بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيّما بقية الله في الأرضين. 
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (عليه السلام). 

أرحّب بكم كثيراً يا أعزائي، شبابنا وآمال مستقبل البلاد. أنا مسرور لأن الله تعالى وفّقنا هذا العام أيضاً واستطعنا إقامة هذه الجلسة وأن نكون معكم ونستمع إليكم. الآراء التي طرحها الأصدقاء كانت جيدة جداً. أي إن هذا هو تقييمي لهذه الكلمات التي ألقيت، كانت هناك نقاط لافتة في كلماتهم قد لا أوافق بعض جوانبها، ولكن أن يفكر شبابنا في مواضيع مهمة بالنسبة لهم وينتجوا آراء ونقاطاً حولها ثم يأتون ويعرضونها بأدبيات حسنة جداً فهذا شيء مريح وممتعٌ جداً بالنسبة إليّ. الحق أن الإنسان عندما ينظر ويرى هؤلاء الشباب بهذه الميّزات يرتاح كثيراً. واعلموا أنه لو أمكن لكم جميعاً ـ هذه الجماعة الموجودة هنا ـ أن تتحدثوا واحداً واحداً وأستمع لكم لفعلت ذلك ولكن بالتالي هذا الشيء غير ممكن عملياً للأسف. كانت الكلمات حسنة وجيدة جداً. 
حسناً، ذكر الأعزاء عدة نقاط يجب أن تتابع، وأوصي مكتبنا والأصدقاء المسؤولين في المكتب بمتابعتها. ومتابعتنا ليست على شكل أوامر نصدرها للأجهزة والمؤسسات المختلفة، فالأجهزة لها مسؤولياتها ومهمّاتها ويجب أن تنهض بأعمالها وواجباتها، وليس إصدار الأوامر من أعمالنا، لكننا نوصي ونوجه ونؤكد ونتابع ليتم إنجاز هذه الأعمال إن شاء الله. كانت هناك نقطة أو نقطتان حول شؤون وزارة الصحة وسوف تتابع إن شاء الله، وكانت هناك نقطة حول المجلس الأعلى للثورة الثقافية والأمين العام المحترم لهذا المجلس (2) حاضر هنا وسوف يتابع بالتأكيد قضية توقيع تلك القرارات. ونقطة أخرى قضية توقيع قرارات المجلس الأعلى للتربية والتعليم والوزير المحترم (3) موجود هنا وسوف يتابع الأمر بالتأكيد. وقضية أخرى قضية لقاح الهيباتيت (التهاب الكبد) التي أشار لها هذا الشاب العزيز الآن، وينبغي أن يتابعوا هذه القضية حتماً، ومتابعات أخرى لأمور أخرى سوف نتابعها إن شاء الله لتحصل وتتم. 
أعزائي، المهم أن يستمر هذا التطور العلمي الذي انطلق في البلاد منذ نحو عقدين من الزمن وإلى الآن. إننا في مراتب عليا عالمياً في بعض الحقول العلمية الجديدة، أي إننا في مراتب دون العاشرة، في المرتبة الخامسة أو السادسة. وهذا شيء يبعث على الفخر جداً لكنه لا يقنعنا على الإطلاق. نحو متقدمون في النانو وفي تقنيات الأحياء وفي بعض المجالات الأخرى، لكن هذا لا يكفي، فالحركة العلمية في العالم حركة متسارعة جداً ولدينا حالات تأخر متراكمة عن الماضي، لذلك ينبغي استمرار هذه السرعة في التقدم العلمي. طبعاً تم العمل بصورة جيدة لحد الآن طوال هذه الأعوام الستة عشر أو السبعة عشر التي تابعنا وعملنا فيها على هذه الصّعد، يلاحظ المرء أن العلم قد تطور وتطورت أيضاً التقانة المنبثقة من هذا العلم، كما تطورت تلك العجلة التي تحدثت عنها عدة مرات في الاجتماعات والجلسات (4) أي عجلة إنتاج الثروة والطابع التجاري. بالأمس كان لنا هنا معرض (5) وزرته لمدة ساعتين وشاهدت الأعمال التي قاموا بها وأنجزوها. وقد شاهدت الشوق والثقة بالنفس والإيمان بالذات في كلام المسؤولين عن هذه الشركات علمية المحور التي شاركت بالأمس هنا، وشاهدته أيضاً في حركاتهم وتصرفاتهم، وكذلك في الأعمال التي أنجزوها، هذا شيء مبارك جداً. كانوا متشوقين وأصحاب ثقة بالنفس ويعتقدون أنهم سوف يتقدمون إلى الأمام ولهم محفزاتهم على التقدم. وكانوا طبعاً ثلاثين شركة من عدة آلاف من الشركات علمية المحور الموجودة. قد رفعوا لنا إحصائيات تقول إن هناك أكثر من أربعة آلاف شركة علمية المحور، وهذا قليل، ويجب أن يرتفع هذا العدد من أربعة آلاف شركة في البلاد إلى أربعمائة ألف شركة أو أكثر على الأقل خلال فترة محدودة معينة. وبالطبع فإن لذلك شروطه وخصوصياته التي سوف أشير لبعضها.

أولاً يجب توفر البنى التحتية القانونية لهذه الشركات علمية المحور، والآن نرى أنّ هناك الكثير من البنى التحتية القانونية لهذه الشركات غير واضحة، وهذا ما كان بادياً في كلمات بعض الأعزاء. هذه المهمة مهمة الحكومة ومجلس الشورى والمسؤولين المعنيين، فليجتمعوا ويحددوا وعلى حد تعبير هذا الأخ الذي تحدث هنا ليفرزوا مثلاً بين الشركة ربحية المحور والشركة وظيفية المحور، ويشخّصوا ما الشيء الذي من المقرر أن يحدث وينجز وما هي حدوده وثغوره. 

ثانياً يجب أن يرفعوا الموانع والعقبات، وقد أشاروا إلى بعض العقبات. ومن باب المصادفة فإن موضوع هذه «الستة أشهر» التي ذكرها أحد الأصدقاء قالوها أمس هنا، فقالوا في إحدى الشركات علمية المحور صنعنا هذا النتاج ـ وكان نتاجاً مميزاً جيداً جداً ـ في غضون ثمانية أشهر وهي فترة قصيرة جداً لصناعة هذا المنتج، لكن الحصول على ترخيص استغرق ستة أشهر! أي إن الترخيص الذي ينبغي أن يصدر في أسبوع واحد مثلاً يستغرق ستة أشهر. هذه عقبات يجب رفعها. هذه هي موانع وعقبات العمل والتجارة ولا بد من إصلاح أجواء العمل والتجارة وهو ما كررته وأكدت عليه مراراً، يجب رفع عقبات العمل وأن لا تكون هناك إجراءات متوازية متعددة. وطبعاً ينبغي القضاء على الاحتكار والحصرية وقد أشار الأعزاء في كلماتهم إلى قضية احتكار الفرص. 

حسناً، لقد سجّلت عدة نقاط لأذكرها لكم: من هذه النقاط أن لدينا ميثاق استراتيجي لشؤون النخبة صادق عليه المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وهو وثيقة حسنة جداً ومهمة، وينبغي تحقيق هذه الوثيقة وتطبيقها بجدّ، أي ينبغي العمل بهذا الميثاق. لقد تم العمل لحد الآن بجزء من هذا الميثاق ولكن لم يُعمل به كله. إذا جرى العمل بهذا الميثاق بالكامل فسترتفع الكثير من هذه المشاكل التي طُرحت في مجال تقدّم العلم وفي حيّز التّجارة بالنتاجات العلمية والتقنية وباقي المشاكل. على مؤسسة النخبة أن تتناول هذا الميثاق وتهتم به وأنا أيضاً أقول هنا أن المجلس الأعلى للثورة الثقافية يجب أن يطالب هو الآخر بتطبيقه. المجلس الأعلى للثورة الثقافية مجلس متميز يضم رؤساء السلطات الثلاث وعدة وزراء وشخصيات حقيقية كفوءة تتواجد في هذا المجلس، ويجب أن يطالبوا بتحقيق وتطبيق هذا الميثاق. نعتقد أن الكثير من هذه المشاكل ناجمة عن عدم تطبيق هذا الميثاق. طبعاً مضت عدة سنين على هذا الميثاق ويجب أن يجري تحديثه. في ضوء الأعمال والأشغال الجديدة التي ظهرت في الوقت الحاضر وحالات التقدم العلمي الموجودة في العالم والمشهودة في بلادنا أيضاً إلى حد كبير فإن هذا الميثاق يحتاج بالتأكيد إلى تحديث، لذا ينبغي تحديثه وتجديده وعصرنته. 

النقطة الثانية هي أنه يوجد في بلادنا للأسف تيار يتعامل بسوء نيّة مع ظاهرة النهضة العلمية، هذا تيار موجود. أقول هذا لكم لأنكم أنفسكم العناصر المكونة لهذا التيار العلمي ويجب أن تتفطنوا أنه يوجد أمامكم تيار سيئ الطوية وسيئ النية، فلا تيأسوا. هذا ما أريد قوله. من الأعمال التي يقوم بها ذلك التيار الذي أسميه سيئ الطوية أو سيئ النية تجاه الحركة العلمية أنه ينكر أساس النهضة العلمية، وكأنّ شيئاً من هذا القبيل غير موجود أساساً. وقد أثرت في جلسة ما هنا قبل عدة أشهر قضية جامعة استانفورد وقلت (6) إنهم مصممون ومصرّون على أن يقولوا: «لا، لم يحدث أي شيء» والحال أنكم ترون الحدث أمام أعينكم فأنتم أنفسكم في حال حركة علمية وتقدّم علمي، لكن أولئك ينكرون ويقولون لا يوجد مثل هذا الشيء. أن تقولوا يجب أن تكون هناك حلقة وصل بين الجامعة والشعب ـ وهو ما قاله أحد الأصدقاء الآن هنا ـ فإننا هنا نصرّ دوماً على أن «العمل العلمي والتقدم العلمي والنهضة العلميّة قد بدأت وانطلقت» ـ وهذا واقع ـ ويقول البعض: «لا، لم يحدث شيء» وللأسف فإن هؤلاء يتابعون هذه الحركة سيّئة الطوية من داخل الجامعة، وبالتالي فإن الناس سوف يصابون بالشك والترديد. إذن، من أعمالهم إنكار النهضة العلمية. 

ومن أعمالهم السيئة الأخرى السمسرة لتهجير نخب البلاد، وهو شيء يحدث ويحصل. يحاولون تثبيط النخبة عن البقاء في الداخل ويقولون لهم «لماذا تبقون هنا، لا تؤخر نفسك بلا طائل، لا تهدر عمرك»، والحال أن هؤلاء النخبة ينتمون إلى هنا وهم بضعة هذا الجسد وفلذة كبده وينمون بنمو البلد، وبنموهم ينمو البلد، وهم يقومون بواجبهم. يبثون اليأس في قلوبهم من البقاء هنا، ويوفرون لهم البهارج والجاذبيات في الخارج ـ إما المال أو غير المال أو حتى أشياء وهمية ـ لينقلوهم إلى هناك وليخرجوهم من هذه الجامعة إلى مكان آخر. هذه أيضاً من الأعمال التي تتم وتجري في الوقت الحاضر. واجب وزارة العلوم ووزارة الصحة أن تراقب الجامعات وتصونها وتطهرها. يحاولون فرض اليأس على الشباب ثم حين يجري الاعتراض عليهم يقولون: «إن الأخبار التي تصل إلى فلان وإلى المسؤولين الكبار في البلاد أخبار باتجاه واحد، يخبرونهم بالجوانب الإيجابية فقط ولا يخبرونهم بالجوانب السلبية» ما هي الجوانب السلبية؟ افترضوا مثلاً السرقات العلمية أو مثلاً المستوى المتدني لبعض الدراسات العلمية. نعم، إنهم يخبرون، ولا ضرورة لأن يخبروا فنحن نعلم ذلك، وقد أشرت بنفسي إلى الكثير من هذه الآفات المتنوعة في كلماتي مع الطلبة الجامعيين ومع التجمّعات العلمية والجامعية. قضية الجودة المتدنية وقضية السرقات العلمية وقضية العلم غير النافع، هذه مشاكل طرحناها نحن قبلهم، ونعلمها أكثر منهم، لكن المرء حين يشاهد الجوانب الإيجابية يجد أنها راجحة بأضعاف على هذه الجوانب السلبية. نعم، هذه الجوانب السلبية موجودة أيضاً ولدينا مشاكل، وقد جاء شبابنا الآن بأنفسهم وطرحوا عدداً من هذه المشاكل. يصل المسؤولين هذا النوع من الكلام بكثرة، لا أنهم لا يصلهم هذا النوع من الكلام، لكن حقيقة القضية وواقعها أن السياق الرّئيسي في البلاد سياق إيجابي ومحبذ ومطلوب وحسن. 

أين نحن اليوم من حيث العلم وأين كنا قبل عشرين عاماً؟ الفارق كبير. وطبعاً لديّ إحصائيات وربما أشرت إلى بعضها إذا وجدنا متسعاً من الوقت. وهذه من امتيازات الثورة، لقد عملت الثورة في البلاد على جعل الرجال والنساء والشباب والشيب يتجرأون على خوض المجالات الصعبة. هذه الجرأة اليوم متوفرة، وشبابنا يدخلون بكل جرأة إلى الميادين العلمية الصعبة المعقدة، ويقومون بأعمال مهمة، والآخرون ـ بمن فيهم الأعداء ـ يثنون على هذه الأعمال المهمة. أتذكر قبل سنوات ـ وبالطبع كانت هناك نماذج في الفترات الأخيرة ولا أروم ضرب الأمثلة من الفترات الأخيرة ـ أن كاتباً وعالماً صهيونياً كتب في صحيفة صهيونية حول صاروخ اختبرناه في ذلك الحين، وقد جاؤوني بالمقال بعينه، وكان قد كتب إنني عدو لإيران لكنني أنحني إجلالاً لذلك الرجل الذي صنع هذا الصاروخ، فهؤلاء رغم الحظر ورغم كل هذه المشاكل ورغم انسداد أبواب التبادل العلمي، على الرغم من كل هذا صنعوا مثل هذا العمل الرائع. هذه أحكام أعدائنا وتقييماتهم، لكن البعض ينكرون الواضحات. 
ما سجلته هنا أن أكثر من مائتي باحث وعالم إيراني يعدّون من ضمن الواحد بالمائة الأفضل بين علماء العالم. هذه مفاخر. وبالطبع فإن الأرضية والمواهب والطاقات أكثر بأضعاف من الشيء الذي تحقق لحد اليوم. ومن المتيقن منه أنهم سيكونون بعد خمسة أعوام أكثر من هذا بكثير، وبعد عشرة أعوام سيكونون أضعاف ذلك، لاحظوا، هذه إحصائيات مهمة: نمو وازدياد الدراسات والبحوث المرجعية التي ينتجها العلماء الإيرانيون. ليست مجرد دراسات وبحوث بل دراسات تتخذ مراجع ومصادر بكثرة من قبل دراسات أخرى، ويحال إليها بكثرة، في عام 2010 كان عددها 78 دراسة، وفي عام 2018 أصبح عددها 461 دراسة. أي عدة أضعاف خلال بضعة أعوام. هذه أمور مهمة ينكرونها. نحن واحد بالمائة من سكان العالم تقريباً، ولدينا واحد بالمائة من جغرافيا العالم المعمور، لكن إنتاجنا للعلم إثنان بالمائة من إنتاج العلم في العالم، أي ضعفا المتوقع من بلادنا، لدينا من إنتاج العلم بهذا المقدار. وقد تم استخدام الطاقات العلمية لتقدم البلاد لحد الآن، وقد سجلت هنا عدة نماذج وشواهد وهي مجرد نماذج، والواقع أكثر من هذا بكثير: رفع المستوى الدفاعي للبلاد حيث تم توظيف العلم من أجل ذلك، والطب المتطور والعلاج والطب عندنا اليوم شديد التميّز في المنطقة، والسيطرة على الأمراض، وفي القضايا التقنية والهندسية أي في البناء والأعمال الهندسية الكبيرة التي تتم وتجري في البلاد اليوم، وفي تقنيات الأحياء، وفي إنتاج المنتجات ذات الجودة العالية بتقنيات النانو، وفي التقنية النووية السلمية ونماذج ومجالات أخرى. لقد استطعنا اليوم توظيف العلم لخدمة مصالح البلاد وتقدم البلاد في المجالات التي ذكرتها وربما في عشرات المجالات الأخرى، وهذه كلها من بركات الجمهورية الإسلامية. 

ونقطة أخرى أردت أن أشير إليها هي أن هذا التيار سيئ الطوية والذي لا أدري لماذا يعارض هذه المسيرة العلمية ـ وطبعاً يمكن للمرء أن يتنبّئ ببعض الأشياء ولكنه لا يستطيع أن يدّعي شيئاً على نحو اليقين ـ ينكرون ويخربون بهذا الشكل ليستطيعوا خلق عقبات وموانع وإيجاد مشاكل. قبل فترة رفعوا لي تقريراً يقول إنهم يوقفون بذرائع مختلفة بعض الأعمال العلمية المهمة التي تبدأ في مركز حساس من مراكز اتخاذ القرار. هذه مشكلة يجب أن ترتفع. طبعاً المسؤولية على عاتق الرؤساء المعنيين المحترمين وبعضهم حاضرون اليوم هنا. هذه أقولها لكم لكي تواصلوا مسيرتكم بشوق وهمة مضاعفة واقتدار مقابل هذا التيار المنحرف. 
النقطة التالية هي أن مؤسسة النخبة وكل المؤسسات النخبوية تخوض في علوم مختلفة، وأنا أصر وأؤكد على أن يخوضوا في العلوم الإنسانية أيضاً، وفي الاقتصاد والحقوق والإدارة، فنحن بحاجة لوجود نخبة في هذه العلوم والمجالات. يوم أمس حين كنت أزور المعرض هنا كانوا قد صنعوا جهازاً، وقال صانع الجهاز: «إن هذا الجهاز لا يوجد إلا في أمريكا، ولا يوجد من هذا الجهاز في أي مكان آخر في العالم غير أمريكا، لكننا صنعناه». هذه أمور مهمة، هذا الشاب النخبة الذي يستطيع في الميادين التقنية والهندسية أن يقوم بمثل هذه الأعمال المميزة ـ الأعمال التي شاهدناها ونعلم بها وبعض الناس لا يعلمون بالأعمال والإنجازات المهمة جداً التي تم إنجازها ـ يمكنه أيضاً التفكير وتقديم أطروحات واقتراحات في مضمار الشؤون الاجتماعية والاقتصادية للبلاد أيضاً. 
بعض مشاكل البلاد في المجالات الاقتصادية ناجمة عن قلة البحث العلمي، وعلى شبابنا الخوض في هذا المجال. هناك في الوقت الحاضر قضايا في الحيّز الاقتصادي وفي خصوص مشكلة التضخم وقضية انخفاض القدرة الشرائية للعملة الوطنية وقضية فرص العمل وقضية السكن وقضايا اجتماعية من قبيل الزواج والآفات الاجتماعية والإدمان وغير ذلك، كل هذه القضايا يمكن أن تتوفر لها حلول مناسبة جداً بعلوم النخبة وبحراك نخبتنا الشباب. إذا حصل هذا عندئذ سيكون نمو عضلات البلاد العلمية نمواً مناسباً وسيمتاز البلد بكمال جسماني علمي جيد، أي إن أمور العلم لن تكون بحيث يحصل تقدم كبير في جانب معين ويبقى جانب آخر ضعيفاً نحيفاً عاجزاً، لا، إنما يحصل كمال جسماني وتناسب في النمو والتطور، وهذا المعنى مأخوذ بعين الاعتبار في الخارطة العلمية للبلاد. وأنا أشدد مرة أخرى على قضية الخارطة العلمية للبلاد وهي عمل على جانب كبير من الأهمية ووثيقة جد قيمة تم إنجازها ويجب متابعتها والسير على هداها. 

أعزائي، نقطة أخرى هي أن العلم إذا انفصل عن الثقافة الصحيحة السليمة سيقع في الطريق الخطأ. العلم النووي علم معقدّ ونافع جداً، ولكن لأنه لم يرفق بالثقافة الصحيحة الإنسانية بل ترافق مع الثقافة السلطوية المغلوطة انتهى إلى القنبلة الذرية. ولا تزال القنبلة الذرية خطراً يهدد العالم والبشرية. وقد تم تنفيذ هذا التهديد عملياً ذات يوم، واليوم أيضاً يخافها العالم كله ويشعر بعدم الأمان. وقد قلنا نحن بكل حسم وشجاعة إننا لا نسير في هذا الطريق طبقاً لحكم الإسلام مع إننا كنا نستطيع السير فيه. فصناعة السلاح النووي خطأ والاحتفاظ به أيضاً خطأ، لأن استخدامه حرام. هل يصنع الإنسان شيئاً لا يستطيع استخدامه ويجب أن يبقى هكذا في مكانه؟ هذا محرّم بالتأكيد. بمعنى أننا إذا كان لنا سلاح نووي فقد كان من الواضح أننا لا يمكننا إطلاقاً وفي أي مكان استخدامه، لأنه محرّم قطعاً حسب المعايير الإسلامية. حسناً، لماذا ينفق الإنسان المال لصناعة الشيء الحرام؟ ولماذا ينفق المال ليحتفظ به؟ فالاحتفاظ به أيضاً يحتاج إلى تكاليف وإنفاقات كبيرة. والذين عندهم ينفقون تكاليف كبيرة للاحتفاظ به فقط. حسناً، لاحظوا! لقد كان العلم البعيد عن الثقافة هو الذي جرّ الصناعة النووية المفيدة جداً والحساسة، وهي صناعة جد مفيدة للإنسانية، جرّها نحو طريق غير سلمي، وأخذها إلى طريق خاطئ نجمت عنه القنبلة النووية. العلم إذا لم يرفق بثقافة صحيحة ومسار فكري سليم سيكون شيئاً خطيراً. ولهذا السبب نعتقد بأن الدين والوطنية ـ أي الالتزام الجاد بالدين والشرف الوطني الحقيقي ـ مما يجب إفشاؤه بكل جد في المجتمعات النخبوية. عندما يكون العالم الإيراني مندكاً بالثقافة الإسلامية والإيرانية عندئذ سيكون جزءاً حيوياً من حياة الشعب، والواقع أنه سيمنح الروح والقدرة للشعب. 
لا نريد أن تكون جامعاتنا تكراراً واستنساخاً للجامعات الأمريكية الفلانية، لا نريد هذا. نريد العلم ونتتلمذ ونتعلم ـ أي إننا لا نشعر بالعار إطلاقاً من التتلمذ ـ ولكن لا نروم أن تكون جامعاتنا تكراراً واستنساخاً للجامعة الأمريكية الفلانية في طهران أو في المدينة الفلانية الأخرى من مدن البلاد. لا نريد تقليد تلك الثقافة ذاتها هنا. الأجواء العلمية في البلاد يجب أن تكون أجواءً علمية إيرانية وإسلامية. وهكذا هي الآن لحسن الحظ. حينما يشاهد المرء التجمّعات العلمية المتطورة البارزة ـ مثل هذه التي تجري على الألسن الآن: الخلايا الجذعية والنانو وتقنيات الأحياء والطاقة النووية وغيرها ـ فغالباً ما يجد أن لهذه التجمّعات محفزات دينية. لأن الدين يرى الحركة العلمية جهاداً، وهؤلاء يقومون في الواقع بعمل جهادي. هذه هي الحالة والأجواء التي ينبغي أن تسود البيئة العلمية في جامعات البلاد. ظروفها مختلفة عن ظروف ذلك البلد الذي له هو أيضاً جامعة متطورة مميزة. يجب علينا أن نعيش بطريقة إيرانية وفق ثقافتنا ويجب علينا أن نفكر بطريقة إيرانية. وينبغي أن نراعي بالتأكيد النموذج الإسلامي ـ الإيراني للتقدم في مجال الشؤون العلمية أيضاً، وهذا برأيي شيء على جانب كبير من الأهمية. وأقول أيضاً إننا لو أردنا في تقليد ثقافة الجامعات العالمية المتفوقة ـ جامعات أمريكا وكندا وغيرها ـ لو أردنا تكرارها فسوف تنهار حالة الولادات العلمية الجديدة، هذه أيضاً نقطة أرجو أن تتنبهوا لها. هذا الإبداع العلمي والتقدم العلمي والابتكار العلمي سوف يزول ويتبدد بالتقليد والاتباع والجري وراء هذا وذاك. 

النقطة التالية هي أنه من الأعمال المهمة التي بوسع النخبة القيام بها ممارسة دور في الدبلوماسية العامة. ومن باب  الصّدفة أشار أحد الأعزاء هنا في كلمته - وقد سجلت ذلك هنا - إلى الدبلوماسية العامة. بوسعكم أن تلعبوا دوراً في هذه المجالات. على سبيل المثال تجميع النخب الثقافيّة الكبرى في إيران الثقافية، أي في المديات الواسعة للثقافة الإيرانية طوال القرون الماضية، والتي اختلفت رقعها الآن بعض الشيء. في هذه المجموعة الثقافية التي تضم بعض البلدان الجارة لنا يمكننا أن نجمع النخبة. أو على سبيل المثال تجميع النخبة في منطقة شرق آسيا. فهناك نخب كثيرة في البلدان الأخرى في المنطقة. أو تجميع نخبة العالم الإسلامي مثلاً، أو تجميع نخبة محور المقاومة. ثمة في الوقت الحاضر ظاهرة في منطقتنا هذه وشمال أفريقيا اسمها محور المقاومة، وهؤلاء لهم نخبهم، فيمكن جمعهم والتواصل معهم. أو حتى تجميع النخبة التائقين إلى الحق في العالم مهما كانت أوطانهم في أوربا أو في أمريكا أو أماكن أخرى. هناك أناس يطالبون بالحق ويبحثون عنه وينشدون الكلام الصحيح والحق، فإذا استطعتم التعامل معهم والتفاهم والتواصل معهم، وهم يتقبلون كلامكم ويمكنكم التواصل معهم، عندئذ ستستطيعون عبر هذا التواصل ومن خلال المؤسسات التي ستتشكل في إطار هذا التواصل، ستستطيعون نقل العلوم النظيفة الشريفة والأفكار الصحيحة. 
لقد اقترحنا على العالم طريقاً ثالثاً بفضل الإسلام، لا طريق الاشتراكية في الاقتصاد وتبعات الاقتصاد ولا طريق الليبرالية ـ الديمقراطية الغربية بما له من تبعات وخصائص وعواقب. لدينا طريق ثالث. هذا الطريق الذي يسير فيه بلدنا حالياً هو طريق ثالث. ونحن طبعاً تباطأنا قليلاً وقصّرنا في هذا الطريق لكن الوقت أيضاً لم يكن طويلاً، فأربعون عاماً ليست بالوقت الكثير في مسيرة نظام والوصول إلى حضارة. البلدان الغربية التي لها حضارة واضحة المعالم اليوم كما يقال كابدت المشاكل أربعة أو خمسة قرون، فأربعون عاماً ليست بالزمن الكبير. لدينا تقصيرنا في العمل والجد في هذه المجالات، ولكن بوسعنا تعريف هذا الطريق الثالث بشكل صحيح والسير فيه بنحو سليم، ويمكننا بأعمالنا وكلامنا المنطقي اجتذاب القلوب إلى هذا الاتجاه وهذا الدرب ـ لا إلى أنفسنا وإلى بلادنا بالضرورة ـ بل إلى هذه المسيرة العظيمة المهمة التي يمكنها أن تكون نافعة للإنسانية، وأن ننقذ البلدان من تغلغل ونفوذ الثقافة الغربية التي تزداد انحطاطاً يوماً بعد يوم.  
لقد اختارت الثقافة الغربية طريقاً خاطئاً منذ البداية، لكنها لم تكن منذ البداية على هذه الدرجة من الانحطاط. الكثير من المفاسد والبليّات الموجودة في الثقافة الغربية اليوم لم تكن موجودة قبل مائة عام بل حتى قبل خمسين عاماً في البلدان الغربية، إنما أضافوها تدريجياً. هذه الأشياء الذي يخجل الإنسان حقاً أن يتكلم عنها، ترويج المنكر وتعطيل المعروف حالة مشهودة في البلدان الغربية في الوقت الحاضر. وهذا طبعاً ليس كلامنا نحن الذين نعارضهم، بل الكثير من علمائهم ومفكريهم ومصلحيهم يقولون هذا ويكتبونه، بيد أن تياراً رأسمالياً قوياً سلطوياً متشكّل من مزيج الصهيونية والاستعمار والاستكبار يعمل على تمرير وترويج هذا التيار في أمريكا وتبعاً له في أوربا وفي البلدان التابعة لهم. إذا استطعنا أن نعمل بصورة صحيحة يمكننا إنقاذ الكثير من المجتمعات من نفوذ هذه الثقافة ورسوخها وسيادتها. 

النقطة التالية هي إيجاد الأمل. إنني أصرّ بكل جد على هذا المعنى، أصر عليكم وعلى الأساتذة وعلى رواد الحركة العلمية بأن لا تسمحوا بتضعضع الأمل الذي حصل بتقدم البلاد علمياً لا سمح الله. لا نطرح المشاكل باتجاه واحد ومن طرف واحد دون أن نلجظ النجاحات الكبرى. نعم، هناك مشاكل في البلاد. البعض يتصورون إننا لا علم لنا بالمشاكل، لا، إننا نعلم بالمشاكل أكثر بكثير من الكثيرين، هناك مشاكل ولكن إلى جانب هذه المشاكل توجد نجاحات كبيرة. عندما نطرح المشاكل باتجاه واحد، وأحياناً نشدد على مشكلة معينة ليست مهمة كثيراً ونكررها ونتحدث عنها ونلقي المراثي والتعازي فيها سوف يخبو الأمل في قلوب الشباب، سوف يميل مصباح الأمل في قلوب الشباب إلى الأفول، وهذا خطأ. البلاد اليوم تواصل مسيرة مهمة بحمد الله. كنا قبل انتصار الثورة بلداً راكداً جامداً تابعاً بلا حراك، وقد سبقتنا البلدان المتأخرة واحدةً تلو الآخرى، وكانت الأجهزة الحاكمة الفاسدة التابعة لأمريكا تُبقي البلد متخلفاً. هذه المواهب التي ترونها اليوم في البلاد لم تظهر اليوم، هذه المواهب الإيرانية شيء طبيعي، فلماذا لم يكن كل إنتاج العلم هذا قبل الثورة؟ لماذا لم تكن كل هذه الحركة العلمية قبل الثورة؟ زودوني بإحصائيات ولم أسجلها لأشير لها، شيء عجيب غريب، إنتاج العلم في جامعاتنا ـ مثل جامعة طهران وجامعة شريف وجامعة شيراز ـ حددوا كم بالمائة منه كان قبل الثورة وكم بالمائة منه جاء بعد الثورة، فكانت الأرقام مذهلة. لقد كانت الثورة والحركة الثورية العظيمة في البلاد وسيادة التفكير الثوري والإسلامي هي التي حرّكت البلاد وتقدمت بها إلى الأمام ووصلت بها إلى هنا، وسوف تصل بها إلى الذروة إن شاء الله، سوف تكون لنا قفزات واسعة ولا نزال في أول الطريق. على الشباب أن يتحركوا ويتقدموا بهذا الأمل، والأمر مختلف لو لم يملكوا الأمل، فالعمل العلمي ليس بالعمل السهل، وهو طبعاً شيق بالنسبة لطالب العلم لكنه عمل صعب عسير، والتقدم بالأعمال صعب، فإذا أرفق هذا العمل الصعب بالأمل أتيح له أن يتقدم ويتطور. 
طبعاً من الأرصدة المهمة التوكل على الله تعالى «العاقبة للمتقين» (7). إذا كنتم من أهل التقوى والورع والطهر والالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان الله معكم. عندما يكون الله مع الإنسان فمعنى ذلك أن النصر مع ذلك الإنسان والنجاح معه والفرحة والسرور معه والبهجة المعنوية معه. إنني أوصيكم بكل تأكيد أيها الشباب ـ وأنتم بحمد الله طاهرون مطهرون مهذبون لم تبتلوا بعد بالمشاكل مثلنا ـ بأن تنتفعوا من هذا الطهر وهذا النقاء وهذه النورانية ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، ليكن الله تعالى حاضراً دوماً في قلوبكم وأذهانكم وأعمالكم، وسوف تتقدمون إن شاء الله. 

قلت قبل سنوات أن تقدمنا يجب أن يكون بالنحو الذي لو أراد شخص بعد خمسين عاماً ـ وقد انقضت من تلك الأعوام الخمسين خمسة أو ستة أعوام ـ أن يطلع على الجديد في العلم لاضطر أن يتعلم الفارسية (8)، يجب أن نصل إلى هذه المرحلة، كما أنكم اليوم لو أردتم الاطلاع على الجديد العلمي لكنتم مضطرين مثلاً لإتقان اللغة الإنجليزية، وفي بعض الحقول مثل القانون وما شابه يجب أن تتعلموا الفرنسية مثلاً. يجب أن نصل بأمور إلى هذا الحد، أي إنكم يجب أن تتقدموا بحيث لو أراد شخص في العالم في تلك الفترة التي أشرت لها على نحو التقريب أن يطلع ويكسب الجديد في عالم العلم في شتى الحقول سيكون مضطراً لتعلم اللغة الفارسية ليستطيع قراءة كتاباتكم. وبالطبع فإنكم شباب اليوم ستكونوا في ذلك اليوم مسؤولي البلاد وشخصيات محترمة، ولكن ينبغي أن تمهدوا الأرضية بحيث يستطيع شباب ما بعد عشرين عاماً وشباب ما بعد 25 عاماً وهم أبناؤكم في الفترة الراهنة ـ طبعاً المتزوجون منكم ومن لهم أبناء ـ أن ينجزوا أفضل الأعمال. أتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً إن شاء الله. 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 
 
الهوامش: 
1 ـ في بداية هذا اللقاء تحدث السيد سورنا ستاري (المعاون العلمي والتقني لرئيس الجمهورية) مقدماً تقريراً، وألقى إثنا عشر من النخبة والباحثين في مختلف الحقول كلمات طرحوا فيها وجهات نظرهم. 
2 ـ حجة الإسلام السيد سعيد رضا العاملي. 
3 ـ محسن حاجي ميرزائي. 
4 ـ من ذلك كلمته في لقائه بجماعة من المهندسين والباحثين التقنيين والصناعيين في البلاد بتاريخ 23/02/2005 م . 
5 ـ زيارته لمعرض الشركات علمية المحور والتقنيات المتفوّقة بتاريخ 08/10/2019 م . 
6 ـ كلمته في لقائه بجماعة من الأساتذة والنخبة والباحثين الجامعيين بتاريخ 29/05/2019 م. 
7 ـ من ذلك سورة الأعراف، الآية 128 . 
8 ـ من ذلك كلمته في لقائه بالمشاركين في الملتقى الوطني السابع للنخبة الشباب بتاريخ 09/10/2013 م.