بسم الله الرحمن الرحيم،[1]

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم المصطفى محمّد[2] وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.

عُقد هنا اليوم لقاء ممتع ومفيد للغاية، وسيكون له - إن شاء الله - كثير من الفوائد لمستقبلنا ولفكرنا. أنا سعيد جداً لأننا تمكّنا من عقد هذا اللقاء هذا العام. في العام الماضي، كتبت السيدات رسالة يحتججن فيها: لماذا خصصتم يوم المرأة للقاء مع مداحي أهل البيت (ع)؟ حسناً، يوم المرأة ليس محصوراً في يوم محدّد، ومن الجيّد أن يكون قريباً من ذكرى ولادة السيّدة الزّهراء (ع). المطلب محق، والإشكال في محلّه. لو بقينا أحياء، فسنعقد هذا اللقاء في المستقبل أيضاً، إن شاء الله.[3]

لقد كان هذا اللقاء لقاء نسائياً بحتاً ومفعماً بالمفاهيم المميزة والسامية حتى الآن، [أي] حتى هذه اللحظة. كانت الكلمات التي ألقتها السيدات جيدة جداً وقد استفدت منها حقاً. طبعاً، لا يمكن تأييد هذه المواضيع بسماعها مرة واحدة وبهذه السرعة من على هذا المنبر. على الإنسان أن يتأمّل ويفكّر. لذلك، أعطوني هذه الكتابات بالتأكيد، وتلك السيدة التي تحدثت دون نص، فلتكتب الكلمات نفسها. [حينئذ] سيكون الأمر أكثر دقة، وسيمنحنا الفرصة للتأمّل والتدبّر. أنا [بدوري] سأعطيها لمجموعة كي تفكّر في هذه المواضيع وتطالعها. كانت هناك اقتراحات نأمل أن يتمكّنوا من إيجاد حلّ لها، إن شاء الله. ربما تكون بعض هذه المواضيع مرتبطة بـ«مجلس الثورة الثقافية» مثلاً، فتجب مناقشتها هناك أو أي مكان آخر، ولا سيما موضوع توظيف النساء الحكيمات والكفؤات والخبيرات والعالمات واللبيبات والفهيمات في مستويات صنع القرار كافة واتخاذ القرار في البلاد، وهذا أمر مهم. بالطبع بالي مشغول بهذه القضية. علينا أن نجد طريقاً لها. ينبغي أن نجد سبيلاً - إن شاء الله - لنرى ما الذي يُمكن فعله.

حسناً، لقد سمعتم كثيراً من الأمور الجيدة من هؤلاء السيدات اليوم. اسمحوا لي ألا أنسى أن أشيد بهذه الأنشودة التي ردّدها الأطفال، والتي تستحق الثناء حقاً، فقد كان الشعر جيّداً جدّاً، وكذلك الموسيقا، وكان أداؤها جيّداً للغاية. أتوجّه إليهم بالشكر جميعاً.

أودّ اليوم أن أبيّن بضع نقاط حول موضوع المرأة، بعض النقاط المهمة في رأيي. ربما قلنا بعض هذه النقاط سابقاً أو قلتم بعضها، لكن تأكيدها جيّدٌ. دعوني بداية أقول لكم: يا فتيات إيران العالمات الحاضرات هنا، ويا من يستمعون هذه الأحاديث كافة! إنّ موقفنا في قضية المرأة تجاه المدعين الغربيين المنافقين هو موقف مساءلة وليس موقف دفاع. ذات مرة، ومنذ سنوات، حين سألني الطلاب في الجامعة: ما دفاعك في القضية الفلانية؟ قلت: ليس لدي دفاع، بل لدي هجوم. في قضية المرأة الأمر كذلك. العالم مقصّر، وحينما أقول «العالم» أي هذا العالم الغربي والفلسفة والثقافة الغربية. طبعاً «الغرب المتجدد»، وكما يقولون هم «الحديث»، ولا أقصد الغرب التاريخي، فهذا نقاش آخر. «الغرب المتجدد» أي هذا الذي لديه مقولة في شؤون الحياة كافة من مئتي عام تقريباً إلى الآن. نحن من لدينا مساءلة تجاههم، فهؤلاء مذنبون ومقصرون في قضية المرأة وألحقوا الضرر حقاً وارتكبوا جريمة. لذلك إن حديثنا ليس ذا طابع دفاعي، بل إنه إبداء للرأي وبيان للعقيدة الإسلاميّة؛ إنّه موقف إسلامي. حتى إنني أتمنى لو أنكنّ كرّرتن هذه الأمور التي نطرحها حول قضيّة المرأة وموضوعها - بحمد الله، أراكنّ ضليعات في هذه القضايا، فهؤلاء النساء اللواتي تحدثن هن متمكّنات بالكامل – ولو أن أمثالكنّ كرّرن وبيّنَ هذه الأمور، فمن المؤمل أن تتمكنّ حقاً من التأثير في الرأي العام للغربيين، لأن نساءهن يعانين حقاً. إنّ مجتمع النساء الغربيات اليوم يعيش حالة معاناة دون أن يعيها في بعض الحالات، وواعياً إياها في حالات أخرى. قد يمكنكم التأثير فيهم أيضاً.

من النقاط التي أريد أن أعرضها وجهة نظر الإسلام في قضية نوع الجنس، وقضية المرأة. ما نظرة الإسلام في قضيّة المرأة والرجل؟ إذا جرى تبيين هذا الرأي، فسأقوله بإيجاز الآن، [لكنّ] تبيينه وتفصيله وتفريعه يقع على عاتقكن حتى تتابعن وتبحثن وتعملن. بخصوص نظرة الإسلام، يمكن القول إنّه من حيث التقييم إنها إنسانية وإسلامية. الإسلام يتحدّث عن «الإنسان» ولا اختلاف أبداً بين الرجل والمرأة، ولا خصوصية [لذلك]، والمساواة بين الرجل والمرأة في مجال القيم الإنسانية والإسلامية هي من مسلّمات الإسلام. ليس هناك أدنى شك في هذا الموضوع. في آيات القرآن والآيات نفسها التي تُليت هنا، تكملة هذه الآيات على النحو التالي: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} (الأحزاب، 35). يذكر عشر خصوصيات للمرأة والرجل - الخصوصيات الرئيسية – إذ يتساوى جميعهم [في الأجر]؛ ثم {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب، 35). هذه رؤية الإسلام، أو في آية أخرى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} (آل عمران، 194)، فلا فرق بينكم، أي لا فرق بين الرجل والمرأة في التقييم الإنساني والإسلامي. نظرة الإسلام هي نظرة إلى الإنسان، ولا خصوصية لأيّ منهما [الرجل والمرأة].

في ما يتعلق بالواجبات المتبادلة بين الرجل والمرأة تجاه بعضهما بعضاً إنّ هذه الواجبات مختلفة بالطبع لكنها متعادلة. [يقول] الشارع المقدّس، في القرآن في سورة «البقرة»: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (228). ذاك المقدار نفسه الذي هو حق لهن هو حقّ عليهن أيضاً. شيء ما يخصهن بالمقدار نفسه، وهناك شيء يخصّ الطرف المقابل، أي يقع على عاتقهم، أي تكليفهم. فكل واجب يُكلف لشخص ما هناك حق قبالته. كلّ امتياز يُعطى لكل واحد منهما هناك واجب مقابله؛ تعادل كامل. هذا في ما يتعلق بحقوق المرأة والرجل. طبعاً الحقوق والواجبات ليست نفسها لكنها متعادلة، وقد أشارت إحدى النساء في كلامها إلى هذا الأمر، كما عُمل على هذا الأمر ودُرس، وتمكنكم رؤية تفاصيله في الكتب والكتابات نفسها وأمثال ذلك.

في النظرة إلى المسؤوليات، يعتمد الأمر هنا على الخصائص الطبيعية للمرأة والرجل. هناك اختلافات بين المرأة والرجل، أي الطبيعة الأنثوية والذكورية. هناك اختلافات في الجسد والروح والأمور المعنوية أيضاً، والمسؤوليات متناسبة مع تلك الاختلافات. هذه الاختلافات تؤثر في نوع المسؤوليات الموكلة إلى المرأة أو الرجل، فالأمر يتعلق بالطبيعة الأنثوية والذكورية، إذ لا ينبغي أن يفعلوا أي شيء يتعارض مع طبيعتهم. هذا الرجل الذي يشبه المرأة في سلوكه وتزيين وجهه وغير ذلك، وتلك المرأة التي تشبه الرجل في سلوكها وكلامها وحركاتها، خطأ. كلاهما خطأ. هذا في ما يخصّ الواجبات الشخصية وما تسمى المسؤوليات المختلفة في بيئة المنزل والبيئة الخارجية وما شابه.

أما عن الواجبات الاجتماعية، فإن واجبات الرجل والمرأة واحدة. الأدوار مختلفة لكن الواجبات هي نفسها. معناه أن الجهاد واجب على الرجل والمرأة أيضاً، لكنّ جهاد الرجال نوع، والنساء نوع آخر. على سبيل المثال، وفي حرب السنوات الثماني هذه (الدفاع المقدّس)، كان للمرأة واجبات أيضاً ولديها تكليف، وقد أدّين واجبهن جيداً. إذا لم يكن أداء النساء أفضل من الرجال خلال هذه المرحلة، فقد كان أداؤهن كما الرجال على الأقل. وإذا لم تقرأن الكتب التي تتحدث عن [دور] المرأة في «الدفاع المقدس»، فاقرأنها. هناك كتب قدّ دُوّنت. الحمد لله، إنهم يفكرون في هذه الأمور الآن وشبابنا البارعون يعملون على توفيرها. لنفترض هذه السّيَر المرتبطة بأزواج الشهداء. لا أعتقد أن في إمكانكم قراءة واحدة من هذه السير الذاتية وألا تبكوا عشر مرات أثناء قراءتها. هذا غير ممكن! أي، يرى الناس جهاد هذه المرأة. ذهب الرجل إلى الميدان لكن هذه [المرأة] تُجاهد. [إذن] الجهاد واجب على كليهما. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على المرأة والرجل أيضاً، لكن الأدوار مقسمة. ليست الأدوار نفسها. هذه هي نظرة الإسلام تجاه المرأة والرجل في مختلف المجالات التي ذكرتها. حسناً، هذه نظرة تقدمية ومنصفة. المرأة في مكانتها البارزة، والرجل في مكانته البارزة، وكلاهما يتمتع بامتيازات قانونية وفكرية ونظرية وعملية، على عكس نظام التقييم والرأسمالية في الغرب. بالطبع، كما أشرت، «الغرب المتجدد» هو ما أعنيه.

إن النظام الرأسمالي الغربي نظام ذكوري أساساً، أي ما يقولونه عن الإسلام ويتبجّحون به ويدّعونه خلافاً للواقع يصدق عليهم تماماً، لماذا؟ إن جذور هذه الرؤية هي تفوّق رأس المال على الإنسانية في النظام الرأسمالي، فالناس في خدمة رأس المال، وكل شخص يمكنه أن يوفّر رأس المال أكثر ويكدّسه، يكون أكثر قيمة. الرجل أكثر ضخامة وأشدّ قوة. كان [استخراج] الذهب والمجوهرات والألماس وغيرها في أفريقيا وأمريكا وأمريكا الجنوبية يقوم عليه الرجال، والإدارات العليا الاقتصادية والتجارية وما شابه في عهدة الرجال. لذلك هناك أولوية للرجال على النساء في النظام الرأسمالي، لأن رجحان رأس المال على الإنسان يصدق أكثر بشأن الرجل. إذن، الآن وبعدما تقرر أن رأس المال هو ما يحدد مكانة البشر، لن يكون البشر متساوين، فهم متفاوتون بطبيعة الحال. قلنا إنه وفقاً للنظرة الرأسمالية هذه سيكون الرجل أعلى من المرأة بطبيعة الحال. لذلك، ترون أن النساء يتعرضن للاستغلال بأسلوبين في النظام الرأسمالي: الأول يتعلق بالعمل نفسه، وهذه واحدة من النقاط المهمة. الآن هذه السيدة التي قالت إنّها كانت في الغرب من المفترض أنّها على اطلاع ودراية جيّدة بهذه النقاط، وهي موجودة في الكتب، ويمكنكم العثور عليها في الكتب والأماكن التي فيها معلومات عامة. الآن أيضاً أجر المرأة أقل من الرجل على عمل مماثل في كثير من البلدان الغربية، أي يحوّلون العمل نفسه الذي يفعله الرجال إلى النساء ويدفعون أجوراً أقل لأنها أضعف وأكثر عُرضة للقهر. هكذا. هذا نوع من الاستغلال! من الأسباب لإثارة قضية «حرية المرأة» في القرن التاسع عشر ولاحقاً العشرين - في التاسع عشر غالباً - سحب النساء من المنازل وجرّهن إلى المصانع واستخدامهن بأجور أقل.

سأفتح هنا مزدوجين: حدثت القضية نفسها في ما يتعلّق بقضية ذوي البشرة السمراء في أمريكا، في الحروب الأهلية الأمريكية عام 1860، أي منذ ما يقارب مئة وستين عاماً، حين وقعت الحروب الأهلية الأمريكية التي دامت سنوات عدة، فقد قُتل خلال أربع سنوات من الحرب بين الشمال والجنوب أكثر من مليون، وتبعاً لهذه الحروب أُثيرت مسألة حرية «الرقيق» و«العبيد» ذوي البشرة السمراء. في الجنوب، كانت الزراعة، وفي الشمال الصناعة. كان الجنوب مركزاً لـ«العبيد»، وكان معظم هؤلاء في الجنوب يزرعون، والشماليون بحاجة إلى عمالة رخيصة، أي كانوا بحاجة إلى أصحاب البشرة السمراء هؤلاء، فبدأ الشماليون إثارة الجدل حول «تحرير العبيد». إذا كنتم قد قرأتم رواية كوخ العم توم، فسترون [ذلك]. يعود هذا إلى ما يقارب مئتي عام. كُتبت كوخ العم توم هذه منذ نحو مئتي عام. إنها تعود إلى تلك الأوقات. كانون يشجعونهم ويهربون من هنا ويأخذونهم إلى ذاك الطرف. لماذا؟ ليكونوا أحراراً؟ كلا، لأنهم بحاجة إلى عمالة رخيصة. العمالة الرخيصة! إن غش السادة الحضاريين الغربيين في مختلف القضايا من هذا النوع. وهناك عدد من الحالات المشابهة والمماثلة طبعاً.

لذلك، هذا هو الأسلوب الأول لتوجيههم الضربة إلى المرأة وإدخالها إلى مجال العمل من أجل أن ينفقوا ويدفعوا تكاليف وأموالاً أقل. الأسلوب الآخر: بما أن الرجل هو الجنس المتفوق، يجب أن تكون المرأة أداة لتلذذ الرجل. بالطبع، يصعب عليّ الحديث عن هذا الموضوع في المجالس كافّة وبخاصّة النسائية؛ إنّه صعبٌ عليّ حقّاً لكنه حقيقة. ماذا نفعل؟ فعلوا كلّ ما في وسعهم ليتمكّنوا من إقناع المرأة بأن امتيازها هو في نوع السلوك الذي يزيد جاذبيتها الجنسية للرجل. لقد فعلوا كل ما في وسعهم. هذه قصّة محزنة للغاية، وأنا قرأت أشياء كثيرة في هذه المجالات لا يستطيع المرء [التعبير عنها]. [قرأت] في إحدى المجلات الأمريكية – أحضروها لي قبل سبع سنوات أو ثمانٍ أو عشر من اليوم – أنّ صاحب ثروة أمريكي بارزاً جداً - يمتلك مثلاً عشرات من سلاسل المطاعم الحديثة والمتقدمة والجميلة وما شابه - أعلن أنه سيوظف، مَن؟ الفتيات والشابات الصغيرات بهذه المواصفات التي ذَكرها. إحدى هذه المواصفات أن ملابسهن وتنانيرهن يجب أن تكون أعلى من الركبتين بذاك المقدار وقد وضع صورتها أيضاً: يجب أن تكون كذلك! فكما ترون، إن التخطيط للتجارة والصناعة والحياة التقليدية في الأزقة والشارع على نحو يمكّن الرجل اللاهث والغارق في الشهوات أن يُشبعها بعيونه وغير عيونه. حسناً، انتهك هؤلاء كرامة المرأة حقّاً وكسروا حرمتها، وأسوأ الحالات ما أشرت إليه: أوصلوا الأمر إلى النقطة التي ترى فيها المرأة نفسها – الشابة أو الفتاة - ومصلحتها في الظهور بطريقة تمكنها من جذب انتباه الرجال إليها من الناحية الجنسية! أي رجل؟ رجل يمشي في الشارع. كان وصول المرأة إلى هذا الاستنتاج أكبر ضربة وجّهها هؤلاء إلى المرأة. وهناك كثير من الحالات التي ربّما شاهدتم وقرأتم كثيراً منها.

حسناً، إلى ماذا أدّت هذ النظرة الذكورية؟ عندما يكون الرجل هو الجنس المتفوّق لدى الحضارة الغربية وتكون الحضارة ذكورية، ستكون النتيجة أنّ تتخذ المرأة الرجل نموذجاً لها ويصير الرجل نموذجاً للمرأة. ستسعى المرأة خلف أعمال رجولية، وكذلك ستكون النتيجة. لاحظوا! هناك آية في هذا المقام، وأعتقد أن إحدى الأخوات أشارت إليها. لم تقرأها [بالطبع] لكنها في رأيي كانت تقصد هذه الآية. تقول الآية الشريفة: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ} (التحريم، 10)، هناك امرأتان هما نموذجان للكفار. هما امرأتان نموذجان وقدوتان للنساء الكافرات: امرأة نوح وامرأة لوط، اللتان خانتا زوجيهما، {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (التحريم، 10). مع أنّ زوجيهما نبيّان، فإنّهما لم ينفعاهما. هذا بخصوص الكفار. ثم [تقول الآية]: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} (التحريم، 11)؛ جعل [الله] امرأتين قدوتين للكافرين كلهم وامرأتين قدوتين للمؤمنين كلهم، أي لكلٍّ من الرجال والنساء. فإذا أراد الرجال كلهم في العالم أن يصيروا مؤمنين، فقدوتهم امرأتان: إحداهما زوجة فرعون والأخرى السيدة مريم (ع)؛ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}، إذ كانت في ذروة النُّجب والعفة، وهي المرأة التي أنقذت موسى (ع) كي لا يُقتل عندما أخرجوه من الماء. قالت: {لَا تَقْتُلُوهُ} (القصص، 9). بعد ذلك آمنت بالنبي موسى (ع) أيضاً، ثم ماتت تحت التعذيب. هذا نموذج. [والنموذج الآخر:] {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ}. للأسف، ليس لدينا كثير من المعلومات لكي نعرف حقيقة الواقع الذي عاشته السيدة مريم - سلام الله عليها – {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} (التحريم، 12)، أي التي حافظت على عفّتها. لقد عاشت هذه السيدة العظيمة ظروفاً قاومت فيها بكلّ ما أوتيت من قوّة وحافظت على عفّتها وإلى نهاية الأمور التي تعرفونها. هذا بالضبط مقابل الحضارة الغربية التي تجعل الرجلَ نموذجاً، فـالقرآن يجعل المرأة نموذجاً لا للنساء فقط بل للبشر جميعاً سواء في ساحة الكفر أو ساحة الإيمان.

حسناً، بهذا، تظهر وقاحة الغرب، فرغم الضربات كلها التي وجّهوها إلى المرأة ومكانتها وكرامتها، يتظاهرون بحمل راية «حقوق المرأة»! هم يستغلون «حقوق المرأة» في العالم، وهذه حقّاً قمّة الوقاحة. أحياناً قد يحصل الشخص على معلومات سرية من مصدر معيّن، وأحياناً لا، إذ يكون [الأمر] جلياً. أنا لا أريد استحضار الأسماء الآن. حقاً يخجل الإنسان من تسمية تلك الأشياء التي جرت السنة الماضية بين النساء في الغرب والاعتداءات الجنسية وأمثال ذلك. مع ذلك كلّه، يقولون: نحن ندعم المرأة، وندعم «حقوق المرأة»! هذا ما يسمى «حريّة» بلغة الغربيين العديمة التقوى. عندما ينادون بـ«حرية المرأة» هم يقصدون الحرية بهذا المعنى! هذه هي الحرية [في رأيهم]. ليست حرية! هذا هو الأسْر بعينه، وهذه هي الإهانة بعينها.

للأسف، وصلنا متأخرين إلى هذه النقاط داخلياً، فكثير من هذه الأمور اتضحت لنا بعد انتصار الثورة. أما قبل، فتصوّر بعض «الكبار» أنّ هذه الحريّة في العلاقة بين الرجل والمرأة لدى الغرب من شأنها أن تُشبِع عين الرجل ونفسه، فلا يفعل أيّ انتهاك جنسيّ، أي الانتهاكات التي كانت تحدث أحياناً هنا وهناك. إنّ هذه الانتهاكات لن تقع إذا شَبِعَت عين الرجل. كذلك كانوا يظنون! لاحظوا الآن: هل شبعت أعينهم وأنفسهم، أو مع هذه الانتهاكات الجنسية التي يفعلونها تضاعف شرَههم مئة مرّة؟ دائماً ما يكرّرون: في محيط العمل، وفي الشوارع والأسواق، وفي الأماكن كلّها، وحتى في المؤسسات المنتظمة والشديدة الانضباط كالجيش – حيث توجد النساء كذلك – يقع التحرّش أيضاً! التحرّش هو غير الفسق بالتراضي. طبعاً، الحديث عن الفسق بالتراضي له نقاشه الخاص، فبالإضافة إليه، يحدث االاعتداء أيضاً. إذن، ليست الحال أنّ العين والنفس لم تشبعا بل إن الشرَه والشهوة تضاعفا مئة مرّة. لذا، إذا نظرتم اليوم إلى أجواء الغرب، فهناك التجارة الجنسية، والاستعباد الجنسي، وكسر الحدود الأخلاقية والإنسانية كافة، وقد جعلوا الأمور المحرّمة كلها في الأديان عرفية وقانونية. [تحريم] الشذوذ الجنسي وما إلى ذلك لا يتعلق بالإسلام فقط، بل إنها من المحرمات الكبيرة في الأديان كافة. إنهم يجعلونها قانونية وحقاً لا يخجلون! حسناً، لذلك إنّ الاجتناب الشديد من النظرة الغربية تجاه مسألة كنوع جنس الإنسان في مجتمعنا هو واحد من واجباتنا العملية.

أيتها النساء الحكيمات والعالمات والفهيمات والمتعلمات - الحمد لله - أنتنّ حاضرات في الميادين كلها، وأنتنّ هنا غيض من فيض، أي أنتنّ زهرةٌ من البستان الكبير. بحمد الله، كثيراتٌ هنّ النساء الفهيمات والحكيمات والمتعلمات والمطلّعات في أنحاء البلاد كافة. بحمد الله، تحقق أملنا في أن تكبر هؤلاء الفتيات المؤمنات ويصرن نساءً عالمات وحكيمات. إنّ فضح النظرة الكارثية للثقافة الغربية في ما يتعلق بنوع جنس الإنسان وبالمرأة إحدى مهماتكنّ الأساسية. أخبروا الجميع، فبعضهم لا يعرفون. داخل البلاد بعضهم لا يعرفون أيضاً، وكثيرون في الخارج لا يعرفون، وفي البلدان الإسلامية كثيرون كذلك. البلدان الإسلامية متعطّشةٌ لمعرفة مثل هذه الأمور. كذلك الحال في البلدان التي ذهبنا إليها ونكون ونحضر فيها وتصلنا أخبارها، والدول الغربية أيضاً على هذه الحال. حسناً، اليوم التواصل في الفضاء المجازي سهل للغاية؛ يمكنكنّ أن تجرين تواصلاً في الفضاء المجازي وأن تشكّلن أرضيةً لكي يلتفتوا، وأن تجعلن هذه المفاهيم في إطار عبارات قصيرة ومعبّرة – تكون قصيرة ومعبّرة أيضاً – وترسلنها لتفهيم الرأي العام المُخاطب بهذه «الهاشتاغات» وأمثالها. إنها قابلية كبيرة بين أيديكنّ اليوم. حسناً، هذه نقطة: نظرة الإسلام من الناحية النظرية والعملية تجاه قضية المرأة والرجل، ونوع جنس الإنسان.

نقطة أخرى في ما يخصّ قضايا المرأة هي موضوع الأسرة التي – لحسن الحظ - جرى التطرق إليها في كلمات الأخوات من جوانب ووجهات نظر عدّة وكان [الطرح] جيّداً للغاية. لقد استمتعت بكلماتهنّ حقاً. كما تلاحظنَ، إنّ تكوين الأسرة هو نتيجة للقانون العام لعالم الوجود، القانون العام للخليقة، وهو قانون الزوجية: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} (يس، 36). جعل الله المتعالي الزوجية في كلّ شيء. لقد جعل الزوجية في كلّ شيء - «خلق الأشياء كلّها» - فهناك زوجية في الإنسان والحيوان والنباتات، {وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}. هناك أشياء أخرى فيها زوجية [لكننا] لا نعرفها. الآن، كيف تكون الزوجية عند الحجارة مثلاً؟ لا نعلم. قد يُكتشف ذلك في المستقبل. هناك زوجية عند الأجرام الفلكية لا نعلم كيفيتها. في المستقبل سوف يُكتشف ذلك. لاحظوا: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}. حسناً، هذه هي الزوجية. ما قرأته كان من سورة «يس». هناك آية أخرى في «الذاريات»: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذاريات، 49)؛ الزوجية قانون عام.

الآن بين مزدوجين أستطيع أن أقول على الهامش أيضاً إنّ الزوجية - هي الواضحة في النظرة الإسلامية - تقع بالضبط على الطرف النقيض لفكرة التناقض في الجدلية الهيغيلية[4]  والماركسية، أي الركن الأساسي في جدليّة هيغل – أخذها ماركس منه في ما بعد – هي التناقض، فحركة المجتمع والتاريخ والبشر ناجمة من التناقض، أي هناك «الأطروحة»[5] و«نقيض الأطروحة»[6]، والذي يصدر عنهما – الأطروحة ونقيضها – هو التوليفة[7]. الأمر ليس كذلك في الإسلام. لا تتأتّى النتيجة من التناقض، بل من الزوجية، إذْ ينشأ الجيل اللاحق والرتبة والحركة والمرحلة التالية من كل من الزوجية والملاءمة والاقتران. بالطبع هذا يحتاج إلى البحث والعمل، وما قدّمتُه هو نظرية ووجهة نظر. حسناً، فالزوجية هي القانون العام في عالم الخلق. هذه الزوجية موجودة في النباتات والحيوانات أيضاً. مع ذلك، هذا القانون الثابت له ضوابط في حالة الإنسان. لقد وضعوا ضوابط في حالة الإنسان [فقط]. لماذا وضعوا الضوابط؟ لأنّ الزوجية يمكن أن تقع من دون ضابطة كما في بعض الأماكن في العالم، دون ضوابط. وسبب ذلك أن الإنسان يفعل عن انتخاب واختيار. لا يمكن أن يتحرّك الإنسان ويتقدّم دون انتخابه واختياره. يجب أن يكون انتخابه واختياره ضمن إطار وإلا فإن شخصاً سيختار أمراً وآخر سيختار شيئاً يناقضه ومن ثم تحدث الفوضى.

القانون ضروري من أجل أن يُرسى نظام في المجتمع والتاريخ وحياة الإنسان. القانون موجود في كل مكان، كما يوجد في قضية الزوجية. أيضاً هذا لا يختص بالإسلام [فقط]. انظروا في أديان العالم كلها: الزوجية لها قانون، في المسيحية واليهودية و[حتى] البوذية وغيرها. في الديانات الأخرى - على حد علمنا - قانون يقيم الزوجية بين المرأة والرجل. إن غياب القانون هنا ذنب وجرم وظلم ومسبب للاضطراب والفوضى. إذن، تؤدي هذه الضوابط إلى سلامة الأسرة. إذا جرت مراعاة هذه الضوابط، فستجعل الأسرة سليمة، وعندما تصير الأسرة سليمة، يصير المجتمع سليماً. الأسرة هي الخلية التي تكوّن المجتمع. عندما تصير الأسَر سليمة، يصير المجتمع سليماً.

إذن، ما دور المرأة في الأسرة، وما دورها في بيئة الأسرة؟ أنا مع الالتفات إلى مجموعة المعارف الواردة في الآيات والروايات وأمثالها التي تحضر في ذهني. أصوّر الأمر على هذا النّحو: المرأة هي الهواء الذي يملأ أجواء الأسرة، أي كما تتنفّسون في الأجواء، ولن يكون التنفّس ممكناً دون ذاك الهواء، المرأة كذلك، فهي في الأسرة بمنزلة التنفّس في هذه الأجواء. وما ورد في الرواية: «المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»[8] هو حول هذه القضيّة ومرتبطٌ بالأسرة. «ريحانة» تعني وردة، أي العطر، الرائحة الطيبة، ذاك الهواء نفسه الذي يملأ الأجواء. «قهرمان» في العربيّة – في عبارة «لَیسَت بِقَهرَمَانَة» - تختلف عن قهرمان في الفارسيّة. «قهرمان» تعني القائم على الشؤون، أي العامل أو مثلاً: مسؤول العمال. المرأة ليست «قهرمانة». ليس الأمر على هذا النّحو في الأسرة: أن تظنوا أنّكم حين تزوّجتم بامرأة، يجب أن تُلقوا بالأعمال كلّها عليها. كلا! هي تقرّر تطوعاً إنجاز عمل معيّن. [لا ضير في ذلك] فهو بيتها، وهي ترغب في إنجاز عمل ما، فتنجزه. وإلّا، لا يحقّ لأحد – أكان رجلاً أم غير رجل – أن يحثّها ويجبرها ويقول: عليها إنجاز ذاك العمل. إذاً، كذلك هي الحال.

حسناً، تارة تظهر المرأة في الأسرة في دور الزوجيّة، وتارة أخرى في دور الأمومة، ولكلّ دور خصوصيّته. المرأة في دور الزوجيّة هي مظهر السكينة في الدرجة الأولى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (الأعراف، 189). السّكينة! ذلك لأنّ الحياة فيها تلاطم، والرّجل منشغلٌ في بحر الحياة هذا بالعمل والتلاطم، ثمّ حين يعود إلى البيت يحتاج إلى الهدوء والسكينة. المرأة تُنشئ هذه السكينة في المنزل؛ {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}؛ [أي] أنْ يشعر الرّجل بالهدوء وبالسكينة إلى جانب المرأة، فهي منشأ السكينة. دور المرأة بصفتها زوجاً هو المحبّة والسكينة، كما أشرت سابقاً، فلتقرأن هذه الكتب حول أزواج الشهداء؛ هناك تتّضح المحبّة والسكينة تماماً وتُبرز نفسها وكيف أن هذا الرّجل الذي ذهب إلى ميدان الحرب – سواء أكانت حرب «الدفاع المقدّس» أم «الدفاع عن العتبات المقدسة» أم سائر الميادين الشاقة – كان يحصل على السكينة إلى جانب هذه المرأة وتَخمُد تلاطماته الروحيّة تلك، وكيف يجعله عنصر المحبّة ثابتاً على قدميه ويضخّ فيه الجرأة والشجاعة والقوّة ليتمكّن من إنجاز عمله. فكذلك هي المرأة بصفتها زوجاً؛ إنها مدعاة للسكينة والمحبّة والاستقرار وأمثال هذه الأمور. حسناً، أنا إذ أشرت إلى قضيّة السّكينة هذه - {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} - فهذه آية «لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا»، وفي آية أخرى أيضاً: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (آل عمران، 21). «مودّة» هي نفسها المحبّة، و«رَحمة» تعني العطف. يجري تبادل المحبّة والعطف بين المرأة وزوجها. هذا هو دور المرأة بصفتها زوجاً، وهو ليس بالدّور الصغير. إنه دورٌ مهمّ وعظيمٌ جدّاً. كان هذا في ما يرتبط بالزوجيّة.

في ما يرتبط بالأمومة إنّ دور المرأة هو دور «حقّ الحياة»، أي المرأة تُنشئ الكائنات التي تتكوّن منها. إذاً كذلك هي الحال، فهي التي تَحمِل، وهي التي تضع، وهي التي تُغذّي، وهي التي ترعى. حياة البشر بقبضات أيدي الأمّهات، فلهنّ حقّ الحياة على الأبناء. المحبّة التي جعلها الله المتعالي في قلوب الأمّهات تجاه الأبناء شيءٌ فريدٌ من نوعه، أي لا وجود لأيّ محبّة من هذا النوع وهذا النّحو الذي جعله [الله]. هي صاحبة حقّ الحياة ثمّ استمرار النّسل. فالأمّهات هنّ السّبب في استمرار النسل، أي يستمرّ نسل البشر بفضل «الأمومة».

الأمّهات سببُ الانتقال لعناصر الهويّة الوطنيّة، وهذه الهويّة شيءٌ مهمّ. إنّ هويّة أيّ شعب وشخصيّته تنقلها الأمّهات بالدرجة الأولى: اللغة، العادات، التقاليد، الأعراف، الأخلاق والعادات الحسنة... كلّها تنقلها الأمّ بالدرجة الأولى. الأب مؤثّرٌ أيضاً لكن بنسبة أقل بكثير من الأمّ، فهي لديها الأثر الأكبر.

الأمّهات مَن ينثرن بذور الإيمان في الأفئدة وينشئن الابن مؤمناً. و«الإيمان» ليس درساً يُدرّسه المرء لأحد أو يعلّمه. إنه نماء وتسامٍ معنوي يحتاج إلى نثر البذور، وهذا نثر تقوم عليه الأم، وهي التي تفعل هذا العمل. كذلك هي الحال بشأن الأخلاق أيضاً. إذاً، دورها استثنائيّ للغاية.

طبعاً، هذان الدوران مهمان. لقد قلت مرات عدة - هذا اعتقادي أيضاً - إن هذه أهم واجبات المرأة وأبرزها أيضاً، أيْ عندما قالت هذه السيدة: «أنا ربة منزل»، هذا جيدٌ جداً. أكثر دور أساسي للمرأة من وجهة نظر الإسلام هو دورها في إدارة المنزل، لكن ما يهمّ أنّ إدارة المنزل لا تعني الانعزال فيه. بعض الأشخاص يشتبهون بين هذين الأمرين. عندما نقول: إدارة المنزل، يظنّون أنّنا نقول: اجلسنَ في البيوت ولا تفعلنَ أيّ شيء، ولا تؤدّين أيّ مسؤوليّة، ولا تدرّسن ولا تجاهدنَ ولا تمارسنَ العمل الاجتماعي والأنشطة السياسيّة. ليس هذا ما تعنيه إدارة المنزل. إنها تعني الاهتمام به، وإلى جانب ذلك، يمكنكنّ فعل أيّ عمل آخر في وسعكنّ أداؤه وترغبن فيه وتشعرنَ بالتوق لإنجازه، لكن ذلك كلّه يندرج تحت إدارة المنزل. إذا دارَ الأمر بين أن تُصان حياة هذا الطّفل أو يُنجز ذاك العمل في المديريّة، فإنّ حياة الطفل أوْلى. هل لديكنّ شك في هذا؟ كلا، أي لا يوجد أدنى شك لدى أي امرأة في أنه إذا كانت حياة الطفل في خطر، وكان العمل في المكتب في خطر، فإن حياة الطفل أولى. كذلك الأمر بشأن أخلاق الطّفل وإيمانه وتربيته. فكما أنكنّ لا تشعرنَ بالتردّد بشأن حياة الطّفل، فإنّ هذا الأمر يصدق على التربية أيضاً. طبعاً، هناك بعض الحالات التي يُمكن فيها حلّ هذا التردد وتدوير الأمر بين هذا وذاك بأسلوب معيّن وبطريقة من الطرق. هناك بعض الحالات يُمكن حلّ الأمر فيها، لكن إذا كان هناك تدوير ولم يكن هناك من سبيل، فسيكون هذا مقدّماً على ذاك [العمل في المديريّة]. لكن لو كان ذاك أيضاً عملاً مشروعاً وضروريّاً، يكون في بعض الحالات واجباً - في بعض الحالات، تكون الأعمال الاجتماعيّة فريضة ولا بدّ من إنجازها - ولا بدّ منه.

بالطبع، عندما يكون فريضة [أيضاً]، يعتمد ذاك على مدى الأهمية لتلك الفريضة. الآن أعطيت مثالاً عن مسألة حياة الإنسان [لكن] أحياناً تكون أهمية الفريضة أعلى من حياة طفل الإنسان، ومن حياة زوج الإنسان، ومن حياة والدَي الإنسان. لذلك أنتم تقولون للإمام الحسين (ع): «بأبي أنت وأمي»[9]؛ فداكَ والدايَ. ومَن أعلى من الوالدين؟ حياتهما فداء لك... أو في الآية القرآنية [يقول]: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ...} إلى قوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا} (التوبة، 24)؛ لا ينبغي أن نحب هذه الأمور أكثر من الله والجهاد في سبيله. كذلك يكون الأمر في بعض الحالات. عندما تكبر الفريضة وتصير عظيمة، يصير لها رُجحان حتى على حياة الطفل أيضاً، لكن في حالات أخرى غير هذه، في الحالات العادية، تكون الأسرة هي محور واجبات المرأة، وحقاً لا يمكن إدارة الأسرة دون المرأة ونشاطها والشعور بالتكليف لديها، ولن تُدار. لا يمكن أن تُدار دون المرأة. أحياناً تكون هناك عقد صغيرة في الأسرة لا يمكن فكها إلّا بالأنامل اللطيفة للمرأة. مهما يكن الرجل قوياً وذا قدرة، فلا يمكنه فك بعض العقد. لا يمكن فك هذه العقد الدقيقة وأحياناً العمياء إلّا بالأنامل اللطيفة للمرأة. حسناً، كان هذا في ما يتعلق بالأسرة.

طبعاً، في قضيّة الأسرة أيضاً، لو نظرنا إلى القضايا في الغرب، نجدها كارثة. إنها كارثة! الغرب جعل الأسرة تتلاشى، جعلها تتلاشى حقّاً. طبعاً، حين أقول الآن إنّه جعلها تتلاشى لا يعني هذا أن الأسرة غير موجودة في الغرب إطلاقاً. كلّا، بعض الأُسَر أُسرٌ جيّدة أيضاً وهي حقيقيّة، وبعضها أُسرٌ في الظّاهر دون أن تكون كذلك في الباطن. كنت أقرأ في واحد من النصوص الغربيّة الأمريكيّة أنّ الرّجل والمرأة لكي يتمكّنا من رؤية الأبناء جيّداً ويكونُوا أسرة في الواقع يتّفقان [كما يلي]: فلتأتِ أنتَ من المديريّة في الساعة الفلانيّة، ولتأتِ السيّدة من المديريّة أيضاً، ثمّ لنحتسِ معاً كوباً من الشاي أو نتناول «العصرونية» معاً، أيْ أن يأتي هو في ساعة محددة – من الرابعة إلى السادسة مثلاً – وتأتي هي أيضاً، والأبناء قد عادوا من المدرسة أيضاً، فيجلسون ويتناولون الشاي مع بعضهم بعضاً، وكذلك تكون الأسرة! ثمّ تذهب تلك إلى عملها، ويذهب ذاك إلى سهراته الليليّة وينشغل بصداقاته. هذه ليست أسرة، بل صورة لها.

لقد جعل الغربيّون الأسرة تتلاشى حقّاً بأنواع هذه القضايا التي أشرتُ إليها سابقاً وأشكالها، وهو ما أدّى إلى الانهيار التدريجي للأسرة وجعلَ أصوات المفكّرين الغربيّين أنفسهم تعلو. كثيرون من أصحاب النيات الحسنة لديهم ومصلحوهم التفتوا إلى هذا الأمر وراحوا ينادون، لكنّني أعتقد أنه لم يعد أمامهم حلّ الآن، فمنحدر الانهيار في بعض الدول الغربيّة سريعٌ لدرجة تتعذّر معها إمكانيّة إيقافه. إنهم ينجرفون وباتت الأُسَر غير قابلة للإصلاح. هذا في ما يتعلق بالأسرة أيضاً.

الوقت شارف على الانتهاء. فهناك بعض المواضيع الأخرى التي - للأسف - لم يعد يمكنني التحدث عنها بالتفصيل الآن، وإحداها قضيّة الحجاب. الحجاب ضرورة على مستوى الشريعة. هو شريعة وضرورة شرعيّة، فلا وجود لأيّ شكّ وتردّد في وجوب الحجاب. فليعلم الجميع هذا الأمر. أن يشككوا ويوجدوا شبهة حول الحجاب ووجوبه وكونه ضروريّاً... لا، لا مجال للتشكيك وبثّ الشّبهة. هو واجبٌ شرعيّ ينبغي التزامه. لكن ينبغي ألّا نتّهم اللواتي لا يراعين الحجاب بصورة تامة بعدم التديّن وبمعاداة الثّورة. لا، مطلقاً. ذات مرّة كنت في زيارة إلى واحدة من المحافظات، وقد قلت هذا في جمع من العلماء[10]. كان علماء تلك المنطقة مجتمعين هناك. قلت لهم: لماذا بعضكم أحياناً... هذه السيّدة التي لنفترض أنّ بعض شعرها ظاهر أو رديئة الحجاب وفق التعبير الرائج - لا بدّ من قول ضعيفة الحجاب، أي حجابها ضعيف - لماذا تتّهمونها؟ حين دخلت إلى هذه المدينة وجاءت الجموع لتستقبلني، لعلّ ثُلث الجموع كنّ من هذا النّوع من النساء، ويذرفن الدّموع. لا يُمكن القول إنّهن ضدّ الثورة. كيف يكنّ ضدّ الثورة ويأتين بهذا والشوق والاندفاع والحماسة، أو يشاركن مثلاً في المراسم الدينيّة أو الثوريّة الفلانيّة؟ حسناً، هؤلاء أبناؤنا وبناتنا. لقد كرّرت هذا الأمر مرّات عدّة حتى الآن في خُطب صلوات عيد الفطر. وقلت إنّهم جاؤوني بصور لمراسم شهر رمضان وليالي الإحياء، وأنا لا أستطيع الحضور هناك طبعاً، لكنّهم يأتونني بصورها. كانت النّساء بمختلف الأشكال والمظاهر يذرفن الدّموع. أنا أتحسّر على مثل هذا الذّرف للدموع! وأقول: ليتني كنت أستطيع ذرف الدّموع مثل هذه الفتاة أو مثل تلك السيّدة الشابّة! كيف يمكن اتهامها؟ نعم، إنه ليس عملاً صحيحاً، فالحجاب الرديء أو الضعيف ليس صائباً، لكن هذا لا ينبغي أن يؤدي إلى إخراجنا هؤلاء [النساء] من مجال الدين والثورة ونحو ذلك ونعدّهم خارجه، لماذا؟ بالطبع، جميعنا لدينا بعض العيوب، ويجب أن نصلحها. كلما تمكنا من إصلاحها، كان ذلك أفضل. كانت هذه مسألة وموضوعاً يتعلقان بقضية الحجاب.

للأسف، ثمة قضية ليس هناك وقت للحديث عنها وهي خدمة الجمهورية الإسلامية للمرأة. لا ينبغي نسيان هذه القضية. انظرن! لا أظن أن واحدة منكن قد شهدت مرحلة ما قبل الثورة. نحن أمضينا ما يقارب نصف عمرنا في المرحلة التي سبقتها. في مرحلة ما قبل الثورة، كانت النساء الحكيمات والفهيمات والمتعلّمات والباحثات والمحققات في مختلف المجالات قليلات جداً. هذا الكم كله من الأستاذات الجامعيات، والطبيبات المتخصصات وأصحاب التخصصات الفرعية، والعالمات الباحثات في المجالات المختلفة - عندما أقول المجالات المختلفة هو حقاً في أماكن ذهبت إليها بنفسي ورأيتها وزرتها - حيث العلوم المتقدمة والتقنيات المتقدمة والنساء العالمات والمثقفات يعملن هناك، كان هذا الأمر ليس له سابقة قبل الثورة، وهذا ما فعلته الثورة. هذا الكم كله من الطالبات الجامعيات - ترون في إحصاءات بعض السنوات أن عدد الطالبات الفتيات أكثر من الفتية - يدل على معانٍ كثيرة... هذا المقدار كله من الرغبة في تحصيل العلم.

ثم في الميادين الرياضية: كما ترون، تذهب فتياتنا إلى الميادين الرياضية ويصرن بطلات ويفزن بالميدالية الذهبية وهن يرتدين الحجاب الإسلامي. أيُّ ترويج للحجاب أفضل من هذا؟ أيّ ترويج أفضل من هذا؟ لقد جاءت بعض هؤلاء السيدات وأهدتني ميدالياتهن الذهبية. بالطبع، كنت أعيدها إليهن ليحتفظن بها لكنني فخور حقاً بمثل هذه السيدات. أن تذهب هذه الفتاة الإيرانية إلى ميدان دولي يشاهده ملايين الناس من وراء الكاميرات وتحصل على الميدالية الذهبية وترفع علم بلادها وتقف مرتدية الحجاب! هل هناك ترويج للحجاب أفضل وأكثر من هذا؟ لقد تقدمت المرأة في كل مكان وفي مختلف المجالات، وفي الأولمبياد العلمي وأماكن مختلفة. كذلك هو الأمر حقاً. حسناً، الآن بعدما قالت بعض هؤلاء النساء إن [النساء] لا يوظفن، ولا يجري الاستفادة منهن عملياً في صنع القرار واتخاذ القرارات، نعم، هذا عيب موجود. لا شك في ذلك. تجب معالجة هذا العيب، لكن وجود هؤلاء النساء الفهيمات والحكيمات والعالمات والباحثات كلهن وصاحبات الرأي والكاتبات [أمر لافت]. أنا أستمتع حقاً بهذه الكتب التي يحضرونها لي وتتحدث عن سير الشهداء وأزواج الشهداء وعائلاتهم. إن معظم مؤلفيها من النساء اللواتي تقدمن على الرجال. يا لها من أقلام ويا لها من كتابات! الشاعرات النسوة شاعرات ماهرات جداً. هذه القصيدة نفسها التي قرأتها هذه السيدة المقدّمة[11] كانت قصيدة جيدة جداً وهي قصيدتها أيضاً. كانت هذه نقطة أيضاً.

كذلك، أود أن أضيف هذه النقطة: في هذه القضايا الأخيرة - رأيتم طبعاً - عُمِل الكثير ضد الحجاب. مَن وقف ضد هذه المساعي والدعوات العامة؟ النساء أنفسهن. النساء هن من وقفنَ. كانوا قد عقدوا أملهم على هؤلاء النساء اللواتي ترونهن رديئات الحجاب. كانوا متأملين فيهن. وأملهم أن تخلع أولئك النساء اللواتي يرتدين نصف حجاب حجابهن بالكامل [لكنهن] لم يفعلن، فقد وجّهن ضربة إلى فم المروّج وطالب الدعوة العامة [هذه].

الموضوع الأخير الذي أود أن أتحدث عنه: رغم الكلام كله الذي قلناه ورغم الإشادات كلها، وهي حقيقة، من الإنصاف [القول] إن النساء يُظلمنَ في بعض العائلات في مجتمعنا. الرجل يتجبّر على المرأة بالاعتماد على قوته الجسدية، ولأن صوته أخشن وطوله أعلى وعضلاته أثخن. النساء يتعرضن للظلم. حسناً، ما الحل؟ ماذا ينبغي أن نفعل؟ إذن، نريد أن نصون الأسرة، والحل أن تكون القوانين المتعلقة بالأسرة محكمة وقوية فلا يستطيع أي رجل أن يظلم المرأة. يجب أن تأتي القوانين هنا لمساعدة الطرف المظلوم. طبعاً هناك حالات قليلة تكون فيها المسألة بالعكس، أي المرأة هي التي تَظلِم، إذْ لدينا أيضاً حالات على هذا النحو. طبعاً هي قليلة وغالبية الحالات كما ما قلت. نأمل أن تصلح هذه الأمور كلها، إن شاء الله.

لقد استفدت من المواضيع التي تحدث عنها السيدات. نأمل أن تنتهي هذه المسائل كلها إلى خواتيم حسنة وبأفضل وجه ممكن، إن شاء الله. نسأل الله المتعالي أن يمنَ عليكم جميعاً بالخير والصحة والعافية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] قبل كلمة قائد الثورة الإسلامية تحدّثت كل من: عاطفة خادمي (باحثة وعضو في المجلس الثقافي والاجتماعي للبلاد)، وباريتشر جنتي (كاتبة وربة منزل)، ومريم نقاسان (محامية وناشطة في المحاكم الألمانية)، والسيدة مهدية السادات محور (الفائز بجوائز وطنية ودولية في السينما الوثائقية)، وشهرزاد زاده مدرس (أستاذة في جامعة الشهيد بهشتي للعلوم الطبية)، ونگين فراهاني (ناشطة في مجال الفتيات)، وسارا طالبي (دكتوراه في علوم العلاقات وطالبة في المستوى الرابع في الحوزة العلمية).

[2] الحضور: اللهم صلِّ على محمد وآل محمّد.

[3] الحضور: إن شاء الله.

[4] أو الديالكتيكية الهيغلية.

[5]  أو القضية، Thèse.

[6] أو النقيض، Antithèse.

[7] أو التركيب، Synthèse.

[8] الكافي، ج. 11، ص. 170.

[9] كامل الزيارات، زيارة عاشوراء.

[10] خلال كلمة له في جمع من الفضلاء والعلماء والطلاب الحوزويين من محافظة خراسان الشمالي، 10/10/2012.

[11] السيدة نفيسة السادات موسوي.