية على الشعب الإيراني كما يتصوّرون، صادر عن مثل هذه الحكومة التي تقول إحصائياتها إن 41 مليون شخص في داخل بلادهم يعانون الجوع.
وفيما يتعلّق بالوضع الاجتماعي، لديهم مركز باسم «مركز الإحصاء الوطني الحيوي الأمريكي» يقول إنّ أربعين بالمائة من الولادات في أمريكا غير شرعية. ويوجد في أمريكا مليونان ومائتا ألف سجين وهذا شيء منقطع النظير في العالم، أي إنّه منقطع النظير بالقياس إلى عدد السكان، فلا يوجد أيّ بلد في العالم يحوي هذا العدد من السجناء مقارنة بعدد سكانه. وتشهد أمريكا أعلى نسبة في تعاطي المخدرات في العالم. لاحظوا، هذه هي المشكلات الاجتماعية بالتالي، إنّهم يعانون من مشكلات. و31 بالمائة من حوادث إطلاق النار الجماعي في العالم تحصل في أمريكا. تسمعون كلّ يوم، وترون، وتقرأون في الصحف أنّه حصل إطلاق نار في المدرسة الفلانية، وفي النادي الفلاني، وفي محطة المترو الفلانية. هذا هو وضعهم الاجتماعي، فهم يعانون، وإنّ قلب المرء ليرق ويشفق لحال شعبهم. ومن ثمّ، من يأتي ويصبح رئيساً لجمهوريتهم؟! أناس بعيدون عن الحقيقة والواقع كلّ هذا البعد. وعليه فلا يضخّمنّ البعض العدوّ ويصوّره خطيراً جداً، فالعدوّ يعاني.
بالتأكيد، لا نريد أن تحصل غفلة عن عداء العدوّ، فـ: "لا يمكن عدّ العدوّ تافهاً عاجزاً» (23)، ولكن لا يمكن أيضاً عدّ العدوّ ذا هيبة عظيماً إلى درجة يشعر معها المرء أنّه لا يستطيع فعل شيء، لا، فالعدوّ ليس قويّاً إلى هذه الدرجة، إنّه عدوّ يعاني من مشكلات، وسياساته خاطئة. هذه السياسات التي انتهجها رئيس الجمهورية هذا، في هذه الأعوام انتهت في الأعمّ الأغلب بضررهم من الناحية السياسية ـ الأمنية، فسياساتهم في منطقتنا على هذا النحو، وسياساتهم في أوروبا بهذا النحو، وفي مواجهة بعض القوى الآسيوية انتهت سياساتهم بضررهم. ولم تستطع سياساتهم تقديم المساعدة لهم. فمسألة السبعة آلاف مليار دولار التي تحدّث عنها هذا الشخص في دعاياته الانتخابية (24) لا تزال مستمرة، وهم لا يزالون ينفقون، وبالتأكيد، إنّ أيديهم في جيوب السعوديين أيضاً. وعليه، لم يكونوا موفّقين في سياساتهم.
وفي سياسة مواجهة الجمهورية الإسلامية أقولها لكم، إنّ أمريكا سوف تنهزم بالتأكيد وسينتهي الأمر لمصلحتنا. والآن هناك في أمريكا خبراء يحذّرون ـ وهذا ما ينشر في صحافتهم ـ من أنّ هذا الضغط الذي تمارسونه ضدّ إيران سوف يؤدّي إلى قفزة اقتصادية لديها. هذا ما يقولونه هم وهذا هو الواقع، إنّهم سينهزمون. فسلوكهم إنفعالي، والصلابة المتزايدة للجمهورية الإسلامية تخيف الطرف المقابل بحمد الله، فيبادرون إلى مثل هذه الأفعال من منطلق الانفعال. وعليه، ينبغي التفطّن لهذه النقطة.
حسنٌ، يرى المرء الآن ويسمع أنّه (25) إذ ينادي بالمفاوضات، يقول البعض في الداخل «وما الضير في المفاوضات؟» المفاوضات سمّ. طالما أنّ أمريكا هي نفسها التي عليها الآن ـ وعلى حدّ تعبير الإمام الخميني ما لم تصبح آدمية، هكذا عبّر الإمام الخميني ـ فإنّ التفاوض معها سمّ، ومع هذه الحكومة الحالية في أمريكا هو سمّ مضاعف.
المفاوضات تعني المعاملة والأخذ والردّ؛ بمعنى أن تعطي شيئاً وتأخذ شيئاً. وما يرمي إليه ذاك الطرف في هذه المعاملة هو بالضبط نقاط قوة الجمهورية الإسلامية. إنّهم يتفاوضون على هذه الأشياء. لا يقولون تعالوا نتفاوض حول المناخ، وحول المصادر الطبيعية، وحول البيئة، يقولون تعالوا نتفاوض بشأن أسلحتكم الدفاعية، لماذا لديكم أسلحة دفاعية؟ السلاح الدفاعي ضروري للبلد بالتالي. وهؤلاء يقولون تعالوا نتفاوض على هذا الشيء. ما معنى أن نتفاوض؟ معناه أنّكم إذا كنتم تصنّعون صواريخ بالمدى الكذائي والدقّة الكذائيّة، فقلّلوا من هذا المدى بحيث لا تصل صواريخكم إلى قواعدنا نحن الأمريكيين، وإذا أردنا في يوم من الأيام ضربكم فلن تستطيعوا الردّ. هذه هي المعاملة، فهل تقبلونها أم لا تقبلونها؟ من الواضح أنّكم لا تقبلونها، وحين لا تقبلونها فسيكون الوضع على ما هو عليه الآن، أي المنازعة والنكاف والضجيج. وليست القضية قضية دين وثورة وما إلى ذلك، إذ لا يوجد أيّ إيراني غيور ذي وعي وفهم يذهب ليساوم الطرف المقابل على نقاط قوّته، الطرف الذي يريد أن ينتزع منه نقاط القوة هذه، إنّه لا يساوم على هذه الأمور، فنحن بحاجة إلى هذه الأمور. عمقنا الاستراتيجي في المنطقة مهمّ جداً، وهو مهمّ لأي بلد. العمق الاستراتيجي السياسي والأمني مكوّن أساسيّ لحياة كلّ الدول والشعوب، والحمد لله أنّ عمقنا الاستراتيجي في المنطقة جيّد جدّاً، وهم منزعجون من هذا، ويقولون تعالوا نتحاور بشأن قضايا المنطقة، بمعنى أن تفقدوا عمقكم الاستراتيجي، حول هذه الأمور يطلبون التفاوض.
وعليه، فأساس المفاوضات خطأ. المفاوضات مع شخص محترم خطأ أمّا هؤلاء فليسوا حتّى بالمحترمين. التفاوض مع الأشخاص الذين ينقضون كلامهم ويثكثون عهودهم ومواثيقهم ولا يلتزمون بأيّ شيء ـ لا الشيء الأخلاقي، ولا الشيء القانوني، ولا العرف الدولي، ولا بأي شيء ـ هو إذاً مهزلة. حتماً، لا يوجد بين عقلائنا شخص يريد هذا الأمر، وموقف أبناء الشعب معلوم، فيما خلا الضجيج الذي قد يثيره البعض هنا وهناك. ولهذا، لا معنى للمفاوضات على الإطلاق، وكما ذكرت في السابق وكرّرت القول، لن يكون مثل هذا الشيء. في الحكومة الأميركيّة السابقة، حيث كانوا ظاهراً أكثر لياقة وأفضل من هؤلاء، كتب لنا أوباما رسالة تملّق وكتبنا له الجواب بعد مدّة، فكتب لنا الرسالة الثانية فوراً. وأردت أن أجيبه أيضاً، فوقعت في تلك الأثناء فتنة العام 88 [2009 م]، فتوجّهوا فرحين نحو أهل الفتنة، وللدفاع عن الفتنة ودعمها. أولئك الذين كان هذا ظاهرهم، كان هذا باطنهم، وبمجرّد أن أُثيرت الفتنة، أصبحوا وكأنّما نسوا كلّ ذلك الكلام الذي قالوه سابقاً، وتلك التملّقات وإظهار المودة، وانضموا إلى تيار الفتنة ضدّ الجمهورية الإسلامية. أمّا هؤلاء فوضعهم معروف.
وعليه، فالخيار الحاسم لشعب إيران هو المقاومة والوقوف في وجه أمريكا، وفي هذه المواجهة والمقاومة سوف تجبر أمريكا على التراجع. وموضوع المقاومة ليس موضوع اشتباك عسكري، وما يثيره البعض حول قضية الحرب في الصحافة والفضاء الافتراضي وما شاكل هو كلام تافه. ليس من المقرّر القيام بحرب، ولن تقوم حرب بتوفيق الله. فلا نحن نسعى إلى الحرب، ولا هم أيضاً، فليس من مصلحتهم السعي إلى الحرب ويعلمون أنّه ليس من مصلتحهم ذلك. كما إنّنا لسنا ممّن يبدأ بالعمل العسكري ـ لم نكن كذلك يوماً، ولسنا الآن كذلك ـ إنّما هذا الصراع هو صراع الإرادات. هذه المواجهة مواجهة إرادات، وإرادتنا أقوى منهم. وإنّنا فضلاً عن الإرادة القوية لدينا التوكّل على الله. «ذّْلِك بِأنَّ اللهَ مَولَى الَّذينَ ءامَنوا وَأنَّ الكافِرينَ لا مَولى لَهُم» (26). هم لا مولى لهم، ونحن نعتمد على الإرادة الإلهية. وعليه فالمستقبل إن شاء الله مستقبل جيد، ولا ولن تكون هناك صعاب بالنحو الذي يصوّره ويصفه البعض. سوف تمضي حكومتنا ومسؤولو البلاد، إن شاء الله، بهمّة وقدرة وإرادة قويّة وبإدارة ـ كما أشاروا ـ وتدابير جديدة لمواجهة الحوادث وسوف ينتصرون.
أللّهم بمحمد وآل محمد منّ على الشعب الإيراني بالنصر في كلّ هذه المواجهات. أللّهم احشر إمامنا الخميني الكبير العزيز الذي فتح هذا الدرب أمامنا مع أوليائه. أللّهم بمحمد وآل محمد اجعل ما قلناه وما نويناه وما سنعمله إن شاء الله لك وفي سبيلك، وتقبّله منّا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1 ـ في بداية هذا اللقاء تحدّث رئيس الجمهوريّة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن روحاني.
2 ـ سورة البقرة، الآية 183 .
3 ـ من ذلك سورة البقرة، الآية 189 .
4 ـ سورة الحجرات، شطر من الآية 10 .
5 ـ من ذلك سورة البقرة، الآية 189 .
6 ـ من ذلك سورة البقرة، الآية 53 .
7 ـ سورة الأنفال، شطر من الآية 29 .
8 ـ سورة الطلاق، شطر من الآية 2 .
9 ـ سورة النساء، شطر من الآية 122 .
10 ـ سورة النحل، شطر من الآية 52 .
11 ـ من ذلك سورة الفتح، شطر من الآية 28 .
12 ـ سورة إبراهيم، شطر من الآية 45 .
13 ـ مستدرك الوسائل، ج 16 ، ص 228 (بقليل من الاختلاف).
14 ـ نهج البلاغة، الكتاب رقم 45 .
15 ـ م ن .
16 ـ م ن .
17 ـ دونالد ترامب.
18 ـ راجع كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة حلول العام الإيراني الجديد 1398 بتاريخ 01/01/1398 هـ ش، 21/03/2019 م.
19 ـ كلمته في حشود زوار المرقد الرضوي الشريف بتاريخ 01/01/1398 هـ ش، 21/03/2019 م .
20 ـ إشارة إلى احتجاجات الشعب الفرنسي في باريس.
21 ـ ضحك الإمام الخامنئي والحضور.
22 ـ قول ينسب للإمام السجاد (ع).
23 ـ بيت شعر لسعدي الشيرازي، گلستان، الباب الأول، الحكاية رقم 4 : أتعلم ما قاله زال لرستم، لا يمكن عدّ العدو تافهاً عاجزاً.
24 ـ إشارة إلى نفقات الحكومة الأمريكية في الشرق الأوسط.
25 ـ رئيس جمهورية أمريكا.
26 ـ سورة محمد، الآية 11 .