بسم الله الرحمن الرحيم،

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.

أسأل الله – تعالى - بتضرّعٍ أن يجعل هذه البداية مباركة على الشعب والبلد، ولا سيما أننا في أيامٍ متعلّقةٍ بأهل البيت (ع). قبل بضعة أيام كان عيد الغدير، وغداً يوم المباهلة، يوم نزول آية الولاية، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (المائدة، 55)، ويوم نزول آية التطهير. هذه أيام متعلّقة بالأئمة (ع)، وإن شاء الله، سوف يكون هذا اليوم مباركاً على الشعب الإيراني ببركة تأييدهم ودعائهم وشفاعتهم.

أولاً يجب أن نشكر الله - تعالى - على منّه بهذا التوفيق للشعب الإيراني، فقد استطاع مرة أخرى إجراء هذه الحركة الانتخابية الهادفة تماماً بنجاح، وهي علامة على السيادة الشعبية الدينية، و(ثانياً) أن نشكر الناس، وأن نشكر جهود الحكومة الثانية عشرة - رئيس الجمهورية للدورة الثانية عشرة المحترم وزملاءه -ونسأل الله – تعالى - التوفيق والعون والرعاية الخاصة للسيد (إبراهيم) رئيسي وحكومته وزملائه.

 

لقد تكرّرت مراسم التنفيذ هذه التي تستند إلى الدستور والعرف الذي أسسه الإمام الجليل (الخميني) في البلاد مرات عدة خلال هذه العقود، إذ إنها مظهر لتداول المسؤولية المهمة جداً للسلطة التنفيذية، وهي في الواقع إدارة البلاد، بعقلانية وبهدوء وبمتانة، وهذه مسألة مهمة للغاية.

عادةً في بلدان كثيرة يترافق هذا الانتقال مع تجاذبات وما شابه، لكن - الحمد لله - يتم هذا الانتقال هنا بهدوء وأمان على مرّ الدورات المختلفة، وهذه الدورة كذلك بفضل الله، وهي علامة على العقلانية والسكينة والطمأنينة العامة الحاكمة في البلاد والمسؤولين والناس، وكذلك على التنوع السياسي، فالحكومات التي أتت تباعاً وتداولت السلطة بينها كان لديها توجهات سياسية مختلفة. لذا هذا علامةٌ على التنوع بطبيعة الحال، وهذا التنوع علامةٌ على حرية الانتخابات وسلامتها. إنها أشياء مهمة جداً. يجب أن يرى الإنسان هذه المضامين في هذه الأحداث.

 

بحمد الله، أُجريت الانتخابات بسلامة تامة وبأمن تام. أُعرب عن شكري لمنظّمي الانتخابات في الأقسام المختلفة، وكذلك أولئك الذين وفّروا أمن الانتخابات، وقد كانت مَهمّة بالغة الأهمية، وخاصة حضور الناس. منذ مدة، نشأت مؤامرة لمقاطعة الانتخابات في محافل وضع السياسات عند أعداء البلاد وأعداء الجمهورية الإسلامية، وفي الداخل هناك من اتبع هذه السياسة عن غفلة، وبعضهم ربما كانوا يتبعونها عن قصد، [لكن] الناس ردوا رداً قاطعاً وشاركوا. كانت مشاركة الناس جيدة أيضاً. بالنظر إلى الأوضاع والظروف الموجودة، جاءت مشاركة الناس جيدة وفيها دلالةٌ على حضور الناس في الساحة. نشكر الله ونشكر الناس كذلك.

هناك نقطة هي أن هذا التداول للسلطة يبعث على الأمل، لأن الأشخاص الجدد يدخلون الميدان ولديهم مبادرات ووجوه جديدة، وإرادات جديدة تدخل الميدان. هذا يخلق الأمل لجميع أولئك الذين لديهم الدافع للخدمة. ويخلق الأمل خاصة للشباب. إنه شيء مغتنم ومهم جداً. فهو يمنح الأشخاص الذين لديهم رأي وفكر في مختلف الأمور الفرصة لينظروا في الماضي بدقة، ويبحثوا عن أخطاء الماضي، ويعثروا عليها، ويصححوها، وينبّهوا إليها.

لحسن الحظ، في خطابات رئيس الجمهورية المحترم جناب السيد رئيسي، في الحملة الانتخابية وما إلى ذلك، تكرر تأكيد القيم الأساسية للثورة الإسلامية، فقد اعتمد جنابه على قيمة العدالة ومحاربة الفساد وأمثالهما، وهذا مسار صحيح. توصيتي الأكيدة هي مواصلة هذا المسار نفسه، وطبعاً هو أكّد هذه [القيم] في كلمته. إن الطريق الذي يقود البلاد والشعب إلى حقوقه الأساسية، ويضع البلاد في موقعها الأساسي، هو هذا التمسّك بالقيم الأساسية للثورة الإسلامية. هذه القيم ليست أشياء مجهولة وموهومة. عندما تلاحظون كلام الإمام (الخميني)، [ترون] ذلك واضحاً تماماً وجزءاً من بيّنات الإمام (رض) وتوصياته. يجب أن يضعوها ملاكاً لهم ويتابعوها. فمتابعة هذه الأهداف بحد ذاتها تدفع الناس إلى بذل الهمّة ودخول الميدان ومتابعة القضايا.

 

المسألة الرئيسية، المفتاح الرئيسي، يكمن هنا: حضور الناس في جميع القضايا هو الحل للمشكلات. إن الشيء الذي يُؤمّن حضور الناس ويشجعهم على الحضور في الساحة والميدان - مختلف الميادين التي هي مورد ابتلاء في البلاد - شيء لا يقدّر بثمن. ليس هناك أيّ بديل عن حضور الناس. كان هذا هو الإنجاز الرئيسي للثورة الإسلامية. الإنجاز الرئيسي للثورة الإسلامية هو تحويل الناس من مجموعة وكتلة منفعلة ومستهلِكة وتفتقر إلى وجهة نظر وطنية وعامة، إلى مجموعة ذات دوافع ومهتمة ومثابرة وذات توجّه وهادفة، وإدخالهم إلى الميدان. كان هذا هو العمل العظيم للثورة الإسلامية. نحن عشنا وتنفّسنا قبل الثورة الإسلامية، وكان الأمر على ذلك النحو حقاً. فقد كان الشعب مجموعة مفككة، وكلّ واحد يفكّر في نفسه. لم يكن هناك قضية وطنية مطروحة في البلاد. لم يكن هناك قضية عامة مطروحة في البلاد. ربما كان بعض الأشخاص هنا وهناك يقولون شيئاً ولا يحظى باهتمام عامة الناس. تمكّن الإمام (الخميني) العظيم بحركته الإلهية والمعنوية تلك من أن يحوّل هذه الكتلة المتفرّقة والمشتتة إلى مجموعة واحدة وجمع متّحد بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأن يدخلهم إلى الميدان، وقد قام على هذا العمل العظيم التاريخي في البلاد، أي اجتثاث جذور النظام الملكي المستبد. إنّ أي شيء يمكن أنْ يحول الشعب إلى جماعة متحدة ومتحمسة ومتحفزة وداخلة إلى الميدان ويساهم في هذه القضية هو شيء لا يقدر بثمن ومهم. في رأينا إن التحرك وفقاً لقيم الثورة الإسلامية له هذه الميزة.

 

إحدى التوصيات لرئيس الجمهوريّة الموقّر هي تكرار مسألة الحضور بين الناس، والاستماع للناس والتواصل معهم في شعاراته. [يجب أن] لا يفوّت هذا. إنه مهمّ جدّاً. فليُحقّق على أرض الواقع «الحكومة الشعبية» التي كانت شعاره، وليكن مع الناس وإلى جانبهم بالمعنى الحقيقي للكلمة. الناس يعني كل الناس دون أيّ امتيازات طبقيّة أو فئويّة. بالطبع، يجب ألّا يمنعه الحضور بين الناس - لديه تجارب سابقة في هذا العمل - من الاتصال بالنخب. فالتواصل مع النخب خطوة ضرورية أيضاً ومفيدة للغاية. أي تبادل وجهات النظر مع النخب والاستفادة من آرائهم.

لا بدّ أن تكون الحكومة مظهراً للوفاق. يجب تقويض بعض هذه الاختلافات المصطنعة بين الناس عبر النظرة التوافقية والمتعاطفة مع عامة الناس. الآن قد لا تختفي تماماً هذه الآراء وهذا الاختلاف في وجهات النظر، لكن يجب الحؤول دون تأثيرها في حركة المجتمع.

الحوار الصادق مع الناس أيضاً هو واحد من تلك الأشياء التي تساعد على أن تكون شعبياً. التحدث إلى الناس بصدق وبغض النظر عن الانتماءات السياسية وأمثالها. ليتحدثوا إلى الناس بصدق، وليخبروهم عن المشكلات، وليعلموهم بالحلول، وليأخذوا بتطلّعات الناس وليقدّموا المساعدة اللازمة إليهم. إنّ التحدث إلى الناس أحد الأعمال المهمّة التي على الحكومة الشعبيّة التزامها.

توصية أخرى هي النظر إلى القابليات. في هذه الأيام، ترون أنّ التصريحات والمقالات والكتابات والأقوال تتحدث باستمرار عن أوجه القصور والمشكلات. نعم، هناك عدد من النواقص وأيضاً المشكلات، [لكن] القابليات تفوق المشكلات. هناك قابليات كثيرة في البلاد. لدينا إمكانات هائلة في قطاعات المياه والنفط والمعادن، وفي السوق المحلية الواسعة، وقضية دول الجوار... وفي المواهب والاستعدادات المذهلة لدى الشباب لدينا قابليات استثنائية. هذه هي قدراتنا. لا شكّ في أنه بهذه القدرات يمكن التغلّب على المشكلات بشرط أن تُشخّص بطريقة صحيحة، ثم يُعمل عليها وتُستخدم بجهود لا تعرف الكلل وعلى مدار الساعة. بالتأكيد إنّ استخدام هذه القدرات سوف يتغلب على أوجه النقص الحالية.

جانب آخر للشعبية هو محاربة الفساد. إذا أردنا أن نكون حقّاً إلى جانب الناس، علينا محاربة الفساد والمفسدين بحزم، وقد بدأ جنابه (السيّد رئيسي) مكافحة الفساد في مسؤوليته السابقة، وتم اتخاذ إجراءات جيدة، ولكن جوهر القضية هنا، [أي] أرضيّات الفساد، تتشكل في السلطة التنفيذية. هنا لا بدّ من محاربة الفساد: هذا التهرب الضريبي والاحتكارات غير المعقولة وإساءة استخدام العملة الصعبة التفضيليّة والأنشطة التجارية غير السليمة والتهريب وما شابه. هذه هي عمليات الفساد التي لا بدّ من مواجهتها بالمعنى الحقيقي للكلمة عبر البرامج والمتابعة. تُظهر تجربتنا على مرّ السنين أننا في بعض الأحيان نبدأ عملاً ما بحماسة وهمّة [عالية]، ولكن في الخطوة الثانية نفقد دافع الخطوة الأولى. هذا لا فائدة منه. لا بدّ أن يستمر الدافع والجهد الذي يبذله الشخص ويستخدمه في عمل ما حتى يصل إلى نتيجة. محاربة الفساد على هذا النحو [ضرورية].

نقطة أخرى مهمة، وهي توصيتنا أيضاً، أنه في قضية اقتصاد البلاد المهمّة، التي تعد قضية أساسية اليوم، يجب أن نسير وفق برنامج، أي أنْ يكون كل إجراء تتخذونه جزءاً من برنامج أعددتموه سابقاً. لا يمكن للأعمال اليومية والإجراءات غير المخطط لها أن تحل المشكلة. نعم، قد تضطر الحكومات أحياناً في بعض الظروف إلى اتخاذ خطوة غير مخطّط لها في المجالات الاقتصادية أو غير الاقتصادية - هذه مسألة أخرى - ولكن عامة يجب أن تستند كل حركة اقتصادية، وكل عمل أو إجراء اقتصادي، إلى البرنامج العام المُعدّ، وتحقّق جزءاً من ذلك البرنامج. بالطّبع حل المشكلات الاقتصادية يستغرق وقتاً، وهذا ما يعلمه شعبنا العزيز، وليعلموا أن هذه المشكلات لا يمكن حلها بين عشية وضحاها أو في وقت قصير. لا! الأمر يستغرق وقتاً. يجب بذل الجهود لجعل هذا الوقت أقصر ما يمكن. هذه الأمور يجب أن تتم بعون الله – تعالى - وهدايته والدعاء المُستجاب لوليّ الله الأعظم - أرواحنا فداه - إن شاء الله.

بالطبع، هناك ملاحظات في ذهني في ما يخصّ السياسة الخارجية وموضوع الثقافة وقضايا أخرى، [لكن] الآن بما أنّ هذا الاجتماع لن يستمر أكثر من ذلك، سأحدّثه (رئيس الجمهورية) حولها في اللقاءات القادمة إنْ كنّا أحياء، إن شاء الله.

توصية لازمة هنا هي الإسراع في تشكيل الحكومة، إن شاء الله. فأحوال البلاد لا تسمح بالتأجيل في تشكيلها. على الرئيس المحترم الإسراع في تقديم وزرائه المقترحين إلى مجلس [الشورى الإسلامي] وعلى المجلس الموقر أيضاً الإسراع في الموافقة وإبداء الرأي الواضح بشأن الوزراء، بإذن الله، والمضي قدماً حتى تتشكل الحكومة عاجلاً وتبدأ بممارسة عملها، إن شاء الله.

الموضوع الأخير هو الحرب الدعائيّة للعدوّ. اليوم أكبر التحرّكات لأعدائنا ضدنا بل أكثر من التحركات الأمنية والاقتصادية هي التحركات الدعائية والحرب الناعمة والدعاية الإعلامية. إنهم ينفقون كثيراً من المال ويفعلون الكثير من أجل السيطرة على الرأي العام. وهم يوظّفون كثيراً من الأفكار في المجموعات الفكرية من أجل هذا العمل حتى يتمكنوا عبر الحرب النفسيّة والدعايات المختلفة من الاستيلاء والسيطرة على الرأي العام للبلدان، ومن ضمنها وأكثر من الجميع بلدنا الذي هو هدفٌ لسوء النيّة لدى القوى الكبرى. فعندما يكون الرأي العام لبلد ما في يد شخص أجنبي، ستسير حركة تلك الأمة بالطبع وفقاً لإرادة ذلك الأجنبي. العمل الدعائي عمل مهم. ولدينا ضَعف في هذا الصدد ناهيكم عن أولئك الجهلة الذين يستخدمون وسائل الإعلام المحلية لمصلحة العدو أيضاً - هذا ليس موضوع نقاشنا الآن - ولكن [في ما يخص] أولئك الذين ينوون فعل الخير في هذا الصدد لدينا تقصير في العمل. وفي ما يخصّ العمل الدعائي والحركة الدعائية الصحيحة والترتيبات الإعلامية نحن بحاجة إلى أن نعمل على نحو أقوى وأكثر ذكاءً.

نسأل الله – تعالى - أن يوفّق المسؤولين الكرام والحكومة الموقّرة والرئيس الجديد وزملاءهم في أداء الأعمال اللازمة لما فيه خير البلاد وخير الشعب، وأن يمنّ الله – تعالى - بالعون والهداية، وأن يشارك الجميعُ من أصحاب الرأي وأصحاب الفكر وأصحاب التأثير الاجتماعي في المساعدة حتى يتقدّم العمل جيّداً، إن شاء الله. سلام الله على بقيّة الله - أرواحنا فداه - ورحمة الله على الإمام (الخميني) العظيم وشهدائنا الأبرار الذين فتحوا لنا هذا الطريق، ووُفّقنا للسير فيه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.