خطاب الإمام الخامنئي دام ظله الوارف في ندائه بمناسبة موسم الحج 1443 هجرية هو خطاب مفتاحي يمكن أن يفتح على قضايا واسعة وعملية واسعة وقد شمل مجموعة كبيرة جداً من القضايا. الحقيقة هي أن الإسلام مزيج من الروحانية والسياسة والدمج بين الوحدة والروحانية، ونحن عادة ننظر إليهما على أنهما مفهومان منفصلان ولكن الإمام قدم هذين العنوانين كتعبيرين عن الإسلام وعن أمر واحد وكمظهرين لأمر واحد ولأصل واحد.

بالنسبة إلى الروحانية هي أولاً قوة محركة للأمة وهي ترمم النقص والضعف في الموارد والقدرات لدى الأمة المستضعفة أيضاً وهي تشبع الروح وهنا نتحدث عن العزة والسعادة فهي مصدر السعادة لأن فيها إشباعاً للروح وللمستويات العميقة في شعور الإنسان ووجود الإنسان، وأيضاً هي تصنع إنساناً متيقظاً ورافضاً للظلم ورافضاً للخضوع لأنه ذو قلب حي وروح حية وهو يقظ وواعٍ وغير غارق في الغفلات المختلفة في الدنيا والانشغالات والمخاوف المؤثرة في مواقف الإنسان وفي حياته.

النقطة الأخرى أنه إنسان مؤاثر ومحب، فالإنسان الروحاني إنسان مؤاثر ومحبّ وهذه نقطة تصل بين المفهومين في الحقيقة وهي أيضاً بالتأكيد حسب التعاليم الإسلامية وحسب الإرشادات. من له إيمان حقيقي فهو إنسان متسامح ومتآخٍ ومؤاثر للآخرين ومحب للآخرين فالروحانية هي مدماك أساسي وهي أصل كلي في الشريعة الإسلامية والدين والتوجية الإسلامي.

الإمام القائد هنا يمزجها مع الوحدة. الآن ننتقل إلى هذا الامتزاج ولحظة الامتزاج ونقطة الامتزاج. الوحدة هي نتيجة للروحانية الحقة، فالإنسان الروحاني... النقطة الأساسية التي نريد أن نتحدث عنها من تعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى ولديه الاهتمام والانصراف نحو العبادة ونحو الصلة بالله سبحانه وتعالى سوف يكون توحيدياً ولا يمكن أن يتصرف إلا بمنطق التوحيد وأن يكون له موقف سياسي واجتماعي على مستوى الأمة برمتها وأن يكون توحيدياً على مستوى الأمة.

ففي هذه الوحدة وطبعاً هذه النتيجة التي نصل إليها في النهاية ونختم بها، ولكن هذه الوحدة لها آثار وتجليات كثيرة في خطاب القائد أولاً أنها مسرح لتبادر المعرفة والإرشاد بين المسلمين بتجاربهم وفئاتهم وخبراتهم وإنجازاتهم المختلفة وأيضاً دروسهم المستفادة وعبرهم وأيضاً هي ساحة لكسر التعالي والتمايز بين المسلمين فنحن نعاني منذ التاريخ من هذا التعالي والاستعلاء وطلب التمايز بين المسلمين وهو الذي يولد الحروب والنزاعات في التاريخ الإسلامي كـكل على امتداد العالم الإسلامي.

النقطة الأخرى في الوحدة هي عدم الاستئثار ورفض الاستئثار بشيء من ممتلكات المسلمين من قبل فئة دون فئة وأيضاً تحمل مسؤولية المستضعفين أين ما كانوا في فلسطين، في اليمن، في لبنانـ في كل مكان. الإنسان التوحيدي والموحد الذي يعمل بمنظار إسلامي جامع ولا ينظر من خلال الفئات المختلفة كما أشار القائد اليوم، اللغة والشكل والجغرافيا وغيرها لا تؤثر فيه ولا الحواجز الشكلية والمادية فلا ينظر بقيمه إلى هذه الحواجز الشكلية والمادية بل يعود إلى الفطرة التي هي واحدة لدى الجميع. فعندما يعود إلى الفطرة والتوحيد لا يعود هناك قيمة للمسائل الظاهرية التي في نظره وسوف يكون من هذه الناحية أيضاً يعمل من أجل الوحدة ويندمج في هذه الوحدة ويتخطى الذاتيات والقوميات والجغرافيات من أجل هذه الوحدة أيضاً.

إذاً هذا تحمل مسؤولية المستضعفين من هذا المنطلق وتأسيس على أساس الروحانية والوحدة (واعتصموا بحبل الله جميعاً), هذه الوحدة تمكن الأمة من مواجهة الاستكبار لأن الأمة الآن في هذا الزمان في مرحلة انتقالية بين الاستضعاف وبين العزة وهي مستضعفة ولكنها تعمل من أجل العزة وتكتسب كل يوم خطوة جديدة في هذا الطريق وفي هذا السبيل، فهذه الأمة تعمل وتستطيع أن تعمل إذا كانت لديها الروحية اليقظة والروحية الحية وبالتالي تكتسب القدرة من خلال التماسك بين الفئات والهويات والقوميات الإسلامية المختلفة، وبالتالي هذه الوحدة التي تنبع من الروحانية وهي مظهر من الروحانية ومظهر للإيمان وتجعلنا نقول بوضوح إن من ينحرف عن الوحدة ويشق عصا الأمة ويحالف أعداء الأمة يكون قد ترك ساحة الروحانية وساحة الارتباط بالله سبحانه وتعالى ولم يعد لديه هذه الفطرة الحية ولا هذا المنظار ولا الشعور التوحيدي ولا الشعور الكوني أن الناس سواسية وأنهم ولدوا وخلقوا وأوجدوا في هذا العالم لغاية واحدة ووفق مشروع واحد ووفق رؤية كونية واحدة.

إذاً المستوى الباطني والظاهري للشريعة في منظار الإمام وفي خطاب الإمام وفي سياق خطاباته السابقة، هذا المستوى الباطني والظاهري يجعل المعاني واحدة ويجعل من الصعب على الإنسان أن يكتفي بالروحانية ويترك الوحدة ويدعي أنه على صلة بالله سبحانه وتعالى. هنا في التوحيد أيضاً توجد أبعاد مختلفة في الشريعة وتوحيد الواجبات وجعلها متصلة ببعضها. يقول الإمام إن الإسلام مزيج وليس أجزاء متقطعة وإنما هو مزيج ولو كان كل الروحانيين وكل المهتمين بالعبادة والزهد في العالم الإسلامي يدركون أن مظهر الروحانية ومظهر الزهد ومظهر هذا العرفان ينبغي أن يتجلى في الوحدة وفي المجال السياسي لتغيير وضع العالم الإسلامي منذ أمد بعيد.

أنا لا أريد أن أطيل. فقط أحببت أن أشير إلى مفردة وفي الحقيقة هذه الإشارة إلى المفردة والمقصود من الاكتفاء بهذه المفردة ألا ننظر إلى خطاب القائد، بل أقترح أن يكون نظرنا إلى خطاب القائد أنه خطاب مفتاحي وليس عابر أو خطاب للحظة معينة وإنما هو مفتاح لفكر سليم وفكر متعمق يستطيع أن يوضح الالتباسات الكبرى التي تراكمت في العالم الإسلامي عبر التاريخ.