بسم الله الرحمن  الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين.
أرحّب بكم أيها الإخوة الأعزاء والعاملون المخلصون في القوة الجوية بالغة الحساسية والأهمية في جيش الجمهورية الإسلامية. أتقدم بالشكر الجزيل لقائد القوة المحترم على كلمته، كما أشكر فرقة الإنشاد وشعرهم وأداءهم وأشكر المقدمين أيضاً، فقد كان البرنامج جيداً جداً.
يقام هذا الاجتماع في مثل هذا اليوم منذ سنين في ذكرى حدث مدهش عصيّ على النسيان. لقد نشأتم وتربيتم أنتم الشباب والحمد لله في أجواء لم يعد معها من السهل عليكم تصور مثل تلك الأجواء. لقد كانت القوة الجوية في العهد البهلوي من أقرب القوات إلى مركز السلطة والبلاط وإلى الأمريكيين. ولذا ينبغي لنا أن نستلهم العبرة من هذا الحدث، ففيه دروس وعبر.
الدرس الأول الذي من المناسب أن نلتفت إليه هو أن النظام الطاغوتي تلقّى الضربة من مكان لم يكن يحتسبه. وكما قال الله في القرآن عن يهود بني النضير: «فَاَتيٰهُمُ اللهُ مِن حَيثُ لَم يحتَسِبوا» (2) هجم الله تعالى عليهم من موضع لم يكونوا يحتسبونه ولم يحسبوا له حساباً. القوة الجوية بقيادتها التابعة بشدة لهم وفي الظروف الخاصة التي كانت ترافقها دوماً في تلك الفترة – أي الارتباط والاتصال القويّ بالأمريكيين  والمدراء الأمريكيين ومراكز التدريب الأمريكية وما إلى ذلك – فجأة وفي أكثر ظروف الثورة حساسية نزلت إلى الساحة وكان أول يوم لنزولها إلى الساحة يوم التاسع عشر من بهمن [08/02/1979م] حيث جاءوا والتقوا بالإمام الخميني وبايعوه، ثم كان بعد ذلك وقوفهم بوجه جزء آخر من الجيش وهو الجزء الذي هاجمهم وما وقع من أحداث عجيبة في تلك الأيام والتي لا أدري هل تم تسجيل تفاصيل تلك الأحداث في مكان ما للقوة الجوية نفسها أم لا، وإذا لم تكن قد سُجّلت حقاً فيجب تسجيلها وتسجيل ما حدث في قاعدة طهران والهجوم الذي شُنّ عليهم ودفاع الناس عنهم. هذه حادثة وجّه الله تعالى فيها ضربة للعدو من حيث لا يحتسب. هذا جانبٌ من القضية.

أما الجانب المقابل لهذا فهو أن المؤمنين تعززوا وازدادوا قوة من حيث لم يحتسبوا، وهذا ما يسمونه في التعريف الإسلامي وفي الثقافة الإسلامية وفي أدبياتنا الدينية «رزق لا يحتسب». «وَمَن يتَّقِ اللهَ يجعَل لَه مَخرَجـًا * وَيرزُقهُ مِن حَيثُ لا يحتَسِب» (3). الذين كانوا يعملون في ساحات الكفاح لم يكونوا يحتملون أن يحققوا مثل هذا المكسب العظيم بأن يأتي جزء من أكثر أجزاء الجيش حساسية في ذلك الحين ويعلن عن استعداده للعمل في خدمة الثورة ويبايع الإمام الخميني.
حسناً، هذا أحد دروس التاسع عشر من بهمن، وهو ما ينبغي أن يدرج في حساباتنا اليوم أيضاً، فهذا ما أريد قوله. يجب أن تعلموا أن العدو قد يتلقّى الضربات من حيث لا يحتسب، وأنتم بصفتكم عباد الله والمؤمنين بالله والسائرين على الصراط المستقيم قد تحققوا مكسباً من حيث لا تحتسبون  فيكون لكم «رزقاً لا يحتسب» ولا تتوقعونه. أعتقد أن هذه نقطة أساسية جداً بأن نتنبه إلى أن أحداث العالم ليست كلها خاضعة للحسابات المادية والدنيوية. فجزء من الحسابات هو أن الله تعالى في بعض الأحيان يهيئ أحياناً طريقاً مختزلاً ويوفر مثل هذه الأمور والأحداث المساعدة.
وهناك قضية أخرى هي الثقة بالوعد الإلهي. لقد وعد الله تعالى في عدة مواضع من القرآن بوضوح وصراحة أن الإنسان إذا سعى سعيه في سبيل الله وطريق الدين فسوف ينصره، هذا وعد إلهي. يقول في موضع ما: «وَلَينصُرَنَّ اللهُ مَن ينصُرُه» (4). في عبارة «لَينصُرَنَّ الله» هناك عدة أدوات تأكيد بمعنى أن الله تعالى سوف ينصر الذين ينصرون الله وينصرون دين الله بشكل مؤكد جداً جداً. هذا وعد بالتالي، وعد إلهي، ويجب الثقة بهذا الوعد. في يوم التاسع عشر من بهمن ومع أن تلك الحادثة قد وقعت وشاهدوا أن فئة من الجيش قد جاءت وبايعت الثورة، ولكن كان لا يزال هناك أفراد غير مطمئنين غير واثقين غير متفائلين بأن يؤتي هذا الفعل نتائجه وثماره، لكن الإمام الخميني كان واثقاً من الوعد الإلهي. الإمام الخميني وأتباع أفكاره وآرائه ودربه كانوا يعلمون أن هذا الوعد سيتحقق حتماً، ولم يسمحوا لهذه المسيرة بأن تتباطأ وتتضعضع. وحينما تكون هناك ثقة وأمل بالمستقبل فلن يسمحوا للمسيرة بالتباطؤ. هذه حسابات مهمة أن يعلم الإنسان أن الله تعالى يفي بوعده، كما تقول الآية القرآنية: «وَمَن ‌اَوفىٰ بِعَهدِه؛ مِنَ الله»(5) ما من أحد أوفى بوعده من الله تعالى حين يعد. لقد وعد الله تعالى وسوف يفي بوعده.
حسناً، هذه الأمور ليست أموراً شخصية محضة بل هي أمور وقضايا اجتماعية عامة. عندما يتوفر المجتمع المؤمن والفئة المؤمنة والقوة الجوية المؤمنة على مثل هذه الثقة عندئذ سوف تتبدّل التهديدات والأخطار إلى فرص وبعزيمة راسخة. وقد رفعوا الآن تقارير تقول إننا أجرينا عمليّات صيانة لهذا العدد من الطائرات المقاتلة أو المدنية، وأنجزنا تصليحات أساسية فيها ووفرنا مبالغ كبيرة، فمتى تمكنت قوتنا الجوية من هذه الإنجازات؟ عندما صرفت النظر عن الآخرين، بمعنى أن الآخرين هدّدوا بالمقاطعة وقالوا لن نمدكم ولن نساعدكم ولن نبيعكم ولن نسمح لكم، ولا تزال بضائعنا العسكرية موجودة في مخازن الشركات العسكرية الأمريكية، لا تزال موجودة هناك ولم يزودونا بها، ولا ندري ما الذي فعلوه بها. والطريف أنهم طالبونا قبل سنوات بتكاليف تخزينها في مخازنهم، البضائع التي استلموا أثمانها ولم يسلموها؛ يطالبون بتكاليف تخزينها عندهم. هذا معناه أن نظام الجمهورية الإسلامية يجب أن لا تكون لديه المقدرة على إدارة قوة جوية كفوءة. ولكن ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن قوتنا الجوية التي لم يكن بوسعها في ذلك العهد صيانة القطعة الفلانية من الطائرة المقاتلة أو الطائرة الكذائية، ولم يكن من حقها صيانتها، باتت اليوم قادرة على صناعة الطائرة كلها، بمعنى أنها بدلت التهديد إلى فرصة، وقلبت الخطر إلى منفعة وربح. هذه هي خصوصية الفئة المؤمنة.

وإذا نظرتم للأمور على المستوى العام للبلاد لوجدتم الأمر على المنوال نفسه. لقد فرض علينا الحظر منذ بداية الثورة، وتواصل الحظر في الأعوام الأخيرة بدرجات أشد – أي أنّه اشتد أكثر – وهم يفاخرون بأنهم فرضوا أشد أنواع الحظر ضد الجمهورية الإسلامية. وهذا الحظر جريمة بالمعنى الحقيقي للكلمة، إنه جريمة يرتكبونها، أي إنه تهديد مهمُّ مدان من وجهة نظر الرأي العام العالمي، لأن الكلام ليس عن الحظر الأمريكي نفسه بل الكلام عن الحظر التعسفي الذي يُفرض على الآخرين من قبل أمريكا. بمعنى أن الأجهزة الأمريكية المختلفة تحاول الاتصال دائماً بالشركات والشخصيات والحكومات المختلفة لتقنعها بعدم التعامل مع إيران، أي إنه حظر شامل. أما هل يستطيعون ذلك أم لا فهذا بحث آخر، لكنهم يقومون بمساعيهم هذه ويبذلونها وهذه بحق خطوةٌ إجراميّة.
هذا الحظر ذاته يمكن أن يكون فرصة وقد أوجد لنا لحد الآن فرصاً كثيرة، وبعد الآن أيضاً يمكنه أن يخلق لنا فرصاً كبيرة. إذا تصرفنا نحن المسؤولين بوعي ويقظة فيمكنه أن ينقذ اقتصاد البلاد من الاعتماد على النفط، يمكنه أن يقطع الحبل السرّي للاقتصاد عن النفط نهائياً. السبب الرئيس والمهم لمشكلاتنا الاقتصادية هو التبعية للنفط والتي أدت إلى عدم الاهتمام اللازم بالطاقات الداخلية والتدفق الداخلي والمواهب والإمكانيات المتنوعة الداخلية، وأن نكون مطمئني البال بأن لدينا نفطاً نبيعه ونؤمن به تكاليف البلد وعائداته، هذا هو السبب الأساس في مشكلات البلاد. وإذا استطعنا التخلص من التبعية للنفط نكون قد اقتنصنا لأنفسنا أفضل فرصة واستفدنا من تهديد العدو وأعني به الحظر المفروض علينا.
وهم أيضاً ملتفتون إلى هذه النقطة، وهذا شيء يجب أن نشير له. الأذكياء منهم طبعاً ملتفتون إلى هذه النقطة، ولا شأن لنا بالسكارى والدائخين والتائهين والغافلين منهم، الأذكياء منهم ملتفتون إلى هذه النقطة. وقد لاحظت أنهم يوصون في بعض تقاريرهم بأن لا تدعوا إيران تجرب الاقتصاد اللانفطي. يقولون فيما بينهم لا تدعوا إيران تجرب الاقتصاد من دون نفط، بل أوجدوا طريقاً خلفياً ملتوياً من دون أن ترفعوا الحظر، أوجدوا طريقاً ما لكي لا تستغني إيران كلياً عن النفط، لأنها إذا انقطعت تماماً عن عائدات النفط فسوف تتوجه نحو الاقتصاد اللانفطي. إنهم ملتفتون إلى هذا الجانب من القضية ويتابعونه، ونحن المسؤولين يجب أن نكون يقظين واعين. مسؤولو البلاد وخصوصاً المسؤولين الاقتصاديين يجب أن يكونوا يقظين متنبهين. حسناً، إذن الدرس المهم المستلهم من التاسع عشر من بهمن هو الثقة بالوعد الإلهي وانتظار «الرزق غير المحتسب» والتشجيع على المشاركة والحراك المستمر المفضي إلى النصرة الإلهية.

في أيام التاسع عشر من بهمن وقبله بأيام جاءت أمريكا بكل إمكانياتها وطاقاتها إلى الساحة، وقد بعثت شخصية عسكرية رفيعة المستوى – هايزر – إلى طهران فاتصل بكبار المسؤولين عسى أن يستطيعوا فعل شيء من قبيل الانقلاب أو ما شاكل من أجل إيقاف تيار الثورة. وقد فعلوا الكثير من الأشياء لكن الشعب انتصر على الرغم من كل مساعيهم وكانت الهزيمة حليفتهم. وقد كان هذا بفضل الثقة بالوعد الإلهي والاعتماد عليه. في الوقت الحاضر طبعاً ازدادت أعمالهم ونشاطاتهم وأدواتهم تعقيداً، وهذا مما لا شك فيه، فالأعداء يتحركون اليوم بطريقة أعقد لكن نشاطنا نحن أيضاً ازداد تعقيداً. ثمة اليوم تحركات في الهيكلية السياسية للبلاد وفي الهيكلية العسكرية للبلاد وفي المرافق التقنية للبلاد وفي شتي قطاعات البلاد هي بتوفيق من الله تحركات محسوبة ومدروسة جداً ودقيقة ومنطقية ومعقدة ومتقدمة إلى الأمام، وقد استطاع هذا الوضع المعقدة للبلاد أن يحافظ على العمق الاستراتيجي للبلاد بحمد الله ويفرض على العدو المراوحة.

ما أروم قوله هو أن تقوموا – وخصوصاً الشباب منكم – في القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية بقلوب مفعمة بالأمل وبنظرة متفائلة تماماً إلى المستقبل بالأعمال اللازمة لتعزيز وتقوية هذه القوة. فليعتبر كل واحد منكم في أي موقع يعمل فيه أنّ ذلك الموقع هو الأصل والمركز، ولتنفذوا بدقة الواجبات المناطة بكم سواء منها ما يتعلق بالشؤون التقنية أو ما يتعلق بشؤون الطيران أو ما يتعلق بشؤون التنظيم والمؤسسات وباقي المهام والأعمال المهمة. إننا بحاجة إلى أن يكون البلد قوياً من كل النواحي وإحدى هذه النواحي هي الناحية العسكرية. إننا لا نروم تهديد أحد، وحين نصر على القوة العسكرية والاقتدار العسكري ونوصي به فليس هذا لتهديد أي بلد ولا أي شعب، ليس هذا للتهديد بل هو للحيلولة دون التهديد ولصيانة أمن البلاد. إذا كنتم ضعفاء فسيتشجع العدو على إيذائكم، أما إذا كنتم أقوياء فلن يتجرأ العدو على الاقتراب منكم. لنكن أقوياء حتى لا تكون حرب، ولنكن أقوياء حتى تنتهي تهديدات العدو. أنتم وكذلك القوة الجوية الفضائية في الحرس الثوري، وكذلك الأجهزة الصناعية في وزارة الدفاع في قسم المعدات، وفي قسم إدارة الكوادر البشرية لديكم الكثير من الأعمال التي يجب أن تنجزوها فابذلوا كل مساعيكم لتصلوا بتوفيق وفضل من الله إلى المحطة التي يحتاجها المجتمع المستقل الحر الشامخ، وسوف تستطيعون الوصول إن شاء الله، فأنا متفائل تماماً.
لقد كنا على تماس تامّ بالقوة الجوية منذ بداية الثورة وإلى الآن، وقد عملنا مع قادة هذه القوة ومسؤوليها رفيعي المستوى. وبحمد الله تطورت القوة الجوية اليوم كثيراً وقطعت أشواطاً وأنجزت أعمالاً كبيرة، وتوجد في الوقت الحاضر عناصر جد كفوءة وجديرة في القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية. وقد شاهدت أنّ بعض الشباب أنجزوا أعمالاً كبيرة والقوة الجوية بحمد الله زاخرة بالقدرات والمواهب والطاقات اللازمة للتقدم، فلتستغلّوا هذه القدرات إلى أقصى درجة إن شاء الله ولتزيدوا من قوتكم يوماً بعد يوم إن شاء الله. وأنا أدعو أن يزيد الله توفيقاتكم ونجاحاتكم يوماً بعد يوم.

واعلموا أن الهزيمة مكتوبة على عدو الشعب الإيراني، والسبب هو أنه يسير في درب الباطل والخطأ. وإذا كان الماضون من الرؤساء الأمريكيّين يتستّرون عند إقدامهم على فعل بعض الأمور فقد أصبح الأمر اليوم علنياً ومن دون أقنعة وراحوا يفصحون عن مفاسدهم وانحرافاتهم وإثارتهم للحروب والفتن وأطماعهم في ممتلكات الآخرين وثرواتهم. طريقهم طريق الباطل والشيطان، وطريق الشيطان هذا هو ما قال عنه الله تعالى: «اُولئك الَّذينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يلعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَه نَصيرًا» (6). الذي يعلنه الله ويبعده عن حضرته فلن يكون له نصير أو معين. وهذا هو واقع القضية والحال. أما أنتم فلكم نصير وهو الله العزيز الحكيم، وسوف ينصركم إن شاء الله ويوصلكم إلى مبتغاكم.
نتمنى لكم جميعاً التوفيق والتأييد إن شاء الله وأن تتقدموا إلى الأمام أكثر فأكثر يوماً بعد يوم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش:
1 – في بداية هذا اللقاء الذي أقيم في ذكرى البيعة التاريخية لمنتسبي القوة الجوية الإيرانية مع سماحة الإمام الخميني (قدس سره الشريف)، تحدث اللواء الطيار عزيز نصير زاده آمر القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
2 – سورة الحشر، شطر من الآية 2 .
3 – سورة الطلاق، شطر من الآيتين 2 و 3 .
4 – سورة الحج، شطر من الآية 40 .
5 – سورة التوبة، شطر من الآية 111 .
6 – سورة النساء، الآية 52 .