بسم الله الرحمن الرحيم[1]
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أرحب بكم کثيرًا، وأنا سعيدٌ جدًّا بلقاء هذه المجموعة القيّمة العزيزة. قبل أن أبدأ كلامي، سأتناول بكلمة ما جاء في كلمات الأصدقاء. حسنًا، لقد قيلت موضوعاتٌ جيّدةٌ جدًّا، لقد تمّ ذكر مسائل مهمّة جدًّا، سواءٌ ما قاله الدكتور أفشين بداية حول الأعمال والمشاريع المستقبليّة التي يعتزمون القيام بها، والتي تبثّ في المرء السرور والأمل، أو ملاحظات الإخوة والأخوات الأعزّاء، وما قدّموه من أفكارٍ عميقة وأبحاثٍ ومقترحاتٍ، وهي حقًّا جديرةٌ بالتأمّل والاهتمام والمتابعة. حسنًا، لقد تمّ تناول هذه المسائل، وفي هذا السياق أريد أن أذكر مسألتين.
فيما يخصّ كلام نائب رئيس الجمهوريّة المحترم، الحمد لله أنتم تتمتّعون بنعمة الشباب، وإحدى سمات الشباب هي أنّ عقل [الشاب] نشط وفعّال، ويحدّد أهدافًا عظيمةً في الفضاء، وفي الجوّ، وفي السماء الأولى والثانية والثالثة، وهذا [أمرٌ] جيّدٌ. وأنا لا أشكّ بتاتًا في حسن ذلك؛ غاية ما في الأمر أنّ الخلل القائم في عملنا لا يرتبط بقلّة الأفكار والخطط والسياسات في المجالات المختلفة – القضايا نفسها التي قالها الأصدقاء -؛ بل يرتبط بـ «المتابعة» و«الملاحقة». يتّخذ الرئيس القرار، ثم يوجّه الأمر لمعاونه، ومعاونه يبدي كلّ استعداد لتنفيذه، ثمّ يوجّه نائب الرئيس الأمر للمدير العام، ويبدي الأخير كلّ استعداد بدوره، ثمّ بعد مرور عام؛ لا يسأل الرئيس نائبه عن الأمر، ولا نائب الرئيس يسأل المديرَ العام، وتبقى الأمور معلّقة. ما قيل كان جيّدًا للغاية، وأنا أوافق تمامًا، وأسرّ بسماعه، لكن تجب متابعته. تابعوا كيف يمكن تحويل هذه الأفكار إلى واقعٍ ملموسٍ وتحقيقها. هذه هي النّقطة الأولى.
الموضوع الثاني يتعلّق بكلمات هؤلاء الشباب الأعزّاء الذين تحدّثوا هنا. حسنًا، سبعة نخبٍ من هذا البلد أتوا إلى هذا المكان، وقدّموا أفكارهم حول مواضيع متنوّعةٍ. هذا ليس بالشيء القليل. تناول الحديث هنا القضايا المختلفة، من الصناعة والاقتصاد والعلوم الإنسانيّة وغيرها. ماذا نفعل بهذه الأفكار؟ ما هو موقفنا من كلام هؤلاء السادة؟ ما الذي علينا فعله؟ أقول: يجب أن تأخذوا[2] هذه الأفكار - قد تكون بعض المقترحات غير عمليّةٍ، وهذا صحيحٌ، لكنّ الكثير منها قابلٌ للتّنفيذ – ولتشخّصوا الجهاز الحكوميّ أو غير الحكوميّ المعنيّ بهذه الأفكار. وكنائب للرئيس - ونائب الرئيس منصبٌ رفيعٌ - اطلبوا المساعدة من الرئيس نفسه، اطلبوا هذا من مؤسّسة الرئاسة. على سبيل المثال، طُرحت قضية مَكران، وقد تمّ تقديم اقتراح، هذا جيّدٌ جدًّا، مَن المعني بهذا الاقتراح؟ حدّدوا الجهة المسؤولة عن تنفيذه، ناقشوا الاقتراح مع مُقدِّم الاقتراح نفسه، ثمّ تابعوه حتّى يتحقّق. وإلّا، فإنّ مجرّد تبادل الأفكار الجيّدة والاستماع لها لا ينجز العمل. هذا ما وددت قوله.
أشكر من أعماق قلبي الأصدقاء الذين قالوا هنا كلامًا موزونًا وجيّدًا. نحن في حالة حدادٍ هذه الأيّام، وأنا شخصيًّا أشعر بحزنٍ عميقٍ. الحادثة التي وقعت لم تكن حادثةً سهلةً. فقدان السيّد حسن نصر الله ليس بالأمر الهيّن، وقد أحزننا ذلك كثيرًا. على الرغم من الحداد العام والعزاء الذي تمرّ به البلاد، وهو عزاء بكلّ معنى الكلمة، لم أودّ تأجيل هذا اللقاء إلى وقتٍ لاحقٍ. كان هذا اللقاء مقرّرًا منذ فترةٍ، وكان بإمكاننا تأجيله إلى الأسبوع المقبل مثلًا، ولكنّني لم أفعل ذلك. فقد رأيت أنّه لقاء لا ينبغي تأجيله. يجب أن يستمرّ التوجّه نحو الاهتمام بالنّخب والنّخبويّة، ولهذا عقدنا هذا الاجتماع. لهذا الاجتماع رسالة؛ وهي أنّ حالة الحداد التي نحن فيها لا تعني أن نكون في مأتم، وأن نعيش الاكتئاب والعزلة؛ حدادنا هو من نفس طبيعة حداد سيّد الشهداء - عليه السلام -. إنّه حدادٌ حيٌّ، يبعث على الحياة. نعم، نحن في حالة حزن، لكنّ هذا الحزن يجب أن يدفعنا نحو التقدّم والعمل بحماسٍ أكبر. أريد أن نرسّخ هذا المفهوم في قلوبنا وأرواحنا بعمقٍ، وأن نؤمن بأنّ حدادنا يجب أن يدفعنا نحو الأمام. لديّ بالطبع بعض الكلام لأقوله حول قضايا لبنان، وما يتعلّق بهذا الشهيد العظيم والعزيز، وسأتحدّث عن ذلك في المستقبل القريب، إن شاء الله.
فيما يتعلّق بمسألة النّخب، هناك ثلاث نقاطٍ أودّ أن أتناول كلًّا منها ببضع جملٍ مختصرةٍ. إحدى النقاط هي الوقوف على واقع النّخبة في البلاد: كم لدينا من النخب في البلاد؟ هل ما نقوله وما يقوله بعض الناس مبالغ فيه أم لا؟ هذه نقطةٌ. سبب إثارة هذا الموضوع هو أنّ بعض النّاس لا يزالون، كما كانوا قبل مئةٍ أو تسعين عامًا، ينكرون كفاءة وقدرة الإيرانيّين؛ إمّا أنّهم غافلون عنها، وإمّا أنّهم ينكرونها. لا يزال في بلدنا مَن لا يصدّق أنّه يمكن لإيران أن تقوم - ضمن هذا الفضاء وهذا المحيط الموجود في البلد اليوم - بأمور عظيمة غير مسبوقة على مستوى العالم، لا يزال بعض الناس غير قادرٍ على تصديق هذا. وأودّ تناول هذه المسألة ببضع كلمات.
النقطة الثانية هي سبيل الحفاظ على النخب وزيادتها وفاعليتها. ماذا يجب أن نفعل حتّى يصبح وجود النخبة فعّالًا ومضاعفًا، وفي ازدياد، وحتّى نحفظ هؤلاء ليبقوا من النخبة، نحفظهم هم أنفسهم ونحافظ على نخبويّتهم. لقد سجّلت عدّة جملٍ قصيرةٍ في هذا السياق سأقوم بذكرها. الموضوع الثالث هو وظيفة النخبة. في النهاية أنتم النخبة، لديكم مسؤوليّات، ولا بدّ من ذكر تلك المسؤوليّات، على الرغم من أنّ النخبة تعرف مسؤوليّاتها عادة.
فيما يخصّ الواقع النخبويّ، كلمتي هي هذه: يجب علينا أن نعلم ونقف على قدر بلدنا وقدراته الذهنيّة والفكريّة والإبداعيّة التي تنتج النخبويّة، وأن نتعرّف على هذا الذي لدينا. إحدى أسوأ الآفات التي تصيب إنسانًا وفردًا وجمعًا وبلدًا هي عدم معرفة ما لديه. من جانب أعدائنا، أعداء هذا البلد، يتم العمل على إخفاء ما لدينا أو إنكاره. لا ينبغي أن نرضى بذلك، لا ينبغي أن نتساهل في شأنه، بل يجب أن نعمل في الاتجاه المقابل؛ أن نتعرّف على ما تملكه البلاد. أحد أهم ما تملكه البلاد هو النخبة والميادين التي تصنع النخبة، وهي بشكل أساسيّ الميادين الطبيعية [التي تنبع من الفرد بشكل فطري]، ثمّ الميادين الاجتماعية والعرفيّة والمؤسّساتيّة ونحوها.
برأيي، إنّ أهم أساسٍ للنخبويّة هو «نسبة الذكاء». في هذا المجال تُعدّ بلادنا من بين البلدان الرائدة في العالم، إيران هي إحدى البلدان الرائدة في العالم. وصلني تقرير - لا بدّ أنكم أنتم قد رأيتموه أيضًا - من مركزٍ دوليٍّ متخصّصٍ في قياس معدّل ذكاء الشعوب، والذي يقوم دوريًّا بتحديد متوسّط معدّلات الذكاء لدى مختلف شعوب العالم، هذا التقرير يعود لسنة 2024. كما جاء في هذا النص المكتوب الذي قُدّم لي، فإنّ ترتيب إيران بين تلك الدول الثلاث والعشرين التي رأيتها في هذه القائمة – ربما شملت الدراسة جميع دول العالم البالغة مئتين وبضع دول، لكن هذا التقرير اشتمل على الدول الثلاث والعشرين الأُوَل – [من بين] هذه الدول الثلاث والعشرين، كانت إيران في المرتبة الثالثة. وبعد إيران تأتي اليابان، وسنغافورة، ثمّ تأتي الدول الأخرى، مثل كندا، وألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا. فرنسا في المرتبة التاسعة عشرة، وإنجلترا في المرتبة الحادية والعشرين، والهند في المرتبة الثالثة والعشرين، نحن في المرتبة الثالثة في هذه القائمة. هذا إنجاز كبير يستحقّ الانتباه. هذا هو متوسّط نسبة ذكاء شعب إيران. قلت إنّ الأساس والقدرة الأهمّ لبناء النخبة هو نسبة ذكاء الإنسان. طبعًا يجب تفعيل نسبة الذكاء، ويجب وضعها موضع التنفيذ، ويجب توفير الأسس لها، لا بدّ أن تجتمعا معًا. حسنًا، هذه الثروة عظيمةٌ جدًّا، أن يكون متوسّط نسبة الذكاء في بلادنا مرتفعًا بهذا القدر؛ فذلك ليس بالشيء البسيط. هذه الثروة عظيمةٌ جدًّا، إنّها ثروةٌ بشريّةٌ عجيبةٌ، وهي أعلى من كلّ ما نملكه في البلاد من مناجم وموارد وموقعٍ جغرافيّ وغير ذلك؛ إنّها الموارد البشريّة.
بالطبع، قبل الثورة، لم يكن هناك اهتمامٌ بالقدرات الفكريّة أو النّخبويّة؛ كانت هناك اهتماماتٌ أخرى. لم يكن هناك أيّ تركيزٍ على النّخب الفكريّة أو العقليّة. ولكن بعد الثورة، بدأ العمل على ذلك. في السنوات الأولى من الثورة، عندما أُتيحت الفرص للشّباب لدخول مجالاتٍ متنوّعةٍ، قمتُ بزيارة الجنوب؛ أعتقد أنّ هذا كان في عام 58 أو 59 (1979 أو 1980). هناك، كان شباب جهاد البناء قد بدؤوا مشروعًا صغيرًا لبناء صومعةٍ للحبوب. رغم أنّ الصوامع تتطلّب تقنيّةً متقدّمةً، إلّا أنّ هؤلاء الشباب قالوا إنّهم يستطيعون بناء صوامع لتخزين القمح على مستوى البلاد؛ بهذا المستوى من الشجاعة أقدموا على هذا الأمر. نزل شبابنا إلى الساحة، وفتحت أمامهم ميادين العمل، وقد قاموا بإنجازات كبيرة أين منها بناء الصوامع؟ لقد أدّى هؤلاء الشباب أعمالًا أهم بكثير من ذلك؛ سواء في جهاد البناء أم في مجالات أخرى. بعد الثورة، بدأ الاهتمام بقدرات النّخب الشابّة في البلاد، لكنّ ذلك لم يكن بالقدر الكافي أو الذي يليق بها. لا يزال هناك حاجةٌ لبذل المزيد من الجهود في هذا المجال.
هناك أماكن كثيرة نحتاج فيها إلى هذه المسائل التي ذكرتموها، وقد أشرتم إلى مسألة المياه. نحن نحتاج إلى هذه الروحيّة في قضيّة النّفط، والغاز، والطاقة النّوويّة، وتكنولوجيا النّانو، وفي العلوم الجديدة مثل الذكاء الاصطناعيّ وغيرها. نحن بحاجةٍ إلى الروح، والمبادرة، والفكر، والقدرة، والمعرفة، والمتابعة. يجب أن ندخل الشباب إلى الميدان، هذا من الأمور المهمّة. باعتقادي هذه المسائل أو الأفكار من الأمور التي من الممكن للمعاون العلميّ لرئيس الجمهوريّة أن يتولّاها. في الواقع، إنّ تأسيس »مؤسّسة النّخب« - الذي تمّ اقتراحه منذ سنواتٍ، وتمّ قبوله وتأسيسها لحسن الحظّ - كان بهدف التعرّف على النّخب، وتشجيعهم على أداء مهامّهم الكبرى. هذه هي القضيّة الأولى المتعلّقة بحقيقة التفوّق والنّخبويّة في البلاد.
أمّا فيما يتعلّق بمسألة الحفاظ على النّخب وجعلهم في تزايد مستمر؛ فأقول: إنّنا لكي نحافظ على النّخب أوّلًا، ويستفيد البلد منهم ثانيًا، وكي لا يعيشوا الآمال الكاذبة في الهجرة ومغادرة البلاد بحثًا عن فرصٍ أخرى، هناك بعض الأعمال التي يجب القيام بها. أهمّها هو أن يشعر النّخبويّ بأنّ لوجوده أثرًا في بلده؛ هذا ما يسعى خلفه النخبويّ. فالشابّ النخبويّ يرغب في أن يستفيد بلده من نتاج أفكاره وعلمه. عندما يدخل النّخبويّ إلى الجامعة ويواجه الأبواب المغلقة، أو عندما يدخل إلى مركز أبحاثٍ أو مؤسّسةٍ حكوميّةٍ ويواجه الأمر نفسه، فهذا النخبويّ وإن بقي في بلده؛ إلّا أنّه لن يكون نخبويًّا بعد الآن، وسيذهب للبحث عن عملٍ آخر؛ وربما يجد نفسه يعمل سائق سيارة أجرة من أجل الحصول على مردود ماليّ، يمكن حصول مثل هذا! لا ينبغي لنا أن نسمح للنّخبويّ أن يشعر بأنّ وجوده عديم الفائدة. يجب أن يشعر بأنّه مؤثّر.
افرضوا اليوم أنّ لدينا نخبويًّا في الفيزياء أو الرياضيّات، فإلى أين يتّجه؟ هو يرغب في أن يكون لوجوده تأثير؛ لقد درس وبلغ مرحلة التفوّق. فالنخبويّ في مجال الرياضيّات أو الفيزياء؛ إلى أين عليه أن يتوجّه حتّى يستفيد البلد من وجوده، وعلمه، ونخبويّته، وفكره؟ أنا أعتقد أنّ المعاون العلميّ لرئيس الجمهوريّة يمكن أن يكون حلقة وصلٍ في هذا المجال، ومن الجيّد أن يتمّ إيلاء هذا الأمر الاهتمام اللازم، ومتابعته. إذن، النّقطة الأولى هي أنّه يجب على جميع الأجهزة، الحكوميّة وغيرها، أن تسعى للاستفادة من النّخب حتّى يشعر النّخبويّ بأنّ وجوده مفيدٌ.
ثانيًا: يجب أن يشعر النّخبويّ بأنّه يمكنه النّموّ والتقدّم. الكثير من شبابنا قد وصلوا إلى مراتب علميّةٍ عاليةٍ، ولكنّهم غير مكتفين بذلك، فهم يرغبون في البحث والتطوّر واكتساب المزيد من المعرفة. العديد من النّخب الذين يغادرون البلاد يسعون وراء هذا الهدف. لا ينبغي أن نعدّ خروجهم دليلًا على رفضهم لبلدهم؛ كلّا، هم يعتقدون أنّ بإمكانهم تحقيق المزيد من التقدّم العلميّ والبحثيّ في بلدٍ آخر – طبعًا نحن لا ندري إن كان هذا الافتراض صحيحًا أم لا -، علينا أن نوفّر لهم إمكانيّات البحث هنا، من خلال توفير المختبرات، وورش العمل الكبيرة، وربطهم بالصناعة، والزراعة، والتعدين. على سبيل المثال، طالبٌ يعمل في مجال الزراعة قد يقدّم اقتراحاتٍ لتحسين كفاءة استخدام المياه أو البذور؛ يجب أن يعرف أنّه بإمكانه تطبيق هذه الأفكار هنا، وذلك من خلال الربط بين الجامعة والصناعة. قد يقدّم مشاريع مهمّة تستحقّ التنفيذ. هذه مسألةٌ مهمّةٌ أخرى تتعلّق بتوفير إمكانيّات البحث وزيادة المعرفة.
من المجالات المهمّة الأخرى التي يمكن للنّخب أن تؤدّي دورًا فيها؛ إنشاء المراكز الفكريّةٍ، والتي لا يمكن أن تتحقّق حاليًّا في بلدنا إلّا بدعم حكوميّ. ربما يتغيّر الوضع في المستقبل، لكن في الوقت الحاليّ، إذا أردنا أن تكون لدينا مراكز فكريّةٌ نشطةٌ، فإنّ على الحكومة أن تدعم هذا الجهد. هذه المراكز ستكون تجمّعًا للنّخب في كلّ مجالٍ، ممّا سيشجّعهم على العمل والإبداع. هنا أيضًا أرى أنّ حلقة الوصل بين هذه المراكز الفكريّة والمؤسّسات ذات الصلة هي المعاون العلميّ لرئيس الجمهوريّة. لا بدّ بالطبع من القضاء على البيروقراطيّة؛ فلدينا الكثير من الروتين والبيروقراطيّة في المجالات المختلفة؛ أحيانًا لا يكون ذلك قاتلًا، وإن كان مزعجًا، لكن عندما يتعلّق الأمر بالنّخب ومزاجهم الرقيق، فإنّ هذه البيروقراطيّة قد تكون قاتلةً، وتثنيهم عن التقدّم. يجب عدم تركهم ينتظرون طويلًا، لأنّ هذا قد يؤدّي إلى فقدانهم الحماس. يجب على المعاون العلميّ لرئيس الجمهوريّة أن يستفيد إلى أقصى حدٍّ من هذا الكمّ الهائل من النّخب والمواهب.
الموضوع الثالث هو مسؤوليّة النّخب. أوّل ما يجب قوله هو أنّ النّخبويّ »مسؤولٌ«. النّخبة كسائر أفراد المجتمع: »كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّته«[3]. كلّ فردٍ أينما كان هو مسؤولٌ. ولكنّ النّخبويّ مسؤوليّته أكبر من سائر الأفراد؛ لماذا؟ لأنّه استفاد من النّعم الإلهيّة أكثر. كلّما استفدت من فضل الله - تعالى - أكثر، زادت مسؤوليّتك. لقد منَحتك هذه الأفضال قدرةً وعلمًا وسمعةً وثروةً، وهذه كلّها من نعم الله. }وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه{ (النحل، 53)، وهذه النّعم تزيد من مسؤوليّتك. لذلك، أوّل ما يجب التأكيد عليه هو أنّ النّخبويّ »مسؤولٌ«.
النقطة الثانية؛ هناك وظيفة مهمّة اليوم في البلاد، وهي النهضة العلميّة الجديدة. منذ عدّة سنوات، رأينا كيف جرى طرح مسألة العلم ونيل العلوم، والسعي نحو تخطّي حدود المعرفة، وقد لقيت ترحيبًا، وبدأت الأجهزة والجامعات العمل على هذا الأمر، عمل عليه العلماء، وكان لها تأثير كبير. وفق ما قيل، فاقت سرعة النموّ العلميّ في البلاد المتوسطّ العالميّ بمعدل 13 مرّة تقريبًا - ولا يحضرني الرقم الدقيق الآن -، وهذا أمر بالغ الأهمّيّة؛ هذا المستوى السريع من التقدّم! ومع ذلك، أكّدت حينها أنه علينا ألا نغترّ[4] بهذه الإحصائيّات، لأنّنا متأخّرون جدًّا، ويجب علينا الحفاظ على هذه السرعة العالية. لكن مع ذلك، هناك تراجع بسيط، ولم يتمّ الحفاظ على المستوى المطلوب. إنّ التغيّرات العلميّة في العالم سريعة جدًّا، وأنتم جميعًا من أهالي العلم، وتدركون مدى سرعة هذه التحوّلات. نحن بحاجة إلى انطلاقة جديدة، إلى حركة جديدة، وإلى نهضة علميّة جديدة. مَن الذي يجب أن ينهض بهذا الأمر؟ أنتم النخب. بالطبع، الجامعات تتحمّل المسؤوليّة، والمراكز العلميّة والبحثيّة ومثيلاتها جميعها مسؤولة، لكنّ العنصر الأساس هو النخبويّ نفسه. اسعوا واعملوا على تحقيق هذه النهضة العلميّة، فهذا هو جهادكم. بالطبع، أنا لا أقول لكم ألا تقوموا بأنواع أخرى من الجهاد؛ مثل الجهاد الماليّ وأمثاله، والجهاد التبيينيّ، ولكن الجهاد الأساسيّ بالنسبة لكم كنخب هو عبارة عن هذا التحرّك العلميّ، والانطلاقة العلميّة الجديدة، وتحقيق التفوّق العلميّ على المنافسين، والذين يتربّصون بنا سوءًا. ينبغي أن نحقّق التفوّق العلميّ، فلدينا أعداء.
وهناك أسبابٌ كثيرةٌ لذلك، وليس المجال هنا لمناقشتها بالتفصيل، ولكن كلّ الدول وكلّ الشعوب لها منافسون وأعداءٌ، ونحن لدينا أعداءٌ أكثر من العديد من البلدان الأخرى. يجب أن ننتصر على أعدائنا بالتفوّق العلميّ. إن كنّا قد حقّقنا تفوّقًا في مكانٍ ما، فإنّ ذلك يحدث بفضل التفوّق العلميّ والتكنولوجيا. لقد كتبتُ هنا ملاحظةً أنّ التفوّق العلميّ والتكنولوجيّ يمكن في بعض الأحيان أن يقطع يد العدوّ عن الإضرار بجماعات كبيرةٍ مثل غزّة أو الضاحية. فلو كنّا أكثر تقدّمًا في مجال التسليح مثلًا ممّا نحن عليه اليوم؛ لكان ذلك قد ترك تأثيره على المنطقة حتمًا، كان يمكن أن يمنع إشعال هذه الحروب التي تحرق القلوب والأرواح، أو أن يخمدها. الحركة العلميّة والتفوّق العلميّ لهما هذا النّوع من التأثير أيضًا.
التوصية التالية للنّخب في الوقت الحاليّ باختصار: هي تأسيس الشركات القائمة على المعرفة. العدد المستهدف من هذه الشركات، وفقًا لما ظهر في نهاية الخطة[5]، هو ثلاثون ألف شركةٍ، ونحن لا نزال بعيدين عن هذا الرقم. بالطبع، يجب ألا نخفض معيار تأسيس شركةٍ قائمةٍ على المعرفة. يجب ألّا يتمّ تأسيس شركات لا تقوم على المعرفة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. يجب أن تكون قائمةً على المعرفة بمعناها الحقيقيّ، ويجب أن تُجرى التقييمات اللازمة بجدّيّةٍ. ومع ذلك، يجب زيادة العدد، فهذا عملٌ نخبويٌّ.
لقد أنهيتُ كلامي، وكما ذكرتُ سابقًا، سأتطرق إلى قضايا غزّة ولبنان، إن شاء الله، إن كان في العمر بقيّة. لكني أودّ أن أقول كلمة واحدة فقط، وهي أنّ المشكلة الأساسيّة في منطقتنا، التي تؤدي إلى كلّ هذه الصراعات والحروب والمخاوف والعداوات، هي وجود أولئك الذين يدّعون السعي لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة؛ أي أمريكا وبعض الدول الأوروبيّة. هؤلاء، إن كفّوا شرورهم عن هذه المنطقة، فإنّ هذه الصراعات والحروب والمواجهات ستنتهي كلّها بلا شكّ، وستتمكّن دول المنطقة من إدارة شؤونها وشؤون منطقتها بنفسها، وأن تعيش بسلام ورفاهية مع بعضها. ذات يوم، [كانوا] يحرّضون دولة ما، أو شخصًا مثل صدّام حسين، فتقع تلك الأحداث الصعبة والمريرة. وفي يوم آخر، عندما لا يكون هذا الشخص وداعموه موجودين، تغدو المحبّة على نسق مسيرة الأربعين التي شهدتموها من كثب، أي: هذا هو جوهر القضيّة. وينطبق الأمر نفسه على الدول الأخرى. وجود أولئك الذين يزعمون اليوم السعي إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة - وهم يكذبون -، هو السبب الأساس وراء مشاكل هذه المنطقة. نأمل، بتوفيق من الله، وبهمّة الشعب الإيرانيّ العالية، ومع الاستعانة بإلهامات الثورة الإسلاميّة، وبالتعاون مع الشعوب الأخرى، أن نتمكّن من كفّ شرور الأعداء عن هذه المنطقة، إن شاء الله.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم السيد حسين أفشين (نائب الرئيس للشؤون العلمية والتكنولوجية والاقتصاد القائم على المعرفة ورئيس المؤسسة الوطنية للنخب) تقريرًا. كما تحدّث كل من؛ السيد ميلاد لطفي (طالب دكتوراه في العلاقات الدولية)، وحجت ميانآبادي (دكتوراه في إدارة المياه)، والسيد علي مدني زاده (دكتوراه في الاقتصاد وحائز على ميدالية برونزية في الأولمبياد العالمي للرياضيات لعام 2000)، ورسول لوائي (دكتوراه في التنمية الزراعية وحائز على جائزة دراسية من المؤسسة الوطنية للنخب)، وسجاد انتشاري (دكتوراه في إدارة الموارد المائية وحائز على جائزة دراسية من المؤسسة الوطنية للنخب)، والسيدة مريم رضابور (دكتوراه في الهندسة الصناعية وحائزة على المرتبة الأولى في الدكتوراه)، وحنانة خرمدشتي (طالبة في الصف الثاني عشر في مدرسة «فرزانگان 2» وحائزة على الميدالية الذهبية في الأولمبياد العالمي لعلم الفلك والفيزياء الفلكية لعام 2024).
[2] مخاطبًا نائب رئيس الجمهوريّة.
[3] منيّة المريد، ص 381.
[4] كلمة الإمام الخامنئي في الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الإمام الخميني (قده)، 03/06/2012.
[5] الخطة التنموية السابعة