الكاتب: عباس كنعان ​

لقد شكّلت قضية القدس، بما هي محور وقلب فلسطين، والتي تُعد قلب الأمة الإسلامية، دورًا محوريًا في فكر ورؤية وخطاب الإمام الخامنئي (حفظه الله)، واهتماماته السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية المتعددة، مقتديًا بنهج الإمام الخميني المقدس(طاب ثراه)، الذي أعاد للأمة يقظتها، وفعاليتها ووجودها في شتى الميادين ومختلف الأصعدة، ولهذا يقول الإمام الخامنئي (حفظه الله): "الشعب الإيراني كما كان دائماً يرى نفسه إلى جانب المناضلين الفلسطينيين ويرى أن انتصاره ناقصٌ دون انتصار القضية الفلسطينية. الإمام الراحل العظيم منذ الأيام الأولى لنضاله في إيران وضع المسألة الفلسطينية على رأس قائمة اهتماماته، وكان يتابع هذا الموضوع طوال أيام النضال، وكذلك بعد انتصار الثورة"(1)، وبما أنّ "مسألة الأسرة هي مسألة مهمّة جداً، هي القاعدة الأساس للمجتمع، والخلية الأساس في المجتمع"(2)، ولما كانت أهم وظيفة ودور لهذه الأسرة هي التربية التي تقوم باتجاه أبنائها، والاهتمام الذي يمكن أن توليه لمكوناتها المتعددة، إمتثالاً لقول الله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾(4) و﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾(5)، فهو مدعاة التربية والاهتمام والرعاية والعناية المفترضة من قبل الأسرة باتجاه أبنائها(3)، والمحافظة عليهم، وارشادهم إلى كمالهم وسعادتهم والقرب من الله تعالى، وذلك من خلال تجسيد وامتثال الأحكام والتعاليم والقيم الإسلامية الأصيلة، والتي تتمثل بإقامة العدالة والدفاع عن الحق والمظلومين، والمستضعفين أينما كانوا.

وعليه؛ كان للأسرة دورًا أساسيًا في تربية الأبناء والأجيال على الاهتمام والتعلق والعناية الخاصة بقضية القدس، حيث ينبغي على الأسرة أن تقوم بتربية أبنائها على ما يلي:
-التوعية السياسية: بحيث يكون أبناء الأسرة على اطلاع ومتابعة جدية للقضايا السياسية العامة، الجوهرية والمحورية، وفي مقدمة تلك القضايا قضية القدس وفلسطين، حيث يقول سماحة الإمام الخامنئي(حفظه الله) في هذا المجال مخاطبًا الطلاب: "عليكم أن تكونوا في صلب القضايا السياسية"(6)، وكذلك "ينبغي أن تُشرح للشباب السياسات المعادية للاستكبار، وخاصة المعادية لأمريكا، ليعرفوا أعداءهم... بشكل أفضل"(7)، فتُعزز لدى الأبناء روح الاهتمام بالمجريات اليومية لقضايا الأمة والمسلمين في العالم، وهذا يمكن أن يتم بمساعدة ومؤازرة ومواكبة واعية وفاعِلة من قبل الأهل والأسرة.

-التربية على القيم: والتعلق بالإسلام ومبادئه وتعاليمه وأحكامه، والدفاع عن الحق، والمطالبة به، ورفض الظلم، ومواجهته، ومساعدة المظلومين والمستضعفين، والدفاع عنهم، والشجاعة والجرأة والثبات، في نهج المقاومة والمواجهة مع أعداء الإسلام والإنسان والوطن،... وغيرها من القيم والتعاليم التي حض عليها الإسلام، وذلك لأن الأزمات الأساسية التي تواجه البشرية هي في الأصل أزمة الأخلاق والقيم، ويقول سماحته(حفظه الله) في هذا المجال: "إن السبب الأصلي للكثير من مشكلات البشرية في الأنظمة المختلفة، ناشئ من الغفلة عن المعنويات والميل نحو المادية والتعلق بالمادة، وأنَّ الأزمة الأخلاقية المعاصرة ستجر معها هلاك البشرية"(8)، ولهذا ينبغي للأسرة إيكال هذا الجانب الأولوية والعناية اللازمة حال تربية أبنائها.

- ربطهم بقيادة الأمة: حيث ينبغي على الأسرة المؤمنة التي تمتلك البصيرة اللازمة أن تعمل على ربط وتعلق أبنائها بالقيادة الحكيمة والمخلصة للأمة الإسلامية، والتي تحرص على تطبيق قيم ومبادئ الدين الحنيف بكل الميادين والساحات، ومن ضمنها الساحة الجهادية والسياسية المقارعة للاستكبار ومشاريعه، حيث يقول سماحته(حفظ الله): "ينبغي لكلّ الأصول الإسلاميّة أن تقع في الأذهان بصورة عميقة وراسخة. فمسألة أنّه ينبغي للحكومة في مجتمعنا الإسلاميّ، أن تكون نابعة من الحاكميّة الإلهية، هي أصل إسلاميّ؛ لكن ينبغي لهذا الأصل الإسلامي أن يتعمّق في فكر مجتمعنا" .

-بناء روح الثورة والصمود، والتحدي لدى أبنائنا وشبابنا: إذ أن شباب مجتمعنا وأبنائنا عندما تكون لديهم هذه الروحية فإنّه سيُكتبُ لهم الغلبة والانتصار في معركتهم ونضالهم من أجل تلك المقدسات المغتصبة، لا سيما فلسطين والقدس، حيث يقول سماحة الإمام القائد الخامنئي(حفظه الله) في هذا الصدد: "السبب في أنّنا استطعنا، بعد عشر سنوات من الثورة، الوقوف في وجه هجمات الأعداء المختلفة ـ مع كلّ مشكلاتها ـ والمقاومة وتوجيه الضرر الأكبر لهم، هو بفضل الدّين والإيمان والثورة والإسلام والتعاليم القرآنيّة والإسلاميّة لشخصيّة عظيمة الشأن،...، وغالباً ما كانت الروحيّة الثوريّة والتقوائيّة الثوريّة ووحدة الكلمة هي الحاكمة بين أبناء شعبنا،...، والسبب في نجاحنا هو أنّكم أنتم أيّها الشباب كنتم في الميدان، والشعب كان مستعدّاً"(10).

-تهيئة البيئة والظروف لبناء الهوية المستقلة للأبناء: عن التبعية للغرب وفكره وثقافته ونمط حياته البرّاق والمخادع، ويقول الإمام الخامنئي (حفظه الله) في هذا المجال: "لنربِّ شبابنا على أن يتّبعوا سياسة مستقلة، واقتصاداً مستقلاً، وثقافة مستقلة، وألاَّ تنمو لديهم روحية التبعية والركون إلى الآخرين والاعتماد عليهم والرجوع لهم"(11)، مما يعزز لديهم روح الأمل من جديد، وصناعة المستقبل المشرق الذي يحفظ كرامتهم، وتُسترجع كل تلك الأراضي والمقدسات المغتصبة، وعلى رأسها فلسطين والقدس الحبيبة.  

إنّ دور التربية الأسرية في هذا المجال هو دور محوري وضروري، لا يمكن إغفاله، بل لا بد وأن يكون وفق منهجٍ متكاملٍ ودقيق، يولي العناية اللازمة، لكي تكون ثماره ذاخرة، وغرسه نضر من أجل القضية الإسلامية والإنسانية الكبرى، التي ستؤدِّي حتمًا إلى استرجاع القدس وكامل تراب أرض فلسطين، بعون الله تعالى وتسديده.

الهوامش:
 
1- من الكلمة التي ألقاها الإمام الخامنئي (دام ظله) بمناسبة المجزرة الوحشية في الحرم الإبراهيمي.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة (عليها السلام) ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق
3- راجع: خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمعاً من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبـة ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، في طهران، بحضور جمع من الشعراء والمدّاحين، بتاريخ 01/05/2013م.
4- سورة الشعراء، الآية 214.
5- سورة التحريم، الآية 6.
6- كلمة الإمام الخامنئي(حفظه الله) في الجامعة الرضوية للعلوم (23-11-1984)، الحوزة والعلمائية، ج1، ص208.
7- كلمة الإمام الخامنئي(حفظه الله)  في لقاء مسؤولي التربية (4-11-1986) جهار رساله 2، ص179.
8- كلمة الإمام الخامنئي(حفظه الله)  أثناء لقاء له مع مسؤولي كوريا الشمالية وسفراء البلدان المقيمين في بيونغ يونغ (17-05-1989)، جهار رساله 2، ص505.
9- كلمة الإمام الخامنئي(حفظه الله) في جمعٍ من طلاب وأساتذة الحوزة العلمية في مشهد (01-09-1988)، الحوزة والعلمائية، ج2، ص65.
10- كلمة الإمام الخامنئي(حفظه الله) في لقائه مع التعبئة وعلماء الدين، بتاريخ(27-09-1989) حديث الولاية، ج2، ص174.
11- كلمة الإمام الخامنئي(حفظه الله) في حشود المعلمين بمناسبة أسبوع المعلم (ذكرى شهادة الشيخ مرتضى مطهري)، 02/05/2016
 

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir